رواية بنات الحارة الفصل السادس والأربعون 46 – بقلم نسرين بلعجيلي

رواية بنات الحارة – الفصل السادس والأربعون

الفصل 46

الفصل 46

*بنات الحارة – 4Cats*

بقلم نسرين بلعجيلي

Nisrine Bellaajili

_الفصل 46_

مقدمة الفصل..

في كل حارة بنت إسمها “حنان”،

ضحكتها كانت بسيطة، ووجعها كان ساكت. في كل بيت “أسماء” بتحارب لوحدها، مش عشان تبقى بطلة، لكن عشان ما تموتش وهي عايشة.

الظلم لما يطول، بيعمل وجع أعمق من الموت، بس ربنا ما بيسيبش حق مظلوم. وحتى لو الدنيا اتأخرت، العدالة بتيجي تمشي على مهلها،

بس بتيجي، وبتمحي بصمتها فوق الأرض والقلوب.

النهارده مش فصل وجع بس،

النهارده فصل صحوة.

فصل بنت قالت “لأ”، ودفعت الثمن.

بس كل دمعة نزلت، كانت بداية طريق جديد لحق ما بيموتش.

🕊️ كلمة نسرين..

أنا بكتب النهارده من وجع إسمه “سكوت”. من خوف أجيال اتحكم عليها تصبر، وتستحمل وتسكت.

بس البنات دول – بنات الحارة – ما سكتوش.

قالوا لأ، للقهر، وللوجع، وللظلم اللي بقى عادي.

أنا بكتب علشان حنان و نواره، وعلشان كل بنت اتوجعت وسكتت، وعلشان كل “أسماء” لسه بتدور على نفسها بعد الخسارة.

بكتب علشان أقول إن ربنا شايف.

وإن اللي سكت عن الحق، شريك في الجريمة.

نسرين بلعجيلي

المستشفى..

– غرفة أسماء

نور الصبح دخل على استحياء من شباك الأوضة، لمس وش أسماء بخفة كأنه بيصحّيها على وعد جديد. صوت الأجهزة كان هادي، والمكان كله ريحته تعب وسهر.

أسامة كان قاعد على الكرسي جنبها، تعبان، لكن عينيه ما سابتش وشها لحظة.

فتحت عينيها بهدوء، شافته، إبتسمت وقالت بصوت واهي :

“كنت هنا طول الليل؟”

أسامة بصّ لها، صوته طالع من وجع عميق :

“كنت خايف أنام وأصحى ملاقيكيش.”

إتنهدت، وبصت ناحية السقف، كأنها بتدور على ملامح حلم لسه متعلق في الهوا :

“شُفت حنان يا أسامة، كانت لابسة أبيض، وبتضحكلي،  و وصيتني على ولادها.”

أسامة قلبه اتقبض، حاول يخبي خوفه وقال بهدوء :

“يمكن ربنا بيطمنك، أو بيبعثلك رسالة منها.”

أسماء دموعها لمعت وهي تهمس :

“بس ليه قلبي موجوع كده؟ كأنها كانت بتودّعني.”

سكت أسامة، بص بعيد شوية، صوته لما اتكلم كان متردد :

“فيه حاجات لازم تعرفيها بس مش دلوقتي.”

رفعت راسها وبصت له، عينيها بدأت تتغير :

“أسامة.. في إيه؟ حصل حاجة لحنان؟”

ما عرفش يرد، بس النظرة اللي في عينيه قالت كل حاجة. صوتها خرج متقطع، كأن الكلمة بتخنقها :

“ماتت؟”

أسامة نزل راسه وقال بهدوء :

“راحت لربنا يا أسماء.”

الهوى في الأوضة ثقل، ولا صوت باقي غير أنفاسها وهي بتنهج، دموعها نازلة بس من غير صوت.

إيديها كانت بتترعش وهي تقول بين شهقة والثانية :

“كنت لسه شايفاها، كانت بتكلمني.”

أسامة قرب منها، مسك إيدها بحنان وقال :

“جاتلك عشان تطمنك، عشان تودّعك بطريقتها .”

أسماء سكتت لحظة، كأن عقلها بيحاول يرفض الكلمة، لكن لما الحقيقة دخلت جوّه قلبها،

انهارت.

إيديها مسكت الملاية بقوة، وصوتها خرج مبحوح الأول، وبعدين عالي.. عالي لدرجة وجعت الجدران :

“حنان، لاااااااااا! حناااااان”

الممرضة جريت، وأسامة حاول يمسكها، بس كانت بتضرب في الهوا، كأنها بتبعد الموت عنها.

دموعها سايحة، وصوتها بيترعش بين كلمة والتانية :

“مش ممكن، كنت لسه سامعة صوتها، كانت هنا معايا ما ماتتش”

أسامة حاول يهديها، صوته منكسر :

“إهدي يا أسماء، إرجعي لنَفَسك يا أسماء، لو حنان هنا فعلاً، أكيد مش عايزة تشوفك كده.”

لكن هي ما سمعتش، فضلت تصرخ، مرة بإسم أختها، ومرة بإسم ربنا، زي واحدة بتنتزعها الصدمة من جوّه الحياة.

الممرضة حقنتها مهدئ، صوت أسامة وهو بيبكي جنبها كان أهدى من صرختها، بس وجعه كان أعمق منها بكثير لانه افتكر والده .

Nisrine Bellaajili

دقايق قليلة، وهدأت، بس الهدوء المرة دي ما كانش راحة، كان إنكسار. نوم غصب عنها، بس النوم اللي بعده مافيش راحة، نوم مليان وجع، مليان صدى صرخة لسه معلقة في الأوضة.

عدّى أسبوع كامل.. أسبوع طويل كأنه سنة، الوجع ما خفّش، والسكوت بقى لغة الكل. النهارده كان يوم الدفن، يوم الوداع الأخير.

أسماء خرجت من المستشفى الصبح، وشها شاحب، خطواتها ضعيفة، بس عينيها فيها عزيمة غريبة. كانت عايزة تشوف أختها، حتى لو للمرة الأخيرة.

البنات حواليها، زينب ماسكة إيدها، رحاب وساكتة لأول مرة، نورهان بتبكي بصمت و صفاء تايهه . الشباب كمان كانوا واقفين، ياسر وجمال و حسن  بعيد شوية، وفارس معاهم، وِشهه هادي، ونظراته كلها حزن واحترام. من ساعة ما عرف اللي حصل وهو جنبهم، وكأن الوجع جمع الكل بعد ما فرّقتهم الدنيا.

البلد كانت ساكتة، الهوى باين فيه ريحة تراب وموت. صوت القرآن جاي من بعيد، والناس لابسة سواد،

كل خطوة ثقيلة، وكل نفس موجوع.

نسرين بلعجيلي

أسماء وقفت عند القبر، إيديها بتترعش وهي بتبص للأرض اللي هتخبي أختها تحتها. دموعها نازلة، بس من غير صوت، زي نار هادية بتحرق جواها.

همست بصوت مبحوح :

“إرتاحي يا حنان، إرتاحي يا أختي، ووعد مني حقك مش هيروح.”

زينب حطت إيدها على كتفها وقالت بهدوء :

“ربنا يرحمها يا أسماء، كانت طيبة، وقلوب الناس كلها معاها.”

فارس وقف وراهم، صوته هادي لكنه ثابت :

“كل اللي عملوه فيها مش هيفلتوا، اللي ظلم، هيتحاسب.”

أسامة كان بعيد شوية، عينه على أسماء، وشه حزين، بس فيه نظرة عهد.

كأن الكل في اللحظة دي فهم إن حنان ما ماتتش لوحدها، وإن اللي جاي مش مجرد عزاء، اللي جاي بداية حرب على الحقيقة.

المقابر لسه ريحتها تراب طري، وصوت النسوان في الخلفية بتدعي وبتعيط، لكن اللي واقفين لسه مش قادرين يصدقوا إن حنان خلاص راحت.

أسماء كانت واقفة بعيد، وشها شاحب وعيونها حمرا من كثر البكا. بصّت قدّامها وشافت عصام راكع على الأرض جنب القبر، إيده بتغرس في التراب، ودموعه نازلة ساكتة.

قلبها وجعها، بس الغضب كان أقوى من الدموع. مشيت ناحيته بخطوات بطيئة، كل خطوة فيها وجع السنين.

وقفت قدّامه وقالت بصوت مخنوق :

“بتعيط عليها دلوقتي؟ فين كان ضميرك وهي بتتعذب؟ فين كنت لما كانت بتستغيث بيك وانت ساكت وأمك بتعذب فيها ؟”

عصام رفع عينه ليها، وشه غرقان دموع، صوته واهي وهو يقول :

“ما كنتش عايزها تموت يا أسماء، والله ما كنت..”

صرخت فيه، والدموع بتتسابق على خدّها :

“بس إنت السبب، سكوتك، خوفك، جبنك هو اللي قتلها. كنت شايف الظلم وساكت عليه، كنت راجل على الورق بس أمك اللي كانت بتتحكم فيك و فيها.”

عصام نزل راسه وكأن الكلام طعنه في قلبه.

وفجأة صوت خشن قطع الموقف :

“بس خلاص يا بت، كفاية تمثيل بقى. البت ماتت وانتهت الحكاية، ما تفتحوش سيرة الناس الكبار.”

الكل لفّ ناحيته، الحاج اليزيدي واقف، لابس جلابيه  غامقة، وصوته متعالي كعادته.

أسماء اتجمدت، بس عصام وقف لأول مرة من غير خوف، بصّ لليزيدي بعينين كلها غضب وقال :

“أسكت يا حاج كفاية، ما فيش كبير في الظلم و الموت . اللي حصل لمراتي مش قدر، كان جريمة”

اليزيدي بصله باستهزاء :

“إنت بتتكلم معايا كده يا واد؟ ده أنا اللي مطلعك من الطين”

عصام ردّ بثقة لأول مرة :

“وإنت اللي غرّقتنا فيه.”

الناس بدأت تتجمع حواليهم، الكاميرات بتصوّر، الصحافة في كل مكان، والميكروفونات مرفوعة.

واحد من الصحفيين صرخ :

“هو ده اليازيدي اللي بيتهموه بتغطية جريمة العنف ضد حنان؟”

وفجأة ظهرت عربيات البوليس، أنوارها الزرقا قطعت صمت المكان.

الظباط نزلوا بسرعة، ووراهم هالة ونجلاء من الجمعية، ملامحهم فيها إصرار وعدالة.

هالة رفعت صوتها قدام الناس كلها :

“النهارده يوم الحق. حنان ماتت مظلومة، وأسماء إتعذبت، بس القانون هيتكلم.”

الظابط اتقدّم ناحية اليزيدي وقال بحزم :

“الحاج عبد المجيد اليزيدي.. معانا إذن ظبط وإحضار من النيابة. إنت متهم بالتستر على جريمة عنف وتعذيب نتج عنها وفاة وكمان تهم تانيه مستنياك.”

الناس شهقت، الكاميرات اشتغلت أكتر، ووش اليزيدي اتبدّل، لأول مرة وشه فقد هيبته. حاول يتكلم، بس صوته ما طلعش.

عصام بص له وهو بيتسحب بين الظباط، وقال بصوت هادي بس فيه وجع الدنيا كلها :

“ربنا مش بينسى يا حاج، اللي بيفكر نفسه فوق القانون، بييجي يوم ويتحاسب قدام الكل.”

أسماء وقفت بعيد، الدموع نازلة، بس المرة دي فيها راحة. بصّت للسما، وهمست بهدوء :

“نامي بسلام يا حنان، العدالة بدأت تمشي.”

الخبر انتشر في البلد أسرع من النار في الهشيم. الناس خرجت من بيوتها، الرجالة على المصاطب، الستات في النواصي، والوشوش كلها فيها فرحة مكتومة بعد سنين خوف.

الأصوات اختلطت ببعض :

– “العدالة رجعت.”

– “اتقبض على اليازيدي.”

– “ربنا كبير، أخيرًا الحق ظهر.”

Nisrine Bellaajili

في بيت حنان، الجو كان مليان دموع وفرحة غريبة. أمها قاعدة على الأرض، بتبكي بحرقة بس في عيونها راحة، وأبوها ساكت، ماسك مسبحة ودموعه بتنزل في صمت.

أسماء دخلت ومعاها البنات والشباب، وشها هادي بس عينيها مطفية. الناس قامت تستقبلها، الكل بيحاول يواسيها، بس هي ما كانتش بتسمع، كل حاجة حواليها كانت بعيدة كأنها ماشية في حلم ثقيل.

أم حنان أول ما شافتها، قامت بسرعة، جريت عليها وفتحت دراعيها :

“تعالي يا بنتي، تعالي لي، دا حضني مفتوح ليكِ زي ما كان مفتوح لحنان.”

أسماء وقفت مكانها، جسمها متيبّس، وبعدين رفعت عينيها ببطء،

نظرتها كانت جامدة، فيها وجع مش عادي.

قالت بصوت هادي بس وجع الدنيا فيه :

“أنا ما ليش لا أم، ولا أب.”

البيت كله سكت. حتى صوت النفس اختفى. أمها وقفت مصدومة والدموع نزلت من غير صوت وهي تهمس :

“بتقولي إيه يا أسماء؟! أنا أمك يا بنتي.”

أسماء خطت خطوة ورا، الدموع غرقت عينيها، بس ملامحها ما اتغيرتش :

“الأم اللي تسكت على وجع بنتها تموت من قلبي. اللي تسمع الظلم وتخاف من كلام الناس، تبقى غريبة عني. أنا اندفنت خلاص، إندفنت وأنا لسه عايشة، جنب أختي، جنب وجعها. أنا ما بقيتش بنت حد.”

سكتت لحظة، نظرت لكل الناس حواليها وقالت بصوت مبحوح لكنه قوي :

“أنا وأختي خلاص خرجنا من دايرة الخوف. هي ماتت، وأنا لسه بعيش عشان آخذ حقها. بس أنا مش بنتكم، أنا بنت الوجع اللي إنتوا سكتوا عليه.”

الكلمة كسرت الكل. أمها انهارت على الأرض بتبكي، أبوها غطّى وشه بإيده، والناس واقفين مش قادرين ينطقوا.

أسماء مسحت دموعها بإيدها، لفّت وخرجت بخطوات بطيئة، الريح لفّت طرحتها.

الناس فضلت تبص وراها، كإنهم بيودّعوا بنت ماتت واقفة على رجلها.

مقر الجمعية..

– بعد المؤتمر الصحفي

هالة وقفت قدام الكاميرات، وشها باين عليه التعب، بس عينيها فيها نار الحق اللي ولعت خلاص. المكان كله سكت، حتى الفلاشات وقفت لحظة كأنها بتستناها تتكلم.

مسكت المايك، خذت نفس عميق، وقالت بصوت قوي ومليان إحساس :

“أنا بوجّه كلمتي لكل أم وكل أب في البلد دي، الفقر مش عيب، العيب إنكم تبيعوا بناتكم بحجة الفقر. العيب إنكم تسيبوا الطمع يغلب الرحمة. العيب إنكم تجوّزوا بناتكم بالعافية، تدوهم لناس أكبر منهم بالعمر بحجة الستر.

العيب إن بنت عندها 15 سنة تتقال عليها «ست بيت» وهي لسه طفلة،

العيب إنكم تخافوا من كلام الناس، وتنسوا وجع بناتكم.”

سكتت لحظة، بصّت في الكاميرات بعين بتلمع دموع وقالت :

“إحنا هنا مش علشان نعمل شو إعلامي، إحنا هنا علشان نقول كفاية.

حنان.. كان ممكن تعيش، بس ماتت من القهر، من وجع الظلم وما لاقتش حد يحميها، ماتت وهي شايلة هم أختها أسماء اللي لسه واقفة على رجليها رغم كل اللي حصل فيها.

أسماء بنت بطلة، قالت «لأ » للظلم،

واتعاقبت أشد عقاب، بس ما انكسرتش ولا قالت حرام الناس هتتكلم عليا، لأنها لقت راجل واقف في ضهرها، ولقت ناس مؤمنة إن الحق مش عيب.”

هالة بصّت ناحية الكاميرا، صوتها علي شوية، قلبها بيتكلم قبل لسانها :

“إوعوا تسكتوا على الظلم، ما تخافوش من الناس، خافوا من ربنا.

كل بنت اتوجعت، كل أم انكسرت، صوتها هيبقى مسموع. دي مش النهاية، إحنا لسه مكملين، ولسه هنفضل لحد آخر نفس نقول :

مافيش حد فوق القانون.”

القاعة كلها سكتت، بس الدموع نزلت من عيون الصحفيات، والتصفيق بدأ ببطء، لحد ما قلب القاعة كلها. وهالة وقفت في النص،

رافعه راسها بفخر ودموعها بتنزل وهي تقول بصوت واطي :

“دي كانت حنان.. ودي كانت أسماء.. وده صوت كل وحدة اتسكت عنها، بس خلاص، زمن السكوت انتهى.”

نسرين بلعجيلي

في بيت أسماء و أسامه…

المساء كان ساكت، اللمبة الصغيرة منوّرة الصالة بضوء دافي، والبنات قاعدين متجمعين حوالين التلفزيون.

زينب، نورهان، رحاب، صفاء،

وأسامة كان قاعد في الركن، صامت كعادته، عيونه بس هي اللي بتتكلم.

أسماء كانت لابسة تريننج بسيط، وشها لسه شاحب، بس عينيها فيها نور غريب.. نور الوعي اللي بييجي بعد النار.

التلفزيون شغّال، وصوت المذيعة بيقول :

“في مؤتمر صحفي عقدته جمعية صوت المرأة، أعلنت فيه عن تحويل قضية حنان وأسماء إلى قضية رأي عام، بعد القبض على المتهم الرئيسي الحاج اليازيدي.”

اللقطة اتبدلت، ووش هالة ظهر على الشاشة واقف بثبات، صوتها مليان وجع وعدل وهي تقول :

“الفقر مش عيب، العيب إنكم تبيعوا بناتكم.”

الكل سكت. ولا صوت غير المذيعة، وصدى كلمات هالة اللي بيدخل جواهم زي سكين في القلب.

رحاب دمعت، ومسحت بسرعة عشان محدش يشوف. زينب حطت إيديها على بقها وهي تهمس :

“يا رب، أخيرًا فيه حد بيتكلم بصوت البنات.”

نورهان بصت لأسماء وقالت بهدوء :

“شايفة؟ كلامها عنك يا أسماء، قالت إنك بطلة، وإنك قلتِ لا للظلم.”

أسماء ما ردتش، بس عينيها كانت مليانة دموع بتنزل ببطء، كأن كل كلمة من هالة بتكسر وجع جوّاها وتبنيه من جديد.

أسامة بصّ عليها وقال بصوت واطي :

“الحق دايمًا بياخذ وقت بس لما بييجي، بييجي قوي.”

أسماء أخذت نفس عميق، مسحت دموعها بإيدها، وقالت بصوت هادي بس ثابت :

“أنا مش بطلة يا أسامة، أنا واحدة اتوجعت، بس قررت ما أسكتش.”

رحاب قربت منها وقالت بابتسامة صغيرة :

“وهو ده معنى البطولة يا أسماء، إنك تواجهي، مش تهربي.”

الكل سكت تاني، وشاشة التلفزيون كانت لسه بتعرض صور حنان، وصوت هالة وهي بتقول :

“دي مش النهاية، إحنا لسه مكملين.”

أسماء رفعت عينيها على الشاشة،

همست بكلمة واحدة طلعت من القلب :

“وأنا كمان مكملة.”

الدموع في عيونهم، بس المرة دي مش دموع ضعف، كانت دموع بنات قررت تواجه العالم، ويكتبوا بداية جديدة من وسط الرماد.

الجو هادي، والهوى خفيف كأنه بيواسي القلوب المكسورة. صفاء طلعت السطح لوحدها، من غير ما تحس برجليها. قعدت في الركن، عينيها معلقة في السما، والدموع بتنزل من غير صوت.

كل حاجة جواها كانت وجع، ريّان، الكذب، الخداع، الجواز الوهمي، والفراغ اللي سابُه.

همست لنفسها بصوت واهي :

“كله كذب، كل حاجة كانت كذب.”

رحاب كانت في الصالة، قلبها وجعها من سكون صفاء. قامت من غير ما تقول لحد، طلعت السلم بهدوء، ولما وصلت فوق، شافتها قاعدة على الأرض، وشها في ضوء القمر باين عليه الانكسار.

قربت منها وقالت بهدوء :

“مالك يا صفاء؟”

صفاء ما ردّتش، مسحت دموعها بسرعة وقالت وهي بتنهج :

“إنسي يا رحاب، كله راح. أنا كنت عايشة في كذبة كبيرة، راجل كذاب، جواز كذب، حلم كذب، حتى الحنية اللي كنت حاسّاها كانت كذب.”

رحاب بصّت لها بهدوء وقالت :

“خلاص يا صفاء، كفاية بُكا. اللي حصل حصل، وانتهى. إنسي وعيشي حياتك.”

صفاء انفجرت في البكا، صوتها اتكسر :

“إزاي أنسى؟! أنا اتكسرت من جوّا، أنا عايزة أنتقم، عايزة كل اللي زيّه يدفع ثمن وجعي”

رحاب شدّت نفسها وقالت بنبرة حازمة وقاسية شوية :

“وانتقامك هيعمل إيه؟ هترجّعي اللي راح؟ ولا هتصلّحي اللي اتكسر؟

الانتقام هيولّع فيكِ إنتِ قبل أي حد تاني. إحمدي ربنا إنه سترها معاكِ، وإن أهلك ما عرفوش حاجة. ده لطف ربنا مش ضعف.”

صفاء سكتت لحظة، دموعها بتنزل وهي تبصّ في السما. رفعت إيديها، وصوتها كان مبحوح من كثر القهر :

“يا رب، خُذلي حقي من كل نصّاب ضحك على بنت طيبة ودمّرها. من كل كذاب لبس وش الحب وكان وراه غدر. يا رب، خلّي نهايتهم تكون زي وجعنا علشان كل واحدة بعدي تعرف إن الحق بيرجع مهما طال الوقت.”

رحاب وقفت جنبها، بصّت للسما وقالت بهدوء :

“آمين.  وربنا كبير، يا صفاء. بس متنسيش اللي بينتقم مش بيعيش،

واللي بيسيب حقه لربنا، عمره ما يخسر.”

صفاء نزلت دمعة جديدة من عينيها،

مسحتها بإيدها وقالت بصوت واطي جدًا :

“أنا مش هنتقم يا رحاب أنا هسيبها لربنا. بس عايزة اليوم اللي أشوف فيه العدالة، بعيني قبل ما أموت.”

رحاب لمست كفها وقالت بهدوء :

–”هييجي اليوم ده، صدّقيني.”

والاتنين سكتوا..

الليل ساكت، والسما مليانة نجوم،

بس جوّه صفاء، كانت أول مرة بعد الوجع تحس إنها بدأت تتنفس.

“الحق مابيموتش، هو بس بينام شوية، ولما يصحى، بيصحى على صرخة الناس اللي اتظلمت.

“مافيش وجع بيضيع عند ربنا،

ومافيش ظالم هيفلت من حكمه مهما خبّا وشه ولبس التقى.”

يا رب…

إرحم كل بنت ماتت وهي بتدافع عن كرامتها، واشف كل قلب اتكسر من الخيانة، وكل روح اتظلمت وسكتت خوفًا من الناس.

يا رب…

خُذ حق كل مظلوم بيدك، وانصر اللي قالوا “لا” وهم عارفين الثمن.

يا رب…

احمِ بناتنا من كل قلب قاسي، ومن كل راجل لبس وش الرجولة وهو غدار.

يا رب…

اجعلنا نِعم العِبرة، مش نِعم الضحية.

واملأ طريقهم بالنور، حتى لو بدأ بالظلمة.

معنديش كلام أقوله في الفصل ده هاسيبكم انتم تعبرو بي راحتكم

يتبع ….

نسرين بلعجيلي Nisrine Bellaajili

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية بنات الحارة) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق