رواية كارثة الحي الشعبي – الفصل الثالث والأربعون
الفصل الثالث والأربعون
أنظر جيدًا.
كارثة الحي الشعبي.
فاطمة محمد.
الفصل الثالث والأربعون:
شعر “سلطان” بالصدمة من موافقته على التقدم والزواج بتلك الفتاة……..ازدرد ريقه وقال يحاول الا يجبره على تلك الخطوة والزيجة:
-لو مش عايز تجوزها انا مش هغصبك يا جابر يا بني….انا انفعلت وكلامي كان وقت غضب..و
لم يسمح له باسترسال حديثه، متمتم بإصرار وهدوء:
-لا يا بابا..انا اللي عايز ده…اتفق مع أبوها وخلينا نقعد معاهم ونتفق على كل حاجة.
اندفعت “دلال” بالحديث مصوبة كلماتها لابنها محاولة إثبات حبها له و وقوفها بجابنه وبظهره:
-جابر لو مش عايز تجوزها محدش هيغصبك زي ما أبوك لسة قايلك…. اصلا انا مش عايزاها…ولو انت عايز تجوز هجوزك ست ستها…بنات الحلواني كتير شاور على واحدة بس وانا وابوك من بكرة نجوزهالك….ولو عايز رأيي انا شايفة البت ثراء تنفعك بت كدة شبه حته البسبوسة وهدلعك يـ
حدقها “سلطان” بنظرات نارية مغمغم من بين أسنانه بغيظ من كلماتها التي لم يتركها تتابعها وتلقيها على مسامع ابنه:
-أنتِ بتقولي إيه…بقولك ايه اسكتي احسن..
-اسكت ده ايه؟!! هو انت فاكره ابنك لوحدك ده ابني انا كمان..والبت دي انا مش موافقة عليها..ابني ميجوزش واحدة مشي معاها وكلمها من غير ما يبقى بينهم حاجة رسمي يا سلطان….وليه اصلا ياخد الشمال لما ممكن ياخد المحترمة…..
طرد “جابر” صورة “ثراء” التي اقتحمت مخيلته و زفر بألم وهو يعلق على حديثها سابقًا ابيه:
-عشان انا عايز كدة ياما….انا موافق على كلام بابا…ومش هطلعه صغير قدامهم وهيحصل اللي هو قال عليه واتفق عليه معاهم.
عم الصمت…صمت لم ينهيه سوى سلطان الذي اندفع من مكانه جاذبًا جابر لاحضانه….معانقًا إياه بقوة ويده تربت على ظهره متحدث بنبرة يشوبها الأمل بتغير ابنه للافضل:
-ربنا يكملك بعقلك يا بني….انت متعرفش انا مبسوط بيك ازاي…
بادله جابر عناقه بتأثر ودموع قد احتجزت داخل مقلتيه ورفض هبوطهم…..ولم يجيب فلو فعلها سينفجر بكاءًا تلك المرة…
أخرجه ابيه من احضانه مطالعًا زوجته، متمتم:
-سبيني مع جابر يا ا
توقف فكان على وشك قول “أم أشرف” لكن لحق ذاته متذكرًا غيرته من أشرف لشعوره بأن والدته تفضله وتميزه عنهم جميعًا…
قائلًا بدلًا عنها:
-يا دلال…يلا.
احتجت، قائلة باستنكار:
-واسيبكم ليه…هو سر حربي..ما أنا عايزة اسمع هتقولوا إيه…في ايه يا سلطان بتعاملني كدة ليه..هو أنا مرات ابوه..ده أنا أمه….
-استغفر الله العظيم يارب….يا ستي هو حد قالك انك خالته..ما تسمعي الكلام بقى يا ولية..وسبيني مع الواد.
كزت على فكيها وقبل أن تفعلها تقدمت من ابنها مقبلة اياه على وجنتيه وقبل أن تبتعد همست له:
-لو مش عايزها متسمعش كلامه ومتضغطش على نفسك انت مش مضطر تعمل كدة…سامعني….
اماء لها..مبتسمًا لها بسمة لم تصل لعيناه رسمها بصعوبة شديدة…
راقب زوجها مغادرتها بأعين ثاقبة…وما أن ابتعدت ولم يعد يراها حتى ربت على كتفه يخبره بهدوء مشيرًا برأسه نحو الأريكة:
-تعالى نقعد..حابب اتكلم معاك.
تحرك معه وجلس جواره دون أن ينطق بحرف واحدًا…متحاشيًا النظر بعين والده مباشرة…
بدأ سلطان حديثه بشيء من الألم والندم متذكرًا انفجاره أمس..واخراجه لما أخفاه وظل داخله لسنوات….فمن كان يراه من الخارج كان يظنه سعيدًا بما يفعله…لا يدرك بذلك الصراع الذي يحدث بداخله….فالمظاهر خادعة ماكرة….دائمًا ما تخدع الإنسان وتجعله يحكم على الشخص من الخارج..لا يعلم بأنه قد يحتاج أحيانًا إلى التمعن بحياته قليلًا والنظر جيدًا……………
-قبل ما اقول اي حاجة عايزك تعرف أني من امبارح معرفتش أنام…كلامك كان بيرن في وداني….مكنش عايز يخرج…وقلبي زي ما يكون حد جايب سكينه وعمال يقطع فيه….طول الليل بفكر في اللي عملناه واللي وصلك لكدة……وصلك أنك تفكر انك مش فارق معانا وأننا مبنحبكش….
سكن يلتقط أنفاسه مغمضًا جفونه لبرهة غافلًا عن نظرات جابر التي تحولت نحوه وبات يتابع وجهه…و ندمه…وآلامه، فتح جفونه يضيف بصدق نابع من قلبه:
-انتوا الخمسة عندي واحد… قلبي بيحبكم بنفس الدرجة….كل الحكاية أن خليل قرب مني…وحب يشتغل معايا…ويساعدني..كان طول الوقت معايا..بننزل مع بعض وبنطلع مع بعض..ويمكن ده اللي حسسك اني بحبه زيادة عنكم…معأني والله..وحلفان اتحاسب عليه كلكم واحد عندي…يا عبيط ده انت لما بتتعب شوية قلبي بيوجعني عليك وبحس إن انا اللي تعبان…. وأمك نفس الكلام ده انت لما بتبعد وتسيب البيت بتبقى هتجنن عليك…..
