رواية بنات الحارة الفصل الخامس والأربعون 45 – بقلم نسرين بلعجيلي

رواية بنات الحارة – الفصل الخامس والأربعون

الفصل 45

الفصل 45

**بنات الحاره 4cats**

بقلم نسرين بلعجيلي

Nisrine Bellaajili

_الفصل 45_

المقدمه…

في كل مرة نحاول ننسى، الحياة تفكرنا إن الوجع لسه موجود. بس الحقيقة إن الوجع مش دايم، هو مجرد باب لازم نعدّي منه علشان نوصل للنور.

يمكن الحارة مليانة أسرار، ويمكن البنات كل واحدة شايلة همّ العالم على كتافها، لكن لسه فيهم نبضة خير، ولسه فيهم إيمان إن بعد كل عتمة فيه شروق جديد.

اللي بيكسرنا النهارده، بكرة بيصنع منّا نسخ أقوى، واللي ظَلَم هيفضل يعيش مطارد من ذنبه، أما اللي اتظلم، فربنا بيكتب له معجزة في وقتها الصح.

كلمة من نسرين :

في كل حكاية بنت موجوعة، فيه لحظة صغيرة بتغيّر كل شيء. مش دايمًا العدالة بتيجي من المحكمة، أوقات بتيجي من وجع الروح،

من حلم، من دمعة، من صوت بيناديك في نص الليل يقولك :

“كمّلي.. ما تسكتيش.”

القهر ممكن يكسر الجسم، بس عمره ما يقتل الحقيقة. وكل مرة بنت تقوم بعد سقوطها، الدنيا كلها بتتعلم معنى القوة الحقيقي.

نسرين بلعجيلي

كانت الشمس داخلة خفيفة من شباك الأوضة، ريحة البخار والعرق والمستشفيات لسه معلقة في هدوم البنات. ياسر وقف عند الباب، سايب البنات يدخلوا صفاء على مهل.

وشها شاحب، ضعيفة، بس عينيها بتلف في كل زاوية من التعب والخوف.

زينب قالت بهدوء وهي تمسكها من دراعها :

“خذي بالك من نفسك يا صفاء، ما فيش حد يعرف حاجة، فاهمة؟”

رحاب بصت حواليها بسرعة وقالت :

“لو أمها سألت، نقول إنها كانت مريضة ووقعت في الشغل، ما تقولوش أي حاجة تانية.”

نورهان أومأت وهي تمسك شنطة صفاء :

“تمام، خلينا نطلعها فوق قبل ما حد يشوفنا.”

دخلوا من الباب بسرعة، أم صفاء كانت في المطبخ، أول ما شافتهم شهقت :

“يا ساتر! مالها بنتي؟ وشها أصفر كده ليه؟!”

رحاب اتقدمت بابتسامة مصطنعة وهي تحاول تبين هدوء :

“ما تقلقيش يا طنط، هي بس كانت تعبانة في المصنع، الحرارة عليت شوية، والإغماء جالها فجأة.”

الأم قربت منها، إيدها على جبين بنتها :

“يا روحي يا صفاء، أنا قلبي كان حاسس. نامي يا بنتي، إرتاحي.”

صفاء ما ردتش، دموعها نازلة من غير صوت.

دخلت أوضتها بخطوات ضعيفة، قفلت الباب وراه وهي تمسك بطنها وتكتم شهقة ألم.

وقعت على السرير ودفنت وشها في المخدة، كل حاجة في دماغها بتدور : ريان، الغدر، الدم، العملية…

صوتها واهي وهي تهمس :

“ليه يا رب؟ ليه الحب دايمًا بييجي وجعه أكتر من فرحته؟”

من برا، البنات وقفوا في الصالة.

زينب قالت بصوت مبحوح :

“أنا خايفة عليها جدًا يا رحاب، شكلها ما بين الحياة والموت.”

رحاب حاولت تبين صلابة وهي تحبس دموعها :

“هنفضل جنبها، بس ما ينفعش حد يعرف اللي حصل، لا أمها ولا أبوها. البنت لو اتكشفت مش هتقوم من الوجع.”

نورهان بصت للباب المقفول وقالت بهمس :

“ولا من العار…”

Nisrine Bellaajili

وساد الصمت.

الصوت الوحيد كان نفس صفاء الموجوع، بيتردد جوه الأوضة زي بكا مكتوم، كأن الحيطان كلها شايلة سرها.

أوضة صفاء..

