رواية كارثة الحي الشعبي – الفصل السابع والسبعون
الفصل السابع والسبعون
أنظر جيدًا.
كارثة الحي الشعبي.
فاطمة محمد.
الفصل السابع والسبعون:
ظهرت صدمتها جلية على وجهها، متابعة تقدمه منها وبدون أن تعي خرج حديثها عاكسًا لتلك الصدمة التي تلقتها للتو:
-أنت قابلت أخوك جابر تحت ولا إيه !
جاورها بجلستها أعلى الفراش ومد يده لها بكوب العصير وهو يجيب على سؤالها:
-لا..مشوفتش حد تحت..اشمعنا !
وبذات الصدمة كانت تضيف:
-اشمعنا ايه ! خليل هو أنت خليل بجد ولا حد تاني؟
وببسمة واسعة ردد وهو لا يزال يمد يده ينتظر منها أن تلتقط الكوب منه:
-لا حد تاني..يا شيخة اشربي أنتِ لسة هتتصدمي..اشربي اشربي..ولا أشربك أنا..طب والله ما أنتِ شاربة غير من أيدي..يلا قولي بسم الله.
قرب الكوب من شفتيها وقبل أن تستجيب وتشرب من يده قالت بخفوت:
-بسم الله..
قالتها وارتشفت القليل..فأبتسم وبيده الأخرى التي تحمل كوبه..قربها من شفتيه كي يشرب هو الآخر وقبل أن يفعلها كان يهتف بمرح كبير:
-وانا كمان هشرب وأشوف عمايل ايديا..و زي ما بيقولوا انا رشفة وأنتِ رشفة.. أنتِ رشفة وأنا رشفة..
تفاقمت صدمتها وباتت أضعاف..ولاحظ هو ذلك، ابعد الكوب عن فمه وتساءل:
-في إيه؟ بتبصيلي ليه..يلا اعترفي.
ردت بتلعثم من صدمتها به..فلم تظن يومًا بأنه يستطع المزاح..كانت تظنه جديًا..لكنها تلقت صدمة كبيرة..تشعر بأن من أمامها ويتحدث معها شخص آخر غير الذي رأته عدة مرات من ذي قبل..
-أنت…أنت..أنت..أنت…
اوقفها مردد بطريقة مرحة وبسمة لا تفارق وجهه:
-ايه ده..الشريط سف ولا إيه!! أسف معاكي طيب ولا إيه…أنتِ…أنتِ…أنتِ…أنتِ…
لم يكتفي بتقليدها مازحًا معها بل تابع بطريقة سلبت لها قلبها و أنفاسها..خاصة مع اقترابه بوجهه منها والتحدث أمام وجهها مباشرة:
-عملتي فيا إيه؟؟ إزاي واحد مشافش واحدة ولا اتعامل معاها كتير..يقع في غرامها..ويبقى مش عايز ولا طالب غيرها..اعترفي يلا وقوليلي عملتي فيا إيه ؟؟
انعقد لسانها، لم تعد تعلم على ماذا تلاحق..مزحه معها و خفة ظله التي تزيدها إعجابًا به.. أم من غزله الصريح واعترافه بالوقوع بعشقها..
مد الكوب أمام شفتيها يخبرها ببسمة مدركًا ما يحدث معها ويعطيها عذرها:
-اشربي بُق كمان يلا..بلي ريقك يا شابة..
رضخت لحديثه وارتشفت من الكوب مرة أخرى..وبعد انتهائها نهض و وضع الكوبين جانبًا..ثم عاد مرة أخرى جوارها..متمتم بأسلوب عذب دافئ لامس قلبها وأصابه في مقتل:
-تخيلي اني من غير ما اتعامل معاكي..او اعاشرك..وبدون بذل أي مجهود منك حبيتك..اومال دلوقتي وبعد ما بقيتي معايا تحت سقف واحد هيحصل فيا إيه !!!
كانت عينيه تتحرك بحرية على وجهها وكل أنش به..يحفظ ملامحها الفاتنة..ويشبع عينيه من رؤياها..فقد باتت معه و زوجته وبات يحق له التمعن بها وبكل تفاصيلها دون الشعور بأي ذنب…
رفع يديه وتجرأ لملامسة وجهها…مررها على وجهها بحب..وعشق يكاد يتقافز من حدقتاه..أوصدت جفونها..وتعالى صوت أنفاسها من فرط مشاعرها بتلك اللحظة وتمنت ألا يحدث شيء..فالخجل يلازمها حتى الآن وتشعر بحاجتها لبعض الوقت…
وكأن ما تمنته وصل إليه..وفهم حقيقة ما يحدث معها..كما أنه ظن بأنها قد تتذكر تلك الذكرى التي سردتها عليه حين يلامسها..وتعود للبكاء مرة أخرى..
وهذا ما لا يرغب به على الإطلاق..
ابعد يديه عنها واكتفى بالوقت الحالي بطبع قبلة تحلت بالحنان والحب على جبهتها..ثم نهض من جلسته وفتحت هي عينيها أخيرًا..
مدد هو على الفراش تلك المرة ولم يتركها بل جذبها لاحضانه وتوسطت صدره…فلا يريد شيء سوى راحتها..ويكفيه الآن انها معه و باحضانه وقريبة منه كما لم تكن من قبل…
أما هي فتسارعت ضربات قلبها من هذا القرب المُهلك وهذا العناق الذي يحدث للمرة الأولى و شعورها بيده على خصرها..وانفاسه على مقدمة رأسها..كما تفهمت ما يفعله وكيف قرر تركها اليوم كي يمنحها وقتها و تهدأ قليلًا ويزيل خجلها رويدًا رويدًا..
رفعت يدها و وضعتها على صدره بحركة عفوية بسيطة لا تدري بأنها قد فعلت به الأفاعيل..وقبل أن تغط في نوم هنيئًا..عميقًا شعرت بقبلته مرة أخرى على جبينها..كما نما إليها همسه بجوار أذنيها:
-تصبحي على خير يا فجري….
وبصوت ناعم يغلفه الكثير من العاطفة قالت باستحياء لم ولن ينتهي بتلك السهولة:
-وانت من اهله..
____________________
مضت عدة ساعات، عجز هو عن النوم خلالهم..وكيف يحدث هذا وهي بهذا القرب و رائحتها الجميلة تتغلغل أنفه..وينصت إلى صوت أنفاسها المنتظمة الهادئة..ويتأمل ملامحها..فلم يشبع منها حتى الآن..ولا يظن بأن هذا سيحدث يومًا..وما سيحدث أن شوقه..عشقه..سيزداد يومًا بعد يوم ولن يتوقف حتى تفارق روحه جسده..
كادت تتقلب وتفارق أحضانه وتغير نومتها التي ظلت عليها من ارهاقها وأرقها..لكنه رفض حدوث هذا وتمسك بها..
أصدرت أنينًا خافتًا منزعجة..لكنها استسلمت بالنهاية وبقت داخل أحضانه..
وبعد نصف ساعة تقريبًا كان صوت آذان “الفجر” يدوي من هاتفه يعلن عن صلاة الفجر..
التقط الهاتف..في ذات الوقت الذي شعر بتململها..نظر إليها فوجدها قد فتحت عينيها وتنظر إليه..وبدون أن يشعر كان يبتسم لها متمتم:
-صباح الجمال..
وببسمة مماثلة لبسمته و زينت وجهها ردت:
-صباح النور.
-الفجر بيأذن..يلا فوقي عشان نصليه مع بعض..
اماءت برأسها وتحركت قليلًا من نومتها جالسة على الفراش:
-يلا…
بعد وقت انتهى الاثنان من التوضأ و وضع سجاد الصلاة على الأرض وبأتجاه القبلة..
وقف أمامها وهي خلفه وبدأ الاثنان صلاة الفجر معًا للمرة الأولى.
بعد انتهائهم وقيامه بلملمة السجاد نظر إليها وسألها بنبرة ذات مغزى:
-هتكملي نوم ولا لأ؟
شعرت بحاجته للجلوس معها والتقطت هذا من عينيه والتي كانت ترجوها لعدم النوم وإخباره بأنها ستجلس معه ولن تتركه وتغط في سبات عميق مرة أخرى.
-لا مش هعرف انام..
تهللت اساريره وتقوس فمه ببسمة محبة..وهتف بمرح:
-طب حيث كدة بقى البسي النقاب عشان جابر ممكن يبقى صاحي..وبالمرة نشرب شاي واقولك بحبك إزاي..
_____________________
في ذات الوقت بالخارج وبذات الدور الماكث به خليل مع زوجته كان «جابر» يجذب كل من عابد، نضال، وأشرف معًا..بعدما أخذ بعض الوقت حتى تمكن من إيقاظهم يرغب في أن يأدون صلاة الفجر معًا…
مغمغم بأسلوب حاول أن يكون جديًا لكنه فشل بهذا وكانت تعابيره مثيرة للضحك:
-يلا الله يباركلكم..كل اللي بيحصل معاكم ده عشان بُعاد عن ربنا..عارفين لو قربتوا من ربنا البركة هتحل عليكم..ومش بس كدة..الفرحة كمان هتزوركم و هتنور وشكم..وهترتاحوا واموركم هتتصلح قولوا امين..
لم يجيب إلا أشرف مغمغم بخفوت:
-آمين..
توقف جابر عن جذبهم ونظر لعابد ونضال ولم يتردد بصفعهم على وجوههم صفعة بسيطة..بطريقة مسرحية مغمغم بأسلوب مرح:
-ما تقول يالا انت وهو آمين..قول ياض…
رددا معًا وبصوت واحد:
-آمين..
هنا وابتسم وسارع بصفع أشرف بذات الطريقة مغمغم:
-وأنت كمان قول آمين تاني..
اكفهر وجه أشرف وكاد يقترب منه لولا خليل الذي فتح الباب بعد أن استمع لأصواتهم..وطل برأسه فقط مغمغم ببسمة:
-صباح الخير..
حول الاربع شباب أنظارهم نحوه وردوا عليه بنفس واحد:
-صباح النور..
صفق جابر بيده وغمغم بفرحة:
-بما أنك صاحي يلا نصلي مع بعض يا عريس…
-لا سبقتكم وصليت مع فجر..اومال فين بابا…مش معاكم ليه؟
أخبره جابر وهو يتخصر:
-خبط عليه قولتله قالي هيصلي هو لوحده..وطردني وقفل الباب في وشي !! انت متخيل !! أبي صفع الباب في وجهي…
وصل إليه صوت أشرف المتذمر:
-يكش كان صفعك على وشك يا أخي..يلا خلينا ننزل نصلي وبطل رغي..
هبط الأربعة كي يصلون..كذلك ارتدت فجر ملابسها واخفت وجهها واتجهت مع خليل نحو المطبخ..
وعند دخولهم سبقها بالسؤال:
-قوليلي تشربي الشاي سادة؟ ولا شاي بلبن؟
-لا سادة من غير لبن.
-طيب سكر زيادة..ولا مضبوط..ولا من غير سكر خالص يا سكر أنتِ؟
غزت البسمة وجهها المخفي عن أنظاره وحمدت ربها على ارتدائها له كي لا يرى تلك الحمرة التي صبغت وجهها..
وقبل أن تجيب كان يردد بفكاهه:
-بلاش تبتسمي عشان باين من عينك اوي انك ابتسمتي..و ردي يلا..
تبخرت بسمتها من إدراكه لما حدث معها و ردت بصعوبة:
-لا من غير سكر..
-احسن برضو..ما هو مينفعش سكر يشرب حاجة بسكر..
لم تعد تتحمل وقالت تعترض على رغبته بصنع الشاي لها:
-هو ممكن تقعد أنت وأنا هعملنا احنا الشاي..كمان شوف أخواتك لو حد فيهم حابب يشرب حاجة نعمله معانا..
أخذ نفسًا عميقًا وعلق على كلماتها:
-ممكن أنتِ تقعدي وملكيش دعوة بأخواتي هما مش صغيرين وكل واحد فيهم شحط ما شاء الله عليهم..و أنا اللي هعمل الشاي..وبعدين ده في الاول وفي الاخر شاي وامره سهل ومفروغ منه..حط الماية على النار..حط الشاي في الكوباية..صب الماية اللي غليت على الشاي وقلب والف هنا على قلبك..
ضاقت عيناه عقب انتهائه وتساءل:
-صحيح أنتِ بتحبي الشاي كشري كدة ولا مغلي ؟
-لا مغلي..
-طب ومبتقوليش ليه..كنت هعمله كشري..
قالها وهو يوليها ظهره بادئًا بصنع الشاي..جلست هي وظلت تراقبه وحل الصمت بارجاء المطبخ..لم يقطعه سواه عندما عاد يسألها:
-جعانة تحبي تفطري وتأكلي حاجة مع الشاي…
وقبل أن تجيب قال وهو يتجه نحو “الثلاجة” يجيب وكأنها ابدت على موافقتها بتناول شيء:
-تصدقي وأنا كمان جعان..ماما عملتلنا فطير مشلتت وفيه هنا عسل وقشطة ومربى فراولة كمان بتحبيها صح..
هزت رأسها وقالت:
-أيوة بحبها.
-ما لازم تحبيها الفراولة هتحب ايه يعني غير فراولة..
كانت نبرته جدية..ولم يكن يناظرها أثناء حديثه..يتغزل بها ولا ينظر إليها..يلقي كلماته المتغزلة وكأنها كلمات عادية..
نهضت وحاولت مساعدته لكنه أبى هذا وجعلها تجلس مرة أخرى..
فتنهدت وظلت تتابعه وهو يحضر الفطير المصنوع من السمن البلدي..ويضع القليل من العسل الأسود في صحن عميق.. وكذلك المربى…
واضعًا كل هذا أمامها.. وبالاخير سكب الشاي و وضعه هو الآخر…وجلس أمامها..متمتم:
-يلا قولي بسم الله..
احبت ما يفعله وكيف يذكرها بذكر الله قبل تناول أو شرب أي شيء.. فـ مزاحه وما اظهره من جانب آخر لشخصيته…لم تتوقعه بالمرة وباغتها به..فتلك اللحية والتزامه وقربه من الله ومعرفته لـ دينه لا يجعله شخصًا لا يعرف للمزاح طريقًا..هو يدركه ويملك من الخفة الكثير ولكنها لا تظهر إلا مع من يجب ويحب أن تظهر معه.. مثلها هي من خطفت وسلبت فؤاده و وجدانه..وجعلته يدرك معنى أن يكون عاشقًا يتلهف أن تكون حبيبته ملكًا له ومعه بالحلال….
قطع قطعة صغيرة من الفطير ثم دسها في القشطة اولًا ثم العسل..وبدلًا من تناولها كرر ما فعله بالأمس وجعلها تتناول هي أولًا رافعًا النقاب عن وجهها بيد والأخرى تضع القطعة بفمها تاركًا النقاب ينزل على وجهها مرة أخرى..
حقًا يعرف جيدًا كيف يسرق قلبها من خلال اهتمامه بها وكيف تفهم حاجتها لبعض الوقت..ولم ينزعج أو يتبدل معها..بل ظل مثلما هو..وهذا إذا دل على شيء يدل على حُسن أخلاقه.
تناول هو الآخر…ودخل جابر بتلك اللحظة..وكانت فجر توليه ظهرها..رأى ما أمامهم من طعام فـ صفق بيديه قائلًا بمرح راغبًا في مشاكسة خليل:
-الله..ده انا جعان أوي…واد يا نضال..يا عابد..يا أشرف..في فطير مشلتت هنا و
نهض خليل وسارع بالاقتراب منه يكمم فمه مغمغم:
-هشش ايه حفلة هي..ايه اللي يا نضال..ويا عابد ويا أشرف..امشي يا جابر يلا..
نفخ صدره ورفع كتفيه يرفض هذا متمتم:
-مش ماشي..
وبغيظ ردد خليل:
-ياض امشي ياض متبقاش غتت..
-تدفع كام طيب..
-مدفعش امشي بدل ما اقول لابوك..
-لا وعلى ايه الطيب أحسن.. بالاذن انا بقى..وعلى فكرة اخواتك طلعوا ناموا تاني خلاص..يعني براحتكم انتوا بقى..
قالها وهو يغادر ويتركهم بمفردهم..
عاد خليل جالسًا محله معاودًا التناول معها بأريحية
رافعًا
النقاب عن وجهها بعد
تأكده
من صعودهم إلى غرفهم مرة أخرى فلا يحب أن يرى وجهها الجميل
أحد
سواه….
____________________
دق «جابر» على باب غرفة نضال دقة واحدة ثم دخلها لا يترقب استأذانه له..استدار له نضال الواقف وكان يأتي ذهابًا وأيابًا يشعر بخوف وخطر قريب وبأن سعادته على وشك أن تفارقه ولن يعرف لها طريق مرة أخرى..سترحل وتأخذها معها برحيلها..فحتى الآن لم تتحدث معه ولا تجيب ويجهل ما سيحدث لعلاقتهم هل ستستمر معه وتمنحه فرصة أخرى أم ستنفصل عنه وتتركه يبكي ويندم على ما اقترفه..
-عايز أتكلم معاك وأعرف وصلت لـ إيه مع داليدا.
نبرته كانت جدية يرغب في مساعدته وإصلاح ما خربه بحماقته وكذبه..
والمريب بأن نضال لم يرفض الإيجاب بل كان يحتاج للحديث مع أحد وإخراج مخاوفه وقلقه..
-مبتردش عليا يا جابر..ومُصرة على الطلاق ومش عارف اعمل إيه..حاسس أني عاجز أوي..وخايف..زي بضبط المحكوم عليه بالإعدام ومش عارف امتى هيتعدم وتنتهي حياته..المفروض أنها كانت قيلالي هنتطلق بعد جواز فجر وخليل..انا على اعصابي..ومش عارف انام..نومي كان مقطع وكل ما انام اصحى على كابوس..
اقترب منه جابر أكثر ولم يتردد بمعانقته…مربتًا على ظهره يطمئنه:
-داليدا بتحبك..وصدقني هي مش عايزة تطلق ولا تبعد عنك..هي بس مجروحة منك وبتحاول تلم جرحها بمعاقبتها ليك..وبدليل أنها متكلمتش معاك لحد دلوقتي على موضوع طلاقكم….ولو اتكلمت معأني مظنش خليك زي ما انت متمسك بيها ومطلقهاش ومتكررش غلطة عابد وتسمح للبني آدمه اللي بتحبها تبعد عنك…انت سامع..اتمسك بيها يا نضال..ومتفلتهاش من إيدك.. اتمسك جامد اوي..تمام..
ابتعد عنه نضال وهو يهز له رأسه مغمغم:
-تمام..
وبمرح استعان به جابر كي يجعله يبتسم قليلًا ويخفف عنه:
-عرفت هتعمل ايه..
هز نضال راسه مرة أخرى يؤكد فردد جابر:
-هتمسك جامد اوي..واضحك عشان أنا دمي خفيف وانت لازم تضحك..اضحك ياض..
لم يستطع وقال:
-والله ما ليا نفس….
-لا معلش تعالى على نفسك واضحك..
لكن لا حياة لمن تنادي ولم تزور الابتسامة وجه نضال فصاح جابر يذكره بهذا الموقف عله ينجح تلك المرة في إضحاكه:
-طيب افكرك بموقف يضحكك..فاكر ياض يا نضال لما كنت هتسافر مع صحابك الغردقة..وساعتها مسكت فيك وكنت عايزك تاخدني معاك ويومها عين امك البركة رشقت في السفرية و زي ما روحت زي ما جيت يا قلب اخوك..
و رغمًا عنه ابتسم نضال عند تذكره لهذا الأمر فقال:
-وهي دي حاجة تتنسي…فاكر انت لما كنا بنتخانق مع الواد محمد عشان أخوك أشرف وفي عز الخناقة امك رشقتنا دعوة..فتحت نفوخك…
هنا ومسد جابر على رأسه متمتم:
-وهي دي حاجة تتنسي..يعني دونًا عنكم كلكم مجتش غير فيا.. ربنا يسامحها امك دي والله ويهديها عشان حاسس أبوك هيفرقع فيها والله..ولولا أنها أمي وست الحبايب يا حبيبة كنت قولت لأبوك يديها طلقة من التلاته تربيها..بس حرام دي أمي وحملتني تسعة أشهر انا وعابد واستحملتنا احنا الاتنين نكون في بطن واحدة..ومتهونش عليا..
_____________________
-عبودي..واد يا عبودي…..عـــــابد.
هتف جابر اسم عابد بعد أن قرر الدخول إليه هو الآخر والتحدث معه والتهوين عليه مثلما فعل مع نضال..فوجد باب الشرفة مفتوحًا على مصراعيه..فأدرك تواجده وجلوسه بالداخل..
تقدم من الشرفة فرآه يجلس على المقعد المتواجد بالداخل ويرفع قدميه ويستند بهم على حافة سور الشرفة ويبصر الطبيعة من حوله..
وقبل أن يتحدث وصل إليه صوت عابد البارد الخالي من المشاعر:
-نــعــم ! عايز إيه ؟
وقف بمواجهته موليًا ظهره لسور الشرفة يجيب عليه:
-كل خير يا حبيب قلبي…قولي ناوي تعمل ايه مع وئام؟
وبوجه لا يعكس أي مشاعر غمغم بحيرة ويأس:
-مش عارف.
-ولما انت مش عارف مين اللي هيعرف..
هنا وتحرك وجثى على قدميه وجلس أمامه يخبره بهدوء:
-بص مش عايزك تيأس..وتدعي ربنا..ادعيله كتير أوي أنكم ترجعوا..ربنا قادر على كل شيء..كمان مش عايزك تبطل تحاول معاها..انت غلطت والغلطان لو اعتذر واتأسف ده مش عيب ولا بيقلل منه بالعكس بيخليك تعلى في نظر اللي قدامك.. الاعتراف بالغلط عُمره ما كان غلط، الغلط الحقيقي هو أننا نقاوح في الغلط.. انهاردة حاول تكلم معاها تاني..ماشي.
-أنا ناوي اعمل كدة فعلًا.
____________________
صعد كل من فجر وخليل إلى غرفتهم مرة أخرى..أغلق الباب وخلعت هي نقابها..وأثناء فعلها هذا..حمحم من خلفها يجذب أنظارها إليه..
استدارت تحدق به تهز رأسها بتساؤل عما يريد؟!
بدأ حديثه وهو يجذبها من يدها نحو الفراش يجلس على طرفه..ويجلسها جواره:
-تعالي اقعدي عايز اسألك على حاجة.
-خير يا خليل.
طمأنها ببسمة شغوفة هاتفًا وهو ممسك بيدها يشدد من عناقه عليها:
-كل خير يا قلب خليل..انا بس عايز أعرف هتعرفي تتأقلمي على وجود أخواتي وبذات انك لبسة النقاب ومش هتقلعيه في حضورهم؟؟ يعني بصراحة كنت فاكر أنه الموضوع سهل ومشفتوش صعب..بس وقت ما جابر دخل وكنا بنأكل حسيت أنك مش هتبقي مرتاحة..فجر عارف اني اتغبيت في الحتة دي ومسألتكيش عنها بس انا عايز راحتك..ولو مش هترتاحي احنا ممكن ننقل من هنا ونعيش لوحدينا و براحتك إيه رأيك..
منحته بسمة قبل أن تعلق بهدوء:
-بس أنا مرتاحة..وبحب النقاب ومش بيخنقني ومش حبة اقلعه..
متقلقش
..انا
ببقى
مبسوطة وانا بيه..وبعدين أنا فكرت في كل ده ولو كنت مش هبقى مرتاحة كنت قولتلك واخترت نعيش برة..بس صدقني انا مرتاحة وبعدين أنا حبة ان نقابي ميتشالش غير وانا في اوضتنا..مملكتنا..فـ مضايقش نفسك على الفاضي..
تنهد بأرتياح أولًا ثم تحدث بسعادة:
-ماشي..بس اوعديني أن يوم ما تحسي أنك مش مرتاحة ومش واخدة راحتك تقوليلي..وأوعدك بأني ساعتها هأخد بيت برة تأخدي راحتك فيه..
____________________
بعد مرور بعض الوقت..استيقظت دلال وخرجت من غرفتها التي باتت تمكث بها بمفردها بعدما تركها لها سلطان وأصبح ينام في حجرة أخرى بعدما قرر إعادة تأهيلها على أفكارها العقيمة..
توجهت صوب المطبخ كي تعد الإفطار لابنها وعروسته..
وطأت بقدميها وسرعان ما جحظت عينيها وضربت على صدرها وهي ترى جابر يتوسط المطبخ ويأكل من الفطير والعسل..
مرددة بصياح غاضب:
-يا مصيبتي كلت أكل أخوك؟؟
-ليه وهو أخويا هيأكل العشر فطاير لوحده..تعالي تعالي الفطير خطير..
اقتربت منه وهي تسدد له ضربات خفيفة بذراعيه متحدثة بغيظ ومن بين اسنانها:
-أنت هتشلني والمصحف..والمصحف هتشلني..
-أمـــاه قولي لا إله إلا الله..وبطلي ضرب فيا زي ما اكون ابن ضرتك.. والله أخلي أبويا يديكي طلقة بجد..
-اخرس..ومش عايزة اسمع صوتك ويلا برة خليني أحضر فطار الصباحية لاخوك..
رد عليها يخبرها بفم ممتلئ:
-لا متتعبيش نفسك خليل فطر هو و مراته خلاص..صلوا الفجر ونزلوا فطروا هنا..وانا خلاص الحمدلله شبعت اقعدي افطري أنتِ بقى وانا هروح مشوار وجاي..
____________________
رفع يديه يهندم ملابسه..ثم عرفت يده طريقها الى لحيته التي باتت طويلة بعض الشيء.. أخذ نفسًا عميقًا..ثم قارب يديه ورفعهم إلى الأعلى يدعو ربه بصوت خافت:
-يارب هي اللي تفتحلي يارب..يارب اشوفها يارب..يارب وفقني في اللي أنا جاي عشانه يارب…
زفر ثم تشجع و رفع يديه وقرع الجرس وهو يأمل أن تفتح هي له..لكن لم يحدث ما يبغاه وتم الفتح له ولكن بواسطة أبيها مروان.
ابتسم له جابر وما لبث أن ينطق حتى وجده يصفع الباب مرة أخرى في وجهه…
رفع يديه وحك مؤخرة رأسه متمتم مع ذاته:
-اكيد مش قصده هو مش بيحبني اه بس متوصلش لكدة..اكيد الهوا..أيوة هو الهوا..
ابتسم مرة أخرى وعاد يقرع الجرس مردد بصوت عالي:
-يا اونكل مروان…انا جابر يا اونكل.. الهوا قفل الباب في وشي…
تناهى صوت مروان الواقف خلف الباب إليه ينفي فعل الهواء لهذا:
-لا يا أخويا ده انا مش الهوا..امشي ياض…
-ليه بس كدة يا أونكل ده أنا بحبك والله..وحبك معشش جوه قلبي..
وبغيظ وظنون تتأكد داخله:
-وجع في قلبك ياض..ياض انا ماسك نفسي عنك..امشي بدل ما اديك علقة ترقدك في المستشفى..
وبسخرية علق الآخر:
-ترقدني ايه بس هو أنا فرخة !! افتح يا اونكل الموضوع في غاية الأهمية وغاية الخطورة.
وقبل أن يفتح مروان له تقدمت علياء رفقة بناتها منه مندهشين مما يحدث..فتساءلت علياء:
-في ايه يا مروان؟؟ ما تفتح للولد عيب كدة..
-ملكوش دعوة..وخشوا جوه..خشي يا بت أنتِ وهي يلا..
ضربت زوجته كف بالاخر ودخلت صحبة بناتها..أما هو ففتح له مجددًا واضعًا يديه أعلى خصره يسأله:
-موضوع ايه ده؟؟؟
تنهد جابر براحة ولم يتحدث بل دخل المنزل عنوة واغلق الباب مغمغم:
-هقولك..داليدا صاحية..او وئام..اي واحدة فيهم؟؟
مسك مروان بتلابيبه متمتم بغيرة واضحة:
-هو ايه اللي داليدا صاحية ولا وئام عايز ايه من البنات ياض..
-هعوز منهم ايه يعني بنصاحتك دي..قصدي بنصاحة حضرتك..دي مرات اخويا..ودي طليقة أخويا..واخواتي يبكون على الأطلال..بص خليني اشوف داليدا لازم اتكلم معاها..وبعد ما اخلص كلام معاها ندخل على وئام…
ضيق مروان عيناه واستفسر منه:
-لا افهم الاول وبعدين اشوف..
وقبل أن يقص اي شيء عليه التقطت عينيه داليدا..فـ نادي عليها مرات متتالية..
-داليدا..داليدا.. عايزة اتكلم معاكي ضروري الله يخليكي..
اقتربت منه داليدا وتبادلت النظرات مع مروان مستمعة لكلمات جابر:
-بصي الموضوع يخص نضال…وأنتِ لازم تسمعيني..
تنهدت وابتسمت لـ مروان تخبره:
-هنتكلم برة وجاية علطول…
خرجت معه للحديقة..وقف الاثنان أمام بعضهم البعض..وبدأ هو حديثه:
-بصي نضال مدمر..حزين حزن..مقولكيش..هو غلط اه وكدب اه..بس اقسملك بالله أنه مخانكيش..يوم ما راح مع عابد أنا مكنتش معاهم روحت لما كلمتهم وعرفت انهم هناك ولما روحت لقيته كان عايز يروح وعابد هو اللي مش عايز وساعدني في اننا ناخد عابد معانا ومكنش مدي وش لاي واحدة هناك…ولو كدب وقلب التربيزة عليكي فـ مكنتش فكرته برضو..انا وعابد اللي اقترحنا عليه ده..
ابتلع ريقه ثم استطرد:
-هو بيحبك..ولو مش بيحبك مكنش هيخاف يخسرك ولا كان هيبقى حزين كدة…عايزة تعاقبيه عاقبيه زي ما أنتِ عايزة…متكلميهوش..صدي محاولاته…وخليه ميشفكيش..نشفي ريقه بس متسبيهوش..عشان لو سبتيه نضال هيضيع…
بالداخل وبعد جلوس مروان على طاولة الإفطار ومعه مريم والدة فجر والتي كانت تنتظر مرور بعض الوقت وتذهب لابنتها..
دخلت داليدا وهي تنظر لـ وئام تخبرها:
-وئام جابر واقف برة وعايز يتكلم معاكي..
نظرت وئام لأبيها والذي استنشف محاولات جابر للإصلاح بين أخيه وابنته..
هز لها رأسه يمنحها الأذن بالخروج والحديث معه..
خرجت إليه و وقفت أمامه عاقدة ذراعيها..قائلة:
-نعم يا جابر..
-نعم الله عليكي.. أنا هبقى دوغري معاكي وهكلم بصراحة..عابد مدمر..حزين حزن ..مقولكيش..هو غلط آه ومصدقكيش آه…بس اقسملك بالله أنه مبطلش يحبك وأنه اللي حصل كان بسبب غيرته عليكي…هو بيحبك..بيحبك أوي…ولو مش بيحبك مكنش ده هيبقى حاله…ولا هيبقى حزين كدة..عايزة تعاقبيه..عاقبيه زي ما أنتِ عايزة..متكلميهوش..صدي محاولاته…وخليه ميشفكيش..نشفي ريقه بس ارجعيله في الآخر..عشان لو مرجعتيش عابد هيضيع..
___________________
-صباح الخير.
تحدثت أبرار بنعومة والتي استيقظت للتو وأول ما فعلته هو الاتصال عليه..فـ قابلها رد خالد الهادئ:
-صباح النور.
ابتلعت ريقها وسألته بتردد:
-صحيتك ولا إيه؟؟
-لا أنا صاحي أصلًا وفي المكتب بتاعي كمان..
حاولت أن تتحدث بمرح مغمغمة:
-كمان..طب إيه رأيك اعدي عليك..ونتكلم مع بعض شوية..ايه رأيك؟
رغب في الرفض..وقرر عقله فعل هذا..لكن قلبه خذله وبدل من النطق بالرفض كان ينطق موافقًا على هذا:
-مستنيكي.
___________________
استيقظ «أشرف» بعدما نام مرة أخرى بعد تأديته لصلاة الفجر..مسح على وجهه وتململ في نومته..ثم التقط هاتفه وجاء بصورتها يتحدث معها ويتفرسها بعشق وشغف كبير..
-صباح الخير..
ارتفع حاجبيه وابتسم يسخر من حاله وحالته التي ساءت وبات يتحدث مع صورتها..قائلًا بصوت مبحوح:
-يالهوي يا جدعان..بقى على اخر الزمن..اتكلم مع صورتك..جننتيني يا مدام كركدية….ولا اقول رعد ؟
أوصد جفونه وابتسم بأشتياق لأحاديثهم معًا ولصوتها الجميل..
فتح عينيه وهو يهز رأسه مقررًا إنهاء هذا الأمر اليوم…وسيصالحها وتعود المياه لمجاريها اليوم قبل الغد فقلبه لم يعد يتحمل حزنها وفراقها وسيفعل أي شيء ولن ينتهي هذا اليوم قبل فعله لهذا……………………
يتبع.
فاطمة محمد.
بأمر الله هحاول انزلكم فصل بكرة كمان ولو منزلش يبقى معادنا يوم الاثنين مع فصل طويل.. ❤️
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية كارثة الحي الشعبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.