رواية كارثة الحي الشعبي الفصل السادس والتسعون 96 – بقلم فاطمة محمد

رواية كارثة الحي الشعبي – الفصل السادس والتسعون

الفصل السادس والتسعون

الفصل السادس والتسعون

أنظر جيدًا.

كارثة الحي الشعبي.

فاطمة محمد.

الفصل السادس والتسعون وما قبل الأخير:

أنكمشت قسمات وجه وئام أثناء نومها، مما تراه من كابوسًا مزعجًا، جعلها ترغب بالاستيقاظ منه، فقد رأت بأن ما حدث و عودتها إلى عابد بل و زواجها منه كان وهمًا، خيالًا…

صارعت وصارعت محاولة الخروج والاستيقاظ منه، وبعد عدة محاولات نجحت بفتح عينيها والاستيقاظ أخيرًا..

وكان أول شيء تفعله هو تفرس الغرفة من حولها، وتحويل أنظارها وتسليطها على النائم جوارها كي تتأكد من تواجده جوارها، وتتأكد بأن ما رأته لم يكن سوى كابوسًا، والحقيقة هي بأنه معها..

التفتت برأسها أمامها وتنهدت براحة ومسحت على وجهها مرددة بخفوت شديد:

“أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.”

معللة سبب ما رأته بأن خوفها من البُعاد والفراق وتفكيرها به، هو من تسبب بهذا الكابوس.

فرغم كل ما حدث وحديثهم الجميل، العقلاني للغاية ليلة أمس، إلا أن هناك بداخلها جزء صغير يهاب ويرتعد من فكرة الفراق.

بللت طرف شفتيها وعادت تنظر نحو هذا النائم، تمعن النظر بملامحه التي تحفظها.

وبعد لحظات من هذا التركيز معه، كانت تنسى ما رأته بل وتتخطاه، وانشغلت بالتفكير به هو فقط، وبتلك السعادة التي تغمرهم وتملئهم، متمنية من الله عز وجل دوامها.

داهمت بسمة صغيرة شفتيها، ثم نهضت مقررة تبديل ملابسها والهبوط للاسفل وإحضار الطعام لهم..

وبعد وقت كانت تخرج من غرفتهم بملابس محتشمة واسعة، وحجاب طويل يخفي الجزء العلوي من جسدها قاصدة المطبخ..

وما أن دخلته حتى وقع بصرها على وعد المتواجدة بداخله وتحضر لها شطيرة بطريقة متعجلة وقطها أسفل قدميها يتمسح بها.

تفحصت ملابسها وسألتها:

-صباح الخير يا وعد، قوليلي عاملة ايه دلوقتي؟؟ وايه اللبس ده أنتِ خارجة ولا إيه؟؟

انتبهت لها وعد والتفتت إليها تجيبها بحماس وتعجل:

-صباح النور يا عروسة، وآه خارجة متخافيش عليا أنا زي القردة، وقولت قبل ما أخرج اعملي سندوتش عشان مهبطش.

-أيوة خارجة رايحة فين بقى؟

وبحماس مضاعف ردت عليها:

-مفاجأة يا بت مفاجأة..

عقدت وئام حاجبيها تلقي عليها سؤال آخر:

-أيوة إيه هي بقى؟؟

-أنتِ عبيطة يا بنتي، بقول مفاجأة، وسعي بقى متعطلنيش.

رددتها وهي تلتهم جزء من الشطيرة وتفارق المطبخ فهتفت وئام:

-عدى على طنط رحمة وعمي أيهم طمنيهم عليكي..

-هعدي عليهم وهكلم أبرار كمان اطمنها، يلا سلام.

تابعتها وئام بدهشة حتى اختفت عن انظارها، ثم تذكرت ما جاءت من أجله وبدأت بتحضير الفطار له ولها.

وبتلك الأثناء وأثناء انهماكها، ولجت دلال المطبخ، وتفاجأت من وجودها، فسألتها:

-ايه ده أنتِ بتعملي ايه هنا؟

ناظرتها وئام مجيبة إياها باحترام جلي:

-صباح الخير، بحضر الفطار ليا ولعابد، اصلي صحيت قبله وقولت انزل احضره واطلعله بيه.

أصدرت دلال صوتًا من فمها دلالة على فهمها، متحركة من مكانها مقتربة من وئام، رامقة إياها وملابسها بنظرات متفحصة..

توترت وئام بعدما شعرت بتلك النظرات المصوبة نحوها، فابتلعت ريقها وسألتها:

-حضرتك عايزة حاجة؟؟

ردت عليها بهدوء:

-لا يا حبيبتي مش عايزة، بس كنت هقولك اطلعي أنتِ وانا هجبلكم الفطار ده أنتِ عروسة عيب ميصحش.

ابتسمت نصف بسمة وأجابت:

-لا عادي، مش بعمل اللي ميتعملش ده حاجة بسيطة، وبعدين مش عايزة اتعب حضرتك.

مطت دلال شفتيها وظلت واقفة مكانها، لا تفعل أي شيء إلا متابعتها، وذهب ذهنها لما حدث مسبقًا وما فعلته وقالته عنها، وكيف اخبرها خليل ببرائتها، و دافع عابد عنها باستماتة، جعلتها تشعر بالحسرة عليه وعلى حاله، لعشقه لمثلها.

كذلك تذكرت حديث شقيقتها حولها، وبعدم احتمالية رجوع عابد لها إذا كانت مثلما تقول عنها.

والآن ومع تلك النظرات التي تشع من عين وئام وهي تعد له الإفطار، أدركت هي ماهيتها جيدًا، وأدركت بحبها له، وسخرت من نفسها وتفكيرها وقتها.

فكيف سيقبل أبنها بالعودة إليها، إلا إذا كان يتقن من برائتها.

زفرت بسخط من ذاتها وتسلل إليها شعور بالندم عما اقترفته بحق تلك الفتاة.