الليل نازل ثقيل على الحارة.. صمت غريب مالي البيت، لا صوت غسالة، ولا دوشة أولاد الجيران.

اللمبة الصغيرة في أوضة صفاء منوّرة نص الحيطة، والبنت نايمة على جنبها، عينيها مفتوحة من غير رمشة، دموع ناشفة على خذها.

أمها دخلت بهدوء وهي شايلة كباية ينسون سخن :

“قومي يا بنتي إشربي حاجة دافية، يمكن تهدي شويه.”

صفاء ما ردتش، صوت نفسها بطيء ومتقطع.

أمها قعدت جنبها، حطت الكباية على الكومود وقالت بخوف :

“مالك يا صفاء؟ فيكِ إيه؟ من ساعة ما رجعتي وإنتِ مش بتتكلمي، ووشك عامل زي المونه أصفر.

صفاء عضّت شفايفها عشان ما تنهارش، وقالت بصوت مبحوح :

“مافيش يا ماما، بس تعبت شوية في الشغل.”

أمها بصت فيها بتركيز، قلب الأم حاسس، قالت وهي تلمس خدها :

“لا، ده مش تعب شغل. عينيكِ فيها وجع كبير. قوليلي يا بنتي، حد ضايقك؟ حد ظلمك؟”

صفاء قلبت وشها ناحيه الحيطة، صوتها اتكسر :

“نفسي أرتاح يا ماما، نفسي أنام وما أصحاش.”

الكلمة كسرت أمها، دموعها نزلت وهي تقول بصوت مرعوب :

“إستغفري ربنا يا صفاء، اللي مضايقك نحله سوا، ما فيش حاجة تستاهل الكلام ده.”

صفاء دموعها نزلت غصب عنها، كأنها بتفرّغ سنين وجع، وقالت وهي بتكتم شهقة :

“فيه حاجات يا ماما لو قلتها مش هتقدري تسامحيني عليها.”

الأم شدت نفس طويل، حضنتها بقوة، وشها على صدرها :

“أسكتي يا بنتي، ما فيش حاجة بيني وبينك إسمها ما تتقالش. لو شايلة وجعك لوحدك هتموتي، وأنا مش هسمح بكده.”

صفاء فضلت ساكتة، حضن أمها زوّد البكا بدل ما يهدّيها.

دموعها غرقت في صدر أمها وهي تهمس بصوت مش مسموع :

“سامحيني يا ماما.. سامحيني.”

الأم ما فهمتش، بس قلبها اتقبض أكثر، وحست إنها قدام مصيبة أكبر من التعب.

النهار دخل على الحارة بهدوء، صوت الميكروباصات في الشارع والباعة بينادوا على الخضار، لكن جو البيت كان ثقيل.

أم صفاء قاعدة في الصالة، عيونها منتفخة من السهر، ووشها شاحب من القلق.

خبط الباب، فتحت، لقت البنات واقفين، وشوشهم باهتة.

زينب قالت بهدوء :

“صباح الخير يا طنط، إحنا جايين نطمن على صفاء.”

الأم ابتسمت ابتسامة باهتة وقالت وهي تزيّح الطرحة على شعرها :

“إتفضلوا يا بنات، والله نورتوا. بنتي فوق، نايمة من الفجر. من يوم ما رجعت وهي مكسورة.”

دخلوا وقعدوا، رحاب بصت لها بخوف وقالت :

“هي تعبانة قوي؟ شكلها ما كانتش كويسة امبارح.”

الأم تنهدت وقالت بصوت متعب:

“هي بتشقى يا بنتي، بتشقى أكثر من طاقتها. بتشتغل في المصنع من الصبح لليل، ساعات بتنام هناك لما الورديات تطوّل. مرض أبوها هدّها، والديون اللي على ضهرنا عاملة زي الجبل. كل يوم بتقولي : «أصبري يا أمي، الفرج قريب».”

نورهان دموعها لمعت وهي تسمع الكلام، بصت لرحاب وقالت بهمس :

“شوفتي حالها يا رحاب، دي البنت شايلة بيت بحاله.”

رحاب حاولت تبين  تماسك، مسكت إيد الأم وقالت بابتسامة هادية :

“ما تقلقيش يا طنط، تعب بسيط بس من الإرهاق. هنفضل نطمن عليها لحد ما تقوم زي الأول وأحسن.”

الأم بصت لها، في عينيها شك خفيف :

“مش عارفة ليه حاسة إن فيه حاجة، البنت متغيّرة، ساكتة زيادة عن اللزوم. بس يمكن الضغط خلاها كده.”

زينب قالت بسرعة تحاول تغيّر الموضوع :

“أكيد من التعب يا خالتي. لما ترتاح كام يوم هتبقى زي الفل.”

الأم اتنهدت ودموعها نزلت وهي تقول :

“يا رب تقوم بالسلامة، دي عمرها ما اشتكت ولا قالت آه، حتى وهي تعبانة.”

البنات سكتوا وكل واحدة فيهم عينها دمعت وهي تبص ناحية الأوضة المقفولة.

كلهم حسّوا إن وجع صفاء أعمق من التعب، وجواهم خوف من اليوم اللي السر ده يطلع فيه للنور.

الباب اتفتح بهدوء، والبنات دخلوا على أطراف صوابعهم.

صفاء كانت قاعدة على السرير، شعرها مفكوك ووشها شاحب، عينيها مورّمة من البكا. لما شافتهم، دموعها نزلت من غير ولا كلمة.

زينب قربت منها، حطّت إيدها على كتفها وقالت بهدوء :

“يا صفاء، الحياة مش بترحم، بس إحنا اللي لازم نقوم كل مرة. اللي ضاع منك ضاع، بس إنتِ لسه فيكِ روح، ولسه قدامك عمر.”

صفاء غطّت وشها بإيديها وقالت بصوت مكسور :

“أنا اتكسرت يا زينب، ما بقتش قادرة أبص لوش حد. حاسّة إن حياتي خلصت.”

نورهان قعدت على طرف السرير، بصوت حنون :

“بصي يا صفاء، الغلط مش بيقتل غير اللي عنده ضمير. واللي عنده قلب بيندم ويتصلّح. المهم إنك تتعلمي، ما تكرّريش نفس الوجع، وما تسمحيش لحد يستغلك بإسم الحب تاني.”

رحاب وقفت قدّامها، بصوت قوي فيه شوية قسوة لكنها حقيقية :

“إنتِ غلطتِ، أيوه. بس لو فضلتِ تبكي، الغلط هيفضل ماسك فيك. قومي، اشتغلي، عيشي، واثبتي للكل إنك أقوى من اللي حصل. العيب مش إننا نقع، العيب إننا نفضل على الأرض.”

صفاء رفعت عينيها ليهم، دموعها نازلة، بس الملامح فيها لمحة وعي لأول مرة.

قالت بصوت واطي :

“بس الناس.. الناس مش هتسيبني في حالي.”

زينب مسكت إيديها وقالت بإصرار :

“نسيبهم يقولوا اللي هما عايزينه، الناس هتتكلم يوم وتمشي تاني يوم. المهم ضميرك قدام ربنا، مش قدامهم.”

نورهان زادت على كلامها :

“اللي يغلط مش شيطان، اللي يستسلم هو الشيطان. إنتِ لسه عندك فرصة تمسحي اللي حصل وتكتبي صفحة جديدة.”

رحاب قربت منها وقالت بهدوء :

“ربنا ما بيكسرش حد إلا عشان يقومه أقوى. يمكن دي كانت علشان تعرفي قيمة نفسك، وتعرفي إن اللي بيحبك بجد عمره ما يكسفك و بعدين ماحدش يعرف حاجه .”

صفاء سكتت لحظة، صوتها اتكسر وهي تقول :

“أنا خايفة.”

زينب ابتسمت رغم دموعها وقالت :

“خافِي من الغلط تاني، مش من الحياة. واللي بيحبك بجد ربنا هيبعثه لك في الوقت الصح.”

البنات حضنوها كلهم، دموعهم اتجمعت مع دموعها.

كانت لحظة صافية.. فيها وجع، بس فيها بداية أمل جديد.

إيطاليا…

شقة الشباب.

النهار كان مولّع برا، صوت الأخبار شغّال في التليفزيون، والصحف كلها بتتكلم عن جريمة تهز البلد :

«بنت مراهقة تتعرض للاغتصاب في جنينة عامة، والجاني مجهول»

وصورتها مالية الجرائد والميديا.

الجمعيات النسائية مش ساكتة، وجمعية الرفق بالحيوان قلبت الدنيا كمان بسبب الكلب اللي اتقتل بطريقة وحشية.

نسرين بلعجيلي

أحمد نايم على الكنبة، لحد ما دخل عليه علي بصوت عالي وهو مرعوب :

“قوم يا مجرم، قوم شوف المصيبه  اللي عملتها.”

