رواية كارثة الحي الشعبي – الفصل الثامن والخمسون
الفصل الثامن والخمسون
أنظر جيدًا.
كارثة الحي الشعبي.
فاطمة محمد.
الفصل الثامن والخمسون:
صباح اليوم التالي.
يجلس كلا من “أشرف” و “جابر” حول طاولة الإفطار…و دلال تارة تأتي وتضع بعض الصحون على الطاولة..وتارة أخرى تعود كي تأتي بالبقية رامقة إياهم بأشتعال…
وعقب غيابها وعودتها إلى المطبخ تحدث أشرف من بين أسنانه مصوبًا حديثه لـ جابر:
-كل ده بينزل…الله يخربيته.. امك هتيجي تقعد وهو لسة منزلش….الخطة هتبوظ…ومش هعرف اقول حاجة قدام أمك…
نفى جابر يطمئنه:
-لا أمك لسه بتقلي بطاطس وبتسلق البيض..وهو هتلاقيه نازل دلوقتي…انا هعرفلك أنه جاي من قبل ما يدخل هنا أنا بعرف أنه جه من ريحته تقريبًا بيكب ازازة الريحة عليه….
ردد الأخيرة وعيناه تتسع وانفه تتحرك مستنشقًا بعمق رائحه عطره التي سبقته كما أنهم استمعوا إلى خطواته التي تقترب..مما جعله يحث أشرف بهمس على إخراج هاتفه والتنفيذ بالحال:
-جه..جه..يلا طلع تليفونك وابدء…
وبالفعل سارع أشرف بالتقاط الهاتف الموضوع أعلى الطاولة ويضعه على أذنيه ويزيف حديثه مع وعد متمتم بصوت عالي وتشنج أجاد إتقانه ليظهر وكأنه حقيقي:
-يا ستي انا مال اهلي متعصبنيش يا وعد….أنتِ عارفة أنتِ بتقولي إيه يا متخلفة أنتِ…وبتكلمي عن مين؟؟ دي كانت مرات اخويا برضو يعني راعي مشاعري…وبعدين مالي انا إذا كان في واحد معجب بيها وبيحاول يرتبط بيها وهي بتصده!!! بتحشريني ليه وتحرقي دمي على الصبح ليه…
صمت يزيف استماعه إليها كما زيف عدم انتباهه لقدوم عابد الذي تبخرت بسمته وذهبت بالهواء الطلق لاستماعه لكلمات أخيه وإدراكه بأن هناك آخر يرغب بها ويحاول معها..
تسمر مكانه و وقف يتابع لاسترسال أشرف لضيقه….بينما جابر يكبح بسمته ولا يرفع رأسه عن هاتفه الذي ادعى انشغاله به هو الآخر…
تابع أشرف من بين أسنانه:
-بقولك إيه متبرريش ومتقوليش حرف زيادة عشان مغلطش فيكي… دي مهما كان طليقة اخويا..اقولك مدخلنيش ولا تعرفيني..يا ستي انا مش عايز اعرف هي عافية؟؟؟؟؟
هنا ورفع جابر رأسه عن هاتفه وعلى الفور سعل بصوت عالي يجذب انتباه أشرف الذي حول بصره تجاه ما يشير جابر برأسه…وما أن رأى عابد حتى تلعثم وتحدث يودعها:
-طيب اقفلي دلوقتي….سلام.
أخفض الهاتف وضغط على الشاشة وكأنه يغلق المكالمة…وعاد ينظر أمامه والتزم الصمت..
تحدث جابر ببسمة يشجعه على الاقتراب والجلوس:
-واقف كدة ليه يا عابد تعالى اقعد….
صر على أسنانه وسيطر على غضبه وغيرته عليها… واستجاب لاخيه وجلس معهم….
تبادل أشرف و جابر النظرات السريعة مخمنين بأنه لن يتحمل وسيستفسر سواء كان بطريقة مباشرة أو غير مباشرة…فقط يرغب بأن يستمع بأن كل ما استمع إليه كان من وحي خياله ليس ألا…
ومثلما توقعوا طرح سؤاله عليه بأسلوب غير مبالي:
-كنت بتزعق ليه؟؟ في حاجة حصلت؟؟
سخر أشرف مع ذاته منه لادعائه بعدم معرفته…
ولذلك قرر التلاعب به وعدم اخباره بأي شيء..راغبًا بأن يجن جنونه…فـ رُبما بتلك الطريقة يعود عقله إليه…ويتوقف عما بات يفعله.
هز رأسه وتحدث بلا مبالاة هو الآخر:
-لا مفيش حاجة…وعد بس عصبتني شوية..
اماء له بتفهم…وعض على شفتاه..بتفكير مشتت…خائف…..فالعديد من المشاعر تتملك منه الآن..
رغب بإخراج هاتفه عله يشغل ذاته به ويخرجها من عقله..لكنه لم يجده فأخبرهم وهو ينهض عن الطاولة:
-نسيت تليفوني هطلع اجيبه…
انطلق من مكانه تاركًا أشرف رفقة جابر الذي أطلق ضحكته اخيرًا متمتم:
-اخوك شايط و هيولع..تقريبا لو لمسته هتلسع…
-احسن يستاهل وهي كمان تستاهل اللي وعد هتعمله فيها….المهم قولي تعرف طريقة نخليه يجي بيها المطعم النهاردة؟؟؟ وعد هتجيب وئام وانا عايزه يجي لازم يشوفوا بعض علشان يتكلموا…
رد جابر بطريقة مرحة:
-وانت عايز طريقة ليه عشان تجيبه..انت لسة هتوجع دماغك وتفكر في طريقة…انت بس قول قدامه أن وعد هتعدي عليك ومعاها وئام هتلاقيه طابب علينا ومش بعيد ميروحش انهاردة الصالون ويجي معانا المطعم…
علق أشرف بشك:
-تفتكر؟؟!!
أكد جابر بذات المرح:
-افتكر ونص..ده انا ممكن ابصُملك على كلامي ده لو عايز…اصل يا بني اخوك ده بُق..هو أنا هفضل اقول كل شوية أنه بُق..احفظوا بقى….
عقب أشرف بمرح:
-واحفظ ليه كفاية انت..وبعدين انت يمكن فاهمه علشان توأمك..
اعترض جابر وقال:
-لا لو سمحت احنا توأم اه..بس انا اكبر بخمس دقايق..ارجو منك عدم النسيان…عشان الخمس دقايق دول حاجة كبيرة متستقلش بيهم كدة…
جاء خليل بتلك اللحظة ملقيًا عليهم تحية الصباح…ثم حضرت دلال ببقية الصحون..وجلست..وعندما شارفت على بدء فطارها وجدت زوجها يلج ومن خلفه عابد الذي جاء بهاتفه وغسل وجهه متأملًا أن تقوم المياه الباردة بتهدئة روعه وغيرته التي تفاقمت…..
وبالاخير حضر نضال وبدأوا تناول فطورهم…
سارع أشرف بإلقاء حديثه الماكر:
-بابا وعد انهاردة هتعدي عليا في المطعم بعد الجامعة وهتجيب معاها البنات وهنتغدا سوا…
تدخل جابر مُدعيًا البراءة:
-مين فيهم؟؟ البنات كتير.
هز كتفيه وصاح:
-يعني أبرار وداليدا و ثراء و وئام وممكن فجر…ده انا حتى بفكر اكلم خالد يجي هو كمان يتغدا معانا..
توقف عابد عن مضغ الطعام وشرد في شيء ما…وقبل أن يستمع إلى شيء آخر قد يزيد من نيرانه قرر الاكتفاء والنهوض مستأذنًا منهم….
عقب ذهابه نظر أشرف تجاه جابر بنظرة يملئها الشك بقدومه وبأنه لن يأتي..
لكن نظرة جابر طمأنته وكأنه يخبره بان يطمئن وأنه سيأتي لا محال….
_______________
-يلا يلا واحدة فيكم تتصرف وتروح تجيبها الاوضة هنا قبل ما ننزل نفطر و نروح الجامعة يلا….
وجهت وعد حديثها إلى داليدا..ابرار..ثراء..وفجر.
استجابت داليدا إليها واخبرتهم بأنها ستفعل هذا…وبالفعل خرجت واتجهت إلى غرفة وئام التي تستعد للذهاب إلى جامعتها اليوم….
بينما استعدت وعد و تحركت واقفة قبالة النافذة واولت ظهرها للباب..واضعة الهاتف على أذنيها مستعدة للتحدث والنطق ما أن يُفتح الباب….
ابتسمت أبرار وعقلت على وقفتها:
-شكلك مسخرة.. عاملة زي التلميذ اللي متعاقب والمُدرسة مذنباه…بقولك ايه ارفعي دراعك لفوق يلا….
التفتت إليها برأسها قائلة:
-هشش يا بت.. انكتمي خليني استعد واحضر الكلام عشان اقوله مرة واحدة..
كادت تتحدث لتنهرها وعد مرة أخرى:
-سكتوها بتشتتني وهعك الدنيا انتوا أحرار…
تدخلت ثراء وقالت:
-لا ابوس ايدك متعكيش..اسكتي يا أبرار سبيها…..
بتلك اللحظة انفرج الباب فقامت وعد بالتحدث على الفور بنبرة منفعله:
-والله !!! وبتقولها عادي كدة..مش مكسوف وانت بتقول في وشي انه عايز يخطب ويجوز؟؟ ايه جتله النية يتوب ولا ايه مش ده اللي مقضيها خروج وكلام مع بنات من ساعة ما ساب و ئام علشان افتكرها خانته؟؟
صمتت وكانها تستمع لجوابه….ثم صاحت مرة أخرى :
-بقولك ايه يا أشرف اخوك عابد ده اصلا ميستاهلش وئام ولا حتى ظفرها وظلمها..واقولك خليه يخطب براحته…بس هيرجع يندم..احنا بنتنا مفيش منها يا حبيبي…وألف راجل وراجل يتمنوها….اه..
لزمت الصمت مرة أخرى وصاحت بخبث متمنية لو بإمكانها الالتفات و رؤية معالم وجهها :
-ايه بتقول ايه!!! يعني هو لسة بيحبها؟ انت متأكد؟؟؟
وقبل أن تزيف استماعها لرده صاحت به:
-لا أنا مش مصدقاك هو لا بيحبها ولا زفت..واقفل بقى عشان جعت وممكن اكلك انت شخصيًا…
اخفضت الهاتف والتفتت على الفور فوجدتها تقف جوار داليدا وجميع العيون تترصدها هي و وئام مترقبين ما سيخرج من فمها وتعقيبها على حديث وعد…زيفت صدمتها من تواجدها وجعلت نظراتها تزوغ هربًا منها…..موجهة حديثها للفتيات:
-انتوا يا بهايم مش تقولوا أنها هنا…
ابتلعت وئام ريقها وتساءلت بهدوء ودموع حبيسة:
-عابد هيخطب؟؟
وبتلعثم متعمد اجابت عليها:
-لا … اه….لا..يوووووه ايوة..أشرف بيقولي أنه لسة بيحبك و
قاطعتها لا ترغب في استماع المزيد قائلة:
-ربنا يسعده يلا ننزل…
غادرت من الغرفة لا تنتظر جواب منهم…فصاحت وعد بغيظ:
-هو ده اللي ربنا قدرها عليه….ماشي يا وئام والله لهوريكوا سواء أنتِ ولا هو….يلا يا بنات اسبقوني عقبال ما تكلم أشرف واقوله اللي حصل..
______________________
يقبع خالد خلف مكتبه القابع بمكتب المحاماة الخاص به والذي يعمل به
الكثير من المحامين الأصغر سنًا و ربما يكون بينهم من أقل خبرة عنه…
يقرأ أوراق إحدى القضايا…ومن حين لآخر يلتقط فنجان القهوة الموضوع أمامه ويرتشف منه….
ارتفع رنين هاتفه الموضوع أيضًا قبالته..ترك الفنجان مكانه وعاد ينظر للأوراق وهو يلتقط الهاتف ويجيب عليه دون أن ينظر لهوية المتصل…
“ألو”
آتاه صوت ناهد الهادئ المغلف ببعض المرح:
“هعتبر نفسي سمعتك بتقولي صباح الخير وبناءًا على كدة هقولك صباح النور… أنت فين يا دودي؟ ”
رفع نظره عن الورق هاتفًا بضيق طفيف:
“بلاش بس دودي دي علشان متقفلش من اول اليوم..قوليلي خالد..خالد احلى والله”
ردت بذات الهدوء:
“طيب يا دودي..قولي انت فين و وسام كمان فين؟؟ ”
“انا عديت على المكتب ..و وسام في المدرسة يا ماما أكيد…”
عقبت ببساطة:
“اها..كنت بتصل عليك علشان لو حابب تعزم خطيبتك واهلها على العشا اعمل حسابي واجهز الدنيا هنا..”
عاد بظهره للخلف متمتم بحيرة:
“مش عارف هشوف كدة….ولو تمام هتصل ابلغك”.
“اشطا..يلا باي يا قلب أمك”
اغلقت معه فحدق بالهاتف بحاجب معقود يردد كلماتها التي أثارت دهشته و ريبته في آن واحد:
-اشطا !!!!!! قلب أمك؟!!!! احيييييه..هي ماما ايه اللي حصلها !!!!
_____________________
قامت “أروى” بمحادثة جابر وأخباره برغبتها بالخروج اليوم والمجيء إلى مطعمهم والمذاكرة به حتى يأتي موعد درسها.. فأخبرها بانه سياتي لها وتتجهز خلال هذا الوقت وبأنه سيقوم بإيصالها عندما يحين وقت ذهابها إلى الدرس….
والآن يصف سيارته أمام منزلها وينتظرها بعد أن هاتفها واخبرها بوصوله وانتظاره لها…
وأثناء هذا خرج “زاهر” من باب المنزل…ارتفع حاجبيه وارتسمت السخرية على محياه مقتربًا من جابر……..
وقف أمام النافذة وانحنى بجسده يطالعه من خلالها مستندًا بكلتا يديه عليها..متمتم بسماجة وعدم احترام لضيفه:
-انت بتعمل ايه هنا ياض؟؟ انت متعرفش اني مش بطيق اشوف سحنتك..يلا غور في داهية…عشان مزعلكش.
التوى ثغر جابر بسخرية وعقب مشيرًا نحو نفسه:
-تزعلني أنا؟؟؟! طب يا تخليك قد كلامك..يا تخلي كلامك على قدك..انا محدش يعرف يزعلني..انا بزعل بس يا روح امك…
عض زاهر شفتاه واعتدل بوقفته ضاربًا براحة يده بقوة على مقدمة السيارة مزمجر به:
-طب انزلي يا شبح..خلينا نشوف مين اللي هيزعل التاني..انزلي…
-وماله…
هبط جابر بالفعل وهو يتابع حديثه الذي أصاب الآخر بمقتل:
-بس خليك عارف الكلام مفيش اسهل منه..كله بيكلم ويهدد بس الفعل دايما للرجالة اللي بجد…عارف الرجالة اللي بجد اللي انت مش منهم ولا ايه ظروفك أنت؟
فارت الدماء بعروق زاهر ولم يعد يتحكم بذاته ضاممًا قبضته متأهبًا للهجوم على جابر..لكن الآخر تصدى له ومسك بذراعه بالهواء قبل أن يلامسه متمتم من بين أسنانه وهو يباغته بضربه بذراعه الآخر:
-بقولك ايه ما تشوفلك واحدة تتشطر عليها..أصل ده اللي انت فالح فيه وتقدر عليه…لكن أنك تقدر على رجالة مبتقدرش…انت بس شاطر تتعافى على اللي مش قدك….ده المفروض يغيروا نوعك في البطاقة من دكر لـ نتايه….
أهانه…بعثر بكرامته سواء من خلال لكمه أو كلماته المتطاولة…….
تشنج وبات وجهه أحمر من شدة الغضب وعلى الفور مسك بتلابيبه ولسانه يطلق العديد من السباب….
لم يصمت جابر أو يلزم السكون وبادله سبابه اللاذع….وتطور الأمر بينهم حتى أصبح جابر يلكمه لكمات عنيفة مليئة بالكراهية….
فتحت اروى الباب بتلك اللحظة ورأت هذا المشهد أمامها فتركت الباب وسارعت بمناداة والدتها كي توقف ما يحدث….
جاءت والدتها معها و رأت ابنها وهو يسدد له أخيرًا ما فعله به..فاستطاعت الفك بينهم…معنفة ابنها:
-انت بتعمل ايه عيب كدة….ايه قلة الأدب دي..بتضرب خطيب أختك…انت خلاص اتجننت…
صرخ بوجهها بعنف وقوة:
-أنا هبقى مجنون فعلا لو سبته معاها ثانية كمان….
انتهى مقتربًا من اخته راغبًا في أخذ دبلتها و قذفها بوجهه هذا البغيض…لكنها هابت وارتعبت من اقترابه واختبئت خلف جابر تحتمي به……
فلم يخيب ظنها و وقف بوجهه متحدث بقوة وعنف لا يقل شيء عنه:
-كلمني انا يا دكر..متكلمهاش هي….
وقبل أن يتحدث تدخلت والدته ودفعته بصدره عله يفيق مغمغمة:
-ولا حرف يتقال…وملكش كلمة في البيت ولا على اختك طول ما أنا وابوك عايشين…وابوك عارف انه جاي ياخدها ومدام ابوك عارف يبقى كلامك معاه هو مش معاهم…امشي يا اروى مع خطيبك وشوفوا رايحين فين…يلا…..
-هو إيه اللي شوفوا رايحين فين ويلا…ما تخليهم يطلعوا يريحوا في اوضتها فوق ..د
قاطعته بصفعها إياه……اتسعت عيناه بوحشية من فعلتها تلك أمام جابر واروى التي ابتسمت بتشفي وسعدت بما حدث……
وعلى الفور بدأ صدره يعلو ويهبط ولم يقف أكثر من هذا وانطلق نحو سيارته ينوي الحديث مع والده وإنهاء تلك المهزلة….وسريعًا ما تحدثت والدته من جديد:
-يلا يا جابر يا بني روحوا انتوا وبتأسفلك على اللي حصل..حقك عليا………
______________________
-الخطوبة دي لازم تتفسخ…والحيوان ده مش عايز اشوفه في أي حتة.. وإلا وديني هقتلهولك…انت سامع يابا هقتله… ..
ردد “زاهر” كلماته بعد أن ترجل من سيارته على مسامع أبيه والذي وجده يقف خارج المطعم وعلى وشك إشعال سيجارته….
لم يهتم منتصر بحديثه أو حتى بهيئته و وجهه الذي يوحي بأنه قد خرج من شجار للتو…وتجاهله تمامًا مما أشعل الآخر وجعله يصرخ ولا يعبئ بتواجدهم بالخارج…
-هو انا مش بكلم؟؟؟ ولا أنا بكلم نفسي؟؟؟؟
قذف منتصر سيجارته ارضًا من شدة غضبه واقترب من ابنه يتمتم:
-مش انت اللي تقول يا حيوان….انا بس اللي اقرر واقول ايه اللي يحصل وايه اللي ميحصلش مش أنت….. والجوازة دي هتكمل يعني هتكمل….انت سامع؟؟؟؟
كز على اسنانه وبعد تفكير في شيء ما…ضيق عيناه وقال بحسم:
-طيب حيث كدة بقى….انا عايز اتجوز….واهو بالمرة اخلصك مني وانشغل عنك وعن بنتك المحترمة ويبقى منك ليها بقى….
ارتفع حاجبه وتساءل:
-تجوز مين ؟؟ لو واحدة من الشمال اللي تعرفهم فـ لا…ملكش جواز..
وببسمة جانبية رد عليه:
-لا مش شمال…دي يمين…وبنت ناس أوي…
-مين دي؟؟؟؟
ظل محافظًا على بسمته ورد:
-ثراء مروان الحلواني..
_______________________
أنهت الفتيات محاضراتهم وقررت وعد تنفيذ ما تم تخطيطه….غمزت للفتيات دون أن تنتبه اليها وئام واقترحت عليهم بحماس:
-بقولكم ايه..تيجوا نطب على أشرف ونضال في المطعم…وبما اني جعانة فهستغل ده ونتغدا بالمرة انا جعانة أوي…
وافقتها داليدا كي ينجح هذا المخطط:
-فكرة هايلة…..
عقبت ثراء:
-فكرة تجنن…
ردت ابرار هي الأخري:
-فكرة رائعة.
حدقوا بـ فجر وترقبوا تعقيبها فقالت بهدوء بعد أن فهمت نظراتهم:
-فكرة بسم الله ماشاء الله تبارك الرحمن..
لم يتبقى إلا وئام التي لم تعترض وأخبرت ذاتها بأنه لا بأس بهذا فهو لا يتواجد هناك ولن تراه بالتأكيد….
بعد وقت وصلوا المطعم واستقبلهم أشرف وتحرك معهم نحو طاولة أعدها لهم خصيصًا…
جلسوا الفتيات…وكل واحدة منهما ترسم بسمة على وجهها…….
بسمة لم تدوم على وجهه ثراء وتبخرت ما أن رأت جابر يجلس على إحدى الطاولات وأمامه فتاة ما..خمنت بأنها خطيبته وزوجته المستقبلية…
انتبهت وئام لوجهها الذي عبس فجاة وحدقت بالمكان التي تنظر به فرأته هي الأخرى..
ثم عادت تنظر إلى شقيقتها متحدثة بخفوت وشك حول أمرها:
-في إيه؟؟؟ بتبصيلهم كدة لية!
ارتبكت قليلًا وسخرت قائلة:
-اكيد مش معجبة بيهم يعني…
رأت أشرف يقترب من أخيه ويتحدث معهم..ثم بدأت الفتاة في لملمة أغراضها وكتبها…ونهض جابر معها وتقابلت عينه معها ملتقطًا اختلاسها النظرات إليه وإلى أروى….
ابتلعت ريقها وادعت عدم المبالاة رغم مراقبتها لهم من جانب عيناها و رؤيتها لاقترابهم قاصدين طاولتهم.
ابتسم لهم وألقى عليهم التحية وكذلك أروى…وما أن انتهوا من تلك التحيات التقليدية والمعتادة…استأذن منهم مخبرًا اياهم بالآتي:
-طيب عن إذنكم يا جماعة هوصل أروى الدرس وراجعلكم…
باغتته بتعليقها الساخر متمتمة:
-يا نونو…هو انتِ لسة بتحضري دروس…
تهلل قلبه من ردها وسخريتها وتعمدها فعل هذا مع أروى التي لم تفعل لها شيء ورد بهدوء:
-أيوة في تالته ثانوي..هوصلها و راجعلكم يلا يا أروى..
اماءت له بانصياع وقبل أن تتحرك معه خطوة واحدة تبادلت النظرات مع ثراء وبصعوبة كبحت بسمتها من الظهور…وجاورت جابر في سيره هامسة له:
-جابر البت دي شكلها بتحبك و وقعة لشوشتها خالص…
توقف ونظر لها متساىلًا بلهفة واضحة بعيناه:
-انتِ بتكلمي جد؟؟ عرفتي منين؟؟
-من اللي عملته ..مفيش مبرر لطريقتها معايا غير أنها بتحبك وغيرانة….
ومن سعادته لم يفكر وتحكم به قلبه الذي طالب بالنظر إليها…وبالفعل فعلها فوجدها تحملق بهم..وسرعان ما ابعدت حدقتاها عنهم وادعت انشغالها بالحديث مع وئام…
تسارعت خفقاته والتفت لـ اروى مرة أخرى متمتم:
-طب يلا عشان متتاخريش..
على الطرف الآخر وقفت وعد مع أشرف بعيدًا عن الفتيات:
-قولي عملت إيه احكيلي؟؟
رد ببسمة عليها وعلى طريقتها الطفولية:
-ما انا حكيتلك في التليفون يا بت !
استنكرت هذا مرددة:
-حكيت ايه ..انت قولت عملت اللي اتفقنا عليه وقولت قدامه اننا جايين المطعم بس…
وبحاجب مرفوع عقب مازحًا:
-اومال أنتِ عايزة إيه ؟
-عايزة التفاصيل يا ابو اشف…يعني اول ما نزل قولت إيه..وهو رد فعله كان ايه..كلامك قدامه تقولهولي بالحرف كدة..هي دي التفاصيل..
ابتسم رغم عنه وقال:
-بعيدًا عن ابو اشف اللي قولتيها دي..هقولك..أنا يا ستي استنيته ينزل انا وجابر وماما كانت في المطبخ بتعمل الفطار…وبعدين هو نزل فـ أنا علطول حطيت الفون على ودني وهاتك يا زعيق وشتيمه فيكي علشان جاية تقوليلي حاجة زي دي…
وضعت يدها بخصرها وصاحت به بإنفعال وغضب حقيقي:
-لا يا شيخ!!! يعني انت قعدت تشتم فيا قدامه وقدام جابر…انت بتشتمني يا أشرف في غيابي…طب الحق عليا اني مشتمش انا كمان…بس عادي ملحوقة المرة الجاية هشتم وهستغل غيابك برضو…
رد بسهولة ومرح:
-وايه يعني اشتمك ده أنتِ وئام شتماكي وقيلالك كتك القرف جت عليا ؟؟ وبعدين إيه تشتميني دي هتشتمي جوزك أنتِ هبلة..
-يعني هو حلال ليك وحرام عليا..
داعب وجنتيها وهو يؤكد:
-أيوة شطورة…هو حلال ليا وحرام عليكي…وبلاش نكد وخناق لو حصل مش هنلاقي اللي يصالح الغلابة دول…وهنبقى عايزين اللي يصالحنا يلا…
بالخارج أمام المطعم..كانت داليدا تقف مع نضال بعد أن ظهر لها من العدم وطلب منها الخروج معه خارج المطعم كي يتحدث معها…
وعلى مضض انصاعت إليه تنوي تعنيفه على عدم رده عليها أمس…
وقبل أن تنطق بأي شيء أو تبدأ شجارها سبقها هو معتذرًا على عدم إيجابه وما اغضبها من تطلعه بإمرأة اخرى:
-قبل اي حاجة أنا عايز اقولك أني آسف عشان حاجتين انا عملتهم….اول حاجة أني مردتش عليكي من امبارح..بس التليفون كان صامت ولما شوفت مكالماتك كان الوقت متاخر ومرضتش اقلقك من نومك…
جابت عيناه على وجهها قبل أن يتابع أسفه:
-تاني حاجة عشان زعلتلك للدرجة دي..بس صدقيني مكنش قصدي.. ولا ببصلها عشان حاجة…هي جت كدة…متزعليش مني…
لانت ملامحها وتساءلت بشك يعتريها:
-طيب هسامحك بس لما تجاوبني وتقولي كنت فين امبارح أشرف قال انك خرجت مع عابد؟؟؟؟
ازدرد ريقه وحك مؤخرة رأسه ورد عليها دون أن ينظر داخل عيناها رامشًا باهدابه بطريقة مكثفة جعلتها تتقن بأن ما سيتفوه به لن يكون إلا كذبة…
-كان في مشكلة في عربيته و روحنا للميكانيكي…..
ورغم عدم تصديقها إلا أنها ابتسمت له خافية حقيقة مشاعرها المستاءة الحزينة…وقالت له وهي على وشك التحرك والعودة للداخل :
-طب يلا ندخل…
قبض على مرفقيها متمتم:
-مردتيش عليا يا داليدا..سامحتيني ولا لا.
ابتسمت له وقالت بنبرة ذات مغزى غفل عنها:
-ما أنا قولتلك هسامحك بس لو جاوبتني..وانت جاوبتني…ولا أنت بتضحك عليا ومكنتوش عند الميكانيكي؟؟؟؟؟
ابتسم عنوة عنه وقال لها:
-لا طبعا مش بضحك عليكي….
عقبت بهدوء يناقض ما يغمرها الآن:
-حلو اوي يلا بينا ندخل بقى……
أخرجت ابرار هاتفها وردت على خالد وقبل أن تتحدث وجدته يسبقها:
-عارف أنك في مطعم عمو سلطان ومعاكي البنات وأشرف كلمني قالي اجي…وانا هاجي فعلا ومعايا وسام جبته من المدرسة…بس مش هنقعد عندك..هنخرج ونبقى مع بعض لوحدنا…انا معنديش استعداد يحصل اللي حصل المرة اللي فاتت..كمان أنا و وسام عايزين ننفرد بيكي شوية..مش كدة يا وسام؟؟؟
أكد الصغير بصوته المرح المشاكس يؤكد لـ ابرار التي استمعت إليه:
-كدة يا بابي…انا وأنت..وابرار..وبس..
-اهو شوفتي يلا خليكي جاهزة علشان اول ما أرن عليكي تطلعي يلا….
__________________
-بتبتسمي على ايه انا عايز اعرف؟؟
القى جابر سؤاله على أروى التي إجابته بحماس:
-هيكون على ايه يعني..على البت اللي في المطعم دي..قولي ناوي تعمل معاها ايه..اكيد مش طيقاك علشان خطبتني..طب هو كان فيه حاجة بينكم و
اوقفها جابر متمتم بمرح وهو يتابع الطريق أمامه ولا يزيح عيناه:
-حيلك حيلك في إيه…كل دي اسئلة..اجاوب على ايه فيهم
-عليهم كلهم..قولي بس اي حكايتكم؟
تنهد قبل أن يخبرها:
-مفيش حكاية علشان احكيهالك…كل اللي اقدر اقولهولك اني معجب بيها من اول مرة شوفتها فيها… كانت ناعمة..و رقيقة عملة زي حتة البسكوت كدة…..
هنا وانتبه لما يردف به وقال بأعين متسعة:
-الله يخربيتك…أنتِ خلتيني اقول إيه..استغفر الله العظيم يارب…يارب سامحني يارب…كله من الشيطانه اللي قاعدة جمبي دي..
ردت بضحكة:
-يا عم وانا مالي هو أنا اللي بوصف ولا انت…المهم كمل بس من غير وصف..يلا..كمل.
رمقها بعتاب كطفل صغير وتابع:
-المهم أني كنت بحاول معاها ومكنش بينفع… وعلشان كدة كدبت عليها وعملت حوار اهبل كدة…ومن ساعتها وهي مش طيقاني وبتكرهني…والظروف معاندة فيا وعلطول بطلع قدامها الواد الفلاتي بتاع البنات الكداب….
هنا ونفت اروى هذا تصحح له:
-غلط…لو مش طيقاك وبتكرهك فعلا مش هتركز معاك..بالعكس البت دي حسة بحاجة ناحيتك..بس الحاجة دي لسة صغيرة ومحتاجين انها تكبر علشان تحبك زي ما انت بتحبها…مش انت برضو بتحبها؟؟؟
قالت الأخيرة بخبث وبدون وعي كان يهز رأسه ويصارحها:
-الا بحبها..ده انا شكلي عديت الحب….بس انا هخليها تحس بيا وتصدقني ازاي؟؟
وبابتسامة محبة عقبت:
-بص يا سيدي…مدام هي اضايقت مني انهاردة كدة..يبقى انت محتاج انك تلعب على حتة الغيرة..لو لعبت على الحتة دي…واحدة واحدة هتعرف انها بتحبك حتى لو حبة صغننين…وان غيرتها جاية من مشاعرها ناحيتك اللي هي وهمت نفسها انها كره بس هي في الحقيقة مش كره خالص……..
____________________
يقبع “عابد” خلف مكتبه بحجرته المتواجدة داخل الصالون الخاص به….عقله لا يتوقف عن التفكير وقلبه لا يكف عن التشجيع….
ضرب بأنامله على سطح المكتب وهو على وشك أن يجن جنونه من فكرة أن تكن لرجل غيره……..
وبعد تفكير وصراع ونزاع مع ذاته…قرر النهوض والمغادرة والذهاب الى مطعم أبيه……….
نهض وفعلها..حتى أنه لم يستمع إلى نداء فاتن…وغادر من الصالون واستقل سيارته وسار بها حيث هي تتواجد…..
بعد دقائق كان يقف خارج المطعم….ترجل من السيارة و سار نحو بابه ثم قام بفتحه و ولج بداخله وبحث بعيناه عنها……
في ذات الوقت كانت هي أول من رأه…..ومع تذكرها لرغبته في خطبة فتاة أخرى..لم تتحمل وقررت الذهاب من هنا……….
استأذنت واعتذرت وتجاهلت هتافهم باسمها وعندما اقتربت منه وكانت على وشك تجاهله هو الآخر قبض على ذراعيها ولم يسمح لها بالتحرك خطوة أخرى….
طالعته بأعين مشتعلة من لمسه لها وقالت بصرامة وحدة لاحت بحدقتاها:
-سيب أيدي لو سمحت…..
وببرود وتحدي كان يجيبها:
-لا………………..
يتبع.
فاطمة محمد.
رأيكم وتوقعاتكم.💜💫
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية كارثة الحي الشعبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.