رواية كارثة الحي الشعبي الفصل الثامن والثلاثون 38 – بقلم فاطمة محمد

رواية كارثة الحي الشعبي – الفصل الثامن والثلاثون

الفصل الثامن والثلاثون

الفصل الثامن والثلاثون

تفاعل حلو بقى يا بنات و وصلوا الفصل لـ ٦٠٠ فوت 🙊❤️❤️

*****************

أنظر جيدًا.

كارثة الحي الشعبي.

فاطمة محمد.

الفصل الثامن والثلاثون:

قهقه

“جابر”

المُمدد

على الفراش، يجيبها بصوت

متحشرج

، ينفي تلك الكلمات بمرح:

-لا شقة إيه يا بنت

الصايعة

، انا محترم مليش في الجو ده، إحنا ندخل سينما..حلوة السينما.. ومكان عام اهو..

تنهدت مجيبة ببسمة واسعة:

-اشطا..يلا

هقفل

دلوقتي عشان…

بترت جملتها

وبرقت

عيناها خوف ورهبة من اقتحام أخيها الحجرة، صافقًا الباب من خلفه بقوة زادت من حالتها

المرتعدة

..

أخفضت

يديها

وأنهت

المكالمة معه، كما حاولت الحديث والتساؤل ببسمة زائفة

صُعب

عليها رسمها على وجهها

فعيناه

كانت تعكس ما هو مشرف على ارتكابه…

انعقد لسانها وتابعت خطواته السريعة

كأسد

بات حر طليق على وشك افتراس من أمامه..

تقلصت المسافة الفاصلة بينهم رافعًا كف يده

ليهوي

به على وجهها وهو يطلق العديد والعديد من الألفاظ البذيئة..عقبها قبضه بقوة

وجموح

على خصلاتها، يردد باهتياج جعلها على مشارف الموت مما سيحدث لها الآن…….

-بتستغفلينا يا بنت الكلب..

وفاكرة

نفسك ناصحة ومش هعرف أنك بتكلمي واحد **** زيك…ده أنتِ مش هيطلع على أهلك نهار…انتِ وهو..

مع قوله الأخيرة و

انهمار

دموعها

كالشلالات

من حدقتاها ليس

ندمًا

مما تفعله في حق ذاتها..وحق أهلها..بل من بطشه فهي تدرك وتعرف أخيها حق المعرفة…

دفعها على الأرضية ويده تعرف طريقها نحو سرواله يخلع حزامه الجلدي كي يبدأ عقابه لها….

اختلج قلبها

وبتلقائية

و رؤية مشوشة

زائغة

كانت تعود للخلف علها تستطع الاحتماء…

تستجديه

بعطف محاولة عدوله:

-لا يا أبيه.. حضرتك فاهم غلط.. أنا معملتش حاجة.. أنا…

قطعت باقي كلماتها وهي تصرخ تنادي على والدتها قبل أن يمسها

بحزامه

….

-يــــا

مـــــــامـــــــا

…..

الحقيني

يا ماما….عشان خاطري يا أبيه..

صك على فكيه وبات أعمى من شدة الغضب

والحنق

فكلماتها

تتردد

بأذنيه

وباعين

متوعدة

ونبرة جاء بها من أعماق الجحيم، خرج سؤاله:

-اسمه ايه

وبتكلميه

من امتى..

ازدردت ريقها ولم تعلق أو تجيب، فلم يتردد لحظة واحدة أو يؤلمه قلبه بان يرفع يده

الملتف

حولها طرف الحزام

كثعبان

تمكن من فريسته، ويسقط به على جسدها بقوة لا تتحملها….

صدرت صرخة عالية منها ودموعها لا تتوقف بل تزيد ولسانها وعيناها ترجوه بأنه يتوقف

ويرحمها

..

لكن تلك الرحمة انتزعت من قلبه وكرر فعلته وبالتالي تكررت

صرخاتها

التي صعدت والدتها على أثرها…

وتناهت

إلى ريهام صديقتها بالاسفل..

دخلت والدته الغرفة بقلب

مفزوع

من تلك الصرخات الصادرة عن ابنتها وكأنها فقدت قريب أو عزيز على قلبها…وما أن سقط بصرها ورأت هذا المشهد أمامها حتى

هرولت

نحو ابنتها…واقفة عائق قبالة هذا الغاضب

تدفعة

بصدره، تصرخ عليه تزامنًا مع وصول ريهام ورؤيتها أيضا لصديقتها بهذا الشكل والدماء تنزف من فمها وتحتضن جسدها

بشهقات

باتت خافضة:

-أنت مجنون

بتمد

إيدك عليها وانا وأبوها لسة عايشين..

لم يتأثر بل ابتعد خطوات وهبط

بحزامه

على ظهرها، مما جعل والدته تزيد من دفعها

وصراخها

بوجهه،

وتركض

ريهام نحو أروى تطمئن عليها

وتذرف

الدموع لأجلها:

-هو انا مش بكلم يا حيوان…حد يعمل كدة في أخته…

حدق بأعين والدته ورد بقسوة ونبرة ثائرة:

-أنا..

وهموتها

كمان لو مقالتش مين ابن ****** اللي كانت

بتكلمه

…بنتك المحترمة كانت

هتقابل

واحد انهاردة وبتقوله لا الشقة لا..اصل انا

متربية

..

انتهى ينظر لتلك الواقعة على الأرض يتابع حديثه وهو يسدد لها ركلة قوية من قدميه

بجوفها

:

-محترمة اوي يا بت **** وحياة امك ما

هتشوفي

الشارع تاني ولكون ****..ويا انا يا أنتِ.

انزعجت والدته من هذا الكم من الكلمات البذيئة الوقحة التي تخجل

وتنزعج

أي امرأة من الاستماع اليها، مرددة بدفاع

مستميت

:

-اخرس يا زاهر.. أختك

متربية

..انت اكيد فهمت غلط..انا مربية بنتي…

قهقه

ساخرًا، معلقًا بأسلوب هزل:

-سلامات يا تربية..ابقى سلميلي عليها التربية..

عاد

يرمق

شقيقته التي باتت داخل أحضان ريهام وتبكي بصوت خافض…تحرك بؤبؤ عينيه

بحثًا

عن شيء

جهلته

والدته..و ريهام..

واخيرا وجد ما يريد و انتشل هاتفها الذي سقط من يدها..حاول فتحه ولكنه فشل

فتأفف

وشدد بقبضته عليه يصرخ بلهجة آمرة:

-قولي كلمة السر بتاعة الزفت…

لم تجيب وأصبحت

خفقاتها

اسرع متمنية الموت..

تكاظم

سخطه

واهتياجه

، مردد ثانية:

-اخلصي يا روح امك

وانطقي

مش هنقعد اليوم بطوله.

اعتصرت

اروى عيناها ولم يكن بيدها حلا سوى فعل ما يريد.. وبالفعل أملت عليه كلمة السر الخاصة بهاتفها وقام بفتحه يبحث بهاتفها حتى وجد تلك المحادثة بينها وبين شاب يدعو “جابر سلطان راضي”.

ضاقت عيناه

وارتخت

قسماته

فأسم

سلطان راضي لم يكن

غريبًا

عليه بل يعرفه جيدًا

ويحقد

على صاحبه

لاخذه

ما كان يجب أن يكون له ولوالده كما يعتقد…

رغب بإنهاء شكوكه وفتح الصفحة الخاصة بهذا الشاب وعلى الفور تعرف عليه من صورته فلم يكن سوى هذا الغريب الذي تشاجر معه أمس……

******************

فتحت “دلال” الباب الذي يطرق في هذا الصباح وكالعادة الهاتف على أذنيها

تثرثر

مع شقيقتها…

انقطعت عن الحديث وهي ترى فاطمة أمامها..وسرعان ما

اخفضت

الهاتف لاحقه بها قبل أن تتحدث أو تتفوه بشيء، تستفسر منها وتجيب على ذاتها بذات الوقت:

-ازيك يا فاطمة…عاملة ايه يا حبيبتي..بخير..طب

دايمًا

يارب…

رغبت الأخرى بالحديث فوضعت دلال يدها

تكمم

فمها تضيف على هذا الكم من الكلمات والاجابات على نفسها:

-تقدري تمشي البيت الحمدلله نظيف وأنا بعد كدة اي حاجة عايزة تتعمل

هعملها

بذات نفسي…

زالت فاطمة يدها متحدثة أخيرًا:

-يووه ما تديني فرصة ارد يا ست دلال..وبعدين تعمليها بنفسك ليه وانا موجودة؟

ابتسمت على مضض معلقة، تبرر لها ببعض الكلمات العفوية وبعض آخر كان

كاذبًا

:

-لا ما أنتِ مش فاهمة لو خليتك شوية كمان انا مش هبقى موجودة..ولا ولادي…ولا البيت وبعدين الحمدلله أنا مش مشلولة..ده غير أن الحاج سلطان بنفسه هو اللي قالي شغل البيت يا دلال انتِ اللي تعمليه مش حد غيرك…آه أنا

هخيب

في العُمر ده ولا إيه…

-ليه بس يا ست دلال ما أنا كنت مبسوطة في الشغل..و

قاطعتها، قائلة:

-معلش بس

تنبسطي

واحنا

نتعك

؟..يلا يا فاطمة..يلا يا حبيبتي روحي بيتك تاني الدنيا برد…يلا…يلا..

********************

استغل “أنس” دخول والدته المطبخ عقب انتهائها من تناول الفطور معه ومع شقيقته

والجة

إلى المطبخ…

مستفسرًا

منها عن سبب ذلك

الوجوم

وحديثها القليل منذ أن جلبها من كتب الكتاب أمس:

-مالك يا بت وشك مقلوب من امبارح ليه؟؟

مضغت

ما بفمها مجيبة بملل

وحنق

:

-عادي مفيش.

-مفيش ازاي يعني؟ هي صاحبتك قالت حاجة عليا امبارح ولا ايه..

نفت ذلك، قائلة بنبرة بها بعض من السخرية:

-مقالتش

ومجبتش

سيرتك..رغم اني عملت اللي اتفقنا عليه..وقعدت

امدح

فيك وأنك

مبتسبش

فرض..بس هي متغيرة من ساعة ما لبست النقاب..مبقتش فجر بتاعة زمان اللي بتضحك

وتهزر

وتتصور

وتخرج حساها بقت كبيرة

وعايشة

دور مش بتاعها..وعشان كدة امبارح اتكلمت معاها في الموضوع وحاولت

اقنعها

تقلعه

..بس هي ردت ببرود..

وضايقتني

واستفزتني

..فـ

تتفلق

بقى مش

هشغل

دماغي..وعلى فكرة

هتتعبك

جامد…

ابتسم بسمة جانبية يعلق بإعجاب:

-وماله..تتعبني بس المهم تسلم في الاخر..أنتِ بس استمري على نفس الكلام وجيبي سيرتي قدامها كتير.. وبكرة هخليكي تشوفيها وهي زي الخاتم في

صباعي

وارجعهالك

فجر القديمة..

بادلته

بسمته تستفسر منه:

-أنت إيه وقعت ولا إيه؟؟

نفى قائلًا:

-لا مش أنا هي اللي

هتقع

..اعملي بس زي ما بقولك وعلى الاسبوع الجاي هكلم ابوها واتقدم رسمي ونشوف الوش الخشب هيفضل متصدر لحد امتى…

*******************

طرقت “فجر” باب غرفة “ثراء” طالبة الإذن بالدخول، أتاها صوت ثراء

الممددة

على الفراش حتى الآن لا تستطع النهوض..تقلب بهاتفها سامحة لها بذلك…

انفرج الباب ودخلت بالفعل مبتسمة لها، قائلة:

-ممكن اتكلم معاكي شوية؟

تبسم وجه ثراء، موافقة دون تردد معتدلة بجسدها مستندة

بظهرها

بظهر الفراش:

-اكيد تعالي..

أغلقت الباب بهدوء وتقدمت منها جالسة

قبالتها

مباشرة…

اخذت “فجر” نفسًا

عميقًا

قبل أن تشرع بالحديث، ثم

زفرته

بهدوء، ناطقة بحنو:

-طبعا أنتِ عارفة أني بحبك..ومش أنتِ بس..لا كلكم أخواتي..

وقريبين

مني..وعشان كل ده المفروض اني لما أشوف حاجة غلط اقولك عليها

ومسبكيش

تتمادي

فيها..لاني

بكدة

هكون

بأذيكي

..وأنتِ لو

اتأذيتي

كلنا

هنتأذي

لأننا مرتبطين ببعض..واللي يمسك يمسنا.

سيطر القلق على “ثراء” وظهر هذا على وجهها بعد أن تبخرت بسمتها، قائلة بقلق:

-في ايه يا فجر؟ انا عملت إيه؟

-امبارح

رقصتي

بطريقة ملفتة

ومراعتيش

أن فيه شباب وناس غريبة..انا

مبقولكيش

مترقصيش

..لا ارقصي..بس لنفسك..مع بعض

كبنات

مبسوطين…اللي حصل امبارح بصراحة مش لطيف نهائي..

غامت

عيناها وتذكرت كلمات جابر لها على الفور “نازلة رقص ومش همك حد وكل اللي يسوى واللي

ميسواش

بيتفرج عليكي وعلى جسمك”

انتشلها

صوت “فجر” المتابع بأسف ويدها التي وضعت على يدها:

-ثراء متزعليش مني بس والله انا بقول لمصلحتك و

قاطعتها ثراء محاولة تبرير ما حدث:

-عارفة يا فجر..بس أنا كنت مبسوطة.. كمان بابا وماما لو كانوا شايفين أن رقصي

مُلفت

كانوا قالولي..انتِ عارفة بابا غيور..

-حبيبتي عمي عينه مكنتش عليكي طول الفرح..اكيد ميت حاجة

لهيته

عنك..انا متأكدة أنه لو كان شافك كان

قعدك

جمبه

…الواحد مش عشان مبسوط يزعل ربه

وياخد

ذنوب..احنا ممكن

ننبسط

من غير ما نزعل ربنا…انا بصراحة مكنش

مفرحني

غير فرحتكم انتوا…والأجواء عموما مكنتش حلوة..

ومرضتش

اكلم عشان

مزعلكوش

.

التقطت الحزن على وجهها، فقالت بمرح تهون عليها:

-بس عارفة أنا في فرحي هخليكي تفرحي

وترقصي

زي ما أنتِ عايزة..انا ناوية لما ابن الحلال يجي..

واتجوز

اتجوز بطريقة صح

متشيلناش

ذنوب..عارفة انهم هنا ممكن

يعصلجوا

بس مش

هتراجع

..

انتابها

الفضول وتساءلت:

-ليه هتعملي ايه؟؟

-هيبقى فرح إسلامي يعني الرجالة لوحدهم..

والستات

لوحدهم..و وقتها

هناخد

راحتنا

ونرقص

للصبح

والجدع

يوقفنا

بقى…

********************

بعد ساعتين تقريبًا…

هتفت “ثراء”

منادية

على “داليدا” المفارقة للمطبخ وبين يدها صحن صغير يحوى على بعض

الفواكهه

..تمضغ ما بفمها..قاصدة غرفتها..

-داليدا..داليدا.

التفتت إليها باهتمام

منتبهه

لتلك الباقة من الورود الحمراء التي تحملها بين يدها..

ضاقت عيناها بشك فقد ظنت بأن

مرسلها

“جابر” وبأنه لايزال يحاول التودد إلى ثراء..

لكن كل تلك الظنون والأفكار والمخططات فيما عليها فعله معه تبخرت ما أن ابتسمت ثراء بمرح مشيرة بعيناها نحو الباقة:

-قد إيه جوزك رومانسي..

وباعتلك

ورد أحمر يارب اوعدنا يارب..

لمعت عيناها بشوق وهي تحدق

وتمسح

بحدقتاها فوق الباقة الحمراء، تتساءل

بوهن

:

-نضال اللي بعتها؟؟

-لا أمه…ايه يا بت

الغباوة

دي..

تبخرت بسمتها بالهواء الطلق

منتشلة

منها الباقة بيدها الفارغة معلقة على اسلوبها الجديد بالحديث:

-حسة أن اللي واقفة قدامي وعد مش ثراء…

نفت ثراء، مغمغمة بمرح:

-غلط اللي واقفة قدامك ثراء

بشحمها

ولحمها

..

جاءت وئام بتلك اللحظة وعيناها تذهب

تلقائيًا

إلى تلك الباقة:

-الله ايه الورد الحلو ده ؟ ده من نضال؟

لم تصمت ثراء وعلقت على أختها:

-بسم الله ماشاء الله نفس السؤال الغبي…انا

هطلع

اوضتي

احسن..

وقبل أن تختفي تساءلت داليدا فلا يغيب عنها غياب وعد:

-هي وعد لسة نايمة ولا ايه؟

-اه..

وبعد أن حصلت على جوابها صعدت إلى حجرتها هي الأخرى وتركت وئام تفكر بـ عابد ولما لم يرسل لها باقة ورد حمراء مثلما فعل أخيه مع داليدا !!!

دخلت “داليدا” الغرفة سريعًا

غالقة

الباب خلفها مستندة

بظهرها

عليه موصدة جفونها

بحالمية

وهي تضم الباقة إلى صدرها

وتقربها

من انفها تستنشق عطرها النفاذ…ولا يزال صحن الفواكه بيدها الأخرى..

تنهدت بحرارة ومع فتحها لعيونها وصل إليها صوته الذي على مقربة شديدة منها:

-كنت واثق انك

هتحبيه

..

صدمت وفتحت جفونها على الفور، لا تستوعب تواجده داخل غرفتها…ارتجفت يدها وكاد يسقط الصحن من يدها

ويتبعثر

على الأرضية لولا إلحاقه

ليدها

..

واقترابه

المميت منها..فقد بات لا يفرقهم الا مسافة لا تحسب..

كتمت انفاسها وخرج صوتها

مهزوزًا

:

-أنت بتعمل ايه هنا؟؟ ودخلت ازاي ؟!

وقبل أن يجيب جالت عيناه على ملامحها وكل تفصيله بها..ثم دنا منها أكثر

وانفاسه

الدافئة المعلنة عما

يعايشه

تلفح وجهها تسبب في إصابتها بالتوتر

والارتجاف

..

هامسًا لها بصوت حنون للغاية:

-مش مهم دخلت إزاي..بس اقدر اقولك بعمل ايه هنا.. بس قوليلي الأول الورد عجبك ولا لا ؟

ردت بصعوبة شديدة محاولة التحرك

واخراج

يدها من قبضته:

-ما أنت لو بعدت شوية هقولك عجبني ولا لا..بس انت ابعد..

-وابعد ليه؟؟ انا مبسوط كدة..انا في غاية

الانشكاح

..

ازدردت

لعابها

ببطء مجيبة بأعين

متهربة

:

-وانا مش مبسوطة عشان خاطري أبعد..

لم يستطع الرفض بعد كلماتها التي لامست قلبه وتعاطف معها على يقين تام بما تشعر به، مغمغم:

-عشان خاطرك بس..ها عجبك؟

تنفست الصعداء، قائلة بهزة من رأسها:

-اه.. جميل..قولي بقى دخلت إزاي وجاي ليه..

بلل شفتاه وتحرك بالغرفة كي يهدأ مشاعره

وكيانه

الذي يطالب بقربها الآن،

موزعًا

انظاره

بغرفتها، مجيب:

-ما قولتلك مش مهم دخلت إزاي..أما جاي ليه

فعشان

اشوفك..اصل بصراحة وحشتيني..وصوتك لوحده مش كفاية..ده غير اني جيت عشان اديكي دي..ما هو مينفعش ورد من غير شيكولاتة..

نظرت لما أخرجه من جيب

بنطاله

وسرعان ما ابتسمت باتساع كطفلة صغيرة، متحركة تاركة الصحن والورود أعلى الفراش، ملتقطة إياها:

-انا بحب الشيكولاتة أوي..

-وانا بحبك أنتِ..

يصر على

إخجلها

من جديد..زحفت الحمرة إليها وازداد بريق عيناها وقبل أن يغادر، أردف

بعبث

:

-دلوقتي بقى اقدر امشي..بس.

نظرت داخل عيناه منتظرة

استرساله

ما توقف عنده..مستفسرة:

-بس ايه؟؟

لم ينطق ورفع يديه

اخذًا

الشوكولاتة من يديها

دافعًا

إياها على الفراش ثم طوق خصرها، مقبلًا إياها

…ولم

تردعه

هي.

ثواني وكان يبتعد عنها مبتسمًا بظفر وسعادة طاغية لا مثيل لها مغمغم بصوت

متحشرجًا

:

-ابقي

اشكريلي

ابرار وقولي لها انها

أجدع

واحدة و يوم

الفرحي

هتتعشا

مرتين….

ابتسمت على كلماته الذي وصل لها مغزاها فـ ابرار هي من ساعدته على ولوج المنزل وتسلل غرفتها…تابعت مغادرته وغيابه..ثم دنت من الباقة

واحضتنها

بقوة…

*******************

انشغل “عابد” مع العمال

بالصالون

الخاص به والذي بات على وشك الإنتهاء…فقط كل ما ينقصه أشياء وأغراض بسيطة..ثم يقوم

بافتتاحه

ومباشرة عمله..

تاركًا هاتفه بغرفته الصغيرة الذي خصصها لذاته، يغفل تمامًا عمن تحاول الاتصال به ولا يجيب عليها…

ورغم هذا الانشغال منذ الصباح الا أنها لا تغيب أو تذهب من ذهنه..فالحب لا أن ينسى العاشق معشوقه أثناء

انهماكه

وانشغاله

..بل يتذكره

ويشتاق

إليه حتى

بأسوء

حالاته….

وهذا ما فعله ما أن وجد فرصة

لمحادثتها

.. ولج الحجرة والتقط الهاتف لا يبالي أن كانت

غافية

فقد اكتفى من الاشتياق ويرغب بالإستماع إلى صوتها العذب..

لاح

اللوع

بعينه عندما وجدها قد حاولت مرارًا

وتكرارًا

الاتصال به…

تراقص قلبه وتمنى تواجدها أمامه الآن كي يجعلها ترى المعنى الحقيقي لـ كلمة “اشتياق”

ثبت الهاتف على أذنيه وانتظر إجابتها بلهفة وكلماته المتغزلة على طرف لسانه تترقب هي الأخرى…

خاب أمله عندما لم تجيب عليه…حاول ثانيًا وثالثًا لكن ذات النتيجة..

بدأ القلق يعتريه ولكن هذا لم يوقفه وجاء بـ (الواتس أب) كي يرسل لها ويرى اين هي ولما لا تجيب !!

لكن تأججت نيران الغيرة والجوى فؤاده عندما سقط بصره على تلك الصورة التي وضعتها لذاتها.. ويستطيع كل من لديه رقمها رؤيتها بتلك الهيئة..

استشاط وتراجع بأرسال الرسالة..وحاول محادثتها من جديد…

ابتسمت وهي ترى محاولاته المتكررة بالوصول إليها، مغمغمة مع ذاتها:

-احسن..عشان بعد كدة لما أتصل عليك ترد عليا ومتتقلش..انا هوريك التقل بيبقى عامل إزاي..عشان أنا السبب في ده كله..وبعدين انت ازاي متفكرش تبعتلي ورد زي ما أخوك بعت لـ داليدا !

تعمدت ألا تجيب..وبعد ثواني من الإصرار والإلحاح أجابت وقبل أن تردف أي شيء وصل إليها صوته المغلف بالغيرة:

-ايه الصورة الزفت اللي انتِ حطاها على الوتس دي؟؟ ما تقلعي أحسن..ايه لازمته القرف اللي أنتِ لبساه ده..

ضاقت عيناها باستخفاف من سؤاله الغير متوقع فقد خُيل إليها بأنها ستنصت إلى كلمات كثيرة تعكس اشتياقه وتوقه إليها منذ ليلة أمس..

قائلة بوجوم ممزوج باندهاش:

-زفت ايه وقرف إيه !! ما تكلم معايا حلو يا عابد..الصورة أصلا قديمة وانا بحبها وحطيتها ايه المشكلة؟؟؟

انفلتت اعصابه وصرخ عليها بغضب مفرط:

-المشكلة انك فيها كأنك مش لبسة..وكل من هب ودب هيتفرج عليكي..وأنتِ مش فرجة يا هانم…

حاولت التمالك..التحكم باعصابها وعدم منحه جواب لاذع..لكنها فشلت وتشنجت هي الأخرى، مغمغمة بغضب:

-لا لبسة… وبعدين إيه كل من هب ودب دي..انا معنديش حد غير صحابي واهلي..وبعدين بلاش تبقى متخلف ورجعي كدة الصورة عادية واكتر من عادية كمان…ومتزعقليش كدة أنا معملتش حاجة يا عابد.. وفي اسلوب احسن من ده في الكلام..

ارتخت قسماته و توقف عقله عند تلك الكلمتان “متخلف، رجعي”.

حل صمت مريب وكأن على رؤوسهم الطير…قلقت من هذا السكون وادركت بأنها قد تطاولت وارتفعت نبرتها عليه رغم محاولاتها السابقة بالتغير والإنصات إليه وفعل ما يحب..لكن تلك المرة لم تنجح بهذا..

ابتلعت ريقها ونادت عليه:

-عــابــد.

وقبل أن تضيف كلمات أخرى، أردف بحدة وأمر:

-الصورة تتشال ومفيش صور تانية ليكي تتحط، وأنا مش متخلف ولا رجعي..بس أنتِ لحمك اللي مش همك الناس يتفرجوا عليه ده مش رخيص يا ست هانم…..

********************

تململت “وعد” بنومتها منزعجة من رنين هاتفها الذي يصدح بأرجاء الغرفة…

انكمش وجهها ضيقًا ورفعت يدها تحاول الوصول إلى الهاتف دون أن تفتح جفونها…

مصدرة أصوات تعبر عن استيائها ممن يقلق نومها ويقظها هكذا..

واخيرًا وجدته واخذته واضعة إياه على أذنيها، متمتمة بصوت ناعس:

-ايوة..مين؟

تحدث “أشرف” الذي غادر المطعم واقفًا أمام الباب كي يحدثها بأريحية، فقد تخطى الوقت الثالثة عصرًا وحتى الآن لم تحدثه!!

-نموسيتك كحلي يا مدام وعد..

فتحت عيناها وهي ترد بتهكم جلي:

-مدام في عينك، إسمها آنسة..

أجاب بلهجة لاذعة ساخرة لم تختلف عنها شيئًا:

-وحياة أمك!! وأنا ايه ظروفي؟؟ مش ماشي معاكي اني جوزك..

-أنت هتستعبط ولا ايه هو احنا لسة اتجوزنا ده كتب كتاب بس..

رد ببساطة رأتها هي وقاحة:

-وايه يعني، كدة برضو مدام بس مع وقف التنفيذ…ومتقلقيش التنفيذ قريب أوي…

هبت من نومتها بوجهها الذي غمره حمرة الخجل، قائلة:

-طب واقسم بالله انت سافل وما تربيت..انا كنت الاول شاكة بس دلوقتي اتاكدت… اصلا كلكم دماغكم كدة ومش بتفكروا غير في كدة..

لمعت عيناه ببريق غريب، متمنيًا أن يراها بتلك اللحظة فهو على يقين بأن وجهها قد بات احمر اللون وان الخجل يكسيها بأكملها:

-كدة ده بقى اللي هو إيه وضحي بس عشان افهم..

-كدة اللي هو كدة..سلام يا سافل..وعلى فكرة هغير أسمك من اشف لـ اشف السافل…

اغلقت بوجهه مما جعله يقهقه عاليًا على كلماتها لا يدري لما كل هذا الخجل والتعنيف..فما تحاول فعله مكشوف أمامه ويعرفه جيدًا..فهي تحاول أن تخفي مشاعرها الفطرية بذلك الاسلوب الصارم الحاد…

بعد إغلاقها اغمضت عيناها زافرة بصوت عالي وبانتظام تهدأ روعها…

صعد القط جوارها بتلك الاثناء على الفراش يصدر مواء خافض جعلها تفتح عيناها وتجذبه داخل أحضانها تقبله بحنو…

وبحركة مباغتة فُتح الباب وطلت داليدا..التي قالت ببسمة:

-كل ده نوم يا وعد…كنت جاية اصحيكي.

ردت عليها وهي تحرر القط مطلقة سراحه:

-جسمي مكسر اوي..هو أنا نمت كتير..

-كتير اوي العصر أذن..

اماءت لها بشرود، ثم تساءلت وهي تنظر بالفراغ تفكر في شيء ما:

-هي وئام صاحية؟

أكدت داليدا:

-اه..

-حلو هاتيها وتعالولي في كلام مهم عايزاكم تسمعوه مني…يلا…عقبال ما ادخل الحمام واغسل وشي وسناني..

بعد دقائق كانت كلا من داليدا و وئام الشاعرة بالحنق مما حدث بينها وبين عابد يجلسون على طرف الفراش…و وعد تقف أمامهم كمُعلمة تقف أمام تلاميذها..تلقي عليهم التعليمات.

قائلة بسبابة توجهت بوجوهم مباشرة:

-اسمعوا اللي هقولوا ده كويس وحطوه حلقة في ودانكم…عابد ونضال حذاري…ثم حذاري..يقربوا منكم…عايزاكم كدة تشحطفوهم…تلففوهم حولين نفسهم..مش عشان كتبوا الكتاب تبقى الحكاية سداح مداح لا..لازم يعرفوا انه فيه حدود…انتوا طبعا فاهمين كلامي وأقصد ايه مش كدة؟

ابتلعت داليدا ريقها وحدقت بـ وئام التي كانت باردة بعض الشيء…وبادلتها نظراتها..

ضاقت أعين وعد وصاحت بهم بشك:

-يا نهاركم اللي مش هيعدي..اوعوا يكونوا قربوا منكم امبارح وعملوا الدنيئة قولولي عشان اعمل معاهم انا السليمة…

وعلى الفور نفت داليدا مرددة بكلمات كاذبة:

-لا طبعا.. أنا نضال مقربليش…ومش هسمح بكدة اكيد…

ابتسمت لها وعد واقتربت مربته على كتفيها، مردفة بتشجيع و إعجاب:

-تعجبيني..

ثم سلطت بصرها على وئام، مضيفة بشك في أمرها:

-وانتِ يا نحنوحة انا مش مرتحالك.. قوليلي قرب امبارح منك..ولو قرب صدتيه ولا لا..والله شكلك فرفورة و

قاطعتها بعنف كاذبة هي الأخرى:

-احترمي نفسك ولمي لسانك..عابد مقربش مني ولا حصل اي حاجة..وبعدين أنتِ مالك..هو احنا سألناكي ايه اللي حصل بينك وبين أشرف..دي خصوصيات مينفعش تكلمي فيها..

ردت ترفض ما تقوله:

-لا لسة مش خصوصيات..لما يبقى جوزي ويتقفل علينا باب واحد تبقى خصوصيات..وبعدين ما تسالوني وانا قولتلكم متسالونيش..

وفجأة اقتحمت “ابرار” الغرفة عليهم تخبرهم بأنفاس متسارعة:

-بنات…الحقوني..خالد جاي بليل وهيقابل بابا يطلبني منه…

نظر الثلاث لبعضهم البعض ثم حدقوا بها يتساءلون بذات الوقت:

-خالد مين !!!!!!!!!

******************

في تمام الثامنة مساءًا، جلس “خالد” قبالة “إياس” والد “ابرار” بحجرة الصالون بمفردهم يطرح عليه ظروفه..ورغبته بالزواج من ابنته محاولًا تخطي ذلك الخوف الطفيف الذي يغمره يقنع ذاته بأنه بأذن المولى سيوافق عليه:

-مطلق..وعندي إبن حضرتك شوفته..والدتي عايشة برة مع أختي، ومش بتواصل مع أي حد من قرايبي كلهم بُعاد..يعني لحالي و لوحدي انا وابني اللي بيشوف والدته أكيد في الوقت المتفق عليه بيني انا وهي..

عم الصمت التام عقب إتمام جملته..حادقًا بـ إياس الصامت يحاول استنشاف أو التنبؤ بما سيهتف به..ترى هل سيوافق عليه.. أم يرفضه !!

لم يكتفي بهذا الكم من الحديث وتعريف الذات بل أضاف بصراحة وصدق نال إعجاب الآخر:

-طبعا عارف أن حضرتك أكيد كان نفسك يبقى جوز بنتك واول بختها مسبقش له أي تجارب..بس صدقني التجربة اللي عشتها علمتني كتير..

بلل حلقه الذي جف بابتلاع ريقه، ثم استرسل مجددًا:

-ده غير أن أنا مش سبب الانفصال يعني أنا اكيد مكنتش احب انفصل عن زوجتي وابني يبقى مشتت بينا..بس ده النصيب..ومن حقك قبل ما تفكر بالرفض أو القبول اني احكيلك سبب انفصالي اللي أكيد حضرتك عندك فضول ليه..وكمان عشان كل حاجة تبقى واضحة ولاني معنديش حاجة تستخبى..

حقًا ازداد إعجابه به، فقد تحدث بتلك النقطة الذي كان يشعر بالاحراج نحوها…وطريقة طرحها عليه….

منحه إياس بسمة يشجعه على المتابعة وقص كل ما لديه:

-وانا سمعك..وهسمعك للآخر.

تغلله بعض الراحة، قائلًا:

-سبب الانفصال أن طليقتي كان همها الأول والأخير هو شغلها..يعني بالبلدي كدة شغلها أهم مني ومن أبنها..ممكن تيجي علينا بسببه..وانا صبرت واستحملت كتير..بس كأي بني آدم هيجيلوا وقت وطاقته.. وصبره هينفذوا وده اللي حصل..ويؤسفني اقول كدة بس هي اللي اختارت الانفصال بعد ما خيرتها بينا وبين الشغل..فتخيل حضرتك اني انا وابني نتحط في كفة خسرانة…

شعر إياس بالضيق من أجله ومن أجل صغيره، وشرد بخلده يفكر قليلًا في العلاقة التي ستنشأ بين ابنته و وسام وهل سيتقبلها الصغير أن يشعر نحوها بالنفور؟!

التقط الآخر ذلك الشرود..التفكير.. والحيرة التي تليح على ملامحه فأضاف مدركًا فيما يفكر به الآن:

-انا مش عايز حضرتك تقلق من موقف وسام أو أنه ممكن ميتقبلش ابرار لان ده مش هيحصل انا عارف ابني وهو الحمدلله بيحب أبرار جدا…

تنهد عائدًا بظهره للخلف، معقب أخيرًا:

-طيب يا خالد..شكلك محامي شاطر..جاوبت على كل الاسئلة من غير ما اسألها وانطقها..وانا معنديش اعتراض عليك..بس طبعا الأصول بتقول اني اسال عليك الاول.. وأشوف رأي ابرار..وبعدين ابلغك..

*****************

-هيوافقوا..مش هيلاقوا أحسن منك لبنتهم..ماشاء الله عليك..طول وعرض وحلاوة…ومعاك عيل هدية..والبت كمان قمر..طلعت لئيم يا ولا يا خالد وبتفهم في النسوان.

طرحت دلال كلماتها المرحة على مسامع خالد الذي ترك ابنه رفقتها ورفقة “جابر” الماكث بالمنزل دون أن يفعل شيء سوى العبث بهاتفه والتعرف على بعض الفتيات بعدما فشل بالتواصل مع أروى وخرب مخططه لرؤيتها اليوم…

رفع “جابر” أنظاره عن الهاتف يعلق بضيق واستنكار من كلماتها:

-ايه عيل هدية دي؟؟

حول بصره على الفور يحدق بخالد يتابع:

-وانت متقلقش هيوافقوا عليك..هما يطولوا اصلا تجوز بنتهم..وتعيش مع ابنك..

قال الأخيرة غامزًا لوسام الجالس جواره…ابتسم له الصغير..تزامنًا مع تلك التنهيدة الخارجة من فوه خالد مردد:

-والله هما يطولوا عادي..ويارب يوافقوا..

ربتت دلال على كتفيه تطمئنه:

-متقلقش هدعيلك..وعشان تبقى عارف مش بدعي لاي حد .يعني الدعوة بتطلع للغاليين بس..

قذف جابر الهاتف من يده، يلوي شفتاه تارة يمينًا..وتارة يسارًا، قائلًا:

-لا بلاش.. كدة الجوازة هتبوظ وهيترفض وش.. وبعدين كدة وغالي اومال لو مكنش غالي..بقولك ايه ياما خرجي نفسك من الحوار..

حركت رأسها تبحث عن شيء ما تقذفة به، فلم تجد سوى الوسادة..التقطتها على الفور مصوبة إياها بوجهه:

-عيل مهزق ومتربتش اقسم بالله..

كبح خالد ضحكته مصوب حديثه لابنه المتابع ما يحدث بين دلال وجابر:

-يلا يا وسام نروح.

وبدلًا من أن يجيب الصغير أجاب جابر وهو ينهض ويجذب وسام من يده:

-اه يلا…

دهش خالد وعلق:

-يلا إيه؟

-هاجي معاك اصلك وحشني والواد ابنك وحشني وعشان اقضي على الاشتياق ده هبات معاك النهاردة يلا…يلا..

ورغم ثرثرة دلال اللامتناهية محاولة منع جابر من الذهاب والنوم بمنزل خالد الليلة… وإقناع خالد بالجلوس وانتظار سلطان والبقية وتناول العشاء سويًا إلا أنه رفض باحترام وغادر رفقة جابر الذي هرب شاعرًا بالضجر والملل من المنزل وعائلته..

بعد وقت وصلوا المنزل بعد أن جاءوا بطعام من الخارج..ثم تناولوا الطعام سويًا بأجواء لم تخلو من المرح المتبادل بين الثلاث…

وبعد وقت ليس بكثير كان الصغير يذهب بسبات على الأريكة واضعًا رأسه على قدم أبيه..المتابع لأحد الأفلام..وجابر على الأريكة وكالعادة هاتفه بين يده…

قطع هذا الصمت صوت رنين المنزل…قطب جابر حاجبيها وأردف:

-أنت مستني حد ولا ايه؟ اوعى تكون بتجيب مزز ونسوان !!؟

صك خالد على أسنانه رافعًا رأس صغيره برفق عن قدمه كي يستطع النهوض وما أن نجح بذلك حتى حمله و ولج به الغرفة واضعًا إياه على الفراش.

بينما بارح جابر مكانه كي يفتح الباب الذي يطرق وما لبث أن يفعلها حتى وصل إليه صوت خالد الهامس:

-استنى متفتحش..

استجاب له باعين تطلق تساؤلات..فتابع خالد بهمس وهو يقترب من العين السحرية يرى الطارق:

-لو نيفين انت اللي هتفتح قولها مش موجود..مخمود..مات..اي نيلة المهم تخليها تمشي..

ارتفع حاجبي الآخر والتقط هذا الانزعاج والبغض على وجه خالد، قائلًا بمكر:

-هي مش حلاك ولا إيه؟

اماء له بعد أن تأكد من شكوكه فقد كانت هي بالفعل:

-يلا اتصرف بسرعة..

عقب كلماته برحيله ودخوله غرفة الصغير…أما جابر فـ فتح الباب بوجه مبتسمًا بغلاظة..قابلته هي بدهشة من تواجده:

-اهلا يختي.

حدقته باستحقار، مغمغمة:

-يختي !!!!

-اه مش عارفة معناها ولا إيه، تحبي اقولهولك؟؟

-خالد فين؟؟

قالتها وهي تحاول دخول المنزل..فتصدى لها يمنعها من فعلها دون أن يمسها، مغمغم:

-مخمود..او برة..او مات.. أو نقدر نقول أنه مش طايقك ما تحلي عنه بقى؟

-وانت مالك؟؟

تحدثت بغضب واعين تطلق كرهًا نحوه..

اتسعت عينه بصدمة زائفة، يعقب:

-لا..لا … أنا قليل الأدب *** وممكن أقبح معاكي في الكلام واسمعك كلام متحبيش تسمعيه فخليني مؤدب..واسمعي مني وحلي عنه بقى..ومتستغليش أنه محترم ومش عايز يعمل معاكي الغلط..بس انا ممكن اعمله عادي.

-أنت واحد مهزق وكلامي مع خالد عشان يسيب واحد زبالة زيك يكلم معايا انا كدة..

فارقت مكانها كي تغادر والغضب رفيق لها فوصل لها ما جعلها تتسمر:

-مش هيبقى فاضيلك عريس بقى..ولو حصل وشوفتيه متبقيش قليلة الذوق وباركيله…واطلبيه جوز حمام ولا اكل سمك وجمبري محترمة..

دفع الباب بوجهها سعيدًا بصدمتها التي جعلتها تتوقف ولا تتابع سيرها..ابتسم بظفر فوصل إليه صوت خالد الذي أتى من خلفه:

-يخربيتك ايه اللي هببته ده؟!!!!

بقى اقولك قولها مخمود…ولا برة..ولا مات تقولها كله وتقولها عريس اقتلك طيب واخلص منك؟!!

زادت ابتسامته وهو يدس يده بجيب بنطاله يخرج لفافة تبغ، مغمغم بلهو:

-لا خد دي وروق على نفسك..وعلى فكرة مش بتطلع غير للغاليين وأقسم بالله…

اتسعت عين خالد وردد بصدمة:

-يا نهارك اسود…حشيش !!!!!!! وكنت راكب معايا وانت شايله ؟!! انت عارف لو كانت قابلتنا لجنة كان إيه اللي هيحصل؟؟

رد بلامبالاه ومرح:

-لا عادي كنت هتصرف وبعدين عيب في حقك لما تقول كدة يا متر…

*****************

يقف “خليل” بالحديقة، يتأمل السماء.. نجومها..وسحابها..تبسمت شفتاه و زاد نبض قلبه عندما تذكر ذلك الحديث القصير الذي دار بينه وبين “فجر” تلك الفتاة المنتقبة الذي لم يراها حتى الآن، و رغم هذا شغلته اليوم كثيرًا…وبدون إرادة منه كان يتردد صوتها على مسامعه يأبى تركه…يضاعف من خفقاته..

متذكرًا كيف سعد قلبه بتلك الدقائق التي تُعد…متسائلًا عما سيحدث به إذا تمكن من الحديث لوقت أطول ويضاعف ما قضاه.

زالت تلك البسمة رويدًا رويدًا…يعاتب نفسه من جديد على تفكيره بها….

لاح الضيق عليه، واغمض جفونه يستغفر ربه بخفوت

“استغفر الله العظيم يارب.”

رددها عدة مرات شاغلًا ذاته بذكر ربه منقذه الوحيد مما هو فيه الآن…

*****************

قرب منتصف الليل وبعد نوم الجميع وذهاب كلا منهم إلى غرفهم..تواجدت “وعد” هي الأخرى داخل غرفتها تحديدًا فراشها تتأهب للنوم…الذي رفض زيارة جفونها..مما جعلها تتأفف وتعنف نفسها لتفكيرها به وعدم اتصاله بها مرة أخرى…

“بطلي بقى تفكري فيه السافل ده..أن شاءالله عنه ما اتصل هتموتي يعني لو متصلش وسمعتي صوته”!!!

هكذا قالت تحاول إقناع ذاتها وإخراج صورته..صوته..من مخيلتها و…. قلبها.

تقلبت محاولة النوم مجددًا…ثوانِ… دقائق…حتى انتفضت عن الفراش..وسؤال واحد يدور بذهنها وترغب في معرفة إجابته في الحال..ولن يجيبها على هذا السؤال ويرضي فضولها سواه

“لماذا تزوج بها هي تحديدًا، ما الذي رأه بها وجذبه نحوها؟ أم أنه تزوج بها دون أسباب تُذكر فقط يرغب بتأسيس أسرة وهي من تواجدت أمامه”؟؟؟

شغلها وتلهفت لمعرفة الجواب..مما جعلها تنهض منتشلة هاتفه مبدلة ملابس النوم التي ترتديها لاخرى من بنطال قطني واسع، ومعطف طويل اسود اللون…عاقدة خصلاتها للخلف..تاركة غرفتها..

خرجت للحديقة وهي تحاول الاتصال به…مرت من البوابة ومحاولتها مستمرة لا تبالي بأمر البواب الذي حاول منعها فلم تصغى إليه…وتابعت سيرها حتى وصلت للمكان التى اعتادت لقاء أشرف به..واقفة أسفل الشجرة التي سبق لها الوقوع من أعلاها عندما تسلقتها…

احتلت البسمة وجه “أشرف” وهو يرى محاولاتها مرارًا وتكرارًا للوصول إليه، مغمغم بظفر وتوعد ماكر:

-انا هأدبك عشان تقفلي بعد كدة في وشي كويس اوي..

أطلق صفيرًا خافضًا متلذذًا من فوه…منتظرًا ثواني حتى أجاب عليها…فيكفيها هذا القدر..

-نعم عايزة إيه؟!

-كل ده يا أخي عشان ترد!!

قالتها من بين أسنانها فأجاب بملل ولامبالاة:

-مش فاضيلك..فإنجزي وقولي عايزة إيه؟

-اخرجلي انا مستنياك في المكان بتاعنا..عايزة أسالك سؤال مهم مش هينفع على التليفون…يلا..

اكفهر وجهه وصاح بها بشراسة غاضبًا..مشتعلًا من خروجها في هذا الوقت:

-نــعــم يختي أنتِ عارفة الساعة كام…ازاي تخرجي من بيتكم في الوقت ده..ارجعي البيت يا وعد…

-بس أنا

قاطعها بشراسة وقسوة تضاعفت:

-بقولك ارجعي البيت و

وفجأة استمع إلى صوتها الذي بات مكتومًا مستغيثًا وكأنه أحدهم يكممها ويمنع صوتها من الخروج…

هوى قلبه وشعر بالقلق حيالها ولسانه يهتف حروف اسمها:

-وعــــد…بت يا وعــــد.

لم تجيب مما زاده رعبًا واندفع راكضًا للخارج كي يطمئن عليها…

وصل للمكان المنشود فوجده خاليًا لا يتواجد به أي أثر لها…

تلفت حوله برعب عليها وسقط بصره بتلك اللحظة على هاتفها الساقط على الأرض…….

يتبع.

فاطمة محمد.

رأيكم وتوقعاتكم.❤️💫

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية كارثة الحي الشعبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق