رواية كارثة الحي الشعبي الفصل السادس والثلاثون 36 – بقلم فاطمة محمد

رواية كارثة الحي الشعبي – الفصل السادس والثلاثون

الفصل السادس والثلاثون

الفصل السادس والثلاثون

تفاعل حلو بقى وفوت حلو برضو زيكم و بطلوا كسل هتكسلوني😂💜

*******************

أنظر جيدًا.

كارثة الحي الشعبي.

فاطمة محمد.

الفصل السادس والثلاثون:

دخلت المطبخ الخالي من الخدم والعمال لسوء حظها

ولانشغالهم

بترتيب العشاء

للمعازيم

بالخارج، مدت يدها ملتقطة كوبًا

فارغًا

،

ملئته

بالمياه على الفور، ثم

قربته

من فمها تروي جفافها….

تركت الكوب من يدها وتحركت تنوي المغادرة وما كادت أن تفعلها حتى وجدت أمامها من يعيق تحركها

ومغادرتها

..مبتعدة للخلف بطريقة عفوية تتفادى الاصطدام بصدره، مصدرة شهقة خافضة من ثغرها…

مستمعة

لاعتذاره

، ومتابعة

لعيناه

التي كادت

تلتهمها

التهامًا

:

-انا آسف لو خضيتك.

شعرت بالحنق من نظراته التي تسير عليها ببطء شديد ولم تستطع التعرف عليه ولم تهتم لهذا، متمتمة بضيق واضح:

-ممكن تتحرك عايزة اخرج !

ارتكزت

حدقتاه

مع حركة شفتاها،

وغزت

الكثير من الأفكار الشيطانية رأسه، معلقًا بوقاحة:

-ليه بس الاستعجال ده..وبعدين أنا عايز أعرف أنتِ مين؟

نفذ صبرها، وعلقت بعصبية واضحة:

-وانت مالك انا مين، هو أنا سألتك أنت مين، وبعدين انت داخل هنا تعمل ايه؟؟

رد بصراحة

وفظاظة

:

-طب ما

تسأليني

، هو انا اطول

اجاوبك

؟!..ولو عايزة تعرفي بعمل ايه هنا فمش هكدب عليكي وهقول الصراحة اصل الصراحة راحة زي ما بيقولوا…

صمت يتابع ملامحها التي تتحول للغضب أكثر فـ اكثر، مضيفًا وهو يقترب خطوة واحدة منها:

-أنا شوفتك وأنتِ

بترقصي

وبصراحة كنتي فظيعة

خلتيني

مش عارف أشيل أو ابعد عيني عنك، وكان نفسي ومنى عيني تبعدي عشان نعرف نتكلم ونتعرف، قوليلي اسمك إيه؟

و رغم خوفها الذي تغلغل إليها من نبرته ونظراته إلا أنها كانت على يقين تام بأنه لن يستطع فعل شيء معها، فهي بالنهاية بمنزلها و وسط أهلها، استجمعت كافة قواها مجيبة بوقاحة ولسان سليط جديد عليها:

-نفس اسم امك.

اختفت بسمته لثواني ظنت بأنه قد يفعل بها شيء ولن يبالي أو يهتم لاحد، لكن تلك البسمة الواسعة التي غزت شفتاها جعلتها تدرك بأنها قد وقعت مع شخص

وقحًا

وفظًا للغاية..

مغمغم بإعجاب:

-يعني مش بس حلوة

وبتعرفي

ترقصي

لا ده أنتِ كمان لسانك طويل

وبتعرفي

تردي و

كاد يكمل لولا مقاطعتها له بقوة راغبة في الخروج والفرار من أمامه:

-ومش بس كدة وعندي ايد وبعرف أمدها، وفيه في رجلي جزمة عالية ممكن انزل بيها على دماغك يا

مهزق

أنت…ابعد بقى…

تفاقم إعجابه بها أكثر، وظهر هذا بعيناه بوضوح شديد، كاد يتحرك ويتقدم منها ويقلص المسافة التي تفرقه عنها راغبًا في معرفة اسمها وهويتها..

لكن هذا الصوت الذي جاء من خلفهم وكان يتضح اقترابه منهم أثناء حديثه

اغضبه

فقد قاطع حديثه معها ولكنه ساعده في معرفة اسمها…

-ثراء في ايه؟؟؟؟

وصل أمامهم وقبض

بقبضته

على قميصه وابتعدت هي للخلف تشكر ربها على تدخل أحد ومنع هذا الغريب عنها…مستمعة

لزمجرته

بشراسة في وجه هذا الوقح مخمنًا

مضايقته

لها فقد استمع

لكلماتها

الأخيرة معه:

-أنت مين يا روح امك؟ وبتعمل ايه هنا..وبضايقها ليه؟

حدقه

“زاهر” بنظرة شمولية قبل أن يجيب ببرود:

-وانت مال أهلك !!

فارت الدماء وتصاعدت

لرأسه

ولم

يتمهل

فقد جن جنونه بعد أن رآه يقف أمامها بمفردهم، عاد برأسه قليلًا للخلف ثم مال بها للإمام

ضاربًا

جبينه

بجبين

الآخر مما جعله يترنح ويغضب هو الآخر ويبدأ عراك ومشاحنة كلامية مليئة بالالفاظ الوقحة، وأخرى جسدية تتشابك بها الأيادي…

وقفت “ثراء” تتابع ما يحدث بين جابر وهذا الغريب وكل ما يدور

بذهنها

أن ما يحدث أمامها ما هو إلا مسرحية اتفق عليها معه مثلما فعل من قبل كي يتودد ويتقرب منها.

ولحسن حظهم وصل خليل الذي انتبه لذهاب “زاهر” وتابع خطواته بعيناه يشعر بعدم الراحة نحوه وعندما رأى أخيه يسير ذات الخطوات

اعتراه

القلق ونهض خلفهم..

تفاجئ خليل بما يحدث بين الاثنان و وقوف “ثراء” كالتمثال…

وما أن سقط بصرها عليه حتى رددت إسمه تطلب منه إبعادهم:

-خليل لو سمحت

ابعدهم

عن بعض..

لم ينتظر انتهاء جملتها وكان يفعل هذا بصعوبة واقفًا

بالمنتصف

بينهم ملتقطًا

بعيناهم

كرهًا

وتوعدًا متبادل، مغمغم بحنق:

-عيب كدة اللي

بتعملوه

ده..

قالها

للاثنان

ثم وجه كلماته لأخيه:

-عيب اوي كدة يا جابر الراجل ضيف وجاي يجامل اخواتك وابوك…

صاح “جابر” به وعيناه لا تنزاح من على غريمه:

-الضيف يبقى محترم ويحترم صحاب البيت، ولو محترم

هشيله

على دماغي، لكن اللي مش محترم زي حالاته وبيضايق في صحاب البيت يبقى

ملهوش

غير قلة الأدب اللي معنديش اسهل منها…

لم يعقب خليل والتفت برأسه نحو “زاهر”

يعاتبه

هو الآخر:

-حضرتك جاي تبارك

وتجامل

وكتر

خيرك، بس اللي بيحصل ده واللي انا مش عارف ايه سببه ومش عايز اعرف لانه

ميهمنيش

عيب

ومينفعش

ده لا مكان و لا وقت

للخناق

اتفضل معايا..

خرج برفقة زاهر الذي حدق بـ ثراء قبل أن يخرج مخبرًا ذاته بأن الأمر لم ينتهي بعد فتلك لم تكن سوى البداية فقط.

عقب مغادرة الإثنان لم يبقى سوى جابر و ثراء التي سلطت بصرها على جابر الذي بدأ يدور

كاليث

بأنفاس غير منتظمة بالمرة وهو يوليها ظهره….

التفت اليها بكامل جسده وتوقف عن الحركة وثبتت قدمه

بالارضية

من أسفله، تلاقت عيناهم لوقت ليس بالكثير..لم يقطعه سوى صوته الذي خرج متسائلًا يحمل من الغضب والنيران ما يكفي لحرق المكان:

-كان عايز منك إيه؟؟ وعمل معاكي ايه

ومتكدبيش

..اتكلمي…مد ايده عليكي؟؟ لمسك !!

هنا وابتعدت بعيناها وابتسمت بسمة جانبية ساخرة رافعة يدها

مصفقة

له بحرارة وعلامات الإعجاب تتشكل على وجهها، قائلة بأسلوب هزل ساخر:

-برافو…

حبكت

الدور لدرجة اني شوية وكنت

هصدق

فعلا أنك مضايق

ومتعصب

..انت مكانك مش هنا يا بني انت المفروض تمثل..اسمع مني وخد الخطوة دي هتبقى ممثل مشهور كمان…

اتخذت الدهشة مكانها على وجهه من كلماتها الغامضة الذي لم يفقه منها شيء، مردفًا بعدم فهم:

-أنا مش فاهم حاجة انا بكلم في ايه وأنتِ بتكلمي في إيه؟!!!

-بنكلم في شيء واحد والله أنت فاكر اني هبلة

وهصدق

التمثيلية دي اللي انت وهو متفقين تعملوها قدامي عشان حضرتك تبقى بطل وتكبر في نظري بعد ما أدخلت وضربت الشاب الوقح اللي

بيضايقني

، يعني نفس الغباء ونفس الحيلة القديمة… مينفعش جدد مش كدة !!

كذب ما تتفوه به

مدافعًا

عن نفسه باستماته:

-اللي أنتِ بتقوليه ده مش حقيقي انا معرفهوش وأول مرة أشوفه،

وبرة

عيني كانت عليكي شيلتها ثواني بس عشان كنت بكلم خالتي واول ما رجعت بعيني مكانك

ملقتكيش

وسبتهم

ودورت

عليكي

وسمعتك

وأنتِ

بتهزقيه

وعايزاه

يبعد عنك، المفروض كنت أقف اتفرج؟؟

لاح عدم تصديقها على قسماتها وقالت بذات السخرية:

-لا

متتفرجش

وشكرا يا رجولة..

قالت الأخيرة وهي تتحرك مارة من جواره كي تغادر..

تضايق وشعر بالحنق من اتهامها له والتقط

مرفقيها

متمسكًا

به، يجبرها على الوقوف أمامه

وجهًا

لوجه، مغمغم بصدق وقوة:

-بقولك معرفهوش ومش أنا اللي بعته افهمي.

رمقت

يده

الملتفة

حول

مرفقيها

فنفضتها بعنفوان وهي تعلق ببرود واستفزاز قبل أن تغادر:

-وانا قولتلك شكرا يا رجولة..

ومتمسكنيش

كدة تاني، بدل ما تلاقي صوابعي الخمسة نزلوا على وشك علموا عليه..

************************

غادر “زاهر” رافضًا الجلوس

معتذرًا

من خليل الذي تحرك نحو المطبخ كي لا يتبقى أخيه مع ثراء

ويضايقها

مرة أخرى…

لكنه رآها تخرج ورأى أخيه يخرج من بعدها ويتشكل عليه بوادر الغضب، رغب

بايقافه

والحديث معه فلم يسمح له وخرج من المنزل واقفًا بالحديقة يستنشق

هوائها

البارد لبعض من الوقت.

بعد وقت انقطعت الاغاني الشعبية وتوقف الجميع عن الرقص، يلتقطون أنفاسهم وكل منهم يتحرك نحو مقعده..

كما قامت “مريم” بالاقتراب من شقيقتها “رحمة” تخبرها:

-الدهب

بتاعهم

فين يا رحمة هاتيه عشان

عرسانهم

يلبسوهالهم

-اه صح هروح اجيبه..

تحركت رحمة كي تأتي به،

فأقتربت

“فجر” من مريم والدتها قائلة:

-خالتو رايحة فين يا ماما.

-راحت تجيب الدهب اصلا كان المفروض

يلبسوه

قبل ما يكتبوا الكتاب…

نفت “فجر” موضحة لها مبدية إعجابها بما حدث:

-لا يا ماما مش قبل ما يكتبوا ولا حاجة، مدام كتب كتاب يبقى يلبسوا بعد كتب الكتاب عشان لما يمسك أيدها

ويحطلها

الدبلة

مياخدش

ذنب..وتبقى مراته

واللمسة

متبقاش حرام..

على الجانب الآخر نهضت وئام من مكانها مخبرة “عابد”

بصعودها

للأعلى كي تلج دورة المياه..

اماء لها برأسه

وتابعها

بعيناه التي سرعان ما لمعت ببريق غريب، ونهض من مكانه هو الآخر يتلفت حوله يتأكد من عدم متابعة أحد له..

دخلت غرفتها وكادت

توصد

الباب لولا تلك اليد التي شكلت حائل ودفعت الباب برفق..

اتسعت عيناها وابتعدت عائدة خطوات عدة للخلف وهي تردف بصدمة وخوف من تهوره:

-أنت بتعمل ايه وطالع ورايا ليه يخربيتك حد يشوفنا امشي اطلع برة يا عابد..

اغلق الباب بأعين تمر على فستانها، مغمغم من بين أسنانه بحنق:

-ما يشوفونا هو أنا شاقطك ده أنتِ مراتي !

ردت مصرة على خروجه:

-ولو أخرج برة لو سمحت..هتفضحنا…وهيلاحظوا اننا اختفينا…

ابتعد عن الباب وبدأ يتحرك ويتقدم منها منتظرًا توقفها عن ثرثرتها كي يبدأ عتابة لها على تلك الهيئة وعودتها لتلك الملابس مرة أخرى..

وأخيرًا توقفت فخرج صوته وهو أمامها مباشرة:

-سألتيني تحت ايه اللي مضايقني معأن الفستان مش عريان..وانا قولتلك هتعرفي ايه اللي مضايقني بس مش دلوقتي…وبما أننا لوحدنا دلوقتي فهقولك بمنتهى الصراحة أن الفستان ميعجبش اي راجل دمه حامي وشرقي بيغير على حبيبته.. ومراته…

انتهى متحركًا برأسه يبحث عن مرآة طويلة، فوجدها وعلى الفور كان يبارح مكانه ويجذبها من يدها يقف بها أمام المرآة يخبرها بأعين تطالع انعكاسها:

-أنتِ شايفة أن ده ينفع يتقال عليه فستان تلبسيه قدام الناس !!! لو أنتِ شيفاه مناسب فـ أنا لا بصراحة..انا مكنتش حابب اضايقك في يوم زي ده بس الحقيقة لو سكت اكتر كان هيجرالي حاجة وهطق..انا دمي فاير حاسس ان العيون كلها عليكي.. الفستان مجسم بشكل بشع يا وئام….حتى لونه مستفز و الروج كمان بتاعك مستفز لدرجة متتخيليهاش…

كان من المفترض أن تختنق وتشعر بالضيق نحوه لتدخله بهذا الشكل…لكنها لم تفعل بل سعدت وشعرت بغيرته و بحبه ولوعه بها..

أما هو فقد توقع أن ترفض وتحتج على حديثه وتدافع عما ترتديه..فتبخر كل هذا عندما ابتسمت لانعكاسه هو الآخر وقالت:

-طيب مدام مش عجبك ممكن اغيره ولو كنت قولت من بدري كنت هغيره انا عندي فساتين كتير..والمفروض أن الليلة دي مميزة و زي ما انت مكنتش عايز تضايقني انا كمان مش عايزة اضايقك..كل الحكاية اني افتكرته هيعجبك…

جعلها تستدير وتقابل وجهه مردفًا بهيام وحب لن يمنحه الحديث حقه:

-هو عجبني…وشكلك زي القمر واحب انك تلبسيه بس ليا أنا وبس…

اقترب خطوة ورأسه تميل نحوها يتابع بنبرة متأججة:

-انا بس اللي اشوفه عليكي… أنا عايز لبسك قدام الناس ميبينش أي تفصيلة فيكي…وانا والله ما بعمل كدة تحكم وفرض رأي وخلاص لا.. أنا بس بحبك وبخاف عليكي ولو مبحبكيش مش هقولك كدة..

هتف بكلماته الأخيرة وهو يميل نحو ثغرها يطبع قبلته الاولى الحنونة الشغوفة..

تسارعت دقات قلبها وشعرت بها تكاد تترك جسدها من قوتها، فلاول مرة يقترب بهذا الشكل وتشعر بتلك المشاعر التي جعلتها تتقبل قربه وتبادله هذا الحب واللوع.

لم يقطع تلك اللحظة سوى الباب الذي دُفع بواسطة “دلال” التي كانت تبحث عنهم بعدما اختفوا ولاحظ البعض هذا وتحركت بمساعدة ثراء كي تبحث عنهم..

شعرت ثراء بالخجل و أبعدت انظارها عنهم متمنية أن تنشق الأرض وتبتلعها اما والدته وبعد أن ابتعد عن زوجته بحرج مصمصت شفتيها وقالت:

-يلا على تحت عشان تلبس مراتك شبكتها..

حك مؤخرة رأسه ونظر نحو وئام التي لم يختلف حالها عنه، واخبرته بهبوطهم والحاقها لهم بعد ثواني..اماء لها وتحرك وأثناء مروره من جوار والدته همست له بصوت خافض لم يصل إلا إليه:

-حبكت يعني دلوقتي مش قادر تستني وتتهد يا مفضوح يا ابن المفضوحة…

************************

صدح صوت إحدى الأغاني الهادئة الرومانسية التي تناسب تلك الأجواء… كما وقفت رحمة و دلال جوار “أشرف” و “وعد” حيث كانت تقف رحمة وبين يدها علبة الذهب الخاص بابنتها ودلال تقف كي تساعد ابنها إذا احتاج إليها..

فقام باخذ الدبلة اولًا و قام بوضعها بيدها اليسرى، ثم ذلك الخاتم الذهبي والذي وضعه بيدها اليمنى، كذلك هي التقطت دبلته الفضية وقبل أن تضعها بأصبعه سرقت نظرة من عيناه التقطها هو وابتسم عليها..

ارتجفت يدها و وجدت صعوبة بإدخال دبلته..

لوت “دلال” شفتيها وقالت:

-أيدك بتترعش ليه دي دبلة..مش عارفة تلبسيهاله..

مطت وعد شفتيها بضيق ودافعت رحمة عنها على الفور:

-هو ايه اللي بتترعش ليه..مشفتيش عروسة أيدها بتترعش قبل كدة..

ردت “دلال” لا تعبأ بانظار الجميع:

-لا مشوفتش..

-اديكي شوفتي..

ردت رحمة بهذا ولحقت بها علياء هامسة لها:

-خلاص يا رحمة عدي الليلة..

وبالفعل استجابت لها وصمتت..و تمكنت وعد أخيرًا من وضع الدبلة…ثم جاء دور الاساور ولم يجد أشرف صعوبة بوضعهم بيدها فقد كان حنونًا صبورًا لأقصى درجة..شاعرًا بتلك الرعشة التي تنتاب جسدها..

والآن حان دور القلادة.. فتحركت بجسلتها و واولته ظهرها فقام بفتح القفل و وضعه حول عنقها ثم أغلق القفل…

وما أن انتهى حتى أطلقت الزغاريد المهللة من جديد ومالت دلال تخبر وعد:

-خلي بالك أنتِ خدتي اغلاهم واللى قاعد كدة ومربع جوه قلبي فخلي بالك منه ومتزعليهوش…

دُهشت “وعد” قليلًا وعلقت بمرح يشوبه السخرية:

-تقريبا كدة حضرتك اتلخبطي المفروض توصيه هو عليا..وتقوليله ياخد باله مني وميزعلنيش وخليه يحط تحت ميزعلنيش دي ميت خط..

-يختي ما أنا هقوله وهوصيه برضو بس قولت اقولك أنتِ الاول..

قالتها وهي تتحرك واقفة جوار ابنها تهمس له:

-حبيب امه اللي هيسمع كلامها..وهيقطع عرق ويسيح دم من أولها..

قطب جبينه وهتف بعدم فهم:

-مش فاهم؟! عرق ايه ودم ايه؟!

-يووة عليك يا واد افهم عايزاك تدبح القطة من أولها..

قلب عيناه وابتسم لها مؤقتًا لا يرغب بدخول حديث معها..فـ بالنهايه لن ينصت لها أو لأحد وسيتعامل معها بما يرضي الله عز وجل.

جاء دور نضال وداليدا فانتشل الدبلة اولًا من العلبة التي تتمسك بها “روفان”، واضعًا إياها باصبع البنصر بيدها اليسرى..

متابعًا لعيناها التي تتحشاه بعد اعترافه الصريح بعشقه لها..

تبسم وجهه على خجلها و لم يتوقف عن انتشال الأساور التي انتقتها وادخلها يدها…

وحينما حان دورها وأخذت دبلته تجرأت ورفعت عيناها وليتها لم تفعل..

فسقطت الدبلة من يدها وانحنى هو ملتقطًا إياها لا يسمع أي منهم حديث الآخرون…

كذلك وضع لها القلادة حول عنقها وبعدما اعتدلت مال على جبينها يصر على احراجها يقبله ثم همس لها من جديد:

-بحبك…

وقفت تلك المرة “علياء” و دلال التي ارتسم الخبث على محياها أمام عابد و وئام التي ابدلت فستانها لآخر لم يبرز أنوثتها مثل الآخر وكان ارحم بكيثر وتساءل البعض عن سبب تغيير فستانها..كما ازالت احمر الشفاه و وضعت اخر بسيطًا للغاية يكاد لا يظهر..

اقتربت من ابنها تهمس له قبل أن يفعل أي شيء:

-لبسها شبكتها واوعك تتهور بدل ما تتعور ابوها واقف…

لم يستطع عابد كبح ضحكته وتقوس فمه ببسمة مرحة، واضعًا دبلته بيدها اليسرى الذي قربها من شفتيه ملثمًا إياها..

شعر مروان بالغيرة فقام بالحديث مع ذاته مغمضًا جفونه يردف:

-لا متضربوش ده جوزها برضو..اه مهزق وبيبوسها قدامي بس برضو في الاخر جوزها..انا مني لله عشان وافقت عليه…شكل أيامه الجاية معايا شبه وش اخوه المعفن اللي إسمه جابر…

بتلك اللحظة تحديدًا ولجت ” فاتن” وسارت حتى رأت هذا التجمع حول عابد و وئام وهو يقوم بغلق القلادة لها وهي تجمع خصلاتها على جانب واحد.

ابتسمت مجبرة وانتظرت حتى انتهوا وانتهى الجميع من الابتعاد عنهم ثم تقدمت هي..وقفت أمامه تنوي اغضاب الأخرى وجعلها تتذوق ما فعلته بها مرارًا وتكرارًا…مدت يدها ولسانها يردف رغمًا عنها:

-الف مبروك يا عابد..

ابتلع ريقه وتردد بمبادلتها السلام..بينما تعلقت عين وئام بيدها وقبل أن يمد يده كانت تنقذه وتضع يدها بدلًا عنه تخبرها ببرود شديد:

-الله يبارك فيكي يا فاتن… ومعلش عابد مبيسلمش على ستات…

سعد”عابد” بفعلتها التي عبرت عن غيرتها التي تحاول اخفائها ونفيها، بينما احتقنت عين فاتن وأردفت بشيء من السخرية متعمدة عدم مباركتها مثله:

-ايه ده غريبة من امتى الكلام ده !

ردت عليها:

-تقدري تعتبريه من دلوقتي.

ارتفع حاجبيها بضجر وقالت:

-على العموم مبروك مرة تانية..

وقبل أن تتحرك أخبرته:

-انا فكرت في كلامك ولقيت أن انت معاك حق وياريت متزعلش مني انا آسفة يا عابد..

عضت وئام على شفتيها ورغبت وبشدة في النهوض وجلبها من خصلاتها…لكن انقذها من بين يدها مغادرتها فقالت رافعة رأسها للاعلى:

-ربنا ياخدك يا شيخة عشان ارتاح منك..

انفلتت ضحكة من فم عابد أثارت استفزازها، مغمغمة بتشنج طفيف:

-أنت بتضحك على ايه، تصدق انا غلطانة اني غيرت الفستان عشانك ده انت مستفز…

علق بهدوء وحنو:

-انا مش مستفز ولا قاصد استفزك بس مبسوط باللي انا شايفه ده…

قطبت حاجبيها متسائلة:

-ليه شايف إيه؟؟

-شايف غيرة ممكن تخليكي تقومي تجبيها من شعرها وسط الناس ومش هيمهك حد….

انتهى هابطًا بعيناه إلى موضع قلبها يتابع بهمس:

-شوفت حاجة أنتِ لسة مش شيفاها..ولو فكرتي فيها هتعرفيها…

***********************

-بت يا فجر مقلعتيش النقاب ليه انهاردة يا فقرية بذمتك عارفة تتنفسي منه؟

هكذا هتفت ” إيمان” بفضول يعتريها عن كيفية تحمل وتمسك رفيقتها بالنقاب حتى الآن..

اكفهر وجه فجر من سؤالها ولم يظهر هذا لها لعدم تمكنها من رؤيتها، مجيبة عليها بهدوء:

-وايه لازمته بقى لما اقلعه وكل الناس تشوفني؟!!

ردت ببساطة شديدة:

-عادي يعني ما في محجبات بيقلعوا الحجاب في أي فرح أو مناسبة ده بيبقى يوم يا شيخة..متبقيش قفل كدة وفكي..

تأففت فجر ولم تعد تتحمل حديثها، قائلة بانفعال:

-وده صح يعني ؟؟ شايفة أنه شيء طبيعي؟ لو أنتِ شايفة كدة فـ أنا لا أنا بقيت مقتنعة بيه ومن ساعة ما لبسته وانا بحاول أكون جديرة بيه والحمدلله قربني من ربنا و خلاني قريت عن ديني وعرفت عنه اكتر، واللي بتقولي عليه ده مينفعش مش عشان انبسط يوم أغضب ربنا، اعقلي الكلام اللي بتقوليه..الحجاب لما يتقلع يوم والناس تشوف شعرك يبقى ليه لبساه ما أنتِ خلاص كله شافه..

لم ينل حديثها إعجابها فقالت:

-طب ما أنتِ فيه ناس كتير هنا عارفين شكلك كويس أوي انتِ مش لبساه من زمان ده انتِ بقالك كام شهر بس !!

-والله انا حرة ومفرضش رأيي عليكي يا إيمان..ولا هفرضه لأن كل واحد حر ومسؤول عن نفسه انتِ ليكي النصيحة مني تقبلتيها كان بها متقبلتيهاش انا عملت اللي عليا..

لم تعلق ولم ترغب بحدوث مشاحنة بينهم فاكتفت بالصمت عابثة بهاتفها كي تأتي برقم أخيها الذي غادر وتجول بالسيارة قليلًا..

رد عليها بعد ثوان لتردف:

-يلا عشان نمشي انت برة صح؟

نفى واخبرها بتجوله بالسيارة وبقدومه بعد دقائق فقط…

***********************

ترك “خالد” وسام رفقة جابر وسلطان واقترب من أبرار التي تقف على مقربة بمفردها بعد ذهاب أختها من جوارها، مردد إسمها:

-أبرار..

لانت ملامحها وابتلعت ريقها بصعوبة وهي تهز رأسها باستفهام دون أن تتحدث..

لا تدري ماذا يريد؟؟

كل ما تدريه ان ما يحدث كثيرًا عليها…وأنه إذا ظل هكذا أمامها ويتحدث معها سيتم فضح أمرها لا محال..

أدام النظر إليها، ثم خرج حديثه الهادئ:

-من شوية سألتك لو كان في حد في حياتك ولا لا وأنتِ قولتي مفيش..

ظهر الترقب على وجهها وانتظرت بقية حديثه…

تابع هو بعد أن التقط نفسًا طويلًا:

-انا عايز اتجوزك..وحابب اتكلم مع والدك واحدد معاه ميعاد بس قبل ما اعمل ده عايز أعرف أنتِ موافقة…

باغتها…شعرت بفؤادها يفارق جسدها ويحلق بعيدًا عنها يتراقص من شدة الفرح والسعادة..

وعندما لم يأتيه جواب، أضاف:

-انا عندي ولد ومطلق مش عارف اهلك هيوافقوا بحاجة زي دي ولا لا..بس ده مش هاممني دلوقتي كل اللي هاممني اعرف رأيك؟ تقبلي تبقي مراتي وأم لابني ؟

كالعادة لم يسعفها لسانها على الحديث كل ما فعلته وبدر منها هو إغلاقها جفونها ورأسها تهتز للأعلى والأسفل بموافقة على طلبه بأن تصبح زوجته وأم لابنه…

هاربة من أمامه جاعلة إياه يبتسم بظفر من موافقتها…محمسًا ذاته على البحث عن والدها..

وبعد لحظات كان يجده ويقترب منه طالبًا منه أخذ بضعة ثواني من وقته..

ابتسم له “إياس” وتحرك معه بعيدًا وعلى الفور تحدث خالد:

-انا حابب اخد ميعاد مع حضرتك يعني شوف الوقت اللي يناسبك وانا موافق.

ضيق عيناه بعدم فهم لطلبه، قائلًا:

-خير يا متر في حاجة حصلت ولا إيه قلقتني.

-لا خالص كل الحكاية اني حابب اتقدم لانسة أبرار واقولك كل ظروفي والقرار النهائي لحضرتك بعد ما تسمعني.

دهش بالبداية فلم يتوقع بتاتًا أن تتزوج ابنته من رجل كان متزوجًا قبلها…لكن رغم كل هذا لم يحرجه و وافق كي يستمع لما لديه:

-بكرة بليل الساعة تمانية يناسبك؟

تهلل وجهه وأخبره بموافقة:

-اكيد يناسبني…

***********************

في ذات الوقت وطأت قدم فاطمة داخل منزل الحلواني رفقة شقيقتها التي تعطلت بها عربة النقل العام التي كانت تأتي بها..واضطرارها لانتظار وأخذ عربة أخرى..

و رغم تحذير دلال لـ فاطمة كي لا تأتي ويحدث ما لا يحمد عقباه إلا أن الأخرى لم تستمع لها وضربت بحديثها عرض الحائط راغبة بالحضور والمباركة لهم..

برقت عيناها وعين شقيقتها من اتساع المنزل وجماله وتلك الاضواء العالية…كما انتبهت بأن العشاء لم يبدأ بعد..مما أسعدها كثيرًا.

لحظات من التأمل وكانت “فاطمة” تضرب على صدرها مرددة بحسرة:

-يالهوي على الجمال يا ناس يخربيت ابوكم ايه ده كله، ايه ده كله…

ثم تأملت الاضواء العديدة الملونة والتي دائمًا ما تجذب انظارها:

-شوف البيت منور إزاي..دي فاتورة الكهربا تلاقيها بتيجي ياما يخربيت ابوكم تاني مرة…

على الطرف الآخر رأتها دلال فاتسعت عيناها خوفًا و صدمة مشيرة نحوها محدثة زوجها وابنها جابر برعب مما هو قادم:

-الحقوا..الحقوا الولية فاطمة جت هيح

كادت تكمل لولا ما حدث من ظلام حالك عم بالمنزل بأكمله بسبب قفلة كهربائية غير متوقعة………

يتبع.

فاطمة محمد.

رأيكم وتوقعاتكم. ❤️💫

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية كارثة الحي الشعبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق