رواية مغرم بك – الفصل الواحد والعشرون
الفصل الحادي والعشرون
الفصـل الحادي والعشــرون
مُغـرَم بـكِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ارتعش جسدها بفزع حين وصمت دماؤه فستانها الأبيض، ابتعدت زينة عنه مسافة لا بأس بها مستنكرة قتلها لأحدهم، أمتقع وجهها وكادت أن تفقد الوعي من هول ما وضعت نفسها فيه من ورطة، للحظات ظلت واقفة أمامه ترجف وهي تتأمله وتتفحصه بنفس ذات الوقت، هيئته الواجمة أكدت لها بأنه قد مات، تصارعت أنفاسها وهي تخطو مقتربة منه لتتأكد بنفسها، تبقى خطوة تفصلهما ثم وقفت عندها، سألته بتلعثم خائف:
-آ. آ. آيان، إنت سامعني؟
ثم حبست أنفاسها مترقبة صدور رد منه ولو بأنين يخفف من رعبها، لم تجد فلمعت عيناها لتجهش في البكاء، دنت أكثر لتجلس بجانبه ثم اكملت ناظرة إليه بنحيب:
-متموتش، إنت اللي خلتني اعمل كده!!
ثم بعفوية انحنت لتضع رأسها على صدره لتشعر بنفسه، جحظت عيناها بتهلل حين وجدته يتنفس، فورًا ابتعدت عنه لتهتف بارتياح:
-إنت عايش!
جاءت لتنهض طالبة النجدة فوجدت من يمسك بيدها فصرخت بتفاجؤ، نظرت له بذهول وهو يفتح عينيه بضعف، خاطبها آيان بتعقل:
-كلمي زين يجي، مش عاوز حد تاني يعرف
اطرقت رأسها بخزي من نفسها، قال بأنفاسٍ متقطعة:
-زينة بسرعة مش قادر، التليفون في جيب بدلتي
اومأت برأسها عدة مرات لتخرج الهاتف من جيبه، أمسكت به وتوجست، نظرت له لتستفهم بخوف:
-أنا خايفة ومش عارفة أقول أيه، أنا مجرمة
ثم بكت فتنهد بضعف قائلاً:
-خليه يجي بسرعة ومتقوليش حاجة، هو مش هيتأخر
كفكفت عبراتها وبترددٍ باشرت بمهاتفة زين ثم وضعته على اذنيها منتظرة رده بتكهنٍ قاتل وهي تستجمع كلماتها وبداخلها خوف كبير……!!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
قصدت الركوب معه في سيارته أثناء العودة للمنزل، توتر زين من مفاتحتها الموضوع ذاته فهو لم يصل للتبرير الذي يعلل سبب تمسكه بزواجه من الأخرى، كانت نظراتها طوال الطريق تربكه، لم تتحمل لين البقاء هادئة لتخرج ضيقها من تخليه عنها هاتفة:
-هتتجوزها ليه طالما آيان اتجوز البنت دي؟
ازدرد زين ريقه فقد تهرّب منها سابقًا، رد بتعثر:
-خلاص يا لین هو الجواز بالعافية، آيان بيحبها واتجوزها، وبصراحة أنا مش راضي إنك تجري وراه كده
ابتسمت بتهكم وهي تسخر من تغيّره المفاجئ، ردت لاوية شفتيها بضيق:
-وكان فين كلامك ده لما قبلت تساعدني علشان يتجوزني أنا، أيه اللي اتغير، ولا علشان مصلحتك إنت كمان بعتني، ضحكت عليك الكدابة دي علشان تتجوزها ونسيت اختك
رمقها بنظرة محذرة لم تكترث لها ثم تابع الطريق هادرًا:
-إلزمي حدودك، أنا اتجوز اللي تعجبني، و”لما” خلاص هتجوزها، عجبك أو لأ، إنتي سامعة ولا أعيد تاني
بخيبة أمل تصلبت نظراتها عليه، رددت بلمعة حزن:
-إنت واحد اناني، بكرة تندم يا زين لما تسيبك وتروح لغيرك، البنت دي كدابة ومش بتحبك
نفخ زين بقوة وقد مل من تكرارها تلك الكلمات التي تزيد من بغضه للأخيرة، هتف بغضب دفين:
-ملكيش دعوة، خليكي في حياتك وبس، حياتي وحُر فيها….
ضغطت لين على اسنانها بقوة مغتاظة منه والزمت نفسها بتعكير حياته مثلها، وأيضًا الجميع من حولها، تجاهل زين ما بها وبداخله مدركًا انانيته، لكنها من دفعته للتكملة!!، رن هاتفه فأخرجه بقسماتٍ عابسة، استغرب من المتصل ليجيب على الفور قائلاً:
-آيان فيه أيه؟
بصوت خرج بصعوبة ردت زينة مستنجدة بتهور:
-آيان بيموت، تعالى بسرعة
هلع سافر اخترق قلبه وهو يهتف:
-أيه الكلام اللي بتقولي ده، حصل ايه؟
أنجزت في إخباره ليأتي سريعًا ملبيًا، هتف بتكليف:
-خليكي جنبه، حالاً ومسافة الطريق وهكون عندك
لم تستطع لين فهم ما حدث ثم انتظرت أن يخبرها بعدما أغلق هاتفه، قال بصوتٍ حازم:
-هوصلك للبيت، بابا لو سأل عليا قولي عنده مشوار مهم
سألته بفضول:
-هو آيان كان عاوز أيه؟
ارتبك زين لينكر بتلجلج:
-دا مش آيان، يلا علشان قرّبنا نوصل
ثم حاذر فيما يتفوه به، شعرت لين بأن الأمر به شيء ما ثم أخذ الشك يسبح بداخلها ليزيد تطفلها، سألت نفسها بحيرة:
-أكيد فيه حاجة حصلت، بس يا ترى أيه هي؟!……..
___________________________________
اجتذلت مما تفعله والدتها ثم ضحكت فقد امتثلت لما كلفتها به لتزيد هي أكثر من تنازعها مع الأخيرة، مدحت ملك دهاء والدتها الداهية قائلة:
-برافو يا ماما، علشان يحسوا باللي بيعملوه مع خلود، خليها تقعد عند أمها، بقى المجرم ده اتجوز عليها، دا ماجد لو يعرف هيطين عيشتهم!!
هتفت فوزية بتحذير:
-بس متقوليش لـ ماجد حاجة، دا لو عرف ممكن ياخدوا منها الولد ولا يخبوه ومتعرفش ترجعه، خلینا نفکر بهدوء
رددت ملك بتفهم:
-لا متخافيش، خلود آخر مرة شوفتها قالت بتحبه ومش عاوزة تسيبه وهتستحمل
ردت فوزية باستنكار:
-بس الكلام ده قبل ما يتجوز عليها، تلاقيها غيّرت رأيها وزعلانة
فكرت ملك في ذلك لبعض الوقت ثم قالت بتروٍ:
-يمكن عمل كده علشان يعاقبها، عمومًا يا ماما ماجد مشغول قوي، من بعد فرح زينة رجعنا القاهرة عنده شغل علشان أيهم لسه في اسكندرية، ولما يرجع هشوف هاعمل أيه
بتفكيرٍ حاذق ردت فوزية:
-تستاهل اللي عملته فيها، خلي أمها تحس ببنات الناس…….!!
_____________________________________
لمحته وهو يلج عندها فانزعجت ودماءها تغلي ليعلل بأنه يريد الإطمئنان على ابنه، فركت حفصة يديها ببعضهما ثم تحركت لغرفتها وهي تخطط بالتخلص منها بطريقتها، فقد استعلمت من الخدم عن سبب تأزّم وضعهما، جلست على طرف تختها تتمتم بحقد:
-هو الولد ده سبب المشكلة، لما يحصّل أخوه هتتحل مشاکلي معاه على طول………!!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
لاطف ابنه بمعاملته الطيبة ثم قبّل وجهه بمحبةٍ، تركته خلود معه لتنزوي على مقعد جانبي ثم شغلت نفسها ببعض المهام الخاصة بطفلها كترتيب ملابسه واغراضه، حمله مازن ثم وقف به بجانب تخته وبطرف عينيه راقب ما تفعله، لامس الشوق أحاسيسه حين بدأت في تجاهله، سابقًا كانت بجانبه وفكرة معاقبتها لم تشعره بذاك التمني الذي يخالجه الآن، أراد فتح الحديث معها فقال بدهاء:
-الولد باين عليه سخن
انتبهت له خلود ثم نظرت له بقلق لتجده يتحسس جبين الولد، نهضت فورًا لتتفحصه فاخفى مازن بسمة خبيثة، دنت منه ثم وضعت كفها على مقدمة رأس الولد ولم تلاحظ نظرات مازن نحوها، وجدتها خلود طبيعية فهتفت براحة:
-الولد كويس، بيتهيألَك
ثم تحركت لتعود ادراجها لكنه أسرع بلف ذراعه حولها ليمنعها قائلاً باستنكار:
-ياه، قد كده مش قادرة تبصي في وشي، بالسرعة دي كرهتني؟
ثم قرّبها أکثر منه مشتاقًا لها، بعدم رضى أبعدته عنها مشمئزة من لمسه لها، هتفت بنفور:
-مش عاوزاك، أنا هنا بس علشان ابني
ثم تحركت لتُكمل ما تفعله غير مهتمة به وهذا ما أضرم ثورة غضبه، هتف بتبرم:
-أنا ممكن احرمك دلوقتي منه ومش هتشوفيه
نظرت له وهي تبتسم بسخرية، ردت بتحدٍ:
-ووقتها همشي من هنا، وهقلب الدنيا علشان ارجعه، علشان مبقاش يهمني حاجة غيره
-هتندمي يا خلود، أنا زعلي وحش وإنتي مجرباه لما كنتي بتتذللي ليا علشان اسامحك
هتف بتلك العبارة متجهمًا من بغضها له، بنظرة لا مبالاة ألقتها عليه رددت:
-الكلام ده قبل ما تتجوز عليا، إنما دلوقت خلاص اللي بينا انتهى
ثم نهضت لتتحرك تاركة الغرفة له، تعقبها بنظراته العابسة ثم هدر بأنفاسٍ غاضبة:
-هتندمي يا خلود، أنا اللي مش عاوز المشاكل اللي بينا تكبر….!!
هبطت خلود الدرج وهي تمسح بعض العبرات التي فلتت من عينيها، وجدت سيرين وحماتها يتحدثن عن أحوالها، تجاهلتهن ثم قررت التجول بالخارج قليلاً لتخرج من ذاك الجو الخانق للروح، اوقفتها سيرين التي لحقت بها تهتف:
-خلود استني عاوزة اتكلم معاكي
وقفت خلود أمام الباب ثم استدارت نحوها بقسمات مقتطبة، لم ترد عليها لتنتظر بمقتٍ ما تريده، قالت سيرين بكمد:
-إنتي زعلانة مني ولا أيه، من وقت ما جيت وإنتي مش بتكلميني
ردت بتأفف:
-واكلمك ليه، هو إنتي سألتي عليا لما اتبهدلت هنا، وقفتي جنبي وقولتي لأخوكي دي صديقتي متعملش فيها كده
اخفضت سیرین نظراتها بحرج، تابعت خلود باكفهرار:
-يمهل ولا يهمل، شوفي وحسي بيا يا سيرين، ويا ريت جوزك يتجوز عليكي علشان تحسي بالنار اللي جوايا أكتر
ردت سيرين بذهول:
-إنتي شمتانة فيا يا خلود؟
لم ترد لتتركها بمفردها باغضة جميع من في السراية حین دلفت للخارج، دُهشت سيرين من عدائيتها الجديدة تلك وبدت بائسة، في الأعلى تابعت حافصة حوارهن المشحون هذا لتخاطب نفسها بمكر:
-كويس قوي، خلي الكل يكرهها علشان مهمتي تبقى سهلة…….!!
_____________________________________
بدلت ثيابها بأخرى مما جلبها لها لتستطع التصرّف بسهولة، بعد انتهاءها اقتربت زينة منه لتعيد التمعن فيه جيدًا، هدأ توجسها حين وجدته ما زال يتنفس، وجهت بصرها نحو السکین ثم حاوطتها بقطعة من ثيابه لتکتم الدماء ثم شعرت بندم، لم تستوعب حتى تلك اللحظة كيف فعلتها، رفعت بصرها له ثم هزته برفق من أعلى كتفه لتسأله بقلق:
-آيان إنت فايق؟
رغم شدة الألم عليه لم يستسلم لفقدان الوعي، رد بصوتٍ خافت متألم:
-أنا كويس
كلما تستمع لصوته هذا تبكي لتعلم بأنه یکذب، خاطبته بتوسل:
-متموتش!!
رد عليها بأنين أخرجه ولم تجهده أكثر بالحديث ثم تنهدت لتتماسك الآن، لم تنكر بأنها فكرت في مصيرها، بالتأكيد ستنتهي وستصبح منبوذة بين الجميع رغم أنه من دفعها لذلك، انفزعت حين وجدت من يدق الباب عليها ويقرع الجرس في ذات الوقت، بخطوات متعثرة ذهبت لتفتح وقلبها ينبض برهبة من القادم….
فتحت زينة لتنصدم بـ زين ومعه شخص آخر ثم تراجعت خائفة، طمأنها أثناء مروره السريع للداخل قائلاً:
-دا إياد واحد قريبنا متخافيش
ثم ولج إیاد خلفه راكضًا نحو الداخل، ولجا الغرفة لينصدما بالسكين مغروسة في جانبه، هرول زين أولاً ناحيته هاتفًا بارتعاب:
-آيان
خلّفه إیاد ليتصرف سريعًا ثم ردد بدراية:
-لازم السكينة دي تخرج، دي غلط تفضل كده!!
وقفت زينة عند مدخل الباب منكمشة في نفسها وهي تراقب ما يفعلانه، هتف زين بموافقة:
-أنا هشيلها
ثم وجه بصره نحو آيان متابعًا بشفقة:
-آيان إحنا هنشيل السكينة، حاول تتماسك شويه ومتخافش
رمش بعينه هامسًا بصوت مسموع:
-هموت
انفطر قلب زينة وهي تستمع لرده ثم دخلت في نوبة بكاء صامت، في حين ضمه زين بأخوة ومحبة عميقة قائلاً:
-إهدى كده وهتبقى كويس، هشيلها بسرعة
أمر زين إياد بأن ينزعها ثم بلحظة خاطفة كان الأخیر ساحبًا السكين فاخرج أنينًا مرتفعًا ينازع ثم تدريجيًا فقد وعيه وكانت ما يفعلونه تهوّرًا، بصوت متذبذب استفهمت زينة بقلق شديد:
-حصله أيه؟
تحكم زين في عدم تعنيفها فهي السبب، خاطب إياد متجاهلاً إياها:
-يلا بسرعة ناخده على المستشفى اللي قولتلك عليها، هي كويسة ومحدش هيعرف حاجة!!
ثم حملاه بتمكن وزينة تتابع بوجوم ولم تتجرأ على قول المزيد، تحركت من خلفهما لترافقهما، وضعوه بحذر بالخلف في سيارة زين ثم توجه ليتولى القيادة، في الخلف أمسك آياد به فدلفت زينة لتجلس على الناحية الأخرى لـ آيان، انطلق زين بسرعة كبيرة ثم هتف إياد بعقلانية:
-اللي بنعمله دا غلط، لازم أنكل زين يعرف، لأن لو خبينا عليه مش هيسكت وممكن يزعل مننا
حديثه المقلق هذا جعل زين يفكر بهدوء ليجد بالأخير أنه على حق!!، رد بمعنى:
-نوصل الأول وهكلمه على طول!!
من حديثهما خشيت زينة كثيرًا فهي غريبة بينهم، أمسكت بهاتفها ثم خلسة بعثت رسالة لـ رسيل تحوي ملخص ما حدث، ثم نفسها أرسلتها لـ عمرو وهي ترجف…….!!
_____________________________________
علمت رسيل التي تتفحص الفيلا الجديدة أولاً ليتملك منها الرعب، لم تتوانى في إخبار أيهم الذي مصادفةً ولسوء الحظ واقفًا مع زين ويتحدث بشأنها والذي اقترح عليه بعد حفل الزفاف التوجه لرؤيتها، تحركت رسيل صوبهما مترددة في التحدث أمام زين بالأخص، هتف زين ببسمة عذبة:
-الفيلا دي بتاعتي، كانت لابني الصغير وبنيتها علشانه، بصراحة مش محتاجها وحاسس اتسرعت فيها
عجبت الفيلا أيهم بشدة ليوافق على ابتياعها فورًا قائلاً:
-وأنا اشتريتها!
انضمت رسيل لهما لتظهر بأن هيئتها توحي بحدوث شيء خطير، حبست كلماتها لكن هيهات من صموتها فالموضوع لا يستدعي التأخير، قالت بتوتر وهي تلقى نظرات متوترة نحو زين:
-زينة بعتت بتقول إنها حاولت تقتل آيان وهما رايحين دلوقتي بیه علی المستشفى
صُدم أيهم مما تفوهت به للتو ووجل من طيش الأخيرة، بينما هتف زين بمخافة جمة:
-مستشفى أيه؟
ردت بحذر:
-هي بتقول مش لوحدها، زين معاها ولسه متعرفش هیروحوا فین
اخرج زين هاتفه ثم تحرك نحو الخارج وهو يهاتف زين ابن أخته ومن خلفه أيهم الذي هرع ليرافقه وكذلك رسيل، خاطبها أيهم من بين اسنانه:
-بنت اختك راحت في داهية، كان حصل أيه علشان تعمل كده، هتلاقي أحسن منه تتجوزوا فين!!
اغتمت رسيل وباتت تفكر في وضع زينة معهم الآن، دلفوا لحديقة الفيلا خلف زين الذي انتصف حراسته وهو ينتظر بغضب أن يرد زين، حين أجاب الأخير صرخ به بانفعال:
-ابني فين يا زين، في أي مستشفى؟
أخبره زين بعنوانها وأنه كان سيبلغه بذلك، لم يستمع له زين لينهي الحديث هادرًا في حرسه وهو يستقل سيارته:
-بسرعة على مستشفى (………..)
ثم وجه بصره نحو أيهم ليخاطبه فبادر قائلاً بتفهم:
-إحنا وراكوا على طول
-مش عاوز حد يعرف، هتبقى مصيبة!!
قالها زين باكتراب وتوجس، ردد أيهم بصلابة:
-محدش هيعرف، هتولى أنا الموضوع ده، خلينا نشوف آيان الأول………!!
____________________________________
أخذت غرفتها ذهابًا وإيابًا وهي تحاول استشفاف مكالمته الغامضة وكذبه عليها، أظلمت لين عينيها تريد استغلال كل ما يحدث وتستفيد منه، هاتفت نور لتستشيرها في ذلك، ردت الأخيرة فهتفت لين بشغف:
-آيان وزينة حصل بينهم حاجة
اندهشت نور لتستفهم باقتطاب:
-حصل بينهم أيه وعرفتي منين
ردت لين بتخمينٍ حاذق:
-زين اتصل بيه آيان وبعدين طلعت واحدة، هي أكيد زينة، ممكن يكون حصل حاجة بينهم مش طبيعية أو آيان حصله حاجة
تحيرت نور فرددت لين بتشفٍ:
-أكيد عرف إنها مش كويسة ومش بنت فحاولت تخلص منه
هتفت نور بملامة:
-أيه الكلام ده يا لين، اللي بتقولي ده خطير قوي
ردت بعدائية ممتزجة بعدم اكتراث:
-مافيش غير هو ده، فيه حاجة حصلت ولازم اعرفها، وعلشان أوصل لكل اللي حصل لازم طنط نور تعرف
-لين متكبريش الموضوع تلاقيه مش مستاهل
طلبت نور منها التأني، لكن لم تهتم لين لتردد باستغلال:
-حاجة زي دي مش ممكن اضيعها من إيدي، لازم اعمل مشكلة واستفيد، هخلي طنط نور تندم إنها وافقت عليها
حذرتها نور:
-متدخليش نفسك في مشاكل، يمكن ده ممكن يأذي انكل زين، ووقتها ممكن يكرهوكي إنتي
ابتسمت لين بخبث وهي ترد بحنكة:
-هفضحها من غير ما حد يعرف إني في الصورة……..!!
____________________________________
بتكتمٍ شديد بداخل المشفى اسعف الأطباء آيان ليتجهز لغرفة العمليات، صمت مريب دب بين الثلاثة وهم يقفوا أمام الغرفة يحدقون بها، كانت تنتظر زينة مجيء الشرطة بين لحظةٍ وأخرى لتبدأ مسيرة استجوابه ومن ثم اعتقالها، لم تصل تلك الرعناء بمفهوميتها المحدودة بأن ذاك التكتم من أجلها هي، ناهيك وصول الخبر للجميع وتعرضهم للقيل والقال، مر طبيب من أمامهم فخاطبه زين بتلهف:
-لو سمحت حالته عاملة أيه دلوقت؟
التموا حوله بفضول، رد الطبيب باطلاع:
-هيدخل العمليات دلوقتي، وإن شاء الله هيبقى كويس، الجرح بعيد عن القلب ودا المهم، عن اذنكم
ثم تحرك ليتابع عمله فارتاحت زينة قليلاً، أحد زين إليها النظر ليحدثها بنبرة منفعلة:
-وأنا اللي فاكرك طيبة، عاوزة تموتيه، كان عملك أيه، كل ده علشان بيحبك وعاوز يتجوزك
تراجعت زينة للخلف وهي تبكي واضعة يديها علی فمها لتكتم شهقاتها فلم يشعر أحد بما تخفيه إلى الآن، تدخل إياد ليقول بهوادة:
-زين وطى صوتك، إحنا مش عاوزين حد يسمع حاجة، كده هضيع اللي بنعمله
هز زين رأسه ليلتزم الصمت وقد اكفهر تمامًا، وجه إياد بصره نحوها ليكمل بهدوء رغم عدم معرفته بماهية الموضوع:
-اقعدي ارتاحي، ومتخافيش كل حاجة هتبقى كويسة….
جلست زينة منكبة تبكي، بالطبع سيبغضها الجميع، لكن خوفها الداخلي جعلها ترفض كل ما مر عليها بتلك السرعة لتجعلها غير مهيئة للزواج متوجسة منه، ذابت لتعاني بمفردها وهي منكمشة هكذا ومن يراها يشفق عليها فقط، فاقت على من يضع يديه عليها فارتجف جسدها خوفًا، نظرت للشخص فطمأنتها رسيل بتعطف:
-أنا رسيل
ضمتها زينة بقوة طالبة حمايتها وهي تردد:
-خليكي جنبي، متسبنيش خالص
مسدت رسيل عليها قائلة بلوم:
-ليه يا زينة، دا اللي اتفقنا عليه، لو حد عرف هتبقى مصيبة، في يوم دخلتك يا زينة، دي فضيحة ليكي إنتي!!
-خايفة
ردت بكلمة واحدة حملت بداخلها الكثير ثم اغمضت عينيها بقوة تريد الهروب من الواقع، رأَفَت رسيل بحالتها قائلة:
-كلنا معاكي، إهدي بس……
بالتفصيل سرد زين لخاله كل ما علم به، وهنا فطن إياد كل الموضوع، رمق زين تلك الفتاة بغضب لمحاولتها قتل ابنه قائلاً لهم:
-أنا بس مش عاوز يعرف علشان الفضيحة، إنما هي متهمنيش، وصلت للقتل ما اتجوزها، هو کان یعني اتخلى عنها، مع إنه مقربلهاش!!
تفهم أيهم حالته فقال ليهدأه:
-زينة كانت خايفة واللي عمله معاها مكنش شوية، أكيد فيه حاجة مش طبيعية حصلت، لو سمحت إهدى خلينا نفكر بعقل، وأنا مش ببرر اللي عملته
اختنق زين من ذلك الجو من حوله داعيًا في نفسه شفاء ابنه العاجل، نظر لابن أخته قائلاً بطلب:
-مش عاوز حد يعرف، خصوصًا نور، لو وصلها الخبر مش هتسكت
رد بطاعة:
-محدش عرف ومقولتش لحد، المستشفى هنا كويسة ومحدش هيلاحظ وجودنا فيها
رغم عدم قبول زين مكوث ابنه هنا لكنه اضطر لذلك، تنهد بحزن ليقول بقلق:
-هنخبي لحد إمتى، خايف نور تعرف……….!!
___________________________________
لم تنتظر كثيرًا حتى أخبرتها عبر الهاتف بطريقة غير مباشرة بما استمعت له، ببراءةٍ مُخادعة قالت لين:
-أيوة يا طنط زي ما بقولك، سمعت زين بيكلمها من فون آيان، أنا خايفة يكون حصل حاجة علشان قال هيروحلهم
اضطربت نبضات قلب نور برعب على ابنها، سألتها بصوت مرعوب:
-متأكدة يا لين؟
سعدت لين بنبرتها التي توحي بتصديقها، بثت المزيد من خبثها لتؤكد مضيفة:
-متأكدة خالص، دا حصل قدامي، ومن طريقة زين حسيت فيه مصيبة، هو أنا هاكدب ليه، حضرتك اتأكدي بنفسك
ثم صمتت لتتابع بطيبة مزيفة:
-هي البنت دي مش حلوة، كانت بتلعب على آيان وأكيد غرضها حاجة تانية الله أعلم أيه هي!!
وصلت نور لمرحلة الإنتقام وهي تتخيل أذية تلك الفتاة لابنها، لم تختم حديثها معها بل أغلقت الهاتف لتتصل بـ زين ابن مريم، فتحت الموقع لتكشف عن مكانه حين يرد عليها، بعد وقت أجاب باحتراس:
-مساء الخير يا طنط
بظلمة وغيظ دفين ردت نور:
-كنت عاوزاك يا زين تتصل بـ آيان وتطمن عليه، أنا مش هنام غير لما اعرف هو بخير مع البنت دي ولا لأ
ارتبك زين ثم رد بتضليل:
-لسه مكلمه وكويس قوي
لم تكن نبرته مريحة لها لتتركه يتحدث مستعلمه عن موقعه، اضطربت نور حين ظهرت لها مشفى ما، شحبت فجأة لتدرك بأن ابنها ليس بخير، أغلقت الهاتف لا تريد الاستماع لاكاذيبهم ثم هرولت ناحية الخارج لتستقل سيارتها بنفسها متجهة نحو هذا المشفى، رددت نور بتوعد للأخيرة:
-آخر يوم في عمرك لو عملتي لابني حاجة…….!!
___________________________________
وصل عمرو لينضم إليهم، يقف أمام أخته تارة وتارة أخرى كان يلازم زين ويتحدث معه من أجل أخته ليلتمس لها العُذر، لم يستطع لوم أخته فحالتها لا تريد المزيد من العتاب، همس عمرو لـ أيهم بريبة:
-زينة موقفها أيه؟، أنا خايف عليها!
رد أيهم بتمنٍ:
-نطمن عليه الأول، محدش فينا هيقول حاجة، ولو كان كويس أكيد مش هيجيبوا سيرتها
قال عمرو بمعنى:
-ممكن نقدم رشوة ونغطي على اللي حصل ده
رد بجهل:
-الموضوع ده هما اللي يعملوه، هما كمان اللي يقولوا كده وميبقوش عاوزينها تتحبس
ردد عمرو باستجداء:
-اتاخروا معاه، أنا خايف قوي، یا رب یکون کویس…..
على ناحية أخرى جلس زين كالمغيب، انكسر ظهره في تلك اللحظة وعقله يتخيل رحيل ابنه، نفض تلك الهواجس من رأسه ليتمنى الخير فقط، لفت نظره من بعيد سيدة تركض يُشبّه عليها، تمعن فيها النظر ليجدها حين تقترب تُشبه نور وهيئتها تظهر تدريجيًا، تفاجأ الجميع بحضورها للمشفى وهي تتحرك بخطوات سريعة وأنفاسها مضطربة بعد معرفتها عن وضعه من الإستقبال كونها أمه، امتقعت بشدة ناهيك عن دموعها التي انهمرت على وجهها، لم يلبث زين موضعه فور رؤيته لها ليتيقن بأنها علمت، أغذ في السير نحوها ليقابلها حابسًا عبراته من النزول، حين وصل إليها أخذها في أحضانه ليُهدأ من حالتها، هو يعلم ما بداخلها الآن، بشهقاتٍ خفيضة وبكاء حارق استفهمت نور بنبرة متقطعة:
– ابني عامل أيه؟
اغمض زين عينيه بألم ثم رد وهو يشدد من ضمها:
– إهدي يا نور إن شاء الله هيبقى كويس، الدكاترة لسه معاه جوه
زاد بكاؤها المتحسر فأخذها زين لترتاح وهو يضمها تحت إبطه لتجلس على المقعد، تحركت معه نور وهي تجر قدميها، لمحت عفويًا بأنظارها تلك الفتاة فتصلبت موضعها ونظراتها النارية باتت عليها، استشاطت نور منها فهي من حاولت قتل ابنها، واللعينة تبكي!، إنتبه زين لها فأمسكها كي لا تتهور على الأخيرة، حاولت نور التملص منه هادرة بعصبية وقد تشنجت أعضاؤها:
– سيبني يا زين لازم الحقيرة دي تموت، هي اللي كانت هتموت ابني وعاوزة تحرمني منه
تمكن زين منها ليجعلها لا تفعل، قال بخداع:
-مين قالك بس كده وجبتي الكلام ده منين؟!
ارتعشت زينة بخوف وتشبثت في رسيل التي ضمتها بقوة، صرخت نور بهياج:
-أنا مش عبيطة ولا هتضحك عليا
ثم ابتعدت عنه لتتحرك نحو الأخيرة وهي تنهج بغضب، تحرك الكل ليحيلوا تطاولها على زينة، وقف عمرو أمام أخته كنوع من حمايتها، رمقته نور بنظرات قاتلة ثم وقف زين من خلفها ليمسك بها من الأعلى، مالت نور رأسها لتتمکن من رٶیتها، هتفت بكراهية:
-عاوزة تموتي ابني بعد ما سترك، اللي زيك تتحط في الزبالة، عرفتي تلعبي عليه وتخدعيه ودلوقتي عاوزة تباني مظلومة
اعتلت الصدمة وجه زينة وهي تنظر لها مستنكرة ذلك، تدخل زين ليقول بعتاب:
-نور أيه اللي بتقولي ده ميصحش كده
لم يعجب الجميع ما تقوله نور وبالأخص أقارب زينة، في حين تجاهلت نور حالتهم المعارضة لتتابع بغلٍ وتزيد من صدمتهم:
-أنا هفضحك، هخليكي تموتي بالبطيء، تلاقيه ملقاكيش بنت فحاولتي تتخلصي منه يا مجرمة……..
………………………………………………. !!
_________________________
___________________
____________
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية مغرم بك) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.