ازدردت ريقها ورفعت يديها تربت على ظهرها بحنان تخبرها:

-حقك عليا يا بنتي، متزعليش مني.

جذبت أنظار واهتمام وئام، والتي دُهشت من اعتذارها الغير متوقع بالمرة، واستفسرت منها:

-ازعل من حضرتك ليه؟؟

-عشان حاجات كتير اوي، بُصي مش عايزة أدخل في تفاصيل بس انا غلط في حقك وبسببي نجلاء أختي اتكلمت معاكي و زعلتك و وقتها عابد زعل مني، وكل ده بسببي عشان انا رسمتلك صورة تانية في دماغي وصدقتها ومكنتش عايزة عابد يرجعلك.

زفرت نفسًا طويلًا، ثم أضافت:

-المهم سيبك من اللي فات، عشان اللي فات مات، وحقك عليا مرة تانية، انا غلط في حقك وزعلت ابني مني، واتمنى تسامحيني وربنا يسامحنى، وصدقيني مش هضايقك تاني خالص.

سعدت وئام من حديثها وتشكلت السعادة على وجهها، هاتفة بمزاح بسيط:

-خالص خالص؟؟

أكدت لها بمزاح ومرح مماثل:

-لا مش خالص أوي يعني، لو زعلتي الواد هنفخك، أو اقولك هقعد عليكي هبططك..

وبعد هذا المرح المتبادل بينهم، استطردت وئام:

-على فكرة أنا مبقتش زعلانة من حضرتك، ولو كنت لسة زعلانة مكنتش وافقت نرجع انا وعابد، واعيش هنا مع حضرتك.

تهللت أساريرها من ردها وجوابها الذي أسعد قلبها، فصاحت تدعو لها:

-روحي ربنا يسعدك أنتِ وهو، ويخليكوا لبعض ويرزقكم بالذرية الصالحة، واشيل عدلكم..قولي آمين يا بت.

-آمين.

-يلا بقى اطلعي بالاكل والف هنا وشفا على قلوبكم.

*****************

-صباح الهنا على حبيب قلبي أنا.

باغت جابر ثراء بتلك الكلمات ما أن استيقظت وفتحت جفونها..

اوصدت جفونها لوهلة واضعة يديها على قلبها، قائلة:

-حرام عليك يا جابر خضتني…

-حرام عليا إيه، ده أنا بقولك صباح الهنا على حبيب قلبي أنا !! هو أنا شتمتك يا ….

صمت يفكر في لقب جديد يمنحها إياه، وبعد ترقب من تجاهها وتفكير عميق منه، قال:

-يا حلوة الحلوين.. وأميرة الأميرات، وملكة قلبي، ويا اللي ملية عيني ومنعتى الرؤية عني، وخلتيني أعمى عن كله، عداكِ.

تنهدت وجلست على الفراش تسأله:

-صحيت امتى؟

-مش عارف، ومش فاكر ومش عايز أعرف ولا عايز افتكر، عايز افضل باصصلك واتكلم معاكِ وبس، أكتر من كدة أنا مش عايز ومش طالب، قوليلي.

لاحت شبه بسمة على وجهها، قائلة بخجل واضح وأعين تتهرب منه ومن عينيه التي تتحدث معترفة بعشقه تجاهها عوضًا عن لسانه:

-أقولك إيه؟

-أنا صبحت عليكي وقولتلك يا صباح الهنا على حبيب قلبي أنا، أنتِ فين بقى صباح الخير بتاعتك، وقبل ما تقولي أي حاجة أنا عايز واحدة زي اللي أنا قولتها كدة مش العادية والتقليدية بتاعة كل الناس، لا أنا عايز حاجة غير المعتاد، يلا.

ضاقت عينيها بتفكير وسألته:

-ولو مبعرفش أو معنديش كلام زي بتاعك ده اعمل إيه؟؟

-تقوليلي وأنا اغششك كام واحدة كدة، وبما أنك قولتيلي فـ أنا هغششك، بس احفظي عشان كل يوم تقوليلي واحدة ويبقى فيه تجديد…

-اه وماله، التجديد حلو برضو ومطلوب، قولي بقى واحدة…

-بصي يا ستي عندك مثلا بتاعة يا صباح الخس وتكملتها يا صباح الخس انا قلبي ليك وبس، ولو قولتيهالي الصبح وأول ما افتح عيني ما اقولكيش على اللي هيحصل فيا، قلبي هيطير ويرفرف زي العصافير كدة….وعندك كمان.

وقبل أن يلقي عليها أي واحدة أخرى من تلك الجمل والعبارات كانت تهب عن الفراش، قائلة بتهرب وهي تسير نحو دورة المياه:

-حمام ده صح، حمام مش كدة؟؟

قطب حاجبيه وسألها بدهشة:

-ايه ده أنتِ رايحة فين؟؟ واه حمام، اومال يعني مطبخ !

-لا، الحمام، وبعدين إيه رايحة فين دي داخلة الحمام أكيد مش داخلة المطبخ عشان مفيش مطبخ هنا.

تخطى سخريتها ، وعقب بمرح:

-طب وجُمل الصباح!!

-بعدين يا جابر مش ههرب منك يعني ما أنا معاك اهو.

أغلقت الباب وهي تهتف الأخيرة تاركة إياه يمدد على الفراش ويضع يديه خلف رأسه بحالمية وسعادة تطرق باب قلبه بعد انتظار طويل، أهلكه، وبعثره كثيرًا….

أطلق تنهيدة مكرر كلماتها الأخيرة:

-أنتِ معايا اهو….. وأنا كمان معاكِ اهو…

ثم ارتفعت نبرة صوته ينادي عليها:

-هيا يا محبوبتي اسرعي قليلًا، فقد اشتقت إليكِ، وقارب اشتياقي على القضاء عليّ، اسرعي قبل أن ينتهي أمري وأكون ضحية هذا الاشتياق والحب.

وصل إليه صوتها متمتمة بحنق:

-يا عم قادمة، قادمة وربنا، قادمة يخربيتك، أنا لن أهرب، ولن يقتلك الاشتياق فلتتحمل قليلًا من أجلي يا عزيزي.

تهلل وجهه وصاح بسعادة:

-قليلًا فقط!!! فـ أنا اتحمل أي شيء وأي صعوبات من أجلك عزيزتي، خذي راحتك، فـ أنا بانتظارك بجميع الأحوال.

******************

-كنتِ فين؟؟ أنا لسة كنت نازل اشوفك.

ردد عابد تلك الكلمات ما أن رأى وئام تلج الغرفة، فقد استيقظ ولم يجدها جانبه، وهو الذي كان يرغب برؤيتها ما أن يفتح عينيه.

أشارت بعينيها إلى ما تحمله من طعام، قائلة ببسمة محبة أسرت قلبه:

-كنت بحضرلك الفطار، صحيت ولقيتك نايم فحبيت انزل اعملهولك واطلعهولك وناكل سوا.

اخذه من يدها واضعًا إياه على الفراش، ثم عاد إليها، ملتقطة يدها مقبلًا إياها، متمتم بنبرة عاشق ولهان:

-تسلم ايديكِ، بس متعمليش كدة تاني، ممكن؟

عقدت حاجبيها وسألته:

-معملش ايه بضبط؟

-متقوميش من جمبي طول ما نايم، اصلي مش هفرح بالاكل قد ما هفرح بشوفتك أول ما افتح عيوني.

وبمزاح قالت:

-من قلبك الكلام ده؟؟

بادلها إياه وهتف:

-ده من قلبي، ومن كبدتي، ومن طحالي ومن أيدي ورجلي، وعيني وبُقي و

قاطعته مرددة:

-بس بس خلاص، مكنش سؤال..

ضحك معها، واقترب منها معانقًا إياها للحظات، ثم حررها مغمغم بحب:

-قوليلي ايه اللي صحى الجميل بدري؟

هزت كتفيها، وهي تجيبه:

-عادي، شوفت كابوس قلقني من النوم.

-خير اللهم ما اجعله خير، شوفتي إيه؟

-مش مهم، واصلا حصل معايا كدة عشان لسة جوايا حتة خوف أننا نبعد ونسيب بعض تاني، المهم خلينا نفطر.

قالت الأخيرة وهي تتحرك وتذهب نحو الطعام.

لم يتركها ومسك بمرفقيها، متبادل معها النظرات، يطمئنها ويبعد عنها تلك الفكرة:

-مش عايزك تخافي من البُعد، عشان مش هيحصل تاني يا وئام، أنا ما صدقت بقينا مع بعض، وأنا مش غبي، عشان اوجع نفسي تاني، أنا جربت وجع ربنا ما يكتبه على حد، وجع مكنتش قادر استحمله وكان بيموتني بالبطئ، وجع خلاني أعرف أني تخطيت مرحلة الحب معاكِ، وأي كلام أو حاجة اعملها معاكي مش هتديله قيمته وحقه.

ردت عليه بدون أن تبعد عينيها عنه:

-غصب عني يا عابد جوايا خوف مش عارفة اتخلص منه.

-لازم تتخلصي منه، لو سبتيه جواكي هيكبر، والوضع هيسوء، فكري في اللحظة والوقت اللي أنتِ عيشاه، متفكريش في بكرة ولا تحطي احتمالات هتعكر عليكي وملهاش أي داعي، عيشي اللحظة، وعيشي السعادة، فكري فينا إحنا وبس، وسيبي بكرة واللي جاي على ربنا….

*****************

دنت أنعام من باب المنزل الذي قرع جرسه، قامت بفتحه بملامح هادئة.

احتفظت بتعابير وجهها، حتى بعد رؤيتها لهذه الضيفة والتي لم تكن سوى “زينة” رافعة الرأس، يتواجد داخل عينيها بريق من الحزن والإنكسار، متحدثة معها بهدوء زائف لا يعكس ما يدور معها وبداخلها ولا تدري أنعام عنه شيء:

-ممكن ادخل واتكلم مع حضرتك.

لم تضع أي احتمالات أو توقعات لرد فعلها، فقط كانت تدعو الله بسرها أن تستجيب وتلبي طلبها وتسمح لها بالدخول.

وكان لها ما أرادت، حيث هتفت أنعام وهي تشير لها داخل المنزل وتفسح لها مجالًا:

-أكيد يا بنتي اتفضلي.

أطرقت عينيها ودخلت، وأغلقت الأخرى الباب من خلفها.

تقدمت من الصالون التي تعرف مكانه مسبقًا، وجلست على الأريكة.

وقفت أنعام أمامها وسألتها ببسمة بسيطة:

-تشربي إيه يا بنتي؟

ومع تلك البسمة والمعاملة الحسنة، رغم غياب ابنها وتواجدهم بمفردهم جعلتها تشعر بوخزة، وعلقت غصة بحلقها، جعلتها تشعر بصعوبة ابتلاع ريقها الذي جف.

ابتلعتها جبرًا وأجابت عليها:

-مش عايزة اشرب حاجة، أنا بس عايزة اتكلم مع حضرتك… أنا…. أنا…..

تحركت أنعام وجلست جوارها على الأريكة قائلة بدلًا عنها:

-أنتِ ندمانة، وزعلانة، حزنك باين في عينك يا بنتي.

ترقرقت الدموع بعين زينة وفتحت قلبها لتلك المرأة دون أن تشعر بما تفعل:

-وتعبانة، تعبانة أوي، مش عارفة أرجع زينة القديمة، مش عارفة ابطل تفكير في حسن، مش عارفة ابطل أعاتب نفسي، أنا غلط معاكي وغلط مش هين، لا مش غلط، ده كان قلة أدب مني، بس أنا بني آدمة وأي بني آدم بيغلط، وأنا عرفت غلطي، وعرفت أني كنت غلط، أنا آسفة لحضرتك.

رفعت أنعام يديها ومسحت لها دموعها التي انهمرت من عينيها كالشلال، هاتفة:

-وأنا هبقى بغلط لو مقبلتش آسفك، أنا أصلا مكنتش زعلانة منك، قد ما أنا كنت زعلانة على حسن وبفكر فيه، أنتِ مشفتيش بقى عامل إزاي من ساعة ما سبتوا بعض.

-بقى بيكرهني مش طايقني، ولا طايق يشوفني، روحتله مرتين، مرة بعد اللي حصل وعكيتها معاه خالص، وتاني مرة انهاردة، والمرة دي قضى عليا، قالي كلام كتير، زي أني مبفكرش غير في نفسي وأنه لو رجعلى هعاملك أسوء من الأول، أنا قولتله أني بحبه، ومصدقنيش ومسمعنيش وعايز يتجوز غيري بعد ما حبيته.

تلك المرة ارتمت هي داخل أحضانها، فكانت خير استقبال وترحيب بها داخل ذراعيها:

-يا بنتي متعيطيش بقى، بتوجعوا قلبي وقلوبكم ليه بس، وبعدين هو موجوع، ومش عارف بيقول ايه وتلاقيه عايز يوجعك زي ما وجعتيه ومدام عايز يوجعك يبقى لسة بيحبك وده شيفاه في عينه، أنا هتكلم معاه متعيطيش بقى.

زادت زينة من ضمها، باكية بكاء مضاعف، لأسباب عديدة، منها ما تفعله والدته الآن معها وشعورها بالاشمئزاز من ذاتها لما كانت عليه معها سابقًا…

كذلك فكرة زواجه من فتاة أخرى، يقع في عشقها وتقع في عشقه.

ولكن جاءت كلمات أنعام مربته على قلبها، مهدئه من روعها……..

*******************

تناهى قرع الجرس إلى مسامع دلال الواقفة داخل المطبخ تعد الفطور لـ جابر وثراء كي تاخذه إليهم، وتغلق في ذات الوقت مكالمتها مع سلطان الذي خرج باكرًا دون أن تراه وأخبرها بتواجد خليل معه وخروجهم قبل استيقاظ أحد.

عقدت حاجبيها دهشة وتركت الهاتف وهي تتساءل بينها وبين نفسها عن الزائر:

-ده مين اللي جاي بدري كدة ده، تكونش أم البنات.. أكيد هي، يوه ده انهاردة الصباحية، إيه الزهايمر ده يا دلال.

وصلت إلى الباب وقامت بفتحه وسقط بصرها على الزائر والتي لم تكن علياء بل مروان، مبتسمًا بسمة زائفة:

-صباح الخير يا دلال هانم، يا ترى الولاد صحيوا ولا لسة نايمين؟

وقبل أن تجيبه رد على نفسه:

-اظن عابد و وئام نايمين، فـ إحنا نسيبهم نايمين، ونصحي ثراء وجابر، ولا هما أصلا صاحيين؟؟؟

بالأعلى….

-وقفنا فين بقى؟؟

سأل جابر ثراء ما أن خرجت من دورة المياه، ابتلعت ريقها وقبل أن تجيبه كان يتابع متذكرًا:

-أيوة افتكرت، درس جُمل الصباح، تعالي بقى خليني أكمل..

أخذها من يدها وجلس معها أعلى الفراش متربع القدمين، متاهبًا للحديث.

وما كاد يفعلها ويفتح فمه، حتى وجدها تقاطعه بنبرة سريعة وملامح مترددة:

-سيبك بس دلوقتي، وكلمني عن نفسك، عايزة أعرفك وأعرف عنك أكتر.

وبحماس لم تتوقعه قال:

-عايزة تعرفي إيه، وعيني ليكِ.

قلبت عينيها بتفكير، قائلة أول ما جال بذهنها:

-كنت بتشتغل ايه؟؟ أو ايه الشغل اللي أنت اشتغلته قبل كدة، أحلامك كانت ايه؟؟

-لا واحدة واحدة عليا، نجاوب على أول سؤال الأول وبعد كدة خشي عليا بالتالي، حسنًا..

زفرت من دمجه العامي مع الفصحى، متمتمة:

-حسنًا، أخبرني بقى وانجز.

ابتسم لها، ثم أطلق تنهيدة عائدًا بذهنه إلى الوراء:

-يــــــاه، بتفكريني بالذي مضى وبأيام الله لا يعيدها، بس هجابوك وبكل صراحة، بعون الله اللي قدامك ده كان بيشتغل أبوه، أمه، أخواته، على بلاطة كدة كنت بقلبهم، وعاله عليهم، أصلي مكنتش شغيل اوي، وعلطول بطرد.

لم تنصدم أو تصمت ورددت على الفور:

-طيب، وكان حلمك تشتغل إيه، أو تدرس إيه؟؟

قلب فمه للأسفل، مجيبا بطريقة أهلكتها ضحكًا:

-مش حاجة جديدة و زيي زي أي شاب، كان نفسي أطلع ضابط شرطة، أو رائد، أو مقدم.

سكن وقطع حديثه والتزم الصمت، يتأملها، ويتأمل ضحكتها العالية الخاطفة لقلبه و وجدانه.

وبصعوبة توقفت، شاعرة بنظراته التي اخترقتها، معتذرة له:

-آسفه والله بس طريقتك تجنن وتموت ضحك.

خرج من تلك الحالة من الهيام التي سيطرت عليه وعاد لمرحه، متحدث بغرور:

-طريقتي بس اللي تجنن؟؟ ما علينا قوليلي أنتِ بقى كان نفسك تشتغلي ايه يا بسكوت نواعم أنت.

هزت رأسها وكبحت بسمة، محاولة الثبات أمامه، هاتفة:

-بعيدًا عن بسكوت نواعم دي، بس أنا من صغري بحب الرق

اوقفها تلك الدقات على الباب، فنهض جابر قافزًا عن الفراش مخمنًا بسعادة:

-دي اكيد أمي جايبلنا الفطار.

صدق حدسه وابتسم باتساع ملتفتًا برأسه لثراء يخبرها:

-مش قولتلك أمي.

ثم ناظر دلال وتحديدًا يديها الفارغة، فسألها:

-اومال فين الفطار ياما؟؟؟ هو مش أنا عريس؟؟ والعريس اكله بيطلعله، ولا أنا ابن البطة السودا والباقي ولاد البطة البيضا؟؟؟

-يا واد اكتم يخربيتك، أنت بالع راديو.

هلل لها ساخرًا:

-كمان يخربيتي؟؟؟ هي دي صباحية مباركة يا عريس.

جذبته دلال تجاهها تهمس له:

-اهمد واتلم ومتخلنيش اقل منك قدامها، خليني محترمة وخليك محترم، بدل والله بالشبشب.

ابتعد مبتسمًا لها خاطفًا نظرة نحو ثراء التي تتقدم منهم:

-بتموت فيا بس بيني وبينها عشان منتحسدش.

زفرت دلال من ثرثرته وقالت دفعة واحدة:

-يا بني بقى اهمد، خليني اقول الكلمتين اللي طالعة اقولهم، حماك تحت، يلا انزلوا سلموا عليه.

وقبل أن تتحرك مسك بها جابر يردد كلماتها:

-حمى مين اللي تحت؟؟ حمايا أنا؟

-اومال أنا يا بن العبيطة !!

ابتلع ريقه، بينما رددت ثراء بفرحة:

-نازلين وراكي علطول.

-نازلين مين، خدي ياما، بصي قوليله مبيفتحوش، ولا اقولك بلاش ممكن يطلع هو، اقولك قوليله نايمين، ولا اقولك بلاش ممكن يطلع يصحينا برضك…

انكمش وجهه حيرة وتفكيرًا وعندما يأس قال:

-اقولك قوليله ماتوا…

تضايقت ثراء وقالت:

-بعد الشر، ايه اللي بتقوله ده؟؟

أجابت عليها دلال:

-معلش يا بنتي وربنا يعينك على ما بلاكي أنا نازلة اقوله نازلين ومتعوقوش.

تجعد وجه وكأنه على وشك البكاء:

-طيب طيب مش هنعوق.

دقائق وكانا يهبطان، نهض مروان ما أن رآهم، وتقدم عدة خطوات وهو يفتح ذراعيه وبسمة تحتل ثغره..

ابتسم له جابر المتقدم عن ثراء وفتح ذراعيه هو الآخر ظنًا بأنه سيعانقه هو، متمتم:

-وربنا أنا عارف أنك بتحبني بس مخبي ومبتقولش عشان منتحسدش، يا حبيبي يا حمايا.

تخطاه مروان وترك الهواء والفراغ يحل محله، مستقبلًا ابنته ثراء بدلًا عنه:

-حبيبة قلبي، تعالي في حضن ابوكي، وحشتيني.

بادلته عناقه تخبره باشتياق:

-وأنت كمان يا بابا، اومال فين ماما؟

-نايمة ومرضتش اصحيها، أصلها نامت متأخر واكيد هتصحى متاخر، أما أنا بقى صحيت عشان اشوفك وأملي عيني منك، وحشتيني اوي يا ثراء.

تدخل جابر معترضًا وساخرًا في آن واحد:

-هو ايه الجو ده ؟؟ وايه وحشتك دي، هي غايبة عنك من شهور ولا سنين ده يدوبك كام ساعة.

-اخرس يالا، انا بكلم بنتي.

-وانا جوز بنتك.

-وأنا أبوها وممكن اخليك تطلقها لو ملمتش نفسك.

صر جابر على اسنانه من اسلوبه المستفز، المبالغ به وكاد يجيب لولا حضور دلال في هذا الوقت قائلة:

-سلطان نزل من بدري هو وخليل، وأنا كنت بجهز الفطار للعيال دي عشان اطلعه، بس مدام جيت يبقى نفطر مع بعض ونصحي نضال وداليدا وأشرف و وعد وفجر يفطروا معانا.

أكمل جابر مقتطف نظرات نحو مروان:

-وعابد و وئام، خليهم ينزلوا يسلموا على حمايا.

-قولتلهم زمانهم نازلين.

انزعج مروان وقال:

-ليه بس كنتي سبتيهم، وبعدين أنا مش مستعجل وقاعد مش همشي دلوقتي خالص.

اغتاظ جابر وتابع رد والدته:

-لا ما هما اصلا صاحيين، وئام عملتله الفطار وخدته على فوق يلا نفطر احنا بقى..

تحركوا وانتهز جابر هذا وهمس مع نفسه بتذمر:

-ناس يطلعلها الفطار لحد السرير، وناس تصطبح بمروان..

*******************

بعد مرور ساعات معدودة، ازدرد «أشرف» ريقه بتوتر وهو يمد يده كي يلتقط تلك الهدية التي أحضرتها وعد الواقفة أمامه، والتى كانت عبارة عن صندوق ليس بصغير أو كبير، بل متوسط الحجم موصدة بشريط ستان أحمر اللون..فكانت خاطفة للأنظار.

رأت وعد هذا التوتر فصاحت تشجعه على مسمع ومرأى من الجميع بحماس زائد:

-يلا يا أشرف بقى افتحها.

هز مروان الجالس معهم حتى الآن رأسه يشجعه هو الآخر:

-ما تفتحها يا بني خلينا نخلص ونشوف جيبالك إيه؟؟

وللمرة الذي لا يتذكر عددها هتف أشرف وهو يعيدها مرة أخرى لوعد:

-ما أنا خايف افتحها بصراحة، حد يفتحها مكاني.

اعترضت وعد وصاحت وهى تضعها بيده مرة أخرى:

-هو ايه اللي حد يفتحها، محدش فاتحها غيرك، دي ليك، يلا بقى يا أشرف.

هز رأسه ورفض فتحها متمتم وهو يعيدها لها مرة أخرى:

-يا ستي مش عايز، افتحيها أنتِ.

وضعتها بين يده مغمغمة:

-ازاي يعني هي ليا ولا ليك؟؟ يلا يا أشرف.

زفر الجميع من تلك المشاحنة، في ذات الوقت أعادها أشرف ليدها وقبل أن تتحدث وتعيدها إليه..اكتفى جابر مما يحدث وهب من جلسته جوار ثراء واقترب من أخيه و زوجته.

تهللت أسارير مروان ونهض من مكانه وجلس محل جابر جوار ابنته وهو يشعر بالنصر، فقد انتظر نهوضه هذا كثيرًا.

أما عن جابر فقام بالتقاط هذا الصندوق، متمتم:

-مدام محدش عايز يفتحها أنا هفتحها، خلينا نشوف الهدية.

جذبتها وعد منه بعنفوان وقوة، قائلة باعتراض:

-وتفتحها أنت ليه، أشرف اللي هيفتحها، لما مراتك تبقى تجبلك هدية ابقى افتحها أنت.

ارتفع حاجبي جابر وبطفولية جذبها منها، مغمغم:

-واخويا مش عايز يفتحها فـ هفتحها أنا.

-وأنت مالك يا حشري أنت.

سعد مروان بما يحدث بين الاثنان وصاح:

-يلا اتخانقوا يلا، اجبلكم عود كبريت وشوية غاز وتولعوا في بعض ونخلص طيب؟؟؟

قرع جرس المنزل بتلك اللحظة ونهض نضال كي يرى الطارق تاركًا تلك المشاحنة دائرة بين جابر و وعد.

اقترب نضال من الباب وما أن فتحه حتى ابتسم باتساع مرحبًا بكلا من خالد وأبرار و وسام المرافق لهم:

-ايه النور ده، اتفضلوا العيلة متجمعة، ادخلوا يلا.

سألته أبرار وهي تلج بعد أن استمعت لصوت وعد:

-وعد بتتخانق مع مين؟؟

رد نضال عليها:

-مع جابر مفيش غيره.

ابتسم وسام و أسرع من خطواته نحو أصواتهم.

خرج صوت خالد ملقي السلام على الجميع بعدما دخل الصالون:

-السلام عليكم.

وأثناء إيجاب الجميع عليه والتفات وعد تخطف نظرة نحوه، انتهز جابر تلك الفرصة على صحن من ذهب وانتشل الصندوق من يدها وركض به.

مما جعل عينيها تتسع وترى ابتعاده عنها بخطواته السريعة، قائلة بصوت عالي وحنق:

-هات الهدية يا جابر، ومتفتحهاش، هاتها يا جابر.

وقف جابر خلف الاريكة التي تجلس عليها ثراء و والدها، وتحديدًا خلف مروان متمتم بمرح ويديه تعبث بالصندوق كي يفتحه ويرى محتواه:

-لا، وخلينا نفتحها هنا، عشان لو فيها حاجة حمايا يلحقني.

التفت مروان برأسه إليه يطالعه باستنكار واشمئزاز متمتم بخفوت:

-وهلحقك ليه، ده أنا نفسي اخلص منك، روح الهي يطلع صاروخ يهب في وشك و ياخدك ويطير ونخلص منك.

تحركت وعد محاولة إلحاق جابر قبل أن يفتحها ولكنها فشلت وقام بفتحها وازالة الغطاء العلوي، والذي ما أن إزاحة، ورأى ما بداخله حتى جحظت عينيه وقذف العلبة ومحتواها على مروان، صارخًا بعلو صوته:

-يالـــهــوي، الحقوني، أحييييييييه….

نظر مروان لما قذفه عليه وسرعان ما كان يشاركه صرخاته بعلو صوته، وقذفه هو الآخر على من يقف أمامه والذي كان وسام ونجح في التحرك من مكانه وتفادي لمسه له مما جعل الثعبان يسقط أرضًا وجذب خالد ابنه تجاهه، وما أن انتبه البقية من أشرف، دلال، فجر، أبرار، ثراء، و وئام لماهيته حتى علت صرخاتهم وانتفضوا من جلستهم واختبأت كل واحدة خلف زوجها تحتمي به عدا فجر لعدم تواجد خليل، واقفين بجانب واحد جميعًا، أما عن عابد و وئام فمسك بيدها وفر من الصالون بأكمله.

صعد مروان على الأريكة وهو لا يتوقف عن القفز أعلاها بارتعاد من نظرات الثعبان المصوبة نحوه هو تحديدًا وفمه الذي يفتحه له بطريقة مخيفة، صارخًا على وعد:

-الله يخربيتك، ده هدية ده، الله يحرقك، طلقها ياض يا أشرف، قال وفخورة اوي وعايزاه هو اللي يفتحها تقولشي جيباله اللي ميجبش ومفيش في جماله اتنين.

كذلك هللت دلال:

-يا مصيبتي، مش كفاية عليا النسناس والقطة، أنت فين يا سلطان، كان لازم تخرج انهاردة، الحقونا يا ناس هنموت ملدغوين يا ناس، مرات ابني جيبالنا تعبان أسود البيت… أنا كان نفسي اطلع حجة ولا عُمره، كدة هموت من غير ما أحج، اقول عليكي ايه يا وعد، وأنت يا استاذ مروان الكنبة هتتوسخ يا اخويا…

هلل جابر متمتم بخوف مشيرًا نحوه:

-امسكوه…حد يمسكه…انا مش عايز اموت، انا لسة متجوز وداخل دنيا ومكمل نص ديني امبارح، حرام عليكم، اتقوا الله فيا..

كاد أشرف يضرب على وجهه مردد بعدم تصديق وهو يحملق بها:

-تعبان يا وعد تعبان.

ابتلعت ريقها وهي تساله وتتابع رد فعل الجميع الخائف بدهشة كبيرة:

-اه يا أشرف تعبان، هو حد قالك أنه أسد؟؟ ده تعبان وبعدين متخافوش يا جماعة، انتوا كدة هتخوفوه بجد..محدش يصوت.

رد عليها جابر ساخرًا، رادحًا لها:

-ومالك بتقولي تعبان وفخورة اوي اكنه عصفورة، أنت ِ تعبانة في نفخوك صح؟؟

أما مروان فكان بعالم آخر بعد أن حول الثعبان نظراته نحو الآخرين، فنظر لثراء التي تتمسك بجابر أثناء تبادله الحديث مع وعد فقال وهو يميل ويلكزه بصدره :

-مقولتش ليه يالا أنك بتخاف من التعابين كنت رفضك، أنا بنتي في خطر معاك، خايف من تعبان يا جبان…طلقها ياض طلقها.

ترك جابر ثراء وصعد على الأريكة أمام مروان تاركين الآخرين يراقبون ذلك الذي يتلوى بالأرض ويفتح فمه من حين لآخر:

-يعني هو حضرتك اللي هولاكو وشجيع السيما ما أنت كمان خايف اهو و واقف على الكنبة، انزل امسكه أنت بقى.

لكزه في صدره بعد أن اختطف نظرة نحو الثعبان يتأكد من بُعده عنه وعدم اقترابه:

-ولما أنا امسكه أنت لازمتك ايه ها، مجوزك بنتي ليه انا، طلقها ياض، طلقها يالا.

اتسعت عين دلال ما أن انتبهت لفعله ابنها وصرخت عليه هو الآخر:

-الكنبة يا زفت انزل يا حيوان.

ترك وسام أبيه وصعد جوار جابر بحذر على الأريكة، ممسكًا بسروال جابر متحدث معه:

-جابر..جابر.

-يا حبيبي البنطلون هيقع، والهيبة هتروح..لو عايز البنطلون قولي هدهولك بس هو هيبقى كبير عليك فهشلهولك لما تكبر.

عقب خالد الواقف بجانب الأريكة مثل الجميع وكلما حاول التحرك كي يمسك بالثعبان كانت أبرار تمنعه من فعلها وتتشبث به أكثر:

-وهي فين الهيبة دي، ما خلاص راحت، ومش هيبتك لوحدك.

صرخ وسام وكأنه لا يبالي بما يتواجد وكل ما يهمه بهذا الوقت هو شيء واحد فقط:

-بنطلون إيه!! أنا عايز عروستي، هي فين؟؟؟ أنت مش اتجوزت ثراء خلاص؟؟؟

التفت جابر تجاه وسام وحمله وعلى الفور و اعطاه لخالد الذي تلفقه.

-خد ابنك عشان مش وقته ولو كتر هفسعه قلم على وشه اقسمه نصين….

رد عليه خالد بغيظ:

-تفسع مين لم نفسك….

علق جابر ولم يصمت:

-ابنك هو في غيره؟؟ ده وقت عروسة ده؟؟ عروسة ايه و زفت ايه في اللي إحنا فيه؟؟

في ذات الوقت كانت داليدا تقف خلف نضال والذي كلما حاول التقرب منه هو الآخر كان تجذبه اليها..قائلة:

-متروحش يا نضال ومتلمسهوش.

حاوط وجهها يطمئنها:

-حبيبتي متخافيش ممكن؟

وأثناء حديثه زادت الصرخات بسبب تحرك الثعبان بطريقة سريعة مباغتة واقترابه من جابر ومروان وفتح فمه أمامهم.

مما جعل جابر يتعثر ويختبئ خلف مروان متمتم:

-يا ناس ياهوه حد يلحقنا هياكلني.

ثم نظر مروان يسأله:

-أنت واقف ليه مش أنت الكبير موته ولا امسكه ولا نيله باي نيلة….

صرخت عليهم وعد متذمرة ومستنكرة أفعالهم:

-يا جماعة متخافوش ده طيب مش بيأذي، بطلوا خوف بقى، ده ايه ده؟؟

استنكر جابر وصاح:

-أنتِ بتقولنا احنا ايه ده؟؟ اومال إحنا نقولك إيه؟؟ جايبه لـ اخويا تعبان يا قادرة.

فض خالد كل هذا ودنا منه ممسكًا إياه من عند رأسه محاولًا أبعاده قدر الإمكان، متمتم بنبرة سريعة:

-خد يجيب البوكس بتاعه والغطا بسرعة يلا.

وبالفعل ساعده أشرف والتقط له الصندوق فوضعه به خالد وعلى الفور اغلقه أشرف.. وتنهد الجميع براحة..عدا وعد التي عقدت ساعديها لثواني متذمرة من كل ما حدث وكيف تحطم ما توقعته ورسمته بمخيلتها، وفجأة حلت عقدة يديها واطلقت العنان لقدميها وغادرت من الصالون وتركتهم….

وبالطبع لم يتركها أشرف رغم استياءه وقرر الإلحاق بها بعد ثواني من مغادرتها.

على الجانب الآخر، هبط مروان وجابر في ذات الوقت وجلسوا على الأريكة يلتقطون أنفاسهم التي انقطعت من الخوف.

ونظر جابر لثراء يخبرها:

-شوفتي يا ثراء التعبان بصلي إزاي؟؟ انا كنت هموت بس ربنا سترها معايا أصل أنا ابن حلال أوي.

حدق به مروان وعلق:

-واد جبان كتك القرف في جبنك يا أخي.

تناهت كلماته إلى جابر كما تناهت إلى الجميع، فصاح ساخرًا:

-طب ماشي أنا جبان، حضرتك بقى مدام شجيع وقلبك ميت ممسكتوش ليه ها؟؟

-عشان اختبرك يا حيوان، ثم تعبان مين اللي اخاف منه، ده انا زمان كنت بلعب معاهم زي القطط، لولا بس الخضة وغدرك و رميك ليه في وشي، وفتحت بُقة وبصته ليا…

وباعين قد ضاقت ردد جابر بشك:

-يعني خوفت منه اهو بتنكر ليه، أنت متعرفش أن الكذب حرام؟

لكزه مروان بغيظ في كتفيه، ثم هتف بنبرة خافضة مغتاظة ومن بين أسنانه، لم تصل إلا لمسامع جابر:

-لا مستنيك أنت اللي تعرفني أنه حرام، ولا أنت طلق بنتي ياض، طلقها.

لم ينقذ جابر سوى اقتراب وسام منه يسأله بملامح منكمشة ضيقًا:

-فين عروستي بقى؟

التفت جابر إليه، ثم مط شفتاه ورد عليه:

-مخبيها في جيبي، ايه اللي فين عروستي، هو أنا لحقت، انا لسة متجوز امبارح !! أنت عبيط يالا؟؟؟

رد عليه بإصرار وعند طفولي:

-مليش دعوة، انا عايز عروستي يعني عايز عروستي…….

خرج صوت دلال وهي تبحث عن كل من عابد و وئام:

-ايه ده !!! أومال فين عابد و وئام؟؟؟

-فلسعوا ياما فلسعوا وسبونا الجبناء، الحمقى، رحلوا وتركونا نعاني مع هذا الثعبان الأسود بمفردنا، ونركض هنا وهناك، تركونا وفلسعوا…..عيال نتنه اقسم بالله والغدر والخيانة تسير في دمهم.

مسك وسام بذقن جابر يجذب أنظاره إليه مغمغم بحنق طفولي:

-عــروستي فين بقى؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

صر على اسنانه تلك المرة ورد عليه:

-يا بني ارحمني وارحم أمي، ما تشوف ابنك يا خالد الله!!!

كبح خالد بسمته ورد عليه باللامبالاة:

-مليش دعوة منك له، دي عروسته وبنتك، انا إيه دخلي بقى..

-بقى كدة!؟؟

-كدة ونص..

-ماشي يا خالد….

قالها جابر بتوعد مبصرًا الصغير المنتظر لجواب حتى الآن…

كادت ثراء تفتح ثغرها وتهدأ من روعه لولا جابر الذي أخبره:

-مش أنت عايز عروستك؟؟؟

-آه..

مال عليه وهمس له في أذنيه:

-عندك جوه في الثلاجة حطيتها هناك عشان كانت حرانه، قوم طلعها بدل ما تاخد برد.

ضاقت عين وسام وصاح:

-أنت بتضحك عليا صح؟؟

-عيب عليك يا جدع، طب تصدق زعلت، لا بجد زعلت ونفسيتي باظت، وعلى العموم لو مش صدقني قوم شوف واتاكد بنفسك……

*********************

لحق أشرف بها ودخل الغرفة، فوجدها خالية من وجودها ولولا صوت المياه القادم من دورة المياه لظن أنها خارجها ولم تدخلها.

توجه نحو الفراش وجلس على حافته، وانتظر خروجها، الذي حدث بعد ثوانِ معدودة.

اوصدت باب المرحاض وهي تراه يجلس وبانتظارها، ابتلعت ريقها وابعدت مقلتيها على الفور كأنها لم تراه ولا يتواجد بالغرفة.

أما هو فكان يتفرس وجهها المبلل بفضل المياه، وارتفع حاجبيه من مرورها أمامه وتخطيه، وذهابها نحو المرآة، ملتقطة عدة مناديل ورقية تجفف بها وجهها.

نادى عليها بترقب:

-وعـــد.

لم تستجيب فكرر ندائه مرة أخرى:

-بت يا وعد مش بكلمك؟؟؟

طالعته من خلال المرآة قائلة:

-خليك في حالك، لا لسانك يخاطب لساني ولا لساني يخاطب لسانك أنا مبكلمكش ومش هكلمك، وانزل اتريق معاهم على هدية مراتك ليك، أنزل.

نهض من محله، ودنا منها واقفًا جوارها، يطالع انعكاسها، متمتم:

-يعني كمان أنتِ اللي زعلانة ومقموصة!! ده أنتِ جيبالي تعبان يا وعد!!! ده اعمل بيه إيه ده؟ يعني إيه الحلو أو المفاجأة فيه، ده مش هدية يا ماما، واللي قالك ده هدية ده حمار وبهيم، نفسي اعرف إزاي قلبك طاوعك تجبيه، او إزاي جه في دماغك؟؟؟

لم تجيب مجددًا فتابع:

-برضو مش هتردي؟؟ طب بذمتك يا شيخة، بذمتك اعمل بيه إيه ده ها؟؟ اعمل بيه إيه ردي عليا، اخده بالاحضان وانيمه جمبي، ولا اقعد اطبطب عليه واكله في بُقه؟ ما تردي ساكتة ليه؟؟

-هو كدة ساكتة ومش هرد عليك، ومش هكلمك يا أشرف، وأنا اللي غلطانة الحق عليا أنا مش عليك، أنا اللي قولت افرحك.

-الطم يا بت، الطم، تفرحيني ايه؟؟ هو أنتِ ليه محسساني أنه حاجة حلوة وتفرح، ده رعب يا ماما، ده بيبخ سم من بُقه..

دافعت عن هديتها وقالت بشراسة:

-والله ما حد بيبخ سم غيرك، واقولك على حاجة أنا غلطانة والغلط راكبني من ساسي لرأسي، ارتحت كدة؟؟ اتفضل سبني بقى وانزل اقعد معاهم واهو بالمرة تتريق بضمير..

يتبع.

فاطمة محمد.

مهنش عليا

اخلصها

الفصل ده، واكروت شوية احداث، فـ اللي جاي الاخير بأمر الله،

وميعادنا

معاه يوم السبت. ❤️

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية كارثة الحي الشعبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق