رواية كارثة الحي الشعبي الفصل الرابع والثلاثون 34 – بقلم فاطمة محمد

رواية كارثة الحي الشعبي – الفصل الرابع والثلاثون

الفصل الرابع والثلاثون

الفصل الرابع والثلاثون

أنظر جيدًا.

كارثة الحي الشعبي.

فاطمة محمد.

الفصل الرابع والثلاثون:

صباح اليوم التالي..

-اقسم بالله زي ما بقولك بالحرف يا نجلاء، انا خايفة تشكر في البيت يقوم والع بينا، اعمل ايه اطردها دي ولا اولع فيها أنا؟

هكذا تحدثت “دلال” بصوت خافض للغاية وعيناها تتحرك بحثًا عن تلك السيدة المسماة “فاطمة”.

أيدت اختها كلماتها واخبرتها دون تردد:

-ودي محتاجة سؤال اطرديها قبل ما تجيب أجلكم..

انكمش وجهها انزعاجًا معللة لها:

-ما انا عايزة اعمل كدة، بس انا مبحبش اقطع عيش حد..

-اقطعي يا دلال اقطعي يا حبيبتي قبل ما يحصلكم حاجة وبعدين أنتِ بتسمعي من أختها ليه دي تلاقيها كانت عايزة تخلص منها..

-تصدقي ممكن؟ أما أنا حمارة وغبية بشكل !!

تنهدت نجلاء وتساءلت مغيرة مجرى الحديث:

-قوليلي العيال عاملين معاكي إيه؟؟

ردت بتذمر:

-كويسين، بس الواد أشرف مش عجبني حاله، البت بتقوله اشف يا نجلاء وبتقولها بطريقة سم وماسخة حسيت اني عايزة اجيبها من شعرها قال اشف قال، يكش لسانها يتعوج عشان تقول لابني اشف أوي..

صمتت تلتقط أنفاسها فتذكرت على الفور:

-صحيح مش هيكتب كتابه عليها مع عابد… ونضال كمان هيكتب…

دهشت شقيقتها وقالت:

-الله ! دي مبقتش خطوبة بقى ده بقى كتب كتاب!! بس غريبة أشرف وافق يكتب عليها؟؟

ارتفع حاجبيها سخرية معقبة:

-وافق ده مين هو انتِ فاكرة أنها فكرة حد مننا..دي فكرته وهو اللي عايز كدة وبعد ما اتكلم مع ابوها جه عرفنا…

ضاقت عيناها وقالت مخمنة:

-لا ده شكله الموضوع كبير، ده معملش كدة مع زينة اللي كان بيعشقها؟؟ البت دي سحراله ولا ايه يا دلال؟؟؟

اتسعت عيناها وحاولت نفي وطرد تلك التخاريف من رأسها:

-سحر ايه بس تفي من بُقك…

-وليه لا مش كان بيحب زينة و وافق بسهولة يخطبها وفجأة الخطوبة بقت كتب كتاب، وبعدين مش كنتوا بتروحوا عندهم وهما بيجوا عندكم يمكن حطتله حاجة في الأكل ولا الشرب ولا تكون حطتله عمل في اوضته…

هنا وضربت على صدرها والشكوك تتسلل إلى عقلها وقلبها جالسة على الأريكة:

-يا لهوي تفتكري؟؟؟؟ دي تبقى وقعتها طين لو طلعت عمله عمل لابني…

حضرت فاطمة و وقفت أمامها قائلة بصوت عالي جذب انتباهها:

-جرا ايه يا ست دلال الناس بتصحى بتبقى مش قادرة تكلم  ومقريفة وانتِ لوك لوك من على الصبح كلتي دماغي…

كادت دلال أن تصرخ عليها وتعنفها لولا ذلك السعال الذي اقتحمها وظلت تسعل بشدة حتى زحفت الحمرة إلى وجهها وبات بلون الدماء مما جعل الأخرى تقترب منها بفزع مرددة بتساؤل ويدها تضرب على ظهرها:

-مالك يا ست دلال، استني هجبلك كوباية ماية…

غابت عن انظارها والجة إلى المطبخ فحاولت دلال الحديث، فالبداية فشلت محاولتها واستمر سعالها وبالمرة الثانية خرج صوتها مكتومًا وبصعوبة بالغة موجهة حديثها إلى شقيقتها القلقة عليها:

-الحقيني يا نجلاء هتموتني…همووت…آه…مش قادرة…

حضرت بتلك اللحظة واقتربت منها تناولها كوب الماء، التقطته دلال باناملها وارتشفته دفعة واحدة….

أغمضت جفونها وصدرها يعلو ويهبط بعنفوان اثر اختناقها منذ لحظات، حادقة بـ فاطمة بتفكير مما عليها فعله معها….

*******************

تململ “جابر” بنومته وفتح عيناه لوهلة ثم تقلب وتمدد على جوفه ويديه تتسلل أسفل الوسادة على وشك متابعة نومه…

ولكن ما حدث جعله يفتح مقلتيه ويرفع رأسه عن الوسادة مطالعًا باب الحجرة الذي فُتح دون استئذان والمريب هو رؤيته لكلا من “أشرف” “نضال” “عابد” و”خليل” أمامه..

ضيق عيناه وتساءل بنعاس:

-ايه ده في ايه أنت وهو؟؟؟

شارف عابد على الايجاب والانفجار به بعدما جمعهم نضال في هذا الصباح وقص عليهم ما يفعله و حومه حول “ثراء”…دون أن يذكر شيء عن “داليدا”..

اوقفته يد “أشرف” التي ارتفعت قبالة وجهه يحثه على الصمت، متمتم بدلا عنه بنبرة أثارت ريبة الآخر:

-متكلمش يا عابد….

ثم وجه أنظاره نحو جابر مضيفًا بقوة وصرامة:

-وانت قوم واتعدل واسمعنا كويس اوي وحط الكام كلمة دول حلقة في ودانك..

احتل الفضول جابر و وزع بصره على الجميع ملتقطًا ذلك الغضب المنبعث من عيونهم وبالنهاية نهض عن الفراش واقفًا أمامهم وعيناه مثبته على اشرف:

-كلمتين ايه وايه الدخلة دي ؟!

مط أشرف شفتاه وتقدم نحوه، قائلًا بتحذير وتهديد:

-ثراء..هتبعد عنها سواء كان بمزاجك أو غصب عنك، ما هو مش حتة عيل زيك اللي هيجي على اخر الزمن يصغرنا ويصغر ابونا الحاج سلطان…لا… متخلقش لسة اللي يعمل كدة ولو فكرت هننسى انك ابن امنا وابونا..انا لحد دلوقتي حايش أخواتك عنك وابوك ميعرفش…فشوف بقى لما اسبهم عليك ويوصل لابوك عمايلك الوسخة اللي شبهك هيعمل فيك إيه…

جمدت ملامحه، لم يستطع أحدهم معرفة ما يدور برأسه أو إذا كان غاضبًا ولا يتقبل حديثهم..ام أنه قد خاف قليلًا من أن يدري والده بأفعاله و وقتها سوف يحدث ما لا يحب حدوثه..

تبادل عابد وخليل النظرات المتسائلة حول حقيقة ما يعتريه…

انتشلهم صوته الذي خرج راضخًا باردًا كالثلج تمامًا:

-ماشي..من انهاردة مليش دعوة بيها ولا هكلمها تاني..حاجة تاني؟؟؟؟

دهشهم هذا الاستسلام والرضوخ لهم، التفت أشرف لهم برأسه فقط وطالعهم بقلق طفيف من رد فعله..

بادله الثلاث بذات النظرات ولم تختلف حالتهم  عنه كثيرًا…

-محدش رد يعني؟؟؟ في حاجة تانية عايزين تقولوها ولا خلصتوا..لو خلصتوا اطلعوا برة عشان عايز أنام..ده بعد اذنكم يعني.

إجابة عابد بأنفعال مفرط متحركًا من مكانه يرغب في النيل منه:

-ما تكلم عدل يالا أنت مالك ايه العوجان ده؟؟؟

لحق به كلا من نضال وخليل وقال خليل منعًا لحدوث مشاحنة بين الإخوة:

-خلاص يا عابد يلا يا أشرف يلا يا نضال خلونا نخرج..وهو كدة عارف ايه اللي هيحصل لو فكر يكلم معاها تاني…

رضخوا لحديثه وتركوا هذا خلفهم يحدق بالباب الذين اغلقوه بغل وعنف تمكنوا منه وسيطروا عليه..

***********************

بعد ساعتين تقريبًا، صف جابر سيارته أمام منزل خالد متأملًا تواجده بالداخل..راغبًا في الثرثرة مع أحدهم، عله يهدأ ويجد حلًا..

قرع الجرس وانتظر استجابته، ثوانِ فقط وكان الباب يفتح بواسطة ذلك الصغير…

سقط بصره عليه وبدون إرادته ارتسمت بسمة واسعة على وجهه سعيدًا برؤيته منحني لمستوى جسده الصغير حاملًا إياه والجًا المنزل غالقًا الباب من خلفه، قائلًا بمرح متناسيًا كل شيء:

-بقى وسام بنفسه بيفتحلي الباب…

ابتسم “وسام” بسعادة متعلقًا بعنقه، متمتم بطفولية:

-اصل بابي نايم وكنت داخل اصحيه بس لقيت الباب بيخبط وافتكرت انها مامي..

تحرك جابر به نحو الأريكة وتعجب من نوم خالد حتى الآن…تركه جالسًا عليها…غائبًا عن أنظاره متحرك صوب غرفة خالد كي يتأكد بأنه يغط في نوم عميق حتى الآن..واضعًا احتمال نومه في وقت متأخر لذلك لم يستيقظ بعد..

دخل الغرفة بهدوء بعد أن فتح الباب بحرص حتى لا يزعجه، دنا من الفراش فوجده يتسطح على ظهره ويتنفس بانتظام…اقترب اكتر و مد أنامله لامسًا وجهه يتأكد من أن حرارته ليست مرتفعة وأنه بخير.

تنهد براحة ما أن تأكد ثم خرج مرة أخرى للصغير القابع المنتظر بالخارج، موصدًا الباب برفق…

وصل إليه مصفقًا بكلتا يديه قائلًا:

-أبوك نايم..فـ ايه بقى؟؟؟

ردد “وسام” خلفه متسائلًا:

-ايه بقى ؟

-هقولك..

قالها وهو يحمله من جديد متجهًا صوب الحديقة، متابعًا كلماته الفكاهية:

-أنا زي ما اكون كدة سمعتك بتقول بابي…وبناءًا على هذا جابر سلطان قرر أنه يعاقبك عشان تبطل تبقى فرفور…

انزله على الأرض جالسًا أمامه على ركبتيه يخفي ضحكته بصعوبة متابعًا قسمات وسام التي تعبر عن عدم فهمه لما يريده منه..مغمغم بنبرة آمرة:

-يلا انزل عشرة ضغط…يلا..

-أيوة يعني اعمل إيه؟!

ارتفع حاجبيه وردد بسخط:

-نهارك اسوح بقى ابوك يبقى رياضي وجسمه كدة وعنده اوضة مخصوص للرياضة ومش عارف يعني ايه عشرة ضغط..اتف انا عليك ولا على أبوك دلوقتي..

انكمش وجهه اشمئزازًا، معلقًا:

-يععع..كدة قرف انت بتقول حاجات وحشة…أنت نوتي وهقول لـ بابي..

-يامي يامي اخاف طيب واكش عشان هتقول لابوك، واد انت يلا انزل عشرة ضغط…

هز راسه يمينًا ويسارًا يرفض حديثه أو الاستجابة لأوامره:

-لا وانا هقول لـ بابي انك عايز تتف عليه وعليا..

انتهى راكضًا عائدًا داخل المنزل، نهض جابر هاتفًا باسمه يخبره بأن يتوقف ولكن لا حياة لمن تنادي…

-استنى يالا..خد ياض.

لحق به للداخل وحاول الإمساك به فأنطلقت الضحكات من ثغر وسام سعيدًا بما يحدث من مطاردة بينهم…

بتلك اللحظة خرج “خالد” من الغرفة مستيقظًا على تلك الأصوات الصاخبة التي تأتي من الخارج، وكذلك ضحكات ابنه العالية…

تحرك لاحقًا بمصدر الصوت وأخيرًا وصل فوجد ابنه بين يد جابر الذي يهزه بخفه ويعلقه بالهواء..

أما ابنه فكان يقهقه ولم يتوقف الا عندما رأى والده، فقال مستنجدًا به:

-بابي الحقني، جابر عايز يتف في وشي وفي وشك انت كمان..

غزت بسمة قسمات خالد وبارح مكانه كي يتلقى ابنه وينقذه من جابر معلقًا بهدوء وهو ياخذه منه، طابعًا قبلة على وجنتيه:

-معلش يا حبيبي اصله مهزق، متأخدش على كلامه..

استرسل الصغير يقص له ما حدث:

-ومش بس كدة يا بابي ده كمان كان عايزني انزل عشرة ضغط..يعني ايه يا بابا ده حاجة وحشة صح..

ردد جابر بسخرية تلك المرة:

-حاجة وحشة في عينك..دي رياضة يا ابو كرش..

أجاب خالد بدل ابنه يسخر منه:

-ما بلاش أنت، ده انت كرشك بقى سبقك عايز اللي يشيله معاك…قولي مصيبة ايه حصلت تاني عشان كدا جاي بدري؟؟

وكأنه سلبه نسيانه وأعاد له ذاكرته، نفخ بضخر وتحولت ملامحه لاخرى أثارت فضول خالد..خاصة عندما تحرك وجلس على الأريكة بملل مطالعًا الفراغ..

طبع خالد قبلة ثانية على جبين صغيره متسائلًا بحنو:

-غسلت سنانك ولا نسيت؟

ظهر التذكر على وجه وسام مما جعله يتابع وهو يجعل قدماه تلامس الأرض:

-شكلك نسيت..يلا يا بطل روح اغسلهم وغير هدومك وتعالى..

-حاضر..

اختفى عن الأنظار ولم يتبقى سوى جابر وخالد الذي جاوره في جلسته أعلى الأريكة، عقد ساعديه وخرج سؤاله:

-ايه اللي حصل، اتخانقت مع  الحاج سلطان وطردك تاني ولا ايه؟؟

-لا مطردتش..بس أخواتي أو اللي المفروض انهم اخواتي لقيتهم داخلين عليا الصبح بربطة المعلم وقال ايه متكلمش ثراء…وهما مالهم ما اكلم اللي اكلمه..

ردد كلماته بأنفعال جعل خالد يستفسر بهدوء:

-طيب قولي انت جاد ناحيتها وعايز تستقر وتجوزها ولا عايز تتسلى بس جاوبني بصراحة..

وبدون تفكير كان يجيبه:

-انا مش بتاع جواز يا خالد..

هنا وضرب بكف يده على فخديه بأسف معقبًا:

-يبقى أخواتك معاهم حق..وانت المفروض تبقى عارف ده، يعني عايز تتسلى بأخت اللي هتبقى مرات أخوك، يعني افرض ابو البنت عرف منظر اخواتك هيبقى إيه..كدة انت بتأذيهم وبتأذي البنت وبتأذي نفسك وهتكرهم فيك..يعني الآذى هيشمل الكل مش بس هي…قولي هي عجباك؟؟

رغب بالنفي فكل ما يحمله نحوها هو الكره فقط لا غير، لكنه وجد لسانه يجيب دون تردد:

-عجباني من اول مرة شوفتها فيها..

فاق بتلك اللحظة فأبتلع ريقه، مضيفًا بضيق وسخط:

-بس دلوقتي انا مش طايقها..البت بتصدني صد مشفتوش قبل كدة..اللي يشوفها دلوقتي ميصدقش أنها نفس البت اللي كانت بتعاملني برقة ونعومة في الاول..البت دي لازم اك

قاطعه خالد مقترحًا عليه بمكر لم يراه الآخر:

-طيب ثواني، انت لسة قايل انها عجباك وانها بتصدك مش كدة؟؟؟

-اه..وامبارح لما حاولت اكلمها بلكتني..

-طيب ما تتقدملها وتحط موضوع الاستقرار في دماغك كدة كدة انت معجب بيها وممكن إعجابك ده واحدة واحدة يبقى حب…

انتفض كمن لدغته افعى يرفض باهتياج:

-اتقدم لمين يابا واستقرار إيه، انا مش عايز انا مبسوط اوي كدة وبعدين مش دي… ده انا شايفها بعيني دي وهي بتركب مع عيل ملزق عربيته ومشيت معاه…دي شمال…وانا وموتي وسمي البت الشمال اللي تقرطس أهلها..

انفعل خالد وعقب:

-امرك عجيب يا جدع وبجد بستغرب من اللي زيك…اللي بتقول عليهم شمال دول مش شمال انت واللي بيعمل زيك دماغكم هي اللي شمال…لانكم بتستغلوا وتلعبوا على نقطة ضعفها بكلامكم المعسول المتزوق زي ما بتقولوا…وبتدخلوا من حته معجب وبحبك ومش بفكر ومش شايف غيرك..لو هما شمال زي ما بتقول فـ ده بسببكم.. وانتوا العامل الأساسي والرئيسي…عشان كدة خدها نصيحة مني ولو معجب بيها اتقدملها…خليك دوغري البنات مش لعبة وعمرهم ما كانوا لعبة….

تشنج متحدث بعصبية:

-انـــا راجــــل لو كلمت خمسين واحدة ميعبنيش حاجة..بس اللي تكلم واحد وبذات لو متعرفهوش تبقى شمال…انا اللي اعرفه انها لو محترمة ومش عايزة تكلم تبلك وتصد.

-واديك قولتها بلسانك لو محترمة ومش عايزة تكلم يبقى تبلك وتصد انت ايه اللي ضايقك بقى لما هي بلكتك وصدتك!!!

-خالد متعصبنيش ما بلكتني عشان الزفت اللي هي معاه..لو كانت فاضية كانت جت سكة…

زفر خالد وقال ناهيًا هذا الحوار:

-جابر من الاخر كدة انت جايلي عشان اقولك انت صح وهما غلط واشجعك تأذي البنت واطبلك، بس انا مش هعمل كدة، انا هقولك اتقي الله وابعد عنها مدام ناوي على الأذى اللي هيطول اخواتك وأهلك مش هي بس…

***********************

-مالك يا رحمة ساكتة لية؟

طرحت روفان سؤالها المباشر عليها بعدما انتبهت هي و علياء ومريم لشرودها وكأنها معهم بجسدها فقط…اما عقلها فكان بمكان آخر…

لم تستجيب لحديثها او تنتبه إليها مما جعل مريم شقيقتها تكرر سؤال روفان:

-مالك يا رحمة؟ مش معانا ليه كدة !

اجابتهم اخيرًا بصوت يشوبه بعض الحنق:

-معاكم بس بفكر في البت وعد مش مرتحالها، حساها هتهبب حاجة ومش هتكمل مع الواد، بنتي وانا عرفاها محدش يستحملها..ده غير حكاية فستان  كتب الكتاب مقلقة منها حساها هتعرنا ومش هترضى تلبس فستان…

نهرتها روفان بضيق جلي:

-بس متقوليش كدة وتفي من بُقك..

انفعلت معلقة بتشنج:

-بس مقولش إيه وأتف ايه، افهموا هي مش بالعافية اصلها… انا بنتي دي مسترجلة ومش بس كدة لسانها طويل وانا امها وبتعصبني وبتخليني امد ايدي عليها ما بالك هو…انا مكنش لازم اخلي ايهم يوافق على حكاية كتب الكتاب دي، هتطلق من قبل ما تجوز..

اقترحت علياء متفهمة الوضع:

-خلاص اتكلمي معاها وفهميها انها غلط ولازم تغير ا

قاطعتها روفان معترضة:

-تكلم ايه وتفهم ايه يا علياء، ده أسلوبها ودي طريقتها صعب تغيرهم، مش اول ما تكلم معاها وتقولها لازم تغيري من نفسك هتعمل كدة..الموضوع عايز صبر وتفكير..

-صح يا انطي و وعد مش هتيجي بالطريقة دي، ده غير أن لو أنطي رحمة اتكلمت معاها ممكن وعد تعصبها..لا مش ممكن ده اكيد.. وبالتالي انطي هتمد أيدها عليها و وعد هتعند اكتر..

هكذا رددت “ثراء” التي تدخلت بعدما استمعت إلى حديثهم صدفة، تابعتها علياء والدتها وقالت بتهكم:

-اومال هتيجي بانهي طريقة اشجيني…

خرج صوت كلا من “فجر” و “ثراء” في ذات الوقت:

-بالاستفزاز….

نظرت ثراء خلفها فوجدت فجر ويبدو بأنها أيضًا تابعت حديثهم..بل وتوافق ثراء بالفكر…مدركين بأنها لن تستجيب أو ترضخ الا باستفزازها…

بعد وقت صعدت ثراء وفجر الى غرفة وعد والتي كانت منشغلة بالاستذكار وهي تجوب الغرفة ذهابًا وايابًا مقررين تنفيذ مخططهم..

سلطت بصرها عليهم مراقبة إغلاق ثراء الباب، واقتراب فجر جالسة أعلى الفراش..خرج صوتها متعجبًا:

-انتوا مبتذاكروش ليه ؟؟

ردت فجر:

-مين قالك احنا ذاكرنا شوية وقولنا نريح ونشوفك بتعملي إيه..

اجابت وهي تترك الكتاب من يدها:

-بذاكر، انا نفسي اغمض عيني وافتحهم الاقي الامتحانات خلصت…

ايدتها ثراء، قائلة:

-وانا كمان، الا قوليلي يا وعد لما هتنزلوا تجيبوا الفساتين بعد بكرة ناوية تلبسي فستان و كعب عالي وتحطي ميكب كدة زي البنات ما بتعمل ؟

كادت تجيب لولا رد فجر وسخريتها منها:

-حيلك حيلك فستان مين وكعب مين وميكب مين، وعد آخرها بنطلون جينز وتيشيرت من عند الواد أحمد، وكدة تبقى رضا أوي…

ضحكت ثراء وتابعت سخريتهم:

-تصدقي معاكي حق، اصلا مش هتعرف تلبس الكعب وشكلها هيبقى مسخرة وممكن تتكفي على وشها وتبقى مسخرة الليلة، ده غير أن الفستان اصلا مش هيمشي معاها، انا خدت عليها باللبس الصبياني…

انكمش وجهها انزعاجًا وربما سخطًا من حديثهم والتقليل من شأنها وانوثتها أمامها..مرددة بغيظ وعندًا بهم رغم إدراكها باستفزازهم لها حتى يجبروها على ما يرغبون:

-روشين انتوا كدة صح؟ وبعدين مين قالكم اني مش هعرف البس كعب واني مش هلبس فستان انتوا مجانين ده كتب كتابي واكيد مش هضحك الناس عليا..

ثم تابعت مع ذاتها غافلة عن ضحكاتهم الخبيثة المنتصرة فلم تاخذ وقتًا معهم ورضخت بسهولة بالغة فتلك هي البداية فقط:

-واولهم أشرف لازم اثبتله اني وعد مش رعد زي ما بيقول…

*********************

تتواجد داخل غرفة “أشرف” مستغلة غيابة وذهاب الجميع وتواجدها بمفردها رفقة فاطمة التي جعلتها تنشغل بالمطبخ..

بدأ بحثها عن شيء ما قد يدين وعد.

فقد باتت مقتنعة بأنها قد سحرت ابنها وفعلت شيء كي يصبح بتلك الحالة ويتقبلها متناسيًا زينة التي كان يعشقها حد النخاع..

لحظات وكانت الغرفة منقلبة رأسًا على عقب…تأففت بصوت عالي متمتمة بتفكير واعين شاردة:

-مش لقية حاجة تكونش حطيتله حاجة في الاكل ولا الشرب…. ولا أنا ظلمتها؟!! والله شكلي ظلمتها…اوف..

انفرج الباب فجأة دون استئذان بواسطة فاطمة مسببًا في فزع دلال، مرددة بهدوء:

-بقولك ايه يا ست دلال طقم الكاسات اللي في المطبخ ده عمره خلص واتكسر مني، افتكري جبتيه منين ومتجبيش من الراجل ده حاجة تاني…

***********************

مر يوم بعد يوم وانتهت الامتحانات وجاء اليوم الموعود وارتدت كل فتاة فستانها الذي يناسب تلك المناسبة حيث أستقرت “داليدا” على فستان بسيطًا ذو أكمام طويلة، ضيقًا من الأعلى واسعًا من بداية الخصر باللون البترولي، تاركة خصلاتها تنساب بحرية على ظهرها خافية تلك الفتحة الصغيرة بالخلف..

أما “وئام” فأرتدت فستان ضيقًا بالكامل أحمر اللون، ذو أكمام أيضًا أظهر جسدها الممشوق.. تاركة هي الاخرى خصلاتها محررة عدا بعض الخصلات الأمامية التي لملمتها للخلف.

بينما ارتدت “وعد” فستان يشابه الخاص بداليدا، ململة خصلاتها للأعلى، واضعة زينة كاملة…مما ادهشهم من استسلامها والزمها الصمت..ولا تنكر بأنها قد انبهرت بذاتها عقب هذا التحول فقد باتت انثى عن حق…. فقد ظلت تحدق بأنعكاسها بالمرآة لا تصدق بأنها تلك الفاتنة مما جعلها تمتم مع ذاتها:

“صحيح اللبس والمكياج بيعملوا من البوصة عروسة..”

وبعد وقت صعد “أشرف” “نضال” و “عابد” أمام الغرفة التي كانوا يتجهزون بها..فخرجت وعد أولًا ومن خلفها السبع الفتيات مطلقين العديد من (الزغاريد) مترقبين لرد فعله عند رؤيته لعروسته التي كانت تسير بصعوبة بفضل الكعب العالي….

علقت “وعد” بصرها به راغبة في التقاط رد فعله هي الأخرى بعد رؤيته لها بهذا الشكل الجديد الأنثوي..

فلم يستطع كبح أو إخفاء إعجابه بها وبما ترتديه وتحولها من ذلك الرعد إلى “وعد”. مسح بعيناه فوقها و رغم ما اعتراه من صدمة وانبهار إلا أنه لم يتحدث معها متمنيًا الا تتحدث هي الأخرى وتخرب تلك الهيئة بصوتها وحديثها اللاذع…

اقترب منها خطوة ضاممًا ذراعيه بجانبه تاركًا فتحة صغيرة بها يشجعها على التعلق به..

وبالفعل رفعت يدها ولامست ذراعيه متشبثة بها وهبطت برفقته محاولة التماسك والتغاضي عما سيطر عليها من ارتباك وتوتر غير معهود لاقترابهم وتلامسهم هذا..

عقب هبوطهم أخذ نضال نفسًا طويلًا مستعدًا لخروجها…

وأخيرًا طلت بهيئتها وجمالها الآخاذ..تأمل هذا الجمال الذي سيصبح له وحده بعد دقائق فقط، مبتسمًا دون إرادته، مقتربًا منها بضعة خطوات دون أن يشعر مغمغم بسعادة واضحة أمام الجميع:

‏-ايه الحلاوة دي ؟! ده انا خايف عليكي تاخدي عين، اقولك واحنا نازلين اقري المعوذتين عشان ربنا يحفظك و الليلة تعدي على خير….

رغب “عابد” في لكمه كي يتخلص من ثرثرته فمال عليه متمتم بخفوت:

-انجز ابوس ايدك…

-طيب طيب..

قالها بتذمر وهو يحدق به ثم مد يده هو الآخر كي تتعلق بذراعيه ويهبطون سويًا…

وبعدما فعلوها جاء دور الأخير وخرجت “وئام” مسببة في إشعال قلبه وعقله بسبب هذا الفستان الذي يبرز جمالها وجسدها، وتلك الزينة خاصة احمر الشفاه القاني المماثل للون الفستان…

ابتلع ريقه ورسم بسمة خافيًا انزعاجه كي لا يحرجها أمام أحد، مقررًا الحديث معها بمفردهم وعتابها على تلك الهيئة……

استشعرت تصنعه و زيفه لتلك البسمة وما زاد شكوكها هو أنه لم يتحدث معها بتاتًا….

بعد دقائق…

اعلن المأذون عبر مكبر الصوت دعائه لكلا من أشرف و وعد الذي انتهى من عقد قرآنهم.

“بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير”

وعلى الفور دنت دلال من أبنها مقبلة إياه من وجنتيه محتضنة جسده بقوة وعيناها تتجمع بها الدموع غير سامحة له بتقبيل عروسته على جبينها أو حتى ضمها.. كذلك باركت الفتيات لـ وعد وضمتها رحمة لاحضانها محاولة ألا تبكي فحتى الآن لا تصدق بأن ابنتها باتت متزوجة….كذلك بارك الشباب لشقيقهم ولم يتردد أو يمتنع جابر في متابعة ثراء وكل ما يصدر منها من رد فعل مصدومًا من تواجد هذا الشاب الذي سبق له رؤيته لها معه..

اقترب من “عابد” وتساءل بصوت خافض مشيرًا برأسه نحو “مؤنس”:

-عابد هو مين الواد اللي هناك ده؟؟

الجمته إجابته وجعلت كلماته تقف على طرف لسانه:

-ده قريب البنات.. أمه تبقى بنت عم حمايا..

على الطرف الآخر، رغب “خالد” في تبادل أطراف الحديث مع “ابرار” مستغلًا ابنه الذي كان يرتدي بدلة مماثلة ببدلة أبيه..وبالفعل تقدم منها وبدون إرادتها ظهرت اللهفة بعيناها:

-الف مبروك، وعقبالك إن شاء الله..

تلعثم لسانها وهي تجيب على مباركته تلك تتهرب من عيناه مدعية انشغالها بتقبيل وسام:

-الله يبارك في حضرتك..

رفض تلك الكلمة وقال:

-لا بلاش حضرتك ارجوكي والا انا كمان هقولك حضرتك خلينا خالد و أبرار أفضل ده لو معندكيش مانع يعني..

هزت راسها تنفي:

-مفيش اكيد…يا خالد.

تهللت اساريره مع استماعه لاسمه يخرج من بين شفتيها، معلق بنبرة ذات مغزى، غامضة جعلت الحمرة تزحف إليها:

-حلو أوي..

والآن حان دور “نضال” و “داليدا” وابتعد أشرف و وعد من مكانهم هامسًا لها جوار أذنيها بمرح بسيط:

-مبروك..

منحته بسمة معقبة بهمس مماثل له:

-الله يبارك فيك يا أشرف.

ضيق عيناه ونظر بعمق داخل عيناها المحددة المرسومة مما زادها جمالًا مدهوشًا من نطقها إسمه بطريقة صحيحة وعدم استفزازها له…

لم يعلق فقط ظلت عيناه مثبتة بها…لم ينطق لسانه أو لسانها ولكن تحدثت عيناهم..وخاصة هي والتقط أخيرًا ما تكنه نحوه……

غافلين عن تلك التي ولجت من باب المنزل وعيناها تجوب بحثًا عنه كي تبارك له وتهنئه متمنية له السعادة الأبدية مع تلك التي اختارها من بعد انفصالهم……

بالخارج..

هبط بعض أبناء منطقته القديمة من سيارة الأجرة راغبين في المباركة له ولاشقائه و رؤية حياتهم الجديدة وكان “محمد” من ضمنهم والذي ظل طوال الطريق يحاول تكذيب حدسه..

لكن ما أن هبط من السيارة أمام منزل العروس، حتى التوى فمه بسخرية فهذا هو المنزل الذي جاء إليه منذ أشهر بصحبة ” أشرف” كي يسرقونه و وقتها فر هاربًا تاركًا اياه بمفرده في مواجهة أحد مُلاكه……

تأمل المنزل بنظرة خبيثة وهو يردد مع ذاته بسعادة فـ فرصته قد جاءت له على صحن من ذهب:

-دي شكلها هتحلو وهتلعب معاك ياض يا محمد…..

يتبع.

فاطمة محمد.

رأيكم وتوقعاتكم. ❤️💫

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية كارثة الحي الشعبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق