رواية كارثة الحي الشعبي – الفصل الرابع والعشرون
الفصل الرابع والعشرون
أنظر جيدًا.
كارثة الحي الشعبي.
فاطمة محمد.
الفصل الرابع والعشرون:
شهقت ” دلال” شهقة خافتة ضاربة على صدرها براحة يدها..منتفضة من مكانها كي تساعد روفان.. رحمة..وعلياء على نهوض بناتهم…متمتمة بقلق تزامنًا مع نهوض الجميع مصدومين مما حدث:
-يا لهوي..يا لهوي..قوموا دي عين وصابتكم والله…
نهضت الفتيات بمساعدتهم فلم تتحمل كلا من ثراء..وأبرار السكون أكثر من ذلك وصدحت ضحكاتهم العالية متناهية للجميع…
واضعة كلا منهم يدها على فمها محاولين إيقاف وكبح ضحكاتهم..لكنهم لم ينجحوا حتى باتت وجوههم شديد الإحمرار..وينبعث منه حرارة..
توقف جابر عن الضحك وتابع ضحكاتها وشعر بشيء غريب ينتابه… جعله يظل مرتكزًا معها..عيناه تمسح فوقها…
بلل شفتاه ثم قال بصوت عالي ومرح:
-شكلنا مش هنلحق نفرح.. أمي لو فضلت تدعيلهم هتجيب أجلهم…اصل هي كدة الدعوة معاها بتيجي بالشقلوب…دي في مرة كنا في خناقة في الحارة مع الواد محمد وهي عرفت وطلعت في البلكونة..واول ما طلعت لسة بتدعي ومخلصتش لقيت حاجة بتنزل على نفوخي..اه والله…
صر “عابد” على أسنانه مردد من بينهم وبخفوت شديد:
-بتعمل ايه يا حيوان الله يخربيتك هتبوظ الجوازة…
لم تنل كلماته اعجابه فصاح معلقًا:
-يعني أنا اللي هبوظ الجوازة دلوقتي.. وامك هي اللي هتممها…دي دعوتين كمان وممكن نروح نزوركم في القرافة ونقرالكم الفاتحة..
التفت من جديد نحو الفتيات اللواتي نهضوا ولحسن حظهم لم يأتي شيء على ملابسهم مردد بنبرة حاول طمأنتهم:
-اتعودوا بقى..مدام هتخشوا العيلة يبقوا اتعودوا..ده الواد نضال في مرة كان مسافر الغردقة دعت عليه من هنا اقسم بالله السفرية ما كملت..وهنروح بعيد ليه..انا وعابد من يومين كنا هنموت في حادثة عربية بسببها برضو…
جذبه سلطان في تلك اللحظة من ذراعيه هامسًا له:
-تلاتة بالله العظيم لو ما سكت ما أنت داخل البيت…
لزم الصمت بتلك اللحظة وكاد يجلس فشعر بحرارة جسده العالية اثر ضحكاته التي دوت بالمكان منذ ثوانِ وبسبب دفء المنزل عن الخارج فقام بخلع ذلك المعطف الشتوي الذي كان يرتديه فوق ملابسه…
وعلى الفور جحظت عين عابد الذي وجده يرتدي ملابس مطابقة له…بعدما كان يخفي المعطف ما أسفله…
اغمض عيناه لوهله مطلقًا لفظًا بذيئ من فمه بخفوت…مردد مع ذاته بتوعد:
-اقسم بالله لوريك….
أما دلال فـ كانت ترمق جابر باستنكار موجهه حديثها للفتيات:
-متسمعوش منه ده واد لتات، والحمدلله الفساتين محصلهاش حاجة…
نظرت لوعد ولملابسها الصيفية فقالت:
-اوعي تكوني بتخرجي من البيت بلبس صيفي!! الجو برة برد..
نفت رحمة والتي كانت تغتاظ من ابنتها التي عاندتها موضحة:
-لا بتلبس تقيل..بس هي حلوفة ماشاء الله صيف شتا بتلبس صيفي برضو في البيت..
بررت وعد مختطفة نظرة نحو أشرف الذي وضع تركيزه معهم:
-وأنا البس شتوي ليه والبيت دافي..افطس يعني عشان ترتاحوا….
أنهى سليم ذلك الجدال وتجاهل كل ما حدث مؤكدًا لذاته بأن تلك صدفة ليس ألا..ولم يأخذ أحدهم حديث جابر على محمل الجد..ظنًا منهم بأنه يمزح معهم:
-خير.. خير.. اتفضلوا يا جماعة اقعدوا..عقبال ما يجيبوا ع
قاطعته دلال مرددة بتصميم:
-لا خلاص..تعالوا اقعدوا بقى وبعدين احنا مش غرب ده احنا هنبقى أهل..يلا نقرأ الفاتحة…
وبالفعل جلس الجميع وخجلت داليدا و وئام من رفع عيناهم والنظر لـ كلا من نضال و عابد..بعد ما حدث وسقوطهم المباغت أمامهم..أما وعد فكانت من حين لآخر تنظر إليه مشتعلة منه ومن ابتسامته التي تليح على وجهه وكانه يشمت بها…
قرأوا الفاتحة واتفق الجميع على عقد الخطوبة بعد إنهاء امتحاناتهم الخاصة بهذا الترم..مع عقد قرآن عابد و وئام
.
______________
دخل مروان غرفة وئام بعدما فتحت له…مقررًا إعادة أغراضها الذي سلبها منها كعقاب لها….
دنا من الفراش تاركًا إياهم أعلى الفراش دون أن ينطق بشيء…
تابعت حركته والتفاته كي يغادر بعدما أتم مهمته…
فلم تسمح له بالمغادرة وتمسكت بذراعيه والجة داخل أحضانه عنوة..متمتمة بصوت مكتوم اشبه بالبكاء:
-متمشيش يا بابي قبل ما تقولي أنك سامحتني..انا بحبك أوي…وآسفة والله آسفة…
ظل على موقفه واكتفى بأخراجها وإبعادها عن احضانه…ورغم رفضها بالبداية الا انها رضخت لما يريده وابتعدت بالنهاية منصته لكلماته الأخيرة قبل أن يغادر الغرفة:
-بتحبيني مش مجرد كلمة تقوليها..بتحبيني يعني تحترميني…وتصوني نفسك عشان أنتِ بنتي..تخافي على نفسك بضبط زي ما كنت بخاف عليكي وأنتِ عيلة صغيرة…آسفك ليا ومسامحتي ليكي مش واقفة على عياطك أو حتى كلمة آسفة… آسفك يبقى بالتغيير..
سكن قليلًا يجوب بعيناه على وجهها التي أطرقته للأسفل..ثم استطرد:
-بأنك فعلا تبقي عايزة تتغيري على الأقل عشان نفسك..مش عشان تعدي الموقف واسامحك وخلاص…لا انا عايز اشوف ده عليكي وبطريقتك ونظرتك الجديدة للحياة…على فكرة عابد بيحبك….وانا متأكد من ده…كفاية أنه عارف بلاويكي ولسه متمسك بيكي…حافظي عليه..واحترميه…قدريه و قدري حبه…اعملي حاجة عدلة في حق نفسك ولو لمرة…
رحل وتركها تراجع ذاتها..على يقين تام بأنه لم يخطئ في حديثه..بل الخطأ الحقيقي هي صاحبته…..
اختلست نظرة نحو هاتفها وتلك الكلمات التي تخص عابد وعشقه نحوها والتي كانت تدركه من قبل تتكرر بأذنيها….
______________
صعدت “وعد” غرفتها عقب رحيلهم…انتظرت دقائق معدودة..
ثم قررت محادثته فـ ضحكته وابتسامته المكتومة اليوم تجعل الدماء تفور لرأسها وتتمنى النيل منه….
أجاب عليها بعدما تسلل من بين أهله و اندس حجرته من أجلها ومن أجل الإيجاب عليها:
-لا لا مش مصدق..وعد بذات نفسها بتتصل..يا شيخة انا قولت مش هتتصلي والله…
-اكيد طبعًا حاسس بنفسك هببت ايه انهاردة..ألا قولي هو كان في حد بيزغزغك تحت باطك ولا ايه…
ارتفع حاجبيه مندهشًا من تلقائيتها البحتة في الحديث مكررًا إياها:
-باطك !!!!!!
أكدت بهجوم شرس:
-اه باطك…
نفى مازحًا معها وساخرًا في ذات الوقت:
-لا مش بغير من تحت باطي..بس بغير من رجلي… تقريبًا الشراب كان بيزغزغ….
انتهى محررًا ضحكات متتالية لم يستطع منعهم…مما أثار غيظها أكثر وأكثر….
-هو انت بتضحك على إيه؟؟؟ هو انت عبيط !!!!!!!!!!!!
علق من بين ضحكاته بصعوبة:
-بنت عيب انا خطيبك…
ردت وهي على وشك تحطيم أي شيء أمامها:
-أنت مش خطيبي..انت مستفز يا أشف..وايه رأيك بقى اني هفضل اقولك اشف..اشف اشف مدام بتنرفزك ولو عايز تقول رعد قول مش هيهمني…
أغلقت بوجهه…ضاربة على الأرضية بقدميها.. و بحركة مباغتة وجدت من تقبض على تلابيبها من الخلف مرددة بنبرة ساخرة متوعدة بعدما دخلت الغرفة ولم تشعر بها الاخرى:
-وحياة امك هتقوليله يا اشف….قولي كدة بقى..ده أنتِ بتكلميه من زمان ومقرطساني…
برقت عيناها فزعًا وخوف، قائلة بتقطع:
-مـ ماما…
ردت رحمة وهي تهزها بعنفوان:
-هو أنتِ خليتي فيها ماما ده أنتِ اللي ماما…بتكلمي معاه من امتى يا بت انطقي…
ابتلعت لعابها وقالت بهدوء وأدب لا يليق بها:
-ماما من فضلك احترميني…كدة رعد قصدي وعد بقت نو برستيج و لو حد شافك وأنتِ مسكاني زي الحرامية كدة هيحفلو عليا…
هزتها من جديد هاتفة من بين اسنانها:
-بلا برستيج بلا بطيخ…وردي على السؤال….
أزاحت وعد يدها من عليها بصعوبة قائلة بصدق:
-اقسم بالله ما كان فيه بيني وبينه حاجة غير كل احترام وادب..لا سامحني يارب..انا علطول بستفزه واقوله يا اشف وهو بيقولي يا رعد اصل هو طلع الحر
قطعت جملتها وابتلعت بقيتها بجوفها عندما أدركت ما كانت على وشك ارتكابه من فضح أمره واخبار والدتها بأنه اللص الذي اقتحم منزلهم منذ شهور….
تجعد وجهها وكأنها على وشك البكاء مردفة قبل أن تركض خارج الغرفة هاربة من حصار وتساؤلات والدتها:
-بصي ياما بصراحة كدة الجري نص الجدعنة..سلام عليكم….
انتهت راكضة للخارج ورحمة من خلفها محاولة الإمساك بها..لكنها لم تفلح بذلك…تلفتت رحمة حولها لا تدري أين ذهبت واي حجرة قد دخلت فقد اختفت من الممر المملوء بغرف الفتيات…….
هزت رأسها بتوعد وبدأت رحلتها بالبحث عنها مستغلة تواجد معظمهم بالاسفل وعدم تواجدهم بالغرف….
على الطرف الآخر…
أوصدت أبواب إحدى الغرف تحديدًا غرفة “احمد”
ثم سارت على أطراف قدميها مقتربة من الخزانة الخاصة بملابسه وقامت بفتحها ثم تسللت داخلها وأغلقت من خلفها…تنتظر هدوء والدتها…وتوقفها عن البحث عنها….
مضت لحظات جاء احمد خلالهم وما كاد يغلق الباب حتى أوقفته رحمة التي بحثت بجميع الغرف ولم تجدها:
-احمد البت وعد عندك؟؟؟؟
نفى برأسه مردفًا:
-اعوذ بالله…متجبيش سيرتها عشان بتيجي بالسيرة وأنا مش فايقلها…
أومأت له وتحركت كي تبحث عنها باتجاه آخر…
بينما اقترب هو من الخزانة كي يخرج ملابس له…
انتفض سريعًا وهو يراها تجلس بأرضية الخزانة…
ابتسمت له بخوف مردفة بهمس:
-استر عليا الله يخليك…
-يا شيخة خضتيني حرام عليكي…وبعدين استر عليكي ده ايه دي فرصتي جتلي على طبق من دهب.
وما أن انتهى حتى بدأ يهلل جاذبًا رحمة الى غرفته:
-يا أبلة رحمة….يا أبلة بنتك هنا اهي…
خرجت وعد من الخزانة محاولة النيل منه كي تجعله يصمت ولا يسبب جلبه…لكن كان تأخر الوقت وحضرت رحمة ونالت عليها بخفها المنزلي تحت استغاثة الأخرى به وبمن بالمنزل…..
مشتعلة من ضحكاتهم وشعوره بالتشفي نحوها….
_______________
لا تتوقف قدماه عن السير بغرفته بأفكاره السوداء التي نشأت بداخله بسبب تلك النظرة التي التقطتها عيناه…
محاولًا الوصول إلى مغزى تلك النظرة نحو أخيه؟؟؟؟؟
ترى هل لا تزال تحمل له شيء بداخلها !!!!!!!
هنا وهز رأسه بعنف يرفض أن يصدق تلك التفاهات والذي يحاول الشيطان إقناعه بها والتلاعب بعقله…
مخبرًا ذاته بأنها ما كانت ستوافق عليه لو كانت تشعر بمشاعر خاصة نحو أخيه..
توقف عن التفكير أكثر مقررًا إنهاء ذلك الصراع الذي قد يفتك به…أخرج هاتفه وعلى الفور قام بأزالتها من قائمة الحظر..مرسلًا لها كلمات بسيطة تحثها على الحديث معه والتوقف عن ذلك التلاعب الذي لا يلائم أعمارهم:
“لو سمحتي كفاية لعب عيال وجو البلوكات ده وردي عليا ضروري، عايزك في موضوع مهم.”
باغتها بحديثه معها، وإنهاءه حظرها…قارئة كلماته..ببسمة قد لاحت على محياها و وجهها..
جذبت الغطاء عليها وسندت بظهرها على ظهر الفراش موضحة سبب فعلتها من البداية:
“ده مكنش لعب انا مكنتش أعرفك..ومكنتش حبة اتكلم معاك مدام معرفكش ولا اعرف عايز مني ايه حتى لو اعرفك كلامنا كان هيبقى غلط..بس دلوقتي الوضع اختلف”
كرر قراءة رسالتها أكثر من مرتين..وبدون أن يشعر ابتسم مدركًا تعلمها من تجربتها مع أخيه والتي لا تعد تجربة فهما لم يران بعضهم من قبل..او يتحدثان مثل البشر…فقد كان دائم التهرب منها..
تنهد باعثًا لها:
“انا هتصل ردي عليا عايز أسألك على حاجة”
وافقت وهى تتململ بجلستها أعلى الفراش..مبللة شفتيها محاولة التماسك فـ خفقاتها المتسارعة ستجعلها تتلعثم معه بالحديث..
“اوكي”
أخذ نفسًا عميقًا قبل أن يهاتفها..مشجعًا ذاته كي ينهي تلك الشكوك داخله ويدرك منها سبب تلك النظرات متوقعًا غضبها وثورتها عليه..لكن لا يهم..فقط ما يهمه هو أن يتخلص من شكوكه التي قد تؤذيهم فيما بعد….
اتصل بها منتظرًا ردها عليه..ثوانِ فقط وكانت تجيب
-ألو..
ازدرد ريقه وبدون مقدمات طرح السؤال مباشرة:
-داليدا انهاردة شوفتك بتبصي لـ جابر ممكن أعرف ليه؟؟؟ هو أنتِ لسة
قاطعته نافضة الغطاء عنها مضيقة عيناها بأستنكار لا تسمح له بألقاء أكثر على مسامعها عالمة بتكملة حديثه:
-انا لسة إيه !!!!! انت مجنون ؟!!! انت عارف بتقول إيه، انت ازاي تفكر كدة، هو أنا لو لسة زي ما بتقول هوافق عليك؟؟؟؟
كما توقع فقد أثار حنقها وسخطها…فقال محاولًا التأكد أكثر وأكثر:
-يعني أنتِ لما بتشوفيه مبتحسيش ناحيته بأي حاجة؟؟؟
عضت على شفتيها غيظًا من سؤاله وبدون أن تدري صرخت عليه بأنفعال مفرط وعروق رقبة قد برزت:
-لا بحس..بس بحس بالقرف..ومش ببقى طايقة اشوفه وده مش عشان بحس ناحيته بحاجة لا…عشان اللي عمله قرف فعلا وبيفكرني بغلطي في حق ربنا..وحق أهلي..ونفسي…
صمتت تلتقط أنفاسها اللاهثة ثم تابعت غير سامحة له بمقاطعتها:
-اخوك اللي بتقول عليه بحس ناحيته بحاجة ده مكنتش اعرف شكله…كنت بحب في صورك أنت يا استاذ…وبعدين اخوك المعفن ده انا هحب فيه على إيه..ايه اللي عدل فيه..ولو عايز إجابة لسؤالك..فهقولك وهريحك يا نضال بيه…
ابتلعت لعابها متذكرة نظرات جابر نحو ثراء مما أثار قلقها وذعرت عليها من الاعيبه…وإيقاعها بعشقه ثم يتخلى عنها:
-اخوك المحترم كان مركز مع ثراء…وثراء يا نضال خط أحمر..اقسم بالله العظيم لو فكر بس يهوب ناحيتها أو بس داسلها على طرف لهكون فضحاه ومش ساكته…وقبل ما اقفل اعتبر اللي حصل انهاردة ده بح…ده احنا لسه على البر وبتقولي بتبصي لاخويا…اومال قدام هتعمل ايه؟؟؟؟
تيبس مكانه وهلع قلبه من كلماتها الأخيرة، متمتم بتلعثم واضح:
-أنتِ بتقولي ايه!!!!!!! انا مش هسيبك ومش موافق..
-وأنا بقى هسيبك وموافقة…
انتهت مغلقة في وجهه..حدق بالهاتف بصدمة وشعور بالحماقة يسيطر عليه…فقد أهانها و إتهمها بأنها لا تزال تهتم بأمر جابر….
اغمض جفونه يسب ذاته واخيه ببذائة و فظاظة..محاولًا الاتصال بها من جديد..لتغلق في وجهه و تضعه من جديد في قائمة الحظر تاركة إياه يأكل أنامله من شدة الندم….
عض على شفتاه بغيظ مكتوم مردد باهتياج وغضب ناري:
-غبي…غبي……
______________
جاءت دلال بتلك الورقة التي جعلتها على هيئة عروس وبين يداها إبرة صغيرة…راغبة في إبعاد الأعين والحسد عن ابنها البكري:
-من عين أبوك سلطان..ومن عين امك دلال..ومن عين اخواتك..نضال..وعابد.. وخليل..وجابر..جابر..جابر…جابر…
قاطعها جابر معترضًا مستنكرًا تكرار اسمه دونًا عن الجميع:
-هو ايه اللي جابر..جابر..جابر..جابر ده…جرا ايه ياما؟؟؟
رمقته بنظرة خاطفة حادة مجيبة إياه بأقتضاب قبل أن تعود لما كانت تفعله:
-ببعد العين عن أخوك..
رد بتهكم واضح ونبرة ساخرة:
-أنتِ المفروض تبعدي عينك أنتِ… يعني بدل جابر اللي قعدتي تقوليها دي المفروض تبقى..من عين دلال..دلال..دلال..دلال.
امتنعت عن المتابعة منحنية لمستوى قدميها منتشلة خفها مصوبة إياه نحوه فقد كان يجلس على المقعد المقابل للأريكة..
تصادم به..مما جعله يصك على اسنانه غيظًا…
تصنع الجمود وقال ببرود يذكرها بما حدث اليوم مع الفتيات:
-لو كنتي نسيتي افكرك…
تململ بجلسته مقلدًا جلستها وطريقه حديثها:
-بجد ماشاء الله عليهم كلهم زي القمر..اه والله مش بجامل على فكرة دي الحقيقة..ربنا يحفظهم يــــــــارب..
انتهى مردفًا بصوته الطبيعي:
-عروسة مين دي وجابر ايه اللي خايفة منه..ده أنتِ اكبر خطر..ده أنتِ كارثة متحركة ياما..انا أخاف المرة الجاية يموتوا ويفرفروا منك وبدل ما نحضر فرح نحضر جنازة….
حضر عابد بتلك اللحظة والذي كان يبدل ملابسه بالاعلى بأخرى أكثر اريحية…مناظرًا اخيه بنظرة شاملة..فـ حتى الآن لم يبدل جابر ملابسه…
-هو أنت حد مسلطك عليا؟؟ مبتعملش حاجة حلوة ولا كويسة للآخر لازم تطلعلي خازوق…
قطب الآخر حاجبيه بعدم فهم..بينما علقت دلال، قائلة:
-يطلعلك خازوق إيه..هو بحد ذاته خازوق..هبب إيه..
-هبب إيه إيه؟؟؟ أنتِ مش شايفة لابس إيه…يعني دون عن الالوان كلها ملبسش غير نفس لبسي….
انتبه جابر للتو واتسعت عيناه تعجب لتلك الصدفة…
ما لبثت أن تعلق والدته والتي ايضًا لم تلاحظ سوى بتلك اللحظة..
لولا صياح جابر سعيدًا بتلك الصدفة:
-الله…تصدق مخدتش بالي…ايه الصدفة الحلوة دي…
-حلوة !! دي زفت..بقولك ايه عشان انا جبت اخري معاك..لو حصل اي حاجة أو ضايقتني تاني قسمًا عظمًا ما هسكتلك وهحط عليك حطه…
انكمش وجهه جابر اشمئزازًا، قائلًا:
-صحيح خير تعمل شرًا تلقى…بس ملحوقة..
تأففت دلال وتابعت ما كانت تفعله قبل مقاطعة جابر وحضور عابد مردفة:
-ومن عين جابر..جابر..جابر..ومن عين خالتك نجلاء..وبنتها وابنها..ومن عين كل من شافك ومصليش على النبي يا أشرف يا بن بطني..
انتهت مطالعة الاثنان هاتفه:
-ما تصلي على النبي انت وهو…
-عليه الصلاة والسلام.
قال الاثنان بنفس واحد..ثم نهض جابر ولحق بـ اخيه الذي تحرك قاصدًا غرفته..مطوقًا عنقه هامسًا له:
-بقولك إيه؟؟ هو انت ايه نظامك مع البت وئام…يعني هتعاملها ازاي من هنا ورايح…
نفض ذراعيه الذي حاوطت عنقه مردفًا بهدوء تام:
-وأنت مالك !!!!
-ده مالي ونص يا جدع مش توأمي..اقولك بحكم خبرتي وعلاقاتي المتعددة فـ أنا اقولك خليك تقيل..بلاش دلقة كل مرة دي…الدلقة وحشة اسمع مني…
عقب عابد بسخط:
-أنت متقولش..انت ملكش دعوة اصلا..انا لو سمعت منك هفركش…
قال الأخيرة مغادرًا صاعدًا غرفته..فلم يتركه الآخر وظل يلاحقه..
ولج غرفته فوجد صوت هاتفه يدوي بالحجرة..التقطه سريعًا ولم يصدق عيناه…
فها هي تهاتفه وحروف إسمها تضيء شاشه هاتفه….
ابتسم بخفوت وعدم تصديق وذكرى مهاتفتها له للمرة الأولى تعاد بذهنه..
أخذ نفسًا طويلًا ثم اجابها لم يطيل عليها أكثر من ذلك..
وصل إليها صوته الرجولي متمتم:
-ألو…
-فاضي شوية حبة اتكلم معاك؟
آتاه ردها الهادئ المسالم للغاية…كاد يعلق ويخبرها بتفرغه لولا أخيه هادم اللحظات والذي قام بفتح الباب والصياح بصوت عالي:
-يا عم اسمع مني واتقل ده التقل صنعه..مسمعتش اغنية الفنانة سعاد حسني وهي بتقول ياه ياه يا واد يا تقيل !!!!
اخفض الهاتف وقام بغلق الصوت كي لا يصل إليها شجارهم مطلقًا العديد والعديد من الألفاظ البذيئة التي جبرت الآخر على الاستسلام والخروج من الغرفة…
هدأ روعه بعد مغادرته وجلس على الفراش ليبدأ حديثه معها ويسمع ما لديها…
-معاكي يا وئام.
استجمعت شتاتها وحضرت قوتها بتلك اللحظة محادثة إياه بصراحة مفجعة:
-وأنا معاك..وعايزاك تعرف أني موافقة عليك..سبق واعترفتلي انك بتحبني وأنا وقتها جرحتك..وفضلت مستمرة في ده..كنت وخداك عند و تحدي في فاتن…انا مش عارفة انا كنت بفكر ازاي؟؟؟ أنا بستغرب نفسي يا عابد ومش عارفة ليه وازاي كنت كدة؟!!!..
مسحت على وجهها مقابلة صمته وسكونه التام مدركة صدمته من حديثها…
لم تصمت بل استرسلت حديثها موضحة له بوهن وضعف شديد:
-أنا كنت وحشة أوي…وانت رغم ده ورغم واحشتي مبطلتش تحبني..انا عايزة ادي نفسي فرصة معاك..فرصة اني أحبك وابادلك حبك يا عابد…
تغاضى عما أدركه…وضعف أمام تلك النبرة الضعيفة…لا يتحمل أن يراها هكذا…معترفًا لأول مرة بأنه حقًا ضعيف أمامها…فإذا أراد أن يغضب منها لا يطول غضبه بل يزول ما أن تتحدث معه…..وأمام هذا الندم والألم الذي شعر به مثلها تمامًا…قرر نسيان ما مضى…
فكلمات أخيه جابر حول طريقته وعشقه الزائد نحوها كانت دائمًا محقة لذلك كانت تثير اعصابه وتجعله يشعر بالحنق….
ابتلع ريقه واجاب عليها بهمس عاشق:
-وانا هستنى اللحظة دي…انا بحبك ومبطلتش أحبك يوم..وعمري ما شوفتك وحشة..عشان أنتِ مش وحشة يا وئام…أنتِ اجمل حاجة حصلتلي…لو الدنيا دي كلها اتحطتلي في كفة وأنتِ في كفة…كفتك انتِ اللي هتفوز…انا مش عايز غيرك..وكفاية عندي كلامك ده……
سعد قلبها وتراقص من كلماته متمتمة بخفوت وخجل طفيف تشعر به حديثًا:
-هستناك تكلمني بكرة..تصبح على خير..
-وأنتِ من أهلي…
أغلق معها وبسمة مشتاقة..ملتاعة تأخذ مسارها على وجهه…
-يا سلام يا ولا يا عابد..الحب ولع في الذره ياض…بس على فكرة مسمهاش وأنتِ من اهلي..اسمها تصبحي قطة من غير ديل…
كان ذلك صوت جابر الذي تسلل إلى الغرفة دون أن يشعر به عابد الذي انشغل بالحديث معها وبكلماتها…
اختفت البسمة عن وجه عابد وباغت الأخير الذي هرول كي يختبأ بالنهوض خلفه كي ينال منه فقط طفح الكيل…وتفاقم تدخله بأموره….
______________
اليوم التالي…
وصلت “نيفين” أمام الباب..وقبل أن تضغط على جرس المنزل فتحت حقيبتها اليدوية مخرجة مرآة صغيرة تتأكد من زينتها وخصلاتها..ملتقطة احمر شفاه داكن اللون…واضعة منه المزيد على شفتيها…
نال ما فعلته على إعجابها..وعلى الفور أعادت كل شيء محله..وضغطت على الجرس…
انتظرت ثوانِ ببسمة لم تختفي بعد…
لم يستجيب أو يفتح لها…فقامت بالضغظ من جديد ولكن بإلحاح تلك المرة على أمل أن ينفرج الباب وتقضي ذلك اليوم رفقتهم وتعيده لها من جديد…
بدأت بسمتها بالتبخر بالهواء الطلق…
وأخذ الغضب مكانه…متخليه عن رقتها ضاربة براحة يدها على الباب…
وعندما لم تجد جديد.. أخرجت هاتفها وقامت بالاتصال عليه…
صدح رنين هاتفه بالسيارة..والتقط بحدقتاه إسمها..فأدرك بذهابها وعدم إيجادها لهم…اختطف نظرة سريعة نحو ابنه الجالس جواره..ولم يجيب عليها كي لا يغضب عليها أمام صغيره…
اغلق بوجهها رافضًا مكالمتها…وتابع طريقه…
ضربت بمقدمة كعبها العالي الأرض مردفة بوعيد:
-ماشي يا خالد..أهرب مني كمان وكمان…انا هوريك..مبقاش نيفين لو مخلتكش تحفي عشان ترجعي…
_____________
تقابلت فجر مع وعد مردفة بتنهيدة:
-لسة كنت هدور عليكي..البت إيمان اتصلت..وهروح اقعد معاها شوية..ايه رأيك تيجي معايا ونروح سوا…
وافقت وعد قائلة:
-وماله..هدخل اغير واجيلك…
وبالفعل ولجت وابدلت ملابسها وبتلك الأثناء جال بذهنها محادثته والتحجج بخروجها ورغبتها في أخباره..
لكنها فاقت ونهرت ذاتها مردفة:
-لا ده انا اتجننت رسمي..مش هكلمه..لو كلمته هجيب الكلام لنفسي وهيقولي ما تروحي….
انتهت وخرجت رفقة فجر التي لا تدرك بأنها حياتها على وشك التبدل بسبب تلك الزيارة……
_________________
-صباح الخير.
-صباح النور..ايه الزيارة القمر دي…ازيك يا واد يا حلو انت؟
أجابت دلال مرحبة بـ خالد وابنه بحرارة مشيرة للداخل…
استجاب خالد لها ودخل رفقتها متسائلًا عن البقية:
-اومال سلطان بيه فين.. وأشرف و
قاطعته مجيبة:
-سلطان نايم والعيال خرجوا عشان يقفوا مع العمال اللي شغالة في المطعم…وعابد تقريبًا راح الكوافير بتاعه..مفيش غير خيبة أملي قاعد بيفطر جوه زي البغل…
ضحك خالد على كلماتها العفوية تزامنًا مع مجئ جابر مردد والطعام لا يزال بفمه:
-سمعتك على فكرة..ومش هقولك غير الله يسامحك…
التقطت عيناه الصغير رفقة خالد فاقترب مرحب بهم:
-وأنا اقول البيت نور ليه…عامل ايه يا خلودة..عامل ايه يا واد يا وسام..
رد الصغير باحترام وهدوء:
-الحمدلله..
تنحنح خالد بوقفته قبل أن يعرض عليهم بحرج طفيف:
-هو انا ممكن اسيب وسام معاكم ساعتين؟؟
رد جابر مهللًا بفرحة لفكرة جلوس الصغير الذي أحبه معه:
-يا سلام ده ينور..وبعدين انت بتستأذن ده البيت بيتك والله يا وش الخير انت….
منحه بسمة مجاملة لتلك الكلمات اللطيفة…ثم غادر كي ينهي عمله باكرًا ويعود لأخذ ابنه….
أما دلال فولجت المطبخ كي ترى ما الذي ستطهيه اليوم وبالطبع لن تنسى هاتفها ومحادثتها اليومية مع شقيقتها تاركة الصغير رفقة جابر الذي سرعان ما جال بذهنه فكرة مقررًا استغلال الصغير كي يصلح علاقته مع “ثراء”.
مردد بتلميح:
-واد يا وسام بتحبني ياض؟؟؟
اماء الصغير بعفوية شديدة متمتم:
-اكيد يا اونكل…
-يعني لو قولتلك عايز خدمة صغيرة منك تعملها؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
يتبع.
فاطمة محمد.
رأيكم وتوقعاتكم ❤️
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية كارثة الحي الشعبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.