أحمد فتح عينيه بنعاس وتقل وقال :

“في إيه يا عم؟ ما تصحينيش كده.”

علي رفع التليفون في وشه، الشاشة فيها صورة البنت والكلب، وصوته طالع مرعوب وغاضب :

“مش دي البنت اللي كانت في الجنينة؟ مش هي دي اللي كنت بتجري وراها وانت سكران؟”

أحمد سكت، وشه اتبدّل، قام يقف وهو بيحاول يجمّع نفسه :

“أنا… أنا مش فاكر حاجة، كنا سكرانين.”

في اللحظة دي دخل كريم، صوته عالي :

“في إيه؟ مالكم صوتكم مقلوب كده؟”

علي بص له وقال بارتباك :

“كريم… البنت دي.. البنت اللي في الأخبار، هي نفسها اللي كانت في الجنينة وأحمد هو اللي كان راح وراها”

كريم اتجمد مكانه، قلبه وقع، وبص لأحمد بدهشة ورعب :

“إنت بتقول إيه يا علي؟!”

علي هز راسه بسرعة :

“أنا شفت بعيني، والبنت كانت بتعيط، والكلب بيهوهو، وبعدها.. بعدها راحت في داهية.”

كريم صرخ بصوت عالي، الغضب مالي وشه :

“يا نهار أسود! هي حصلت لحد كده؟! إنت يا أحمد عملت كده؟! دي بنت قاصر يا مجرم.”

أحمد رجع خطوة لورا، صوته واطي ومرعوب :

“ما كنتش في وعيي.. كنت شارب، ما كنتش عارف أنا بعمل إيه”

كريم مسكه من هدومه وزعق فيه :

“مش في وعيك إيه يا ابن الكلب؟ دي جريمة، دي مصيبة، دا لو البوليس وصّل ليك، حياتك انتهت.”

علي واقف مرعوب، مش قادر يصدق اللي بيحصل، وقال بخوف :

“الناس كلها بتدور على الفاعل… الصور في كل مكان، وهي قالت في التحقيق إنها ما شافتش وشه كويس، بس الكاميرات ممكن تكون صورت.”

أحمد وقع على الكرسي، ماسك شعره بإيديه، عرقه نازل، صوته مبحوح :

“أنا ضيّعت نفسي، أنا انتهيت .”

كريم بص له باحتقار وقال ببرود قاتل :

“أيوه.. انتهيت  فعلاً. دي مش غلطة يا أحمد، دي جريمة، واللي عملته عمره ما يتغفر.”

كريم وهو بيزعق والغضب مالي وشه :

“أنا كنت مستني إيه من واحد قاتل مراته ومجرم؟! إيه اللي جابك على حياتي يا أحمد؟!”

أحمد انتفض وهو واقف :

“أنا ما قتلتهاش، هي ماتت لوحدها، قضاء وقدر يا كريم.”

علي دخل الكلام وهو متوتر :

“مش إنت اللي كنت بتقول إنك ضربتها وهي حامل؟ وسرقت حقها و دهبها  كمان؟”

كريم بصله باشمئزاز :

“إنت شوّهت سمعتنا يا أحمد، شوّهت سمعة المصريين كلهم هنا. من يوم ما جيت وانت سُكر ومخدرات ومشاكل. إطلع بره بيتي، مش عايز أشوفك تاني.”

أحمد رفع صوته وهو بيترجّى :

“أروح فين يا كريم؟ أنا لا بعرف أتكلم ولا ليّ حد هنا.”

كريم رد بعصبية :

“إنت مجرم يا أحمد، وجودك معايا مصيبة. مش بعيد البوليس ييجي يشيلنا كلنا بسببك. أنا راجل شقيان باصرف على أهلي، مش ناقص بلاوي. يلا إمشي بالله عليك.”

علي قال بخوف :

“يا كريم، أنا خايف، بس والله ما عملتش حاجة. كنت معاه، آه، بس ماليش ذنب.”

كريم بصله بحدة :

“دا ذنب ماريا، كنت راجل محترم مالي هدومك، دلوقتي بقيت خمورجي بتتسكع في الجناين. يلا، إنت وهو إطلعوا بره بيتي فورًا.”

أحمد وقف لحظة، عينه مليانة ندم، وبعدين بص في الأرض وساب الشقة بخطوات ثقيلة.

كريم قفل الباب وراه، وهو بيهمس بغضب :

“ربنا ينتقم منك، فضحتنا كلنا.”

نسرين بلعجيلي

في المستشفى..

عند أسماء

الليل ساكن، والمطر بينقر على شباك الأوضة بخفة.

صوت الأجهزة بيدقّ بإيقاع هادي، كأنه نبض الدنيا اللي لسه ماسك في روح أسماء.

وشها هادي، بس حواجبها مكرمشين كأنها بتشوف حاجة جوّه الحلم مش مريحة.

فجأة، النور اللي في الأوضة اختلف.

الضوء بقى دافي كأنه جاي من شمس تانية، والريح نسمة حنونة فيها ريحة ورد وياسمين.

أسماء فتحت عينيها جوّه الحلم، قامت تبص حواليها، الأرض لونها أبيض، والهدوء شبه سكون الجنة.

وفجأة، شافت حنان واقفة بعيد، لابسة فستان أبيض ناعم، شعرها سايب ووشها منوّر كأن حواليها هالة من نور.

إبتسمت بهدوء، نفس الإبتسامة اللي كانت بتطمنها وهي صغيرة.

أسماء شهقت، دموعها نزلت من غير ما تحس :

“حنــــان؟! إزاي؟! إنتِ هنا ليه؟! إنتِ فين؟!”

حنان قربت منها بخطوات خفيفة، عينها فيها سلام غريب ممزوج بالحزن :

“ما تسأليش يا أختي، أنا بس جيت أطمن عليكِ.”

أسماء مدت إيدها بخوف وشوق :

“أنا كنت بدور عليك في كل حلم، كنت سامعة صوتك ومش لَقياكِ”

حنان لمست وشها بحنية الأم :

“ما تبكيش يا أسماء. كل حاجة هتبقى نور بعد الضلمة، بس لازم تكوني قوية. ما تخافيش من الحقيقة لما تيجي، إستقبليها.”

أسماء دموعها مغرقة خدودها، همست :

“أنا مش فاهمة، بتتكلمي عن إيه؟!”

حنان ابتسمت، صوتها بقى أهدى وأعمق :

“هتعرفي قريب، بس إوعي تضعفي. خذي بالك من نفسك، ومن اللي وراك. ما تسيبيش حقك يضيع، ولا تسكتي على الظلم. وخلي بالك من ولادي هما أمانة عندك. الوصية أمانة في رقبتك يا أسماء.”

الهواء حواليها بدأ يخفّ، النور بيتسحب شوية شوية. أسماء جريت ناحيتها، بتصرخ بصوت طفلة :

“حنان إستني.. ما تسيبينيش تاني.”

لكن حنان كانت بتختفي وهي تبتسم، صوتها بيختفي مع النور :

“أنا جنبك.. دايمًا جنبك يا أسماء.”

وفي اللحظة دي…

أسماء صحيت فجأة، قلبها بيدق بقوة، وصرخت بكل ما فيها :

“حناااااان!! حنااااااان!!”

الممرضة دخلت بسرعة، ووراها أسامة مفزوع :

“أسماء.. مالك؟!”

هي كانت بتبص للسقف، عينيها مبلولة بالدموع، ووشها مرعوب ومندهش في نفس الوقت.

صوتها كان متقطع وهي بتهمس :

“هي كانت هنا… حنان .. كانت جنبي… لمستني.”

أسامة قرب منها، صوته مبحوح وهو بيحاول يهدّيها :

“إهدي يا أسماء.. مجرد حلم. حمد الله على سلامتك ”

أسماء بصّت له، ودمعة نزلت ببطء من عينيها :

“لو كان حلم، ليه قلبي واجعني كده؟”

سكت أسامة، بس فيه نظرته خوف حقيقي، لأن اللي شافته أسماء مش مجرد حلم، بس كان بداية الحقيقة اللي لسه هتتكشف، و عرف إن الأرواح بتتقابل .

“فيه ناس بتعيش تمحي وجعها، وناس بتعيش علشان تثبت إن الوجع ما راحش هدر.”

اللهم أجبر قلب كل مظلومة، وداوي كل روح وجعها الخذلان..

اللهم أخرج من كل ضيقٍ فرجًا، ومن كل ظلمٍ نورًا..

واجعل من دموعنا بذورًا لعدلٍ لا يذبل أبدًا..

ايه رأيكم في الفصل ؟؟؟؟

يتبع …..

نسرين بلعجيلي Nisrine Bellaajili

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية بنات الحارة) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق