رواية مغرم بك الفصل السادس والعشرون 26 – بقلم الهام رفعت

رواية مغرم بك – الفصل السادس والعشرون

الفصل السادس والعشرون

الفصل السادس والعشرون

الفصـل السادس والعشــرون

مُغـرَم بـكِ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اختارتها دون الجميع لتجلس معها فهي بمثابة أختها وتربت في نفس المكان الذي جمعهن لسنوات، فتحت زينة قلبها لها بشرحها لوضع حياتها الراهن فأنصتت لها رسيل لتستشف ما تمر به من خلال حديثها الذي يشوبه بعض القلق وعدم القبول، ردت عليها رسيل بتفهم:

-إحنا كلنا اتكلمنا معاكي يا زينة وموافقين على جوازك، مش هتلاقي أحسن من النسب ده، ولو وحش مكناش وافقنا

عبست زينة ولم تقتنع فتابعت رسيل بمفهوم:

-اللي عمله معاكي كان غلط من البداية، بس هو مقربش منك، عمل كده علشان يتجوزك، مكنش وحش معاكي دا بيحبك، كان طايش لما فكر في اللي عمله معاكي

ردت زينة بامتعاض:

-والمفروض يتعاقب يا رسيل، على الأقل زعقوله إضربوه، مش تجوزوني ليه بسهولة كده

اتضح غيظ زينة من فعلته معها وهي تتحدث عنه فكتمت رسيل ضحكتها، قالت بشيء من الإندهاش:

-دا إنتي لسه مش طيقاه، دا بيحبك يا زينة قوي، وعلى طول اتجوزك

تأففت زينة من ذلك فكانت تبغى معاقبته ولو بأي شيء يثأر لكرامتها وحرمة جسدها الذي استباح رؤيته قبيل الزواج، ابتسمت رسيل لها لتكمل بلطافة كي تجعلها تتناسى ذلك:

-على فكرة أيهم مرت بينا فترة كان بيعاملني مش حلو بسبب حاجة كانت بينا

حدقت بها زينة بذهول غير مصدقة، هزت رسيل رأسها مؤكدة وهي تكمل بوجع خفيف:

-أيوة أيهم عاملني بطريقة مكنتش عجباني، بصراحة كان خايف لأسيبه علشان كده حاول يمتلكني غصب عني

باتت زينة مشدوهة من حديثها فهي لم تكن تعلم بذلك سابقًا، هنا أدركت مقدار الحب الذي دفعها لتخبئ ذلك عن الجميع كي لا تتأزم حياتها معه، ظهر ذلك حين أكملت رسيل بمحبة:

-أنا باحبه قوي يا زينة، وعارفة إنه كمان بيحبني، كنت مندفعة شوية على ما فهمت كل حاجة، سامحته علشان حاجات كتير قوي، ومنها الحب اللي بينا وتعلقي بيه، ومقدرتش اقول على اللي حصل بينا علشان لو كان حد عرف مكنتش هاعرف ارجعله تاني!!

لاحت شبح ابتسامة على ثغر زينة وهي تستمع لها باهتمام، تنهدت بعد ذلك لترد بتخوف:

-خايفة اسامحه يرجع يعمل حاجة تضايقني أو يفكرني سهلة إنه يعاملني مش كويس

-يبقى ميستاهلكيش ولازم تبعدي عنه

ردت رسيل بحزم جعل زينة تفهم عليها، استطردت رسيل بدراية:

-الحياة تجارب، ياما ناس حبوا بعض وفي الآخر مكملوش، شوفي هترتاحي بقية حياتك مع مين محدش يعرف ربنا مخبي ليكي أيه بعدين، هو بيحبك وكلنا حسينا كده، لو كان غير كنا موافقناش عليه

نظرت لها زينة بشرود ولم تجد أمامها سوى التأقلم مع حياتها معه، فالجميع متخذا صفه ولخوفهم على سمعتها، اذعنت لكل ذلك لترد بتردد:

-ربنا يسهل…

جاء عمرو ليقطع حديثهن فارتبكت زينة وهي تنظر إليه، سألها بصلابة:

-سايبة جوزك وقاعدة بعيد ليه؟، مش المفروض تكوني جنبه دلوقت

نهضت زينة لتقف أمامه متوترة فقد ظنته جاء ليطمئن عليها ولکن قسا علیها بکلماته، تابع عمرو بانزعاج:

-ولا عاوزة تفضحينا والكل يعرف باللي حصل وإنك مش طيقاه وحاولتي تقتليه؟

لمعت العبرات في عيني زينة ثم أطرقت رأسها متحسرة، نهضت رسيل لتتدخل وتهدئ الأجواء لكن سبقها آيان الذي لمحهم من بعيد ولم يلبث مكانه حين رآها بتلك الحالة، خاطبه آيان بغلظة:

-بتكلمها كده ليه؟، من فضلك ملكش دعوة بيها، هي دلوقت مراتي وأنا بس اللي مسؤول عنها!!

أُلجم لسان عمرو من رده ولم يستجمع كلماته حتی، بينما ابتسمت رسيل فقد صدق تخمينها لمحبته، تلاشت ابتسامتها حين وجدت أيهم يقترب من “لما” ويعانقها، تعالت أنفاسها لتتركهم وتذهب إليه بنظرات مستشاطة…

بينما وقفت زينة تختلس النظرات نحو آيان فرحة بأنه أنصفها، لم يتحمل آيان أن يقف هكذا ويرى زوجته يخاطبها أحد بهذه الفظاظة، لذا حدثها بجدية وهو يمسك بيدها متهيئًا للرحيل بها:

-تعالي يلا نروح، أصلا الحفلة خلصت وأنا تعبان……..!!

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

انكتلت في خطواتها نحوهما وقد احتدت نظراتها عليهما، صرت رسيل أسنانها بغضب وهو يعانقها بألفة أشعلت نيران الغِيرة بداخلها، قبلاته التي وضعها على وجنتيها زادتها شراسة، دنت منهما متجاهلة ما حولها لتجده ابتعد عنها ويخاطبها بود:

-مبروك يا “لما”، إنتي عروسة حلوة قوي ويا بخت زين بيكي

لم تعرف “لما” تبتسم أم ماذا؟، فهي متوجسة من أفعال زين الأخيرة معها، ردت باقتضاب:

-ميرسي يا أيهم، مبسوطة قوي إنك على طول جنبي ومش بتسيبني في أي حاجة

نظرت لها رسيل بسخط فتابعت لين من قُرب ما يدور ببسمة ماكرة لتتأكد أكثر، تدخلت السيدة إيمان لتقول بدموع متجمعة وهي تنظر لزين:

-خلي بالك من بنتي، أنا معنديش غيرها وهي أغلى حاجة عندي

رد زين بطاعة مزيفة:

-في عنيا يا طنط، “لما” مش عاوزك تشيلي همها خالص وهي معايا

نظرت له “لما” بعدم اقتناع فهتف السيد كارم بابتهاج:

-خلاص نسيب العرسان يروحوا طالما حابين كده

وافقه الجميع الرأي لتتوالي مباركاتهم وتوديعهم لهما، أمسك زين بيدها مزيفًا ابتسامة صغيرة أمامهم حتى دلف للخارج ليستقل سيارته ثم تلاشت حين ركب لينطلق دون أن يلقي عليها نظرة واحدة مما جعلها تستنكر تبدل حالته فهي لم تفعل ما يزعجه، لكنها تريثت حين يصلا للفيلا للتحدث معًا……

اندهش حين سحبته من بين الجميع لتتحدث معه، قالت رسيل بتبرم:

-قصدك أيه بإنها عروسة حلوة ويا بخت زين؟

استنكر أيهم ما تفعله قائلا:

-رسيل بتعملي كده ليه؟، “لما” دي باعتبرها بنتي، اوعي تكوني لسه بتغِيري منها

هتفت بتهكم

-أنا مبغِيرش من حد، هي اللي بنت قليلة الأدب وكانت بتقرب منك

التفت أيهم حوله كي يطمئن من عدم استماع أحد لهما، لكن هيهات فكانت لين متوارية ببراعة خلف عمود جانبي تتجسس عليهما، وجه أيهم بصره حول رسيل ثم أمسكها من عضدها هامسًا بتحذير:

-آخر مرة تتكلمي في الموضوع ده، “لما” كانت صغيرة ودا كان زمان، دلوقتي هي بقت متجوزة وكلامك دا مينفعش، اعقلي كده

لاحظت رسيل خشونته معها فردت بحزن:

-كل دا علشان بغِير عليك وباحبك

ردد هامسًا بانفعال:

-حد قالك إني باكرهك ولا شايف غيرك، اعملك أيه أكتر من اللي باعمله، اموت نفسي علشان تتأكدي!!

شهقت بقلق لتقترب منه قائلة بعشق:

-لا حبيبي إن شاالله أنا

ثم احتضنت متابعة ورأسها على صدره:

-باحبك ولازم تعذرني، باحبك قوي يا أيهم

زفر بخفوت ليهدأ، حاوطها بذراعيه قائلاً بمعنى غير واعٍ لتلك التي تتلصص عليهما:

-يبقى لازم تعقلي وتكبري في تصرفاتك، علشان اللي بتعمليه ده غلط وممكن يجيب مشاكل……!!

___________________________________

انهار بالكامل حين علم باختفاء ابنه حین عاد ليتيقن بأن أخته السبب ومن عاونت الأخيرة على ذلك، هبط مازن الدرج ذاهبًا لمنزلها فأوقفته والدته باستجداء:

-مينفعش يا مازن اللي بتعمله، أختك رجعت بيتها خلاص وتلاقي التانية استغلتها وضحكت عليها، المهم دلوقتي تروح ترجع ابنك من اللي أخدته

هتف باهتياج مدروس:

-ارجع أيه ياماما، مفكرة لما تروح عند أخوها بابني هاعرف ارجعه

ثم ركل بقدمه المقعد بعنف فتراجعت والدته خيفةً من هيئته المنفعلة، هتف بصراخ:

-اعمل أيه دلوقت، الواد كان في حضني وخلاص راح مني

ثم نفخ بغضب وبداخله متحير في إيجاد طريقة لاسترجاعه، لم يعرف خطوته التالية لذا تحرك ليخرج من السراية ولسانه يتمتم بألفاظ نابية مزعوجًا مما وصل إليه….

تتبعت حافصة خروجه ببسمة متشفية ممزوجة ببعض السرور فقد أصبح المكان خالي لها فقط، تنهدت براحة ثم تحركت لتعود لغرفتها؛ وذلك لتهاتف أختها عما وصل إليه وضعها..

جلست على حافة التخت لتضغط أرقام هاتفها بخفة ثم انتظرت لكن للحظات ردت الأخيرة، هتفت حافصة بتهلل:

-خلاص يا حنون راحت في داهية هي وابنها

ردت حنان بشغف:

-مش قولتلك إن دا الحل الوحيد، وكويس جات منها وغارت وسبتلك الجو لواحدك

رغم فرحتها الأولية من ذلك قالت حافصة بتوجس:

-خايفة ميقبلش بيا المرة دي كمان وميقربليش

هتفت حنان بثقة أراحتها:

-بالعكس لما مش هيشوف غيرك هيكون معاكي كويس وهيتجنن علشان تجبيله عيل كمان

-يا رب يا حنان يا رب

رددت حافصة ذلك بدعاءٍ وتمنٍ داخلي، قالت حنان بنصح:

-المهم دلوقتي تشغليه، وتعملي المستحيل علشان يقرّب منك…..!!

___________________________________

ترجل من سيارته بعد أن قام بصفها أمام البوابة الداخلية للفيلا، حين لم تجده “لما” يهتم لأمرها ترجلت بنفسها مترقبة ما سيفعله معها بعد ذلك، صدمها حين تحرك ليلج الفيلا بمفرده وكأنها ليست معه، حملقت فيه بذهولٍ وضيق معًا ثم قررت على مضضٍ متابعته للداخل ولو بيدها كانت ستتخلى عن الفكرة…

ولجت “لما” ثم وجدته يجلس على الأريكة بأريحية وقد شلح سترته، تدرجت نحوه لتستفهم عن تغيّر أسلوبه قائلة:

-زين فيه حاجة مضيقاك مني؟

نظر لها فقط بوجوم أقلقها، تابعت بحيرة:

-طيب ليه المعاملة دي معايا، لو عملت حاجة قولي علشان أعرف؟

امتعضت من بسمته تلك لتجده كأنه يسخر من حديثها، استفزها بالفعل لتنفعل عليه حين هتفت:

-رد عليا، إنت اتجوزتني ليه طالما مش طايقني كده؟!

نهض من جلسته مزعوجًا من صوتها العالي فاضطربت تعنیفه لها، هتف بتنبيه وهو يقترب منها:

-صوتك دا مش عاوز اسمعه خالص وميعلاش عليا، علشان ممكن أخرسك بقية عمرك

حدجته وهو واقف أمامها بصدمة فلم تكن تتوقع أن يكون كذلك، ولما لا فقد فعلها سابقًا حين خاطبها بقلة ذوق وجفاء، لم يكترث زين لحالتها ليعاود الجلوس متأففًا، تعقبته بنظراتها المدهوشة لتسأله باكتراب وقد خرج صوتها مختنقًا:

-ليه اتجوزتني يا زين؟

لم يعلق على هذا السؤال لكنه أمرها بهدوء مثير للحنق:

-آخر أوضة فوق بتاعتك، هي اللي هتقعدي فيها

تسعّرت دهشتها وهي تنظر له فنظر لعينيها قائلاً باستهجان:

-أصل أنا مش بتاع جواز، وعلشان متسأليش كتير اتجوزتك علشان أنا عاوز كده، وكان بمزاجك محدش ضربك على إيدك

-طلقني!!

قالتها بغيظ وقد فاض بها الكيل، رد ببرود:

-دي بقى بمزاجي، لما ازهق هتلاقيني راميكي

ثم تأمل قسماتها التي تبدلت للحزن وعينيها التي امتلأت بالدموع المهددة بالنزول، للحظات أشفق عليها ليرق قلبه لكن للأسف عاود جفائه، تحسرت “لما” على ما هي عليه فقد ظنته سيكون الحبيب المنتظر لها، لم تجد ما يجعلها تثار وترفض لوجود حب بداخلها ناحيته وتمنت أن يكون يمثل عليها، ناهيك عن حديث الجميع عليها هي فقط والذي سينهش فيها، تحركت بكل هدوء لتصعد للأعلى فقال لها وهي تهم بالصعود:

-مافيش هنا خدامين، يعني بنفسك هتعملي كل حاجة

ابتسمت بسخرية فصدمتها منه هي الأشد، أكملت “لما” طريقها لتترك العنان للبكاء المكتوم لتخرج ألمها..

جلس زين مغمومًا فتلك الليلة لم يردها هكذا ليبتئس في نفسه، لأوقات فكر في الركض إليها وأخذها في أحضانها لكن ما في عقله من وساوس ناحيتها يقتله، سأل نفسه بتحيرٍ ووجع:

-ولحد إمتى كل ده؟!………..

____________________________________

وقف منتصف العمال الذي ينقلون البضاعة لداخل إحدى المخازن على الطريق الصحراوي بين القاهرة والأسكندرية ليتابع سير العمل ووصول الشحنة المطلوبة والمتفق عليها، ملأت الراحة قلب السید عيسى حين مرت البضاعة من الجمارك بكل سهولة لوجود اسم السيد أيهم عليها، خاطب أحد الأشخاص الواقف بجانبه بدهاء:

-فكرة أيهم بيه في الموضوع دي هتخلينا ننتهي بسرعة مش زي كل مرة، إحنا اتمسكلنا شحنات كتير بس الحمد لله محدش كان بيعرف إننا وراها

رد الشخص بنظرات لئيمة:

-لما قولتلي على أيهم شجعتك علشان أنا عارفه كويس، معروف في كل مكان ومش ممكن يتاجر في حاجة مش كويسة

ردد السید عيسى بمدح:

-والله يا غريب بيه أفكارك تودي في داهية، والحمد لله بعدنا عن زين ده علشان شكله كده مش سهل وكان ممكن يكشفنا

هتف غريب ضاحكًا بمكر:

-من جمايلك عليا، ما إنت اللي خرجتني من السجن، وكمان تصرفك في الإنتقام منه كان غلط وممكن يدخلك في مشاكل ويخلي العين عليك، إسألني أنا ما هنا من زمان وفاهم الوضع كويس

ربت السید عيسى على كتفه قائلاً بعشم:

-ما إحنا أصحاب من زمان وبينا شغل كتير، علشان كده بستشيرك في كل حاجة

-وبالمرة لو حصلنا حاجة يبقى أيهم بيه يتصرف، عيبه إنه بيشارك أي حد

ضحكا الاثنان بانتشاء فسرح غريب مع نفسه متذكرًا ما فعله أيهم بابنه رغيد ليعاود الإنتقام منه بإدخاله في عدة صفقات من تلك النوعية حتى يودي به إلى نفس مستنقعه ومن ثم ينتقم منه وهذا ما جهله السيد عيسى والذي أخرجه من تفكيره العدواني قائلاً بجدية:

-المهم دلوقتي نراضي العمدة عبد الحميد بأي حاجة ويرجع بلده، علشان مش عاوزوه يشك فينا……..!!

___________________________________

حين بدّل ثيابه تفاجأ بها تجلس على التخت شاردة الذهن وفي عالم آخر، توجه زين ليصعد بجوارها وعينيه المستغربة عليها، سألها باهتمام:

-نور، سرحانة في أيه؟

استشعرت نور وجوده ثم إلتفتت له لتنظر إليه، ردت بعد وقتٍ بقلق:

-آيان ابني

ترقب زين معرفة ما يدور في عقلها فاستأنفت بتعابير مقتطبة:

-خايفة عليه قوي، مش دي جوازته اللي كنت مستنياها، مفرحتش ليه مش عارفة لیه، وهو كمان اتبهدل فيها

تنهد بعُمق لتفهمه عليها، قال بعدم ممانعة:

-أهل البنت كويسين و…

قاطعته معترضة على ما فهمه الخاطئ لحديثها:

-مش دا اللي أقصده، كنت أتمنى يكون هو ومراته يحبوا بعض، متضايقة قوي إنها بتكرهه وحاولت تقتله أنا عارفة بس هو خبی علیا علشان خایف علیها، هو بيحبها وأنا شوفت دا بعيني

رد عليها بدراية:

-آيان غلطان في اللي عمله، لو إحنا مش كويسين مكنش أهلها عدوا الموضوع، تعبيره عن إمتلاكه ليها كان غلط

نكست نور رأسها بحزن قائلة:

-ابني حلو وأي بنت تتمناه، هو محترم ومتربي وعمره ما عمل حاجة مش كويسة، هو علشان بيحبها مفكرش إن كده مش صح وممكن يخلي البنت متقبلش بيه بسهولة

ضمها زين لصدره فهو يغتم حين يجدها حزينة، مسد عليها بكفه الدافئ قائلاً:

-هيبقوا حلوين، ادعيلهم يا نور بصلاح الحال وهي تحبه

هتفت نور بضيق من الأخيرة:

-تبقى غبية لو ضيعته من إيدها، حد لاقي حد بيحبه بالشكل ده!!

ابتسم زين ليشدد من ضمها مرددًا بمكر جعل نور تبتسم باستحياء:

-بس أنا باحبك أكتر ما هو بيحبها……..!!

____________________________________

حين وقف بجانبها دفعها شعور لا إرادي بداخلها للاهتمام به ورد الجميل له، جهزت زينة له طعامًا سريعًا كونه لم يأكل شيء في الحفل ثم ولجت عليه ليفاجأ آيان بها، فغر فاهه مبهورًا بهيئتها حيث ارتدت زينة فستان عاري الكتفين لكن عليه شال صغير وضعته عليها، بالإضافة لشعرها المنسدل على الجانبين، ابتسمت برقة له وهي تقول أثناء سيرها نحوه حاملة الصینیة:

-عملتلك حاجة تاكلها، تلاقيك جعان

ابتسم آيان بفرحة عارمة وهو يراها لم تخشاه، ورغم أنه لم يشتهي أن يأكل شيء في هذا الوقت المتأخر لكنه ادعى جوعه قائلاً:

-فعلا أنا جعان قوي!!

تقدمت منه وعليها استحياء شديد وبداخلها توتر قاتل فقد ترددت كثيرًا في رؤيته لها هكذا لكنه زوجها، جلست زينة على التخت بجانبه كاتمة بسمتها فهيئته التي تحدق فيها بحب مضحكة، تنحنحت بحرج لتشرع في إطعامه بيدها، قربت الملعقة من فمه فعفويًا أمسك بقبضتها تلك فارتبكت ليلتقم الطعام وهو يأكلها بعينيها المتيمة، سحبت زينة يدها مرددة بتذبذب:

-شكلك مش محتاج مساعدة، أسيبك أنا

ثم جاءت لتنهض فطوق خصرها قائلاً بترجً:

-خليكي يا زينة معايا، الأكل مش هيبقاله طعم لو مش من إيدك

عضت على شفتيها خجلة للغاية، نظرت له وهي تتنفس بتوتر شديد، تأمل آيان وجهها الناعم والجميل مبتسمًا بمحبة طالبًا من خلال نظراته أن تتناسى ما فات، أقصى شعرها للخلف ثم ببطء دنا من وجهها ليضع قبلة على خدها فاقشعرت كمن لسعتها النيران، ابتعد آيان ليجدها متقبلة ذلك فابتسم بتأمل، ردد بوله:

-باحبك، زينة عاوزك معايا!!

بدأ صدرها يعلو ويهبط من فرط اضطرابها ثم قالت بخجل جارف:

-تصبح على خير

ثم في ثوان كانت ناهضة لتتحرك تاركة الغرفة وهي تحكم الشال عليها كمن خرجت من المحبس للتو لتتنفس بهدوء وقلبها ما زال يرجف، لم يعي آيان ما يحدث ليفطن بأنها لم تمانع إذا عاود ملاطفتها، نفخ بقوة ليدخل لرئتيه هواءًا نقيًا، قال بانتواء:

-مش معقول هخليها بعيد عني أكتر من كده………!!

____________________________________

بعد وقتٍ طويل ظلت تبكي فيه دلفت من المرحاض ممسكة بفستان زفافها ويعلو ثغرها بسمة متألمة بعدما نزعته عنها فقد شارف النهار على البزوغ، ألقته “لما” بإهمال على المقعد بالغرفة ثم توجهت لتجلس على مقعد آخر، تعبت من البكاء فكفت عنه لتحدق أمامها بأسى، سألت نفسها بعدم فهم:

-ليه زين بيعمل فيا كده؟، أنا معملتلوش حاجة أبدًا!!

ثم اغمضت عينيها بتحسر لتنهض بعدها لرؤيته وبالأحرى سؤاله عن ما يصدر منه، هدجت للخارج وعينيها تتلفت هنا وهناك أثناء سيرها، توجهت لتهبط الدرج بتردد وهي ما زالت تبحث عنه بنظراتها، حين وصلت للأسفل وجدته قد غفا مكانه على الأريكة وذراعه موضوعًا على مقدمة رأسه، تأملته بتعطف وهي واقفة من على مقربةٍ منه، توالت أسئلتها المتحيرة في نفسها لكل ما هما عليه الآن، انتفضت حين فتح عينيه وأفاق من نومه، نظر لها زين لبعض الوقت ثم مرر نظراته على ما ترتديه، كان ترتدي “لما” قميصًا من اللون الأبيض والواسع عليها، وأيضًا أسفله شورت قصير للغاية فبدت بطلة شبابية لكن كل ذلك لم يعجبه وهذا ما استنبطته بحثها، تضايقت من ذلك لتقرر تركه فهو مُخادع، تحركت لتغادر فأوقفها قائلاً بحزم:

-أنا جعان

نظرت له بعبوس وهي تتذكر حديثه بعدم وجود خدم، لم ترفض له طلب بل سألته بغيظ مكبوت:

-وعاوز تاکل أيه؟

-أي حاجة!!

رد بعدم اهتمام وهو ينهض شاعرًا بألم في عظامه من تلك النومة، ضغطت “لما” على أسنانها لتغيّر طريقها ليصبح نحو المطبخ لترى ما به من مأكولات لتجهزها…..

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

لاحقًا، حملت طبقين من الطعام بيديها ثم توجهت للطاولة منتصف الردهة لتضعهما، كان زين جالسًا بكل برود يتفحص حاسوبه ومنتظرًا إياها، وضعت “لما” الطبقين بعنف أمامه فلم يعلق ليظل كما هو، تحركت لتجلب البقية وهي مغتاظة منه وتنفخ بصوت مسموع، حين انتهت وضع حاسوبه جانبًا ليتناول الطعام بنهم فقد كان جائعًا، تبدلت نظراتها نحوه للود وهي تتابعه، سألته بحزن:

-فين مفاجئتك ليا يا زين؟

مضغ الطعام ببطء وهو ينتبه لها، ابتلعه ليرد باستفزاز:

-واللي إنتي فيه ده مش مفاجئة؟

نظرت له بضيق ولم تعقب عليه، استفهمت بفضول:

-ولحد إمتى هنفضل كده؟

رد وهو يتابع تناول طعامه:

-قولتلك لما ازهق

-طيب محبتنيش؟

سألته بتكهن فتوتر قليلاً، قال بنفيٍ زائف:

-مبحبش حد

تجمعت العبرات في عينيها فتحكمت ألا تبكي أمامه، دُق الباب عليهما فتوقف عن الطعام لينهض ليرى من؟، فتح زين الباب ليجد حارس البوابة الخارجية يحمل باقة من الزهور نظر لها زين قاطب الجبين، قال الحارس باحترام:

-الورد ده مبعوت للمدام

أدارت “لما” رأسها منتبهة ومتابعة ما يحدث وهي جالسة موضعها على المائدة، أخذ زين الباقة منه وأمره بنظرة أن يرحل، اوصد الباب ليقرأ الورقة من على الباقة وسرعان ما فارت دماؤه من كلمات الغزل تلك، وجه نظراته المزعوجة عليها فقلقت “لما” من هيئته، هتف زين مستفهمًا بصوت منفعل:

-تعرفي مين علشان يتجرأ ويبعتلك ورد وعليه الكلام ده؟!!……..

____________________________________

اخذ الغرفة ذهابًا وإيابًا بعد تركها له وهو يفكر فيها ولم يكف قلبه وعقله عن التشاور فيما يخالجه الآن، توقف آيان موضعه قائلاً:

-لو كانت مش عاوزاني مكنتش سبتني أقرب منها، أكيد هي موافقة بس مش عاوزة تقول!!

ثم تردد في أخذ تلك الخطوة معها لكن حبه لها لم يتحمل الصبر كثيرًا، اتخذ قراره النهائي بالذهاب إليها ثم دون تفكير في أي شيء دلف للخارج متوجهًا إليها فإلى متى سيُحرم منها…..

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

جلست زينة على تختها مدثرة نفسها بالغطاء معاودة تذكر ما حدث وهي تبتسم بخفوت، لم تكن مهيأة لتلك الخطوة لكن وضعها هو من دفعها لتقبل ما هي عليه وتتعايش معه، توترت حين سمحت له بلمسها وعاتبت نفسها قائلة:

-زمانه بيفكر فيا إزاي دلوقتي؟، يا رتني ما اتسرعت، أ…..

بترت جملتها شاهقة بصدمة واضطراب حين فتح الباب عليها دون استئذان، ازدردت ريقها في ارتباك ملحوظ وهي ترى نظراته نحوها والتي لمحت فيهما ما يريده منها، بالمفتاح أغلق آيان الباب عليهما فاختلجت نبضات قلبها وتذبذبت نظراتها، التفت لها ليتحرك نحوها ولم يتفوه بكلمة بل هيئته أعربت عن ما جاء من أجله فحاولت أن تعتدل موضعها متزعزعة حتى في النطق ومتعثرة في إيجاد كلمات، بحركةٍ مباغتة أمسك بالغطاء وأبعده عنها لتظهر هي فخرج صوتها متوترًا:

-آيان

لم يرد عليها بل صعد بجوارها ليبعث لها عن مدى توقه لهذا اللقاء الذي انتظره كثيرًا………………….!!

_______________________

________________

___________

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية مغرم بك) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق