رواية كارثة الحي الشعبي – الفصل الرابع والسبعون
الفصل الرابع والسبعون
أنظر جيدًا.
كارثة الحي الشعبي.
فاطمة محمد.
الفصل الرابع والسبعون:
مرت عدة أيام كانت ثقيلة وبطيئة كأنها سنوات وليس أيام على قلوب البعض..وسريعة على البعض الآخر..
فالوضع بين «نضال» و «داليدا» ظل كما هو.. لا تجيب عليه وتتجاهله…كذلك تجنبت رؤيته وكلما حاول الوصول إليها و الحديث معها لا يجد سوى الصد والرفض الشديد…مسببه في حرمانه منها وجعل تلك الأيام ثقيلة على فؤاده الذي اشتاقها كثيرًا…فإذا سأله أحدهم عن مناه سيجيب بحروف إسمها “داليدا” هي فقط القادرة على إسعادة وإدخال البهجة والسرور لكيانه…
لم يتوقف الأمر عند توقه إليها فقط..بل كلما مر يوم واقترب يوم زفاف أخيه كان يشعر بالخوف والخطر القريب…لرغبتها في الانفصال عقب زواج فجر وخليل….
في ذات الوقت لم يختلف حال «عابد» عن أخيه كثيرًا فقد مضت تلك الايام عليه بصعوبة وهذا لعدة أسباب كان اهمها هو غيابها الذي بات لا يطيقه…وتلك النظرة الذي يراها بعين نضال والتي يحمله بها المسوؤلية عما حدث بينه وبين زوجته…وكانه يخبره بتلك النظرة
“أرايت ماذا فعلت بي ؟ هل أنت راضيًا وسعيدًا الآن”
وللحق لم يكن سعيد..فقد فارقته السعادة مع فراق حبيبته وملكة قلبه…مفكرًا بكلمات «جابر» وهي أن ما حدث معها يشابه ما حدث مع اخيه..
ترى هل ظلمها !!؟
لم يفارقه هذا السؤال وظل يشغل ذهنه حتى قرر الحديث معها أخيرًا وسماع ما لديها….فإذا رأى الصدق بعينيها سيعود إليها ولن يتركها وكأن الأمر بيده بمفرده كي يتركها ويعود لها متى يشاء !!!!
وعند تسليط الضوء على «أشرف» ندرك بأنه أيضًا يتم معاقبته…ليس بالشجار أو الصراخ أو حتى الصياح..بل بالتجاهل من طرفها…وهذا ما يقتله…ترفض اتصالاته..كما ترفض رؤيته…وعند محاولته رؤيتها وذهابه لمنزلها كي يضعها أمام الأمر الواقع وتتحدث معه لم تفعل شيء سوى التعامل ببرود….
وظلت ثراء تلازمهم بناءًا على طلبها…حتى أن لقائه بها لم يدوم الا لعشر دقائق !!!
عشر دقائق فقط…وبعدها نهضت متعللة بأنها ليست متفرغة ومنشغلة مع فجر واستعدادتها لزفافها….
لكن هذا الوقت والدقائق القليلة جعلته يشعر بالذنب ويأنبه ضميره على ما فعله بها..فقد قسى عليها وجعلها تعترف بعشقها في ظرف و وقت لا يصلح بتاتًا…
والآن وقبل حفل زفاف كلا من «فجر وخليل» بيوم واحد فقط..
كان التوتر والارتباك هما ما يسيطران بحجرة فجر والتي قامت بجمع أغراضها سواء القديمة أو الجديدة واضعة إياهم بحقائب السفر الكبيرة بمساعدة الفتيات اللواتي لم يتركوها بالمرة وباتت مستعدة للذهاب إلى منزل خليل وترتيب أغراضها بالحجرة بعد أن نقل لها كلا مروان..سليم وأحمد..الحقائب كي لا يجعلون الفتيات يحملونها……
اعتذرت منها داليدا..وكذلك وئام وأخبروها بعدم قدرتهم على المجئ معها ومساعدتها….
فأخبرتهم بأنه لا بأس وانها والفتيات سيتولون الأمر…تاركة داليدا و وئام وبقية فتيات العائلة يتولون أمر حفل الحناء التي ستقام الليلة بالمنزل…..
وبالفعل تحركت نحو منزل عائلة «سلطان»..
اقتحمت دلال حجرة «عابد» غالقة الباب من خلفها مرددة اسمه تحثه على الاستيقاظ وهي تضئ أنوار الغرفة:
-عابد…واد يا عابد اصحى يلا..نايم بقالك كتير…يلا قوم وراك هم ما يتلم أنت وأخواتك.
وضع الوسادة على وجهه منزعجًا من تلك الإضاءة مردد بحنق:
-مش قادر..سبيني واطفي النور ده واقفلي الباب وراكي…
جذبت الوسادة عن رأسه رغمًا عنه تخبره بسخط:
-لا..مش هسيبك ولا هطفي النور ولا هقفل الباب..قوم مرات أخوك والبنات هنا في اوضتها..قوم عشان محدش من أهلها يقول حاجة…صحصح كدة عشان تنزل توضب الجنينة وتجهزوها يلا.
فتح عينيه وناظرها مغمغم بلهفة:
-وئام معاهم؟
-لا.. واحسن انا اصلا لو شوفتها همسك فيها..وطلعها من دماغك ها..طلعها عشان أنا مش هقبل بيها تاني…ولو عندك ذرة دم طلعها من دماغك وشوفلك واحدة محترمة متقرطسكش…
احتل العبوس وجهه وقبل أن تغادر رددت:
-متنمش تاني..هروح اصحي اخواتك تكون قومت يلا..
في ذات الوقت بحجرة خليل والتي تبدل أثاثها بـ أثاث آخر انتقته فجر وباتت الغرفة ملائمة ومناسبة كي تكون حجرة عروس……
كانت تضع الحقائب على الفراش وترتب خزانتها واغراضها بمساعدة وعد.. أبرار..وثراء..
وفجأة توقفت وتذكرت مغمغة بضيق واضح:
-يا خبر انا إزاي نسيت…انا كنت عايزة اجيب عبايات استقبال…
هدأتها وعد وقالت:
-طيب أهدي دلوقتي هكلملك وئام وتروح هي وداليدا ويجيبوا بدل الواحدة العشرة كمان..ريلاكس…
اماءت لها بموافقة…فأخبرتها وعد وهي تخرج هاتفها:
-دلوقتي هكلمها وهقولها متتوتريش.
*************
خرج «اشرف» من حجرته بعد أن استيقظ بمفرده..وبملابس البيت الذي لم يبدلها لإدراكه بما عليه فعله اليوم بالحديقة….تقابل مع والدته التي كانت على وشك دخول غرفته هو الآخر وايقاظه متمتمة:
-أنت صحيت كنت لسة جاية اصحيك..عدي على أخوك نضال شوفوا قام ولا لسة ع
لم يستمع للبقية…بات اصمًا عن حديثها بعدما تناهى إليه صوتها الذي يشتاقه ويحفظه عن ظهر قلب….مصاحبًا بتلك الضحكات الخافضة التي تتبادلها مع الفتيات…
نظر نحو مصدر الصوت والذي يكون غرفة أخيه وبدون أن ينهي حديثه معها.. تركها وهي تثرثر واتجه نحو الغرفة….
لم تتركه وتحركت من خلفه..كاد أن يطرق على الباب وينتظر أذنهم بالدخول لكنه تراجع خشية أن تظنه فجر والدته ولا تضع نقابها….
نظر لوالدته التي باتت أمامه وطلب منها لا يبالي بعبوس وجهها من لهفته عليها:
-ماما ممكن تقولي لـ وعد تخرج وأنك عايزاها ؟
-ليه هي السنيورة م
قاطعها بشيء من العصبية:
-ماما لو سمحتي متدخليش واعملي اللي بقولك عليه..
تخصرت بحنق وقالت:
-تعالي الطشني قلمين احسن م
لم يدعها تسترسل تلك الوصلة الذي لن يتحملها بهذا الوقت….حسم آمره ودق هو على الباب مغمغم بهدوء مفتعل :
-وعد انا أشرف ممكن تخرجي ثواني عايزك !
التفتت برأسها نحو الباب الذي يأتي صوته من خلفه وابتلعت ريقها…
رأت أبرار ترددها فقالت ببسمة:
-يلا يا بنتي اخرجيله…شوفيه عايز ايه يمكن يكون فيه حاجة..
قالت الأخيرة وهي تتعمد اثاره ريبتها كي تجعلها ترضخ وتفتح الباب وتخرج للحديث معه..
تركت ما بيدها وما كانت تفعله وفتحت الباب وخرجت..
رأت دلال تقف بجواره..وقبل أن تنظر إليه وتتلاقى عينيهم…وجدته يقبض ويحكم يده على معصمها ويجذبها معه بعيدًا عن والدته….وتحديدًا نحو غرفته….
دخل معها إلى الغرفة واغلق الباب…وعلى العكس لما حسب حسبانه من صياح عليه وجدها هادئة تترقب ما لديه بملامح وجه هادئه للغاية…
بلل حلقه الجاف ثم بدأ حديثه بهدوء شديد:
-بصي يا وعد..انا حمار..وغبي..و زودتها معاكي وجيت عليكي….…الكام يوم اللي عدوا دول من غيرك وبزعلك مني عرفت أنتِ ايه بالنسبالي..صحيح بضايق منك ومن اندفاعك ولسانك الطويل…
ظلت ملامحها كما هي..لم تتبدل أو تتحول وهذا ما جعله يقلق أكثر وأكثر…ازدرد لعابه وتابع مجددًا:
-بس ده أنتِ وانا كتبت عليكي واتجوزتك وانا عارف انك كدة..لما فكرت في اللي عملتيه لما كنت زعلان منك وازاي مهنتش عليكي وفكرتي فيا وحاولتي تصالحيني..وتتغيري..عرفت قد ايه انا غبي…غبي عشان خليت اعترافك بحبك ليا يطلع وقت غضب…وكسرتك وجرحتك….
ترقرقت الدموع بعينيها وأطرقت رأسها للاسفل..مانعة استمرار لقاء أعينهم…متذكرة تلك اللحظة الذي جعلها تخرج عن أعصابها وتلقي اعترافها بعشقها بوجهه…..
عضت على شفتيها السفلى تكبح دموعها..او انفجارها الحتمي…
تحرك بؤبؤ عينيه على وجهها…وبالنهاية ارتكز على عينيها التي تحبس دموعها…شعر بوخرة تتسلل إلى قلبه وتعنفه عما فعله معها…شاعرًا بالغضب يتمكن منه نحو اخيه «نضال» الذي لولا كذبته ما حدث كل هذا..
مد يده ورفع ذقنها وما ان فعلها وقبل أن يتحدث وجدها تنفجر باكية……
زاد شعوره بالاسى والغضب من ذاته..ولم يتردد بجذبها إلى احضانه…
لم تمانع هذا العناق..وتقبلت قربه وتهوينه عليها…
فقد كان يربت على ظهرها بيد والأخرى على خصلاتها…ولا يخرج منه سوى الاعتذار:
-خلاص انا آسف..حقك عليا والله…أنا آسف…
وكلما اعتذر وكرر آسفه كان بكائها يزيد….وبعد لحظات من البكاء من تجاهها..والتهوين والحنان والأسف منه..ابتعدت عنه فجأة وطالعته بأعين بها غضب طفيف مغمغمة:
-متكلمش معايا…مخصماك بجد…
قالتها وهي تتحرك من أمامه وتتجه صوب دورة المياة..دخلتها وأغلقت الباب خلفها…ثم وقفت أمام صنبور الماء وقامت بفتحه…ضمت يدها اسفله وجمعت بعض من قطرات الماء ثم انحنت قليلًا بجسدها ودفعتها على وجهها…..
ظلت تكررها عدة مرات حتى شعرت بأنها قد هدأت…اغلقت الصنبور وجففت وجهها بالمنشفة المتواجدة..ثم خرجت…فوجدته يقف بانتظارها..حاول الحديث معها والاعتراف بانه يعشقها مثلها تمامًا ولا يتحمل ما تفعله وبُعادها عنه لكنها رفضت أي حديث ودفعته من طريقها وخرجت من الغرفة وعادت للفتيات مبتسمة لهم وكأنه لم يحدث شيء…
*****************
بالاسفل وبعدما قامت دلال بإيقاظ البقية مثلما فعلت مع عابد..خرجت للحديقة واقتربت من جابر الواقف على سلم حديدي يعلق إحدى الزينات المخصصة لحفلات الزفاف..
نظرت لـ عابد الذي يثبت له السلم وقالت:
-سيبوا اللي في ايديكم ده عايزاكم تقضوا مشوار ولما ترجعوا ابقوا كملوا…
تساءل عابد بحاجب معقود تزامنًا مع نزول جابر عن السلم واختطافه نظرة نحو نضال الواقف مع خليل ويساعده بما تبقى:
-مشوار ايه ده؟؟؟
-واحد فيكم هيروح حارتنا القديمة ويقول لـ أم عبدالله تعمل عشر فطاير كبار كدة…
اعترض جابر وقال بتعجب:
-فطير ايه لمؤاخذة اللي نروح نقولها تعمله ده؟!!
-فطير مشلتت يا واد عشان صباحية أخوك…معروف صباحية يعني فطير مشلتت وعسل وقشطة..
زفر جابر وعقب بزهق:
-ياما حرام عليكي متشلنيش..يعني هي الصباحية من غيرهم مش هتبقى صباحية؟؟!
-اه..وبعدين معرفش امها هتعمل ولا لا..وانا مش هستناها تعمل انا هعمل لـ ابني برضو ولو طلعت عمله زيادة الخير خيرين…يلا…وبعد ما تخلصوا عدوا هاتو كام جوز حمام…
رأت الضيق بعيناهم فقالت:
-عندكم اعتراض ولا حاجة؟؟؟؟
رد الاثنان بذات الوقت:
-لا….
**************
خرجت «وئام» رفقة «داليدا» كي يأتون بما ينقص فجر وما نسته تمامًا…استقلوا سيارة وئام ومرت من البوابة وابتعدت قليلًا…
وأثناء سيرها وتبادلها أطراف الأحاديث مع داليدا…قُطع عليهم الطريق بواسطة إحدى السيارات..وجعلها تقف بشكل مفاجئ متفادية التصادم به…
تنهدت الفتاتان لعدم تصادمهم بالسيارة وصاحت داليدا بانزعاج:
-ده ايه اللي بيعمله المتخلف ده كنا هندخل فيه !!!…
راقبت وئام ذلك الذي يهبط من السيارة ويقترب منهم والذي تعرفت عليه فلم يكن سوى «فادي» والذي عاد يطاردها من جديد منذ أيام… عقب عودته من رحلته لإحدى البلدان العربية…. سواء بالظهور أمامها من العدم.. أو بمحاولته للحديث معها عبر الهاتف…
اقترب من النافذة الخاصة بها وقال بشر:
-مش راضية تردي عليا..فقولت اعملك مفاجأة واجيلك وطلعت ابن حلال كنت لسة في طريقي لبيتك واني أسأل عنك أصلك وحشتيني مـــــــوت..
انتهى متابعًا لحجابها فارتفع حاجبيه وقال ساخرًا:
-ايه ده أنتِ اتحجبتي ليه؟؟؟ شكلك كان احلى من غيره….
طفح الكيل ولم تعد تتحمل الاستماع إليه أكثر..نظرت إليه بشزر وقالت بهجوم واندفاع:
-أنت عايز إيه مني؟؟؟ ما تسبني في حالي بقى…
-مينفعش اسيبك…واللي انا عايزه كتير أوي..قوليلي انا عرفت انك اطلقتي…يا ترى اطلقتي ليه بتحبيني ولا ايه؟
قال الأخيرة بسخرية……ازداد اظلام عين وئام وقبل أن تجيب كانت تسبقها داليدا صارخة بوجهه مدركة هويته:
-لا أطلقت بسببك يا حيوان..واطمن مبتحبكش…هي محبتش غير عابد وبس…
نظرت إليها وئام وعدلت على حديثها:
-لا يا داليدا مش هو السبب..هو مضربنيش على أيدي عشان ارد عليه…انا اللي اتغبيت…بس مش ناوية اكرر الغباء ده تاني…
عادت تنظر نحوه مغمغمة:
-لو سمحت..امشي..وسبني بقى في حالي..انا مبقتش وئام القديمة اللي كنت تعرفها..فـ ارجوك اعمل حاجة عدلة وكويسة لوجه الله وسبني بقى….
وبنظرات وقحة تحركت عليها قال:
-طب بما أنك مبقتيش وئام القديمة..انا عايز اتعرف على وئام الجديدة..وبعدين السكة فضيت واطلقتي…
في ذات الوقت…داخل سيارة عابد كان يجلس خلف المقود…وجابر بجواره يتأفف ويظهر تذمره بوضوح مغمغم:
-نتبرى من امك طيب…ولا نعمل ايه..عارف لما نخلص ونرجع لو ملقتش ثراء والله لـ ….
حاول إيجاد شيء قد يفعله في حال عاد ولم يجدها وضاعت فرصته للحديث معها والذي كان ينتظرها على احر من الجمر…
لكنه لم يجد…بل سقط بصره على سيارة وئام التي تقف على مسافة….
ضيق عيناه ونظر لأخيه الذي انتبه إليها ايضًا وضاعف سرعة السيارة خاصة مع رؤيته لسيارة أخرى و وقوف شخص لا يظهر ملامحه بوضوح جوار نافذتها…
تساءل جابر بقلق:
-هي مش دي عربية وئام؟؟ ومين اللي واقف وقاطع الطريق عليهم ده؟؟؟!
أوقف عابد السيارة خلف سيارتها وهبط صافعًا الباب بلامبالاه…وعيناه لا تفارق ذلك الشاب الذي تبينت معالمه أخيرًا وأدرك أنه هو…..
تسارعت نبضات قلبه…وبات صدره يعلو ويهبط بانفعال وغضب جحيمي…..
وسرعان ما التهم المسافة التي تفصله عنه……ممسكًا به بقوه وغل واضح..
تزامنًا مع هبوط جابر هو الاخر…وكذلك داليدا و وئام…..
وبنبرة جاء بها من أعماق الجحيم.. ردد:
-بتعمل ايه يالا أنت….
انتهى منهالًا عليه بالعديد من الضربات المتتالية.. السريعة..القوية…….يصب به كاف غضبه….مقطه…سخطه…كل ما هو سيء………
ركض جابر نحوه يحاول فصله عنه….مستمعًا لتشجيع داليدا لما يفعله عابد هاتفة:
-اديله الحيوان ده…
نظر إليها جابر وعلق:
-اهدي يا ولعة…لو اداله اكتر من كدة هيموت في أيده…
خرج صوت وئام ترجوه بتركه:
-سيبه يا عابد..خلاص..هيموت في إيدك.
هنا واستطاع ونجح جابر بإبعاده…فصرخ عابد باهتياج جعل فادي يهاب وتتخبط ركبتيه ويتمنى الهروب في الحال:
-ســبـني يا عم.. أنا مبقوق منه…اوعى……….
قال الأخيرة وهو يدفع جابر بقوة يجبره على تركه…وقبل أن يندفع نحو فادي الساقط ارضًا والذي ما أن رآه على وشك الهجوم عليه ظل يزحف على الأرض يعود للخلف عله يستطع الهروب ويتملص من بطشه..
وقفت وئام أمامه واضعة يدها على صدره متحدثة بهدوء محاولة تهدأته:
-اهدا..خلاص…عشان خاطري……
تدخلت داليدا وقالت بانزعاج:
-لا ميهداش…الواد ده بيضايقها يا عابد وبيتحرش بيها…
اشتعلت عين عابد وهو يبتعد عن يدها التى تلمسه واحرقته دون أن تدري….وعلى الفور صاح فادي بخوف كبير وهو على اتم استعداد بالنهوض والركض نحو سيارته والهروب:
-وربنا ما اتحرشت…
لحق به جابر وحاصره قبل أن يفعلها ويهرب منهم…مغمغم:
-عابد أنا مسكه…ابعد عربيته دي وخليهم يعدوا…وهو هينورنا شوية..يلا…
استحسن عابد تلك الفكرة وانصاع لطلبه…وصعد بسيارة فادي وأدار المفتاح الذي تركه فادي بداخل السيارة.. وأبعدها عن الطريق….ثم هبط منها مصوبًا حديثه لوئام وداليدا:
-يلا شوفوا كنتوا رايحين فين….
وبقلق لما ينوي عليه قالت وئام:
-عابد بلاش جنان وتودي نفسك في داهية ع
صرخ عليها باهتياج مضاعف جعلها ترتعد:
-قــــولــــت يـــلا..
لاحقه صوت جابر يطمأنها:
-يلا يا وئام متخافيش انا موجود…ومش هنعمله حاجة..احنا بس هنربيه عشان الوالدة والوالد مكنوش فاضين…مش كدة يا فيفو؟؟؟
قال الأخيرة لـ فادي الذي تحول لـ فأر….
وعلى مضض صعدت وئام بقلب يغمره القلق أما داليدا فكانت سعيدة للغاية بما سيحدث له……
بعد مغادرتهم…ابتسم جابر لفادي بسمة غليظة…بينما تحرك عابد نحو سيارته من الخلف وفتح حقيبتها واخرج حبل ما….
اغلق الحقيبة ثم تقدم من فادي الذي يمسك به أخيه…وبوجه مظلم بدأ بإحكام الحبل حوله…….
لا يهتم لا بتوسله..او بمزحات أخيه..مقررًا الانتقام منه عما فعله وكيف تقرب من حبيبته……..
وبالفعل قام بتقيد حركته وجسده وقبل أن يضعه بالسيارة تذكر فادي حديث داليدا وخاصة تلك الجملة
“لا أطلقت بسببك يا حيوان.”
فصاح بخوف ورعب:
-وربنا ما فيه حاجة بيني وبينها…أنا حاولت معاها وكنت بتصل عليها بس كانت كل مرة بتصدني وفي آخر مرة كلمتها شتمتني ومن بعدها مبقتش ترد عليا…وحياة أمي ده اللي حصل……..انا معملتش حاجة…سبني امشي و والله مش هقرب منها تاني….
تهللت اسارير جابر من اعترافه…بينما تسمر عابد من حديثه المماثل لحديثها..
كرر فادي قسمه مردد:
-وربنا ده اللي حصل وحياة أمي وابويا ما بكدب…
لكزه جابر مغمغم بضيق من قسمه بحياة أبيه وأمه:
-حرام ياض تحلف بغير الله قول لا إله إلا الله….
لم يجيب فادي بل ظل يتابع عابد…الذي أدرك بتلك اللحظة بأنه حقًا ظلمها واتهمها بشيء لم تفعله
والصقه
بها……….
لكزه
جابر مرة أخرى مغمغم:
-ما تقول ياض لا إله إلا الله…
***************
صفت سيارة «عابد» أمام بوابة منزلهم بعدما انتهوا من مشوارهم والذي لم يطول نظرًا لحالته التي لا تتحمل الصبر والانتظار…فلو كان الأمر بيده لترك اخيه وانفرد بذاته…..
شعر جابر به وبما يحتاج إليه الان…وحاول التهوين عليه قدر المستطاع….فقام بتوصية المرأة على صنع الفطير واخبرها بأنه سيأتي لها بالغد صباحًا كي ياخذهم…ثم مر وجلب ما ينقصهم ولم يطيل أيضًا…
هبط جابر من السيارة حاملًا ما أتى به…متابعًا لجلوس عابد بالسيارة..نظر إليه من خلال النافذة واستفسر منه:
-أنت مش هتنزل؟؟؟
-لا…
كانت تلك إجابته قبل أن ينطلق بالسيارة ويغيب عن أنظاره….
تنهد جابر شاعرًا بالاسف..والسعادة في آن واحد..فقد انكشفت الحقيقة دون أي مجهود..و كرر الشاب كلمات وئام التي سبق واخبرت بها أخيه…..
ابتسم جابر على ذكر فادي متذكر ما فعلوه به وكيف تركوه مقيدًا لا يستطع تحرير نفسه… وغادروا….
ولج من البوابة وهو يغمغم بشماته:
-احسن ابن حلال و يستاهل…
رفع رأسه يتابع سيره فسقط بصره على خالد الذي حضر و وسام الذي يصاحبه ويحاول مساعدة أبيه نضال..اشرف..وخليل..في إنهاء تحضير الحديقة الذي سيقام بها حفل الرجال المنفصلة عن السيدات والتي ستقام بالداخل….
وقبل أن ينطق حروف اسم الصغير ظهرت ثراء وهي تخرج مع الفتيات بعدما انهوا ترتيب الاغراض….
اوقع الحقائب الذي يحملها من يده وهو يبتسم باتساع وبلاهة مغمغم بصوت عالي:
-ده يا مساء الصابون اللي سائل وانت مش سائل….
ابتسمت الفتيات على حديثه بينما عاد حاملًا ما سقط من يده…وتحول اهتمام وسام نحو الفتيات…فركض الصغير نحو أبرار والتي استلقته داخل أحضانها وطبعت قبلة على وجنتيه….
-عامل ايه وحشتني..
-وانتِ كمان وحشتيني اوي..
قالها وهو يقلد حركتها ويطبع قبلة على وجهها….
ترك خالد ما يفعله وتقدم منها فقامت بالتقدم هي الأخرى وابتعدت عن الفتيات كي تتحدث معه باريحية..خاصة انهم لم يعودوا يتحادثون أو يتقابلون مثلما كانوا يفعلون من بعد تلك المكالمة التي أخبرته خلالها بأنها ترغب بتأجيل زفافهم…ومن بعدها بدأت تتهرب وتدعي انشغالها مع فجر…
سالته هي اولًا ببسمة هادئة:
-عامل إيه؟
هز رأسه متحدث بهدوء يشوبه برود لم تعتاده منه:
-الحمدلله…..
حررت الصغير من أحضانها وعندما أوشكت على التحدث وتبرير عدم حديثها معه مدعية انشغالها مع فجر كان يسبقها مقلدًا اسلوبها معه في إحدى المرات:
-طيب معلش هبقى اكلمك بليل.. اصلي بساعد خليل اصل فرحه بكرة عقبالك…….
وقبل أن يتحرك ويوليها ظهره مسكت بذراعيه وقالت:
-والله !! ايه عقبالك دي؟؟ اسمها عقبالنا على فكرة..
حدق بها قليلًا ثم اولاها ظهره دون أن يتحدث أو يعقب……..
على الطرف الآخر وبعدما قام جابر بلملمة ما سقط دنا من الفتيات يستفسر منهم:
-خلصتوا خلاص؟؟ وضبطوا الدنيا؟
هزت وعد رأسها تخبره بهدوء متفادية النظر نحو أشرف والذي يحدق بها من حين لآخر بنظرات مشتاقة إليها:
-أيوة…انت ايه اللي جايبه ده؟
-امي يا ستي وتحكماتها..متحطوش في دماغكم انتوا….
انتهى مطالعًا ثراء وخصها بالحديث دونًا عن الجميع:
-عقبالك…
جاءت ابرار بتلك اللحظة وبرفقتها وسام الذي رفض تركها…واندفع تلك المرة لأحضان ثراء مغمغم:
-ثراء وحشتيني….
-حبيبي وانت كمان..
قالتها وهي تحمله بحب وتقبله على وجنتيه….فاتسعت بسمته وصاح:
-أنا بحبك اوي..وأنتِ وحشتيني اوي…قوليلي عروستي هتيجي امتى؟
عقدت حاجبيها وقالت بعدم فهم:
-عروستك مين؟!
اتسعت عين جابر وردد وسام بطفولية:
-بنتك انتِ وجابر…جابر قالي انها
سقطت الحقائب من يد جابر لكن تلك المرة عن عمد لاحقًا بـ وسام مكمم فمه ينتشله من احضانها متمتم ببسمة متوترة:
-يااااه عليك يا وسام وعلى هبلك..ده انا كنت بهزر…ومعدتش مهزر معاك تاني ارتحت؟!………
خجلت ثراء ولم تنظر إليه وهربت من أمامه…لحقت بها وعد..وكذلك فجر التي اختطفت نظرة نحو خليل والذي تعمد أن يوليها ظهره والا ينظر إليها حتى تصبح زوجته رسميًا….
وقبل أن تلحق بهم أبرار…نادى عليها نضال…ثم وقف أمامها وسألها على داليدا:
-هي داليدا مجتش معاكم ليه؟
وبضيق وصراحة فجة ردت عليه:
-عشان مش عايزة تشوفك ومش طيقاك…عن إذنك……………..
يتبع..
فاطمة محمد…
الاحداث بتخلص معانا خلاص بس الفرفشة والمشاهد اللي قلبكم يحبها لسة جاية واتفاعلوا بضمير بقى عايزة الفصل يوصل ألف
فوت
.. 😂❤️❤️❤️❤️
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية كارثة الحي الشعبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.