رواية كارثة الحي الشعبي الفصل الأربعون 40 – بقلم فاطمة محمد

رواية كارثة الحي الشعبي – الفصل الأربعون

الفصل الأربعون

الفصل الأربعون

تفاعل حلو يا بنات ومتنسوش الفوت وتوصيل الفصل لـ ٦٠٠ فوت زي كل فصل 💜💜

***************

أنظر جيدًا.

كارثة الحي الشعبي.

فاطمة محمد.

الفصل الأربعون:

دخل “زاهر” المنزل بخطوات سريعة، ثائرة..متجهه نحو الدرج..

ساخطًا

مما حدث و موافقة أبيه على هذا الزواج… ولذلك ظل

صامتًا

طوال الطريق… يفضل الصمت كي لا يحدث ما لا يحمد عقباه……

وعندما أوشك على صعود أول درجة من السلم

اوقفه

صوت “منتصر” البارد العالي:

-زاهـــــر..استنى لازم نكلم.

كان يولية ظهره لم يرى ما يظهر عليه وما يشعر به من شعور قد تخطى الغضب..فقط كل ما يدركه

ويعلمه

جيدًا أنه غاضب..

حاول…وحاول…وحاول حتى لا يجيب ويتحدث ويدخل

بمشاحنة

مع والده لكن لم يستطع وفشل.. التفت إليه بجسده حتى بات

بمواجهته

متحدث باهتياج مفرط

ملوحًا

بيده في وجه أبيه:

-نكلم في ايه.. انت عارف انت عملت ايه..احنا بدل ما

نقتله

ونشرب من دمه هو وبنتك **** اللي فوق دي…وافقت الراجل أبوه الخرفان على كلامه…

رد الآخر ببرود

استثار

اعصابه تلك المرة:

-وفيها ايه؟؟؟

رد باهتياج مضاعف و وجهه قد بات احمر من شدة السخط مما

وُضع

فيه:

-هو أنت عايز تجنني….واحد *** وعرفت أنه بيكلم بنتك..و روحنا عشان نطلع ***** ويبعد عن البت… تقوم توافق أنه

يتجوزها

…البت صغيرة…انت مستوعب دي كام سنة…

لم يبالي بحالته

وارتسم

المكر على ملامحه يجيب بنبرة ذات مغزى:

-اختك مش صغيرة..والواد

ومديت

ايدك عليه

واتعاركتوا

…وابوه قال إنه هيجي ويتقدم

وهيناسبنا

اقوله لا؟

بدأت ملامح ابنه بالاسترخاء تدريجيًا..فتلك النبرة يحفظها عن ظهر قلب…وتلك

اللمعة

الخبيثة بعيناه أيضًا يدركها…فقال

بترقب

:

-انت بتفكر في ايه؟؟ انا مش فاهمك؟

أجابه ببسمة

لعوبة

:

-عشان غبي..

مبتشغلش

مخك… الجوازة دي هتبقى في مصلحتنا…انت عارف ابوه غني إزاي؟؟ أنت عارف اننا بكدة ممكن ندخل شركا معاهم في المطعم..اللي اساسا كان المفروض يبقى بتاعنا لولا *** صاحبه اللي باعه لهم…بطل عصبية

وتهور

وشغل دماغك..احنا اللي

هنستفاد

من الجوازة دي مش هما..

***************

دفع “محمد” جسده أعلى المقعد بعدما قام بإشعال التلفاز الصغير ذو الألوان المتداخلة…وبين يديه جهاز التحكم

مقلبًا

محاولًا العثور على فيلم ما يشغل ذهنه عن تلك

المعتوهة

التي فقدت ذاكرتها…وتبدل حالها ملزمة الصمت تتابعه بأعين

كالصقر

..

استقر أخيرًا على فيلم مصري كوميدي..زفر بصوت مسموع

سارقًا

نظرة نحوها مما جعلها تبتسم له…

لعنها

في سره وعاد يطالع التلفاز…

التوى

ثغرها ببسمة

لعوبة

فقد لزمت الصمت لوقت كافي والآن

ستعبث

معه وتجعله

يچن

….

اخفت

بسمتها بمهارة ورسمت

البلاهة

مغمغمة بتساؤل برئ:

-انت

مقولتليش

يا جوزي اسمك إيه؟؟

ورابطني

ليه هو أنا

مزعلاك

…اكلت ورك الفرخة منك؟؟ ولا

يكونش

كلت صدرها وانت بتحبه عشان كدة

ربطني

وبتعاقبني

صك على أسنانه وبدون أن يحرك رأسه أو يناظرها كان يجيبها بجفاف:

-أنا مش جوزك…واسمي محمد..

واخرسي

بدل وديني اقوم

واخرسك

أنا…

ابتلعت

لعابها

واستجابت

له مزيفة متابعتها للفيلم…ومن حين لاخر كانت

تسترق

النظر إليه وهو يلاحظ

اندماجها

التام مع الفيلم…لا يدري بما يدور بعقلها وما تنوي عليه…

جاء فاصل إعلاني بعد دقائق فصاحت تنادي عليه:

-مـحـمـا….مـحـمـا…يا مـحـمـا….واد يا مـحـمـا….

انفجر بها مجيبًا عليها بنبرة حانقة مشتعلة:

-عايزة ايه من زفت..وايه

محما

دي..اسمي محمد…

انكمش وجهها بخوف ليس حقيقي، تجيب عليه:

-طيب ممكن ادخل الحمام يا مـحـمـا…قصدي يا محمد…

ضيق عيناه يفكر جيدًا فيما عليه فعله معها…

أيحرر

قيدها ويسمح لها بدخول دورة المياة… أم يرفض ذلك فمن المحتمل أن تحاول الهروب مرة أخرى!!

هنا ولاحت بسمة طفيفة على ثغره

يغمغم

مع ذاته:

-تهرب تاني إيه..دي مش فاكرة إسمها..

وفكراني

جوزها…انا هخليها تخش ولما تخرج

هربطها

تاني..

وأثناء تفكيره مع نفسه كانت تجوب بعيناها عليه تحاول استنشاف ما يفكر به ويدور

بخلده

الآن…

نظر بعيناها

فأرخت

ملامحها على الفور كي لا تثير الشكوك بداخله..مراقبة

نهوضه

من مكانه

واقترابه

منها يحل لها تلك العقدة الذي عقدها بقوة وإحكام عن ذي قبل…

حرر يدها

فأبتسمت

متابعة تمثيلها:

-يالهوي..ده ايدي وجعاني بشكل..

رمقها

بحنق وهو يعود يجلس محله مشيرًا

بحدقتاه

نحو قدمها، مغمغم بحدة:

-فكي رجلك لنفسك..وقومي خشي الحمام اهو…

انتهى مشيرًا لها صوب المرحاض

فعلقت

وهي تحرر قدماها بسعادة غير ظاهرة له:

-ما هو واضح أنه اهو..ده مفيش غيره..ده حتى مفيش مطبخ…هو أنا للدرجة دي بحبك..عايشة معاك في خرابة…

حدقها

بنفاذ صبر فهي تصر على أنه زوجها رغم نفيه لهذا..وقبل أن تنهض كانت تلقي عليه السؤال الذي سبق لها أيضًا طرحه مرارًا

وتكرارًا

:

-مش

هتقولي

برضو

رابطني

ليه..الفضول

هيموتني

يا مـحـمـا….

ماله

بنصفه

العلوي للأمام قليلًا بعد أن تبدلت تعابيره مغمغم بشر دب الرعب بها:

-قسمًا بالله لو ما

بطلتي

لت هكون رابطك تاني ومفيش خرا حمام..

-لا وعلى ايه

خرست

اهو…عن أذنك..

تركته

والجة

دورة المياة

غالقة

الباب خلفها بإحكام..وعلى الفور ودون تمهل بدأت تجوب عيناها تبحث عن أي شيء قد يساعدها

وينقذها

مما هي فيه..

ففرصتها

قد جاءت وتم فك قيدها ولن

تجلعها

تضيع وتعود مقيدة مرة أخرى…

سقط بصرها بتلك اللحظة على دلو فارغ من الماء….ضاقت عيناها

ولمعت

ببريق مريب وهي تنحني

لمستواها

تغمغم

بخفوت:

-حلو ده..وينفع

هبطحه

بيه على

نفوخه

ابن المضايقة…

نهضت

واعتدلت

وقام بفتح صنوبر المياه

فأصدرت

صرخة وهي تردف بصراخ تستنجد به:

-يالهوي..الحقني يا محمد…..يا

محما

الحقني…..الحنفية انفجرت في وشي…

والماية

بتغرقني

..

نهض

يتأفف

مقتربًا من الباب..حاول فتح الباب فوجدها مغلقة إياه من الداخل فقال

يحثها

:

-طب افتحي يختي..افتحي..

اتفتحت

دماغك…

وبالفعل فتحت له وقبل أن يستوعب أي شيء..وبحركة مباغتة كان تصدم وجهه بذلك الدلو التي وجدته بالداخل…

شعر بالالم يغزو رأسه وقبل أن يستوعب ما حدث كانت تكرر فعلتها بقوة وعدة مرات متتالية…لا تفكر بأي شيء سوى الخلاص منه…مسببة في شعوره بالدوار و

ترنحه

….لا يشعر بأي شيء من حوله..حتى الرؤية باتت مشوشة..ولا يستطع الوقوف على قدميه….كما سال خط رفيع من الدماء من رأسه…

استغلت هذا..ودفعت الدلو من يدها متجهة نحو

الاريكة

الذي كان

يجلسها

عليها وأتت بتلك الحبال تنوي ربطه

وتقيده

مثلما فعل معها..وساعدها على هذا هو ألم رأسه من

ضرباتها

القوية المتكررة الغير متوقعة الذي لم يستطع تفاديها…….

-أنا

هوريك

يا ابن الكلب..ده انا

هعذبك

..هعمل من

فخادك

شاورما… وبعدين مش قد الخطف

بتخطف

ليه يا أهبل يا بن

الهطلة

..

*******************

-بسرعة شوية يا عم….

ردد أشرف كلماته بنبرة حادة

منفعلة

مصوبًا إياها لأخيه الذي يقود بأقصى سرعة..

رد جابر وهو ينظر له نظرة خاطفة من خلال المرآة:

-صدقني لو في اسرع من كدة انا مش

هتأخر

صك أشرف على أسنانه ونظر لذلك القابع جواره والذي

جلبوه

معهم بعدما اخبرهم بمكانه

رافضًا

تركه خوفًا من أن يصل إلى صديقه ويخبره بما حدث……

مستفسرًا

منه بنبرة مشتعلة تحمل بين طياتها الكثير من الغضب:

-قولي بقى

الـ

**** عرف منين انها

هتخرج

في الوقت

وخطفها

ازاي؟

ابتلع ريقه يبل حلقه الجاف من شدة الخوف والرهبة مما هو قادم، يخبره بالحقيقة كاملة:

-مكنش يعرف..احنا اتفقنا أنه يراقب البيت من بعيد..وكنا

ناويين

فعلا على خطفها..

وحظها

المنيل انها طلعت في الوقت ده..هو اول ما شافها

ولوحدها

محبش

يضيع الفرصة

وخدرها

وحطها في العربية وطار بيها على المكان بتاعنا….

تبدلت تعابيره لاخرى

مشمئزة

منه ومن صديقه، مغمغم:

-ومبسوطين عشان

بتتشطروا

على واحدة

وبتخطفوها

؟ يعني مش

مكفيكم

انكم

بتسرقوا

وبتاكلوا

وتشربوا

وتعيشوا

بفلوس حرام..عايزين

تكملوها

..قولي هتقابلوا ربنا بأنهي وش؟؟؟

أدار الشاب الذي بدأ بالعمل مع محمد منذ شهر ونصف تقريبًا… رأسه بعيدًا عنه ولزم الصمت لا يجيب عليه…فأضاف أشرف بتوعد واعين قاتمة:

-ادعي ربنا أن صاحبك ميكنش آذاها ولا لمسها.. عشان لو ده حصل مش هسمي عليكم…

بتلك اللحظة خرج صوت جابر يستفسر من الشاب بصرامة:

-اخش اليمين اللي جاي ولا اكمل طوالي ياض؟؟

رد عليه بأعين تتفحص الطريق:

-لا خليك طوالي…

زفر أشرف ونظر من النافذة الزجاجية يشعر بوجزة تغزو جنبات قلبه…مستشعرًا ذلك الفراغ الذي تركته طيلة اليوم..وكيف يشتاق إلى صوتها…ومشاكستها معه…. أغمض عيناه يعتصرهم فكل ما يأمله هو رؤيتها والتأكد من سلامتها.

كرر جابر فعلته وحدق بأخيه من خلال المرآة فوجده مغمض الجفون والألم والأسى من أجلها ومما حدث معها ينعكس عليه ويستطع أي أحد معرفة ما يدور معه..

تضايق من أجله وصاح يطمئنه:

-متقلقش يا أشرف هنوصلها وهننفخ ابن الكلب ده وهندمه على اللي عمله.

بعد وقت وصلوا أمام البناية..ترجل أشرف واسرع نحوها مستمعًا لسرد الشاب عن الطابق المتواجدون به..تاركًا اياه لأخيه…فهرول جابر هو الآخر يلتقطه من تلابيبه يسحبه من خلفه يلحق بأخيه الأكبر….

وصل أشرف بأنفاس لاهثة..متسارعة… أمام الباب..كذلك وصل جابر والشاب…وبدون تردد أو تفكير كان يرفع قدميه ويركل الباب ركلة قوية جعلته ينفرج من المرة الأولى…

وطأ للداخل بقلب متلهف ملتاع واعين تشتاق لرؤيتها..وعلى الفور تسمر وثلجت اطرافه وهو يرى ذلك المشهد أمامه……

فقد كان محمد ساقطًا على الأرض مقيد الأيدي…و وعد بجواره تقيد قدميه…

كذلك وقعت عين جابر وصديق محمد وصدموا مما يروا أمامهم…فقد انعكست الآية وهي من تقيد الخاطف…

كيف فعلتها؟؟؟ ومن أين جاءت بتلك الجرأة والشجاعة؟!!!

اتسعت عيناها وتهلل وجهها فرحًا تاركة ما تفعله…ناهضة من مكانها مقتربة من أشرف المصعوق مناديه إياه بلهفة:

-أشرف…أخيرًا جيت..شوفت ابن الكلب الحرامي ده عمل فيا ايه…بس انا مسكتش…بص ربطته ازاي..

تمالك ذاته..وخرج من تلك الحالة ينظر إليها تارة ثم إليه تارة اخرى، قائلًا باستفسار:

-أنتِ كويسة؟؟

كادت تجيب وتخبره بسلامتها لولا صوت جابر الذي خرج ساخرًا:

-أنتِ كويسة إيه؟؟ هو انت بتسألها هي..انت المفروض تسأله هو…

انتهى يطالع محمد الذي بدأ يستوعب ويعود لوعيه، يسأله بمرح:

-انت كويس ياض؟ كلت دراعك ولا حاجة؟؟

انفعلت وعد وصاحت تبرر وتقص ما حدث بسعادة كالأطفال:

-انت بتتريق..ده كان رابطني ده..وبيكتم صوتي..وبطحنى بالفاظة…

بس انا مسكتش اشتغلته و وهمته اني فقدت الذاكرة وخليته فكني عشان اخش الحمام..وانا في الحمام لقيت جردل..قومت عملت ايه بقى؟؟

رد جابر بذات المرح، وأشرف يقف مصدوم لا يحيد عيناه بعيدًا عنها:

-ايه بقى؟؟؟؟

تابعت بمرح مماثل له:

-قعدت اصوت كأن الحنفية باظت والماية انفجرت في وشي…و اول ما فتحتله قومت قعدت اديله بيها خليته مش ملاحق لحد ما بدا يدوخ ومش قادر يعمل حاجة..وزي ما انتوا شايفين…

أشارت مع قولها الأخيرة إلى محمد، فقام جابر بالتصفيق لها على الفور مطلقًا صفيرًا عاليًا:

-الله عليكي يا بت….

ثم مال على أشرف يهمس له:

-خاف على نفسك دي ولية قادرة..والله يرحمك مقدمًا كنت طيب والله…..

ضيقت عيناها تتساءل بشك:

-انت بتقولوا إيه؟؟

رد كاذبًا:

-يحطك في عينه..بقوله يحطك في عينك..ده أنتِ لُقطة…

ابتسمت باتساع وتلاقت عيناها مع اشرف…مطت شفتيها وهمست مع نفسها:

-هو ايه مش هياخدني بالحضن..ولا هيقولي حمدالله على السلامة؟!!!!

هنا وقال لها أشرف متنهدًا براحة ويده تغوص بخصلاته:

-حمدالله على السلامة يا زوجتي العزيزة.

ابتسمت له مضيفة بتساؤل:

-طب والحضن؟

لانت ملامحه مغمغم بتعجب مما تتفوه به:

-نعم؟؟

أجابت من بين أسنانها:

-نعم الله عليك..يلا عشان ناخده نسلمه للبوليس..

اماء محمد المتألم يوافق على هذا الاقتراح:

-وانا موافق بس اخلص منك…منك لله يا أشرف…حسبي الله ونعم الوكيل فيك وفيها.

نظرت اليه وتحركت راكلة إياه بجوفه:

-متغلطش فيه يا جزمة وانا واقفة…

دنا منها أشرف وحاوط كتفيها يبعدها عنه..فانتبهت هنا لذلك الغريب الذي يطرق رأسه ويقف جوار جابر الممسك به بإحكام:

-ده مين ده كمان؟!!

*******************

رآها “خليل” بطرف عيناه وهي تنهض وتتحرك…تبتعد عنه وعن الجميع..رُبما ترغب في الاختلاء بذاتها واستكمال وصلة بكائها على صديقتها واقربهم إليها…

أطرق رأسه وظل يطرد فكرة النهوض ورائها والحديث معها..فلا يجوز له فعل هذا..

لكن ماذا يفعل فالقلب يريد والعقل يأبى!!

أنهى هذا الصراع ناهضًا خلفها مُلبيًا نداء قلبه الذي لم يتحمل صوت بكائها ونحيبها داخل أحضان والدتها اليوم…

ذلك القلب الذي فضح آمره أمام شقيقه وجعله يحدق بها بأعين وملامح متأثرة بحالتها…

متمنيًا لو كان بيده ازاله كل هذا الألم عنها..ومسح دموعها بأنامله…وتلاوة بعض من الآيات قرآنية علها تهدأ لها روعها وتبثها الطمأنينة.

هز رأسه كمحاولة منه لطرد كل تلك الأفكار الذي لا يصح له التفكير بها….

اوقفها صوته مناديًا عليها:

-آنسة فجر…

توقفت ملتفته إليه تناظره بعيناها الباكية فقد كانت ذاهبة كي تبحث عن القط العائد لوعد..فتحاشى هو تبادل النظرات معها..أو التحديق بحدقتاها مباشرة..

مطرقًا رأسه قليلًا ينظر بالفارغ من أمامه..مستمعًا لاستجابتها على هتافه بصوتها الباكي المتحشرج:

-نعم؟

انعقد لسانه وكأن أحدهم يمسك به ويرفض تركه..الحروف والكلمات باتت ثقيلة كما لم تكن من قبل…تسلله الحرج وتساءلت مرة أخرى فهي لم تقابل سوى السكون:

-نعم يا أستاذ خليل..

وأخيرًا رد يرفض هذا اللقب:

-خليل بس..بلاش استاذ دي..

هزت رأسها بهدوء ولم يخرج صوتها..فقط اقتطفت نظرة نحوه ثم ابعدت بصرها هي الأخرى…

ابتلع غصته العالقة وندم على تلك الخطوة التي لم تكن سوى تهور واندفاع…

تحدث بصعوبة ونبرة يشوبها التوتر:

-كنت عايز بس اقولك أنه و

لم يكمل فقد قاطعه تلك الأصوات المهللة التي آتت من البقية..

لم تنتظر فجر وهرولت نحوهم من جديد كي ترى سبب أصواتهم العالية الفرحة….

فوجدت أمامها ثراء وهي تهلل وتحتضنها:

-اشرف لقى وعد يا فجر…هيسلموا اللي خاطفها للبوليس وبعدين هيجوا……

********************

جاءت مهرة رفقة عائلتها لزيارتهم فأدركوا ما حدث وعاتبتهم على عدم اخبارها بتلك المصيبة التي حلت عليهم…..

كذلك مضى الوقت سريعًا وجاءت وعد رفقة أشرف وجابر بعد أن قاموا بتسليم محمد وصديقه وأدلت بما حدث معها..

أما عن أسرتها فأستقبلوها بحرارة.. وكانت “رحمة” و “أيهم” بالصدارة… ثم باقي العائلة…وعائلة سلطان.

كذلك لم تستطع الفتيات كبح دموعهم من رؤيتها وعودتها لهم بعد تلك الساعات التي مرت كالأعوام عليهم…

خرج صوت رحمة بعدما حررتها من أحضانها محتضنة وجهها بكفها تخبرها:

-أنتِ خسيتي و وشك مصفر ولا أنا متهيألي…

ما لبثت أن تجيب حتى رد جابر بدلا عنها:

-لا متهيألك يا طنط..دي وشها رادد ومنور عننا…دي دخلنا عليها لقيناها بتكتف في الواد ولا اجدعها راجل بشنبات…قال وأشرف طول الطريق قلقان عليها وعمال يقول للواد لو أذاها ولا لمسها هعمل واسوي..

اتسعت عين البعض وصدموا مما تفوه به جابر…فصاحت روفان تتساءل بترقب:

-الكلام ده بجد يا وعد؟؟

اتسعت بسمتها كاشفة عن أسنانها تخبرهم بفرحة:

-جد الجد…ده انا جننتوا…وهو ابن حرام ويستاهل..تعالوا نقعد واحكيلكم كل حاجة…بس الأول قولولي في اكل إيه أنا جعانة أوي..

مسدت رحمة على خصلاتها بحنان تستفسر منها بحنو:

-عايزة تأكلي ايه..اللي نفسك فيه هعملهولك…

ابتلعت ريقها..مبللة شفتيها بتوق واشتهاء للطعام، قائلة:

-أنا عايزة اكل فسيخ وبصل وابلع بحاجة سقعة..وكمان أنا اللي افسخ الفسيخ محدش غيري…..

انتهت من كلماتها لتجد القط يهرول نحوها ماسحًا بجسده بها يشتاق اليها…فمالت تحمله وتقبله قبلات عديدة…

لوت دلال شفتيها وهمست لزوجها:

-دي بتبوس القط…الله يقرفها..

علق سلطان بحنق وسخرية:

-طب ما تبوسه..مش احسن ما تبوس ابنك..وتنطي في كرشها..

*********************

دخلت وعد المطبخ ومعها كلا من فجر..ثراء..تاليا…وسديم..بينما بقى البقية بالخارج… بعضهم يتسامر..والبعض الآخر شارد…

حيث سرحت “وئام” بذلك الجالس جوارها مباشرة وما فعله معها اليوم من وقوف بجوارها وتهوين عليها في شدتها ومصيبتها..

تبسمت شفتاها..ومالت عليه قليلًا تهمس له:

-ساكت ليه ومش بتكلم معايا ؟

رد عليها بفتور وجفاف يناقض ما فعله منذ ساعات:

-مش عايز اتكلم معاكي..انا حر.

عقدت حاجبيها وتلاشت بسمتها، متمتمة بدهشة:

-ايه ده مالك؟؟

نظر لها تلك المرة..نظرة حملت بين طياتها العتاب..والضيق..مجيب بذات النبرة:

-واضح أنك نسيتي اللي انتِ عملتيه وقولتيه..وافتكرتي اني عشان اتكلمت معاكي وهزرت يبقى أنا نسيت.. أنا منستش يا وئام..انا عملت الصح واللي كان لازم يتعمل..واظن دلوقتي كلامي معاكي مفيش منه فايدة…

زاد انعقاد حاجبيها وعلقت بانفعال خافض:

-هو انت عندك انفصام..شوية تهزر وتضحك وتحضني..وشوية تقلب وشك في وشي..وبعدين أنا عملت ايه لكل ده..دي صورة وشلتها…متكبرش الموضوع يا عابد و

قاطعها مغمغم بقوة متذكر كلماتها:

-معلش اصلي متخلف ورجعي..استحمليني وتعالي على نفسك شوية.

*********************

-بقولك إيه..هو أنا مش جوزك؟

تلفظ “نضال” كلماته هامسًا لـ داليدا الجالسة بجانبه..

اماءت له، تجيب عليه بذات الهمس كي لا تصل كلماتهم لأحد:

-اكيد..هو انت بتسأل يا نضال !!

-حلو يعني إحنا معترفين كدة اني جوزك..يلا بينا بقى على بيتنا..

قالها وهو يمسك يدها، يحثها على النهوض معه والمرح ياخذ مساره على وجهه…انكمش وجهها وانتشلت يدها من فعلته العفوية التلقائية امام الجميع..قائلة من بين اسنانها..

-انت بتعمل إيه…بابي لو شافك هيبهدلك.

-لا ده انا كاتب عليكي ودافع…وأنتِ بعضمة لسانك لسة قايلة انك مراتي..يلا بقى..

لم تستطع كتم ضحكتها..وخرجت منها لتصل إلى البعض..

فقال نضال بنظرات مشتعلة وغيرة نهشت به نهشًا:

-ايه يا بت ده اكتمي هشش…

وضعت يدها على فمها تحاول التوقف..لكن كان الوقت قد تأخر وانتبه مروان الذي سبق له رؤيته لـ نضال وهو يحتضنها وهي تضع رأسها على كتفيه…

جابت عيناه يبحث عن سليم فلم يجده هو أو سلطان..او إياس…مط شفتاه ونهض من مجلسه وتقدم منهم واقفًا أمامه قائلًا بضحكة سمجة ويده تشير له حتى يفسح له:

-قعدني يابني الله يخليك..رُكبي نقحة عليا.

لم يتحرك من مكانه يجيب على مروان بسخرية:

-لا الف سلامة..بس حضرتك كنت قاعد يعني..

رد مروان وهو يجلس عنوة ورغم عن انف نضال مجبرًا اياه على التنحي والتنازل عن مجلسه:

-لا ما أصل هنا بذات الوجع بيخف ويتبخر…

والآن بات يجلس بالمنتصف والبسمة العريضة على وجهه سعيدًا بما فعله…

لم يتحمل نضال هذا وقال بغيظ:

-هو حضرتك طلعلي في البخت ليه هو انت حمايا…

وأبو داليدا وانا معرفش ولا ايه؟؟

-لا يا اخويا عمها وفي مقام ابوها وبلاش طولة لسان..بدل والله ابوظلك الجوازة…

ضم شفتاه وهو يرغب بالانفجار..تحركت عيناه حتى سقطت على عابد و وئام الجالسان بجانب بعضهم البعض..

فقال بصوت وصل إلى مروان:

-على فكرة بقى ده ظلم..عشان أنا جنب عابد ملاك بجناحين..عابد ده نسوانجي قديم..ميفرقش عن جابر توأمه حاجة…أسالني انا..انا شاهد على كل قذرواته ومغامراته النسائية..

حدق مروان بـ عابد بنظرة متفحصة شملت رأسه حتى قدميه..فوجده ينشغل بالحديث مع خليل ولا يعري ابنته اهتمامًا..ابتسم سعيد بما يراه معلق بدفاع مستميت:

-اخرس يا قليل الأدب انت فاكره زيك..مش شايفه قاعد محترم إزاي…وبعدين أنا مش عيل صغير..انا صايع قديم من نظرة واحدة اعرف الفلاتي من المحترم..وانت فلاتي..وجابر فلاتي اكتر منك..جوز بنتي حبيبي..وأشرف وخليل محترمين مش زيكم…

رد نضال بنفاذ صبر:

-يعني مش هتقوم وتخليني اتكلم مع البت شوية ده انا زي جوزها حتى؟؟

-لا..

قالها مروان فـ مال نضال للامام ينظر لـ داليدا فوجدها تضحك وتضع يدها على فمها تخفي ضحكاتها المكتومة…برز فكيه مغمغم:

-ده انا هنفخك كالبالون… اضحكي كمان..عايزة تضحكي أوي..

وافقه مروان، هاتفًا:

-تعيش وتضحك اضحكي يا بت…وانا هضحك معاكي..

*******************

حك “أشرف” مؤخرة رأسه وهو يلج إلى المطبخ..رأته “ثراء” اولًا فصاحت بابتسامة هادئة:

-عايز حاجة يا أشرف؟؟

وقعت عينه على وعد التي كانت تقف أمام رخامة المطبخ وأمامها “الفسيخ” تنظفه وتُعده كي يصبح جاهزًا للالتهام…

والتي التفتت كي تراه ما أن تناهى إليها اسمه..

رد عليها وهو يتقدم من زوجته:

-لا عايز وعد في كلمتين بس..

وبالفعل دنا منها ينصت إلى كلماتها:

-تعالى يا اشرف…يا أشرف تعالى…

تعجب من طريقه حديثها وتحدث بهدوء وحرص كي لا تستمع الفتيات إلى الحديث الدائر بينهم:

-في ايه..ايه اللي تعالى يا أشرف..يا أشرف تعالى.

سرقت نظره نحوهم تتأكد من انشغال الجميع بالتحضير وتنظيف ما بيدهم، قائلة:

-اخدت بالك وانا بقولك أشرف قدامهم..أصل اشف بتزعلك..

حرك رأسه بيأس فتابعت بلامبالاه:

-المهم اتفرج عليا وانا بنظف الفسيخ..واتعلم..

-وماله…عارفة يا وعد انا حاسس اني عملت حاجة وحشة في دنيتي دي..وأنتِ عقابي..

اكفهر وجهها وقالت بعتاب:

-كدة يا اشرف..تصدق زعلت.

ابتسم بسمة خطفت لُبها، وأضاف:

-لا متزعليش..ما أنتِ عقاب مش وحش اوي برضو…

ردت بمشاكسة:

-وهو فيه عقاب حلو اصلا..ده حتى اسمه عقاب..ولو حلو مش هيتسمى كدة..انت كلامك مش مفهوم ليه ويلخبط ليه..انا متلخبطة لوحدي..

لزم الصمت وتابعها للحظات يغفل عن الفتيات المتهامسون عليهم..متحدث بتعجب:

-أنا اول مرة أشوف واحدة كانت مخطوفة اول ما ترجع تقف تنظف فسيخ..

أجابته وهي تراقص حاجبيها:

-نحن نختلف عن الآخرين…

-لا ما ده واضح..قوليلي ايه هو السؤال المهم اللي مكنش ينفع على التليفون وخرجتي في الوقت ده وعرضي نفسك للخطر عشان تعرفي إجابته يا مجنونه..

توقفت أخيرًا عما تفعل متذكرة تلك الاستفسارات التي دارت بذهنها وقتها..

رفعت حدقتاها وتطلعت به تخبره بنبرة هادئة ناعمة لامست قلبه وحركت به شيء ما :

-عايزة أعرف اتجوزتني ليه؟؟ يعني ليه انا بالذات..هل عشان تريح اهلك ومترفضلهمش طلب ولا………انا كـ وعد فيا حاجة شدتك ناحيتي..؟؟؟ كمان عايزة اعرف حسيت بـ إيه لما اتخطفت..خفت عليا ولا لا يا أشرف؟

يتبع.

فاطمة محمد.

رأيكم وتوقعاتكم. ❤️💫

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية كارثة الحي الشعبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق