رواية كارثة الحي الشعبي – الفصل الثامن والسبعون
الفصل الثامن والسبعون
أنظر جيدًا.
كارثة الحي الشعبي.
فاطمة محمد.
الفصل الثامن والسبعون:
استيقظت «وعد» من نومها، وظلت كما هي مُمدة على الفراش لا تقدر على النهوض بعد..
حركت رأسها منتبهه لنوم القط بجوارها على الفراش، فأبتسمت عليه..مدركة مدى حبه نحوها.
تقلبت ونامت على جانبها توليه وجهها، رافعة يدها تمررها عليه بحنو وحب..متحدثة معه بصوت يشوبه النعاس:
-صباح الخير على اللي بيحبني وبينام جمبي يا ناس..طلعت امتى نمت جمبي ها..
فتح عين واحدة طالعها ثم عاد يغلقها مرة أخرى..فأزدادت ابتسامتها اتساعًا و انحنت برأسها لمستواه وطبعت قبلة على رأسه..
ثم تقلبت مرة أخرى وباتت نائمة على ظهرها تحدق بسقف الغرفة وبسمتها تختفي عن وجها تدريجيًا.
فلا تدري متى ستعود الأمور لما كانت عليه وتنصلح علاقتها مع حبيبها و زوجها «أشرف».
هزت رأسها وهي تعنف ذاتها فاخر شيء عليها التفكير به هو المصالحة..وعليها التفكير فقط في كيفية عقابه لما فعله معها وكيف جرحها وترك ندوب بقلبها..
“متخلفة، مفيش نتصالح..في اخاصمه وبس.. أنا مش هكلمه بجد ولا حتى هفكر فيه..”
انتهت من حديثها مع ذاتها ليصدح على الفور رنين هاتفها معلنًا عن اعتراضه وقراره الذي يعارض قرارها..
حركت رأسها تبصر هاتفها الموضوع على الكومود بجوارها، والتقطته بلهفة وكأنها تشعر بأنه هو.
وبالفعل صدق حدسها وعلمت بأنه من يهاتفها ويرغب في الحديث معها..
ظهرت الحيرة على تعابيرها..ورغبت بالرد والاستماع لصوته وتلبية نداء قلبها… وعندما شارفت على فعلها وضرب تعنيفها لذاتها بعرض الحائط و رفع الراية البيضاء…
لحقت ذاتها ونهرها عقلها..ولم تفعل سوى إنهاء المكالمة مبدية رفضها للحديث معه.
“لا مش هرد عليك..انا مخصماك بجد..وفعلا مش هكلمك ولا هرد عليك روح كلم أخوك بقى الكداب…”
زفر أشرف وتكاظم حنقه من فعلتها وحرمانها إياه من الاستماع الى صوتها..
سحب نفسًا عميقًا حبسة داخل صدره لثواني ثم زفره..
وظل يكررها عدة مرات حتى هدأ يخبر ذاته بأنها محقة ومعها كامل حق كي تفعل هذا فما فعله لم يكن بالهين..
“أهدا يا أشرف..ومتتعصبش..كل حاجة هتتصلح..وانهاردة مش هيعدي غير وانت مصالحها..”
رفع يده اليمنى و بأنامله بدأ يحك جبينه يعصره يفكر في شيء يفعله الآن..
بعد وقت من التفكير وجد ذاته يأتي بتطبيق
الـ(واتس آب) ويفتح المحادثة الخاصة بها..
وضع يديه على مسجل الصوت..
وسجل عدة ثواني فارغة…دون صوت..فقط سكون..وصمت مريب.
أزال يده عن المسجل وتركه يصل إليها..وبسمة بسيطة تأخذ مسارها على وجهه وهو يترقب فتحها له والاستماع إلى هذا السكون التام.
نما إليها صوت رسالته..فرأتها من الخارج و وجدته تسجيل من المؤكد يحوي على حديث وكلمات منه..
نهضت من نومتها وانتظرت دقيقة كاملة ثم قامت بفتحه والاستماع إليه.
انعقد حاجبيها أثناء استماعها لما أرسله فقد كان فارغًا لا يحوي على أي شيء سوى الصمت.
حقًا أهذا ما يرسله لها عوضًا عن التحدث والاستمرار بالاعتذار !!!!!
وقبل أن تترك الهاتف كان هو سعيدًا باستماعها إلى التسجيل..فسارع بأرسال آخر..لكن تلك المرة كان يتحدث به..
فتحته هو الآخر واستمعت لمحتواه والذي كان كالآتي:
“اكيد مستغربة الريكورد اللي قبليه وليه كان فاضي..بس انا حبيت اديكي نبذة بس عن حياتي ويومي عامل إزاي من غيرك…..و زي ما انتِ سمعتي و يؤسفني اني أقولك أنهم فاضيين….”
اقتحمت البسمة وجهها وهي تستمتع إلى رسالته، وتراقصت الفرحة في عينيها..ورغم تلك الفرحة والسعادة إلا أنها لم تجيب عليه وفضلت ألا تجيب..تاركة هاتفها..والفراش بوجهه مبتسم تستعد لبدء يومها..
أما هو فلم ينتظر منها جوابًا يكفيه فقط استماعها لما أرسله..
كما بدأ بعصر ذهنه يفكر بالخطوة القادمة.
_____________________
ذهبت «مريم» والدة فجر رفقة شقيقة فجر الصغرى سديم و رحمة وأخريات من فتيات العائلة أمثال ثراء..و وعد التي رغبت بالذهاب لرؤية فجر أولًا وحبيبها التي تعاقبه ثانيًا…إلى منزل «سلطان»..
فأستقبلتهم دلال ببسمة مرحبة بهم وتحركت معهم نحو حجرة الصالون..وما أن جلسوا حتى أستأذنت منهم قائلة…
-طيب عن إذنكم يا جماعة هطلع ادي خبر للعروسين عشان ينزلوا يقعدوا معاكم شوية..
غادرت وتركتهم وأثناء تحركها هذا قابلت جابر بوجهها فأوقفته مشيرة نحو الاغراض اللواتي جاءوا بها أهل العروس من أجل ابنتهم:
-واد يا جابر روح شيل الحاجات اللي هناك دي دخلها المطبخ..وبعدين ادخل اقعد مع الضيوف..
-مين اللي جاب الحاجات دي..وضيوف مين؟؟
وقبل أن تجيب كان يخمن:
-متقوليش ثراء هنا…
مصمصت شفتيها وهي تجيب وتهم بالصعود:
-اه يا اخويا هنا…
انفرجت أساريره و عقب صعود والدته بدأ يراقص جسده سعيدًا بمجيئها هذا….
توقف عن الرقص واتجه إلى حيث يتواجدون…
متحدث بأسلوبه المرح وعينيه تبحث عنها :
-يا صباح الخير والجمال..…
ردوا عليه معًا عدا هي مطرقة رأسها تتفادى النظر نحوه:
-صباح النور..
وجدها وحملق بها لثواني فقط..بعدها أبعد عينيه ونهر نفسه مقتربًا منهم جالسًا معهم راسمًا البسمة على وجوههم بخفة ظله…
وظلت هي تتفاداه وهو لا يتحدث معها..منتظرًا فرصة للحديث معها دون أن يثير أي شكوك نحوه..
هنا وكف عن الحديث يخبر ذاته بتهكم:
-شكوك مين يا بن الهبلة اللي متثرهاش..ده انت مفضوح وكلهم عارفين أن عينك منها….
دخل أشرف بتلك اللحظة ولم يبحث كثيرًا بين الحاضرين.. فوجدها بسهولة شديدة مثبتًا حدقتاه عليها مغمغم:
-ازيكم يا جماعة عاملين إيه..
-الحمدلله..
هكذا أجابوا عليه..فابتسم لهم وهتف بأسمها يطلب منها المجئ معه راغبًا بالحديث معها..ثم تفوه مستاذنًا من والدتها:
-وعد تعالي عايز اتكلم معاكي..معلش يا حماتي هأخد وعد ثواني..عايز اتكلم معاها..
-اتفضل يا حبيبي..
نهضت وعد على مضض وتحركت رفقته غائبين عن أنظارهم..
التقطتهم عين دلال الفضولية و التي كانت تهبط بعد أن أخبرت خليل بتواجد والدة زوجته بالاسفل..و رأتهم يخرجون للحديقة..
بالخارج، وقفت وعد بمواجهته..راسمة الجمود..متعمدة ألا تعكس تعابيرها مشاعرها بتلك اللحظة محدثة ذاتها:
“خليكي باردة..واسمعيه واياكي تنخي…سامعة اياكي تنخي يا وعد…”
انتشلها صوته من الحديث مع ذاتها وفي سرها مغمغم بنبرة هادئة…تحمل الكثير والكثير بين طياتها:
-وعد أنتِ لازم تسامحيني..ماشي..لازم تسامحيني..
اكفهر وجهها تستنكر كلماته مجيبة عليه:
-هو ايه لازم دي؟؟ عافية هي ولا إيه !
-لا مش عافية بس انا عارف أن قلبك كبير..وأبيض..و رهيف وهيسامحني…هيسامحني عشان أنا يومي فاضي من غيرك فعلا من كلام وخلاص..الطعم واللون اللي في حياتي مبقوش موجودين…وده خلاني اعرف سببهم ومصدرهم…وعد أنا..
صمت لم يضيف حرف آخر..ابتلع ريقه وبلل حلقه الذي جف فها هو على وشك الاعتراف أخيرًا بما يحمله نحوها من حب وعشق جعله يتألم بالفترة الماضية ويدرك قيمتها وما هي بالنسبة له.
-أنت إيه ؟؟؟
-انا حمار، انا اللي كنت دايما بسمع أن الواحد مبيعرفش قيمة اللي في أيده واللي معاه غير لما يبعد عنه…
انا عرفت أني مكمل معاكي عشان بحبك يا وعد.
بحبك زي ما أنتِ..من غير ما تتغيري..بحبك وأنتِ بتقوليلي يا أشف..وبحبك وأنتِ رعد..وبحبك وأنتِ مدام كركدية..
ترقرقت الدموع بعينيها أثناء حديثه لا تصدق ما تسمعه وما ينطق به..تشعر بأنها داخل حلم..وستستيقظ منه على حقيقة مفجعة…
تحررت دموعها ولفحت بشرتها..فرفع يديه يزيل لها تلك الدموع مقتربًا منها أكثر وأكثر يخبرها بأسلوب مرح كي يخفف عنها ما تشعر به:
-متعيطيش..انا مموتش..ده أنا بعترفلك أني بحبك يا بت..
رفعت عينيها ورمقته بشرار تزامنًا مع رفعها ليدها اليمنى وبدئها تسديد ضربات بسيطة على ذراعيه مرددة بحنق وسخط:
-بعد الشر عليك..ومتقوليش متعيطيش..هعيط ملكش دعوة..واقولك حاجة كمان انا ولا كأني سمعت حاجة..حلو أوي قال جاي تقولي بحبك وأنا مخصماك..فاكر انك كدة بتأثر عليا مثلًا.. بتحلم…
قالت الأخيرة وهي تتوقف عن ضربه..منطلقة من مكانها..فألتفت بجسده يرمقها بحب وهيام مغمغم بصوت وصل إليها:
-بحبك يا وعد..ويمكن اكون تخطيت مرحلة الحب كمان معاكِ…أنا آسف.. حقك عليا وعلى رأسي..
توقفت و رفعت يديها تمسح دموعها التي تجددت و هبطت على وجنتيها..محاولة مقاومة هذا الصراع الناشب بداخلها..وبين حيرة وتشتت عما تفعله الآن ما بين المغادرة واسترسال عقابها لها..وبين الارتماء داخل أحضانه..
وجدت نفسها تضرب بعقابها وحديثها مع نفسها عرض الحائط..وتلتفت إليه..مندفعة لاحضانه…
تلقاها بذراعيه ضاممًا إياها إلى صدره وقلبه بقوة مستمعًا لبكائها الذي أزداد وكلماتها المتقطعة:
-انا بكرهك…بكرهك…
شدد من ضمه لها..يهمس لها بشغف قبل أن يدفن وجهه في ثنايا عنقها:
-وانا بعشقك يا وعد….بعشقك.
________________________
جاء كلا من نضال وعابد وشاركوا أخيهم وعروسته بجلوسهم رفقة عائلتها..منزعجين من غياب وئام وداليدا..
مدركين بمكوثهم بالمنزل من حديث البقية المبطن..
كما تفهمت فجر سبب غيابهم وجلست قليلًا مع والدتها بمفردهم تطمئن عليها ثم عادوا وجلسوا معهم ..
كذلك جاء وعد وأشرف وشاركوهم بتلك الجلسة العائلية المحببة على قلوبهم..
وبعد وقت نهضوا جميعًا وفشل جابر بالحديث مع ثراء..
وقبل أن يغادروا أخرجت مريم مفتاح “الشالية” الخاص بهم و وضعته في يد ابنتها تخبرها:
-ده مفتاح الشالية..ابوكي واعمامك جهزوه وبعتوا ناس نظفته لو حابين تروحوا تقعدوا هناك كام يوم…
ابتسم خليل وقال موافقًا على تلك الفكرة:
-حلو أوي..انا عن نفسي موافق..ايه رأيك يا فجر..
هزت راسها وأبدت موافقتها…واتفقا على السفر بالمساء..
وبعد مغادرة عائلتها صعد الإثنان إلى غرفتهم..وما أن أغلق خليل الباب من خلفهم حتى وجدها تستدير إليه وتخلع نقابها عن وجهها..متحدثة بتوتر:
-خليل..
-يا عيونه؟
رددها بطريقة أسرتها..وسرقت كلماتها التى كانت على طرف لسانها…
اغمضت عينيها تحاول تذكر الكلمات التي هربت..وما أن تذكرت وفتحت جفونها حتى وجدته اقترب اكثر وبات لا يفصل بينهم الكثير..
وقبل أن تتراجع خطوة للخلف بخجل..كانت يديه تسبقها وتضم خصرها متمتم بمرح ظاهري وشوق داخلي على وشك قتله:
-قولتيلي خليل وقولتلك عيونه..ومرة واحدة سكتي و وشك قلب ألوان..هي عيونه شتيمة ولا إيه..
بللت شفتيها أولًا ثم تحدثت:
-انا عايزة اقولك اني آسفة عشان اللي حصل امبارح وأني عيط و…
صمتت وأطرقت رأسها مما جعله يتقن عما تتحدث.. زفر بصوت عالي ثم مد يده ورفع ذقنها متمتم:
-انتِ بتقولي آسفة على إيه ممكن أعرف؟؟ ايه اللي حصل ومستاهل اعتذار..
كانت تنظر داخل عينيه بعمق..وتشعر بأن قلبها على وشك أن يغادر جسدها…
متسائلة عما يفعله بها بنظراته وطريقته بالحديث..وحنانه وتفهمه لكل شيء يحدث معها..
وعندما لم تمنحه جواب والتزمت بالصمت أجاب هو بدلًا عنها:
-طيب هجاوبك انا وهقولك أن مفيش حاجة حصلت تستاهل انك تعتذري..إن شاء الله انا وأنتِ هنكون مع بعض لآخر العُمر ولاخر نفس..فـ مفيهاش اي حاجة لو اديتك وقتك..وخليتك تتعودي عليا اكتر..ويكون في علمك انا يكفيني وجودك معايا وأنك بقيتي مراتي وحلالي يا فجر…
_______________________
-نعم يا ماما..قولي بسرعة اللي عندك عشان مش فاضية..
هكذا رددت «زينة» على مسامع والدتها التي قامت بمهاتفتها أثناء عملها..
-طيب طيب يا ساتر عليكي بت..انا كلمت حماتك و خطيبك وعزمتهم بليل على العشا..فقولت اعرفك بس..هو حسن هيعدي عليكي مش كدة؟
وبغيظ ردت عليها:
-اه..وسيبك من حسن دلوقتي..ممكن اعرف بتعزمي أمه ليه..ما كان كفاية هو…
-أنتِ هبلة يا بت..ازاي يعني نعزمه وأمه لا.. بطلي تخلف شوية..حماتك ست كويسة وطيبة وبتحبك وسبق وقولتلك انها مش زي دلال الحربوقة..فـ احترمي نفسك عشان حسن ميزعلش منك..مش معنى أنه بيحبك يبقى تعاملي امه كدة..ده أنتِ تشليها فوق دماغك..أنتِ سامعة..
-لا مش سامعة..وكفاية أنتِ شيلاها فوق دماغك..بقولك ايه يا ماما اقفلي حرقتي دمي..
وبغضب وصوت عالي رددت والدتها:
-والله أنتِ اللي حرقتي دمي..بت يا زينة..اتعدلي..حسن لحد دلوقتي ساكت..وانا واثقة أنه ملاحظ..بس صدقيني مش هيفضل ساكت كدة كتير..احترمي امه وعامليها كويس مدام هي كويسة معاكي بلاش تبدئي أنتِ بالمشاكل…
________________________
“أتفضل”
قالها «خالد» الجالس خلف مكتبه ولا يزحزح عينيه عن الأوراق المتواجدة أمامه…منهمك بقرائتهم…سامحًا للطارق بالدخول.
فلم تكن سوى «أبرار» والتي اوصدت الباب خلفها وجالت عينيها بارجاء مكتبه الذي تراه للمرة الأولى..
ارتفع حاجبيها بإعجاب من ألوانه الممزوجة ما بين الأسود والأبيض..
قائلة بإعجاب وهي تتقدم من المكتب:
-مكتبك جميل..و ذوقك يجنن.
رفع عينيه عن الأوراق ومررها على وجهها..محاولًا التماسك وتصنع البرود.
جلست أمامه مستمعة لتعقيبه الهادئ المثير للاستفزاز:
-اكيد ذوقي حلو..لو مكنش حلو مكنش زماني اختارتك دونًا عن كل الستات والبنات اللي اعرفهم..
حسنًا يعترف بأنها جميلة وفي ذات الوقت يثير غيرتها معترفًا بتعدد النساء والفتيات بحياته..
رفعت مرفقيها وسندت بهم على حافة المكتب تستفسر منه بغيرة واضحة:
-بجد والله..كل الستات والبنات اللي عرفتهم !! ليه تعرف كام واحدة أنت؟؟
أراح ظهره، ومط شفتاه بتفكير ليس حقيقي..وبعد لحظات كان يجيبها بأستفزاز مضاعف:
-لا مش هعرف ادي رقم بس هما كتير..كتير أوي…يعني ميتعدوش يا بيرو..
كزت على أسنانها وسعد بما فعله بها فـ لتتذوق قليلًا مما فعلته به..وكيف قامت بتأجيل زيجته منها..
وقبل أن يتحدث اي منهم مرة أخرى..رن هاتفه وبدون أن ينظر لاسم المتصل مثبتًا عينيه عليها كان يجيب..
“ألو”.
استمع للطرف الآخر..وتابعت هي تعابير وجهه التي اختلفت وباتت قلقة متسائلًا:
“ماله وسام؟ هو كويس”
رد عليه الطرف الآخر مما جعله ينهض متمتم بتعجل من أمره:
“طيب طيب نص ساعة واكون عند حضرتك..”
انتاب القلق أبرار ونهضت هي الأخرى وهي تستفسر منه:
-في ايه يا خالد ماله وسام؟؟
رد عليها وهو يهم بالاقتراب من الباب كي يغادر ويتجه نحو مدرسة ابنه الذي قام بإيصاله صباحًا:
-معرفش..دي مديرة المدرسة وطالبة تشوفني..بس هو كويس قالتلي مقلقش..
وبغيرة أشعلت قلبها رغم عنها قالت بطريقة يشوبها السخرية:
-اه…قالتلك..طب خلاص مدام قالتلك يبقى متقلقش..يلا انا جاية معاك.
تحرك الاثنان معًا نحو الخارج واستقلا سيارة «خالد» الذي تحرك سريعًا والعديد من التساؤلات تدور بذهنه عن سبب هذا الطلب.
بعد نصف ساعة تقريبًا كان يصف السيارة أمام بوابة المدرسة ويهبط من السيارة..وكذلك أبرار..متجهين نحو غرفة المديرة.
طرق على الباب فأستمع لصوتها تسمح له بالدخول.
فتح الباب ودخل الغرفة وابرار من خلفه..
سقط بصرها على المديرة تتفحص هيئتها وسرعان ما تنهدت براحة فقد كانت إمرأة كبيرة بالعُمر وليست شابة.. صغيرة..
اقترب خالد بقلق وهو يعرف ذاته ويمد يده:
-انا خالد والد وسام..حضرتك كلمتيني وطلبتي مني اجي عشان عايزة تكلمي معايا..خير؟؟
بادلته سلامه وهي تومأ برأسها تشير إليه وإلى ابرار بالجلوس:
-أيوة أيوة اتفضلوا ..
وما إن جلس الاثنان أمامها حتى بدأ خالد حديثه مرة أخرى قلقًا على ابنه الوحيد:
-حضرتك قلقتيني..ماله وسام !
-وسام النهاردة في قلب الحصة قال لزميلته كلام سوقي.. وعيب طفل في سنه يقوله..والحمدلله أن أستاذ محمد اللي كان معاهم سمعه وجه بلغني..
كانت تتحدث وهي تحدق بـ خالد وما انتهت حتى طالعت ابرار تخبرها:
-ابن حضرتك يا مدام عايز يتشد عليه إذا كان في السن ده ويقول كلام بشع بالشكل ده وبيعاكس زميلته اومال لما يكبر هيعمل إيه؟؟ ده كدة هيبوظلي اخلاق الطلبة….
تخطى خالد حديث المراة مع أبرار وظنها بأنه ابنها..واستطرد بصدمة واضحة:
-حضرتك بتكلمي عن ابني أنا !!!!!!!! انا ابني متربي كويس..وبعدين كلام ايه ده اللي بشع وسوقي وهو قاله ممكن أعرف؟
هزت رأسها تنفي قدرتها على قول ما قاله:
-انا آسفة بس انا وفي العُمر ده مقدرش اكرر كلامه المبتذل ده انا هجيبه لحضرتك وهو يقولك بنفسه قال ايه لزميلته..
وبعد دقائق تم استدعاء وسام ودخل غرفة المديرة رفقة أستاذه الذي استمع إلى كلماته..
ركض وسام نحو أبرار يحتضنها واستقبلته هي بالاحضان..مستمعًا إلى كلمات المديرة التي شجعته على قوله لما أخبر به زميلته:
-وسام قول لـ بابا انت قولت إيه لـ سارة زميلتك في الـ class …
وببسمة زينت وجه الصغير قال بسعادة وعدم فهم:
-قولتلها..ده الكل فيك إلا أنتِ كب كيك…
اتسعت عين أبرار..كذلك خالد الذي هتف بصدمة وهو يجذبه من ملابسه:
-نــعــم يا أخويا.. قولتلها إيه..
وببراءة ردد الصغير:
-الكل فيك إلا أنتِ كب كيك يا بابي..
ومن بين اسنانه غمغم خالد:
-سمعت مين بيقول كدة..مين قالك الكلام ده انطق..
وببساطة شديدة كان يجيب الصغير تزامنًا مع كبح أبرار لضحكتها:
-جابر يا بابي…
_____________________
-بقى انا ابني يقول الكلام السوقي ده…ابني أنا العاقل..الهادئ المؤدب..يقول كدة..منك لله يا جابر..منك لله…
تلفظ خالد بعصبية واضحة وهو يضرب على مقود السيارة وينظر بالطريق من أمامه تجنبًا من وقوع حادث معهم..
استدارت ابرار برأسها تنظر للصغير الجالس بالخلف بعد أن أخذه معهم ويطرق رأسه ويذرف الدموع..
وجدته يبكي بصمت فحولت بصرها نحو خالد تعلق على كلماته بحنق وضيق من أجل الصغير الذي بكى خوفًا من صوته وانفعاله.
-في ايه يا خالد ما تهدأ..ده ولد صغير ومش فاهم حاجة…
ثم عادت تنظر إلى وسام مرة أخرى ومدت يدها إليه تشجعه على مسك يدها والنهوض والمجئ إلى الأمام حيث تجلس:
-بس يا حبيبي متعيطش وتعالى هتقعد على رجلي..
استجاب لها وتحرك وساعدته هي في التنقل من جلسته بالخلف إلى الأمام…
اجلسته على قدميها ومدت يدها تزيل له تلك الدموع مغمغمة بحنان:
-ينفع تعيط وتزعل من بابي انت مش عارف أنه بيحبك..
نفى برأسه مغمغم بنبرة باكية وتأثر شديد:
-لا مش بيحبني..وبيزعق فيا..
-ايه الكلام ده بس بابا بيحبك و اوي كمان هو بس عايزك تبقى مؤدب ومتقولش كلام وحش بتاع الناس الوحشة..
وبطفولية بحتة كان يرفع يديه ويحك عينيه وهو يجيبها:
-بس جابر مش وحش و مؤدب….
سرق خالد نظرة نحوه يسخر من حديثه:
-مؤدب اه..مؤدب زيك بضبط…عارف لو سمعتك بتقول الكلام ده تاني هعمل فيك إيه..ده انا..انا اللي أسمي أبوك مبقولش الكلام ده…
ردت عليه أبرار بسخرية:
-لا معلش الله يرحم يا مساء البطاطس ده انا قلبي فيكي غاطس..
ضيق خالد عينيه وقال بتذمر:
-بس مقولتش الكل فيك إلا أنتِ كب كيك..انا جيت في مرة قولتلك يا كب كيك؟؟؟؟
-لا..
-شوفتي انا الكبير مقولتش..يقوم يجي المسخوط ده يقول..وبعدين بتقولها لصحبتك في الفصل ليه ها؟؟
رد عليه يوضح له:
-عشان قمورة يا بابي شبه أبرار..
-وهي أي واحدة حلوة هتقولها كدة..ما الحلوين كتير..
هز وسام راسه وانشغل بالحديث مع والده متناسيًا أمر حزنه من صراخ أبيه عليه:
-اه هقولهم..لحد ما جابر يجبلي عروستي..
ارتفع حاجبي خالد وقال مستفهمًا:
-لا معلش مش فاهم..وهو لما يجبلك عروستك ايه اللي هيحصل بعدها؟
-هقولها هي وبس يا بابي..
انتهى مطالعًا أبرار يخبرها:
-ابرار انا لما اكبر هتجوز بنت جابر و ثراء…جابر قالي انها عروستي…
مسدت على خصلاته وهي تكبح ضحكتها..مستمعة لكلمات خالد:
-لا ما شاء الله..ليك مستقبل باهر..واد يا وسام..جابر ده ميتقلدش ومش اي حاجة تسمعها منه تقولها كدة عادي..هو اصلا مجنون وقليل الأدب وبيقول كلام عيب ومينفعش ولد صغير زيك يقوله ماشي يا حبيبي..
رفض وسام هذا وانكمشت ملامحه ضيقًا وغضبًا يدافع عن جابر:
-لا مش ماشي يا بابي..جابر مؤدب..ومش مجنون..
اقتطف خالد نظرة نحوه متمتم بتهكم:
-ولازمتها ايه بابي..شيلها من الجملة احسن…
وقبل أن يتحدث الصغير كانت تتدخل ابرار تفض تلك المناقشة قائلة بهدوء:
-خلاص بقى يا خالد قلبك أبيض….خلينا نوصل وسام البيت وبعدين توصلني وفي الطريق نتكلم عايزاك في موضوع مهم..
_______________________
استقل «جابر» سيارته وتحرك بها مقتربًا من البوابة..وأثناء اقترابه رأى نضال وهو يتقدم هو الآخر يحمل مقعد خشبي ويضعه قرب البوابة ويجلس عليه مسلط بصره على منزلها المقابل لهم.
توقف جابر بالسيارة جواره وسأله من بين ضحكاته:
-ايه ده !! غيرت المهنة وبقيت بواب ولا إيه..
-لا ومتسألنيش أسئلة تانية عشان مش هجاوبك..يلا اتكل وشوف رايح فين..
-لا هسألك وهتجاوبني اصلي هموت لو مجاوبتنيش..وعلى أساس أنه مش باين يعني أنك مستني تلمح حبيبة القلب..
تحدث ببسمة واسعة، يظهر له بأنه يدرك كل شيء ويعلم سبب جلوسه ذلك..
رد نضال بهدوء:
-يلا يا جابر شوف انت رايح فين..وبعدين هو انا سألتك رايح فين دلوقتي؟؟؟
-طب ما تسألني هو أنا هخبي عليك يعني؟!
-يا سيدي انا مش عايز أسالك اتفضل بقى..
مط شفتاه وعقب ساخرًا:
-بقى دي اخرتها..ماشي وعلى فكرة أنا ماشي..
ما لبث أن يتحرك بالسيارة ويفارق مكانه..حتى تراجع ونظر له من خلال النافذة يضيف:
-بقولك إيه كدة ممكن تاخد ضربة شمس.. وقعدتك ملهاش لازمه ومش فاهمها بصراحة..وعندي اقتراح احلى إيه رأيك تروحلها اسهل واسرع وميجلكش ضربة شمس من ورا قعدتك دي..
تأفف نضال وقال:
-يا جابر امشي ابوس ايدك انا مش ناقصك وبعدين اعتبرني بشم هوا يلا اتكل…
-طب يا عم متزقش الحق عليا..صحيح خيرًا تعمل شرًا تلقى…
انطلق تلك المرة بالسيارة ومر من البوابة وقبل أن يبتعد بالسيارة عن المنزل..رأى من خلال المرآة الأمامية «عابد» الجالس بسيارته على مسافة ليست ببعيدة عن منزلها…
توقف والتفت برأسه يتأكد مما رآه وما أن صدق حدسه حتى ضحك بصخب متمتم:
-يا ولاد المجانين….ده صدق اللي قال الحب بهدلة….
نظر امامه وأعاد تدوير السيارة..وظل يعود بها إلى الخلف…حتى توقف جوار سيارة عابد مغمغم:
-عــبــرنا يـا مـدمـرنا..
اخفض عابد الزجاج ورد عليه:
-نــعــم !!!
-نعم الله عليك يا حبيبي..خليك زي ما انت اوعى تمشى…استناها..لو خرجت اتكلم معاها متسبهاش..ولو مخرجتش اوعى تفكر تعتب بابهم عشان اكيد أبوها مش طايقك وانا مش عايز نستفزه هو مجنون لوحده الله يخليك…
-امشي يا جابر امشي..
-هو في إيه بقى شغالين طرد فيا هو اكمني بنصحكم يعني..صحيح خيرًا تعمل.. شرًا تلقى يا أشرار…
تحرك مرة اخرى وانطلق في طريقة ينوي المرور على «أروى» وأخذها إلى المطعم كي تبتعد عن أجواء المنزل قليلًا..وللحديث معها..راغبًا في التفكير معها في حل وإيجاد أسباب واقعية لإنهاء تلك الخطبة عقب انتهائها من الإمتحانات فلم يعد يتحمل بُعاد ثراء ويرغب في أن تكن جواره و زوجته في اسرع وقت….
اخرج هاتفه من جيبه وجاء برقمها ثم اتصل عليها واخبرها بأن تستعد كي تخرج معه…
بعد وقت وعندما شارف على الوصول إلى منزلها…رأى سيارتين يقفان جانبًا..واحدة منهم تقطع الطريق على أخرى..أخرى لم تكن سوى سيارة هذا البغيض المدعو “زاهر”…
لم يتوقف وعند مروره من جوار السيارات وتخطيه لهم رأى أربع رجال يرتدون جلباب صعيدي ويتجمعون حول زاهر ينهالون عليه بيديهم..وارجلهم..وآخر يستخدم عصاه….
توقف جابر بأعين متسعة ملتفتًا برأسه يفكر فيما عليه فعله..
-اعمل ايه يا ربي لو سبته اكيد هيموت في أيدهم..ولو مات هحس بالذنب عشان مساعدتوش…ولو نزلت هموت معاه..دول أربعة..وأنا واحد….
هنا وتشجع هز رأسه ينفى تلك الأفكار متمتم:
-مفيش الكلام ده……..مدام مفيش عضلات يبقى نشغل المخ…
فتح باب السيارة و بحركة مباغتة لهؤلاء الرجال كان يقترب وهو يصرخ عليهم بصوت جهوري يدب الرعب والخوف في قلب أي شخص ..صوت بعيد كل البعد عن صوته الحقيقي…..واعين متسعة وتعابير مخيفة..تنذر وتنبأ عن شره..
-ايـــدك يا حيوان أنت وهو…….سيبه يالا….
توقف الاربعة عما يفعلوه…ومن نبرته تراجع ثلاث منهم عدة خطوات ولم يتبقى مكانه سوى واحدًا فقط لم يظهر عليه أي خوف مما يفعله..
لم يكتفي جابر بهذا القدر بل زاد بأفعاله لـ حبك وإتقان دوره..مقتربًا من ذلك الذي لم يرف له جفن صارخًا في وجهه ممسكًا إياه من تلابيبه يهزه بعنف:
-بتتشطر عليه ياض..و ربنا لوديك في ستين داهية..عارف الداهية ياض؟؟ لو مش عارفها اديك هتعرفها …
وبعنف دفعه الرجل مغمغم:
-مين أنت من أساسه وبتدخل ليه؟؟؟
عاد جابر يقبض على ملابسه مغمغم بذات العنف:
-أنت مش عارف انا مين..انا الرائد جابر سلطان..من أكبر كُبرات البلد دي….وهوديك في ستين داهية لهجومك على أحد المواطنين. ..
هنا ودفع هو الرجل تلك المرة…موجهًا بصره نحو زاهر الذي لا يستطع النهوض..فقط يحاول لكنه لا ينجح..و وجهه ملئ بالكدمات والدماء….
انحنى تجاهه ورفع وجهه يتفحصه مغمغم بخفوت:
-احييه دول شلفطوك خالص….انت كويس؟
هز زاهر رأسه ينفي هذا…فقال جابر ببسمة بسيطة:
-اللهم لا شماته بس انا شمتان بصراحة..ادي آخره ضربك للبونية اللي اسمها اختك..شوف ربنا جابلها حقها..
نهض عقب قوله لهذا مطالعًا الرجال..مخرجًا هاتفه مزيف تحدثه مع شخص..
-واد يا عبده هاتلي البوكس وتعالى في اربعة هنا ميعرفوش مين هو الرائد جابر سلطان.. وهجموا على مواطن جربان..شكلنا عندنا حفلة بليل والقرف كله هيطلع على جتتهم….
ابتلع الرجل ريقه بقلق..بينما تحدث واحد من الثلاث الواقفين بالخلف:
-يا سعادة البيه احنا ملناش دخل في الحوارات دي كُلتها…. إحنا بس بنخدم ابن بلدنا..
هنا وتحدث الرجل الواقف قبالة جابر يوضح له:
-يا بيه…الراجل ده…ولا بلاش الراجل ده..الحرمة دي اتعرض لأختي وضايقها..وانا اللي يتعرض لاختي ويضايقها اشرب من دمه….
ارتفع حاجبي جابر و ردد بصدمة زائفة:
-اخص…اتعرض لأختك..لا بصراحة يستاهل الدبح مش تشرب من دمه بس….
-اهو شوفت يا بيه..يعني انا معايا حق اهو…
هز جابر رأسه ينفي مغمغم:
-ولا معاك حق ولا نيلة..هو عشان اتعرض لأختك تودي نفسك في داهية..ده كلب ولا يسوى ولا يستاهل تضيع نفسك..سبهولي أنا هأدبه…
هنا ونظر نحو زاهر باصقًا عليه:
-اسفوخس عليك يا معفن..يا زبالة..بتتعرض لأخته..ده انا هوريك..هخليك تمشي بعد كدة مستقيم لا تعرف تحود يمين ولا يسار….قوم يالا قوم..انت هتعملي فيها مضروب قوم….
قالها وهو يساعده على النهوض…واضعًا ذراعيه خلف رأسه ممسكًا إياه من خصره…وقبل أن يسير معه قال:
-خلاص يا رجالة متقلقوش حق بنتكم هيرجع…سلام عليكم…..
تحرك نحو سيارته و فتح له الباب الخلفي و وضعه بداخلها ثم اغلق الباب..وقبل أن يصعد تذكر أمر سيارة زاهر فعاد إليها تحت دهشة الرجال..واخذ مفتاحها الموضوع بداخلها يخبرهم ببسمة سمجة:
-معلش نقفله العربية حرام..مش هيبقى ضرب وتحفيل وعربية كمان تتسرق….
قالها وهو يغلقها ويركض نحو السيارة وقبل أن يصعد ردد بصوت عالي :
-متقلقوش يا رجالة..الشرطة في خدمة الشعب…والحمدلله اني لحقتكم قبل ما تودوا نفسكم في داهية عشان حيوان زي ده…انا هربيه متقلقوش…أصله وقع مع الديب واللي يقع مع الديب يستحمل بقى التعذيب……………
يتبع.
فاطمة محمد.
تفاعل حلو بقى عايزة الفصل يوصل لـ ١٠٠٠ فوت عشان الفصل اللي فات لسة
موصلش
. 🫂❤️❤️
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية كارثة الحي الشعبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.