رواية موسى (على دروب الحكايا) – الفصل الرابع عشر
الفصل الرابع عشر(حب أم شفقة؟)
-“الألم يغير الناس،فيجعلهم يثقون أقل ويفكرون أكثر وينعزلون أطول”.
“جبران خليل جبران”
_____________________
خمسة من السهام انطلقت من قوس واحد إلي وجهة مجهولة لأكثرهم،فقد ركضوا خلفه بأقصى سرعتهم دون أن يعلموا حتي سبب ركضهم هذا،ولكن كل ماكان يشغلهم في هذه اللحظة هو اللحاق بصديقهم الذي بات الخوف والقلق واضحين جداً علي ملامحه الحادة وهرولته تلك.
وصل الخمسة إلي منزل أولهم والذي صعد دون إنتظار لحظة،فلحق به أربعتهم تباعاً واحداً خلف الأخر،حتي وصلوا إلي الطابق الأخير وهو المقصود.
توقفوا للحظة عن الحراك في صدمة،عندما وجدوا نادية تقف في الزاوية وتحتضن ابنتها بين ذراعيها،بينما كان صديقهم يتقاتل مع شباين ومن بينهم عاصم الذي تعرف عليه سامي وعلم أنه قد صاب توقعه؛بينما ثالثهم نهض من علي الأرض بعد ضرب موسى له وشرع في كسر الباب لإقتحام الشقة.
ولكن قبل أن يفعل ذلك اقترب سامي منه وقام بدفعه بقدمه بعيداً،وخلفه مباشرة كان الأربعة قد تقدموا لمساعدته هو وموسى في هذا الشجار،الذي احتدت بين الطرفين الغير متكافئين في القوة والعدد.
تعاون كل من موسى ومحسن في قتال أحدهم،بينما تعاون حسن وحسين في قتال الثاني،وتبقى فقد كل من سامي وكارم في مواجهة المدعو عاصم.
وجه الأول لكمة لموسى في وجهه في حركة سريعة منه،فوضع موسى يده موضع الضربة،وعندما نوى إعادته له،حال بينهما محسن الذي أخرج ألة حادة (مطوة) من جيب بنطاله ورفعها أمام أعين الأخير كعلامة تحذير له،ولكن بمجرد أن وقعت أعين حسن عليها أصابته صدمة أشبه بصاعقة.
وبجوارهم تماما؛استطاع سامي توجيه لكمة عنيفة في وجهه عاصم والذي حاول ردها له ولكن منعته يد كارم الذي أمسك بيده ثم ابتسم بإستهزاء وهو يحرك رأسه بالنفي مع قوله الساخر:
“تؤ تؤ،كده عيب أنت تنضرب بس..مش تضرب”
أنهى جملته وهو يضربه برأسه في منتصف وجهه و تحديداً في أنفه،فارتفعت صرخات الأخير وهو يمسك بأنفه التي بدأت تنزف،وقبل أن يستمر كارم في ضربه،رفع سامي يده وأوقفه بقوله:
“استنى ياكارم”
اندهش كارم من طلب صديقه ولكن لم يكن لديه خيار سوا الإصغاء له،فأنزل يده التي كان ينوي ضرب عاصم بها،ثم وضعها خلف ظهره ووقف يشاهد ماسيفعله سامي مع ذلك الرجل.
أما في الجهة الأخري فقد استطاع الأربعة التغلب علي الآخريّن بسهولة لتغلبهم عليهم في العدد والقوة أيضاً،فاعتدل كل منهم من وقفته وهو يرمق الجسدين علي الأرض بإشمئزاز وتقزز،ماعدا موسى الذي كان عينه معلقة عليها وهي تقع بين ذراعيّ والدتها،والتي كانت تنظر له أيضا،وفجأة اومأت له بالإيجاب كأنها علمت بأنه يسألها بنظراته تلك إن كانت بخير أم لأ،وقد كان له مايريد بهذه الإماءة البسيطة.
ولكن لم تطل تلك النظرات طويلا،عندما توجهت أنظار الجميع صوب سامي الذي دفع عاصم صوب الحائط بقوة،ثم اقترب منه وتحدث معه بحدة:
“ماكنتش أعرف إنك شخص ندل كده،جاي تتهجم علي أهل بيتي في غيابي ياوسخ”
أتاه الرد من الأخير وهو يرمقه بشرٍ وغضبٍ:
“أنا جاي علشان أخد ابني”
ارتفع صوت سامي أكثر بقوله الغاضب:
“ابنك كان أخرك إنك تيجي تشوفه،وأنا ماكنتش ممانع،أما تفكر إنك تيجي تاخده من حضن أمه غصب،وتجيب رجالة علشان يتهجموا عليها،أنتَ كده بالحركة القزرة دي أثبتلي إنك مش راجل،وماتستحقش تبقى أب أصلا”
“وأنت مين علشان تحاسبني أصلا!،هو أنتَ فاكر علشان اتجوزتها تبقى ليك الحق إنك تحاسبني وتمنعني أخد ابني”
أتته الإجابة سريعاً من سامي بنبرة أهدأ من سابقتها ولكن بنفس الجدية:
“آه ليا الحق..،علشان هي بقت مراتي خلاص،بقت هي وابنها مسئولين مني،وماحدش مهما كان مين يقدر يقربلهم طول ماانا عايش حتي لو الشخص ده كان أنتَ”
أطلق عاصم ضحكة ساخرة من حديث سامي هذا،ثم رد عليه بنبرة جادة:
“ده أنتَ واقع في حبها بقا..،ده أنا كنت فاكر إنك متجوزها شفقة مش أكتر ياراجل”
“الشفقة دي اللي يحس بيها الناس لما يشوفوا خلقتك من بعد النهاردة”
أنهى سامي جملته وهو يلكم الأخير في وجهه بعدما استطاع إثارة غضبه بكلماته الأخيرة تلك،وقبل أن يستمر في ضربه وصل إلي مسامعهم صوت صفارة مرتفع..صوت صفارة سيارة الشرطة.
وقف خمستهم في حيرة وإندهاش بعد سماعهم لهذا الصوت،وكل مادار في عقولهم في هذه اللحظة من قد يكون قد أخبر الشرطة؟؟،وأطلق كارم مافكر به بصوت عالي مرددا:
“مين اللي طلب البوليس؟!”
لم تصل إليه أي إجابة منهم،فجميعهم مثله ليس لديه علم بالفاعل،فظل يتبادل النظرات معهم في اندهاش وذُعر،وأثناء ذلك السكوت اقترب حسن من شقيقه محسن وسحب منه الألة الحادة في أقل من ثانية وقام بوضعها في جيب بنطاله تحت نظرات الأخير المندهشة.
ولكن قبل أن يستفسر منه عن سبب فعله ذلك وجد الشرطة أمامه وأشار المسؤول عنهم جهتهم بقوله الصارم:
“خدوهم!”
شهقت كل من نادية فيروز فور سماعهم تلك الكلمة ورؤيتهن للعناصر
يأخذو
ن الثمانية جميعاً دون استثناء،بينما تحدث سامي مع الضابط بجدية محاولا تصحيح الموقف له:
“في سواء تفاهم حضرتك،دول اللي اتهجموا علي بيتنا،المفروض هما اللي ينقبض عليهم مش احنا”
كان رد الضابط عليه واحد وهو:
“ابقى قول اللي عندك في القسم،جيبوهم يلا!”
أنهي جملته وهو يشير للعناصر بأن يأتوا بهم خلفه،وقد أصغوا لأوامره وأمسكوا بالثمانية وترجلوا بهم علي الدرج،فسارت خلفهم كل من نادية وفيروز،ولكن فجأة أوقفهم سامي بقوله الجاد:
“أوعوا تيجوا ورانا،احنا هنتصرف ماتخافوش،خليكم انتوا مع ليلى وخدوا بالكم منها لحد ماأرجع،مش هوصيكم عليها،وماتقلقوش علينا خير إن شاء الله”
لم يكن لديهم خيار الإعتراض بسبب اختفاء أثرهم من أمامهما فور انتهاء سامي من حديثه ووصوله مع البقية إلي الطابق الثاني،فوقفت كلتاهما في حيرة وعجز وجهل لم يمكنهما أن يفعلانه،ولكن كل ماكان يمكنهم فعله في هذه اللحظة هو مساندة تلك التي اندست في زواية شقتها وهو تدفن ابنها بين ضلوعها في حالة من الخوف والرعب امتزجت بالقلق علي زوجها وماقد يحدث له وهو من معه.
بينما في الأسفل تم وضعهم جميعاً في سيارة الشرطة،تحت أعين المارة والتي كانت كالصقور التي تراقب فريسة ما،ولكن تجاهل الستة كل تلك النظرات فقد وجههوا أعينهم علي الثلاثة الذين جلسوا أمامهم وكلا الطرفين يتوعد للآخر.
انطلقت السيارة وتقدمت عنها سيارة الضابط،ولم يتركا خلفهما سوا الغبار الذي أحدثته الإطارات.
وفي هذه اللحظة وصل كل من داود ويحيى بعد خروجهم من الجامع،وقد لاحظوا أثر تلك السيارت،فعقد بين حاحبيهما وسأل يحيي الأول قائلا:
“ايه اللي جاب البوليس الحارة؟!”
نظر إليه داود وحرك راسه بالنفي دلالة لجهله السبب،ولكن سرعان ماانتبه إلي “تامر” الذي كان يقف أمام الورشة مع أغلب العمال وبعض المارة التي بدأوا بالرحيل؛اقترب منه داود برفقة الثاني،وخرج منه السؤال بغلظةٍ:
“ايه اللي بيحصل هنا ياتامر؟؟،ايه اللي جاب البوليس حارتنا؟؟”
انقبضت ملامح تامر وبات عليها التوتر والخوف من إخباره السبب،ولاحظ داود توتره ذلك فكرر السؤال عليه بالنبرة ذاتها:
“ماتنطق يابني وتقول ايه اللي حصل؟؟”
قرر البوح بماحدث له فقال بصوت متقطع ورهبة من الأخر:
“بصراحة ياحج..الموضوع…إنه..موسى ابن حضرتك وسامي ابن الأستاذ يحيي اتخانقوا هما وصحابهم مع شوية شباب غريبة عن الحتة،وأنا لما طلعت وراهم وشوفتهم بيتخانقوا اتصلت بالبوليس وجه وخدهم،بس والله ماأعرف مين اللي بدأ الخناقة فيهم،علشان كده البوليس لما جه خدهم كلهم”
كلمات أشبه بأحجار ثقيلة قُذفت علي كليهما،وخاصة داود الذي صرخ في وجه الأخير بغضب كبركان قد انفجر:
“انت هببت ايه الله يحرقك!،روح جيب العربية حالا خلينا نروحلهم،وحسابك معايا بعدين لما نرجع ياغبي”
انصرف تامر من أمامهم لينفذ طلب الأخير،الذي التفت صوب يحيي الذي قال بقلقٍ:
“احنا لازم نكلم محامي”
أومأ له داود بالإيجاب مع قوله وهو يخرج الهاتف من جيب عبائته:
“مظبوط”
لامس شاشة هاتفه وبدأ المكالمة مع أحدهم بقوله الجاد:
“ألو ياعزت!،تعالانا بسرعة علي القسم القريب من المنطقة،لما تيجي هفهمك كل حاجة،بس تعالى بسرعة الله يرضى عليك”
أتاه الرد من الأخير بالموافقة دون نقاش،فأغلق هاتفه واتجه للسيارة التي أحضرها تامر وصعد بها كليهما،وشرع تامر في القيادة للحاق بهؤلاء المعتقلين
.
_____________________
وقف الثامنة أمام ضابط الشرطة الذي كان يجلس علي مكتبه ويمرر نظره علي وجوههم مع قوله الصارم:
“عامللي فيها بلطجية أنتَ وهو وبتتخانقوا قدام بيوت الناس”
ابتسم كل من كارم ومحسن بسخرية من حديثه،بينما تأفف كل من موسى وحسين بضيق،أما سامي فقد بادر لتصحيح سوء التفاهم للضابط بقوله الجاد:
“ياحسام باشا في سوء تفاهم..الأساتذة دول هما اللي اتهجموا علي بيتي،اللي حضرتك جيت وأخدتنا من قدامه”
أتاه
رد الضابط
يهتف
بنفس الوتيرة:
”
احنا جالنا بلاغ إن في
خانقة
في العنوان ده،ده اللي
اتقالنا
في التلفون بس
”
بادر حسن في الرد علي الضابط برتابة:
”
ماعلشان
كده بنقول لحضرتك إن في سوء تفاهم،أكيد اللي بلغ مايعرفش تفاصيل الخناقة ولا سببها أصلا”
سكت الضابط لثواني وتنفس بهدوء ثم قال بنبرة طبيعية:
“يعني دلوقتي سبب الخناقة إن التلاتة دول
اتهجموا
علي بيت حضرتك؟؟”
أنهى جملته وهو ينظر صوب سامي الذي
أومأ
له
بالإيجاب
وهو يقول بهدوء:
“أيوا سيادتك”
حرك الضابط رأسه وهو ينظر عليهم تباعاً حتي فُتح الباب
ودلف
منه إحدي عناصر الشرطة والذي تحدث مع الأخير قائلا:
“محامي الأساتذة بره
ياحسا
م
باشا”
نظر الستة لبعضهم
بدهشة
مما سمعوه،بينما تحدث الضابط:
“دخله يابني خلينا نشوف
الموضوع
هيرسى
عليها”
خرج الرجل وبعد ثواني عاد من جديد برفقة المحامي
والذي
لم يكن سوا “عزت” الذي تفاجأ الستة من رؤيته وخاصة موسى،بينما هو اقترب من الضابط الذي وقف لإستقباله مع ابتسامة ترحيب:
“أستاذ عزت! عاش من شافك ياراجل،نورت المكان يامتر”
صافح
عزت الأخير وهو يجيبه
ببسمة
واسعة:
“المكان منور
بصحابه
ياحسام باشا”
ابتعدت أيديهم بعد كلمات الترحيب تلك،وظلت أعين الجميع تراقب الأمر
بإندهاش
واستغراب،حتي التفت عزت نحو الستة
وسألهم
بنبرة طبيعية:
“أنتم كويسين؟،حتي فيكم اتأذي؟”
حرك موسى رأسه بالنفي له،بينما هو انتبه لحسام الذي قال:
“هو الجماعة دول تبعك؟؟”
التفت له عزت ثم وضع يده علي كتف موسى
وأجابه
قائلا:
“آه تبعي،ده موسى ابن عمي وأخويا الصغير،ودول صحابه وصحابي كمان”
أنزل يده عن كتف الأخير ثم نظر صوبهم وأشار جهة حسام مع قوله لها:
“حسام باشا كان زميلي في الثانوية،وواحد من أعز صحابي”
أومؤا
له بالإيجاب بتفهمٍ،بينما هو نظر صوب حسام ثم استأنف حديثه بقوله:
“أستأذنك ياحسام باشا في كلمتين معاهم،أفهم ايه اللي حصل بس”
“اتفضل”
ابتسم له عزت
كعلامة
شكر له،ثم نظر صوب موسى وتحدث إليه وإلي الباقي بصوت منخفض جاد:
“ممكن تفهموني ايه اللي حصل؟؟،وازاي وصلتوا هنا؟؟”
أتاه
الرد من موسى بسؤال أخر:
“قولنا الاول أنت عرفت منين إننا هنا؟؟”
“عمي داود هو اللي كلمني وقالي إنك
اتخانقت
أنت وصحابك مع جماعة،
والبوكس جه خدكم ”
اتسعت حدقتيّ موسى وهتف بصدمة:
“أبويا اللي قالك؟!”
“أيوا،وسيبته واقف بره مع عمي يحيى علشان ماينفعش يدخلوا،فهموني
بقا ايه اللي حصل؟؟”
بادر موسى في شرح وإخباره ماحدث بقوله:
“أنا هقولك،اللي حصل إني بعد ماطلعت من الجامع شوفتهم طالعين بيت سامي وبعدين…”
أخذ يروي له تفاصيل ماحدث إبتداء من رؤيته لهم وهم يصعدون لمنزل صديقه وتشابكهم به،إلي قدوم الشرطة وأخذ إياهم وإحضارهم إلي هنا؛وأنهى حديثه بقوله:
“وبس خدونا كلنا وجابونا علي هنا”
ألقى عزت نظرة سريعة علي عاصم الذي كان يراقبهم بشرٍ ثم نظر لسامي وقال:
“هو ده طليق مرات؟؟”
رمق سامي عاصم سريعاً ثم عاد لعزت وهو يجيبه:
“أيوه هو”
“هي حضانة يزيد مع والدته صح؟؟”
“آه بس هو مصمم إنه ياخده منها غصب”
“علشان كده اتهجم علي بيتك؟؟”
“بالظبط”
أومأ له عزت بتفهم مع قوله الرتيب:
“فهمت”
التفت عزت صوب حسام وتحدث إليه بثبات بعدما ألقى نظرة سريعة علي عاصم ومن معه:
“احنا عايزين نعمل محضر علي الأستاذ واللي معاه بتهمة الإعتداء”
أُشعل فتيل غضب عاصم وتقدم نحو الضابط وهو يقول بإنفعال:
“احنا اللي عايزين نعمل محضر فيهم،انت مش شايف وشنا عامل إزاي”
رد عليه كارم بسخرية:
“بقا عامل زي خريطة مصر”
نظر سامي صوبه وحسه علي السكوت بنظراته الجادة،فوضع كارم يده علي فمه وقال:
“سكت”
حرك سامي رأسه بيأس منه،ثم انتبهوا جميعاً لحسام الذي تحدث مع المدعو عاصم بقوله الجاد:
“طبعاً ليك الحق إنك تعملهم محضر،ده لو هما اللي بدأوا الأول،بس الواضح من كلامهم إن حضراتكم اللي بدأتوا،انتوا اللي اتهجمتوا علي بيت الأستاذ صح؟؟”
انقبضت ملامح عاصم بغضب،وحاول الدفاع عن نفسه بقوله:
“أنا ماتهجمتش علي بيت حد،انا كنت رايح أخد ابني من أمه بس”
التفت حسام صوب عزت والبقية ليسمع منهم رد وقد أتى إليه الرد من سامي بقوله الرتيب:
“هو يبقى طليق مراتي فعلا،بس هو مالوش الحق إنه ياخده غصب عنها علشان الحضانة معاها”
نظر حسام صوب عاصم بحدةٍ،وعلم الأخير من هذه النظرة أنه قد حُشر في الزاوية،ولا مجال له للإنكار،فابتلع ريقه بغصة وقال مدعياً الثبات:
“أنا عايز أكلم محامي زي ماهم جابوا”
“برده حقك،اتفضل كلم وياريت بسرعة”
هكذا تحدث حسام ليسمح للأخير بطلب محامي وقد كان،أخرج هاتفه وبعد ثواني بدأ المكالمة مع أحدهم مرددا بنبرة ناعمة:
“أيوه ماما..،أنا مش كويس انا في القسم،كلميلي بسرعة أونكل شادي يجيلي”
كلمات غريبة نطقها بأسلوب أغرب،جعلت كل منهم يتلقاها برد فعل مختلف،منهم من انقبضت ملامحه ونظر له بتقزز مثل موسى وحسين،ومنهم من نظر له بإزدراء وإشمئزاز مثل سامي وحسن وعزت والضابط حسام،بينما رفع كارم شفته العليا وابتسم بسخرية،أما محسن فقد رفع حاجبه ورمقه طولياً وهو يتمتم ويقول:
“ياحلاوتك يانونو”
وصل همسه وتمتماته تلك لأذن كارم فضحك بخفة ثم مال علي أذنه وقال:
“حاسب يسمعك ويشتكيك لأمه”
لم يتمالك محسن نفسه وانفحر ضاحكاً بنبرة بدت مرتفعة نظراً لهدوء المكان بعد انتهاء ذلك العاصم من مكالمته.
نظر جميع من في المكتب له فوضع يده علي فمه وقال معتذراً:
“أسف”
صرفوا النظر عنه دون جدال معه،وانتبهوا جميعاً لحسام الذي نظر صوب عاصم وسأله بنبرة جادة:
“اتصلت؟؟”
أومأ له عاصم بالإيجاب مرددا بثبات وعينه موجهه صوب سامي:
“آه اتصلت،خليها معادلة متساوية بقا..”
نظر صوب حسام واستأنف حديثه بقوله متجاهلاً نظرات الستة له والتي كانت أشبه بالسهام وخاصة نظرات سامي الحادة:
“وهو عشر دقايق ويوصل”
“ماشي،علي مايوصل بقا احنا ناخد أقوالكم تاني،بس المرة دي من غير لف ودوران،أكيد فاهمين قصدي”
كانت كلمات حسام موجهه بالأخص لعاصم وجماعته فهم في البداية رفضوا الإعتراف بحقيقة ماحدث،واستمروا في الإنكار ولكن الأن ليس لهم مجال لذلك.
_____________________
مع مرور الوقت…
خرج الستة برفقة عزت من مركز الشرطة بعدما انتهي الآمر بهم بالإمضاء علي ورقة عدم التعرض؛وقف عزت أمام الستة أمام مركز الشرطة وتحدث معهم بقوله:
“كفارة يارجالة..،والحمد لله إنها جات لحد كده،نهدا بقا شوية ونتهد،وياريت ماحدش فيكم يتعرضلهم تاني،وهما نفس الموضوع كمان،وأنتَ ياسامي لو احتجت أي مساعدة أنا في الخدمة،ماتترددش إنك تتصل بيا”
أومأ له سامي بالإيجاب ببسمة هادئة مع قوله:
“حاضر ياعزت،وشكرا بجد ليك علي اللي عملته”
“ماتقولش كده انتم اخواتي ياسامي،لو أنا ماعملتش معاكم كده وأنا أخوكم مين اللي هيعمل؟؟”
ابتسم له سامي بإمتنان وشكر،بينما انتبه عزت لموسى الذي سأله:
“أومال فين الحج؟؟”
التفت عزت برأسه يميناً ويساراً يبحث بنظراته عن داود ويحيى تزامناً مع قوله:
“المفروض يبقوا مستنينا هنا،استني هرن علي عمي داود”
أخرج هاتفه من جيب بذلته الزرقاء وهاتف المقصود حتي أتاه الرد منه فقال:
“أيوا ياعمي حضرتك فين احنا قدام القسم؟؟”
أتاه صوت الأخير يجيبه بجدية:
“احنا شوفناكم وانتم طالعين واطمنا عليكم،وبعدين مشينا”
رد عليه عزت بصدمة:
“مشيتوا؟!”
“آه مشينا،الموضوع اتحل خلاص،قول بقا للباشوات اللي عندك يحصلونا”
نظر صوب الستة وهو يجيب الأخير بقوله الرتيب:
“ماشي ياعمي هقولهم..مع السلامة”
أنهى عزت المكالمة مع الأخير وأغلق هاتفه،ثم عاد للبقية وشرح لهم الأمر بقوله:
“شافونا واحنا طالعين وبعدين مشيوا،وبيقولوكم حصلوهم”
أتاه الرد سريعاً من موسى بقوله الساخر:
“يعني هنتنفخ النهاردة..تمام،هو يوم مش معدي”
زفر بقوة بعد كلماته تلك بينما اقترب حسين من عزت وقال:
“بقولك ايه ياعزت ماتكمل جميلك ووصلنا بقا علشان أنا مش قادر أقف علي رجلي و
هاموت من الجوع”
أتاه الرد سريعاً من شقيقه محسن بقوله الساخر:
“محسسني إن احنا بقالنا قرن جوه مش كام ساعة بس”
تجاهل حسين حديث شقيقه هذا وانتبه لقول عزت له:
“والله كان بودّي ياحسين،بس انا مأجل مواعيدي علشان أجيلكم،ولازم أمشي دلوقتي علشان ألحق،معلش”
رد عليه سامي برتابة:
“كتر خيرك ياعزت علي كده،كفاية اللي أنت عملته معانا،روح شوف شغلك وتسلم بجد”
“العفو،يلا أشوف وشكم بخير،مع السلامة”
ردوا عليه التحية جميعاً،بينما هو اتجه إلي سيارته التي أوقفها بالقرب منهم،وصعد إليها وبعد ثواني انطلق بها بعدما ألقى السلام عليهم مرة أخري.
وقف الستة ينظرون لأثره،حتي زفر موسى بقوة ثم قال:
“حد يشوفلنا تاكسي بقا خلينا نلحق النكد بدري”
وقبل أن يجيبه أحدهم لاحظوا خروج عاصم من القسم برفقة البقية،فظل يتابعوه بغضبٍ وسخط،حتي وجدوه يقف علي مقربة منهم ويتبادل النظرات معهم بشرٍ وبادر بالحديث وهو يقول بتحذير ووعيد موجهاً حديثه لسامي:
“لو فاكر إن الموضوع خلص تبقى بتحلم،أنا مستحيل أخلي ابني يعيش معاك”
رد عليه سامي بثباتٍ محاولاً كبت غضبه تجاهه:
“اللي عندك اعمله،بس حط في بالك إن اللي بتفكر فيه مستحيل يحصل،أنا كنت عامل حسابي الاول إنك تيجي تشوف يزيد في الوقت اللي تحبه،بس بعد اللي حصل النهاردة ده أقسملك بعزة وجلالة الله إنك مش هتشوفه غير في المواعيد اللي المحكمة حددتها،وأنا اللي هبقى معاك مش هي،علشان ماتفكرش ولو لحظة تأذيها أو تاخده منها”
شدد عاصم الضغط علي أسنانه بغيظ وأردف بغضب:
“والله لأدفعك التمن وأخده من حضنها بس اصبر عليا،صدقني هيحصل وبكره هتشوف بعينك”
أتاه الرد من محسن بسخطٍ واستياء:
“امشي من هنا ياض،امشي وأنتَ شبه الست اللاتتة كده”
رفع عاصم اصبعه في وجه الأخير مرددا بتحذير:
“بلاش غلط أحسنلك”
رد عليه محسن بنفس الوتيرة:
“انت لسه شوفت غلط!”
أكمل كارم حديث صديقه بقوله الحانق:
“الغلط بصحيح اللي هعمله في وشك ياروح أمك،ووقتها ابقى اتصل بمامي وخليها تطلبلك الإسعاف..،يلا امشي بقا من قدامي قبل ماتهور يانونو وتتعور”
شرع عاصم في التقدم نحوه ليضربه ولكن اوقفته يد المحامي الخاص به،الذي أمسكت من ذراعه وأوقفه بقوله:
“كفاية كده بقا ياعاصم،مش عايزين مشاكل تاني كفاية اللي حصلك انت وصحابك النهاردة،خلينا نمشي يلا!”
“أيوه امشي يلّا قبل ماأمك توحشك”
رفع عاصم اصبعه في وجه كارم وهو يقول بتهديد صريح:
“هدفعك تمن اللي قلته ده أنت كمان،بس استني عليا”
أنهى عاصم جملته ثم مرر نظره عليهم جميعاً،حتي أخذه المحامي خاصته برفقة أصدقائه وانصرفوا بعدين عن البقية،الذي تابعوا أثره بإذدراء وغضب،ماعدا كارم الذي كان ينظر له بإستهزاء وهتف قائلا بسخرية:
“أنت هدّفع التمن لمين ولا لمين؟!”
ارتفعت ضحكات محسن علي حديثه هذا،بينما ابتسم البقية وتحدث سامي إليه بقوله:
“أنت مش طايقه تقريباً أكتر مني،في ايه؟!”
التفت إليه كارم وأجابه بإستياء وجدية:
“ماهو أنا بصرحة بكره الرجالة اللي من النوعية دي،بحسهم أصلا مش رجالة..بحسهم شوية عيال ماكنش ينفع ليهم الجواز ولا الخلفة،أصل يعني أنتَ لسه معتمد علي أمك تتجوز ليه وتحيّر بنت الناس معاك،وبدل ماتبقلها راجل يسندها،تبقي عيّل يبهدلها،وكل ده علشان حضرتك ابن أمك”
أتاه الرد من حسين بقوله الهادئ:
“ماهو ساعات بيبقي العيب علي الأم برده،لما تدلع ابنها زيادة وتخليه يعتمد عليها بشكل كلي،هيطلع عيل وشخص غير مسئول،والمشكلة لما تيجي تعابتبها أو تفهمها الموضوع تقلك ده ابني الوحيد وماليش غيره في الدنيا”
رد عليه وهو يشير علي نفسه وهو سامي وموسى تزامناً مع قوله:
“بعيداً عنك أنت واخواتك،احنا التلاتة كل واحد فينا وحيد أمه،ومحدش فينا طلع بتاع مامي وبابي وطلعنا رجالة زي ماأنت شايف أهو”
رد عليت حسين بنفس الوتيرة:
“ماهو يابني العيب علي التربية،في أمهات وأباء بدل مايعلموا ابنهم إنه يعتمد علي نفسه،بيعلموه إنه يعتمد عليهم،وده غلط طبعاً،بس مع الأسف لسه في فزمنّا ناس كده”
“ناس بترعى بس مش بتربي”
اختصر كارم الحديث فتلك الجملة؛فافي النهاية هناك فرق بين الرعاية والتربية،فرق كبير يجهله معظمنا،رعاية طفلك هو توفير حاجاته ومتطلباته وحمايته من المخاطر،أما تربيته هو أن تجعله يساهم في توفير مايريد،وأن تعلّمه كيفية حماية نفسه بنفسه،ليصبح إنسان سوي قادر علي تحمل المسؤولية في المستقبل.
وافق الجميع علي ماقيل بإمائة،فلا جدال فيما قاله،وأيد سامي حديثه بقوله:
“صدقت،معاك حق في اللي قلته”
رفع كارم رأسه بفخر وابتسم وهو يقول بزهوٍ:
“أنا طول عمري معايا حق”
ضحك الجميع علي طريقته تلك،ثم أشار لهم حسين بالسير تزامناً مع قوله:
“يلّا نمشي بقا علشان أنا جعان”
وافقوا علي طلبه وبدأوا بالسير ليوقفوا سيارة تأخذهم للمنزل،ولكن بعد خطوتين فقط توقفوا عندما سمعوا صوت حسن يقول بجدية:
“استنى!”
التفت الخمسة له لجهلهم بمن يقصده بالأمر هذا،وتحدث محسن إليه بسخرية:
“عايزنا نستني ليه؟!،عجبك القسم ولا ايه؟؟”
اقترب حسن منه بثبات وملامح متضايقة،مع قوله الجاد:
“لا ماعجبنيش،ولا أنت كمان عجبني”
تعجب الجميع من طريقة حديثه تلك فقد تكون هذه المرة الأولي التي يتحدث بها بهذه الطريقة مع أحدهم،بينما رد عليه محسن بحنقٍ:
“ايه لازمته الكلام ده ياحسن؟!”
“لازمته ده”
هتف بجملته وهو يخرج الألة الحادة من جيب بنطاله ويظهرها للأخير،الذي بمجرد أن رآها اختفت ابتسامته وبدا علي ملامحه الضيق،وهو يسمتع لبقية حديث شقيقه الغاضب:
“شايل دي معاك ليه؟؟،وجايبها منين؟؟”
“مش مضطر أقولك”
قال
جملته بحنق وهو يحاول سحب الألة الحادة من يد توأمه،ولكن أبعدها الأخر عنه في اللحظة الأخيرة،ثم هتف بغضبٍ:
“لا مضطر تقولي يامحسن،انطق وقول فوراً جايب البتاعة دي منين؟؟”
“ماتعليش صوتك عليا”
رد عليه حسن بنفس الوتيرة،وكأنه فقط هدوءه بالكامل في هذه اللحظة:
“لا هاعلّي،غصب عنك هاعلّي،أنا أخوك الكبير ومن حقي أعلّي صوتي عليك وأحاسبك لما تغلط”
“أنا ماغلطتش!”
“لا غِلِّط،لما تشيل حاجة زي دي وتمشي بيها في وسط الناس تبقي غلطان،وقليل الادب كمان”
صرخ محسن بتحزير:
“حسن!،ماتغلطتش فيا أكتر من كده أحسنلك”
“هتعمل ايه يعني هتضربني؟؟،يلا تعالا مافضلش غير كده اللي ماعملتوش”
التفت محسن برأسه يمينا وأخذ نفساً عميقاُ ثم عاد للأخير من جديد وهتف بجدية:
“أنا ماسك نفسي عنك بالعافية علشان انت اخويا،اما لو حد تاني غلط وعزة وجلالة الله ماكنت هاحله،لكنت قطعته حتت”
“آه مأنت بقيت بلطجي وهجّام،مش ماسكلي مطوة بقا زي الصيع”
زفر محسن بضيق ولما يستطع كبت غضبه أكثر،وتقدم نحو حسن وأمسكه من تلابيبه وهو يهتف بغضب:
“أنتَ عايز ايه بالظبط،عايزني أموتك دلوقتي؟؟”
اقترب كل من موسى وكارم منهما برفقة سامي،وأمسك الأول بحسن،بينما أمسك الثاني بحسين وأبعدوا أجسامهم الملتحمة،ولكن ظلت النظرات بينهما ملتهبة،حتي أفلت حسن نفسه بين يديّ موسى وهو يهتف بنبرة مرتفعة معاتبةٍ:
“زعلان أوي علشان بغلط فيك،زعلان علشان بقول عليك صايع ومش متربي؟؟..،ماأنت اللي بتثبتلي كده بعمايلك الطايشة،كل مرة بتثبتلي إنك عمرك ماهتعقل ولا هتبقى راجل يعتمد عليه،فالأول تاخد فلوس الدروس والكورسات وتروح تضيعيهم في النادي وأداري عليك علشان أبويا مايضايقش وأقول بكره هتعقل،ييجي بكره هلاقيك انطردت من الشغل ومداري الموضوع عننا،ولما عرفت ساعدتك تلاقي شغل جديد ودارينا موضوع الطرد عن أبويا وأمي،تعدي الأيام وأقول هديت أكتشف إن حضرتك بتكلم بنات علي النت ومقضيها مع دي ودي وحاجة ماترضيش ربنا،ربنا هداك مع الأيام وبطلت الحاجات دي،وقلت خلاص عقلت ألاقيك النهاردة مطلعلي مطوة من جيبك..مطوة يامحسن”
تفوه بتلك الكلمات دفعة واحدة كأنه كان ينتظر تلك اللحظة لسنوات ليعتاب شقيقه علي أفعاله الطائشة،أفعاله التي اضطر لتحملها طوال هذا الوقت،ولكن الأن قد نفذ صبره وانتهت طاقة احتماله.
ابتعد كارم عن محسن الذي ظهرت عليه تعابير الندم والأسف،فيما تنفس حسن الصعداء
ثم قال بنبرة هادئة ورتيبة:
“أنا مابقتش عارف اتصرف معاك إزاي؟؟،أنا بقيت بحس إن أكبر منك ب 20 سنة مش 10 دقائق عُمّي..،عمايلك يامحسن بقت بتفقدني أعصابي..،أنت مش راضي تبطل ولا راضي تعقل وكل مرة أسوء من اللي قبلها،مش فاهم أنت بتفكر ازاي؟!،ولاكنت بتفكر في ايه لما مسكت حاجة زي دي في ايدك؟!،مافكرتش للحظه لو حد شافك من المنطقة ممكن يقول عليك وعلى أبونا ايه،أقل حاجة ممكن تتقال وقتها..”هو الشيخ سالم عمال ينصحنا ويوعينا ومش عارف ينصح ابنه ويربيه”..،مافكرتش هيبقى شكل أبونا ايه وقتها،ما فكرتش خالص يا محسن في حاجه زي دي؟؟”
صمت!
صمت طويل تبع كلمات حسن تلك،والتي نجحت في التأثير عليهم جميعاً،وعلي رأسهم بالطبع المستهدف بهذا الحديث “محسن”
،الذي أطرق رأسه بخجل وتحدث بنبرة مختنقة نتيجة لكبت بكاءئه:
“أسف..،حقك عليا علشان خليتك تشيل فوق طاقتك،أنا بجد أسف أوي”
أتته الإجابة سريعا من حسين يقول برتابة:
“أنا مش عايزك تعتذر،أنا عايزك تدرك إنك غلطان وإن اللي عملته ده مش صح،عايزك توعدني إنك مش هتشيل حاجة زي دي تاني أو تعمل حاجة ممكن تضر باسم أبوك”
رفع رأسه وطالعه ثم قال بنبرة جاهد لتخرج طبيعية:
“أوعدك إني مش هشيل مطوة تاني،وهحاول علي قد ماقدر ماغلطتش بشكل يأذي سمعة أبونا”
“يعني أثق فيك يامحسن وأصدقك؟؟”
أتات الرد سريعاً من محسن بنبرة هادئة:
“صدقني ياحسن،صدقني حتي لو دي أخر مرة تصدقني فيها”
“يعني مش هتخيب ظني تاني ياأخويا صح؟؟”
“أنا وعدتك خلاص،وعد من راجل لراجل،ومن أخ لأخوه”
رد عليه حسن بإذعانٍ:
“تمام يامحسن،هديك فرصة أخيرة،ويارب ماتخلنيش أندم إن سامحتك المرة دي”
ابتسم محسن وأسرع يقول:
“يعني أنتَ مش زعلان مني خلاص؟؟”
تنهد حسن بقلة حيلة ثم أجابه:
“حتي لو عايز أزعل منك مش هقدر أعمل كده،أنت أخويا ياض..توأمي”
“وتوأمك بيعتذر منك علي كل اللي عمله،وعلي كل مرة خلاك تشيل حمل مش حملك،حات رأسك أبوسها ياحسن”
أنهى جملته وهو يقترب من شقيقه وأمسك برأسه بيديه ولثّم رأسه ثم أردف بمرح:
“صافي يالبن”
ابتسم حسن ثم قال:
“حليب ياقشطة”
اتسعت ابتسامة محسن،وتنفس الصعداء بعدما تصافى مع شقيقه وتوأمه والأقرب إليه في الملامح والشكل،وتابعهم البقية بإبتسامة،حتي تناول موسى الألة الحادة من يد حسن في لحظة خاطفة تزامناً مع قوله:
“جيب أُسّ المشاكل دي بقا!”
نظر له الجميع بإندهاش واستغراب،وبادر حسن في سؤاله بإستفسار:
“هتعمل بيها ايه؟؟”
أتته الإجابة سريعاً من موسى بجدية وهو يتحسس بإصبعيه طرف الألة الحاد مع ابتسامة بدت مجنونة:
“هدافع بيها عن نفسي،وأخلص علي أي حد هيضايقني”
انقبضت ملامحهم بصدمة بعد كلماته تلك،وعندما لاحظ هو ذلك ضحك ساخراً منهم ثم قال:
“أنتم صدقتوني!،وهو أنتم شايفنّي سفاح ولا سايكو؟!،أنا بهزر ياشباب،أنا هتخلص منها والله وحالاً كمان”
أنهى جملته وهو يتجه نحو قسم الشرطة من جديد حتي توقف بالقرب من إحدي العساكر والذي كان يقف علي الباب وتحدث إليه بقوله الهادئ:
“ممكن أطلب من حضرتك طلب”
“أؤمر”
مد يده بالألة الحادة للرجل وهو يقول:
“ممكن تاخد دي وتتصرف فيها،انت أدرى أكيد”
عقد الرجل بين حاجبيه وهو ينظر لموسى بإستغراب،ثم تناول منه الالة وهو يقول:
“هي بتاعتك؟؟”
رد عليه موسى عليه سريعاً محاولاً التهذيب في حديثه:
“لا والله مابتاعتي،تقدر تقولي إني لقيتها وقلت أجبهالك أحسن ماحد يلاقيها ويستخدمها بشكل مضر ووحش،وده مايصحش”
نظر له الرجل بشكٍ،ولكن لم يكن لديه خيار سوا تصديقه فأومأ له بالإيجاب هو يقول بجدية:
“ماشي”
“تمام،عن اذنك”
التفت بعد جملته تلك واتجه لرفاقه من جديد والذين تابعوا مافعلوه عن كسب،وبمجرد أن وصل إليهم قال وهو يضرب كفيه ببعضهما:
“خلصنا ياشباب،يلا نمشي بقا!”
وافق حسين على حديثه وهو يقول مؤيداً:
“يلا بالله عليكم،علشان انا هموت من الجوع بجد،حد يوفق تاكسي أو يطلب أوبر علشان نخلص”
توجهت أنظارهم جميعاً نحوه وكانت أشبه بنظرات صقر حادة،فعقد بين حاحبيه بإستغراب وسألهم:
“بتبصولي كده ليه؟؟،في ايه؟؟”
اقترب منه كارم وأمسكه من ياقة قميصه بيده وأخذ يهزّه للأمام والخلف مع قوله الحانق:
“ياعديم الدم اخواتك بقالهم ساعة بيتخانقوا ومافكرتش تتحرك من مكانك علشان تبعدهم عن بعض وفضلت تتفرج بس،ودلوقتي بكل بجاحة عايز تروّح تاكل،أنت معندكش هم غير بطنك وبس”
أبعد حسين يد كارم عن قميصه ورتّب من وضع ثيابه وهو يقول بضحر واستياء من الأخر:
“ماهما اتصالحوا ياعم أهو،ايه ذنب بطني تستني بقا؟!”
عضّ كارم شفّته السفلية بغيظ ثم هتف بضجر:
“برضه بيقول بطني!..،هو أنت عايز تنضرب ياض؟؟”
“أكيد مش عايز،وبالذات أنت علشان ايديك تقيلة”
“تحب تجربها”
انهي جملته وهو يقترب منه ليضربه ولكن ابتعد حسين بسرعة وتوارى خلف سامي للحماية وهو يقول:
“أنا في حمايتك من المفترس ده ياسامي”
ضحك اخوته وموسى علي مظهره هذا،بينما تنفس سامي بهدوء ثم تحدث معه:
“اطلع ياحسين مش هيعملك حاجة،اطلع!”
“علي ضمانتك؟؟”
“علي ضمانتي اطلع يلا!”
خرج حسين من خلف الأخير وهو يراقب كارم الغاضب عن كسب والذي رفع اصبعه في وجهه وهو يقول بسخطٍ:
“أنت عارف إن معندكش دم صح،أصل يعني مستحيل يبقي عندك وتبقى شايف اخواتك التوأم بيتخانقوا وماسكين في بعض وماتفكرش تتدخل حتي”
“ماهو علشان اخواتي عارف إنهم هيتصالحوا تاني مهما حصل بينهم،هيرجعوا عادي يعني،وغير كده انتوا عملتوا الواجب وسلكتوا بينكم”
كان كلامه مقنع حتي جملته الأخيرة وابتسامته التي نجحت في استفزاز كارم،الذي زفر بضيق وتقدم نحوه من جديد ليمسك به ولكن أوقفه قول سامي الجاد:
“خلاص بقا ياكارم،هنبدأ تاني معاكم ولا ايه؟؟،كفاية بقا النهاردة خناقات الله يستركم”
أيد موسى حديث صديقه وهو يقول بضجر:
“ايوه الله يرضى عليكم،أنا بنزيني للخانقات قرب يخلص،عايز أخلي شوية للحاج،والراجل الغلبان ده كمان محتاج بنزين للخانقة اللي فاضلة،كفاية بقا وخلينا نروح بقا”
رد حسين مؤيدا لحديثه:
“ايوه يالّا حد يطلبلنا تاكسي أو أوبر،علشان أنا كمان بنزيني خلص مش انت وسامي بس،وبجد مش قادر أقف علي رجلي من الجوع”
نظر له موسى بغيظ هو يضغط علي أسنانه حتي اردف بحنقٍ:
“طب ايه رايك إننا مش هنطلب تاكس ولا أوبر وهناخدها مشي ياحسين،يلّا بقا”
أتته الإجابة من حسين بغضب:
“مشي ايه!،انا مش قادر”
“والله مامروحين غير مشي،عجبك مش عجبك أنت حر،اركب لوحدك”
“أنا نسيت محفظتي في السايبر”
“أحسن،خليك هنا بقا”
أنهى موسى جملته وهو يتقدم عليهم وأشار لهم بالسير وهو يقول:
“يلا ياشباب؟!”
وافقوا الجميع علي اقتراحه وبدأوا بالسير معه،حتي كارم الذي ابتسم لحسين بإنتصار ونظرة مُتشفية،بينما هو ظل يراقب أجسادهم التي تبتعد عنه وتتركه وحيداً بصدمة،حتي أدرك أنه ليس لديه خيار أخر سوا إتباعهم،وقد كان ذلك فقد ركض خلفهم حتي وصل إليهم وسار بجوارهم وهو يرمقهم بإستياء وغضب،بينما هم كانوا يبتسمون بسخرية عليه،ولكن منهم من انشغل عقله في التفكير فيما سيحدث عندما يصل لوجهته.
____________________
_
دلف إلي شقة الطابق الثاني
بواسطة المفتاح الخاص به وهو يلقى التحية الإسلامية دون أن يعلم من في الداخل:
“السلام عليكم”
ردوا عليهم جميعاً التحية بصوت خافت،ولكن كانت نبرة يحيى تفوقهم بكثير،مما جذب انتباه سامي وتوجهت انظاره نحوه أولا ليجده يجلس علي إحدي المقاعد في غرفة المعيشة،ثم مرر نظره علي البقية ليطمئن عليهم ويبحث عنها،وقد ارتاح قلبه عندما وجدها تجلس علي أريكة في الجهة الأخري وعلي قدمها جلس “يزيد” وبجوارها جلست فيروز التي وقفت عند سماع صوته كما فعلت الأخيرة ذلك،وتقدمت مع والدتها جهته وهي تقول بقلقٍ:
“أنت كويس ياسامي؟؟”
احتضن
وجه شقيقته بكفيّه وهو يجيبها ببسمة هادئة يطمئنها:
“أنا كويس الحمد لله”
وضعت والدته يدها علي وجنته وقالت:
“الحمد لله ياروحي قلقتني عليك”
ابتسم لوالدته بهدوء،ثم انتبه لفيروز الذي قالت:
“طب الباقي كويس؟؟”
“ايوه كويسين،وتلاقي كل واحد وصل بيته دلوقتي”
أومأت له بالإيجاب ببسمة هادئة،بينما هو رفع رأسه وطالعها ليجدها تنظر له هي الأخري ولكن بنظرات ندم وأسف،فتقدم نحوها بخطوات ثابتة حتي وقف علي مقربة منها ثم سألها بنبرة هادئة:
“أنتَ كويسة؟؟”
ابتلعت ريقها بغصة،وهي تجاهد في منع نفسها من البكاء،وقبل أن تجيبه علي سؤاله هذا كان قد سبقها يحيى بقوله الساخط:
“أكيد كويسة..”
اتجهت الأعين عليه،والتفت سامي وطالعه فستأنف حديثه وهو ينهض من علي الأريكة:
“بعد كل اللي حصل النهاردة ده أكيد هتكون كويسة،بعد ماخليتك توصل للقسم بسببها هي وطليقها،وفضحتنا قدام الناس في وقت قياسي”
أردف سامي بجدية وثبات:
“لوسمحت بلاش الكلام ده،مش هسمحلك تغلط فيها”
ارتفع صوت يحيى أكثر وهو يقول:
“لا هتسمحلي،ماانا مش هسكت وأحط ايدي علي بقى (فمي) بعد كل اللي حصل النهاردة بسبب المحروسة مراتك،ده وصلتك للقسم بعد أسبوع من جوازكم،أومال قدام هتوصلك فين؟!”
حاول سامي التحكم في نفسه وكبت غضبه وأردف بنفس الوتيرة حتي لايرفع صوته علي والده:
“هي مالهاش ذنب،اللي حصل النهاردة ماكنش ذنبها”
“ماكنش ذنبها إزاي!،مش اللي جه واتهجم علي أمك وأختك كان طليقها برضه،ازاي مش ذنبها بقا”
“هو علشان طليقها راجل مش محترم وبني آدم حقير،تشيل هي ذنب أي حاجة هيعملها؟!”
“آه تشيل أي حاجة هيعملها في حقك أنت وأهلك،أي مصيبة هتحصلك من وراه هي هتكون سبب فيها،زي اللي حصل النهاردة كده”
أُشعل فتيل غضب سامي بعد كلمات والده تلك وفقد السيطرة علي أعصابه وهتف قائلا بغضبٍ:
“لا ماتشلش ذنب أي حاجة،ليه تشيل ذنب عمايل واحد ندل زي ده،واحد جايب رجالة وجاي يتهجم على مراته السابقة وياخد منها ابنه غصب عنها،هي مالهاش ذنب في أي حاجة،ذنبها الوحيد بس إنها اتجوزت شخص حقير زي ده،وأقدر أقول إنه مش ذنبها كمان علشان هي ماختارتهوش،هو اتفرض عليها”
“واحنا مالنا؟،اتفرض عليها ولا ماتفرضش أنا ماليش دعوة،انا ليا دعوة بس بعيلتي،بيك وببنتي وأمك،أنا ليا دعوة بيكم بس،أنتم مالكمش ذنب تستحملوا تمن غلطة عملتها زمان،أنت مالكش ذنب تستحمل كل اللي هيحصلك من طليقها،أنت غلطت أصلا لما اتجوزتها،وأنا قولتلك أكتر من مرة إن مش موافق علي جوازكم ده وأنت عاندت وروحت اتجوزتها وجيبتها علي بيتك،وبعد أسبوع بس ييجي المتخلف طليقها ويتهجم عليها وعلي أمك وأختك،تخيل لو موسى ماجاش في الوقت المناسب ولحقهم كان ممكن يحصل ايه،كان من اللي يحميهم منه؟؟،انطق!”
رد عليه سامي بثباتٍ:
“اللي حصل النهاردة مش هيتكرر وأنا أضمنلك ده،الكلب اللي اسمه عاصم مش هيقدر يقرب من البيت ده تاني طول ماأنا عايش،أما بخصوص بقا جوازي من ليلى فاأنا مش ندمان،ومستحيل أندم بعدين لأني اتجوزتها علي اقتناع،أخدت قرار ونفذته ومهما حصل مستحيل أرجع فيه..،ليلى دلوقتي بقت مسؤولة مني هي وابنها وأنا سبق وقولتلك كده،وبعيدهالك تاني أهو..هما خلاص بقوا عيلتي أنا ومستحيل أسمح لحد يأذيهم حتي لو بكلمة،ودي أخر مرة هقول الكلام ده يابابا،ولو عايز ماتخسرنيش يبقى لازم تحترم مراتي وماتغلطش فيها وماتستنهاش علي غلطة علشان تقعد تغلطني في جوازي منها،وإلا أقسم بالله لو حصل واتكرر وغلطت في ليلى تاني هنسى وقتها إنك أبويا ووقتها أنت كمان تنسى إني ابنك”
راقبت الأمر بأعين متسعة والدموع تسيل علي وجنتها،لاتعلم علي تفرح لدفاعها عنها،أم تحزن بسبب كلام والده هذا ووقوفه في وجهه لأجلها،أما فيروز فكانت أعينها تشجعه وتؤيد موقفه هذا،وبات هذا واضحاً من نظرات الفخر التي تتابعه بها.
إلتفت إلي زوجته متجاهلاً نظرات والده الغاضب،والذي وقف عاجز عن الحركة والتحدث بعد ماتفوه به ابنه الوحيد،الذي حمل يزيد بدلاً منها والتي ظلت تطالعه في صمت ودهشة،حتي وجدته يمسك بيدها وحثّها بنظراته علي التقدم معه،ودون وعي منها سارت معه إلي باب الشقة حتي توقف وطالع والدته وشقيقته وتحدث معهم بنبرة هادئة:
“شكرا علشان خدت بالكم منها..،عن اذنكم”
أنهى جملته وخرج بها من الشقة قاصداً الطابق الثالث الخاص بشقتهما،تحت نظرات فيروز الفخورة ووالدته الضائعة بينه وبين والده الذي كانت يكاد ينفجر من الغضب والغيظ في هذه اللحظة.
_____________________
دلف بهما إلي شقته،واتجه إلي غرفة المعيشة،وكل هذا ومازالت يده تعانق يدها،حتي ابتعد عنها وولج لغرفة الصغير ووضعه علي فراشه،وأخذ يربت عليه بحنانٍ ليستكين في نومه بعدما أُقلق أكثر من مرة بسبب أصواتهم العالية في الأسفل،وعندما تأكد من استغراقه في النوم،وضع غطاء رفيع علي جسده الصغير،ولثّم وجنته اللطيفة ثم خرج من الغرفة متجهاً إليها..
ليجدها لاتزال تقف كما تركها،فتنهد بعمق ثم اقترب منها وأمسك بذرعيها وحثّها علي الجلوس علي الأريكة بقوله الهادئ لها:
“ممكن تقعدي!”
امتثلت لطلبه دون وعي وجلست علي الأريكة،بينما هو جلس القرفصاء أمامها،وضمّ يديها بكفيه،ورفع عينه وطالع وجهها المحرج منه وعينها التي تهرب بعيداً عنه.
فتنهد هو مجددا ثم قال بحنانٍ:
“أنتِ كويسة؟؟”
نظرت له بدهشة،فكيف لا وهو يستمر بسؤالها عن حالها بينما من المفترض أن تسأله هي بعد مامر به،لاحظ هو تلك الحيرة والدهشة في عينها فقال بنفس الوتيرة:
“ممكن تحسيني غريب علشان بسألك عن حالك،بس أنا عايز أطمن عليكِ فعلا،عايز أعرف إذا كنت كويسة ولا لأ..علشان أرتاح”
وللمرة التي لاتعرف عددها تشعر بحديثه يلامس قلبها،تشعر به تزيد من مشاعر الإمتنان تجاهه ومشاعر أخري تخاف أن تكون حقيقية،تشعر بأنه فعلاً كثيراً عليها،فشخص مثله لايستحق فتاة مثلها أتت له بالمشاكل بعد أيام قليلة من زواجهما.
ورغم كل هذا مازالت تجهل سبب مايفعه هذا علي هذا حب أم شفقة أم شئ أخر تجهله،ولكي تستريح من هذا الأفكار التي داهمت عقلها،قررت أن تتشجع وتبوح بما في خاطرها حينما قالت:
“ممكن أسالك سؤال؟؟”
أومأ لها سريعاً بالإيجاب مع قوله:
“أكيد”
“أنتِ اتجوزتني ليه؟؟..علشان شفقان عليا صح؟؟”
#يتبع…
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية موسى (على دروب الحكايا)) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.