رواية موسى (على دروب الحكايا) – الفصل الثالث عشر
الفصل الثالث عشر(عاصفة عنيفة تضرب)
–
قد يكون البلاء في نظرك ماهو
إلا بداية فرحة كبيرة لك.
_____________________
“عاصم السايس..طليق المدام”
كانت تلك الجملة أقرب للصواعق التي نزلت علي مسامعه،لتجعله يتشنج في مكانه ونظره مصوب علي ذلك الذي ينظر له ويبتسم بإستفزاز أثار اشمئزازه،ولكن رغم كل ذلك استطاع أن يتحكم بنفسه ويستعيد ثباته من جديد حتي لايظهر تأثره من رؤيته في هذه اللحظة.
كانت تجلس في شقتها بجوار صغيرها النائم علي الفراش،بينما تربت عليه بحنان وأعين دامعة أوشكت علي البكاء،ولكن فجاة وصل إلي مسامعها صوت فتح الباب فسارعت في مسح وجهها وعينيها،والخروج من الغرفة.
وصلت إلي غرفة المعيشة فوجوته يغلق الباب خلفه بعدما دلف إلي الداخل،وبمجرد أن التفت وجدها تطالعه فابتسم بهدوء ثم قال:
“السلام عليكم”
ردت عليه ببسمة مشابهة له محاولة أن تخفي قلقها وحزنها خلفها:
“وعليكم السلامة”
اومأ له بالإيجاب ثم ابتلع ريقه وتحدث معها بهدوئه المعتاد:
“ممكن أتكلم معاكِ في حاجة؟؟”
“أكيد..طبعاً”
اقترب منها ثم اتجه للأريكة في غرفة المعيشة،وأشار لها بعينه بالجلوس بجواره تزامناً مع قوله الهادئ:
“تعالي اقعدي”
أومأت بموافقة علي حديثه ثم اتجهت نحوه وجلست بحواره مع ترك مسافة ليست بالكبيرة بينهم لشعورها بالخجل حتي الأن منه؛ظلت تطالعه في صمت تنتظر منه بدأ حديثه ولكن ماكانت تأخذه هو صمت مشابه لصمتها وملامح بدا عليها التردد إلي حد ما.
ولكن وأخيراً قرر التحدث فالتقط نفساً عميقاً وطالع وجهها ثم شرع في التحدث معها بهدوء:
“أنا قابلت عاصم وأنا طالع..من شوية”
أصيبت بالصدمة من جملته تلك فهي لم ترد أن يلتقي كلاهما حتي لا تدخله في صراعات مع ذلك ال عاصم؛ابتلعت ريقها وسارعت في سؤاله عما جرى من حديث بينهما بقولها:
“وايه اللي حصل؟؟”
حرك لها راسه بالنفي مع قوله الثابت:
“ولا حاجة،سلمت عليه وقالي إنه جاي علشان يشوف يزيد،وإنه علشان نايم أنتِ قولتيله إنه ييجي في وقت تاني”
“هو قالك كده؟؟”
عقد مابين حاجبيه باستغراب بسبب سؤاله المفاجئ،ولكن سرعان ماأومأ لها بالايجاب مع قوله لها:
“آه..،هو في حاجة تانية حصلت؟؟”
إ
لتزمت الصمت للحظات بعدما أبعدت نظرها عنه،ولكن سرعان ماعادت إليه من جديد وقالت مدعية الثبات:
“لا،ده بس اللي حصل”
“متأكدة إن مفيش حاجة تانية حصلت،أو هو قال مثلا حاجة ضايقتك”
حركت رأسها سريعاً له ثم أجابته بهدوءٍ:
“لأ،مفيش حاجة حصلت،ولا هو قالي حاجة،ماتقلقش”
طالعها في صمتٍ للحظات وشكٍ في حديثها،ولكن لم يكن لديه خيار سوا تصديق حديثها،فأومأ لها بالإيجاب ثم قال:
“ماشي..،عالعموم أنا معنديش مشكلة إن ييجي،في النهاية يزيد ابنه ومن حقه يشوفه،بس أنا عندي شرط واحد بس وهو إن لما يحب يشوف يزيد يديني خبر الأول،أو الأقل ييجي وأنا موجود..،وعلي فكرة انا قلتله الكلام ده لما قابلته علي السلم،وهو وافق”
“هو وافق فعلا؟!”
كان سؤال سريع خرج منها تلقائياً حتي تتأكد من حديثه الأخير،فأومأ لها بالايجاب ليؤكد لها صدق حديثه مع قوله:
“آه هو وافق،قالي إنه لما يحب ييجي يشوفه هيبلغني وأنا اديته رقمي،علشان تبقي مرتاحة..،مش كده أحسن،أنا اتصرفت صح؟؟”
أومات له بالإيجاب سريعاً مرددة:
“آه..،اللي عملته صح”
ابتسم لها مع تنهيدة ثم قال:
“تمام”
أومأت له بالإيجاب ببسمة مزيفة،ثم شرعت في النهوض مع قولها له:
“أنا هقوم،علشان سايبه أكل علي النار”
“ماشي”
دلفت إلي المطبخ بينما هو رافقها بنظراته مع ببسمة هادئة
حتي اختفي أثرها،تمام فتنهد براحة ثم أخرج هاتفه من جيب بنطاله ليعبث به قليلا.
بينما هي اتجهت للطاولة التي تتوسط المطبخ واستندت عليها،وهي تلتقط أنفاسها كأنها كانت في سباق للتو،وتجاهد في منع نفسها من البكاء،وهي تستعيد ماحدث معها قبل قليل..
Flashback
وضعت قِدْر الطعام علي النار من أجل طفلها الصغير،وبمجرد أن أشعلت النار عليه سمعت صوت رنيت الجرس الخاص بشقتها،فتسألت مع نفسها:
“هو نسى مفتاحه ولا ايه؟!”
تنهدت ثم التفت للقِدْر وأغلقت الشُعلة،ثم دلفت من المطبخ واتجهت صوب الباب وقامت بفتحه ظنناً منها أن الطارق زوجها سامي،ولكن كانت المفاحأة الصادمة عندما وجدته هو من يقف أمامها ويبتسم له بشرٍ أثار خوفها.
تراجعت للخلف من أثر صدمتها عندما رأته هو من أمامها،فابتسم بسخرية علي حالتها تلك ثم قال:
“ماكنتش متخيل إنك تترعبي كده لما تشوفني!”
ابتلعت ريقها وادعت الثبات مع قولها:
“ايه اللي جابك؟؟”
“جاي أقولك مبروك،أصل مايصحش يعني مراتي السابقة وأم ابني تتجوز وماجيش أباركلها،ده احنا كان بينا عيش وملح،وبينا عيّل كمان”
تحكمت في أعصابها واقتربت من الباب وشرعت في إغلاقه تزامناً مع قولها:
“تمام،ممكن تمشي دلوقتى علشان جوزي مش موجود”
أوقف الباب بكف يده ومنعها من إغلاقه مع قوله لها بشرٍ جعل الرعشة تصيب جسدها:
“استني،حيلك حيلك كده،أنا لسه ماخلصتش كلامي”
حاولت إغلاق الباب مجددا مرددة وهي تدعي الثبات:
“مفيش كلام بينا ياعاصم،من فضلك امشي”
منعها مجددا من إغلاق الباب في وجهه بسبب تفوقه عليها في القوة والبنية الجسدية،ثم هتف بشرٍ:
“مفيش كلام بينا،بس في عيل بينا”
اتكأ علي أحرف كلماته الأخيرة فتجمدت للحظات لإدراكها المغزى من حديثه هذا،ولكن سألته مدعية الجهل بمضمون حديثه:
“قصدك ايه؟؟”
“قصدي واضح ياروحي،يزيد ابني..وهيتربي معايا في حضني وفي حضن جدته اللي بتحبه،ومرات أبوه كمان اللي مش هتخليه يحس بغيابك أساساً”
“ومين قالك إن هخليك تاخده أصلا؟؟”
“وأنا مستني إذن منك ياحلوة،أنا هاخد ابني غصب عنك،ومستحيل أسمح إن يتربى فحضن راجل غريب،وينادي لحد غيري بابا..،وسعي من قدامي بقى خليني أخده”
انهي جملته وهو يقتحم البيت عليها،ولكن سبقته هي عندما أغلقت الباب في وجهه بكل قوتها،وهتفت بثبات:
“مستحيل أسمحلك إن تبعد ابني عني”
وصلها صوته يهتف بتحذير:
“افتحي ياليلى،ماتخلينش أعمل حاجة ماتعجبكيش”
“انسى إني أفتح ياعاصم،ومن الأحسن إن تمشي من سكات وإلا لو حد من اللي تحت سمعك أو حتي سامي جه وشافك كده،مش هيحصلك كويس”
أجابها وهو يضغط علي أسنانه ويشدد علي قبضة يده التي امتنعت عن طرق الباب:
“أنتِ بتهددتني؟!”
“آه بهددك..،وأحسن لك تمشي قبل ماأصوت وأخلي الناس كلها تتلم عليك ومش هتعرف تتطلع من تحت ايدهم..،أهل الحتة هنا كلهم ايد واحد،فلو باقي على حياتك امشي”
زفر بضيق،وأنزل يده وهو يشدد الضغط علي قبضته،لإدراكه صحة حديثها وأنه لافرصة له أمامها وخاصة بمفرده داخل منطقة زوجها.
أخذ نفسا عميقاً ليستعيد ثباته ثم تحدث معها بشرٍ وتحذير:
“أنا همشي دلوقتي..،بس صدقيني هارجع تاني بس مش لوحدي،ولما هاجي مش همشي غير وابني علي دراعي،وخلّي وقتها حد يمنعني…،سلام ياعروسة”
أنهى جملته ثم التفت وترجل من علي الدرج،بينما هي ظلت تسنتد علي الباب بظهرها وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة،ثم التفتت وفتحت بابا الشقة بحذرٍ وعندما تأكدت من رحيله أغلقته مجددا وسارعت في الإتجاه لغرفة صغيرها،وجثت علي ركبتيها بجوار الفراش وهي تطالع وجهه النائم،وتمسك بيده الصغيرة،بينما عينيها تتدمع أسفاً علي وضعهما.
Back
عادت من ذكرياتها،واتجهت إلي صهريج(حوض) الماء وبللت وجهها بكفيها حتي تمنع نفسها من البكاء،ثم أغلقت المياه واستندت عليه،وشرعت في التحدث مع نفسها:
“أنا أسفة بجد،أسفة إن خبيت عليك بس..بس غصب عني،ماقدرش أقولك وتروح تدخل في مشاكل معاه،مش عايزه أكون سبب في مشاكلك..،أنا أسفة أوي ياسامي”
الأسف علي حالها وحال ابنها،وعلي عدم بوحهِا بما يدور في خاطرها لذلك الإنسان
الذي
يريد الخير لها..،والخوف من المجهول القادم من طرف ذلك المدعو “عاصم”،تلك المشاعر اختلطت وتسببت في ضغط كبير عليها،وليس لديها سوا الاحتفاظ بها في خاطرها.
_____________________
في جهة أخري…
كان يجلس علي مكتبه في شركة الأدوية التي يعمل بها،كانت هيئته هادئة بينما تتلاعب أصابعه علي لوحدة المفاتيح أمامه،ومن يراه الأن في هذه الهيئة لايصدق أنه نفسه كارم ذو اللسان
اللاذع
.
ظل يتابع عمله في تركيز واجتهاد،حتي وُضعت علي مكتبه بضعة ملفات،
فرفع
رأسه وطالع مَنّ وضعها،ولم يكن سوا مديره والمسؤول عنه في العمل،والذي تحدث معه بجمود وهو يشير علي الملفات بإصبعه:
“خلص دول
وجيبهم
علي مكتبي”
طالع كارم الملفات علي المكتب ثم رفع نظره وطالع الأخير من جديد وهو يجيب
بنبرة
هادئة:
“مش شايف حضرتك إن دول كتير أوي،وصعب إني أخلصهم النهاردة”
“لأ مش صعب،لو بدأت فيهم دلوقتي هتخلصهم قبل ميعادك،يلا انجز!”
تجاهل كارم أسلوب مديره
المتعالي
،ثم
أومأ
له بالإيجاب
مرددا
بضيق:
“حاضر”
التفت الأخير
لحاسوبه
وتناول أحد الملفات وشرع في العمل عليه،بينما ابتعد المدير عنه قليلا ثم شرع في التحدث لجذب انتباه الجميع إليه:
”
خليكم
معايا دقيقة،لو سمحتم”
انتبه الجميع له ومن بينهم كارم،فستأنف هو حديثه بعدما رفع يده وأشار نحو أحد الموظفين:
“باركوا لزميلكم الأستاذ هادي بمناسبة ترقيته علي عمله الجاد معانا خلال السنتين اللي فاتوا”
وقف هادي بإبتسامة عريضة علي وجهه وهو يتلقّى التهاني من زملائه،والذي كان أغلبهم غير سعيد بذلك الخبر،ومن بينهم كارم الذي لم يظهر فرحته
ألبتة
بل ظهرت تعابير الغضب علي وجهه،وفجأة ضرب الطاولة بالملف بيده واستطاع بذلك جذب
اننباه
الجميع
عليه،وعلي رأسهم مدير الذي سأله بغضبٍ:
“مالك؟؟”
نهض
كارم مجلسه واتجه نحوه ووقف
بمحازته
بتحدي بات واضح في عينيه،ثم قال بثباتٍ:
“مين اللي اترقى؟!”
عقد المدير بين
حاجبيه
بإستغراب،ولكن رغم ذلك
أجابه
علي سؤاله بحنقٍ:
“أنتَ
ماسمعتش
!،قلت زميلك هادي هو اللي اترقى”
“ليه؟؟”
سؤال
سريع
خرج منه،أجابه عليه الأخير بنفس الأسلوب الجامد:
“هو ايه اللي ليه؟!،أستاذ هادي بقاله سنتين شغال عندنا ومجتهد جدا في شغله علشان كده يستحق الترقية”
أتته
الإجابة سريعاً من كارم وهو يقول بإنفعال اقرب لثوران بركان:
“ما أنا
متنيل
بقالي ٣ سنين ونص شغال،ماترقتش ليه؟؟،وليه لما كنت بتطلب الترقية كنت بتقولي إن الميزانية صعبة،وصعب علينا نعيّن حد جديد أو
نرقّي
حد
ونزود
مرتبه؟؟،ليه الكلام ده كان
بيتقالي
ليا ولغيري،
وماتقلش
للأستاذ هادي..”
أنهي جملته وهو ينظر صوب هادي،ثم عاد من جديد للأخير
واستأنف
حديثه علي نفس الوتيرة:
“ولّا علشان الأستاذ والده صاحب شركة مقاولات،وقريب من حضرتك”
“قصدك ايه بالكلام الفارغ ده؟!”
“قصدي إنها ماشية كوسة يا فهمي بيه،علشان حضرته معاه واسطه خلال سنتين قدر يترقى،وانا اللي بقالي ٣سنين ونص قاعد محلك سر،وغيري بقالهم أكتر منه في
المخروبة
دي وبرده ماأخدوش حاجة..،استحمل علشان ظروف الشركة ماتسمحش،وأول ماوصل الموضوع عند الأستاذ هادي بقت تسمح عادي”
هتف بصوت مرتفع غاضب رداً علي حديث كارم الساخط:
“أنت واعي لكلام ده،فوق ياكارم واتكلم معايا عدل،ماتنساش إنك واقف قدام مديرك”
“بلا مدير بلا بتاع،أنت مالكش لازمة أساساً،احنا اللي
بنخلص
الشغل وحضرتك بتاخد الثناء،وفي الأخر تروح ترقي اللي معاه واسطة،
وتسيبنا
احنا قاعدين محلك سر..،انت واللي زيك شاغلين في الشركة بواسطة،الواحد بقا شاكك إنها مبنية بواسطة أساساً”
“أنتِ ازاي
تتكلم
معايا بالأسلوب ده؟!،اتفضل روح علي الحسابات خد باقي حسابك
وماشوفش
وشك هنا تاني”
“وعلي ايه ياغالي،أنا
سايبهالك
بمزاجي وماشي،ومش عايز عايز أي حاجة منكم،زوّد باقي حسابي علي مرتب الأستاذ هادي واللي زيه،وأنا بقدم استقالتي من الشركة
العرة
دي..،ودي هدية بسيطة مني علي بهدلتي ال ٣ سنين ونص اللي قعدتهم في
الخرابة
دي”
أنهى جملته وهو يوجهه ضرب قوية برأسه صوب
وجهه
الأخير وتحديداً أنفه،والذي أطلق صرخة عالية متأوهاً من قوة الضربة،التي كانت صادمة لجميع الموجودين.
وضع المدير يده علي أنفه التي بدأت تنزف ونظر للأخير
وهتف
بتوعدٍ:
“بتضربني أنا ياكلب ياحقير..،والله لأوريك،والله
لأدفعك
التمن غالي”
ابتسم كارم
بسخرية
علي تهديد الأخيرة الذي كان يطالع بشرٍ،ثم
أجابه
ببرود وثقة:
”
مستنيك
،وريني هتعرف تعمل ايه؟؟”
أنهي جملته
ببسمة
واثقة ثم اتجه الي مكتبه
والتقط
حقيبة عمله
وهاتفه
ثم انصرف من المكان،بعدما ألقى نظرة احتقار لكل من المدير وهادي.
.
.
.
كان يخرج
من الشركة بخطوات واثقة كأن شيئا لم يحدث،حتي وصل إلي باب الشركة فقام بفكّ ربطة عنقه قليلا،ثم نزع بطاقة التعريف الخاص بعمله من علي رقبته
وألقاها
مباشرة في السلة المجاورة للباب
مرددا
ً
بسخرية:
“يلا مع السلامة،شركة كلها مكانها الزبالة”
تابع سيره نحو الخارج وهو يضع يده في جيب
بنطاله
،ولكن فجأة
اصطدمت
به فتاة يافعة كانت تسير علي
عجلة
من أمرها،مما تسبب في وقوع حقيبة يدها أرضاً وخروج مابها من أشياء.
اعتذر
تلقائيا لما حدث،بينما هي جلست
القرفصاء
وشرعت
في جمع
أشيائها
من علي الأرض وهي تجيبه:
“أنا اللي أسفة،كنت مستعجلة وخبطت فيك بالغلط”
لم يجب علي حديثها بل طالعها لثواني ثم جلس
القرفصاء
هو الأخر وشرع في جمع
أشيائه
معها
محاولاً
إبعاد نظره عنها بقدر الإمكان نظراً
لإطلاقها
لشعرها
،
وارتدائها
ملابس مكشوفة بعض الشئ.
وأثناء ذلك شعر بإهتزاز هاتفه في جيب
بنطاله
فسارع
في إخراجه ولم يلاحظ بطاقته التي وقعت من جيبه أثناء ذلك،والتي
ووضعتها
الأخيرة في
حقيبتها
عن طريق الخطأ.
نهض
كلاهما
بعضدا
انتها من جمع جميع الأشياء،
فطالعته
ببسمة هادئة
ثم شكرته مرددة:
“شكرا جدا،وأسفة مرة تانية”
“لا ولا يهمك،عن اذنك”
أنهى جملته ثم تابع سيره للخارج وهو يجيب علي هاتفه مرددا:
“ايوه ياحجة”
بينما التفتت له الأخيرة وطالعت جسده المبتعد،ثم التفتت مجددا وتابعت سيرها للداخل
،ليذهب كل منهما في طريقه المعاكس للأخر،وقد يكون هذا الطريق دائري ويُكتب لهما لقاءً أخر.
__________________
__
جلس علي الأريكة في السايبر يعبث في هاتفه،بينما جلس صديقه محسن علي شاشة الكمبيوتر أمام أحد الألعاب القتالية الشهيرة،وكل منهم يخطف النظر علي شاشة أخرى تعرض الأطفال والشباب الجالسين في الخارج أمام الشاشات
المضيئة.
ثواني مرت علي هذا الحال حتي
دلف
إليهم كل من حسن وحسين،
اللذان
ألقيَّ السلام:
“السلام عليكم”
رد محسن التحية عليهم دون رفع نظره عن اللعبة،بينما رفع موسى رأسه
وطالعهما
ثم قال:
“وعليكم السلام،انتوا جايين مع بعض ولا ايه؟؟”
اتجه حسين الي
الأريكة
في الجهة اليمني من الغرفة
واستلقى
عليها،بينما اتجه حسن نحو
موسى
وجلس بجواره وهو يجيبه عن سؤاله بهدوئه المعتاد:
“لأ،ده أنا قابلته بره وهو نازل من التاكسي”
التفت موسى صوب حسين ثم
أردف
بحنقٍ:
“جاي بتاكسي ياحسين؟!”
أتته
الإجابة سريعاً من حسين بصوت كسول:
“آه،أومال كنت عايزني أضرب المشوار ده كله مواصلات”
رد عليه محسن بتهكمٍ دون أن يبعد نظره عن اللعبة أمامه:
“ياعيني،الولد
بيتعب
أوي في الشغل،اللي يشوفوه وهو
بيتكلم
كده
هيفكر
إن طالع نازل طول النهار،مش قاعد علي مكتب وحاطط السماعة علي ودنك وخلاص”
“علي
فكرة
احنا
بنتعب
كمان،مش معنى إننا خدمة عملاء إن الموضوع ساهل،احنا بنسمع بلاوي في التلفون مش شكاوي،وبعدين أنت ليه
محسسني
إنك
بتشيل
طوب طول النهار،من انت قاعد زيك زي علي مكتب في شركة المايه اللي شغال فيها
وفوقيها
بتخلص وترجع بدري كمان،افصل بقى عايز أريّح شوية”
أنهى جملته وهو يلتفت للجهة الأخري
ليعطيهم
ظهره،بينما زفر محسن بضيق من
غيظه
من ذلك الكسول
وهو يتمتم ببضعة كلمات غير مفهومة
،ولكن سرعان ماتجاهل ماحدث واستمر في اللعب كأن شيئا لم يكن.
بينما حرك موسى رأسه بالنفي وهو يضحك ساخراً منهما،أما حسن فتنهدت بعمقٍ ثم عاد بجسده للخلف ورفع رأسه وهو مُغمض العينين،فلاحظ الاخير حالته وسأله مستفسراَ:
“كان عندك حصص كتير النهاردة ولا ايه؟؟”
أومأ له حسن بالإيجاب وأجابه وهو لايزال مُغمض العينين:
“آه،كان عندي أربع حصص وكلهم ورا بعض”
“ده أنتَ تلاقيك مصدع دلوقتي؟!”
“أوي،من أول حصة وأنا صدعت أصلا”
“أنتَ اللي اخترت تدخل للهم برجليك،حد قالك تبقي مدرس؟؟”
فتح حسن عينه ونظر صوب الأخير ثم أجابه برتابةٍ:
“النصيب بقى ياموسى،ربنا كتبلي الخير في المهنة دي وأنا رضيت بنصيبي،وقلت الحمد لله”
“ونعم بالله ياشيخ حسن”
ابتسم له حسن بخفة وبادله موسى الإبتسامة،وفي هذه اللحظة دخل عليهم سامي بقوله:
“سلام عليكم”
ردوا جميعاً عليه التحية حتي حسين الذي التفت ليطالعه،بينما هو اقترب من موسى وحسن وجلس في المنتصف بينهم ثم مرر نظره عليهم وهو يقول:
“أومال كارم لسه مجاش؟؟”
أتته الإجابة من موسى الذي كان علي يمينه:
“لا لسه،أنتِ عارف إنه بيخلص شغل متأخر”
“طب علشان ماأتأخرش علي اللي في البيت،علشان أنا عريس جديد برده،خليني اخلص الكلمتين معاكم”
أغلق محسن اللعبة والتفت لجهة البقية وهو يسأل سامي:
“أيوه كلمتين ايه بقا اللي جامعنا علشانهم؟؟”
نظر سامي صوب محسن ثم مرر نظره علي البقية وهو يقول:
“الموضوع ياسيدي إني عايز أخلص الحساب معاكم”
تبادل الأربعة النظرات بينهم مما أثار استغراب الأخر فعقد بين حاحبيه واردف بتساؤل:
“فيه ايه؟؟،بتبصوا لبعض كده ليه؟؟”
تنهد موسى وكان أول من يجيبه علي حديثه وهو يعود بجسده للخلف علي الأريكة:
“الحساب خلصان ياسيمو”
طالع سامي الأخير باستغراب وأردف:
“خلصان ازاي يابني؟!،أنا لسه ماحاسبتكوش علي حاجة”
“ماقالك خلصان ياسيمو في ايه بقا!”
كانت تلك كلمات محسن الذي أبعد نظره عنه فور انتهائه من حديثه؛فطالعهم سامي تباعاً من جديد وعلامات الجهل والاستغراب تعلو على وجهه،ولكن من تعابيرهم الجادة فهم مايرمون إليه فشرع في سؤالهم ليتأكد من صحة مايفكر به الأن:
“هو انتوا اخدتوا الربع مليون علشان كده؟!”
بادلوا النظرات مجدداً في صمتٍ فعلم أن تخمينه صحيح،فمرر نظراته عليهم وهو يستأنف حديثه:
“حد فيكم يتكلم ويفهني اللي حصل،وفكرة مين دي أصلا؟”
أتته الإجابة من حسن بقوله الهادئ:
“دي فكرتنا كلنا..،احنا اتكلمنا مع بعض واتفقنا إن الفلوس دي تبقى خاصة بتكاليف فرحك”
“وأنتوا ايه عليكم تدفعوا تكاليف فرحي؟؟”
“فيه ايه ياسيمو هو احنا مش صحابك ولا ايه ياجدع؟؟”
نظر سامي صوب محسن وهو يجيبه:
“لا صحابي يامحسن،بس برده ده مش معناه انكم تدفعو مبلغ زي ده،أنتوا كده كل واحد فيكم دافع ٢٥ ألف..وموسى لوحده ١٢٥ ألف،ده مش صح،مش صح خالص إنكم تدفعوا تكاليف فرحي”
أتته الإجابة سريعاً من موسى قائلا ببساطةٍ:
“مين قالك إننا دفعنا أساسا،الفلوس ده احنا اعتبرناها ماجتش أصلا،يعني مش بتاعة حد فينا،لم تبقى تتوزع تبقى بتاعتنا،اما هي ماتوزعتش يبقى خلاص”
تنهد سامي وكاد أن يرد علي الأخير،ولكن فجأة توقف عندما تذكر تلك اللحظة فتحدث سريعاً:
“ثانية!،أنت قصدت مانوزعش الفلوس بينا اليوم اللي قبل وقفة العيد علشان كنت عامل حساب الفرح،كلامي صح؟؟”
سكت موسى ولم يعطه جواب فأدرك الأخير أنه علي حق فستأنف حديثه بقوله:
“يبقى صح،أنت كنت عامل حسابك إن ٨٠ ألف يبقوا لفرحي،وطلبت مني أنجز في الشغل الأخير قبل الفرح علشان تزوّد المبلغ التاني عليه ويبقوا كلهم فلوس الفرح،صح مش كده؟!”
أتاه الرد من موسى بقوله الجاد:
“آه صح ياسيمو،وبعدين يعني أنتِ متضايق كده ليه؟!”
“متضايق علشانكم ياحلو،أنتوا مش ملزومين تتدفعوا المبلغ ده كله،وأنت بالذات مش ملوزم تدفع نص المبلغ لوحدك..،وغير كل ده أنت مش كنت بتقول إن اللي بيدخل جيبك مابيطلعش،ولا غيرت المبدأ”
“لا ماغيرتش المبدأ،انا لسه اللي بيدخل جيبي مايطلعش”
“اومال ايه بقا؟؟،دفعت المبلغ ده ازاي؟؟”
رد عليه موسى ببساطة:
“الفلوس دي مادخلتش جيبي أصلا علشان تطلع منه ياسيمو،وبعدين أنا سبق وقلتلك احنا اعتبرنا الفلوس دي ماجتش،وغير كده بقا احنا اتفقنا إننا هنعمل الموضوع ده معانا احنا الستة”
عقد سامي بين حاحبيه وأردف:
“مش فاهم!”
زفر موسى بضيق ثم تحدث مع حسن قائلا بضجر:
“اشرحله أنتَ ياحسن علشان معنديش دماغ للكلام ده كله”
نظر سامي صوب حسن الذي بدأ بالتحدث معه موضحاً:
“يعني احنا اتفقنا إن كل واحد فينا لما ربنا يكرمه ويتجوز،فلوس فرحه هتبقى من أخر شغل هنعمله،وبس ياسيدي”
تدخل محسن في الحديث بقوله الخشنة:
“يعني من الاخر ياصاحبي،مفيش حد هيعمل فرحه من جيبه،كلنا هنشترك فيه،خلصانة؟”
مرر سامي نظر عليهم تزامناً مع قوله الهادئ:
“يعني دلوقتي أي واحد فيكم هيتجوز فلوس فرحوا هتبقى من أخر شغل هنعمله،ومش هيشيل التكاليف لوحده وهنشترك فيه كلنا،زي ماعملتوا معايا كده”
أتته الإجابة من حسين بصوته الكسول:
“بالظبط كده ياسيمو”
“طب ليه محدش قالي قبل كده؟؟”
أجابه موسى بلامبالاة:
“ماجتش فرصة مناسبة”
“أو تقدر تقول إننا كنا عايزين نعملك مفاجأة”
أيد محسن حديث شقيقه قائلا:
“أيوه زي ماالشيخ حسن قال كده بالظبط،وكفاية بقى أسئلة ياسيمو الموضوع أبسط من كده والله،أنت معقدها كده ليه مش فاهم!!”
“أنا مش معقدها والله،بس انتوا فاجئتوني بصراحة،ماتوقعتش إنكم تعملوا حاجة زي كده”
“ماتوقعتش ليه؟؟،احنا مش صحابك ولا ايه؟؟”
نظر سامي صوب موسى ثم اجابه ببسمة هادئة:
“لا صحابي ياموسى،وأعز صحاب كمان..”
مرر نظراته عليهم تباعاً وهو يستأنف حديثه ببسمته التي عبرت عن امتنانه لهم وسعادته بصداقته لهم:
“أنتوا مش متخيلين أنا مبسوط إني صاحبكم قد ايه!،أنا بجد فخور إن أنا صاحب ليكم”
وضع حسن يده علي كتف الاخير وأجابه ببسمة هادئة مماثلة لنبرته:
“احنا كمان فخورين ومبسوطين إنك صاحبنا والله ياسيمو،وبعدين أنت مش صاحبنا بس أنت زي أخونا الكبير والله،مظبوط ياشباب؟”
أنهي جملته وهو ينظر للبقية،فأجاب عليه محسن أولاً بمشاكسة:
“طبعاً،ده ساعات بحسه الحاج الوالد”
ضحك سامي بخفة علي حديثه ثم التفت صوب حسين الذي قال ببسمة هادئة:
“بعيداً عن هزاز محسن،فأنا بعتبرك أخويا الكبير وبحترمك زيه بالظبط”
رفع حسن حاجبه وهو ينظر لتوأمه مرددا:
“ياراجل!”
“مش بالظبط أوي يعني”
ضحك الجميع علي حديثه هذا وتغيّر موقفه في أقل من لحظة،وبمجرد أن توقفوا عن الضحك نظر سامي نحو موسى وسأله ببسمة هادئة:
“وأنتَ معندكش حاجة تقولها؟؟”
ضم موسى شفيته دلالة منع علي التفكير،ثم عاد بجسده للخلف وهو يضع يديه خلف رقبته وتحدث ببرود مصطنع:
“لا معنديش حاجة أقولها بصراحة”
“متأكد؟؟”
“آه متأكد،أنا بأيد بس اللي التلاتة قالوه،معنديش حاجة أضيفها علي كلامهم”
“ماشي ياسيدي،وشكرا علي الكلام اللي ماقلتوش”
“العفو ياسيمو”
ضحك سامي بخفة علي بروده هذا،ولكن رغم ذلك كان يعلم أن هذا البرود ليس حقيقي بل هي واجهة ليخفي تأثره ومشاعره الحقيقة،فالطالما كان مرهف الحِس ولكن دائما ماكان يتصنع البرود واللامبالاة أمام الجميع.
ظل يطالعه ببسمة هادئة فقط،ثم مرر نظره علي أصدقائه الجميع بنظرات ممتنة لهم،ولكن سرعان ماعاد لحسن من جديد الذي جذب انتباهه بقوله:
“علي فكرة علشان يبقى عندك علم،احنا ماصرفناش الفلوس كلها علي الفرح،وهو فضل منهم كام ألف وخلينا موسى يتبرع ليهم لجمعية الهلال الأحمر”
اتسعت ابتسامة سامي رغم تفاجأه ثم قال بسعادةٍ:
“خير ماعملتوا،برافو عليكم بجد”
“برافو علينا ليه؟؟”
كان هذا سؤال كارم الذي وصل للتو،والذي انتبه الجميع له فستأنف حديثه وهو يدلف للغرفة:
“أنتوا قلتوله؟؟”
أتته الإجابة من محسن وهو يومأ رأسه بالإيجاب:
“آه قولناله”
أومأ له كارم بالإيجاب وهو يقول بفخرٍ:
“طبعاً برافو علينا،احنا محدش زيّنا برده”
أنهي جملته وهو يقترب من حسين وأشار له بالنهوض والتنحي له جانباً وهو يقول بحنقٍ:
“قوم،خليني أقعد”
أبى حسين التنحي وأشار له بالابتعاد عنه بيده وهو يقول بضجر:
“روح أقعد في أي مكان،أنا عايز أنام”
عض كارم شفتيه بغيظ من الأخير ثم تنهد وجلس علي قدميّ حسين مرددا بحنقٍ:
“أنتَ حر”
تأوه حسين عندما جلس الأخير علي قدمه ثم حثّه علي النهوض وهو يهتف بغضب:
“قوم من علي رجلي يالا”
رد عليه كارم بعنادٍ:
“مش قايم،أنا قلتلك قوم بس حضرتك رفضت،شيل بقا”
“خلاص هخليك تقعد،قوم من علي رجلي بقا”
نهض كارم من علي قدميّ الاخير مرددا ببسمة منتصرة:
“ماكان من الأول”
تنحى حسين جانباً واعتدل في جلسته وهو يطالع صديقه بضجرٍ،والذي تجاهل نظراته تلك وجلس بجواره،بينما كان البقية يتابعون الأمر وهم يضحكون،حتي توقف موسى أولا عن الضحك وجذب انتباه كارم بسؤاله له:
“أومال أنتَ جاي بدري ليه؟؟،مش المفروض تخلص الساعة ٥ النهاردة”
سكت كارم ولم يعطه جواب،فكرر موسى سؤاله مرة أخري بسخرية:
“ماجاوبتش ليه؟؟،أنت هربت من الشغل ولا ايه؟؟”
رفع كارم يده وبدأ بفرك رقبته بتوتر وهو يجيبه ونظراته تهرب منهم جميعاً:
“أنا ماهربتش من الشعل..،أنا سبت الشغل..بشكل نهائي”
عمّ الصمت عليهم جميعاً وتشنجت ملامحهم وعيونهم فقط مصوبة نحوه،ولكن فجأة صدح صوت ضحكاتهم ظننا منهم أنه يمزح،فمرر نظره عليهم ثم تحدث بجدية مؤكدا لهم حديثه السابق:
“علي فكرة أنا مش بهزر،أنا فعلا سبت الشغل”
توقفوا جميعاً عن الضحك في آنٍ واحد،وتوجهت أنظارهم نحوه بشكل أخافه،وازاد خوفه من صمتهم المريب،وعندما فتح فمه وشرح في التحدث سبقه سامي عندما قال بتيه:
“عيد تاني كده قلت ايه؟؟”
رد عليه كارم ببساطة:
“قلت سبت الشغل”
“يعني ايه سبت الشغل؟؟”
“يعني سيبته ياسامي،أنت فهمك بطئ كده ليه؟؟..،بقولك سيبته واستقلت بشكل نهائي ومش راجع تاني خلاص”
سكت سامي للحظات ولكن فجأة هتف قائلا بغضب:
“سبته ليه؟؟،ايه اللي خلاك تسيبه أنت؟؟”
رد عليه كارم بصوت مرتفع:
“علشان زهقت ياسيدي،أنا داخل علي اربع سنين شغال هناك ومرتبي مازدش غير مرة واحدة،وخلالهم ماترقتش علي كل الشغل اللي كنت بشتغله بحجة ظروف الشركة،والنهاردة الأستاذ فهمي جاي وبكل أريحية يرقى واحد معايا في الشغل قدامنا،الواحد ده يدوبك معانا بقاله سنتين،وكل ده علشان حضرته معاه واسطة فالدنيا سهلة معاه،وأنا مستحملتش بصراحة اللي حصل ورحت شاتمه قدام الكل وضربته كمان بالروسية في مناخيره”
اتسعت حدقتي سامي وقال بصدمة:
“ضربت مديرك بالروسية!”
“اللي كان مديري بقى،ماأنا خلاص سيبت الشغل”
بسك
سامي يديه أمامه وهو يقول بإنفعال نتيجة لبرود الأخير:
“ومالك بتقولها بكل أريحية كده ولا كأنك عامل حاجة حلوة”
“ماأنا فعلا عملت حاجة حلوة،قد يكون أصلا أكتر حاجة عملتها صح في حياتي هي إنني سبت الشركة العرة دي،وأخدت حقي من المدير النص كُم ده”
رد عليه حسن برتابةٍ وهدوء:
“ماهي الشركة دي برده تعبت علي مااتعينت فيها ياكارم،أنت فضلت أزيد من سنة بعد التخرج مش لاقي شغل،وربنا كرمك واتعينت فيها بعد تعب،ودلوقتي جاي بكل بساطة تستقيل وفوقيها تتضرب مديرك”
“ماهو مدير عرة ويستاهل اللي جراله بصراحة ياحسن”
رد عليه سامي قائلا بنفس الوتيرة،وخاصة بعد خروجه عن شعوره بسبب مافعله الاخير:
“معلش،كان المفروض تستحمل وتيجي علي نفسك شوية يااخويا،وأكيد ربنا كان هيعوضك بالأحسن من الترقية دي”
رد عليه كارم بنبرة أهدأ من سابقتها:
“لا ماقدرتش أستحمل ياسامي،أنا فقدت أعصابي في لحظة ومعرفتش أسيطر عليها بعدها،وبعدين اللي حصل حصل بقا وانتهى،أنا مش محتاج الشغل ده أصلا،وهو فرهدة علي الفاضي،ولو علي القرشين اللي كنت باخدهم أخر الشهر في أنا مش عايزهم،ومش لازمنّي في حاجة”
“ماأنا عارف ياأخويا إن الفلوس مش لازماك وإنك معاك غيرهم كتير،بس ماينفعش تقعد من غير شغل،علشان يوم ماتصرف من الفلوس اللي معاك هيطلعوا عليك بدل إشاعة مية،وأنت عارف الناس مش بتبطل كلام علي غيرها”
“أنا مش هفضل قاعد من غير شغل علي طول كده،أنا يومين كده ولا حاجة وأنزل أدور علي شغل في أي مكان بأي مرتب مش فارقة،أهو أي حاجة تبقى واجهة ليا بس”
تنهد سامي ثم أجابه بنبرة أهدأ من سابقتها:
“وأنت متخيل إني هتلاقي شغل بسرعة كده،كان غيرك أشطر يااخويا،ماكنش الناس اللي معاها شهادات قاعدين بيقزقزوا لب دلوقتي ياحلو،كان زمان كل واحد فيهم دلوقتي قاعد في مكتبه بيشتغل،ماكنش نسبة البطالة بترتفع كل يوم عن اللي قبليه”
“أنا فاهم ومدرك كلامك كويس ياسامي،بس أنا مش شرط أشتغل بشهادتي،أنا هشتغل أي حاجة وخلاص،علشان زي ماقلت قبل كده تبقى ساتر للفلوس اللي هصرفها”
“أنت مستسهل الأمور أوي ياكارم،محسسني إن مفيش حد ممكن يسأل ويعرف مرتبك الحقيقي ويقارنه باللي بتصرفه”
“محدش ليه دماغ للكلام ده ياسامي،وبعدين يعني هما هييجوا دلوقتي وياخدوا بالهم مني ومن شغلي ومصاريفي،وموسى مثلا أهو بيصرف بقاله سنين محدش اخد باله منه ليه؟!”
أنهى جملته وهو ينظر صوب موسى الذي نظر له بحنقٍ،ولكن سرعان مانظر صوب سامي ورفع حاجبه له عنده قال:
“موسى مش بيصرف أصلا،موسى تقريبا ماستعملش بطاقته غير مرة ولا اتنين،أما لما بيحب يصرف بيصرف من اللي بياخده من أهله”
نظر موسى صوب كارم وأيد
حديث الاخير بقوله الساخر:
“آه انا عايش علي فلوس أهلي،وفلوسي محنتّها”
استمر كارم علي رأيه ورد عليهم:
“حتي وإذا،برده محدش هياخد بالي مني وأنا هبقى حذر والله ماتخافوش”
وضع يده في جيب بنطاله وهو يستأنف حديثه:
“أنا هستعمل ده بكل حذ..”
توقف عن التحدث عندما فشل في إيجاد بطاقته الإئتمانية،فوقف سريعاً تحت نظرات الخمسة بالمتعجبة وبدأ بالبحث في جيب بنطاله وقميصه وحافظة نقوده تباعاً،و بادر سامي في سؤاله عما يحدث بقوله:
“في ايه؟؟،مالك؟؟”
طالعه كارم سريعاً وعاد للبحث في الحافظة وهو يجيبه:
“مش لاقى الفيزا”
“مش لاقيها ازاي!!”
رد عليه كارم بضجر:
“مش لاقيها ياسامي،أنا حاطتها في جيبي الصبح بعد ماسحبت منها،بس دلوقتي مش لاقيها”
رد عليه موسى سريعاً:
“ماتدور كويس يابني ممكن تبقى غيرت مكانها وناسي”
“ماأنا بدور أهو،بس أنا واثق إني ماطلعتهاش من مكانها من الصبح”
“يعني ماطلعتهاش خالص؟؟”
نظر كارم صوب حسن وأجاب علي بإنفعال وقلق:
“والله ماطلعتها من الصبح،حتي لما روحت بعد الشغل وضربت طبق كشري دفعت كاش”
أنهى جملته وعاد للبحث من جديد حتي أفرغ محتويات حافظة نقوده وبالطبع لم تكن من بينهم،فتنهد بيأس وجلس علي الأريكة خلفه بهيئة مصدومة،ثم طالع أصدقائه وتحدث بهدوء مخيف:
“مش لاقيها”
رد عليه موسى مباشرة بهدوء:
“كده مفيش غير تفسير واحد،وهي إنها وقعت منك وأنت مش واخد بالك”
خرج الرد تلقائياً من فم كارم وهو يهتف بصدمةٍ:
“يالهوي!”
.
.
.
بعد عدة دقائق…
جلس علي الأريكة بهيئة مضحكة،حيث كان يربط رأسه بربطة عنقه،بينما كان يشبك يديه فوق راسه وهي يهز جسده يميناً ويساراً ويندب قائلا:
“آه ياأنا يامّا آه..آه ياأنا ياما آه..”
بسط يديه أمامه وهو يستأنف حديثه:
“يعني ايه؟؟..،يعني فلوسى راحت كده؟!،أنا اتصلت وسألت في الشركة وقالولي محدش لقاها..،أدور عليها فين أنا دلوقتي؟!،ألقيها فين يامّا؟؟..،آه ياأنا يامّا”
أنهى جملته بصرخة منفعلة،ورغم حالته تلك لم يستطيع الخمسة التحكم في أنفسهم،وظلوا يتابعونه وهو يضحكون،ومنهم من كان يحاول كبت ضحكاته كسامي وحسن مراعاة لمشاعره،ولكن البقية فقدوا السيطرة علي أنفسهم تماماً.
فطالع خمستهم وأشار نحوهم تباعاً وهو يقول بحنقٍ معاتباً إياه:
“اضحكوا براحتكم اضحكوا،لو كان واحد فيكم بدالي كان هيعمل أكتر من اللي بعلمه ده”
رد عليه محسن من بين ضحكاته:
“أنا لو كنت مكانك،وبطاقتي ضاعت كنت نصبت خيمة فنص الحارة وخدت عزاها”
رفع حسين يده ثم قال محاولاً منع نفسه من الضحك:
“وأنا لوكنت مكانك كنت حفرت قبر في نص الحارة ودفنت نفسي فيه”
ازدادت ضحكات موسى علي حديثهم هذا،فاتجهت نظراتهم جميعاً نحوه فتحدث كارم إليه بحنقٍ:
“والله أنتَ بالذات ماينفعش تضحك،لإنك لو كنت في مكاني كنت هتعمل أكتر من اللي بعمله أنا دلوقتي”
ابتلع موسى ريقه وهو يحاول منع نفسه من الضحك ثم أجاب علي الأخير مرددا:
“أنا لوكنت مكانك،كنت رميت نفسي من أخر دور في العمارة ياصاحبي”
رد عليه محسن مؤيداً لحديثه:
“حقك طبعاً،فلوسك قد فلوسنا احنا الخمسة تقريباً،دي أقل حاجة ممكن تعملها”
مرر كارم نظره عليهم تباعاً ثم عاد لسابق عهده وأخذ يردد من جديد بنفس الوتيرة:
“آه ياأنا ياما آه”
ارتفعت ضحكاتهم هم الخمسة عليه من جديد،بينما هو ظل يردد تلك الكلمة،حتي توقف حسن عن الضحك وأردف برتابة:
“اهدى ياكارم،إن شاء الله خير،ممكن اللي يلاقيها يبقى ابن حلال ويردهالك”
أيد سامي حديث الأخير مرددا برتابة بعدما توقف عن الضحك هو الأخر:
“مظبوط ياكارم،وغير كده أنا اتصلت بزميلي في البنك وخليته يوقفها مؤقتاً لحد مانلاقيها ومحدش كده هيقدر يستعملها،ولو لقدر الله مالاقنهاش هقدملك طلب ونطلعلك واحدة جديدة،اهدى بقا وإن شاء الله خير”
“يعني أطمن ياسامي؟؟”
“اطمن ياصاحبي،إن شاء الله خير والله”
تنفس كارم الصعداء ثم نزع ربطة العنق من علي رأسه بعدما شعر بالراحة من كلام صديقه الأخير،فتوقف البقية عن الضحك وهم يراقبونه وهو يقول بهدوء عكس حالته السابقة:
“إن شاء الله خير”
أومأ له سامي بالإيجاب ببسمة مطمأنة،فبادلها كارم الإبتسامة حتي اختفت ابتسامته تلك عندما هتف محسن بسخرية:
“وأخيرا الندب خلص،أنت كنت عامل شبه الست اللي جوزها مات”
انفجر كل من موسي وحسين من الضحك علي حديثه،بينما تحكم كل من حسن وسامي ومنعا نفسهما من الضحك واكتفوا بالإبتسام وتحريك رأسهما بيأس منه،بينما طالعه كارم بغيظ شديد وقبل أن يرد عليه صدح صوت هاتفه فتناوله من علي الأريكة وهو يشير نحو محسن ويقول بحنقٍ:
“استني بس لما أخلص”
بدأ المكالمة وأجاب علي المتصل مرددا:
“أيوه ياحجة”
وصله صوت والدته تقول:
“أنت فين؟؟،تعالا بسرعة علشان في ضيف مستنيك هنا”
عقد كارم مابين حاجبيه وأردف ببرود:
“ضيف مين؟؟”
“لما تيجي هتعرف،انجز وتعالا بسرعة”
زفر بضيق ثم أجاب عليها بضجر:
“ماشي جاي،دقيقة وأبقى عندك”
أنهى المكالمة وأغلق هاتفه وهو يقول:
“الواحد مش ناقص والله”
أنهى جملته ثم نهض من مكانه وتحدث مع أصدقائه:
“أنا هروح أشوف الجماعة وأرجعلكم”
أتاه الرد من سامي بقوله الهادئ:
“ماشي”
أومأ له بالايجاب ثم دلف من المكان قاصدا بيته..
_____________________
وصل إلي منزله حتي توقف فجأة عندما رأي سيارة حمراء حديثة وغريبة عن المنطقة مصفوفة أمام بيته،فطالعها من جميع الجهات ثم أطلق صفير وقال:
“ايه العربية الجامدة دي،ماعندناش حد في المنطقة يعرف ناس نضيفة كده”
ابتسم بسخرية علي حديثه ثم تنهد والتفت نحو مدخل بيته،وشرع في الصعود حتي وصل إلي شقته ففتح الباب بالمفتاح خاصته،ودلف إلي الداخل مرددا التحية الإسلامية:
“السلام عليكم”
وصل إلي مسامعه صوت والدته وهي ترد عليه التحية بقولها:
“وعليكم السلام”
رفع رأسه ونظر جهة الصوت فوجد والدته تجلس برفقة شقيقته وأمامهم جلست فتاة لم يرى منهما سوا ظهرها وخصلاتها البنية المموجة التي انسالت علي ظهرها.
رمقهم باستغراب لجهله بهوية تلك الفتاة حتي وصل إليه صوت والدته تقول:
“تعالا ياكارم!”
تقدم نحوهم حتي صار علي يسار الفتاة التي نهضت من مجلسها كما فعلت كلتهاهما ذلك أيضا،وبمجرد أن رأي كارم وجهها تذكرها فهي نفسها الفتاة التي اصطدم بها عند خروجه من الشركة صباح اليوم،فقال تلقائياً وهو يشير نحوها بسبابته:
“أنتِ نفسها..”
أكملت حديثه بقولها الهادئ وهي تومأ له بالإيجاب:
“آه أنا نفسها اللي خبطتت فيك بالغلط الصبح،واللي أخدت دي منك بالغلط”
أنهت جملتها وهي تمد يدها ببطاقته الإئتمانية،فتوسعت حدقتيه بمجرد ان رآها والتقطتها من يدها سريعاً وهو يبتسم بسعادة،ثم رفع رأسه وطالعها عندما قالت:
“أنا لما شوفتها في شنطتي اتفاجأت،وبعدين قريت الاسم اللي عليها وسألت ادارة الشركة عليك وعرفت عنوانك منهم،وجيت عالطول علشان أديهالك”
“بجد شكرا،أنت مش متخيلة أنا حصلّي ايه لما ماشوفتهاش،بجد شكرا ليكِ”
“العفو،وبعتذر جدا علي اللي حصل”
وضع يده علي صدره وهو يقول:
“مفيش داعي للإعتذار خالص،اللي حصل كان غلطي أنا،أكيد وقعت مني وأنا بطلع الموبايل وقتها،فبعتذر علي تعبِك وبهدلتك دي”
“لا خالص،مفيش تعب ولا حاجة”
تنهدت ثم مررت نظرها عليهم تباعاً وهو تقول:
“أنا كده سلمت الأمانة،لازم أمشى دلوقتي علشان عندي ميعاد”
أتاه الرد سريعاً من والدة كارم:
“ماتخليكِ قعدة شوية ياحبيتي”
“شكرا جدا ياطنط،أنا فعلا مستعجلة ولازم أمشي،وشكرا مرة تانية علي ضيافتكم،عن اذنكم”
اقتربت منها ضحى شقيقة كارم الصغرى لتصطحبها للخارج،بينما ظل كارم يطالع البطاقة بإشتياق وسعادة ظهرت غريبة لوالدته فقالت بسخرية:
“محسسني إن فيها ملايين بفرحتك ده مش كام ألف ياحسرة”
طالعها كارم ببسمة واسعة ثم قال:
“مهما كان اللي فيها ياحجة،فهي غالية عليا”
“طب روح ياأبو غالية وصل البنت لتحت،بدل ماأنت واقف كده”
لم يجادلها كارم بل اومأ لها بالإيجاب مرددا:
“حاضر”
دلف للخارج سريعاً حتي وصل اليها هي وشقيقته،التي طلب منها أن تصعد هي وهو سيصطحبها للأسفل،فأصغت هي لطلبه وصعدت للشقة مجددا،بينما هو رافق الفتاة حتي الأسفل وعندما وجدها تتجه نحو السيارة المصفوفة تحدث بتلقائية:
“هي دي عربيتك؟؟”
نظرت الفتاة إليه ثم أومأت له بالإيجاب مرددة:
“آه”
اتسعت ابتسامته ثم قال وهو ينظر نحوها:
“طلعتِ أنتِ وهي”
عقدت بين حاجبيها ولم تفهم مايقصده بجملته تلك،وقبل ان تستفسر منه سارع هو بالهروب من الموقف بقوله:
“صحيح،هو أنتِ كنت في الشركة بتعملي فيها ايه؟؟”
تعجبت من سؤاله ولكن رغم ذلك اجابته قائلة:
“كنت جايه أقدم علي وظيفة”
اندهش من إجابتها ورد عليها بعفوية
:
“معلش يعني بس واحدة زي حضرتك معاها عربية زي دي جايه تعمل ايه في شركة زي دي؟؟”
“العربية دي بابايا هو اللي جايبهالي هدية،وأنا قدمت في الشركة علي شغل علشان عايزة أعتمد علي نفسي”
“باباكي هو اللي جايبهالك هدية؟؟”
“آه”
“أنا أبويا الحج عبدلله يوم ماجابلي هدية،كانت أول وأخر هدية يجبهالي تقريباً،كانت باكو بسكوت ومفتوح كمان،علشان كان جايبه لنفسه وبعدين لاقاه مسكر أوي فقال يديهولي ويكسب فيا ثواب”
ضحكت بخفة رغماً عنها علي حديثه،فابتسم هو الآخر ثم استأنف حديثه بنفس الوتيرة:
“المهم يعني ربنا يخليلك باباكِ،ويخليلي ابويا الحج عبد لله”
ردت عليه ببسمة هادئة مماثلة لنبرتها:
“ربنا يخلهولك،ياأستاذ كرم”
سارع في تعديل اسمه لها
ببسمة هادئة:
“كارم..،كارم عبدلله شاهين”
مدت يدها لتصافحه مرددة:
“مبسوطة إني اتعرفت عليك ياأستاذ كارم”
مد يده وصافح يدها مرددا:
“وأنا كمان مبسوط إني اتعرف عليكِ ياأنسة..”
أكملت جملته بقولها:
“ميرنا..،ميرنا توفيق الهلالي”
“اسمك جميل أوي..،ميرنا”
نطق اسمها بنبرة أحبّتها فابتسمت له،فبادلها وهو الابتسامة،وظل كلاهما يتبادلان النظرات حتي أُطلق صوت بوق سيارة تمر،فابتعدت أيديهم تلقائياً وتحدثت هيا أولا بهدوء:
“أتمني نتقابل مرة تانية في الشركة”
ضم شفتيه ثم قال:
“أنا للأسف سيبت الشغل النهاردة،ومش هشتغل هناك تاني”
تفاجأت من جوابه وشعرت بالأسف تجاهه ظننا منها أنه قد طرد،ولكن لم ترد إظهار هذا الأسف أمامه فتحدثت سريعاً لتشجعه:
“إن شاء الله ربنا يعوضك بالأحسن”
“إن شاء الله”
اومأت لها بالإيجاب ثم قالت بهدوء:
“تمام،أنا هستأذن بقى،باي”
“باي باي”
اتجهت لسيارتها وصعدت إليها وبعد ثواني قليلة انطلقت بها بعدما القت نظرة سريعة عليه،بينما هو ظل يتابعها ببسمة هادئة حتي اختفى أثرها،ثم دثّ يده في جيبه وأخرج هاتفه وهاتف صديقه سامي،وعندما وصله الرد قال بسعادة:
“افتح المكبر ياسيمو”
وصل اليه صوت الأخير يستفسر:
“ليه؟؟”
“افتح بس”
“ماشي..فتحت،اتفضل”
اتسعت ابتسامته وهتف بسعادة ينبأهم بالخبر:
“لاقيتها..،لاقيت الفيزا”
فرح الخمسة جميعاً لأجله وأسرع سامي يسأله:
“لاقيتها ازاي؟؟”
“هي اللي جاتلي لحد عندي”
رد عليه موسى بحنقٍ:
“اللي هو ازاي يعني؟!”
“لما أجي هحكيلكم”
وصل إليه صوت سامي يجيبه:
“ماشي مستنينك”
أنهى المكالمة معهم ثم شرع في السير قاصداً السايبر،ليجتمع معهم ويروي لهم تفاصيل ماحدث،وكيف عادت إليه ماضاعت منه؟؟،كيف أحضرتها له تلك الفتاة التي قابلها بالصدفة؟؟
_____________________
جلس في شرفة شقة جده كعادته تحت النجوم،بينما يستند بيده علي السور وعينيه مصوبة نحو باب شرفتها ينتظر خروجها منه،ولكن ككل ليلة لم تظهر،ولم تنعش قلبه برؤيتها ولو لوهلة فقط.
تنهد بيأس بسبب عدم ظهرورها بعد،وبسبب عدم رؤيته لها منذ يومين تقريباً،رغم تقارب منازلهم إلى أنه لم يقابلها خلال هذه الفترة لو بالصدفة،منذ أن تقابلا صباح اليوم السابق؛ويتسائل كيف لاتخرج إلي شرفتها وتراه عن طريق الصدفة،فطالما في طفولتهم كانوا يتقابلون في هذا الوقت ويتبادلون أطراف الحديث الطفولي برفقة شقيقها سامي وبالطبع صديقته المقربة حينذاك دلال.
التقط نفساً عميقاً مجددا ثم عاد بجسده للخلف علي المقعد الذي يجلس عليه،ولاتزال عينه مصوبة نحو شرفتها،ثم شرع في الغناء بصوت خافت حتي لايصل لمن هم في الداخل مع بسمة هادئة مُحبّة ارتسمت علي وجهه،نتيجة لإشتياقه الجديد لرؤياها:
“على قد الشوق اللي في عيوني.ياجميل سلم..،وأنا ياما عيوني عليك سألوني.وياما بتألم..،وبخاف لتصدق.يوم الناس وأحتار..أوصف للناس.الجنة وأنا في النار…،علي قد الشوق اللي في عيوني يا جميل سلم،الليل سهرته والنوم.ياريته كحل عينيا..،واللي داريته قوام.لقيته باين عليا..،شبابي الغالي ضيعته.أناجي في الهوا اسمك..وأملي لما صورته.في أجمل صورة كان رسمك..،غالي عليا وضي عينيا.ارحم عذابي معاك…،علي قد الشوق اللي في عيوني يا جميل سلم…”
تابع غنائه لتلك الأغنية القدمية الخاصة ب “عبد الحليم”،فطالما كان عاشق لأغانيه والسبب في ذلك يعود لجده الذي كان معتاد علي تشغيل هذه الأغاني في نهاية اليوم عندما يجتمع مع أولاده وأحفاده،اعتاد دائما علي أن يجلس بينهم ويستمع لتلك الأغاني وينصت إليها أكثر من إنصاته لحديثهم من حوله.
_____________________
أتى يوم جديد ومضمونه مجهول للجميع،لايعلمه سوا الخالق…
سار في طريقه إلي أصدقائه بعد خروجه من الجميع وانتهائه من صلاة الظهر،بينما يتحدث مع صديقه سامي عبر الهاتف:
“ماقلتك جايلكم أهو ياسيمو”
وصل إليه صوت الأخير يقول بضجرٍ:
“يابني أنا عايز افهم ليه بتصلي في الجامع البعيد،والتاني أقربلك بكتير؟؟”
رد عليه موسى ببساطة:
“ولا كتير ولا حاجة ده هما ٥ دقايق بينهم بس”
“حتي وإذا،أنا صليت في القريب علشان ألحق أروحلكم،حتي حسين وكارم صلّوا معايا،وأبوك وأبويا برده مصليّن معايا وسيبتهم قاعدين في الجامع مع الشيخ سالم،وحضرتك الوحيد اللي مخالف السنة”
“معلش أنا بحب أكون عكس الكل”
زفر سامي بضيق بينما كان يجلس بين الاربعة الأخرين في السايبر ثم أجاب علي الأخير قائلا بنبر أهدأ من سابقتها:
“طب انت فين دلوقتي؟،علشان عايز أقولكم علي الشغل الجديد وأروح علي البيت علشان متأخرش عليهم”
“والله قربت منكم خلاص،قولي بس مين اللي عندك؟؟”
طالع سامي الجميع من حوله ثم أجاب قائلا:
“كلنا هنا،محسن لسه واصل من شوية،وحسن جه بعده بخمس دقايق”
رد عليه موسى بإستغراب:
“جايين بدري يعني؟!”
“ماهو حسن خلص حصصه بدري،وبعدين استأذن ومشي،أما الأستاذ محسن فهو سجل حضوره وبعدين جه علي طول”
“هرب يعني؟؟”
“بالظبط كده”
ابتسم موسى بخفة وهو يتابع سيره حتي توقف فجأة أمام منزله عندما رأي ثلاث رجال غرباء يصعدون إلي منزل صديقه،فعاد إليه علي الهاتف وتحدث معه بجدية ولاتزال عينه تنظر لأثرهم:
“سامي هو أنت مستني حد؟؟”
وصل إليه صوت الاخير يقول بضجر:
“مستنيك أنتَ يابني”
“يابني مش قصدي،أنا شفت ٣ شباب طالعين عندكم دلوقتي،وشكلهم غريب عن الحتة علشان أول مرة أشوفهم،فقلت أسألك إذا كنت مستني حد يجيلك وناسي”
تشنج سامي فور سماعه لكلمات الأخير الأولي،ولم يخطر في باله سوا أنا عائلته قد تكون في مأزق الأن،وسرعان ماعاد إلي الأخير من جديد وأردف بجدية بالغة وهو ينهض من علي الأريكة:
“موسى،اطلع وراهم فورا ومن غير ماتسأل ليه”
أنهي جملته ثم أغلق هاتفه وخرج ركضاً من المكان،مما فأجأ أصدقائه الذي نادوه وتسألوا عما حدث معه ولكن لم يحصلوا علي إجابة،فبدون تفكير خروجوا أربعتهم خلفه أيضا ليلحقون به،دون أن يعلموا حتي ماذا يحدث معه.
بينما في الجهة الأخري كان يصعد بخطوات سريعة لشقة صديقه حتي وصل إلي الطابق الثاني،واخترقت مسامعه صوت نادية المرتفع تهتف بصوت حاد:
“امشوا من هنا فورا،محدش فيكم هيلمسهم”
سرّع من خطواته أكثر بعد تلك الكلمات،ولكن فجأة توقف عندما سمع صوت فيروز تقول:
“أوعي تفتحي الباب مهما حصل ياليلى،خليكي جوه”
تابع الصعود للأعلي حتي وصل إليهم فوجد كل من نادية وفيروز تقفان أمام الباب ويمنعان ثلاثتهم من كسره والدخول لتلك المنهارة في الداخل مع ابنها الصغير،وفجأة اتسعت حدقتيه عندما وجد أحد الرجال يدفع فيروز بيده أرضاً بقوة ليبعدها عن الباب،وأطلقت صرخة نتيجة لتألمها من الإصطدام،فاتجهت والدتها فورا إليها بخوف وهي تلفظ اسمها.
ولكن قبل أن تصل إليها حتي،كان هو يوجه ضربة قوية بقدمه في منتصف جسد الرجل الذي دفع ابنتها،وتلاها فورا لكمة عنيفة وجّهها في منتصف فكّه من جهة اليمنى جعلته يرتمي أرضاً،نتيجة لغضب موسى الذي كان أشبه بعاصفة عنيفة تضرب..
يتبع…
كتابة/أمل بشر.
أسفة جدا علي لغبطة المواعيد بس بجد الواحد مضغوط بسبب الدراسة،فاعذروني غصب عني بجد.
واتمني يبقي البارت عجبكم واتفاعلوا كده علشان اتشجع أكمل،وقولولي توقعاتكم للفصل الجاي ايه اللي ممكن يحصل.
وبس..
دمتم بخير..سلام.
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية موسى (على دروب الحكايا)) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.