رواية كارثة الحي الشعبي الفصل السابع والتسعون 97 – بقلم فاطمة محمد

رواية كارثة الحي الشعبي – الفصل السابع والتسعون

الفصل الأخير

الفصل الأخير

أنظر جيدًا.

كارثة الحي الشعبي.

فاطمة محمد.

الفصل الأخير:

أنهى “حسن” محادثته مع والدته عبر الهاتف وبعدما حثته على ترك المتجر والصعود إليها لتناول الغداء التي أعدته معًا، مدركة بأنه لن يخذلها أو يرفض لها طلبًا.

وهذا ما فعله بالفعل موافقًا إياها، ثم دس الهاتف بجيب سرواله الجينز، وهو يخبر العامل لديه:

-خلي بالك من المحل، نصاية كدة و راجع.

وما أن أخذ جوابه حتى فارق مكانه وانطلق نحو بنايته.

دقائق معدودة فقط وكان يفتح الباب بمفتاحه الخاص ويلج المنزل ويوصد الباب خلفه.

في ذات الوقت استمعت كلا من أنعام وزينة إلى صوت الباب وادركا وصوله.

تهللت أسارير أنعام وهبت من مجلسها بحماس وهي تخبرها:

-اهو جه.

ارتعدت فرائص زينة وعجزت عن النهوض و معرفة عما عليها الشعور به الآن؟

هل السعادة لإتيانه ومساعدة والدته لها؟

أم الخوف والقلق مما هو قادم وعلى وشك الحدوث؟

خرجت من تلك الدوامة على صوته القريب، المتسبب في تسارع خفق دقات قلبها، قائلًا بصدمة كبيرة من تواجدها الغير متوقع:

-أنتِ بتعملي ايه هنا؟؟؟

تلك المرة نجحت في النهوض والوقوف، وقبل أن تتحدث كانت أنعام تسبقها تقص عليه ما حدث:

-زينة قاعدة معايا بقالها حبة حلوين، واتكلمنا كتير واتآسفتلي على هي اللي عملته وأنا قبلت آسفها خلاص وفتحنا صفحة جديدة.

تحولت صدمته من تواجدها لشيء آخر أكثر حدة، متمتم:

-ازاي يعني قبلتي آسفها ياما هي داستلك على صباع !! ده غلطت فيكي و تواقحت معاكي.

-والله ده بيني وبينها وهي خلاص عرفت غلطها واتاسفت وأنا قبلت مش هنعلقلها حبل المشنقة إحنا.

وبهذا الجواب والدفاع المميت زادت من حسرة زينة على سوء معاملتها سابقًا وعدم قدرتها لمعرفة معدنها الحقيقي.

أما هو فاستشاط كليًا وهتف بهدر:

-بينك وبينها إيه، وحبل مشنقة إيه؟؟ أنتِ بتقولي إيه؟

رفعت يدها تربت على صدره، متمتمة بهدوء:

-بقول اللي حصل أنت سألت هي بتعمل إيه وأنا جاوبتك، اقعد معاها واتكلموا عقبال ما ادخل اشوف الأكل، واهدا ها اهدا.

كادت تتحرك لترأى رفضه وتأهبه للمغادرة وعدم الإنصات لحديثها، فلحقت به وأوقفته هامسة له:

-لو بتحب أمك اسمع كلامي، أنا وعدتها تكلموا متصغرنيش قدامها وتطلعني مش عارفة امشي كلمتي على ابني، ولا أنت خلاص يا حسن كبرت على أمك ومبقتش تسمع كلامها.

هدأ قليلًا، فعادت الكرة وربتت على صدره، خاطفة نظرة نحو زينة تطمئنها من خلالها وتشجعها على الحديث وأخذ خطوة عوضًا من وقوفها هذا.

وبعد مغادرة أنعام لم يتبقى سوى الاثنان، هو يقف مكانه كالجماد، وهي ترمقه بنظرات زائغة.

وعلى حين غرة رفع عينيه واستقبل تلك النظرات بحدقتاه، سحب نفسًا عميقًا نفخ له صدره، ثم زفره وهو يتحرك ويجلس بزهق هاتفًا:

-قولي اللي عندك وخلصيني، وقبل ما تقولي أي حرف عايزك تعرفي أني لو قاعد معاكي دلوقتي وهسمعك فـ ده في الأول وفي الآخر عشان خاطر أمي اللي جوه دي.

ضمت شفتيها ضيقًا، وتحركت هي الأخرى ببطء جالسة قبالته، وعلى الفور شرعت بالحديث:

-أنا مش عايزة منك غير فرصة واحدة بس يا حسن، فرصة واحدة اكفر بيها عن ذنبي، أنا مش عايزة أكتر من الفرصة دي، أنا قولتلك أني فعلا غلط ومكنش ينفع اللي أنا عملته، واعتذرت فعلا لطنط، و دي كانت أحسن حاجة عملتها، رغم أنها وجعت قلبي أكتر ما هو موجوع بس على الأقل خلتني أعرف هي إيه، واشوف حقيقتها، أنا مكنتش اعرف أنها بجد كدة، كنت فاكرة أنها هتستنى الوقت المناسب وتوريني وشها التاني الحقيقي، وتبقى الحما الشريرة اللي من صغرنا بنسمع عنها.

صمتت وترقرقت الدموع بعينيها وهي تضيف:

-بس هي مطلعتش كدة وأنا ظلمتها، أنا اللي طلعت وحشة وعاملتها بطريقة زبالة رغم أني مشوفتش منها حاجة، حكمت عليها بحكم اللي بسمعه وشوفته قبل كدة، مددتش لنفسي فرصة أعرفها.

كان لا ينظر إليها، ويحدق باللاشيء، ولكن مع قولها الأخير، رفع بصره وتطلع بها، و رأى تلك الدموع التي انهالت على وجنتيها.

و رغمًا عنه وعن إرادته تمزق قلبه لرؤيتها تبكي.

بللت شفتيها بطرف لسانها ثم تابعت معترفة له:

-لو كنت أديت نفسي الفرصة دي، زي ما أديت نفسي فرصة أحبك واتعلق بيك، مكنش حصل كل ده، أنا اللي دلوقتي بستحقر نفسي يا حسن ومبقولكش الكلام ده كله عشان أثر عليك، لا الكلام ده حقيقي وخارج من قلبي، وعايزاك تعرفه، وسواء رجعتلي ولا لا أنا هفضل استحقر نفسي على اللي عملته.

-خلصتي خلاص؟

ارتعدت من حديثه المقتضب والمختصر، والذي إن دل على شيء فهو لا يدل على خير أبدًا.

ابتلعت ريقها بصعوبة، ثم ردت عليه بحذر:

-يعني إيه خلصت؟

-يعني قولتي اللي كنتي عايزة تقوليه ولا لسة في كلام تاني عندك؟

-لا لسة عندي، أنا عايزة وبتمنى نرجع لبعض، أنا مش عارفة أعمل حاجة وأنت بعيد عني ومش بتكلمني، أنا بجد حبيتك، وقلبي دلوقتي بيتعذب، فمتعذبهوش أكتر من كدة، وخلينا نرجع، واوعدك مش هزعلك تاني ولا هزعل طنط، اديني فرصة يا حسن، أنا مش عايزة غيرها دلوقتي.

تضاعف آلمه خاصة مع تزايد بكائها، وقال بقوة زائفة:

-وأنا مش عايز اعمل كدة واغامر، أنا غلط من الأول أني سكت وهغلط تاني لو رجعتلك، أنا مش عايزك يا زينة، وأنتِ مش بتحبيني، أنتِ بتوهمي نفسك، امشي وانسيني وعيشي حياتك، وأنا كمان هعيش حياتي.

-مش عارفة أنت ليه مش فاهمني، بقولك مش عارفة يا حسن، حاولت، والله العظيم حاولت، بس مش قادرة، أنت بتعمل معايا كدة ليه؟؟

-أنا معملتش حاجة يا زينة أنتِ اللي بتعملي دلوقتي.

أصرت وتمسكت بحديثها قائلة:

-لا يا حسن بتعمل، وبعدين ليه بتقفلها كدة، ولا أنت بجد مش عايزني وبتفكر تجوز غيري؟

-ميخصكيش.

جاءت أنعام بتلك اللحظة وتساءلت:

-هو إيه اللي ميخصهاش؟

وسرعان ما اتسعت عينيها ما أن وقعت على زينة الباكية، متمتمة:

-يالهوي عيط البت يا حسن؟

تحركت ودنت من زينة جالسة جوارها، أخذه إياها إلى أحضانها تهون عليها، مغمغمة:

-عملتلها إيه قولي.

وقبل أن يتحدث، ردت عليها هي بشفتاه مرتجفة وطريقة طفولية رآها للمرة الأولى وتبعد كل البُعد عن طريقتها الذي اعتاد رؤيتها:

-مش عايز يسامحني يا طنط وعايز يتجوز غيري مبقاش يحبني خلاص كرهني.

-ده مين بس اللي قال كدة ده بيموت فيكي.

اتسعت عينيه وطالع كلا من والدته و زينة باستنكار من هذا التبدل والتحول، وأردف ينفي ما تقوله:

-في إيه ياما، أنا لا بموت فيها و لا زفت، خلاص بطلنا نحب، الواحد مبياخدش منه غير وجع القلب.

-اهو شوفتي مدام قال وجع قلب يبقى بيحبك، أصل لو مش فارقة معاه قلبه مش هيوجعه، يلا يا حسن صالحها يلا.

نفذ صبره وارتفعت نبرته غضبًا رغمًا عنه:

-اصالح مين انتوا عايزين تجننوني، أنا نازل اشوف شغلي.

ما لبث أن يتحرك ويغادر تاركًا المنزل و زينه خلفه، حتى وجد والدته تهب وصوتها يعلو حنقًا محدثة إياه وهو يوليهم ظهره:

-ما خلاص يا حسن ده أنا قلبي وجعني، وعيب أوي تبقى جاية عشانك وعشان بتحبك وتسيبها وتمشي، إحنا مش هنعلق لبعض حبال المشنقة، ومش هنعذب نفسنا بأيدنا، وبعدين ليه تعذبوا بعض لما بأيدكوا تسعدوا بعض، وبعدين شايفها متمسكة ومبسوطة أوي من اللي عملته، ما هي ندمانة قدامك اهي وبتحبك وأنت بتحبها وأنا مش عايزة غير سعادتك اللي أنا عارفة أنها معاها، ولو عليا فـ أنا والله ما زعلانة بس هزعل بجد لو مرجعتوش.

حل صمت من حولهم، ترقبت أنعام خلاله استجابته لحديثها والعفو عنها، بينما اعتصرت زينة عينيها.

فكلما تحدثت أنعام يتمزق قلبها عن حق لأشلاء ويصبح الألم أضعاف.

أما عنه هو فالتفت ببطء شديد وتراجع عن الرحيل مما جعل والدته تدرك بأن الأمر قد انتهى وسياسمحها لا محال.

تنهدت وهي تخبره تلك المرة بنبرة هادئة مرحة:

-هدخل اغرف الأكل، وعلى فكرة زينة اللي ساعدتني انهاردة في عمايل الأكل وتعبت معايا.

وللمرة الثانية تركتهم و دخلت المطبخ.

رفعت زينة يديها ومسحت دموعها بطريقة عفوية جعلت شبه بسمة ترتسم على وجهه، مستفسر منها بترقب وبعد ثوانِ فقط:

-أنتِ فعلا ساعدتيها في عمايل الاكل؟

هزت رأسها تأكيدًا دون أن تنطق بحرف.

عض شفتيه من الداخل تفكيرًا وحيرة في أمرها، وظل هكذا حتى رفع الراية البيضاء واستسلم لفوائده الذي يطالب بالعودة إليها.

تحرك وجلس جوارها فقالت بنبرة محبة ترغب في الحصول على العفو من معشوقها:

-أنا آسفة يا حسن، ومش آسفة بس أنا كمان غبية، ومفيش حد في غبائي، بـ

رفع سبابته و وضعها أمام ثغره مصدرًا صوت خافض:

-هششش، متكمليش، ومتشتميش نفسك.

ومجددًا طرح ذات السؤال ولكن بطريقة مختلفة جعلتها تتقن من مسامحته لها:

-أنتِ فعلا ساعدتي أمي في عمايل الأكل.

ابتسمت بسعادة وقالت:

-أيوة والله ساعدتها.

ارتفع حاجبيه وقال ببرود وهو يعود للخلف:

-قوليلي تحبي نتجوز امتى عشان لما اقعد مع أبوكي أبلغه.

سعدت سعادة عامرة، وقبل أن تعلق وتجيبه خرجت أنعام وهي تستفسر:

-ها اتصالحتوا ولا لسة؟

أكد لها حسن متمتم:

-اتصالحنا ياما، وكنت لسة بسألها تحب نكتب ونعمل الفرح امتى..

اتسعت ابتسامتها وسرعان ما اطلقت “الزغاريد” المعبرة عن مدى سعادتها بعودة حسن و زينة.

********************

في إحدى فنادق المدن الساحلية المطلة على البحر الأحمر، حيث تتواجد “أروى” رفقة زاهر الذي انتهز فرصة انتهائها من الامتحانات، بل من تلك السنة التي تكاد تكون من أصعب السنوات التي تمر على أي شخص.

راغبًا في إبعادها عن والدها الذي جن جنونه ما أن أدرك فعلته وكيف نهى الأمر دون الرجوع إليه.

وتخفيف حدة التوتر المسيطر عليها وسيظل هكذا حتى تظهر نتيجتها وتعلم مجموعها.

كانا يجلسان داخل المطعم المُلحق بالفندق، يتناولان الغداء معًا ويتسامران.

ارتفع حاجبيه وهو يتذكر أمر زيجة جابر:

-أنتِ كلمتي جابر باركتيله ولا لا صحيح.

هزت رأسها تؤكد مباركتها له:

-أيوة كلمته يوم الفرح الصبح وكان مبسوط اوي، وبصراحة هو يستحق السعادة، ربنا يسعدهم.

مضغ ما بفمه ثم أجاب عليها:

-أنا كمان كلمته وباركتله وعرفته أننا مسافرين وبنغير جو عشان كدة مش هنعرف نحضر.

أطلقت تنهيدة ثم صارحته:

-نفس اللي أنا قولته، وبصراحة حتى لو كنا موجودين مكنتش هحضر، أنا مش حبه اضايق ثراء، لأن أكيد وجودي هيضايقها، كمان قررت مكلمهوش تاني، مكالمة يوم فرحه كانت آخر مكالمة، أنا مش عايزة ابقى سبب في أي مشاكل بينه وبينها.

ثبتت حدقتاه عليها، فخورًا بها، سعيدًا بأفعالها وتفكيرها العقلاني، مد يده و وضعها على يدها يخبرها بصدق ونبرة دافئة لامست قلبها وجعلتها تشعر بالفرحة والآمان:

-أنا بجد مبسوط من طريقة تفكيرك، وازاي خايفة تتسببي في أي أذى ليه، قوليلي تحبي تخرجي تروحي فين بليل؟؟

-مش عارفة، بس اللي أعرفه اني محتاجة نخلص غدا وعلى البحر علطول.

ابتسم لها يومأ لها برأسه بموافقة:

-اتفقنا.

قال الأخيرة ثم عاد يتابع تناول طعامه، غافلًا عن إحدى الفتيات المرتكز بصرها معه، إعجابًا به.

أما أروى فلم تظل غافلة مثل أخيها، بل انتبهت لها، وتقدمت بجسدها للإمام قليلًا تهمس له:

-أبيه، البنت اللي قاعدة هناك دي مركزة معاك أوي شكلها معجبة.

تساءل بجمود:

-مركزة معايا أنا؟

ردت بمرح مازحة معه:

-اومال معايا أنا، طبعا أنت.

لم يحرك رأسه أو يكلف وسعه للنظر إليها، فقد مل واشمئز من تلك الحياة، وقرر عدم العودة إليها، فقد بات شخصًا مختلفًا فبعد أن كان يعيش لنفسه ولسعادته فقط، أصبح يعيش من أجل إسعاد شقيقته أيضًا، حاسمًا آمره بألا يكن أنانيًا، بل عطوفًا، حنونًا معها لأقصى حد، يرشدها إلى الصواب ويحرص عليها من الوقوع في أي خطأ مرة أخرى.

********************

بالمساء وبعد عودة سلطان وخليل من الخارج، وقدوم بعض من أفراد عائلة الحلواني أمثال سليم، بسام، روفان، رحمة، مريم.

ملبين دعوة علياء التي جاءت قبلهم وانزعجت من زوجها لما يفعله مع جابر، ورغم محاولاتها لعدم إيضاح هذا الازعاج إلا أنها فشلت وضيقها كان يظهر من حين لآخر على قسماتها..

وما زاد الأمر سوءًا هو رفض مروان النهوض والذهاب معها وظل حتى أسدل الليل ستاره.

فلم تجد حلًا إلا الإتصال بشقيقه وابن عمه “سليم” والتي جاءت معهم زوجاتهم روفان و مريم، وكذلك رحمة.

ولجوا إلى الصالون، فنهضت داليدا على الفور ترحب بوالدها و والدتها، وباقي العائلة:

-ده ايه المفاجأة الحلوة دي بس.

ابتسموا لها ورحب الجميع بهم، بينما هتف مروان:

-انتوا إيه اللي جابكم؟؟؟

دنا منه سليم وبسام مبتسمين بسمة زائفة تحمل الكثير والكثير بين طياتها.

مال عليه بسام أولا وكأنه يرحب به:

-أخويا حبيبي بقالي كام ساعة مشوفتكش.

وعندما سنحت له فرصته وبات جوار أذنيه همس له وابتسامته قد اختفت تمامًا:

-قوم معايا بالذوق وخلينا نمشي بدل ما نفرج الناس علينا عيب.

ثم ابتعد وابتسامته تعود لتزين وجهه.

والآن حان دور “سليم” والذي فعل المثل تمامًا، وهمس له:

-اعتق الواد بدل ما اطلع عينك يا مروان.

ازدرد ريقه وتابعهم بعينيه وهما يجلسان متبادلان النظرات التي توحي على اتفاقهم على شيء.

في ذات الوقت، جلست داليدا جوار والدتها تشاركها حديثها هي ونضال قبل قدومهم بحماس جذب الأنظار والاهتمام نحوها.

-ايه رأيك يا ماما في إسم زهر، أنا ونضال اتحمسنا وبدأنا ننقى أسامي لولادنا من قبل ما احمل أصلا، والحمدلله قررنا لو جبنا بنوتة نسميها زهر، ولو ولد هنسميه.

قاطعها جابر متمتم بمرح:

-جابر طبعا، عشان يطلع شبهي و زيي، ميطلعش زي أبوه.

رمقه نضال بجانب عينيه، بينما تابعت داليدا ببسمة:

-لو ولد هنسميه فريد.

وقبل أن تبدي روفان أي رد فعل سواء كان بالإعجاب أو غيره، كان صوت دلال يخرج مستنكرًا، قائلة:

-زهر إيه وفريد إيه؟؟ وماله اسم دلال ! ولا سلطان وحشين؟

نفى نضال برأسه على الفور يخبرها:

-وربنا قمر، قطع لسان اللي يقول وحشين ياما، بس يعني إحنا قررنا ننقي أسامي مش في العيلة، يعني مثلا هنبعد عن إسمك وإسم حماتي القمر، عشان اللخبطة وكدة وعشان هي دلال واحدة بس، وهي روفان واحدة بس..

ابتسمت له روفان والتي رغم ضيقها من دلال إلا أنها فضلت الصمت واكتفت برد نضال عليها.

بينما صاح مروان مصوبًا حديثه نحو سليم:

-كلم بيقولك روفان واحدة بس، قول حاجة.

زفر سليم وتحولت تعابير وجهه لأخرى مخيفة دبت الرعب في أوصال مروان والذي هتف مازحًا:

-خلاص متقولش هي مراتي ولا مراتك.

رد عليه جابر متعمدًا مضايقته:

-لا مراته هو، وأنا أعرف أن اللي داخل بين البصلة وقشرتها ما ينوبك إلا ريحتها.

صر مروان على أسنانه، بينما ابتسم جابر ورمق ثراء الجالسة جانب والدها والتي لسوء حظها كانت تقطف نظرة نحو جابر الذي ما أن التقطها حتى غمز لها مسببًا خجلها، ومن حسن حظه لم يراه مروان ولكن وسام الغاضب من جابر بعد أن استهزء به واخبره بتواجد ابنته داخل الثلاجة فعل، و رأى جابر نظرته نحوه وسرعان ما أخرج له لسانه وابعد ناظريه عنه.

بينما استفسرت رحمة عن ابنتها التي طال غيابها وهي التي ظنت بأنها ستأتي، ولكن حتى الآن لم تلمحها أو تراها:

-اومال وعد فين يا أشرف؟

-فوق في الأوضة، نايمة تقريبًا.

هكذا برر غيابها، ثم لزم الصمت شاعرًا بالدماء تصعد لرأسه من أفعالها.

ورغم صمته وعدم سرده لأي شيء إلا أن هناك من لم يصمت والذي كان مروان، قائلًا:

-بنتك كانت هتموتنا، جت من برة ومعاها تعبان هدية لجوزها، البت نفوخها ضارب.

تابعت دلال ما توقف عنده مروان:

-دي وقعت قلبي و

لم تنصت رحمة لباقي حديثها، بل شردت بذهنها وذهب مع ابنتها، أما عينيها وبعد لحظات من هذا الشرود سلطتها على أشرف واستنتجت من عينيه ما يحدث معه، ثم عادت ببصرها تجاه دلال، والتي ما أن توقفت حتى نهضت هي تستأذن منهم:

-طيب بعد أذنكم هطلع أشوفها، ولو صاحية هنزلها تقعد معانا.

وما أن تحركت عدة خطوات حتى نما إليها صوت أشرف والذي نهض هو الآخر:

-أنا جاي مع حضرتك.

تحركا معًا وقبل وصولهم إلى الغرفة، توقفت هي متحدثة معه:

-قولي يا أشرف، أنت زعلان من وعد، ولا اتخانقتوا؟

توقف هو الآخر، وقبل أن يجيبها التقط نفسًا طويلًا يجيبها:

-الاتنين بصراحة، يعني في الوقت اللي المفروض أنا اللي ازعل واضايق، هي اللي بتعمل كدة، رغم أنها هي اللي غلطانة، لا والمصيبة بقى أنها مش شايفة نفسها غلطانة، شايفة نفسها صح، وأنا اللي وحش، مش فاهمة أني مش مجبور أحب أو اعجب باللي هي عملته وبتفكيرها المتخ

كاد يعيب في تفكيرها، لكنه تماسك وتراجع احترامًا لها ولوالدتها الواقفة أمامه.

مبدلًا كلمته التي كانت على طرف لسانه إلى أخرى:

-تفكيرها الغريب، ورغم اللي هي عملته من رعب وخوف وسطينا، إلا أنها لما زعلت وطلعت الاوضة طلعت وراها ومهنش عليا اسيبها زعلانة، بس أنا غلط عشان هي مقدرتش ده.

عجز لسانها عن الرد، وبصعوبة وبعد ثوانِ ردت عليه:

-فهمت، وسبهالي أنا هتكلم معاها.

*****************

تتمدد على جوفها، وقطها يجلس قبالتها تمسد على خصلاته وتلزم الصمت بعد أن انتهت من الشكوى إليه عما فعلوه وكيف قاموا بجرح مشاعرها، وهي الحمقاء التي ظنت بأنهم سيتفاجئون ويفهمون بأن هذا الثعبان مؤهل للمكوث وليس عليهم أي خطر.

طرقت رحمة على الباب ولم تنتظر جواب ابنتها ودخلت على الفور.

لم تلتفت وعد وظنت بأنه قد يكون أشرف أو إحدى الفتيات.

لكن ما أن استمعت لصوت والدتها وهي تستفسر منها حتى اعتدلت مسلطة بصرها عليها:

-مش قاعدة معاهم تحت ليه يا وعد؟

ابتسمت لها وقالت:

-مصدعة، أنتِ جيتي امتى.

ردت وهي تأخذ مكانًا جوارها على الفراش:

-من شوية، وسمعت منهم تحت أنك زعلانة وقاعدة هنا لوحدك، وأنك جبتي تعبان لجوزك، الكلام ده بجد؟

-أيوة بجد، وكل اللي تحت اتريقوا عليا وأشرف اضايق و عام على عومهم، ماما لو سمحتي متفتحيش الموضوع تاني خلاص اللي حصل حصل، لو اتكلمنا هتخنق أكتر ما أنا مخنوقة.

ظهر امتعاض رحمة وقالت لها:

-يالهوي عليكي بت، كمان أنتِ اللي مخنوقة، هو في واحدة عاقلة، بتفكر تجيب لجوزها تعبان، ده بدل ما تجبيله حاجة تملى العين، لا وفوق كل ده من بحاجتك مضايقة أنه مضايق ما من حقه يضايق يا ماما، بقولك إيه يا وعد، أنا أمك يعني أدرى بمصلحتك.

ابتلعت ريقها كي تستطع المتابعة، متمتمة:

– اسمعي بقى الكلمتين دول وحطيهم حلقة في ودنك، أنتِ مبقتيش صغيرة، بقيتي كبيرة، وزوجة، وعندك أهل جوزك عايشة معاهم، وبكرة يبقى عندك ولاد، المفروض تبقي عاقلة عن كدة، ده بالشكل ده لو خلفتي مش هتعرفي تربي، وهطلعي عيال مجانين يا ماما، خليكي رزينة شوية واتصرفي كواحدة بقى عندها مسؤولية وراجل وبكرة يبقى عندها ولاد ومسؤولة عنهم، وأنا يا بنتي نصحتك عشان عايزة مصلحتك، و زي ما قولت أنتِ مش صغيرة فلو عايزة تسمعي بالنصيحة كان بها مش عايزة براحتك.

لاح عليها الاقتناع، مما جعلها تسألها:

-يعني أنتِ شايفة أن الحق عليا أنا؟

ردت عليها بصراحة مطلقة:

-بصراحة آه، وجوزك حقه يزعل، و زي ما عكتيها وزعلتيه، صالحيه، الواد بيحبك، ولو على الهدايا شوري حد من البنات ما هما معاكي في بيت واحد، أو حتى شوريني أنا المهم متتصرفيش من دماغك عشان هتوديكي في داهية، أنا هنزل اقوله يطلعلك وصالحيه وافرضي وشك، واوعي تيجي تكحليها تعميها أنا اصلي عرفاكي.

************************

في ذات الوقت بالأسفل، جذب بسام وسليم مروان بهدوء إلى الخارج راسمين بسمة كي لا يثيرون الشكوك، و يتمكنون من الحديث معه بأريحية.

نفض مروان يديهم ما أن خرجوا وهتف بغيظ:

-في إيه أنت وهو ده أنا لو حرامي مش هتمسكوا فيا كدة؟

رد عليه سليم بتشنج:

-خمس دقايق يا مروان وهنقول جوه يلا الوقت اتأخر وهنقوم نمشي وأنت هتقوم معانا، كفاية بقى لعب عيال، أنت خنقتنا إحنا شخصيًا ما بالك هو!!؟ وهو اساسا مش مضطر يستحملك.

وقبل أن يرد مروان، سارع بسام بالإضافة مهددًا إياه:

-واقسم بالله يا مروان لو ما قومت لهنقول اللي أنت عملته وأنك حطيت منوم لجابر في العصير و وعد اللي لبست فيه.

-عشان طفسة بنت طفسة وبعدين انتوا بتهددوني؟؟ انا مبتهددش، وأعلى ما في خيلكم اركبوه أنتوا الاتنين.

جاء صوت من خلفهم استمع لكل شيء مغمغم بسخرية:

-الله الله يا حمايا، بقى بتحطلي منوم في العصير، دي حركات برضو؟

توتر مروان من رؤية جابر ومعرفته لفعلته الشنيعة، فلم يجد سوى سليم أمامه فأشار نحوه مغمغم:

-قوله اهي حركته وعملها معايا يوم فرحي ونمت زي القتيل.

وببسمة مستفزة أخبره جابر وهو يتقدم منهم:

-بس أنا منمتش، ألف حمد وشكر ليك يارب، السلكان عايز مني ايه أنا مش عارف.

جز مروان على أسنانه بينما لاحت شبه بسمة على وجه بسام وسليم.

اقترب جابر أكثر وأكثر من مروان متحدث معه بخفوت:

-مش عايزك تقلق يا حمايا، سرك في بير، ومش هقول لحد على تلك العملة المنيلة بستين نيلة.

-لا قول أنا عايزك تقول، عشان ساعتها هخلي ثراء تسيبك وتخلعك، وتبقى جابر المخلوع.

وباستفزاز أردف جابر:

-لا مش هبقى جابر المخلوع، هبقى جابر أبو العيال، صابر جابر سلطان، الله بجد إسم جامد حتى اسمع كدة تاني صابر جابر نفس الـ ابر في الاتنين باختلاف أول حرف.

جاء وسام الذي لحق بجابر إلى الخارج، جاذبًا مروان من سرواله ينادي عليه:

-اونكل مروان ممكن اطلب منك طلب؟

نظر إليه مروان وحمله على ذراعيه، هاتفًا:

-اطلب يا حبيبي.

وقبل أن يرد عقب جابر بزهق وغرور زائف:

-من غير ما يطلب هيقولك عايز عروستي اللي هي بنتي، قوله آسف مش موافق معنديش بنات للجواز.

هز وسام رأسه وأردف:

-لا مش هقول كدة وملكش دعوة بيا.

ثم حدق بمروان وأخبره:

-اونكل مروان أنا عايز عروستي، ثراء هتجيبها امتى؟

ضرب جابر كف باخر مغمغم:

-أنت عبيط يابني ما هي هي، ولا هي بنت ثراء بس.

قطب مروان حاجبيه وقال:

-عايز تجوز بنته ليه يا بني تبلي نفسك، وبعدين اش ضمنك أنه لو جاب بت تيجي حلوة مش يمكن تطلع شبهه هو ومتاخدش حاجة من بنتي.

لم يصمت جابر ورد عليه بتهكم:

-وانا مالي إن شاء الله، ويكون في علمك الجمال مش بيكمن في المظهر الخارجي ده بيكمن جوه، المهم أن جوه نضيف وانا نضيف الحمدلله..اقولك على حاجة، أنا موافق اجوزك بنتي ياض يا وسام تعالى هنرجع صحاب تاني.

قالها وهو يأخذه من أحضان مروان ويتحرك به للداخل مستمعًا لسؤال وسام:

-بجد يا جابر هتجوزهالي.

-عيب عليك ياض.

-طب هي فين عايز اشوفها.

-لا ما أنت متتسربعش كدة، هي لسة لحد دلوقتي بس لما ربنا يشاء هتيجي، وأول ما ثراء تبقى حامل حط في بطنك بطيخة صيفي وأعرف أن عروستك قادمة.

دخل معه ومن خلفه مروان وسليم وبسام فوجدوا عابد يقترح على البقية:

-بقولكم ايه يا شباب ما تيجوا نلعب أي حاجة.

استحسن البعض تلك الفكرة أمثال وئام، داليدا،ثراء، نضال، أشرف، خالد، أبرار، واستقروا على لعب الورق “كوتشينة”.

أما عائلة الحلواني وبعدما أخبرت رحمة أشرف بإتمام حديثها مع ابنتها وصعوده إليها أستاذنوا وغادروا وتحرك معهم مروان على مضض، مجبرًا،كذلك سلطان ودلال، وفجر وخليل تركوهم واتجهوا إلى غرفهم.

وقبل أن تبدأ اللعبة قال أشرف:

-أنا هطلع اجيب وعد عقبال ما تضبطوا الورق يا شباب محدش يلعب من غيرنا.

عقب صعوده أردف جابر متسائلًا:

-هتلعبوا الشايب برضو؟

ردت عليه ثراء مغمغمة:

-لا نغير بقى تعالوا نلعب أشك.

بالأعلى، دخل أشرف الحجرة وعلى الفور استقبلته وعد على غير العادة مطوقة عنقه، قائلة بحزن واضح:

-ماما قالتلي أنك زعلان مني وإني ضايقتك ومكنش ينفع اجيب هدية زي دي، بس أنا لما فكرت فيها مكنش هدفي اضايقك وكان هدفي ابسطك وبس يا أشرف، متزعلش مني.

طوقها ورفع يديه ومرر انامله على وجهها وهو يخبرها ببسمة:

-وأنا مبقتش زعلان خلاص، وعارف أنك مش قصدك، بس ليه تروحي للحاجات المرعبة دي، يا ستي أنا راجل بيموت في الهدايا التقليدية، والعادية، وبعدين هدية إيه اللي بتفكري فيها دي وأنتِ معايا، ده أنتِ اكبر هدية ربنا رزقني بيها.

سعدت من كلماته، وأضافت مبررة:

-بس أنا مبحبش الحاجات التقليدية، بس خلاص مدام ده اللي أنت عايزه، وليك عليا بكرة اجبلك هدية ت

قاطعها متمتم بقلق:

-لا، لا هدية تاني لا، أنا مش عايز، بُصي أنا عايزك تنسي موضوع الهدايا ده وتركزي معايا أنا، أشرف حبيبك ولا أنا مش حبيبك.

وبحياء بسيط ردت:

-لا طبعا، أنت حبيبي، وجوزي، وأحلى أشف في الدنيا دي كلها.

ابتسم مستندًا بجبينه على جبينها:

-اهو اشف ده مش بيحب ولا عايز ولا بيتمنى غيرك، ونفسي في دستة عيال، نربيهم سوا ويكبروا قصاد عيونا.

تنهدت براحة وتمنى مغمغمة:

-إن شاء الله.

ابعد جبينه وسألها:

-هو أنا قولتلك قبل كدة أني بحبك يا أستاذ رعد؟ ولا نخليها مدام كركدية؟

ردت عليه بهدوء ودلال بسيط:

-لا مقولتليش ومتقولش ولا يا رعد ولا مدام كركدية دي، أنا بس اللي أقولك يا اشف.

وافقها وتبادلوا البسمات، وبعد لحظات كان يعقد حاجبيه متذكر:

-يا شيخة نستيني كنت طالع ليه، العيال تحت عايزين يلعبوا، يلا ننزل نلعب معاهم.

*****************

بعد وقت اجتمعوا به وتذكروا ذلك الوقت الذي قضوه معًا بالساحل الشمالي وكيف كانوا يستمتعون

بوقتهم

، وتجنبوا جميعا ذكر أي شيء قد يعكر صفو عابد و وئام.

وبعدها

تم توزيع الورق بينهم بالتساوي، ثم

بدأوا اللعب وبدأ كل منهم بوضع الأوراق المتشابهة على الأرض مقلوبة على وجهها كي لا يراها أحد، حتى جاء دور وعد وأثناء وضعها لثلاث أوراق ادعت أنهم متشابهين اوقفها أشرف الذي استشف كذبها من لمعة عينيها واضعًا يديه على يدها متمتم بعبث:

-أشك.

ابتلعت ريقها وعلى مضض أزالت يدها وتفحص أشرف الورق يتأكد من صدق حدسه، وبالفعل صدق واضطرت وعد وقتها لحمل كافة الورق الذي على الأرض.

استمروا باللعب حتى وضعت ثراء ورقتين وقبل أن تزيل يدها وضع جابر يده فوقها، واقفًا على ركبتيه بطريقة أثارت ضحكاتهم ملتزمًا بالصمت فقط يتأملها عن قرب.

ارتفع حاجب عابد وهتف:

-ما تقول يا بني أشك وتشوف الورق.

رد عليه دون أن يزيل عينيه عنها:

-أشك إيه مقدرش أنا اشك فيها، أنا اشك في نفسي ولا أني اشك فيها.

ارتفع حاجبي البقية وتذمروا و امتعضت وعد وانتهزت تلك الفرصة قائلة:

-لا ده بيهزر وبيتغزل في البت قدامنا بقى، طب اهو مش لاعبة، أنا اصلا مش حباها ومش عارفة العبها.

كذلك اعترض البقية وانتهت اللعبة، وغادر خالد وأبرار رفقة وسام الذي كان سعيد لعودة الماء إلى مجاريها مع جابر، منتظرًا اللحظة التي ستأتي بها عروسته.

-بت يا داليدا، أنا مخنوق تعالي نطلع نغير هدومنا ونخرج نغير جو.

هكذا ردد نضال بصوت منخفض على مسامع داليدا أثناء سيرهم نحو غرفتهم.

عقدت حاجبيها وسألته:

-هنروح فين يا نضال؟

-أي مكان، أقولك تعالي ندخل سينما حفل منتصف الليل، بس الأول نروح نتعشا في أي مكان.

عضت على شفتيها بحماس وقالت بموافقة:

-الله، طب يلا بسرعة عشان نلحق.

بينما حاوط عابد عنق وئام أثناء صعودهم هامسًا لها:

-تحبي تنامي ولا انزل اعمل فشار واطلع نتفرج على فيلم سوا.

-أكيد فشار ونتفرج على فيلم، بس أنا اللي هعمل الفشار خليك أنت.

رد عليها مقترحًا، عائدًا معها نحو الأسفل:

-خلاص نعمله سوا.

على الطرف الآخر، تحدثت ثراء بخجل مما فعله وقاله أمامهم جميعًا:

-ينفع اللي أنت عملته ده، ادينا مكملناش لعب.

-احسن عننا ما لعبنا أصلا مكنوش عارفين يلعبوا وبهايم، إحنا نطلع اوضتنا، ونكمل كلامنا بتاع الصبح اللي مكملنهوش بسبب ابوكي، ألا إحنا وقفنا فين صحيح؟؟

عصر ذهنه أثناء تحركه معها وبعد لحظات كان يتذكر، قائلًا:

-افتكرت كنت سألتك كان نفسك تطلعي إيه باين؟

تنهدت مجيبه إياه بهدوء:

-كان نفسي ابقى رقاصة، أصلي بحب الرقص الشرقي أوي.

اتسعت عينيه وتوقف قائلًا بمرح كبير:

-ده أنا اجبلك طبلة بقى.

ضحكت بخفوت وقالت وهي تلج الغرفة وتدفع جسدها أعلى الفراش:

-وماله، المهم سيبك من الموضوع ده دلوقتي، وأسالني نفسي في إيه تاني بس دلوقتي؟

-نفسك في إيه تاني بس دلوقتي؟؟

-نفسي أخرج بعد الساعة تلاتة الفجر، اتمشى بالعربية..

فعل مثلها ودفع بجسده، يجاريها فيما تتمنيه:

-ويا سلام لو لقينا واحد بيشوي درة، أو حتى عربية كبدة وسجق.

ابتلعت ريقها وقالت:

-أنت هتجري ريقي ليه بقى، اسكت الله يخليك.

ردد بسهولة:

-واسكت ليه؟؟ ليكي عليا تلاتة بالدقيقة هكون مخرجك وبننطلق بالعربية.

لم تصدق ما قاله واردفت:

-أنت بتهزر ولا بتكلم جد؟

-اقسم بالله أنا لا امزح واتحدث بكل جدية، وسأحقق لكِ أي شيء تتمنيه.

**************************

داخل حجرة خليل وفجر كان الاثنان ممدان يقلبان بالهاتف يبحثان عن اسم لابنهم أو بنتهم القادمة.

تنهد خليل بحيرة وهو يخبرها:

-ايه الأسامي الغريبة اللي بقت موجودة دي؟؟ أنا بصراحة مش عجبني ولا إسم من كل اللي شفناهم، يعني لا أسامي البنات ولا الولاد عدلة، مالها الأسامي اللي موجودة والناس زمان كانت بتسميها زي محمد وأحمد وعبدالرحمن وعبدالله، ومصطفى وعمر.

أيدته فجر في رأيه وقالت:

-وأنا معاك ومش عجبني ولا إسم بقولك إيه ما تيجي لو ولد نسميه محمد، ولو بنت فاطمة.

ابتسم وقال على الفور:

-الله عليكي بجد، وأنا موافق جدًا، وربنا يبارك لنا فيه أي كان هو إيه بنت أو ولد ويعنا يارب على تربيته.

-آمين يارب، بجد نفسي ابقى قد المسؤولية دي واربي تربية صح.

جذبها إلى أحضانه بعد أن ترك الهاتف يؤكد لها:

-إن شاء الله، أنا وأنتِ هنربي أولادنا تربية صح ونفتخر بيها، وأهم حاجة منحسسهمش بالخوف مننا، لازم يحسوا بالأمان ونبقى أول حد يجي يترموا في حضنهم ويحكلهم اللي مضايقهم.

********************

بعد مرور عام، هبط وسام متعجلًا من السيارة التي توقفت أمام إحدى المستشفيات والسعادة تغمر قلبه، فها هي اللحظة الذي انتظرها قد آتت وسيرى “عروسته” كما أطلق عليها منذ وقت طويل.

كذلك هبطت أبرار التي تحمل بين يديها أبنها الرضيع حديث الولادة..وساعدها خالد في الترجل حاملًا عنها الحقيبة متوسطة الحجم والتي تحوي الكثير من الأغراض.

التفت وسام إليهم متمتم بضيق:

-يلا بسرعة.

رد عليه خالد ساخرًا:

-بسرعة ليه هما هيطيروا.

همست له أبرار:

-مضايقهوش بقى سيبه عايز يشوف بنت ثراء، يارب تكون جابت بنت عشان ميزعلش، أنا مش عارفة معرفتش ليه نوعه من بدري وكنا خلصنا، كله من جابر..تفتكر عابد و وئام جابوا إيه هما كمان.

-مش عارف بس صدفة غريبة أن الاتنين

يولدوا في نفس اليوم

وكمان من قبلها يرفضوا يعرفوا نوع البيبي ولد ولا بنت.

-مش غريبة دي حلوة أوي.

كانا يتحدثان أثناء سيرهم، وبعدها استفسروا عن مكان غرفة ثراء أولا..

طرق خالد على الباب حتى استمع لصوت جابر يأذن له بالدخول:

-خش يا اللي بتخبط خ

وقبل أن يتمم جملته دفع وسام الباب كي يرى تلك الصغيرة.

حملق جابر الحامل لطفل صغير بوسام، وبعدها خالد وأبرار الذين باركوا لهم وارتفع حاجبيهم سعادة مما رأوه:

-بسم الله ماشاءالله، مبروك يا جابر مبروك يا ثراء.

أجابوا معًا بفرحة:

-الله يبارك فيكم.

دنا وسام من جابر متمتم بحماس:

-وريني عروستي وريني، أو أقولك هات اشيلها.

ابتلع ريقه ورد عليه:

-بُص هو مع الأسف ولد مش بنت.

تبدلت تعابير وجه وسام ولم يصدق بالبداية، محولًا بصره نحو ثراء كي تنفي له هذا ولكنه وجدها تحمل صغير آخر.

فاعتراه الأمل وركض تجاه ثراء يخبرها:

-وريني عروستي.

وصل إليه صوت جابر مردد بتردد وقلق بسيط مرة أخرى:

-ما هو مع الأسف تاني ده برضو ولد، الاتنين ولاد، اللي مع ثراء ده صابر، واللي معايا وشايله ده هنسميه أحمد.

حرك خالد رأسه وقال:

-يعني مش كفاية علينا جابر واحد، رايح تجبلنا اتنين كمان، ده إحنا شكلنا هنشوف العجب معاكم.

اقترب وسام منهم وهو يردد:

-فين عروستي يا جابر خبيتها فين؟؟؟

-وانا هخبيها ليه بس يا حبيبي وربنا ما جبت بنات، جبت اتنين توأم زيي وأنا عابد، أحمد الكبير وصابر الصغير أصغر منه بخمس دقايق برضو.

مسك بسرواله وهزه بعنف صارخًا بغضب:

-مليش دعوة أنا عايز عروستي.

لحق جابر سرواله ومسك به، مانحًا ابنه لخالد، واضعًا يده على فم وسام يكممه خارجًا به من الغرفة:

-تعالى معايا يخربيتك، هاخدك لعابد مراته بتولد والكل معاهم هناك بعد ما شافوا عيالي القمر، وبعدين يمكن يجيب بت وتحل عني بقى.

وقبل أن يصل إلى مكانهم قابل عابد الذي كان يبتسم باتساع، فأوقفه جابر يسأله:

-مراتك ولدت ولا لسه؟

-أيوة ولدت جابت ولد يا جابر، أنا مش مصدق أني بقيت أب.

التوى ثغر جابر يمينًا ويسارًا ثم قال:

-احييه يعني أنت جبت واد، و أنا جبت اتنين، وأشرف جاب واد، ونضال وخليل كمان واد، محدش فيكم جاب بت، طب بقولك إيه، خد وسام وسلام عليكم أنا بقى.

وضع وسام داخل أحضانه جبرًا راكضًا من مكانه كي يتخلص من وسام وكلماته المتكررة.

تلوى وسام داخل أحضان عابد والذي حرره يحثه على اللحاق به:

-اجري وراه متسبهوش ياض.

نادى وسام عليه بصوته الضعيف المغتاظ وعينيه التي تشع نظرات غاضبة:

-فين عروستي يا جابر، أنا عايز عروستي.

التفت إليه جابر ورد عليه وهو لا يتوقف عن الركض:

-وربنا ما جبت بنات، اعملك إيه طيب، حظك ونصيبك، وأنا راضي باللي جم.

اعترض وسام وهتف وهو يركض خلفه في مشهد آثار ضحكات عابد:

-وأنا مش عايزهم وعايز عروستي يا جابر، وإلا والله هخلي بابا يضربك وأنا هضرب عيالك.

خرج جابر من المستشفى بأكملها و وسام خلفه مغمغمًا بسخط:

-الله يحرقك يا خالد، دي معرفة زبالة، بقى أنا، جابر على سنح ورمح بجري من عيل صغير قد عقلة الإصبع.

يبتع.

ناقص الخاتمة بس أول ما هخلصها هنزلها.🥺❤️

وعايزة رأيكم في الرواية عشان احتفظ بالكومنتات بتاعتكم وعايزة تفاعل حلو.

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية كارثة الحي الشعبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق