رواية كارثة الحي الشعبي الفصل الثامن والتسعون 98 والأخير – بقلم فاطمة محمد

رواية كارثة الحي الشعبي – الفصل الثامن والتسعون والأخير

 

 

الخاتمة

هتلاقوا آخر الفصل في مفاجأة حلوة ليكم وهستنى رأيكم في الرواية ❤️❤️*********************************

أنظر جيدًا.

 

كارثة الحي الشعبي.

 

فاطمة محمد.

 

الخاتمة:

بعد مرور عشر سنوات.

داخل إحدى الغرف المتواجدة بمنزل عائلة “سلطان”، والتي تم تحويلها كليًا فلم تعد صالحة للنوم بعد أن باتت تشبه الفصول المدرسية، فنجد على الحائط لوحة كبيرة بيضاء اللون تستخدم للكتابة عليها (سبورة).

 

وبمواجهتها يتواجد سبع طاولات صغيرة مربعة الشكل، وأمام كل طاولة منهم مقعد خشبي، يجلس على كل منهم طفل يبلغ من العُمر عشر سنوات، وهناك من يزيد عن العشر سنوات بشهور قليلة.

ألتفت واحدًا منهم والذي كان يجلس بالأمام متأففًا معبرًا عن حنقه:

 

-أنا زهقت، أوووف.

نظر إليه توأمه الغير متطابق و الجالس بالمقعد الأمامي المجاور له، مغمغم باستياء:

 

-أخبرتك مائه مرة أن تتوقف عن قولها، فقد أخبرك أبي مرارًا وتكرارًا كي تتوقف.

ارتفع حاجبي “صابر” وأردف بحنق بسيط وكلمات لا تليق بعُمره:

 

-ملكش دعوة وخليك في حالك، بدل ما اقوم واضربك.

ارتفع حاجبي “أحمد” وصاح مستنكرًا بأسلوب تشابه مع والده جابر وكأنه نسخة مصغرة منه، فقد لقط من والده الكثير من الكلمات:

 

-وآسفاه، هل ترغب بضرب أخيك الذي يكبرك بخمس دقائق، حقًا لا أصدق ما تسمعه عيناي وتراه أذناي، يا ليتني مت قبل أن اسمع هذا، أو ليتك مت أنت.

صر صابر على أسنانه ونفذ صبره من أخيه الذي دائمًا ما يلاحقه بالكلمات ويجعله يفقد اعصابه، قائلًا وهو يهب:

 

-أنت اللي جبته لنفسك.

اتسعت عين أحمد وسارع بالنهوض والتحرك من مكانه بخطوات أشبه بالركض مختبئًا خلف من كان خلفه وهو فريد ابن (نضال وداليدا) متمتم بغضب زائف:

 

-احذر ولا تقترب فلو فعلت ورفعت يدك عليّ ستندم ندمًا كبيرًا وشديدًا.

في هذا الوقت، زفر “يوسف” إبن كل من وعد وأشرف، مطالعًا الاثنان من خلف نظارته الطبية، تاركًا كتابه الدراسي الذي كان يقرأ به، متحدث بهدوء واحترام شديد:

 

-لو سمحتو، ارجوكم، مش عارف اراجع، لو ينفع ابقوا كملوا خناق بعد الدرس، بس دلوقتي اتمنى تهدوا.

حول صابر بصره نحوه فابتلع يوسف ريقه خوفًا وتابع بذات الاحترام والهدوء:

 

-انا والله ما اقصد حاجة، أقولك خلاص ولا كأني قولت حاجة أنا آسف والله.

عاد صابر بانظاره نحو أحمد رافعًا سبابته يحذره:

 

-خلي بالك عشان أخري جاب آخره منك، وأنت عارف ده معناه إيه.

انتهى عائدًا لمجلسه خلف الطاولة بعصبية واضحة، كذلك عاد أحمد مكانه.

على الطرف الآخر كان “محمد” ابن خليل وفجر يتابع ما يحدث بهدوء شديد وكأنه قد اعتاد على حدوث هذا بين التوأمين.

نهض أحمد مجددًا عائدًا للخلف متجهًا صوب مقعد “آسر” والذي يكون ابن عابد و وئام وكان بعالم آخر، واضعًا سماعات الأذن مندمجًا مع ما يسمعه من أغاني.

التقط أحمد السماعة من أذنيه متمتم:

 

-سمعني بتسمع إيه؟

تضايق آسر من فعلته وانتشل السماعة منه مغمغم من بين أسنانه:

 

-هات السماعة ملكش دعوة.

-مليش دعوة إيه سمعني بتسمع إيه.

-لا مش هسمعك أنا حر قوم بقى من جمبي.

كانا يجذبان من بعضهم البعض السماعة وعلى وشك تمزيقها، لكن اوقفهم صوت الباب الذي فُتح ودخل منه “جابر” حاملًا لكتاب “الدراسات الاجتماعية”..

جابت عينيه عليهم واحدًا تلو الآخر، وبالنهاية ثبت بصره على ابنه الواقف بالخلف.

رفع قدميه عن الأرض واغلق الباب بواسطته، تزامنًا مع تحدثه بجدية شديدة يتساءل عما يفعله ولما لا يجلس محله:

 

-ماذا تفعل بالخلف يا ولد، ولما لا تجلس مكانك؟

ابتلع أحمد ريقه وأجابه باحترام جلي وهو يعود لمجلسه:

 

-معذرة يا أبي، فقد كنت أسأله عن شيء لم استطع فهمه.

ابتسم جابر ساخرًا وعقب مستهزءًا:

 

-هل تراني مغفلًا كي اصدقك.

اختفت بسمته الأخيرة وأضاف بلهجة عامية:

 

-بتسأل آسر ده انتوا الاتنين نفس العته، كنت قول يوسف ولا محمد كنت صدقتك، لكن آسر!!

زفر مع قوله الأخيرة وقبل أن ينطق حرف آخر وقع بصره على ذلك النائم ويغط في نوم عميق.

ارتفع حاجبيه وبدأ بالاقتراب رويدًا رويدًا حتى وصل إليه.

 

رفع يديه ومسد خصلاته متمتم:

 

-اصحي يا بيضا، اصحي يا حلوة يلا عندنا مراجعة دراسات وهتمتحنوا فيها وهتسقطوا..قوم يا واد…

فتح “قصي” ابن أبرار وخالد عينيه، عائدًا برأسه للخلف، مبتسمًا باتساع، قائلًا:

 

-جود مورنينج جابر.

اتسعت عين جابر ومسك بخصلاته الطويلة مغمغم:

 

-جابر حاف كدة يا واد، أنا مستر جابر، اللي من غيره تضيعوا وتروحوا في داهية، وايه جود مورنينج دي إسمها صباح الخير، متعوجليش بُقك ده وتفكرني باخوك، وبعدين جاي تنام هنا يا أخويا مبتنمش في بيتكم ليه؟؟؟

وقبل أن يجيب عليه قصي رد على نفسه بلامبالاه:

 

-مش مهم مش عايز أعرف خلونا في المهم…

تحرك واقفًا أمامهم جميعًا، ثم قال بصوت عالي:

 

-قيام يا أخويا أنت وهو، خلوني أقول التحية.

حمحم ثم قال:

 

-السلام عليكم.

اجابوا معًا وبنفس واحد عدا واحدًا فقط كان ملتزمًا بالصمت ولم يكن سوى صابر:

 

-وعليكم السلام يا مستر جابر.

انتبه جابر لابنه الذي لم يجيب، فاقترب منه وسأله:

 

-مبتردش على السلام ليه ياض؟

-مش قادر أرد، عايز أنام فياريت ننجز يا بابا الله يخليك، من ساعة ما دخلت عدى بتاع ربع ساعة ضاعوا في الرغي.

-طب انا ارد على انهي جزئية فيهم، اقولك الرد عليك خسارة، اقعدوا يا عيال، خلونا نبدأ..

وضع الكتاب الذي في يده أعلى سطح طاولة ابنه أحمد، ثم أخرج قلم مخصص للكتابة على السبورة مقتربًا منها كاتبًا “مراجعة”.

وما أن انتهى حتى استدار إليهم، قائلًا:

 

-يلا بقى نسأل ونشوف مين ذاكر، يلا يا أحمد هبدأ بيك، قولي إيه هي محافظات الوجه البحري؟

ابتسم له و رد ببساطة:

 

-هي تلك المحافظات التي تقع بمواجهة البحر مباشرة.

تسمر جابر من جواب ابنه، بل وثقته الكبيرة كأنه يمنحه الجواب الصحيح.

 

تخطى صدمته وصفق له بهدوء، هاتفًا:

 

-الله عليك يا ابني لا حقيقي بهرتني.

علق بثقة ومشاغبة:

 

-ولسة يا والدي أنت لم تر شيء بعد.

-وشكلي مش هرى وجلطتي هتبقى بسببك وعلى إيدك، طب سيبك من السؤال ده قولي، إيه هي محافظات الحدود أظن سهل ده.

اماء له ورد ببسمة واسعة:

 

-طبعا سهل، والجواب هو هي تلك المحافظات التي تقع على الحدود.

-يا بني بقى متخلنيش أخرج عن شعوري، طب بلاش الدرس ده قولي، إيه هي أسباب تلوث الهواء؟

أخذ أحمد نفسًا عميقًا ثم رد بذات الثقة:

 

-الاجابة يا ولدي بسيطة، فمن أسباب تلوث الهواء أكيد دخان السجاير، والشيشة بأنواعها.

عض جابر على شفتاه ثم صرخ بوجهه:

 

-هتكتب في الامتحان دخان السجاير والشيشة، اقــعد ياض، اقعد بدل ما ارتكب فيك جريمة ويقولوا جابر قتل إبنه.

ثم اتجه نحو ابنه صابر وقبل أن يسأله أي شيء، اعترف الصغير ببرود شديد ولامبالاة:

 

-مذاكرتش حاجة ومش فاكر حاجة، متتعبش نفسك.

هز جابر رأسه و وضع يديه على كتفيه مغمغم:

 

-بارك الله فيك يا بني، وانا فعلا مش هسالك عشان صارحتك دي..

تحرك مطالعًا يوسف والذي نهض من مجلسه بهدوء، فهتف جابر:

 

-لا اقعد أنت دحيح عارف أنك هتجاوب اقعد ريح.

ثم وقف أمام محمد وسأله:

 

-مذاكر يا محمد؟

-أيوة يا عمي، قصدي يا مستر.

-حلو أوي، لما نشوف سي فريد و آسر وقصي، قولولي ذاكرتوا زي يوسف ومحمد ولا خايبين زي ولادي؟

رد عليه فريد بصدق:

 

-أنا ذاكرت بس مش أوي بصراحة.

كذلك رد قصي:

 

-وأنا نمت ملحقتش اذاكر.

لم يتبقى سوى آسر والذي هتف بمرح:

 

-وأنا كنت قاعد معاكم بليل فأكيد مش هكون قاعد معاكم وهذاكر هي حاجة واحدة بس.

هنا وغضب جابر وابتعد عنهم عائدًا لمكانه بالأمام، صائحًا بهم مسببًا اندفاعهم من الحجرة:

 

-آه يعني افهم من كدة أنه محدش فيكم ذاكر…طب بقولكم إيه الحصة اتلغت يا شوية اوباش، مش عايز اشوف واحد فيكم، واللي هلمحه فيكم همرجحه، بــــــــــــرة.

غادر الجميع ولم يتبق سوى صابر الذي لم يفعل المثل ويتحلى بسمات مختلفة عن الجميع.

رمق صابر والده والذي هتف:

 

-أنت طالع لمين يا واد، يخربيتك ده أنت تلاجة مش طفل، هتعمل فينا ايه لما تكبر لما بتعمل فينا كدة وأنت لسة مطلعتش من البيضا.

********************************

تقف تلك الفتاة البالغة من العُمر تسع سنوات أمام المرآة، تفرش خصلاتها بهدوء شديد وحزن بسيط.

 

لحظات وكانت تنتهي من آمره، وتضع الفرشاه مكانها، منتبهه لذلك الباب الذي انفرج ودخلت منه والدتها:

 

-بتعملي إيه يا زهر؟

-بسرح شعري يا ماما وخلاص كنت نازلة.

التقطت “ثراء” ذلك الحزن البادي بعينيها، فلم تتردد بسؤالها:

 

-مالك يا زهر، حد زعلك؟

اطرقت الصغيرة رأسها، وقبضت بيديها على فستانها.

احتل القلق قلب ثراء على ابنتها، فاخذتها من يدها وتحركت بها نحو الفراش جالسة أمامها، رافعة وجهها بيديها، قائلة:

 

-اخواتك اللي زعلوكي؟؟ قوليلي مين فيهم أحمد ولا صابر ؟

رفعت “زهر” عينيها وبدأت تقص عليها ما يحدث معها و تواجهه بمدرستها:

 

-في بنات معايا في الفصل بيضايقوني وبيقولوا عليا دبدوبة.

ارتخت قسمات ثراء مدركة ما يحدث مع ابنتها وما تواجهه من تنمر نتيجة لوزنها الزائد بعض الشيء.

 

مدت يديها ومررتها على خصلاتها بحنان بالغ متحدثة معها بجدية محاولة بثها الثقة:

 

-هو ده اللي مضايقك يا عبيطة؟ أنتِ تطوليلي تبقى دبدوب، طب الدبدوب ده الواحدة لما بتبقى زعلانة مع جوزها ولا خطيبها بيروح يجبلها دبدوب، وبعدين هو ده جسمك ولا جسمهم، أنتِ اللي بتأكلي ولا هما؟

ردت الصغيرة ببساطة:

 

-لا أنا.

-يبقى ملهمش حاجة عندك، ومش عشان بيقولوا كدة يبقى أنتِ وحشة، بالعكس أنتِ قمر يا حبيبتي، والمفروض تفرحي بنفسك لأنك مبتحاوليش تضايقي اللي قدامك أو تجرحيه بكلمة.

ارتفع حاجب الصغيرة وهي تعقب بطفولية شديدة:

 

-اصلا في بنت منهم طويلة أوي، وبسمع بنات تانية بيتريقوا عليها من وراها.

-اهو شوفتي اهو ده بقى الفرق بينها وبينك أنتِ متربية ومبتحبيش تجرحي اللي قدامك رغم أنك ممكن برضو تتريقي عليها، بس أنا بنتي متربية ومتعملش كدة ومش شوية بنات دماغهم فاضية يزعلوكي، سيبك منهم وركزي في مذاكرتك متخليش حاجة تعطلك، تعالي معايا.

اخذتها مرة أخرى من يدها و وقفت معها أمام المرآة تطالع انعكاس ابنتها، ثم قالت ببسمة:

 

-بقى القمر ده مش عجبهم، اقسم بالله عيال حمير، بصي لنفسك وخليكي قوية و واثقة، لو عملتي اللي بقولك عليه مفيش حاجة هتهزك.

ابتسمت زهر بطفولية وتلقت قبلة ثراء على وجنتيها بترحيب:

 

-يلا بقى خلينا ننزل.

هبطت معها للأسفل، وتقابل الاثنان مع “أحمد” الذي كان يخرج من المطبخ حاملا لصحن يحوي أنواع مختلفة من الفاكهة وفمه ممتلئ على آخره، اوقفته ثراء بدهشة:

 

-أنت مش في الدرس مع أبوك والباقي ليه يا أحمد؟

رد عليها بصعوبة:

 

-خلصنا، أبويا لغى الدرس وقاعد جوه في الصالون معاهم وأنا واخد طبق الفاكهة.

اماءت له وتحرك الثلاث معًا قاصدين الصالون، وما أن دخلوا حتى سألت ثراء زوجها:

 

-لغيت الدرس ليه يا جابر؟؟

-عشان اغبية، نرفزوني، مفيهمش غير يوسف ومحمد، الباقي كله زفت.

استنكر أحمد كلماته وعقب:

 

-ليه بس كدة يا والدي ما أنت سألت وأنا جاوبت، بلاش كذب عشان حرام.

هلل له جابر:

 

-ياريتك ما جاوبت، ياريتك ما جاوبت كان هيبقى أرحم.

زفر عابد وهتف:

 

-أنا صدعت كفاية لت كفاية، واساسا خليل بيشوفلهم مُدرس العيال دي كدة هضيع.

هب جابر صائحًا:

 

-مُدرس ايه؟؟ على أساس أني بلعب معاهم، ده أنا انقذتهم بعد ما المُدرس بتاعهم طفش منهم، وطالع عيني معاهم بس هما اللي اغبية، عندك يوسف ومحمد شاطرين وبيفهموا، مش أنتوا بتفهموا يا عيال؟؟

تبادل محمد ويوسف النظرات، وقبل أن يجيب أي منهم استمعوا لحديث وعد المشجع لهم:

 

-قولوا الحقيقة، لو مش بتفهموا منه حاجة عادي، بس قولوا ونجبلكم مُدرس عدل.

صر جابر على أسنانه واوشك على الرد عليها لولا، تحدث “يوسف” بتردد وتلعثم:

 

-بصراحة لا، وأنا مش قصدي أنك وحش يا عمو، بس أنا مش بفهم من حضرتك حاجة.

اماء محمد يؤيده بهدوء:

 

-وأنا كمان مش بفهم.

ارتفع حاجبي أحمد وصاح يدافع عن والده بطريقة مسرحية درامية:

 

-اخص عليكم، اخص، لا ده مليون اخص، بقى أبويا يقعد معانا ويتعب نفسه ويشرح، ويسأل، وفي الآخر تقولوا مبتفهموش منه، يا لكم من ناكرين للمعروف.

ابتسم آسر وصاح متهكمًا:

 

-يعني أنت اللي بتفهم اوى.

حرك كتفيه يجيب بصدق:

 

-لا مش بفهم بس ده مش بسبب أبي ده بسبب أني مش بفهم أصلا.

ضحك نضال وقال باعجاب:

 

-تعالى ياض يا أحمد اقعد جمبي عشان أنت عسل، وأنا بحب صراحتك، وأنتِ يا زهر تعالي.

ذهب أحمد وقبل أن تتحرك زهر وتستجيب لنداء عمها، كان جابر يمنعها، متمتم:

 

-هو واحد بس واديه راحلك مش هتكوش على كله.

ارتفع حاجبي داليدا وقالت ساخرة:

 

-أي كلام في أي كلام، ويكون في علمك إحنا لينا في زهر أكتر منك، وبنتنا أكتر منكم.

ردت عليها ثراء بنبرة متهكمة:

 

-بنتكم إزاي يعني، هو أنتِ اللي حملتي فيها وخلفتيها وكبرتيها .

مطت داليدا شفتيها وأجابت هي و نضال ببساطة:

 

-لا بس انتوا سرقتوا اسم بنتنا اللي اخترناه وادتوه لبنتكم.

تدخل خليل بعد أن شعر بالحنق:

 

-ما خلاص يا جماعة مش كل شوية تفتحوا الموضوع ده.

أيده أشرف، هاتفًا:

 

-أحنا زهقنا بصراحة وخلاص يا نضال خلاص يا داليدا عرفنا أنه كان هيبقى اسم بنتكم وأن جابر خده.

صرخ جابر مدافع عن نفسه:

 

-وهو أنا يعني خدته ليه؟؟ ما هو عشان مجبوش بنت وأحنا جبناها وانا ميرضنيش أخويا يكون نفسه في حاجة ومعملهاش…

صفق أحمد متأثرًا:

 

-الله يا ابويا، الله قد إيه أنت مضحي.

ضحك عابد وقال:

 

-وقد ايه أنت طبال ياض يا أحمد حد يجبله طبلة عشان كل ما أبوه يكلم يضرب عليها.

التهم أحمد واحدة من إحدى أصناف الفواكه، ثم قال بلامبالاه:

 

-اعيش واطبله واغنيله كمان لو عايز، عندي كام أب أنا.

صمت ثم استرسل بذات النبرة:

 

-على فكرة فريد و قصى فوق في اوضته بيلعبوا بلايستيشن وسايبين المذاكرة وعمو خالد زمانه على وصول لو جه ولقى ابنه اللي هو سايبه أمانه عندكم بيلعب ومش بيذاكر هيزعل اوي، ومحدش يفكر اني بفتن عليهم لا ده انا خايف عليهم وعايز مصلحتهم.

انتهى موليًا إياهم ظهره قائلًا لوالده:

 

-انا طالع حجرتي يا والدي، أراك لاحقًا.

******************************

صعد أحمد غرفته الذي يتشاركها مع أخيه فوجده يقف أمام مكتبه الصغير ويوليه ظهره، ابتسم وقال وهو يغلق الباب:

 

-ماذا تفعل يا أخي العزيز؟

التفت إليه صابر وعلى الفور هتف بحنق طفولي:

 

-أنت اللي نكشت وقلبت المكتب بتاعي مش كدة؟؟ هو أنا مش قولتلك ميت مرة ملكش دعوة بالمكتب بتاعي.

-ما انا منكشتش من فراغ كنت بدور على الكتاب بتاعي ومكنتش لقيه، وفين وفين لما لقيته.

رمقه صابر بغضب، ثم عاد يرتب مكتبه بطريقة منظمة، فرغم عدم حبه للدراسة والاستذكار إلا أن فوضى مكتبه وعدم ترتيبه تثير حنقه، ودائمًا ما يعمل على إنهاء تلك الفوضي ويعيد كل شيء لمحله.

مط أحمد شفتاه ثم دفع جسده أعلى فراش صابر المرتب، ممدًا على جوفه، جاذبًا الوسادة مستندًا عليها، قائلًا باقتراح:

 

-فريد وقصي بيلعبوا بلايستيشن ما تروح تلعب معاهم بدل ما أنت قاعد لوحدك.

لم يجيبه صابر والتزم بالصمت التام، منشغلًا فقط بإنهاء أمر مكتبه.

 

نفخ أحمد ثم نهض واقفًا على الفراش، يصرخ عليه:

 

-رد عليا، انا أخوك الكبير عيب كدة.

أنهى صابر ما يفعله أخيرًا والتفت إليه كي يجيب ولكن قبل أن يفتح فمه وينطق بحرف، كانت عينيه تتسع استنكارًا لفعله أحمد وكيف خرب فراشه الذي رتبه ما أن استيقظ، فسأله بنبرة مصدومة:

 

-ايه اللي أنت عملته ده؟؟

التفت أحمد حوله بعدم فهم، ثم هتف:

 

-عملت ايه وربنا ما عملت حاجة!

أشار صابر نحو فراشه، يتابع بذات الصدمة:

 

-هو أنا مش مروق السرير ده؟؟ يعني سبت سريرك المكركب وبتقف على سريري تبوظ اللي أنا عملته؟؟؟

مجددًا نفخ أحمد وقال بلامبالاة:

 

-يعني عملت اللي محدش بيعمله، وبعدين سيبك من السرير دلوقتي وركز معايا، تيجي نخرج نقعد في الجنينة، ولا تيجي نروح لجدك مروان ولا اقولك هو كدة كدة جاي مع باقي العائلة الكريمة.

لم يعد يتحمل صابر ونفذ صبره من أخيه، فاندفع من مكانه راكضًا نحوه كي يتشاجر معه، فـ ارتعد أحمد مما يحدث وقفز سريعًا من أعلى الفراش مفارقًا الغرفة ينادي على والده والآخر خلفه لا يتركه:

 

-يا أبويا…الحقني..حد يلحقني..

فتح باب غرفة فريد وأسرع تجاه هو و قصي يتحامى بهم واقفًا خلفهم، متمتم:

 

-امسكوه، عايز يضربني، عايز يموتني، بيكرهني، مبيحبنيش.

تركوا اللعب ونهض فريد ملحقًا بصابر الذي كاد ينال من أخيه:

 

-في إيه؟

ردد صابر بطريقة طفولية غاضبة:

 

-قولتله ميت مرة ملوش دعوة بحاجتي، لا مكتبي ولا سريري، ولا هدومي ولا ضرفه دولابي، ومفيش فايدة، وعلطول يبوظلي كل اللي أنا بعمله.

جاء كل من سلطان ودلال على أصواتهم، فتساءل سلطان:

 

-في إيه أنت وهو بتتخانقوا ليه وصوتكوا عالي ليه؟

سارع الجميع بالتوقف والتزام الصمت والسكون واقفين صف واحد أمام سلطان.

لم يجيب أحد فاستنكرت دلال هذا السكون الذي حل عليهم فجأة وقالت:

 

-دلوقتي القط بلع لسانكم في ايه يا واد أنت وهو أصواتكم عاليه ليه؟

بدأ صابر حديثه وهو مطرق الرأس يقص ما حدث:

 

-يا جدو أنا بضايق من الكركبة، مبحبش المكتب بتاعي يبقى مقلوب، ولا السرير يبقى متبهدل وبروقه أول ما بصحى.

أكدت دلال هذا وهتفت:

 

-حصل، هو فعلا اللي بيروق سريره أمه قالتلي، والواد أحمد مبيعملش حاجة وبنروق وراه المعفن.

استطرد سلطان بترقب:

 

-وبعدين كمل يا صابر، فين المشكلة؟

-المشكلة بقى يا جدو أنه بيكركبهم وبعمل وراه، واصلا ده مكتبي أنا وسريري أنا وهو عنده مكتبه وسريره بيجي ويلمس حاجتي ليه بقى.

شعرت دلال بالحنق من أفعال أحمد فقالت:

 

-أيوة صح بتيجي جمب حاجات أخوك ليه يا مقصوف الرقبة أنت، ده بدل ما تعمل زيه يا واد.

تلاها صوت سلطان الذي حول بصره نحو أحمد وسأله:

 

-بتيجي جمب حاجته ليه يا أحمد وبضايقه مش عيب كدة؟

دافع أحمد عن نفسه وقال:

 

-والله ما قصدي يا جدو.

مط سلطان شفتاه ثم تمتم بحسم:

 

-طيب اعتذر لاخوك، ولو اتكررت تاني هنفصلكم ونقعد كل واحد في اوضة، سامعين؟

-سامعين.

رد الاثنان معًا، وقبل أن يغادر سلطان رفقة زوجته انتبهه لـ أذرع اللعبة، فارتفع حاجبيه وسأل فريد:

 

-أنت خلصت مذاكرة عشان تلعب؟؟

ابتلع فريد ريقه واجابه كاذبًا:

 

-طبعا يا جدو أومال هقعد العب من غير ما اخلص مذاكرة، أنا وقصي مخلصين الحمدلله.

اتسعت عين أحمد وصاح يكذبهم:

 

-يا كذابين الكذب حرام، متصدقهمش يا جدو مذاكروش حاجة.

رد عليه قصي ساخطًا:

 

-أنت اللي كداب مش إحنا.

أصر أحمد على تكذيبهم قائلًا:

 

-لا انتوا أنا مش بكدب الكدب حرام.

سخر فريد وعلق:

 

-والفتنة مش حرام؟؟

-دي مش فتنة، أنا بقول الحقيقة يا كداب أنت وهو.

أوقف سلطان تلك المهزلة كما أطلق عليها متمتم:

 

-بس خلاص هتتخانقوا وأنا واقف؟؟؟

نفى أحمد برأسه وقال:

 

-لا خلاص اسفين، اتفضل أنت يا جدو ولما تخرج هنكمل.

جذبه سلطان من ملابسه بطريقة مرحة مثيرة للضحك، معقب على كلماته:

 

-أنت إيه يا واد؟؟ مسبتش حاجة من أبوك، وبعدين أنت عيل ازاي أنا حاسس أنك ولية صغيرة.

-وليه ايه بس عيب يا جدو، أنا راجل.

-طب قدامي يا اخويا، وانتوا كمان قدامي هننزل نقعد تحت واتكلم معاكم مش هسيبكم عشان مش ضامنكم.

ردد احمد مازحًا وهو لا يزال بين قبضة سلطان:

 

-طب اجيبلك أبي يضمني.

-اخرس بقى يالا.

*********************

-يا خالد اتصل على وسام شوفوا خلص الدرس ولا لسة، ولو مردش أو كنسل ابعتله على الوتس أسأله نستناه ولا نسبقه إحنا.

رددت أبرار كلماتها بصوت عالي وهي تقف داخل المطبخ تنهي تنظيفه.

تناهى إليها صوته الذي بدأ بالاقتراب قاصدًا مكانها:

 

-طيب حاضر، أنتِ خلصتي اللي بتعمليه؟

-آه خلاص اهو، كلمه بقى يلا.

تحرك خالد كي يأتي بهاتفه واتصل على ابنه، الذي قام بإغلاق المكالمة عليه مما جعل خالد ينفذ حديثها ويرسل له عبر (الواتس آب) ويسأله.

لحظات وكان وسام يجيب عليه بتلك الرسالة:

 

“لسة مخلصتش، اسبقوني وأنا لما هخلص هاجي”

ترك خالد الهاتف وعاد للمطبخ يلقي عليها ما حدث:

 

-كنسل عليا، فكلمته وتس زي ما قولتي قالي نسبقه وهو هيحصلنا..

-طيب تمام ادخل البس بقى وأنا كمان هدخل أخد شور والبس علطول عشان منتاخرش.

على الطرف الآخر.

ترك وسام الهاتف من يده واضعًا إياه أعلى الطاولة أمامه، عائدًا بتركيزه واهتمامه نحو أستاذه فقد بات بالمرحلة الأخيرة من الثانوية العامة، غافلًا عن نظرات زميله الجالس جواره والذي أثارته الشكوك عند رؤيته له وهو يراسل أحدهم.

مال برأسه يسأله بهمس:

 

-كنت بتكلم واحدة مش كدة؟؟ قول متكسفش، أنا اساسا شاكك فيك.

التفت إليه وسام ورد بعدم فهم:

 

-نـــــعم !!!

-نعم الله عليك يا حبيبي، طلعت بتكلم بنات زينا اهو ومخبي.

رد عليه باستنكار:

 

-وأنا لو بكلم هخبي ليه، ده بابا على فكرة يعني دماغك متروحش لبعيد، ولا اقولك خليها تروح أنت مالك أصلا.

في ذات الوقت أعلن الأستاذ عن منحه لهم بعض الدقائق كي يرتاحون، نهض بعض الطلاب، وبقى آخرين مثلما هما يتسايرون مع أصدقائهم.

 

فوقعت عين صديقه على إحدى الفتيات والتي يشعر نحوها بإعجاب كبير.

تلك المرة لمحه وسام، ونظر لما ينظر إليه وأدرك ما يحدث معه.

 

فقال ببسمة جانبية:

 

-طب ما تقوم تكلمها بدل قعدتك جمبي دي.

رد عليه دون أن يزيح عينيه عنها:

 

-مش شيفاني ومش معبراني ومش عارف أعمل معاها إيه جربت معاها كل السكك والطرق.

-سكك وطرق!؟ طب والكباري مجربتهاش !

هتف وسام الاخيرة بجدية شديدة، جعلت الآخر يغضب، معقب بحنق:

 

-أنت هتهزر، انا بجد مضايق مش عارف مش مدياني وش ليه، ولا تكونش مش بتكلم ولاد.

قطب وسام حاجبيه ثم عاد ينظر نحو الفتاة، متحدث بخفوت:

 

-أنت اهبل ولا أعمى ولا إيه حكايتك، مبتكلمش ولاد إيه اومال اللي حوليها وبتهزر وتضحك معاهم دول إيه؟؟ ولاد خالتها؟؟

-يمكن الله اعلم.

زفر وسام ثم قال:

 

-لا ده أنت أهبل بجد، وهديك نصيحة هتعمل بيها كان بها، مش هتعمل عنك ما عملت.

اقترب صديقه بمقعده بحماس وقال:

 

-طب قول يمكن عقدتي تتفكك على ايدك.

أخذ وسام نفسًا عميقًا ثم بدأ حديثه:

 

-اولا هي بتكلم ولاد عادي وده باين من اللي حوليها، ثانيًا باين اوي أنك مدلوق عليها والبنات مبتحبش المدلوقين زي حالاتك بتحب الواد التقيل، فـ أنت متبصلهاش، ومتعبرهاش ومتحاولش تكلم معاها واراهنك أنها هتلاحظ التغير ده زي ما هي ملاحظة أنك بتبص عليها، و دي حاجة هضايقها ومش بعيد تيجي هي وقتها وتكلمك.

-وبعدين كمل كمل ده أنت طلعت مش سهل.

-لما تيجي هي بقى تكلمك.

قاطعه صديقه مغمغم:

 

-اتقل عليها وارد ببرود واسيبها وامشي.

-لا ده أنت مش اهبل بس ده أنت غبي كمان، تتقل إيه يا بني، بالعكس أنت هترد ولازم لما ترد دمك يبقى خفيف تعرف تضحكها وتخليها تقول في نفسها انا ازاي كنت مطنشاه ده لُقطة.

ضيق صديقه عينيه بتفكير، قائلًا بحيرة:

 

-ودي اضحكها إزاي ولا اقولها ايه أصلا !!

-هي دي كمان أنا اللي هقولهالك؟؟ حبيبي دي متتقالش تتعمل ازاي لو اتقالتك هيبقى دمك اتقل من الاول، اقولك ابقى ارميلها كلمتين حلوين، بس متأفورش خليك وسط.

لاح التفكير والإعجاب عليه في آن واحد يفكر في طريقة ما:

 

-خلاص نفكر في دي بعدين، إحنا خلينا في التقل دلوقتي.

حل صمت بينهم، وعلى حين غرة سأله صديقه:

 

-ولما أنت مش قفل زي ما أنا كنت مفكر وطلعت بتفهم وبتدي نصايح كدة مش بطبقها مع نفسك ليه؟ ومش مصاحب ليه؟

أراح وسام ظهره للخلف وهو يجيبه:

 

-عشان أنا مليش في الصحوبية وإني اكلم دي ودي يعني من الآخر مليش في الكلام الفارغ ده ومبحبوش.

رد عليه صديقه لكنه لم يستمع إليه متابعًا حديثه مع نفسه وبسره:

 

-أنا رجل امرأة واحدة واحدة فقط، محجوزالي من زمان ومن قبل ما تتولد………

**********************

-قولولي بقى ناويين تذاكروا وتلموا نفسكم امتى، انتوا عايزين تسقطوا يعني؟ هتفرحوا لو ده اللي حصل؟

طرح سلطان كلماته على مسامع أحفاده من الذكور بتواجد آبائهم وغياب امهاتهم رفقة دلال داخل المطبخ.

رد عليه محمد باحترام وهدوء شديد:

 

-يا جدو أنا ويوسف بنذاكر وإن شاء الله هننجح، بس آسر، وأحمد وصابر وفريد وقصي هما اللي مش بيذاكروا وكدة مش هينجحوا.

أكد يوسف كلمات محمد، قائلًا بهدوء:

 

-أيوة يا جدو هما اللي مش بيذاكروا وكدة مش هينجحوا.

هب أحمد وصاح بهم على مرأى ومسمع من الجميع:

 

-هو ايه اللي مش هينجحوا، إن شاء الله هننجح أنا مضبط كل حاجة خلاص وعارف هعمل إيه في الامتحانات.

ضحك عابد وسأله بفضول:

 

-هتعمل إيه يا ابن أخويا، وايه اللي أنت مضبطه؟

هدأ أحمد وجلس على الأريكة جوار صابر واضعًا قدم فوق الأخرى:

 

-الواد أحمد و ده صاحبي عشان بس متفكروش أنه أنا شاطر وعلطول بيذاكر فـ أنا بقى متفق معاه يساعدني عشان انجح.

تفهم عابد وكذلك أشرف ونضال، بينما صاح خليل مستنكرًا:

 

-هتغش يعني !!!!!!!

اتسعت عين أحمد وقال باستهجان:

 

-غش !!!! استغفر الله العظيم الغش حرام يا عمي.

علق أشرف بدهشة:

 

-حرام إيه ما هو يساعدك دي يعني يغششك؟! أنت عبيط يابني.

خرج صوت جابر، قائلًا بدفاع مميت غير عابئًا برنين المنزل ونهوض عابد كي يفتح:

 

-لا يا أشرف مش هي هي، الغش حرام لكن المساعدة مش حرام، جدع ياض يا أحمد أنا مبسوط منك عرفت اربي بصحيح.

تحدث سلطان من بين أسنانه:

 

-تربي ايه دي تربية الندامة، بتشجع ابنك على الغش، واد يا أحمد قوم فز اطلع اوضتك تذاكر ويكون في علمك هخلي امك تسمعلك يلا غ

لم يتابع وتوقف لمقاطعة مروان له، متمتم:

 

-السلام عليكم.

تهللت أسارير أحمد وركض تجاه مروان محتضنة من خصره، مرحب به:

 

-جدو حبيبي، وحشتني اومال فين تيتا؟؟..

ازاحه مروان، قائلًا من بين أسنانه غاضبًا من كلمته الأولى “جدو”…

 

-جدو في عينك قولتلك ميت مرة متقوليش جدو، غور يالا..

نهض جابر منزعجًا من طريقته مع أبنائه:

 

-الله !! طب وليه المعاملة دي يا حمايا هو الواد عملك حاجة.

لم يجيبه مروان وقال بخفوت:

 

-ازيك ياض يا آسر، ازيكم يا عيال؟

ثم ضاقت عيناه بحثًا عنها، قائلًا:

 

-اومال فين زهر مش شايفها يعني.

أتى صوت وعد من الخلف ترحب به:

 

-اهلا يا مروان اومال فين الباقي مجوش معاك ولا إيه؟

في تلك اللحظة قرع جرس المنزل مجددًا فهتفت وعد:

 

-يوسف روح افتح الباب.

نهض الصغير منصاع لها، وفتح الباب لكل من خالد وأبرار، فسارعت أبرار بمداعبة خصلاته:

 

-عامل ايه يا چو؟

-الحمدلله اتفضلوا.

تحركوا معا نحو مصدر الصوت، وما أن وصلوا حتى تبادلت وعد وأبرار السلام والقى خالد التحية على الجميع وما أن أجابوا عليه واندفع قصي الذي قضى ليلته رفقة فريد تاركًا عائلته، نحوهم معبرًا عن اشتياقه..

 

حمله خالد وقبله على وجنتيه، في ذات الوقت سألته ابرار:

 

-عامل ايه يا حبيبي أوعى تكون ضايقتهم.

سبقه أحمد قائلًا:

 

-لا يا أبلة أبرار مضيقناش، نام بدري ومذاكرش ولما صحي قعد يلعب هو و فريد بلايستيشن وكدة هيسقط.

ردت عليه وعد بحنق:

 

-وأنت مالك يا بارد والله اناديلك أمك تديك علقة..

انزعج جابر ورد عليها يدافع عن ابنه:

 

-بتهدديه أنتِ كدة مثلا، وبعدين أنتِ اللي مالك يا حشرية هو كان كلمك أنتِ ده بيكلم خالد ومراته بتدخلي ليه؟

أكد أحمد هذا وهز رأسه:

 

-أيوة انا بكلم عمو خالد وابلة أبرار.

تابع مروان ما يحدث باستمتاع، وجاءت بقية الفتيات واحدة تلو الآخرى ترى ما يحدث بين الثلاث.

وتابعت وعد حديثها:

 

-اللي يسمعك وأنت بتكلم يقول الواد مقطع نفسه مذاكرة، مالك أنت بيلعب ولا لا، ما تشوفي ابنك يا ثراء ما تشوف ابن بنتك يا مروان..

-ولا اعرفه، انا معرفش غير زهر حبيبة جدها…

وعلى ذكرها انتبه جابر لغيابها وسكونها اليوم وعدم تحدثها معه ومزاحها مثلما اعتاد منها.

تسلل من بينهم تاركًا إياهم يتشاجرون وخرج بحثًا عنها داخل حجرتها..

تحرك نحوها، ودق على الباب، متحدث بترقب:

 

-أنتِ جوه يا زهر؟؟

-أيوة يا بابا اتفضل.

فتح الباب و ولج الحجرة متنهدًا براحة ما أن رآها تتمدد على الفراش وأمامها إحدى الكتب دلالة على استذكرها متحدث بمرح :

 

-أخيرا لقيتك ده انا دورت عليكي تدوير، قاعدة لوحدك ليه؟؟ بنتي مين مزعلها؟

ابتسمت له وقالت بنبرة طفولية محبة له:

 

-بذاكر وبعدين هعمل الواجب.

-بس أنتِ زعلانة قوليلي مين زعلك وأنا اقطم رقبته.

وقبل أن تنفي حدوث هذا خمن قائلًا:

 

-الواد صابر ولا الواد أحمد؟ ولا يكونش مرات عمك وعد؟؟ ولا تكونش أمك؟ قولي متخافيش..

-مفيش والله..

وفجأة جحظت عينيه وقال:

 

-اوعي يكون الواد وسام؟

-يا بابا قولت مفيش، ومش حد منهم خالص، اللي مضيقاني واحدة معايا في الفصل بتقعد تتريق عليا هي وحبة تانين بيقولوا عليا دبدوبة..

-يا شيخة دبدوبة تقعد عليها هي واهلها تفطسهم، قال دبدوبة قال، ده مين البت دي قوليلي إسمها وهروح أطلع عينها وعين أهلها..

ابتلعت ريقها وقالت:

 

-لا خلاص، انا أصلا مش زعلانة دلوقتي وكنت قعدت اذاكر عشان ابقى اشطر منها.

هدأ قليلًا ثم قال:

 

-ايوة ذاكري وافرسيها، استني ثواني وجاي.

غاب قليلًا ثم عاد بعد لحظات يديه خلف ظهره يخبأ شيء ما عجزت عن رؤيته، فسألته ببراءة:

 

-مخبي ايه يا بابا؟

اظهر لها ما كان يخفيه، ولم يكن سوى دربوكة والذي بدأ بالضرب عليها، وهو يغني بصوت عالي ويراقص جسده يحاول التهوين عليها…

كانت واقفة تبتسم فقط مما يفعله، فتوقف عن الغناء وصاح يشجعها:

 

-فكي يا بت، وارقصي معايا، قال دبدوبة قال، أنا بنتي مفيش في جمالها..

جاء صوت من خلفهم تمكن من التسلل خلف والده تاركًا والدته تتشاجر مع زوجه عمه يطلب منهم ببلاهة:

 

-ممكن افك وارقص انا كمان.

شجعته زهر وأشارت له كي يتقدم:

 

-تعالى يا أحمد.

دنا منهم وشارك أخته و والده، وظلوا هكذا حتى انفرج الباب فجأة وآتاهم صوت مروان المصدوم:

 

-بتعمل ايه وبتعلم العيال ايه الله يحرقك، تعالي يا بت يا زهر.

توقف جابر وكذلك زهر وأحمد، مجيبًا عليه:

 

-يعني هكون بعمل ايه يعني بنفك عن نفسنا شوية، وبعدين دول ولادي يعني أنا حر معاهم، هو أنا كنت قولتلك تعمل إيه مع بناتك وأنت بتربيهم..

رد عليه مروان، واستمعت زهر لصوت سيارة آتت حديثًا فأسرعت نحو الشرفة وأخيها خلفها وعلى الفور التقطت عينيها “وسام” الذي هبط من السيارة…

فقالت تخبر والدها:

 

-وسام جه يا بابا..

بينما وقف أحمد على أطراف قدميه وأخرج رأسه، متمتم بصوت جهوري:

 

-كيف حالك يا وسام؟

رفع وسام أنظاره نحوه فالتقطت عينيه زهر، فابتسم وقال:

 

-الحمدلله، استنى دخلكم، انزلوا قاعدين فوق ليه.

-مفيش يا سيدي بابا وجدو بيتخانقوا كالعادة.

وعلى حين غرة وجد من يجذبه من ملابسه من الخلف، فضحك وسام على ما حدث له بواسطة جابر:

 

-أنت هتحكيله قصة حياتنا، خلونا ننزل لما نشوف اخرتها إيه.

 

**************************

هبطوا معًا للاسفل بعدما رحب الجميع بوسام، والذي ما أن التفت بوجهه و رأى زهر حتى ابتسم لها، ودس يده بجيبه واخرج واحدة من الشكولاتات المفضلة والمحببة إليها.

التقطتها منه بسعادة فلطالما كانت من عشاقها كما أنها اعتادت على تلك الفعله منه والذي لا يفعلها سواه معها.

ارتفع حاجبي آسر بتهكم:

 

-هو كل أسبوع !! واشمعنا هي بس إحنا فين.

لم يجيب عليه وسام، وجلس على يد الأريكة، تزامنًا مع اقتراح أحمد عليها:

 

-بقولك إيه مش أنا اخوكي؟؟ ما تجيبي حتة.

خبأتها خلف ظهرها بطفولية رافضة:

 

-لا، وسام جيبهالي، مش أنت جيبهالي يا وسام؟

رد عليها أمام الجميع وعينيه تتقابل مع جابر الحانق محاولًا فهم إن كان بالفعل ينوي جعل ابنته عروسته بالمستقبل أما أنه تراجع بعد تلك السنوات !!

 

-دي لـ زهر، مش ليكم، لما تبقوا بنات هبقى اجبلكم شكولاتة.

احتج أحمد، آسر، قصي، وفريد معًا مقتربين منها، كي ياخذونها منها عنوة..وقال فريد:

 

-هاتي حتة متبقيش طفسة وطماعة، كل مرة بتاكليها لوحدك.

تمسكت بها أكثر واحتمت خلف أبيها:

 

-يا بابا الحقني.

وقبل أن يفعل جابر أي شيء نهض وسام ودنا من الأربع أطفال وليته لم يفعل فقد كان يفوقهم ويفوق جابر طولًا، كما أنه بات ذو بينه عريضة….متمتم من خلفهم بصوت دب الرعب بهم:

 

-بتقول ايه ياض أنت وهو؟؟؟ سمعوني كدة تاني.

التفتوا إليه وعلى الفور صاح أحمد بتوتر وخوف وهو يشير نحو فريد مسببًا في انطلاق ضحكات البقية:

 

-اهو ده اللي قال واستقوى على أختي، واخوك والواد آسر معاه.

حمحم خالد وقال بحرج كي ينهي ما يحدث:

 

-اقعد يا وسام خلاص عيال وغلطت.

وبالفعل عاد كل منهم إلى مكانه وجاءت بقية عائلة الحلواني وتجمعوا وعاشوا أجواء عائلية مرحة لا تخلو من المشاحنات البسيطة المرحة، كذلك لم يتوقف وسام عن رمق الصغار بنظرات مخيفة متوعدًا لمن يضايقها بل ويحزنها ويتسبب في ذرف دموعها، فقد قرر بأنها ستكن له من قبل أن تأتي وقبل أن يراها وسيحدث هذا وتكن عروسته بالوقت المناسب فقط عليه التحلي بالصبر كي يحظي بها بالنهاية فـ قصتهم لم تبدأ بعد وتلك ليست النهاية بل كانت مجرد بداية وها نحن على وشك خوض مغامرات جديدة مع أحفاد آل سلطان حافلة بالكوميديا وبالحب كما ينبغي…………….

تمت

بحمدالله

وكدة خلصت رحلتنا مع ولاد سلطان وهتبدأ رحلتنا مع الأحفاد ومع وسام و زهر ابطال روايتي الجديدة الحب كما ينبغي وده لينك (رواية الحب كما ينبغي) أضغط على أسم الرواية

الفهرس.. (رواية كارثة الحي الشعبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق