رواية بنات الحارة – الفصل السابع والأربعون
الفصل 47
**بنات الحاره 4 Cats**
بقلم نسرين بلعجيلي
Nisrine Bellaajili
الفصل 47
المقدمه..
في لحظة معينة، الوجع بيبطل يوجع.. مش علشان إختفى، لكن علشان القلب اتعلم يقف لوحده.
اللي انكسر جواه اتجبس، واللي راح خلاص راح، بس اللي باقي هو إرادة الحياة.
بنات الحارة عرفوا خلاص إن الدنيا ما بترحمش الضعيف، وإن مافيش حد بينقذ حد، النجاة قرار، مش صدفة.
كل دمعة نزلت كانت درس، وكل خيانة كانت باب لبداية جديدة.
من تحت الركام، طلع فيهم نور جديد، نور بنت قررت تكمّل، حتى لو الوحدة وجع. وبنت تانيه عايزة تشتغل، مش تبكي. وبنت ثالثة لسه بتتعلم إنها تستحق تعيش.
الحارة لسه هي هي، بس البنات اتغيّروا، بقوا يعرفوا إن القوة مش في الصوت العالي، القوة في اللي يقوم بعد ما الكل افتكر إنه انتهى.
كلام نسرين :
يمكن مافيش حد بيتولد قوي، لكن في لحظة معينة، بنقع لوحدنا ونكتشف إن مافيش غيرنا نلمّ نفسنا.
يمكن الوجع اللي كسرنا، هو نفسه اللي هيخلينا نقف. ويمكن اللي خذلنا كان لازم يبعد علشان نشوف نفسنا بوضوح.
في كل انكسار، في بذرة ميلاد جديدة، بس اللي يفهمها، هو اللي بيقرر يعيش، مش يموت بالحزن.
أنا مؤمنة إن ربنا ما بيكسرش حد علشان يعذّبه، بيكسره علشان يكوّنه من جديد على هيئة أقوى، أنضج، وأصدق.
يمكن كل واحدة فينا مرّت بوجعها بطريقتها، بس في الآخر، الوجع ده اللي خلّى جوانا امرأة جديدة ما بتخافش من الغُدر، ولا من الفقد، ولا من الناس.
اللي اتكسرت مرة، عمرها ما هتتكسر تاني. اللي وجعتها خيانة، ربنا هيعوّضها بصدق. واللي نامت بالدموع، هتصحى يوم على راحة تستاهلها.
النهارده مش فصل عادي، ده بداية مرحلة جديدة لكل بنت قررت تكمّل رغم الوجع، ولكل قلب قال “كفاية دموع، أنا هعيش.”
نسرين بلعجيلي
عدّى شهر على كل الأحداث…
اللي في السجن في السجن، واللي هربان لسه هربان، واللي تايهه لسه تايهه.
الحياة مستمرة، ما بتوقفش لا على حدث ولا على أزمة. قطار ماشي في سكّته من غير توقف.
صفاء لسه في دوامتها، مش قادرة تصدّق إن حب عمرها خذلها ونصَب عليها وهي أصلًا فقيرة، وكلنا فقراء في الدنيا دي. الفقر مش دايم في الجيب، لكن دايم في الوجع.
أما ريان، يمكن لسه النقطة البيضا في حياته هي اللي بتعذّبه، كل ما تيجي صفاء على باله، تحرقه الندامة من جوّه. ربنا يمهل ولا يهمل، والكارما دايمًا بتلفّ وترجع لصاحبها.
يا بخت اللي فاهم الدنيا ماشية إزاي. إزرع خير تحصده، أما اللي يزرع وجع، فأكيد يوم هيذوق مرارته.
الناس فاكرة إن الشر بينتصر، لكن محدّش شايف النار اللي بتحرق ريان كل ليلة، نار دعوة صافية قالتها صفاء في عزّ قهرها :
“حسبي الله ونعم الوكيل.”
Nisrine Bellaajili
الهوى كان رايق، والسما واخذة لون برتقالي من شمس الغروب. اللمة رايقة، بس فيها وجع ساكت.
البنات قاعدين حوالين ترابيزة صغيرة، أكواب الشاي قدامهم، وصوت المدينة بعيد خالص.
نورهان بصت لهم وقالت بحزم ودفء :
“كفاية بقى يا بنات، كفاية وجع.
اللي حصل حصل، واللي راح ما بيرجعش. لازم نوقف على رجلينا ونكمّل مشروعنا اللي بدأناه بإيدينا.”
صفاء رفعت عينيها بتعب وقالت :
“أيوه، لازم. أنا دلوقتي مديونة، وعليّا قسط البنك، ولازم أشتغل وأصرف على أهلي. الحياة ما بترحمش اللي بيقف.”
رحاب قالت بهدوء وهي تمسك كوبايتها :
“يبقى لازم ترجعي تشتغلي وتكمّلي، مش علشان الفلوس بس، علشان نفسك يا صفاء. اللي اتكسر جوّاكِ ما يقومهوش غيرك.”
أسماء كانت ساكتة، بتقلب الشاي من غير نفس، وبعدين قالت بصوت هادي :
“على فكرة، أسامة لسه بيدوّر على ريان.”
صفاء ضحكت ضحكة وجع :
“مش هيلاقي حاجة. ولو لاقاه يعني هيحصل إيه؟ اللي ضاع خلاص ضاع.”
أسماء رفعت راسها وقالت بنبرة ثابتة :
“هو بيدوّر عليه مش علشان يرجّعه، بس علشان يفهم. يمكن فيه حاجات تتكشف، يمكن حاجات تتغيّر. بس مش علشانك، علشان نعرف الحقيقة ونقفل الباب ده للأبد.”
صفاء هزّت راسها وقالت بصوت واهي :
“أنا خلاص فقدت كل حاجة. اتحسبت عليا جوازة، واتحسبت عليا فضيحة. ولو اتقدّملي عريس النهارده مش هقدر أواجهه بالحقيقة.”
الجو سكت، والكل بصّ لبعض.
رحاب خذت نفس عميق وقالت بجُرأة فيها صدق :
“أنا هقول حاجة، وعارفة إنها هتصدمكم، بس ده شرع ربنا مش الناس. ربنا أمر بالستر، مش بالفضيحة. ولو في يوم اتقدملك راجل محترم، إعملي ترقيع لغشاء البكارة وابدئي من جديد.”
نورهان شهقت وقالت بسرعة :
“رحاب! إنتِ سامعة نفسك؟”
رحاب بصّت ليها بهدوء وقالت :
“آه سامعة نفسي، وبقول الحق اللي محدش بيقول عليه. ربنا بيستر مش بيفضح، وإحنا طول عمرنا بنخاف من الناس أكثر من ربنا، مع إنهم هما اللي ظلمونا.”
زينب قالت بصوت منخفض :
“بس الناس ما بترحمش يا رحاب.”
رحاب رفعت عينيها للسما وقالت :
“وإحنا ليه نستنى رحمتهم؟ اللي عاش الوجع ده مش محتاج رضا الناس. اللي بينه وبين ربنا نظيف، مش محتاج شهادة من حد.”
صفاء كانت ساكتة، دموعها بتنزل بهدوء. بصّت لرحاب وقالت بصوت مكسور :
“يمكن كلامك صعب، بس يمكن هو الصح. أنا عايزة أبدأ من جديد، من غير خوف، من غير وجع.”
نورهان حطت إيدها على إيد صفاء وقالت بابتسامة حنونة :
“وإحنا معاكِ يا صفاء، خطوة بخطوة. هنكمّل المشروع، بس المرة دي هنشتغل علشان نفسنا مش علشان الناس.”
الليل كان هادي، والهوا خفيف، والسما فيها نجوم قليلة كأنها بتسمع معاهم. البنات قاعدين في دايرة، وكل كلمة بقت نار بتولّع بين الصمت والكلام.
نورهان بصت لرحاب وقالت بحدة :
“يعني يا رحاب، شايفة ترقيع البكارة حلال؟! ده كذب وغش، واللي تتجوزه تبقى ضحكت عليه.”
رحاب ردّت بثبات وهي تبصّ لها في عينيها :
“الدين بقول : «من ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة».
الستر مش غش يا نورهان، الستر رحمة. فيه فرق بين واحدة ناوية تخدع، وواحدة عايزة تصون نفسها وتبدأ من جديد.”
نورهان قالت بعناد :
“بس برضه دي بتخبي الحقيقة.”
زينب اتدخلت، صوتها هادي لكن قوي :
“إستني شوية يا نورهان، صفاء اتجوزت على سنة الله ورسوله، يعني ما كانتش عاملة حرام. اللي حصل خداع من الراجل، مش منها.
وفي حالتها ممكن ربنا يغفر ويستر لأنها ضحية مش مذنبة.”
رحاب أومأت وقالت :
“أيوه، هي اللي اتظلمت مش اللي ظلمت. ربنا إسمه الستار مش الفاضح.”
زينب قالت بعد لحظة صمت :
“بس لو ما عملتش العملية وقررت تصارح اللي هيتجوزها، هل هيقبل بيها؟ أكيد لأ، ويمكن يفضحها كمان.”
رحاب رفعت حاجبها وقالت بعصبية خفيفة :
“بالظبط، وده اللي بقوله. الناس ما بترحمش، اللي زيه بيفتح بقه بالشرف، وهو أول واحد ملوّث.”
نورهان ردّت بسرعة :
“ومال أسامة؟ هو قبل بأسماء، مع إنها اتعرضت لحاجات أصعب”
رحاب بصت لها بحدة وقالت :
“مافيش وجه مقارنة يا نورهان،
أسامة عرف الحقيقة كلها وقَبِلها برجولة، عنده نخوة وإنسانية ورحمة. الرجولة دي بقت عملة نادرة، مش كل اللي يتقدم لصفاء هيكون زيّه. فيه رجالة لو عرفت ممكن تقتلها مش تفضحها بس”
أسماء كانت قاعدة ساكتة، بس كلامهم وجعها.
قالت بهدوء فيه شجن :
“على فكرة، أنا وأسامة متفقين إننا نطلّق بعدين.”
نسرين بلعجيلي
الكل سكت، الصدمة واضحة في عيون البنات.
زينب قالت بسرعة :
“تطلّقوا؟! ليه يا أسماء؟!”
أسماء نزلت عينيها وقالت :
“إحنا اتجوّزنا في ظروف صعبة، واللي بينا احترام مش حب. هو وقف جنبي كإنسان مش كزوج، وأنا مقدّرة ده. بس لما كل حاجة تهدأ هنكمّل كل واحد في طريقه.”
صفاء بصت لها بعين فيها تقدير :
“أسامة راجل بحق، اللي عمله معاكِ مش أي حد يقدر يعمله.”
رحاب قالت بهدوء وهي تبصّ في السما :
“ربنا خلق الرجولة قلوب مش عضلات. فيه رجالة تمشي على الأرض بأجسامهم، بس ضمايرهم مدفونة من زمان.”
نورهان سكتت، بصّت فيهم وقالت :
“يمكن كلنا محتاجين نراجع نفسنا مش بس عن الحلال والحرام، بس كمان عن الرحمة اللي فقدناها واحنا بنحكم على بعض.”
زينب قالت وهي تبتسم بخفة وسط الهدوء :
“آه، يمكن الرحمة هي اللي ناقصانا فعلاً.”
سكتوا لحظة طويلة، الهوا عدى بينهم كأنه بيصفّي القلوب بعد النقاش. ولأول مرة من زمان، كل وحدة فيهم حست إنها قربت تفهم يعني إيه “ستر”، ويعني إيه تكون إنسانة قبل ما تكون بنت.
عند هاجر…..
هاجر كانت قاعدة في الصالة بتلمّ الغسيل، والتلفزيون شغّال على واطى، لما الباب خبط خبطتين.
قامت تفتح وهي بتقول :
“مين؟”
جالها صوت معروف :
“إفتحي يا بنتي، أنا أمك صفية.”
هاجر فتحت الباب بسرعة وقالت باستغراب :
“إيه يا ماما؟ جايه لوحدك؟ الدنيا ليل”
صفية دخلت متأففة وهي تجر رجلها :
“هو أنا لاقية حد يسأل فيا؟ لا ولد نافع ولا بنت بتسأل.”
هاجر سابت الغسيل على الكنبة وقالت :
“مالك؟ فيكِ إيه؟”
صفية قعدت على الكرسي واتنهدت،
مدّت إيديها قدّامها وقالت بصوت متألم :
“شوفي إيديا، الحروق دي وجعاني موت، ولا قادرة أطبخ ولا أنظف، والعلاج غالي وأنا ما معييش، وحامد خلاص، بقى عاجز لا شغل عدل ولا مصروف عدل .”
هاجر إتأثرت وقالت :
“طب ليه ما قُلتيش يا ماما؟ كنت جبتهولِك.”
صفية مسكت بكمّ جلابيتها ومسحت دموعها الكذابة :
“ما هو يا بنتي مافيش اللي يسمع. حتى زينب أختك اللي كنت فاكراها بنت أصول، بقت طول النهار مع البنات، فين وفين لما تدخل البيت،
لا بتسأل ولا بتطمن. نسيت إن اللي رباها أنا، مش أمها.”
هاجر قالت بهدوء وهي تحاول تمسك نفسها :
“ما تقوليش كده يا ماما، زينب مش ناسية حد، بس هي فعلاً تعبت، واللي شافته مش سهل.”
صفية رفعت صوتها بشويش وقالت بنغمة حاقدة :
“هو فيه بنت محترمة تسيب بيتها وتلفّ في الشوارع؟ كل يوم طالعة ونازلة مع البنات دي، ما بتعملش شغل البيت ولا راحت تشوف البيت ناقصه إيه، ولا حتى تجيبلي العلاج لوجّع إيديا”
هاجر اتنهدت وقالت بحذر :
“زينب مش بتلفّ يا ماما، هي بتشتغل على مشروعها هي والبنات، عايزة تطلع لقمة بالحلال، مش أكثر.”
صفية غمزت بضحكة فيها سمّ :
“مشروع إيه يا أختي؟ ما هو شكل الحاج زهق منها، بيقولوا المحل اللي كانت بتساعد فيه طردوها، والراجل خلاص كرشها من الشغل.”
هاجر بصّت لها بحدة :
“مين اللي قالك الكلام ده؟ الناس؟
الناس ما بتسيبش حد في حاله.”
صفية ردّت وهي تبتسم بخبث خفيف :
“أنا مالي ومال الناس، بس اللي يشوفها اليومين دول يقول دي اتغيّرت، بقت بتتصرف كأنها فوق الكل، ولا كأنها كانت بنت غلبانة كنا بنصرف عليها.”
هاجر ضاقت وقالت بحزم :
“كفاية يا ماما. زينب أختي، وما ينفعش تسمعي عنها كده وتسكتيلهم، ولا ترددي كلام الناس.
هي عمرها ما قالت فيكِ كلمة وحشة، ولا فضحتك، رغم اللي شافته منك.”
صفية وقفت، دموعها نزلت غصب أو تمثيل، محدش عرف، وقالت بصوت متقطع :
“أنا مش جاية أسمع دفاع عنها، أنا جاية أشكي لكِ حالي يا بنتي. وجع الإيد ولا الوجع اللي في قلبي من عيالي؟ كلهم نسيوني. و زينب هي اللي فضحاني ولا نسيتي، و بسببها إيدي راحت ”
هاجر قربت منها وقالت بهدوء :
“ربنا يشفيكِ يا ماما، بس بطّلي الكلام ده. كلنا تعبنا، وكل واحد شايل وجعه.”
صفية مسحت دموعها وقالت وهي خارجة من الباب :
“ماشي يا بنتي، شكلك إنتِ كمان بقيتِ فريقها.”
وطلعت زعلانه
هاجر سكتت، قفلت الباب وراها، بس صوت أمها وهي بتنزل السلم كان لسه بيرنّ في ودانها.
عارفة إن صفية ما جاتش تشتكي،
جات تولّع النار اللي دايمًا بتحب تشوفها مولّعة بين الناس.
بيت أسماء وأسامة…..
الصالة كانت دافية على غير العادة، ريحة الأكل لسه مالية المكان، ملوخية سخنة، ورز أبيض، وقطعة فراخ محمّرة. أسماء قاعدة على السفرة، لابسة تريننج بسيط، وشّها فيه هدوء، بس جواها حاجات كثير ما اتقالتش.
أسامة قدامها، بيحاول يخلّي الجو طبيعي، يقطع اللقمة بهدوء ويقول وهو يمدّ لها الطبق :
“كلي يا أسماء، الملوخية دي عملتها مخصوص ليكِ.”
إبتسمت وقالت بصوت واهي :
“ريحة الأكل لوحدها بتفتح النفس، تسلم إيدك.”
ضحك وقال :
“أنا اللي لازم أشكر الشيف أسماء اللي علمتني أطبخ ملوخية من غير ما تتقطّع.”
ضحكت هي كمان ضحكة صغيرة بس حقيقية، من زمان ما خرجتش منها ضحكة بالشكل ده.
خلصوا العشاء، قعد أسامة يتّكئ على الكرسي وقال بنبرة جدّية :
“بُصي يا أسماء، أنا كنت سايبك ترتاحي الفترة اللي فاتت، بس الوقت جه إننا نتحرك.”
بصّت له باستغراب :
“نتحرّك إزاي؟”
قال بهدوء وهو يشرب شوية ميّه :
“أنا حجزتلك عند دكتورة نفسية كويسة جدًا، مش عيب إنك تتعالجي يا أسماء، اللي مرّيتي بيه كفيل يكسّر جبل، بس لازم تخرجي منه.”
سكتت لحظة وصوتها لما طلع كان فيه خوف خفيف :
“أنا مش مجنونة يا أسامة.”
إبتسم وقال بهدوء :
“ماحدش قال كده. بس العلاج النفسي مش للي فقد عقله، ده للي في قلبه وجِع ومش لاقي الي يسمّع وجعه.”
نزلت دمعة صغيرة من عينها، مسحتها بسرعة وقالت :
“هافكّر، بس مش دلوقتي.”
قال بلُطف :
“هتروحي، ده قرار مش نقاش. وبعدين، أنا كمان عايزك ترجعي الجامعة تكملِي دراستك، وترجعي المكتب معايا تساعديني، مش عايزك تفضلي حابسة نفسك في البيت.”
هزّت راسها وقالت بصوت هادي :
“أنا كنت ناوية أقولك حاجة كده برضه، أنا عايزة أرجع المشروع مع البنات. عايزة أرجع أشتغل معاهم في الطبخ، نحاول نقف تاني على رجلينا.”
أسامة ابتسم، نظراته فيها فخر حقيقي :
“وده اللي كنت مستني أسمعه منك.
إشتغلي، واخرجي، وعيشي، ما تسيبيش حياتك واقفة عند نقطة واحدة.”
ضحكت وقالت :
“بس إنت متأكد إنك مش هتغيّر رأيك؟ مش كل الرجالة بيحبوا الست تشتغل.”
ردّ بسرعة وهو يضحك :
“أنا مش كل الرجالة، وأكثر حاجة باحترمها فيك إنك بتحاولي تعيشي بكرامة.”
سكتوا للحظة، الجو كان هادي،
وصوت الساعة على الحيطة بيعدّ الثواني، والمشاعر ما بين راحة ووجع ساكن.
أسامة قام من على الكرسي، لمّ الأطباق وقال وهو يبتسم :
“روحي ارتاحي يا أسماء، اليوم كان طويل.”
قالت وهي تقوم :
“وإنت كمان، تصبح على خير.”
ردّ عليها بابتسامة هادية :
“وإنتِ من أهل الخير.”
دخل أوضته وسابها واقفة في الصالة شوية، بصّت على السفرة الفاضية بعد ما ساعدها في تنضيفها ، وبعدين على باب أوضته المقفول، وشهقت نفسًا عميقًا
رجعت على أوضتها بخطوات بطيئة، قفلت الباب وراها، ولأول مرة من فترة طويلة نامت وهي حاسة إن في حد فعلًا بيخاف عليها
من غير ما يطلب منها حاجة.
نور الصبح دخل من شباك الأوضة، نسمة هواء باردة حرّكت الستارة البيضاء، وصوت العصافير كان بيكسر سكون المكان.
أسماء فتحت عينيها بهدوء، مدّت إيدها على الكومود علشان تجيب الموبايل، لكن اللي لفت انتباهها ورقة صغيرة محطوطة جنبها.
كانت الورقة مكتوبة بخط أسامة، بخط راجل بسيط بس صادق: “صباح الخير يا أسماء، النهارده بداية جديدة. ما تبصيش وراك، خلاص اللي راح راح. كل يوم ربنا بيدينا فرصة جديدة نعيشها بشكل أحسن. أنا مؤمن إنك أقوى من كل اللي حصل، وإنك هتقدري ترجعي تضحكي من قلبك تاني. إفطري، والبسي، وأنا مستنيك في المكتب بعد الظهر.
……………….. أسامة.”
الدموع نزلت على خدّها من غير ما تحس، مش دموع وجع، كانت دموع إمتنان.
رفعت الورقة وبصّت عليها تاني،
قلبها لأول مرة من شهور حاسس بالأمان.
قامت من السرير، وقفت قدّام المراية، وشّها لسه فيه تعب، بس في عنيها لمعة حياة كانت ضايعة.
همست لنفسها وهي تمسح دموعها :
“يمكن فعلاً النهارده بداية جديدة.”
لبست وبصّت ناحية باب أوضة أسامة المقفول، ابتسمت وقالت في سرّها :
“شكراً يا أسامة، مش علشان وقفت جنبي، لكن علشان علّمتني أوقف بنفسي.”
“مافيش وجع بيستمر، ولا ظُلم بيفضل. كل حاجة بتعدّي بس في الوقت اللي ربنا شايفه مناسب، مش إحنا.”
اللهم إجعل قلوبنا بعد الألم صافية،
واجعل لنا من بعد التعب راحة، ومن بعد الخوف أمان، ومن بعد الدموع ابتسامة، ومن بعد كل نهاية…… بداية جديدة.
عايزه أناقش معاكم في الموضوع اللي قالت رحاب مين مع و مين ضد ؟؟؟
يتبع
نسرين بلعجيلي
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية بنات الحارة) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.