سقطت الدموع من عين جابر…منكسًا رأسه يعض على شفتاه يكتم شهقاته…رفع سلطان يديه يزيل له تلك الدموع بحنو بالغ:
-يا بني بقى متوجعش قلبي اكتر من كدة…اقولك انا اسف ليك….آسف على قسوتي معاك… آسف على كل لحظة حسستك فيها اني بحب خليل زيادة….
ردد الأخيرة وهو يجذبه من جديد..قبض جابر على ملابس أبيه بقوة ودموعه تتسابق على وجهه…
ظل سلطان يحتضنه عله يبثه تلك الأحاسيس بالأمان والحب والاحتواء…..فقط يربت على ظهره ولسانه لا يفعل شيء سوى الإعتذار…
بعد دقائق معدودة هدأ روع جابر ومسح عبراته وابتعد عن والده…وبعيناه الحمراء ونبرته المكتومة قال:
-اليوم اللي ظهرت فيه نتيجة خليل وعرفتوا أنه نجح..كنتوا طايرين من الفرحة..و زغاريد أمي ملت البيت… وهونتوا عليه زعله بمجموعة اللي مكنش عجبه والقليل في نظره..قولتله مدام ده مجموعك وده اللي ربنا كتبهولك يبقى ده الخير ليك……وبعتوا جبتوا جاتوة وحاجة سقعة و وزعتوا على اللي في الحارة ونستوه زعله…
ابتلع غصة مريرة عالقة ثم تابع متذكرًا هذا اليوم جيدًا:
-أنا شوفت في عينك لمعة اليوم ده…وشوفت حضن و دموع…مشوفتهمش لما سقط….محدش فيكم اهتم…محدش حس باللي انا كنت فيه….انا كان نفسي انجح..وادخل اي حاجة..ان شاء الله معهد…مش هبقى طماع واقولك جامعة….بس ده محصلش…وسقط..كنت عايزك تحضني…وتطبطب عليا..وتقولي مش نهاية العالم…ومدام ده حصل وربنا كتبهولك يبقى ده الخير ليك…كنت محتاج ساعتها اسمع الجملة دي أوي..كلكوا كنتوا فرحانين بيه ومبسوطين وانا بحسده…بحسده على حبك وتهوينك عليه وقعدت أسأل نفسي ليه ده محصلش معايا…..ليه!!!!
عض على شفتاه من جديد يكبح ذلك الشعور الذي يغمره ويحثه بالبكاء من جديد كطفل صغير……..
ناظر والده ورأى دموعه تهبط نادمًا على فعله يتمنى عودة عقارب الساعة والعودة إلى هذا اليوم كي يحتويه….ويفعل ما كان عليه فعله……فكم صدمه تذكره لتلك الجملة الذي ألقاها وقتها على “خليل”..
رفع اناملة ومسح لأبيه دموعه، يتابع سرد ما لديه:
-أنا ساعات كتير بستحقر نفسي…من عدد البنات اللي بكلمهم في وقت واحد..حاولت كتير امنع ده وأبطل اعمل كدة بس معرفتش كل ما كنت اسمعكم تقولوا عليا فاشل وصايع كنت بعند اكتر واكتر….. انا كنت ببقى مبسوط لما أشوف واحدة بتحبني وتتعلق بيا..وبتجري ورايا…. انا وحش اوي يا بابا…واذيت مشاعر بنات كتير….انا مش طبيعي انا بقيت معقد وتعبان في نافوخي…انا من كتر ما كلمت بنات… بقيت شايفهم كلهم شمال..مبقاش عندي ثقة في واحدة….انا زي اللي جه يكحلها عماها يا بابا……
ومع قوله الأخيرة لم يتحمل وعاد يبكي..فأخذه سلطان وجعله يفعلها داخل أحضانه…كي يخفف عنه رغم ما يغمره هو الآن….فكيف أوصل ابنه إلى تلك الحالة……لم يتوقع أو يتخيل أن يكون حاملًا لكل هذا بداخله…كان دائمًا بنظره ذلك الطائش..الفاشل..الوقح..الفظ…. لم يرى هذا الجانب مفرط الاحساس من قبل………..
مر وقت وهو لايزال يقبع داخل احضانه كطفل صغير يتشبث بأمه ويأبى تركها…..كان الصمت هو الذي يسيطر على الأجواء.
وبعد أن شعر بالراحة وهدأ تمامًا من تلك المواجهة واعترافه بكل شيء…ابتعد ونظر لوالده، مردفًا بحسم:
-أنا مش هرجع جابر القديم…وهحاول اتغير هيبقى صعب في الأول بس مش مستحيل…..
*********************
بالخارج أيقظت دلال اشقائه كي يرحبون بعودته ويعاملونه بود فلم يعترض أحدهم بل سعدوا و انصاعوا وهبطوا معها فكل واحدًا منهم يحبه ولا يحمل أي ضغينة نحوه…..
انتظروا خروجه هو وابيهم.. جالسون على السلم الرخامي..كل منهم على درجة مختلفة ودلال تأتي ذهابًا وايابًا….تقلق من أن يفعل او يقول زوجها شيء يزعج فلذة كبدها ويجعله يبتعد ويخرج من المنزل مرة أخرى……
وأخيرًا خرج سلطان رفقة جابر…وعلى الفور نهض الأربع أبناء عن الدرج…وثبت بصرهم على أخيهم…
طالعهم جابر جميعًا بدءًا من أشرف…حتى خليل…..بنظرات لم يتحملوها خاصة أن عيناه الحمراء توحي بما كان يحدث بالداخل وكيف بكى كثيرًا….
اندفع الأربعة معًا نحوه معانقين إياه بذات الوقت يرحبون بعودته بينهم….
تهلل قلبه ولمعت عيناه من تلك الحركة المباغتة العفوية الخارجة دون حسبان أو اتفاق..وانفرج ثغره مبتسمًا دون أن يشعر…يبادل كل منهم عناقه.. بينما غاب سلطان الذي سعد قليلًا ودنت دلال منهم وهي تردف بفرحة:
-احضنوني معاكم يا عيال…هو أنا مش امكم ولا ايه.
ابتسموا ودخلت بينهم عنوة…..فجاء سلطان ودخلت السعادة قلبه بذلك المشهد الذي يراه….ولم يقاطعهم..انتظر حتى ابتعدوا….واقترب من ابنه منتشلًا يديه يجبره على فتح راحة يده واضعًا بها اشيائه الذي تركها قبل مغادرته:
-دول مفاتيح العربية والبيت ومحفظتك…وتاني مرة متعملهاش ومتسبناش عشان البيت من غيرك ملهوش طعم…………
تسللت الراحة قلوب أخواته..خاصة عندما ضحك وجهه جابر و وافق أبيه…
فصاحت دلال:
-أنا هدخل احضرلكم فطار إنما ايه ملوكي هتأكلوا صوابعكم وراه…..
بينما ابتعد نضال السعيد المتلهف لرؤية حبيبته وجاء برقم “ابرار” بهذا الصباح.
ردت عليه بعد لحظات فقط فقال على الفور:
-معاكي ساعة فوقي كدة عشان عايز منك خدمة…
*******************
هبطت “زينة” من البناية بخطوات متعجلة فقد تأخرت بالاستيقاظ ولا ترغب بالتأخر عن عملها بالمستشفى…
سارت عدة خطوات حتى وصلت أمام ذلك المتجر الذي يديره ويعمل به “حسن” بعد وفاه والده منذ سنوات….فرأته بجانب عيناها وهو يقف بالخارج ينفث الدخان من فمه…انزعجت من رؤيته وتذكرت ما دار بالأمس بينهم وكيف طلبها من والدها ويرغب بالزواج بها…..
تهللت اساريره ما أن سقط بصره عليها بهذا الصباح..ولاحت بسمة على وجهه البشوش…عائدًا داخل متجره غائبًا لثوانِ كانت كافية كي تبتعد عن متجره…..
خرج وسار بخطوات فاقتها سرعة يلحق بها…ينادي عليها:
-لحظة يا دكتورة….يا دكتورة…
توقفت على مضض والتفتت إليه فأتسعت بسمته وقال يعتذر منها وهو يمد يده بشيء ما جاء به من متجره:
-أنا آسف والله عشان بنادي عليكي وبعطلك..بس ينفع تاخدي دول مني…
طالعت يده فوجدته يحمل “عصير و مولتو” مغمغم وهو يحك مؤخرة عنقه:
-يعني لو مفطرتيش ينفع تاخديهم وتفطري بيهم في المستشفى….
رفعت بصرها وحدقت بعيناه مباشرة، معقبة بأسلوب قاسي:
-أنا فطرت..ومش عايزة منك حاجة..وتاني مرة يا أستاذ يا محترم متناديش عليا وتوقفني في الشارع….
تبدلت تعابيره ولم تعد ابتسامته تزين وجهه، يبرر ما فعله:
-أنا مش قصدي اضايقك والله بس فكرت وقولت ا
قاطعته بحدة:
-انت متفكرش ومتقولش……
قالتها وهي ترميه بنظرة مستحقرة من أعلاه لاسفلة مسببة بشعوره بالالم فلو تدري ماذا تعني له..وكيف كان يتمناها ويتعذب فؤاده من خطبتها لاخر وقرب زواجهم لما كانت ستفعل هذا به وسترحم قلبه الذي يهيم بها………
ازدرد ريقه وتساءل بأعين تحاشت النظر إليها:
-حقك عليا…..متزعليش مني….انا كنت عايز اتكلم معاكي واعرف الحاج أسامة فاتحك في الموضوع اللي كلمته فيه امبارح ولا لا….
نظرت في ساعة معصمها قائلة ببرود:
-ابقى أسأله…انا متأخرة وانت عطلتني واخرتني زيادة……..
********************
تبسم وجه “داليدا” أثناء نومها لذلك الحلم الذي تراه وهمسه لها بعشقه الكبير…
“بحبك”.
صوته العذب كان قريبًا بما يكفي وكأنه حقيقي وليس حلمًا…وهذا ما جعلها تسعد.. وجعلها تحرك شفتاها راغبة في مبادلته اعترافه قائلة بصوت يكاد يُسمع:
“وانا كمان بحبك”.
قالتها والبسمة لا تزال على وجهها، بسمة اختفت وتحولت إلى فزع عندما شعرت بهمسه الحقيقي وانفاسه تلك المرة تلفح بشرتها عن عمد لتخبرها بأن ما تسمعه وتظنه حلمًا حقيقة……
“ما أنا عارف، أنتِ اعترفتي امبارح يا لئيمة”
انتفضت من نومتها وطالعته بحدقتاها المتسعة، ساحبة الغطاء تحاول إخفاء أي شيء قد يكون ظاهرًا من تلك المنامة السوداء التي ترتديها قائلة:
-انت بتعمل ايه هنا…ودخلت إزاي؟؟؟؟؟
-يخربيت ام ده سؤال…المفروض تكوني عارفة يعني…وبعدين أنتِ بتعملي ايه..ده انا جوزك يا بت…
قالها بمرح وهو يحاول سحب الغطاء عنها، فأمسكت به بقوة قائلة بحنق:
-انت تسكت خالص..هو البيت ده ملهوش كبير ولا ايه.. يخربيتك مش هترتاح غير لما نتقفش في مرة……
ابتسم بذات المرح يعلق وهو يقترب ويميل بوجهه يرغب بأخذ ما حُرم منه بسبب مروان:
-يا سلام ده بقى عز الطلب من انهاردة…ده انا نفسي اتقفش متلبس دلوقتي…بس اكون عملت حاجة ..مش اتقفش على الفاضي كدة….
مالت للوراء ويدها تدفعه بصدره تعيق محاولته المرحة بالتقرب منها قائلة بضحكة خرجت رغم عنها:
-يا بني بقى احترم نفسك..انت محدش رباك ولا إيه…
رد بفكاهه ومحاولته لا تكف أو تتوقف:
-دي حقيقة…ابويا ربى خليل وأمي ربت أشرف وانا اكتشفت معاكي أني متربتش أصلا…وعاشق لقلة الأدب بس معاك انت بس يا جميل…
وضعت رأسها على الوسادة ويدها لا تزال مستمرة بدفعه قائلة:
-يا نضال بقى…
-يا داليدا بقى.
قال الأخيرة وهو يتمكن من القبض على ذراعيها والتحكم بها اخيرًا…منحني بأعين تفيض
وتلمع
بعشقًا
ليس له حدود أو نهاية…مقتربًا منها…بشوق…وشغف….واشتياق جارف اهلكه واهلك قلبه المسكين…..الذي لا يرغب أو يتوق الا لقربها فكلمات العشق والهوى لن تمنحها حقها…ولن تعبر وتوفي بما يكنه ويسكن قلبه…..
ابتعد عنها بعد أن نال مراده يسند جبينه بجبينها
مبتسمًا
بحب ويده تمر على وجهها
يتلمسه
لايصدق
بأنها
معه.
معترفًا بهمس:
-بحبك يا داليدا….ولو فضلت اقولها لحد ما اموت برضو مش هتوفي ربع اللي أنا حسة ناحيتك…… أنا عايزك علطول جمبي..عايز اشوفك….واسمع صوتك….تعالي اكلم ابوكي ونعمل الفرح… انا مش هقدر استنى لبعض ما تخلصي الترم التاني…
حاوطت وجهه براحة يدها
قائلة
:
-بابا مش هيوافق…وبعدين دول كام شهر هيعدوا هوا…
نفى برأسه يخبرها بصدق:
-الكام شهر دول هيعدوا عليا كأنهم سنين…
-صدقني هيعدوا…
ومع قولها لهذا أدرك عدم رغبتها بالتعجل…فـ ربما تكون خائفة مرتعدة…فلم يريد أن يصر عليها أكثر من هذا..مسد على خصلاتها بحنان دفين موافقًا على حديثها:
-عشان خاطرك بس هستحمل…قوليلي مش أنتِ هتسافري انهاردة؟؟
هزت رأسها
ايجابًا
فقال عائدًا
لمرحه
:
-طب إيه مفيش أي حاجة..
فهمت ما يريد والى ماذا يرمي
ويلمح
…شارفت على الرد عليه لولا قربه
المباغت
…..
عاش الأثنان لحظات من الهيام والمشاعر المفرطة التي ستظل تلازم ذهنهم وتعاد أمام عيناهم…يستيقظان عليها…ويغفيان بها…..
ابتعد عنها ونهض عن الفراش
مبتعدًا
قبل أن يحدث ما لا يحمد عقباه قائلًا:
-أنا ماشي….وأنتِ كملي نوم…وهشوفك تاني قبل ما تسافري ما هو مينفعش مشفكيش تاني…..وعلى فكرة أنا كنت مبسوط عشان جابر رجع وكمان كنتي وحشاني عشان كدة جيت شوفتك….
ابتسمت له وقبل أن تجيب كان يغادر بذات الطريقة الذي دخل بها……وابرار بالاسفل ترتعد خوفًا تنتظره كي تساعده على المغادرة من إحدى الأسوار البعيدة عن اعين البواب……
********************
ولج “سلطان” مطعم منتصر والذي يقع على مقربة شديدة من مطعمه الذي سيفتتح قريبًا جدًا….
اقترب من إحدى العاملين الذي استقبله بحرارة ظنًا منه بأنه إحدى الزبائن راغبًا في اصطحابه لإحدى الطاولات الفارغة…فأخبره سلطان برغبته برؤية “منتصر” صاحب المطعم…
اماء له الشاب وغاب قليلًا كي يخبر مديره ويأتي به..
انتظر سلطان ثوانِ جابت عيناه خلالها المطعم متفحصًا كل انش به….
ولم ينتشله سوى صوت منتصر ومجيئه يرحب به بحفاوة:
-وانا اقول المطعم نور ليه ….اتاري سلطان بيه بنفسه عندنا…..
ابتسم له بمجاملة، قائلًا:
-المطعم منور بصحابه وبزباينه وبكل الناس اللي فيه… أنا كنت بلغت حضرتك اننا في ظرف صعب واول ما يتحل هنيجي نتقدم لبنتكم.. ودلوقتي الحمدلله الظرف عدا وينفع اننا نيجي ونقعد ونقرأ الفاتحة ونتفق على كل حاجة…
اتسعت بسمة “منتصر” شاعرًا بسعادة بالغة من هذا النسب مع هذا الرجل فاحش الثراء والذي بحث عنه وتساءل ليدرك بأنه قد ورث قريبه “مدحت أيوب”…..
-حلو اوي..بسطني أن الظرف عدا على خير.
هز سلطان رأسه له محافظًا على بسمته يتساءل:
-تحب نيجي امتى؟
ظن بأنه سيخبره بأن يأتي بالغد..أو بعد الغد..ربما بعد ثلاثة أيام..لكن ما حدث صدمه فقد أجابه بـ الآتي :
-النهاردة الساعة سبعة مناسب أوي…
كانت بسمته على وشك الاختفاء من تلك السرعة..والعجلة….لكنه لحق بذاته ومد يده يرغب بالمغادرة شاعرًا بثقل على قلبه:
-على بركة الله.
*********************
يقف “خليل” خارج المطعم الخاص بهم…ينتظر قدوم والده من مطعم هذا الرجل..بقسمات منزعجة…ربما غاضبة من ذاته…فقد بات تفكيره بها مضاعف…صوتها دائمًا ما يقحم أذنيه…تشغل عقله..والمريب هو خفقات فؤاده التي تتزايد مع ذكرها….شاعرًا بالذنب…ويخاف كثيرًا أن يغضب ربه…
هنا وتساءل عقله “إذن ما الذي عليك فعله؟”
لانت قسماته وآتى بذهنه الجواب…..
لاحت شبه بسمة على وجهه يتساءل من جديد “ما الذي تنتظره؟” أترغب ضياعها بحماقتك تلك أم ماذا؟!!
حضر سلطان وتساءل منتبهًا لشروده بشيء ما:
-ايه ده واقف برة كدة ليه؟ وسرحان في ايه؟
وكأن قدوم والده إشارة بأن ما يفكر به صحيحًا…ابتسم وقبل أن يسرد له بما يفكر تساءل عما حدث مع الرجل:
-هقولك بس قولي الاول عملت إيه؟
-الراجل عايزنا نروحلهم انهاردة..
-ايه السرعة دي؟؟؟!
قالها باستغراب شديد فأجاب سلطان بعدم معرفة وقلق حاول ألا يظهره:
-مش عارف…بس ممكن يكون خايف نرجع في كلامنا..الله اعلم مش عايز اظلم حد…انا هكلم اخوك وامك دلوقتي وابلغهم عشان منتأخرش ونبقى هناك في الميعاد.
كاد يتحرك ليوقفه خليل بأرتباك، متمتم:
-بابا…كنت عايز اشورك في حاجة..
-خير يا بني؟
-أنا كنت بفكر اتجوز…ومن غير لف ودوران انا عايز اتجوز آنسة فجر………..
*******************
قرب آذان العصر كانوا الفتيات ينشغلون بترتيب اغراضهم داخل حقائبهم….وكانت وعد أول من انتهى هابطة للأسفل تبحث عن جدتها….
فوجدتها تجلس رفقة كوثر وهناء وخديجة يرتشفون من أكواب الشاي الساخنة ويتسامرون سويًا فقالت ببسمة واسعة:
-ستو الحلوة اللي هتاخد بالها من ميشو وانا مسافرة الكام يوم دول….
حدقتها “سامية” باستنكار معقبة:
-مش لما اخد بالي من نفسي الاول..روحي العبي بعيد يا وعد…
-هو ليه الناس بقت وحشة كدة….هتخسري ايه لما تهتمي بيه وتراعيه لحد ما اجي مش روح ده ولا مش روح…وبعدين أنتِ مش هتعملي حاجة صعبة كل اللي هتعمليه أنك هتبقي تحطيله الدراي بتاعه وتحطيله ماية وتغيريله الرمل بس كدة….
-ما تجيش اغيرلك أنتِ كمان…امشي من قدامي يا بت..
دبدبت بقدميها وضحكت خديجة تخبرها:
-خلاص يا وعد سافري وانا هاخد بالي منه….
اتسعت بسمتها وصاحت مهللة وهي تدنو منها تقبلها بأمتنان تزامنًا مع دخول رحمة إلى الصالون:
-تعيش ستو خديجة تعيش……شايفة الحنية اتعلمي..
وجهت الاخيرة إلى سامية التى هزت راسها وزفرت بصوت عالي…فصاحت رحمة تستفسر منها:
-جهزتي شنطتك ولميتي اللي هتحتاجيه هناك ولا لسة يا وعد.
-لا خلاص لميت كل حاجة…وحصل ايه بقى وانا بلمهم؟؟ قوليلي إيه؟
ردت رحمة ببسمة:
-ايه اشجيني يا قلب امك.
-قعدت افكر ممكن ناخد معانا ايه ونبقى نعمله في الجو السقعة ده وناكله ملقتش غير المحشي..عشان كدة هنلم الكوسة والباذنجان والفلفل وناخد معانا كرنباية كبيرة و ورق عنب….وكدة كدة الحلل هناك…
ونبقى نشوي فراخ جمبهم…وناخد سحلب…ويختاي على الجمدان ده انا ريقي جري من التخيل…
لم ينال اقتراحها آعجاب سامية فصاحت:
-أنتِ هبلة يا بت؟!!!
أجابت رحمة سابقة وعد:
-لا طفسة…
ثم أشارت نحو نفسها مربته على صدرها قائلة بفخر:
-طالعة لامها…جدعة يا بت يا وعد….احنا ناخدهم معانا….اسم الله عليكي وأنتِ بتفكري كدة….
عقبت كوثر بذهول:
-أنتِ موفقاها؟؟ هو انتوا رايحين تاكلوا ولا تغيروا جو..
ردت وعد رافعة كلا من السبابة والوسطى بوجها تخبرها بمرح:
-الاتنين يا ستو… اصل مش هيحصل حاجة لو دلعت كرشي..كرشنا ليه علينا حق برضو…
قرع جرس الباب بتلك اللحظة وخرجت رحمة كي تفتحه..فوجدت أشرف أمامها..
ابتسم لها وقال مشاكسًا:
-ايه ده معقول حماتي بنفسها بتفتحلي ده يا سعدي يا هنايا أنا اكيد أمي دعيالي انهاردة..
سعدت بتلك الكلمات المجاملة وقالت وهي تحرك رأسها تشجعه على الدخول وعدم الوقوف هكذا:
-ده انا اللي دعيت لبنتي..تعالى..خش..خش..
دخل بالفعل وتحرك معها نحو الصالون..
تفاجأت وعد من رؤيته ومجيئة وراقبت ترحيبه ومبادلته السلام مع من يتواجدون بالصالون الآن….
جاء دورها ومدت يدها وأثناء سلامهم ضغط على يدها فنظرت له بغيظ بسيط…
وقبل أن يجلس قال مستأذنًا إياهم:
-بعد اذنكم كنت عايز وعد في حوار كدة ينفع نكلم برة؟
وافقت رحمة، مغمغمة بتأكيد:
-اكيد يا حبيبي…يلا خدها واكلموا..
**********************
-بقولك مش بترد عليا الحيوانة..اللي عاملة فيها ست الحاجة دي…وانا بقى مش هكلمها تاني..انا عندي كرامة يا أنس…يرضيك يحصل كدة في أختك؟
كانت تلك كلماتها بعد سؤال أخيها عما فعلته و ردت بتلك الكلمات المنفعلة…
مط شفتاه ثم رد ببسمة غير مبالي لها:
-لا ميرضنيش بس كمان ميرضيش حد أنك بعد ما تعلقيني بيها وتخليها تدخل دماغي عايزة تخلعي.
هنا وصاحت وكأنها قد مسكت به بالجرم المشهود:
-شوفت مش قولتلك شكلك وقعت..طب والله شكلك حبيتها..
-يا بنتي هو أنتِ عبيطة..حب ايه اللي بالسرعة دي بقولك اتعلقت يعني عجباني…يعني دخلت دماغي..ايه دخل بقى الحب……
تنهد ثم أضاف:
-يلا قومي هنخرج.
تساءلت بحيرة:
-هنروح فين؟؟؟
-قومي بس وبطلي رغي.
*********************
خرج “أشرف” رفقتها للحديقة وبدء السير معها…مرت دقائق لم يقابل بها سوى الصمت…فجال بخاطره أن يحرك يده ويلمس يدها ويسيران معًا يدًا بيد..فلم يفكر كثيرًا ويكبح تلك الرغبة..بل عزم على التنفيذ وحسم آمره…..
شعرت بملمس يده وأنامله التي تتغلغل لتسكن بين اناملها ويعانقان بعضهم البعض..
بات تنفسها أسرع وحركت رأسها تخطف نظرة نحوه…وليتها لم تفعل فقد كان ينظر لها أيضًا لكن نظرات ثابته وليست خاطفة مثلها….
عادت تنظر أمامها تتابع السير معه…وكلما حاولت الحديث والتفوه بأي شيء كانت الكلمات تقف على طرف لسانها…والحرارة تتسلل إلى يدها التي يمسك بها ويحتضنها بشكل كلي……
لم ينال هذا الوضع إعجابها وكبح هو ضحكته الرجولية..على يقين تام بما يغمرها وتشعر به الآن فهو ليس بأحمق أو ساذج فالاعمى يمكنه معرفة ما يعتريها…
حاولت سحب يديها تدريجيًا دون أن تهتف بشيء..فلم يسمح لها وكلما حاولت وكانت على وشك التحرر كان يتمكن منها ويشدد من قبضة واحتضانه ليدها……
توقفت وامتنعت عن متابعة السير واقفة أمامه بكامل جسدها تخبره بامتعاض وقوة استجمعتها بصعوبة مشيرة نحو أيديهم:
-هو ممكن تسيب أيدي؟!! ممكن ولا مش ممكن.
ابتسم لها بسمة محبة جعلتها تظن بأنه سيوافق ويبتعد عنها..لكن الكلمات التي خرجت من فمه أثارت حنقها:
-اكيد مش ممكن..
-ليه إن شاء الله هو أنا ههرب منك..مالك ماسك فيا كدة ليه…
ضيق عيناه وقلبهم يمينًا ويسارًا يزيف تفكيره وبعد لحظات من التفكير والترقب من تجاهها، رد ببرود وببساطة:
-اهو مزاجي عايز كدة…وبعدين أنا جوزك.
اتسعت عيناها وصاحت بصدمة زائفة وتمثيل مبالغ بأمره:
-يالهوي..جوزي..يعني جوزي جوزي…تصدق مكنتش اعرف……كنت فكراك اخويا.
وعلى الفور لانت ملامحها وكانت على وشك الحديث فلن يهدأ لها بال حتى يتركها…فلمساته تقتلها وتحرقها شوقًا…فسمعت تعليقه على ما هتفت به بالاخير…متحركًا يسحبها من خلفه..
-لا اخوكي مين احنا هنهرج ولا إيه…وبعدين تعالي عايز اتكلم معاكي…..
وقع اختياره على ركن منزوي متواري عن الأنظار…
ثم جعلها تتقدمه وبات ظهرها ملتصقًا بتلك الشجرة…..ابتلعت ريقها وراقبت انحنائه نحوها وعيناه تجوب من حوله وبسمة ماكرة تحتل ثغره…مطرحًا سؤاله على مسامعها:
-هسألك سؤال وتجاوبيني ولو مجاوبتيش هتتعاقبي…بس عقاب انا عارف أنه هيعجبك أوي..
قال الأخيرة وعينه تتقابل مع عيناها…غمز لها بوقاحة..وارتعدت فرائصها وشعرت بأن هناك جنون ما قادم لا محال………
ابتلعت ريقها وتحركت محاولة الفرار والركض من مكانها لكن أيضًا منعها…واحتجزها بجسده..فقالت بتلعثم واضح متحاشية النظر إليه:
-على فكرة اللي بتعمله ده عيب وقلة أدب…وبعدين أنا واحدة مسافرة بليل مع اهلي و ورايا حاجات لازم أحضرها و
قاطعها يجيب على الجزء الأول فقط من حديثها، ورأسه تميل نحوها أكثر:
-واللي قولتيه امبارح ده مكنش عيب….
تذكرت ما قالته وكيف ذل لسانها مما جعل وجهها أحمر اللون غاضبة..ناقمة من ذاتها ومنه لمواجهتها بتلك الكلمات المخجلة…
لم ينتظر جوابها وتابع يهمس لها جوار أذنيها:
-هجاوب انا وهقولك مش عيب… علشان أنتِ مراتي…وانا ميرضنيش زعلك….ولا اني انزلك كلمة الأرض.
انتهى مبتعدًا عن أذنيها ليصبح وجهه أمام وجهها مباشرة…وقبل أن تتفوه بشيء كان ينال قبلته الأولى…..فقد غاب عقله وبات قلبه هو المتحكم…..يحقق لها ما تاقت إليه…وما تلهف له وجدانه…..
صُدمت وعد بالبداية..لم تفعل شيء تلقت الصدمة وظلت ثابته باردة
كقالب
الثلج………..لا تصدق بأن ما تمنت حدوثه من قرب تحصل عليه الآن….
ابتعد عنها بصدره الذي يعلو ويهبط أثر تلك المشاعر.. نظر بعيناها بعمق وقال هامسًا:
-أنتِ عملتي وبتعملي فيا إيه؟؟ أنا مش فاهم أنا حاسس بإيه..كل اللي أعرفه.. أني ببقى مبسوط معاكي…أنتِ ملكيش زي….أنتِ استثنائية..وانا محظوظ بيكي يا وعد…
رفع يده يمررها على وجنتيها بنعومة مسببًا في غلق جفونها وميلها نحو كف يده مستمتعة بتلك اللحظة.. كما تلذذت بكلماته التي اشعرتها بأنه عاجلًا ام أجلًا سيقع في عشقها مثلما وقعت هي في حبه…..
والآن فقط اعترفت بينها وبين ذاتها بانها تعشقه….لن تنكر هذا مجددًا…….ولن تخجل بالتصريح به في الوقت المناسب.
دنا من وجنتيها وقبلها أعلاهم، ثم عاد ينظر بعيناها يتابع بذات الهمس:
-دلوقتي هعترفلك لأول مرة أني بحب عيونك….ممكن تشوفيها عادية..واي حد يشوفها عادية…بس انا بحبهم..ومش شايفهم عاديين….عشان لو كانوا عاديين مكنوش علقوا معايا اوي كدة..ومش هبقى كداب لو قولتلك أن عيونك اجمل عيون أنا شفتها في حياتي…وهتفضل كدة…….
ومع هذا الكم من الغزل والكلمات لم تتحكم بمشاعرها
وذاب
الثلج..وبادرت هي تلك المرة بالقرب….
محتضنة
وجهه بيديها ولم يمانع
هو.
لحظات وكان يبتعد عنها والبسمة تزين محياه يخبرها ببسمة شغوفة واعين تهيم بعيناها :
-ربنا يديمك نعمة في حياتي…ويا وعدي على وعدي……
*********************
مر بسيارته من بوابة قصر الحلواني..صف السيارة أمام الباب يصم أذنيه عن أسئلتها التي لا تنتهي والحانقة لمجيئه بها إلى هنا.
حدق بها وهو يزفر يشير نحو رأسه:
-كلتي دماغ اهلي..ما تهدي يا بت..
-هو ايه اللي أهدا..يعني قولتلك مش عايزة اكلمها وبرضو عملت اللي في دماغك يا أنس.
تأفف مغمغم:
-آه عشان هي كبرت بقى في دماغي وعايزك تدخليلها وتصالحيها وتشوفيها يمكن تعبانة…ولما تتصالحوا قوليلها تقوم تلبس وأنكم هتخرجوا وأنا كأخ طيب..حنين…شهم هبقى مستنيكي عشان اوصلك واتفاجئ بأنكم عايزين تخرجوا..وهي طبعا مش هتقول لا..وبعدين هتركب وهوصلكم لأي كافية وأنتِ بقى امسكي فيا..امسكي جامد وبضمير عشان أنا هرفض اوي وهبقى الشاب المحترم الخلوق اللي بتحلم بيه.
وعلى مضض ردت:
-ماشي يا أنس لما نشوف اخرتها معاك ومع ست الحاجة دي إيه…
-بمبي..اخرتها بمبي يا قلب اخوكي..ولفلفة ملهاش اول من آخر.
هبطت من السيارة…ودنت من الباب..ثم قرعت الجرس.
بذات الوقت جاءت وعد برفقة أشرف الذي ينوي الرحيل والذي سقط بصره على أنس القابع داخل سيارته يعلق عيناه بأخته..
انتبهت إليها وعد اولا وصاحت:
-ايه ده إيمان هنا..ده يا الف اهلا وسهلا.
التفتت إليها وتبادلوا السلام واخبرتها بعدم إيجاب فجر على اتصالاتها وانتظار أخيها بالسيارة..
ورغم دهشة وعد من تجاهل فجر لها إلا أنها لم تتفوه بأي حماقة بل دخلت رفقتها بعد أن ودعت أشرف والذي رفض الدخول معها مرة أخرى..
وبعد رحيلها تحرك ومر من جوار السيارة متبادلًا النظرات الباردة مع أنس.
************************
تتحرك “أبرار” بخفة داخل حجرتها توضب حقيبتها…وقفت بمنتصف الغرفة وحكت جبينها محاولة عصر ذهنها..فلا ترغب بنسيان شيء ما…وبهذا الوقت ارتفع رنين هاتفها..تحركت وانتشلته فوجدته “خالد”..ابتسمت ثم أجابت على اتصاله سريعًا قبل أن يغلق..محاولة التحدث بنبرة طبيعية لا يغلفها اي لهفة أو فرحة بذلك الاتصال.
-ألو.
تناهى إليها صوته وهو يهتف بصوت عذب:
-أخبارك إيه؟
ابتلعت ريقها اولا ثم ردت:
-الحمدلله وأنت و وسام؟
-الحمدلله……
رددها ثم صمت لثواني يحاول لملمة كلماته وتبريراته عن سبب هذا الاتصال…
بينما وضعت هي يدها على قلبها تحدث ذاتها:
-اهدي ابوس ايدك..مينفعش كدة مش كل ما هتسمعي صوته ولا تشوفيه قلبك يدق بالشكل ده!!!!
انتشلها صوته المعتذر، متمتم:
-انا آسف لو بزعجك وبتصل بيكي بس….وسام كان عايز ياكل مكرونة بالبشاميل…تعرفي بتتعمل إزاي؟ يعني ينفع تديني طريقتها عشان اعملهاله….
ارتفع حاجبيها وعضت على شفتيها بمكر….مجيبة عليه:
-اكيد ينفع…بس لو كنت جبتها من على النت كنت هتفهمها اكتر وكنت هتمشي على الخطوات مع الشيف اللي هتجيبه بيعملها…
اعتصر جفونه ودس يده بخصلاته بغيظ من ذاته ومن غبائه، فقال أول ما جاء بذهنه دون أن يفكر به:
-لا ما هو انا مدفعتش فاتورة النت لسة والنت قاطع عندي….
وما أن انتهى من سرد تلك الكذبة حتى لانت تعابيرة وعاد يعتصر جفونه من حماقته المبالغ بها………
كتمت ضحكتها بيدها ولم تعلق…فتأفف هو مغمغم بحنق واضح:
-بصي بقى بصراحة أنا متصل عشان حبيت اتصل…وحبيت اكلمك…معرفش ليه..بس ده اللي حصل..سيبك بقى من الهبل اللي أنا قولته ده كله….
حقًا تعشقه….فكلماته البسيطة..العفوية التي طرحها ترن الآن بأذنيها وفعلت بها الأفاعيل..جعلتها تعجز عن الرد…………
ادرك هو خجلها الذي اعتاد أن يراه منها وهذا اكثر ما يحبه بها…”الحياء” الذي يجب على كل فتاة التزين به….
تابع “خالد” يمزح معها:
-مش هتقوليلي برضو المكرونة بتتعمل ازاي؟؟
ضحكت تلك المرة فقد استطاع بمهارة إخراجها من حالتها تلك…مجيبة:
-لا هقول بس مش عشانك لا..عشان خاطر وسام حبيبي…
“حبيبي” اقتحمت تلك الكلمة قلبه وسعد بحديثها عن ابنه بتلك الطريقة ليدرك للتو بأنه حقًا لم يخطأ بل أصاب…..واختار من تصلح أن تكون زوجة وأم لابنه….
معلقًا ببسمة محبة:
-على فكرة هو كمان بيحبك أوي… أبرار انا مبسوط اني عرفتك واني شوفتك..واني اختارتك…وهنبسط وهبقى اسعد انسان على وجه الأرض لو والدك وافق….
مرة اخرى تعجز عن الرد..و زحفت الحمرة إلى وجهها حامدة ربها بأن تلك المحادثة ليس وجهًا لوجه…..
قاطع هو هذا الصمت ومزح معها:
-صحيح بعد كدة لما تلاقيني بتصل عليكي ومش لاقي حجج ابقي افهمي لوحدك اني عايز اكلمك..ولا اقولك انا مش هوجع دماغي وأقعد كل شوية افكر في حاجة..انتِ خليكي ناصحة كدة والقطيها وهي طايرة ده أنتِ هتبقى مراتي يا آنسة…يعني جوزك محامي قـ
لم تنصت لأي شيء بعد تلك الكلمات التي علقت معها وراقوا لها كثيرًا واصابوا قلبها..تتمنى أن ينطقهم من جديد ويخبرها بأنها ستكون زوجته…وهو زوجها……
**********************
داخل حجرة “وئام” التي لم تنتهي بعد من لملمة أشيائها…وتتنقل بالغرفة ببرود ظاهري…. فكلماته ترن بأذنيها…هو لم ينفي محادثته بـ تلك البغيضة ولم يطمأنها ترك الشك يقتلها…ويتسللها أكثر واكثر…فهو لن يتعامل معها هكذا ويتجاهلها ويجعلها تشعر بأهماله إلا إذا كان هناك امرأة اخرى بحياته……. امرأة تحظى باهتمامه و وقته.
قذفت ما بيدها من قطعة ملابس بغل…..غاضبة من كل شيء…منه ومن ذاتها…ومن تلك المشاعر التي تجتاحها الآن….وتلك الغيرة عليه….
زفرت محدثة نفسها بكلمات ربما تبثها الهدوء، هاتفة:
-متفكريش فيه..زي ما هو مبيفكرش فيكي…انبسطي دلوقتي…وتجاهليه..اعملي زيه بضبط.
ومع انتهائها التقطت ما قذفتها و وضعتها داخل الحقيبة….وبعد وقت كانت انتهت و وضعت الحقيبة التي أغلقتها أرضًا…
التقطت هاتفها وجلست على الفراش..فتحت (الفيس بوك) وظلت تقلب به…وبتلك الاثناء وصل إليها إشعارًا بأن “مؤنس” قد أشار إليها وإلى جميع الفتيات وأحمد بمنشور ما…
فتحته و وجدته يتحدث عن سفرهم بكلمات مرحة….
ابتسمت وكانت أول من يعلق تبادله مرحه ومزحه هذا….ولسوء حظها رد مؤنس على تعليقها واستمرت تلك التعليقات المتبادلة لدقائق معدودة…..لم يوقفها عنها سوى إتصال “فادي”..
ترددت وشعرت بالحيرة حيال أمره…..سحبت نفسًا عميقًا واضعة الهاتف على اذنيها تنصت إليه:
– يا نعم؟؟؟؟
ابتسم من ردها الذي جعله يتقن بأنها قريبًا جدًا ستخضع له….نفض افكاره ورد يتساءل:
-قوليلي فكرتي في حوار نبقى فريندز ده؟؟ على فكرة الموضوع عادي جدًا..انا مش فاهم سبب رفضك…هو جوزك ده دقة قديمة ولا ايه….
هنا وصمت ثواني ثم تابع بصدمة زائفة ينوي استفزازها:
-لا يا وئام اوعي تقولي انك بتخافي منه….انا حقيقي مش مصدق….هو عمل فيكي إيه..
كزت على أسنانها و رغبت بالرد لكنها عجزت وأغلقت بوجهه ضاربة بقدميها ارضًا وصرخة مكتومة بغيظ فهو حقًا فعل بها الكثير….وجعلها تفعل ما لم تتوقع فعله..وتركته يتحكم بها……وانصاعت هي إليه كالحمقاء…..
حدقت بالهاتف وجاءت برقمه وهي تتحرك بغضب وانفجار وشيك…..تترقب رده…
لم يجيب عليها بالمرة الأولى…كذلك الثانية.. والثالثة…
ومع هذا لم تيأس واتصلت للمرة الرابعة…فأجاب تلك المرة وما لبث أن يتحدث حتى وجدها تصرخ به باهتياج وبثلاث كلمات فقط:
-طلقني يا عابد……………..
يتبع.
فاطمة محمد.
رأيكم وتوقعاتكم وتفاعل حلو بقى. ❤️💫
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية كارثة الحي الشعبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.