رواية كارثة الحي الشعبي – الفصل الخامس والتسعون
الفصل الخامس والتسعون
بصوا انا عايزة الفصل ده التفاعل عليه يبقى نار، ليه وازاي معرفش، بس هي جاية معايا كدة، اللي بيقروا الفصل اكتر من ٧٠٠٠ شخص، انا بقى عشان مش طماعة عايزة ١٥٠٠ بس من السبعة آلاف دول يعملوا فوت على الفصل ده، ولو وصل للرقم ده هشهيصكم وعد.🌚😂😂❤️
___________________________
أنظر جيدًا.
كارثة الحي الشعبي.
فاطمة محمد.
الفصل الخامس والتسعون :
تقف «ثراء» بمنتصف الحجرة،
متسمرة
مكانها منذ أن وطأت قدميها داخلها
وخطت
بضعة خطوات ثم توقفت، لا
تشجعها
قدميها على الحراك أكثر ورغم رغبتها في فعلها ومتابعة طريقها إلا أنها لا تستطع، وتشعر بأنها قد شلت أطرافها.
و زادت حالتها سوءًا بعدما التفتت
ورأته
يتقدم منها بخطوات بطيئة نسبية.
ازدردت
ريقها محدثة نفسها كي تتحرك ولا تقف مثل الجماد هكذا.
”
اتحركي
بقى،
متقفيش
كدة،
اتحركي
، إيه اللي
جرالك
. ”
ولكن لا حياة لمن تنادي وفشلت
كليًا
،
وارتسم
القلق الممزوج بتوتر كبير وملحوظ على وجهها.
وقف جابر أمامها، واضعًا يديه بجيب سرواله،
وحدقتاه
تسير على وجهها.
وعلى حين غرة وأثناء تأمله هذا، اعترف لها بما كان يحدث معه
سابقًا
عندما يراها، وعندما كانت لا تحل له، بنبرة جدية وتعابير وجه تراها للمرة الأولى:
-كل مرة كنت بشوفك فيها، كان لازم أعاتب نفسي وضميري يوجعني
ويأنبني
، واقول لنفسي حرام،
البصة
دي حرام مش حلال ياض، غض بصرك ياض يا جابر، كدة مينفعش، واوقات كنت بنجح اني أبعد عيني، واوقات تانية لا وبيبقى غصب عني مش بإرادتي ولا
بمزاجي
، وأوقات كنت بخاف تفهميني غلط، بس كان عندي أمل تفهمي اللي بيحصل معايا، أنا
استنيت
كتير اوي لحد ما وصلت للحظة دي يا ثراء.
ارتسمت بسمة على محياه، وهو يطلق تنهيدة طويلة،
متابعًا
حديثه
واعترفاته
:
-عُمري ما تخيلت أن ممكن واحدة تيجي
وتوقعني
في حبها
وتخليني
اقول أنا حبيت
وطبيت
على بوزي و قلبي بيوجعني من
بُعدها
، قلبي بيوجعني وانا
شايفها
ومش
طايلها
، انا كلمت كتير
وشوفت
وخرجت مع كتير بس عُمري ما حصل معايا اللي حصل معاكي أنتِ، مفيش واحدة أثرت فيا زيك.
سحب نفسًا عميقًا،
ملتزمًا
بالصمت التام، عينيه
لاتفارق
حدقتيها
التي تتهرب منه من حين لآخر، زفر ثم أكمل:
-أول مرة شوفتك فيها
عجبتيني
، أنا كنت ساعتها وحش، وحش أوي
ودماغي
وتفكيري كانوا
حادفين
شمال، بس الحمدلله إني فوقت لنفسي، الحمدلله إن ربنا هداني
وكتبلي
أني اتوب
واتغير
، الحمدلله أني شوفتك، وحبيتك، وقلبي
اتعلق
بيكِ
، عُمري ما عملت إنجاز أو عملت حاجة عليها القيمة، بس حبي
ليكِ
وجوازي
منك ده اكبر إنجاز عملته، أنتِ عملتي فيا إيه؟؟ يلا اعترفي، عايز أعرف.
ردت عليه بتعابير متأثرة من حديثه، عائدة خطوة إلى الخلف:
-أنا معملتش حاجة يا جابر، أنا…
قاطعها متمتم بمرح أخيرًا:
-عملالي عمل صح؟؟
وقبل أن تنطق أضاف بمرح مضاعف:
-اوعي تقولي آه، الأعمال حرام…
هزت رأسها تنفى قائلة بهدوء وثبات ليس
بحقيقي
:
-عارفة، وبعدين
متهزرش
ويلا خلينا نغير الفستان
مضايقني
أوي..
هز رأسه بموافقة، مغمغم وهو على وشك أن يوليها ظهره:
-ماشي، خلينا نغير
ونتوضأ
ونصلي ركعتين لربنا…
وقبل أن يتحرك ضرب على جبهته بتذكر ،
عائدًا
بوجهه نحوها،
رافعًا
يده واضعًا إياها أعلى رأسها، يخبرها:
-خليل قالي على كذا دعاء عشان اقولهم وربنا
يباركلنا
والكلام خدني معاكي ونسيت اقولهم.
انتهى من كلماته ثم ذكر الله وبدأ يتلو دعائه الذي
اوصاه
به خليل أولًا.
”
اللَّهُمَّ
إِنِّي
أَسْأَلُكَ
خَيْرَهَا
وَخَيْرَ
مَا
جَبَلْتَهَا
عَلَيْهِ
،
وَأَعُوذُ
بِكَ
مِنْ
شَرِّهَا
وَشَرِّ
مَا
جَبَلْتَهَا
عَلَيْهِ
. ”
ما أن انتهى حتى بدأ يتلو واحدًا يليه آخر..وظل هكذا حتى انتهى، غافلًا عن بسمتها السعيدة وقلبها الذي يدق
كالطبل
مما فعله
ويفعله
..
فمن يصدق بأن هذا هو ذلك الوقح التي كانت لا
تطيقة
بالبداية
وتكرهه
رؤيته و وجوده من حولها !!!!
انزل يده وأبعدها عنها، مشيرًا
بسبابته
نحو دورة المياه:
-يلا ادخلي غيري
واتوضي
أنتِ الأول، وبعدين ابقى
اتوضى
أنا.
ابتسمت له
وانصاعت
لحديثه وأخذت ملابس لها و دخلت المرحاض
واغلقت
الباب من خلفها.
وبعد وقت كانت تخرج ودخل هو كي يتوضأ بعدما ابدل ملابسه هو الآخر.
انتهى بعد دقائق ثم خرج إليها، و التقط سجادة الصلاة الخاصة به والأخرى الخاصة بها، و
افترش
بهم الارض، وقف بمكانه
بالأمام
وهي خلفه، وبدأ صلاته الأولى معها.
بعد وقت انتهوا خلاله من الصلاة، ودعا مرة أخرى إلى الله…
لا يدري بالسعادة التي تملئ قلبها فقد ثبت لها بأنها قد أحسنت الاختيار، ويتضح بأنها لن ولم تندم.
نهضوا
معًا وانحنى بجسده للإمام يلملم السجاد،
مانعًا
إياها من فعلها بوجوده.
واثناء فعله لهذا خرج صوتها
هادئًا
معترفة له هي الأخرى:
-تعرف أني مجاش في دماغي أنك
هتصلي
بيا؟؟ رغم أنه كان نفسي في ده، بس قولت ممكن يقولي مش قادر وتعب من الرقص ومن اليوم عمومًا ومش
هتقدر
تصلي..
اعتدل
بوقفته
وبين يديه السجاد، يجيب عليها
بمرحه
المعتاد وبسمة قد ساعدته على سرق قلبها وعينيها:
-بقى
بالذمة
ده كلام !!! يعني الرقص
والهيصة
وقدرت عليهم، هاجي عند الصلاة لربنا اللي
هيباركلنا
حياتنا
واكسل
!! طب ده حتى يبقى عيب عليا اقدر على الرقص والفرح والصلاة لا.
هزت كتفيها بهدوء، معقبة:
-أنا بقولك اللي فكرت فيه.
رفع يديه
وداعب
بسبابته
ارنبة
انفها، مغمغم
بفكاهة
:
-ممكن بعد إذنك
متفكريش
تاني، أنتِ اصلا لسة
متعرفنيش
.
كاد يفارق مكانه ويتركه ويمر من جوارها لولا تراجعه و تذكره لأمر وسؤال هام شغل باله طيلة هذا الشهر و لم يرغب
بسؤالها
إلا بعدما تصبح زوجته ومعه:
-ألا قوليلي يا بت يا ثراء أنت
وافقتي
عليا ليه؟؟
باغتها
بسؤاله التي لم تتوقعه بتلك اللحظة مما جعل الارتباك يتمكن منها، وخرجت حروفها الاولى متقطعة…
-هيكون ليه يعني، عادي.
اعترض وقال مقتربًا خطوة:
-لا مش عادي، يعني عندك انا حبيت
اتجوزك
واخترتك
عشان قلبي اختارك
ودقلك
، أنتِ إيه
سببك
بقى؟؟ معجبة مثلا ! ولا
تكونيش
بتحبيني..
ردد الأخيرة بأعين متسعة مازحًا معها، فصاحت
محتجة
وهي توليه ظهرها واتجهت جالسة على طرف الفراش:
-وانا
هحب
فيك إيه يعني، ولا
هعجب
بيك على ايه برضو..
لم يحزن من ردها بل تساير معها ورد وهو يتبعها، واقفًا
بمواجهتها
:
-عدي عندك، شاب وسيم وسامة قاتلة، غني غناء فاحش، ذكي، عنده عربية، شيك،
بيصلي
فروضه
، كل ده
ميخلكيش
تحبيني !!
هزت رأسها تنفي معلقة:
-لا، عشان ولا واحدة موجودة..
اتسعت
حدقتيه
وجلس على ركبتيه أمامها مردد ببلاهة
اجبرتها
على الضحك:
-يا
مصيبتي
ولا واحدة ايه؟؟ طب تصدقي انك كدابة، ولعلمك
الكداب
بيروح النار..
ردت عليه من بين ضحكاتها:
-طب ما تقول لنفسك يا سيدنا الشيخ.
-طب على فكرة أنا فعلا وسيم،
اينعم
مش للدرجة وفيه احلى
واوسم
مني، بس
متبصليش
من برة،
بصيلي
من جوة، انا حلو ونضيف من جوه، و زودي عليهم غني فعلا، وذكي و دي مش محتاجة دليل لأنه الكتاب باين من عنوانه، والعربية عندي و موجودة،
وشياكتي
تتحدث عني، وفعلا بصلي بفضل ربنا..
التوى ثغرها وقالت تذكره:
-طب انا مش
هعلق
على كل اللي أنت قولته ده،
وهعلق
بس على حتة شيك دي واحب
افكرك
بالقميص البنفسجي فاكره !!!
اتسعت بسمته وقال
بغمزة
:
-القميص معلق معاكي ها، عشان تعرفي بس أنه شيك ولو مكنش شيك مكنش علق معاكي كدة.
-أنا هنام احسن، تصبح على خير.
وقبل أن تنهض وتتحرك
بأتجاه
إحدى جوانب الفراش، كان يمسك بيدها مردد بصدمة محاولًا قدر الإمكان كبح
توقه
لقربها، وجعلها تعتاد عليه أكثر وأكثر:
-تنامي مين، انهاردة مفيش نوم، انهاردة فيه كلام واكل للصبح، قومي ناكل يلا…
لم تتحرك من مكانها فقال مجددًا:
-هيا هيا،
انهضي
يا جميلة الجميلات، فأنا
اتضور
جوعًا
.
**********************
دخل “عابد” غرفتهم وهو ممسك بيدها
ويجذبها
خلفه بهدوء.
أوصد
الباب، ثم حرر يدها وسلط بصره عليها..
رافعًا
يده واضعًا إياها أعلى رأسها
ذاكرًا
الله عز وجل ثم ردد الأدعية الذي أخبره عنها خليل أيضًا.
ابتلعت ريقها
وتسللتها
الراحة بما يدعو به ومن ذكر الله عز وجل…
وما أن انتهوا حتى اخبرها بتبديل ملابسها والوضوء من أجل الصلاة:
-يلا ادخلي غيري
واتوضي
عشان نصلي، وبعدين نتكلم عشان عندي كلام كتير اوي لازم اقوله.
اماءت له وفعلت ما طلبه وصلى معًا للمرة الأولى.
وبعد
انتهائهم
ونهوضهم
عن الأرض، حدق بها عابد.
ثانية، اثنان وكان
يعانقها
،
مقبلًا
أعلى رأسها متمتم براحة وسعادة:
-الحمدلله، الحمدلله.
ابتعد عنها مع قوله الأخيرة، متحدث معها بمرح بسيط:
-بقولك إيه
اقرصيني
كدة، عشان أتأكد أني مش بحلم وأننا رجعنا لبعض بجد
وبقيتي
معايا
ومراتي
من تاني ولسة مخلصين صلاة.
ارتسمت بسمة على محياها وهي تهز رأسها له، تؤكد وجودها بجواره، وعودتهم من جديد:
-من غير ما
اقرصك
، أنت مش بتحلم، ولا أنا بحلم يا عابد، إحنا رجعنا ومع بعض، معرفش ده حصل إزاي رغم أني مكنتش عايزة ارجع بعد كل اللي حصل معانا، بس ده اللي حصل بقى، قلبي استسلم وعقلي خسر.
سار للأمام خطوة،
محاوطًا
ذراعيها، قائلًا بنبرة عاشقة:
-وئام أنا بحبك، ومش عايز افتح في القديم واللي حصل و وصلنا لـ دة، بس كمان عايز اقولك تاني أنه اللي حصل كان غصب عني، وكان من حبي، وصدقيني لو أي راجل تاني مكاني
وبيحب
وبيغير
زيي كان عمل نفس اللي عملته، أنا مش عايزك تخبي عليا أي حاجة تحصل معاكي أو تعمليها، لازم نبقى
صُرحة
مع بعض، الصراحة مفيش أحلى منها، لأن طول ما أنتِ صريحة معايا ومش
بنخبي
حاجة على بعض مش هيبقى فيه مشاكل بينا.
لاح الندم على وجهها،
وأطرقت
رأسها مصارحة إياه:
-مش
هخبي
، ومش
هغلط
وأكرر
غلطتي، وأنا عارفة يا عابد أن الموضوع صعب ومكنش سهل تتقبله، بس أظن أني
اتعاقبت
وخد جزائي
واتعلمت
خلاص.
مد أنامله تجاه وجهها،
رافعًا
ذقنها ثم سألها ببسمة محبة:
-اتعلمتي ايه قوليلي؟؟؟
-اتعلمت أن مينفعش اتكلم مع أي راجل غير جوزي اللي أنا على ذمته حتى لو كان الكلام إيه، لاني
بكدة
سايبة باب للشيطان يدخل منه، اتعلمت أني مكنش ينفع
اصاحب
أصلا، ومش أي حاجة
بنشوفها
حولينا
وناس كتير بتعملها يبقى صح، لأني
بكدة
بغلط في حق نفسي قبل أي حد، وأنا بس اللي
بتحاسب
محدش
هيتحاسب
معايا أو بدالي.
تغللته
فرحة، وسعادة،
متيقنًا
أكثر وأكثر بأن كل ما مر وحدث معهم كان الصالح لهم فلولا ما حدث ما كان استمع لهذا الحديث الجميل و وقف أمامها ولكن بحلتها الجديدة البعيدة كل
البُعد
كل تلك
المتعجرفة
، الغليظة، معدومة
الأحساس
..
فمن تقف قبالته باتت أكثر
نضجًا
، و
وعيًا
،
وعلمًا
بدينها.
اخرج نفسًا
طويلًا
، ثم هتف
معترفًا
هو الآخر بما تعمله وخرج به من تلك التجربة الأليمة
المُسماه
بالفراق
:
-وأنا كمان اتعلمت وعرفت، عرفت أنه لازم ابقى
أهدا
، وأن الاندفاع والتهور ورد الفعل اللي في وقت المشكلة
بيكبرها
ويصعبها
أكثر، عرفت أني كان لازم
اصدقك
لما
حكتيلي
اللي حصل وثقتي فيكي تبقى اكبر من كدة، بس ده محصلش وصدقت لما سمعت من غيرك، اتعلمت أنه مفيش واحدة تملى مكانك ولا هتعرف تاخد قلبي وعقلي زي ما أنتِ عملتي.
ازدرد غصة مريرة مع كل تلك الأخطاء الذي ارتكبها، ثم تابع:
-عرفت أنه مكنش ينفع الجأ في عز وجعي لشيء حرام واتكلم وأخرج واضحك مع دي ودي، لأن كل ده مكنش حقيقي
ومكنتش
سعيد فعلا، وأني كان لازم ارجع
والجأ
لربنا لأن هو الوحيد اللي قادر يريحنا ويريح قلوبنا ويصلح حالنا.. اتعلمت أني كنت غلط لما كنت بعيد عن ربنا، وأن في قربه الراحة والسعادة……..
عقبت على حديثه بهدوء:
-يمكن لو مكنش حصل كل ده، وعملنا فرحنا في ميعاده كان حصل بعد الجواز والمشكلة تبقى أكبر، ويبقى ملهاش حل ولا رجوع، بس دلوقتي خلاص، والحمدلله على كل شيء.
ابتسم لها وقال بهدوء:
-الحمدلله.
ثم ناظرها بأعين تهيم بها
عشقًا
وتقدم بخطوات تقربه منها كي ينعم أخيرًا بقربها الذي
حُرم
منه كثيرًا
ويغنيه
عن أي وكل شيء، والذي سيكون دواء لكلا منهما ويشفي أي جروح لاتزال ترافقهم..…..……………
**********************
-أنتِ بتعملي إيه يا داليدا !!!!
طرح “نضال” سؤاله على
مسامعها
، ولكنها لم تجيب
لانشغالها
بشيء آخر عقب عودتهم من حفل الزفاف
وتبديلها
لملابسها
..
فأثناء وقوفها أمام المرآة جال
بذهنها
حمل فجر..
وتدريجيًا
تشكلت البسمة على محياها وانخفض بصرها نحو جوفها تفكر في هيئتها وبطنها المنتفخة عندما تحمل هي الأخرى..وبدون أن تشعر رفعت يديها وبدأت
تمسد
وتسير بها ببطء وطريقة اثارت دهشة نضال مما جعله يسألها..
كرر استفساره متمتم بنبرة أعلى مقارنة
بسابقتها
:
-يا بنتي بقولك بتعملي إيه؟؟
التفتت إليه أخيرًا مجيبة إياه:
-ايه يا نضال وطي صوتك ما أنا واقفة قدامك أهو هو أنا في اوضة تانية؟؟
ارتفع حاجبيه وردد
مستنكرًا
:
-طب ما تقولي لنفسك، ما أنا بكلمك مش
بتردي
؟؟ أنتِ بتعملي ايه؟؟
ابتسمت وقالت وهي تقترب منه و تسحب الوسادة الصغيرة من خلف ظهره:
-مبسوطة عشان فجر وعشان
هتجبلنا
نونو، وفكرت وسرحت في شكلي لما هبقى حامل، استنى لما اشوف كدة…
والغريب وعلى سبيل الصدمة بأنه لم ينفعل من فعلتها واخذها
للوسادة
من خلف ظهره، بل
سايرها
في هذا وقال بحماس وهو ينتقل من
نومته
في بداية الفراش إلى آخره كي يرى هيئتها بعدما تضع الوسادة:
-آه يلا ورينا كدة.
زاد
حماسها
من رد فعله
وتجاوبه
معها، و وقفت أمام المرآة مجددًا وبدأت بوضع الوسادة والتي جعلتها تبدو وكأنها تحمل عن حق.
ضاقت عينيها
وتفرست
صورتها
المنعكسة
، مستمعة لكلماته:
-الله شكلك قمر وأنتِ حامل بجد!! بقولك إيه إحنا كمان عايزين نونو نلعب بيه..
التفتت إليه وهي تضع يدها خلف بطنها
وتتقن
دورها متحدثة بتعب وإرهاق:
-تلعب بيه ايه، هو أنا
هشيله
في بطني تسع شهور
واتعب
في حمله عشان أنت تلعب بيه؟؟ ابني ده
يتلعب
معاه، وبعدين أنا حاسة أنه هيطلع زي القمر و البنات
هتجري
وراه، أنا إحساسي
مبيكدبش
..
رد بمرح سعيدًا بتلك الأجواء وما
يصنعوه
ويتحدثون حوله:
-ولد مين، انا عايز بنت
واسميها
….
صمت يفكر في اسم الفتاة قليلًا، وهي تتابعه
وتتنظر
متابعته.
لمعت عينيه عندما وجده وقال مازحًا:
-لقيته إحنا نسمي بنتنا فوزي إسم
رجولي
، عشان محدش
يبصلها
ويطفش
من اسمها وتفضل معانا العُمر كله..
عضت على شفتيها غيظ ثم علقت وهي تعدل ظهرها وتخرج الوسادة
وتلكزه
بها:
-تصدق أنا غلطانة عشان
استنيت
اقتراحك، واقولك على حاجة يا نضال لو بنت
هسميها
روفان على اسم ماما ولو ولد
هسميه
سليم، وكدة كدة اسامي ماما وبابا حلوة
وتحسها
جديدة كدة
مبتقدمش
.
ارتسم
الاستهجان على محياه
وتخصر
قائلًا:
-يا سلام وليه روفان وسليم؟؟ ليه
ميبقوش
دلال وسلطان.
-أنت
هتقلدني
؟؟ أنا اللي قولت الأول اسم ماما وبابا.
-ايه يعني قولتي الأول، بقولك إيه الواد سلطان والبت دلال
خلصانة
..
-لا مش
خلصانة
ومتخلنيش
انا اللي اخلص عليك، الواد سليم والبت روفان يا نضال.
-لا يا داليدا أمي
وابويا
يزعلوا
…
عقدت ساعديها ثم قالت باقتراح:
-خلاص إحنا نسمي البنت روفان والولد سلطان..
عقب ساخرًا وباسلوب مثير للضحك:
-روفان وسلطان أنتِ عايزة اسم امك
يتحط
جمب اسم ابويا فيقوم
أبوكي
قاتل ابويا، وامي قاتلة امك؟؟
-ايه الاوفر ده؟؟ بقولك إيه أنا غلطانة انا اصلا مش حامل، لما ابقى حامل ونعرف نوع البيبي نبقى نفكر في الإسم وانا رائي واللي
شيفاه
اسلم حل
منسميش
الأربع أسامي عشان محدش فيهم يزعل، اصل مش من قلة الأسامي يعني….
أطلق تنهيدة متمتم
باستحسان
:
-معاكي حق، الاسامي كتير ماشاء الله، اقولك احنا لازم نبدء نختار
أساميهم
من دلوقتي، دول
هيتسموا
مرة واحدة يا داليدا لازم نحسن الاختيار بدل ما العيال
يكرهونا
…
قال الأخيرة بضحكة جعلتها تضحك هي الأخرى وتشاركه الرأى مقررين البدء من الغد والبحث عن اسماء
لاولادهم
……
********************
انتهى «حسن» من عمله واغلق متجره، وقصد منزله،
واستقبلته
أنعام
بابتسامتها
الواسعة والتي لا تغيب عن وجهها بحضوره وتواجده معها.
ورغم كل ما يحمله من آلام و أوجاع إلا أنه
بادلها
بسمتها
باخرى
مرحة يخفي ورائها حقيقة ما يحدث معه…و رضخ
لحديثها
حول غسل يديه وتبديل ملابسه حتى تحضر له العشاء والذي لا يشتهيه بالمرة، ولكنه
سيأكل
منه كي لا
يحزنها
..
سيأكل
من أجلها هي فقط وكي تأكل هي الأخرى فإذا امتنع
ستمتنع
أيضًا.
مضى بعض الوقت
وتناولا
وجبة العشاء معًا وساعدها في تحويل الصحون إلى المطبخ…
وما أن انتهوا حتى
جلسا
معًا كي يشاهدان إحدى الأفلام المصرية.. و وقع اختيارها على فيلم مصري قديم..
حل الصمت أثناء مشاهدتهم وذهب هو
بتفكيره
معها، وبدون أن ينتبه تحولت تعابير وجهه وانعكس حزنه عليه
والتقطته
هي..قائلة بصوت هادئ حنون
منتشلة
إياه من افكاره:
-مش كفاية بقى؟؟
ارجعلها
يا حسن، انا
مسمحاها
، ومش زعلانة منها، البت صغيرة
واتصرفت
بطيش.. وليك عليا لو حبيت متكلمش أو
مختلطش
بيها مش هعمل كدة بس ارجعوا، مبحبش اشوفك كدة…
-ده مش طيش ياما دي قلة ادب و وقاحة، بس الغلط عندي أنا عشان سكت من الاول، انا مكنش ينفع اسكت من الأول، كان لازم افهمها أنك رقم واحد في حياتي، واني مليش غيرك، وأن الدنيا كلها في كفة وأنتِ في كفة تانية خالص..
ابتلعت ريقها وحاولت معه مجددًا:
-طيب اديك قولت أنك أنت اللي
مفهمتهاش
، واديك عاقبتها
وسبتها
وهي
اتادبت
وأمها
اكدتلي
ده.
رد بهدوء زائف:
-ده مش عقاب، انا فعلا مش عايزها، زينة لو
رجعتلها
هترجع
تعاملك اسوء من الأول عشان هي معرفتش
غلطها
ياما، هي بس تلاقي كرامتها
نقحة
عليها شوية، وبعدين
فشكلة
خطوبة دلوقتي أحسن من طلاق قدام…الطلاق ده مش هين، ده بيت
بيتخرب
…….
-طب ولو قولتلك عشان خاطري؟ انا عايزة افرح بيك
واشيل
عدلك يا بني.
تنهد واقترب من رأسها يقبلها، ثم اخبرها بنبرة
متوسلة
:
-خاطرك كبير أوي ياما، بس صدقيني هي
متستاهلش
ومبقتش
تلزمني
، ولو على الفرحة
والعيل
فتقدري
تشوفيلي
عروسة، واللي
تختاريها
وتشاوري
عليها
هتوكل
على الله
واتجوزها
وده آخر كلام عندي
ومعنديش
غيره.
*********************
بعد انتهاء كل من جابر وثراء من الأكل سويًا وتشجيعه لها الذي وصل إلى
إطعامها
بيده رغمًا عنها،
متفهمًا
خجلها من تناول طعامها معه
بأريحيه
..
محاولًا بقدر المستطاع
إزاحه
هذا الخجل وجعله يتبخر…
مدركًا بأنه لن يذهب بسهولة وسيكون عليه بذل الجهد
لصرفه
وتبدأ تعاملها معه بتلقائية دون أي حسبان مثلما تفعل بطبيعتها..
توجهت نحو الفراش وجلست عليه ممسكة
بهاتفها
، وقبل أن تنشغل به وصل إليها صوته
المستنكر
المرح:
-أنتِ بتعملي إيه نهارك مش معدي، سيبي التليفون ده..
نظرت إليه وردت عليه:
-في إيه؟؟ وبعدين إيه نهارك مش معدي دي إحنا بليل حضرتك.
اندفع على الفراش ومدد على جوفه،
رافعًا
رأسه إليها،
يجاوبها
بذات المرح التي تعشقه:
-يا راجل …انا كنت مفكر أننا لسة بالنهار وكدة.
تركت الهاتف وردت عليه تبادله مزحه:
-لا يا ظريف بليل وبعدين إيه راجل دي كمان؟؟ أنت شايفني راجل ولا إيه؟؟؟
ارتفع حاجبيه و رفع يديه واستند برأسه عليها، قبل أن يجيب عليها
بهيام
واضح:
-وهو أنا لو شايفك راجل
هتجوزك
ليه يا بنتي؟؟ ده أنتِ ست البنات كلها، ده أنا جابر على
سنح
ورمح
ودونا
عن كل اللي عرفتهم
وشوفتهم
مخطفش
قلبي غيرك وفي الاخر تيجي تقوليلي راجل، طب ده أنا
يتقطع
لساني قبل ما اقول كدة يا ست البنات، ويا جميلة الجميلات…
حاولت، وحاولت، وحاولت في كبح بسمتها وانعكاس سعادتها الممزوج ببعض الحياء، ولكنها فشلت وأخذت البسمة مسارها على وجهها، معلقة بهدوء:
-اثبت على حاجة بقى، ما هو ست البنات، يا جميلة الجميلات..
-الله !! يا ستي أنا حر، أنا شايفك ست البنات وجميلة الجميلات…
صمت وتابع تبدل تعابيرها من حين لآخر، وكأنها تحاول إلا تفضح أمر
سرورها
وكل ما يحدث معها أمامه..
تنهد بصوت ثم قال بنبرة جدية
متخليًا
عن مزحه:
-أخبريني جميلتي، لماذا
قررتي
تسمية ابنتك القادمة
بأسم
“معرفش” دونا عن جميع الأسماء..
فـ لكِ أن تتخيلي ما سيحدث عندما يقوم أحدهم
بسؤالها
عن اسمها وتخبره بـ معرفش !!!!
حقًا
سيخبر
ذاته بأنها حمقاء لا تستطع معرفة اسمها
وياليتها
تتوقف عند حمقاء فقط….
ضاقت عينيها وردت عليه بجدية وطريقة مماثلة له:
-اخبرني أنت عزيزي جابر، كيف ظننت أنني حقًا
سأسمي
ابنتي بـ معرفش..يا رجل وهل هناك إسم كهذا…
هب من
نومته
و وقف على ركبتيه على الفراش وهتف بأعين متسعة:
-كيف ظننت مين، مش أنتِ قولتي معرفش لما سألتك
هنسميها
إيه؟!!!! أنتِ
بتضحكي
عليا،
بتشتغليني
!!!!
ردت عليه دون أن تتحرك من مكانها:
-أيوة فعلا قولت معرفش بس معرفش هنا ده مش اسم، انا فعلا معرفش
هسميها
ايه، ولسة عايزة أفكر..
-يعني إيه؟؟ دلوقتي بنتي ملهاش إسم؟؟
-لا إن شاء الله ليها، بس لما يبقى يجي وقتها…
هز رأسه
مؤيدًا
لها:
-صح أنتِ صح، كل ده هري و رغي ملوش أي تلاتة و ستين لازمة…
ردد الأخيرة وهو يدنو منها، ينوي الظفر بعشقها وتحقيق ما كان يحلم به، وظن يومًا بأنه
مستحيلًا
، وها هو الذي ظنه مستحيل يتحقق،
وحظت
بحب ومشاعر ذلك الشاب والذي كان كارثة حلى عليها من حي شعبي، ذو علاقات متعددة، أخفى الكثير والكثير خلف قناع مزيف رسمه لسنوات على وجهه، قناع سقط أمام عائلته واعترف بكل ما يكمن
ويجتاح
صدره، وتبدل من بعدها وأصبح شخصًا آخر، أكثر
تقربًا
من الله عز وجل،
مانعًا
ما كان يفعله من قبل،
مانحًا
قلبه ومشاعره لتلك
المدللة
وجميلة الجميلات كما أطلق عليها….
***********************
-خليل أنت نمت؟
سألت فجر زوجها النائم جوارها مستندًا برأسه على كتفيها ويحتضنها وعلى مشارف الغط في نوم عميق..
رد عليها بهدوء وصوت يشوبه النعاس:
-لسة بس على وشك، عايزة حاجة؟
قلبت عينيها، قائلة بصراحة وقلق حاولت إخفائه:
-هو أنت ممكن يفرق معاك وزني ؟ قصدي يعني لو شكلي اتغير شوية وتخنت عشان الحمل ممكن تبص برة؟
فتح عينيه ورفع رأسه عن كتفيها يجيب عليها بهدوء شديد:
-أنتِ عبيطة يا فجر؟ هو أنا بتاع ابص برة؟؟؟
رفعت عينيها وتقابلت عينيهم تسأله:
-اومال أنت بتاع إيه؟؟
رد عليها بكل صدق وحب:
-أنا بتاع فجر، يعني سواء طويلة أو قصيرة، بيضا أو سمرا، رفيعة أو مليانة مش هقول تخينة لأنه لفظ مبحبوش، هفضل أحبها، لاني حبيت فجر وحبيت روحها مش شكلها أو طولها أو وزنها أو لونها، ولو أنا بحب ملامحك وشكلك فـ ده عشان بتوعك أنتِ، يعني حتى لو شكلك اتغير هفضل أحبك وحبي ليكي مش هيقل أو هيتأثر بالتفاهات دي..
انفلت منها ضحكة سعيدة ودمعت عينيها، محتضنة وجهه، تخبره بكل حب يتواجد بداخلها نحوه:
-مش عارفة أرد واقول ايه بجد؟؟؟ بس ممكن أقول أني محظوظة بيك، وأني بحبك أوي يا خليل، بحبك أوي.
بادلها اعترافها متمتم بحب مضاعف:
-ده أنا اللي محظوظ، أنتِ نعمة يا فجر هفضل أشكر وأحمد ربنا عليها، ومش عايزك تفكري تاني بالطريقة دي، لاني حبيتك من قبل ما اشوفك، واللي بيحب بجد ومن كل قلبه مبيفرقش معاه شكل اللي قدامه، وهيحبه زي ما هو، و لو فرق معاه يبقى هو من الأساس محبوش، وحب شكله عشان كدة لما اتغير حبه كمان اتبدل واتغير، وانا مش كدة يا فجر، وهفضل أحبك لآخر عمري ولآخر نفس.
***********************
باليوم التالي، دوى رنين هاتف خالد بأرجاء الغرفة مسببًا إيقاظه من نومه قبل موعده، كما تسبب في إيقاظ أبرار والتي فتحت عينيها وتابعته وهو يلتقط الهاتف ويرى المتصل، قائلة بصوت يشوبه النعاس:
-مين يا خالد اللي بيتصل الصبح كدة.
لم يدري بما يجيبها، هل يخبرها بأنها “نيفين” أم يكذب عليها ولا يخبرها كي لا تشعر بالحنق ويتسبب في عكر صفوها طيلة اليوم.
ابتلع ريقه بتوتر، فانتبهت إلى صمته و استمرار رنين الهاتف.
رفعت راسها وسندت بمرفقيها على الفراش تناظره بنظرات قلقه:
-خالد، بكلم معاك على فكرة وبسألك مين اللي بيتصل؟؟؟
حسم آمره وقرر قول الحقيقة لها، فالكذب لن يجدي نفعًا، بل سيقلب الأمور ضده ويزيدها سوءًا وهو بالأساس لم يفعل شيء.
رد عليها قبل أن يفتح الهاتف ويتحدث معها أمامها كي يرى ما لديها:
-دي نيفين.
تلك المرة اعتدلت وجلست على الفراش بدلًا من النوم متابعة ما يحدث وحديثه معها.
“نــــعم، متصلة ليه دلوقتي مش قادرة تستني كام ساعة لحد ما الواحد يصحى؟؟ ”
وصل إليه ضحكاتها، مجيبة إياه بسخرية واستهزاء:
“معلش مكنتش اعرف أنك نايم، وبصراحة اللي عندي مينفعش يتأجل لازم اعرفك بيه.”
قطب حاجبيه وسألها:
“هو إيه ده اللي مينفعش يتأجل وعايزة تعرفيني بيه”
وببسمة منتصرة ردت عليه كي تعكر صفوه و مزاجه ويومه:
“كل خير، أنا هتجوز، وفرحي الاسبوع الجاي.”
انتفض من على الفراش و ردد بغضب وما لم تتوقعه:
“وأنا مالي؟؟؟ مصحياني من نومي عشان تقوليلي حاجة لا تهمني ولا تخصني؟؟ انا مالي هتجوزي ولا لا، كلامك ملوش فايدة عندي، وأنتِ متهمنيش بحاجة يا نيفين عشان ازعل أو حتى افرح، بيني وبينك ابنك اللي أنتِ رمياه، لا بتكلميه ولا بتشوفيه، خلتيه يتيم الأم، وأنتِ عايشة على وش الدنيا، وبكل بجاحة جاية تقوليلي هتجوزي؟؟؟؟؟ ”
الجمها، وعبس وجهها، ظنت بأنها ستضايقه وتثير حنقه بخبر زواجها من آخر، إلا أنه لم يحدث ما رسمته بمخيلتها وكان رده عليها بمثابة صدمة، وانقلب مخططها عليها هي !!!
ابتلعت ريقها واستمعت لصوت أبرار والذي زاد وفاقم حالتها سوءًا وهي تخبره:
-خالد أهدأ و وطي صوتك، وسام هيسمعك.
لم يجيب عليها، وتابع بذات الغضب والنبرة العالية:
“انا عايز أعرف أنتِ هتنزلي من نظري اكتر من كدة إيه؟؟؟؟ وعايزة منى إيه؟؟ وتوقعتي ايه؟؟ توقعتي مثلا أني هقولك لا متجوزيش، وهتحايل عليكي أو حتى هحن ليكي، أنتِ غبية للدرجة دي؟؟؟”
وبصعوبة قالت:
“خالد احترم نفسك، انا عاملة حساب أنك أبو ابني”.
رد باستهزاء واضح منفجرًا بها:
“والله انا مُحترم، ومحترم نفسي، الدور والباقي عليكي يا نيفين هانم، يا اللي ناسية اصلا ابنك اللي بتكلمي عنه، وعلى فكرة أنتِ فعلا متفرقيش معايا ببصلة وده مش كلام أبدًا دي حقيقة وربنا يكون في عون اللي هتجوزيه لو هو مش شبهك، ولو شبهك فـ ربنا يهني سعيد بسعيدة، والحمدلله أني فتحت بعد ما كنت أعمى، والحمدلله أن ربنا رزقني و رزق وسام بـ أبرار اللي احن عليه منك مليون مرة……..”
اغلق بوجهها بعدما القى كلماته الاخيرة، محاولًا التحكم بعصبيته وكيف جعلته يغضب ويخرج عن هدوئه..
نهضت أبرار ونظرت لصدره الذي يعلو ويهبط بشدة، فزفرت قائلة بهدوء شديد:
-ممكن تهدأ.
انفعل من كلماتها التي تكررها ورد عليها :
-أبرار لو سمحتي بطلي تقوليلي أهدأ أنا مش بشد في شعري قدامك، وانا هادي على فكرة.
تخطت انفعاله عليها، وقدرت وضعه وحالته وحساسيته فيما يخص ابنه، متفهمه ضيقه وحزنه من أجل صغيره، وقالت:
-لا يا خالد مش هادي وشايط، وانا مش عايزاك تحرق دمك على الصبح، يلا روق.
-اروق إزاي دي تعصب بلد، قال متصلة تقولي أنها هتجوز وأنا المطلوب مني اغير واضايق واقولها ملكيش جواز من كتر ما هي عدلة اوي، ما تغور في ستين داهية..انا كل اللي معصبني الغلبان اللي مش فارق معاها ده ومبتسألش عليه، وأنها بجد فاكرة نفسها حاجة واني هتأثر وهدي رد فعل.
تنهدت وضمته إليها مرتبة على ظهره تبثة الهدوء والسلام النفسي، متمتمة:
-أنت فعلا اديت رد فعل بس عكس اللي هي توقعته، وبعدين أنا بقولك اهدا عشان مش عايزة وسام يسمعك دي مهما كان مامته ومينفعش يسمعك بتزعق فيها، أو بتتخانقوا، لأنه مش هينسى وهتفضل تكبر معاه، ومتنساش أنها مش بتسأل عليه يا خالد ولا بتشوفه، وده برضو اكيد مأثر معاه..
اخذت أنفاسها ويدها لا تتوقف عن الربت على ظهره، متابعة:
-ولو مش مأثر معاه دلوقتي أو لسة مش مستوعب هيبقى قدام لما يكبر ويفهم ويستوعب اللي بتعمله واللي بيحصل، احنا لازم منسمحش أن ده يحصل، لازم نعوضه غيابها يا خالد، انا مش عايزة وسام حالته بعد الشر تتأزم نفسيًا، أنت لازم تبقى هادي وتصاحبه، وأنا هكونله الأم والصديقة…
خرج من أحضانها، والتقط يدها وعينيه لا تتحرك عنها، متمتم بامتنان وحب:
-أنا مش عارف ارد عليكي اقولك إيه؟؟ بس أنتِ اثبتيلي أن الأم مش بس اللي بتخلف، الأم هي اللي بتحتوي وبتخاف، أنتِ فكرتي في وسام وأنتِ مرات ابوه، عملتي اللي أمه معملتهوش، معأن اللي بسمعه واعرفه أن مرات الاب بتبقى شريرة الحكاية.
ابتسمت وقالت مازحة:
-صوابعك مش زي بعضها يا أستاذ خالد، والاتنين سواء الأم أو مرات الأب فيهم الحلو والوحش مينفعش نعمم على كل مرات أب أنها وحشة وشريرة، ومينفعش نحكم على كل أم أنها فعلا تستاهل تبقى أم، في أمهات ميستاهلوش ظفر عيالهم وميعرفوش قيمتهم…..
-صح، كلامك مضبوط وميه ميه .
ابتسمت له وقالت وهي تدفعه بمرح تجاه دورة المياه:
-طول عُمري بقول كلام مضبوط وميه ميه، ويلا بقى ادخل الحمام عقبال ما اصحي وسام واجهزلكم الفطار، واعمل حسابك مفيش شغل انهاردة وهتقعد معانا، ولعلمك أي رفض مش مقبول نهائي يا حضرت المحامي……
هز رأسه من جنونها وهو ينوي فعل ما تهتف به، فاليوم ليس هناك ما يستدعي خروجه وتوليه أمره بذات نفسه، ويمكنه أخذ راحة وجعل من يعملون معه بمكتبه يتولون أمور العمل اليوم بدلًا عنه…..
**********************
وقفت زينة على بُعد خطوات من متجر حسن، فقد امتنعت عن الذهاب لعملها وأخذت هذا اليوم كي تستريح، وتحاول إصلاح الأمور معه.
فقد افتقدته في تلك الفترة إلى حد لم تتوقعه، جعلها تدري بأنها لا تستطع العيش بدونه، ولو استطاعت لن تتمكن من حب رجل غيره والزواج به.
فقد استولى على قلبها وانتهى الأمر.
والآن عليها مصالحته وامتصاص غضبه وتبدل معاملتها مع والدته كي ترضيه.
سحبت نفسًا عميقًا وهي تحفز ذاتها على التحرك وفعلها..
لحظات وكانت تقف على أعتاب المتجر، ومن حُسن حظها وسوء حظه هو رؤيته لها على الفور وكأنه قد شعر بتواجدها من حوله.
لم يبتسم أو يبدي أي تغييرات على وجهه بل ظل كما هو..
و رغم أن تعابيره لا تبشر بالخير إلا أنها حركت رأسها وطافت بعينيها بالمتجر، فلم تجد سوى العامل لديه..
دنت منه و وقفت أمامه وبينهم ذلك الحاجز من الزجاج الحامل للكثير من البضاعة، قائلة بصوت خافض:
-حسن ممكن اتكلم معاك؟
مط شفتاه وقال ساخرًا:
-مفيش كلام بيني وبينك عشان مفيش حاجة بيني وبينك تربطنا ببعض، أنتِ جارتي وبس، وده محل اكل عيش، لو نقصك حاجة وجاية تشتريها كان بها، مفيش يبقى اتكلي أحسن.
زاغت عينيها وبنبرة خافضة أكثر ترجته متمتمة:
-عشان خاطري يا حسن.
وبصوت عالى رد عليها، متحركًا من مكانه موليًا إياها ظهره مدعيًا انشغاله بتبديل اماكن بعض البضائع..
-ما قولتلك يا ست الدكتورة اللي عندي، ولا انا بكلم هندي؟؟
ادركت بأنه لا فائدة ولن يجعل العامل يذهب لدقائق حتى تنتهي وتلقي ما لديها..
ولذلك قررت الحديث والبوح بما يكمن قلبها وشعرت به خلال هذا الشهر مقتربة منه عدة خطوات معدودة، قائلة بصوت لم يصل إلا إليه:
-عارفة أنك زعلان، وأني في اخر مرة شوفتك فيها بدل ما اكحلها عميتها، بس صدقني يا حسن انا مش وحشة، ومش بكره مامتك، وانا أسفه عشان زعلتك وزعلتها ولو تحب كمان ممكن اعتذرلها، وصدقني مش هتكرر تاني.
ارتفع جانب ثغره والتفت إليها، وعقب ساخرًا:
-معقولة؟؟ حضرت الدكتورة بشحمها ولحمها بتعتذر لابن أمه؟؟
هي الدنيا جرا فيها إيه؟؟
وبعدين أنتِ شيفاني عبيط ولا بريالة، فاكراني ممكن اصدق واقبل اسفك اللي ملوش اي تلاتين لازمة وارجعلك وبعد كدة معاملتك تتغير فعلا مع أمي بس هتبقى للاسوء، وأنا للاسف معنديش اي إستعداد اتجوز وبعدين اطلق، أنا راجل عايز يعيش في هدوء وسعادة ويخلف صبيان وبنات، مش مشاكل وطلاق، عشان كدة إحنا بح..
سكن للحظات مختطفًا نظرة نحو العامل الذي لا يشغل باله بهم ويوليه ظهرهم، مضيفًا بقسوة ونبرة صوت حافظ على خفضها قدر الإمكان:
-اللي متحطش أمي في عينها، مبشوفهاش، وغير كل ده انا خلاص هتجوز وقولت لأمي تدورلي على عروسة بعد ما حاولت معايا عشانك و عشان ارجع لك وأنا اللي رفض ده ومش عايز، شوفتي بقى أمي اللي قليتي ادبك معاها وعليها بتعمل إيه؟؟ وأنتِ عملتي إيه؟؟ بس معلش الواحد مبيتعلمش ببلاش.
لاحت الصدمة على وجهها، فلم يكن ينقصها سوى تلك الخطوة وهي زواجه من أخرى، قائلة برفض وعدم تصديق:
-يعني إيه هتتجوز؟؟ طب وانا؟؟؟ انا هعمل إيه، أنا حبيتك!!
طب ليه قربت مني واهتميت بيا، ليه عشمتني بقربك وبحبك لما أنت ناوي تعمل فيا كدة؟
برز فكيه واسودت عينيه وقال ببرود وشراسة:
-شوفتي؟؟ عرفتي أنك مش همك غير نفسك..
كل كلامك متمحور حوليكي أنتِ وبس، لكن اللي حواليكي طز فيهم، زي بضبط لما جرحتي امي قدامنا مفكرتيش في اللي هي هتحس بيه، ولا اللي أنا هحس بيه لما تكلمي امي كدة قدامي، بقولك ايه امشي عشان أنا مش ناقص حرقة دم، قال بتحبيني قال، يا ستي بناقص من حبك ده لو بالشكل ده…
***********************
ولج “وسام” المطبخ، مثبتًا بصره على أبرار التي تتنقل من مكان لآخر وتعد لهم الأفطار، يسألها بصوت ناعس:
-مامي ينفع أساعدك؟
التفتت إلى صوته وقالت بمشاغبة وعينيها تشير تجاه إحدى الصحون:
-وهو أنا اطول وسام بنفسه يساعدني، بص خد الطبق ده وديه على السفرة يلا، بس على مهلك وانت شايله عشان متوقعش يا حبيبي…
اماء لها واقترب من الصحن التي أشارت نحوه…وقف على اطراف قدميه ومد يديه، ثم حمله واستدار بجسده كي يخرج به.
واثناء خروجه كاد يصطدم بجسد والده والذي كان على وشك الدخول ولكنه تحاشى أي تصادم وهتف بصوت عالى مازحًا مع ابنه:
-يا عم بص قدامك يا عم وأنت ماشي كنت هتشلني من على الارض..
ضحكت أبرار بينما نفى وسام برأسه يخبره:
-لا متخافش يا بابي مش هيحصل انا مش هعرف اشيلك اصلا أنت تقيل…
اتسعت عين خالد وهتف بصدمة:
-مين ده اللي تقيل !!!
ردت عليه أبرار تؤكد ما استمع إليه:
-أنت طبعا هيكون مين غيرك، و بعدين وسع بقى خليه يروح يوديه على السفرة…
صر خالد على اسنانه ورد وهو يحاول أخذ الصحن من يد ابنه:
-طب ايه رأيكم بقى مش موسع و هات الطبق ده انا اللي هوديه…
ضاقت عين وسام واحتج وصاح رافضًا بطريقة طفولية:
-لا أنا اللي هوديه، الاطباق عندك كتير خد منهم، ده طبقي ملكش دعوة بيه…
-طب ايه رأيك تاني بقى أنا اللي هاخد ده يعني هاخد ده…
اغتاظ وسام وانحنى برأسه غارزًا أسنانه بيد خالد والذي ترك الصحن وابتعد عن طريقه أخيرًا مردد:
-أنت بتعضني يا قليل الأدب يا مهزق..هو فيه واد محترم مؤدب متربي يعض أبوه !!!!
وقبل أن يتحرك وسام ويذهب كي يضع الصحن رد عليه ببساطة وبسمة مرحة مازحًا معه
-بابي، نسيت اقول لحضرتك أني مش متربي أصلا ومش مؤدب، أنا قليل الأدب…
اتسعت عين خالد وطالع أبرار والتي دافعت عنه قائلة من بين ضحكاتها:
-أنت مبرقلي أنا ليه طيب، أنا مالي، وبعدين بيهزر معاك، هو عضك اوي يعني؟؟؟
مال خالد على أذنيها بعدما تأكد من غياب وسام وذهابه يهمس لها:
-لا سنانه خفيفة، بس أنا لازم احبكها عشان يعرف أنه عيب اللي هو عمله ده، ولما اعمل زعلان هيخاف يكررها تاني….
ابتعد عنها يغمز لها فقالت :
-تصدق أنك لئيم..
جاء وسام بتلك اللحظة فعاد خالد إلى تلك التعابير المحتقنة الغاضبة وانتبه إليه وسام ومن نفسه اقترب منه ونادي عليه :
-بابي…بابي…
وبجمود رد عليه عاقدًا ساعديه:
-أنا مش بابي روح شوفلك بابي غيري…
-لا أنت بابي ولو زعلان عشان عضيتك خد ايدي اهي عضني بس براحة عشان انت سنانك كبيرة وانا صغير…..
ورغمًا عنه ابتسم وحمله وقال وهو يداعب جوفه وعنقه:
-لا مش هعضك عشان أنا مش وحش زيك، بس متعملش كدة تاني…
ومن بين ضحكات وسام أكد لوالده:
-حاضر والله ما هعمل كدة تاني……
بعد وقت كانوا يجلسون حول المائدة ويتناولون الطعام في أجواء لا تخلو من المرح و اللهو..
ولم يقاطع تلك الجلسة سوى هاتف خالد واضطراره للرد..
تركهم وابتعد بالهاتف، وتابعه وسام وما أن تأكد من ابتعاده حتى همس لـ أبرار:
-مامي ممكن اطلب منك طلب قد كدة…
أشار لها مع هتافه الأخيرة إلى صغر طلبه..
مسكت يديه وقبلتها تؤكد هذا:
-أنت تطلب اللي أنت عايزه وانا عليا انفذ..
سعد واجاب:
-أنا عايز اروح انهاردة لجابر واشوفه، لازم اتكلم معاه في موضوع ضروري اوي، ومش عايز اقول لبابي عشان ممكن يقولي لا….
رفعت حاجبيها بتفكير قائلة بتخمين:
-افهم من كدة أنك عايزني اقوله..
اماء لها وهز رأسه عدة مرات متتالية…فقالت ملبية له طلبه:
-طلباتك أوامر يا استاذ وسام وسيب بابا عليا…..
*********************
استيقظت «وعد» من نومها الذي طال، وفتحت عينيها والتي وقعت على الفور على أشرف النائم جوارها..
ارتكزت حدقتيها عليه ثم انتبهت لذلك الضوء الذي يمر من زجاج الشرفة..
اتسعت عينيها وقالت ببلاهة:
-ايه ده إحنا روحنا امتى؟؟ احنا مش كنا لسة في الفرح؟؟
حاولت عصر ذهنها وعلى الفور لانت قسماتها متذكرة ما حدث معها وكيف شعرت بالنوم يتمكن منها ورغم محاولاتها للافاقة وعدم الاستسلام إلا أنها فشلت وآخر ما تتذكره هو تلك المحاولات التي باءت بالفشل…
اتسعت عينيها وعادت بانظارها نحو أشرف، ماددة يدها تقظه وتسأله معًا:
-أشرف… أشرف هو ايه اللي حصل امبارح؟؟؟
استيقظ معها وفتح جفونه، ثم سرعان ما هب وجالت عينيه عليها يستفسر منها بقلق:
-صحيتي اخيرًا؟؟ أنتِ كويسة؟
اماءت برأسها قائلة:
-زي الحصان، بس إحنا روحنا امتى أنا آخر حاجة فكراها أننا كنا في الفرح، وانا قاعدة حسيت اني عايزة انام اوي، وقعدت اعافر واحاول اني منمش، وبس كدة مش فاكرة حاجة تاني..
تنهد براحة ثم مدد جسده مرة أخرى يخبرها بما حدث:
-اللي حصل بقى أنك نمتى وأمي اتخضت عليكي والناس اتلمت حوليكي وكنا خايفين عليكي، بس طلعتي نايمة وحاولنا نصيحكي وأنتِ ولا الهوا، وفي الاخر شيلتك وروحت بيكي..
ضاقت عينيها واخبرته بشك مدعية الدهاء:
-ايه ده بقى؟؟ ازاي يعني حاولتوا تصحوني ومصحتش ومحستش كدة في حاجة غلط، وأنا لازم اعرف إيه اللي حصلي بضبط !!!
علق أشرف بصوت ناعس:
-اها يلا بقى روحي دوري وسبيني أنام.
صمتت وظلت تفكر وعندما لم تجد جواب لأسألتها، نفضت تفكيرها وتذكرت أمر هديتها التي عليها الذهاب وجلبها اليوم شاعرة بالحماس يتمكن منها لرؤية رد فعله وعندما زاد ذلك الحماس والفضول حثت نفسها على الهدوء فـ عاجلًا أم اجلًا
سيراها
وترى هي رد فعله……………………..
نظرت بالساعة وأدركت الوقت، ثم
نهضت عن الفراش كي تستعد، منادية عليه مرة أخرى:
-أشرف.. أشرف انا خارجة ها، هروح اجيب الهدية اكيد وصلت البنت كانت قيلالي هتبقى موجودة بدري…..
رفع رأسه عن الوسادة متمتم بضجر وعدم وعي:
-روحي وربنا يستر، ويكون في علمك لو طلعت زي المرة اللي فاتت كدة هطلقك.
ردت بمرح، مازحة معه وهي تخرج ملابسها:
-هطلقني إيه، ده أنت لو تطول وينفع تتجوزني تاني هتعملها من كتر حلاوتها……………..
يتبع.
فاطمة محمد.
رأيكم وتوقعاتكم بقى. 🌚❤️
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية كارثة الحي الشعبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.