رواية كارثة الحي الشعبي – الفصل السابع عشر
الفصل السابع عشر
أنظر جيدًا.
كارثة الحي الشعبي.
فاطمة محمد.
الفصل السابع عشر:
تضم ركبتيها إلى صدرها تبكي بمرارة وبطريقة هستيريا لما حدث معها…شاعرة بوجزة في قلبها…لما تسببت به…و وصلت إليه…
تصاعدت شهقاتها كلما تذكرت فعله “فادي” وكيف تخلى عنها مرتين…
المرة الأولى عندما ترك عابد يأخذها دون أن يدافع عنها أو يرفض ذهابها معه…
والمرة الثانية هو تخليه عنها أمام أبيها……وعدم دفاعه عنها.
لم ينطق بحرف واحد!!!! تركها…
دائمًا ما يلزم الصمت… وهي تلك الحمقاء التي صدقته اليوم وعفت عنه وذهبت معه بكل سهولة….
تفاقم تجعد وجهها بكاءًا وألمًا وهي تتذكر صدمة أبيها…فقد طالعها بنظرة لن تنساها بحياتها….
ما الذي فعله كي يستحق هذا منها؟؟؟؟
والجواب أنه لم يفعل شيء سوى أنه وثق بها…منحها كامل حريتها…لم يبخل عليها يوم… والنتيجة بأنها كانت خائنة…
خانت ثقته….وتسببت في أحزانه اليوم…..
بتلك اللحظة فقط أدركت ما كان يقصده عابد عندما أخبرها بتلك الكلمات التي لم تأخذها على محمل الجد يومها..
“ابوكي مكنش هيستحمل يشوفك بالمنظر المقرف ده..كان ممكن يجراله حاجة..ولو مكنش جراله وخرج منها سليمة…أنتِ اللي مكنتيش هتخرجي منها سليمة…ومش بعيد كان قتلك”
أوصدت جفونها تعتصرهم…رافعة أناملها تتحسس مكان صفعاته….
فتلك هي المرة الأولى الذي يرفع يداه ويصفعها…
تلك اليد التي كانت دائمًا ما تحملها وتدللها وهي صغيرة….هي ذات اليد التي تمدت عليها اليوم…
وهي السبب وراء ذلك….لن تلوم سوى نفسها…….
التقطت الوسادة من جوارها واضعة إياها على وجهها دافنة إياه بها…محررة صرخة عالية من فوها حملت الكثير والكثير من المعاني…..نادمة على ما اقترفته…….
بالخارج خرجت “وعد” من غرفتها وهي تنظر لذراعها التي كلما قامت بتحريكه تشعر بألم طفيف….
وأثناء مرورها من أمام حجرة “وئام” وصل إليها صوت صرخة مكتومة….لاحقها بكاء حاد قادم من غرفتها….
هلع قلبها عليها ولم تتردد باقتحام غرفتها…
فتحت الباب ودخلت دون استئذان وعلى الفور سقط بصرها عليها وهي تعتلي الفراش قاذفة الوسادة بعيدًا عنها بعنفوان وقوة…غضب….أسى…
زاد خوفها وقطعت المسافة الفاصلة بينهم جالسة جوارها تستفسر منها:
-ايه ده في ايه مالك؟؟؟ أنتِ كويسة!!!
ظل انكماش وجه وئام بكاءًا ولم تتلجلج في الارتماء داخل أحضانها…..
مشددة على خصرها وبكاءها في تزايد..وكأنها كانت تحتاج لأحدهم كي ترتمي في احضانه ويخفف عليها…
تحتاج لمن يربت على قلبها قبل جسدها….
بادلتها الاخرى احتضانها رغم ألم ذراعيها…..متناسية إياه بالوقت الحالي.. فقط هي من شغلتها وسرقت اهتمامها…
-مالك يا بت..متخضنيش الله يباركلك..انا مش ناقصة….هعيط معاكي وربنا..
احتفظت “وئام” بصمتها فقط تبكي..وقد بدأ بكائها يقل تدريجيًا…
علمت وعد انها لن تتحدث بالوقت الحالي فـ اكتفت بالربت على ظهرها وباليد الأخرى كانت تمسح على خصلاتها بحنان دفين…..
بعد وقت ليس بالقليل هدأت وئام تمامًا وابتعدت عن أحضانها وهي تكفكف عبراتها
تساءلت وعد على الفور بطريقة مرحة كي تهون عليها قليلًا:
-خلاص عيطي وعملتي اللي نفسك فيه…مالك بقى إيه اللي حصل؟؟
تحدثت “وئام” بصعوبة متمتمة:
-مفيش…ممكن تسبيني لوحدي..
-يا سلام…يا سلام تاني…يعني بعد ما خدتي مصلحتك وعيطي في حضني وجبتيلي اكتئاب حاد تقوليلي اسيبك…
طب مش سيباكي…انطقي في إيه..مين اللي معيطك كدة؟؟؟؟
ردت عليها وهي تقضم أظافرها تكبح دموعها:
-محدش..انا بس زعلت بابا..ومضايقة من نفسي عشان زعلته…
-وايه الجديد ما أنتِ علطول يا حبيبتي بتزعلي اللي حوليكي..وبعدين ميرو مش غريب..ده ابوكي…ده بيعشقك أنتِ والبت ثراء ولو روحتي صالحتيه اكيد هيحن وهيرخ..
-أنتِ مش فاهمة حاجة يا وعد…
-طب ما تفهميني وتكسبي فيا ثواب بدل ما أنا عاملة زي الاطرش في الزفة كدة…
علقت “وئام” موضحة لها:
-الموضوع كبير… وخد مني الموبايل والعربية واللاب…ومنعني من الخروج….
جحظت عيناها وعقبت:
-كل ده !!!!! اكيد مش من فراغ…هببتي ايه يا بت…انا مش عايزة اعرف رد الفعل انا عايزة اعرف الفعل اللي خلاه يعمل كدة معاكي….
لزمت “وئام” الصمت ثوانِ ثم قالت:
-شافني مع فادي صاحبي..خرجت معاه بعد الجامعة وعشان حظي المنيل الحيوان خدني بيته وعايزني اطلع معاه وبابا شاف وسمع اللي حصل….
ضربت على صدرها مهللة بصدمة:
-يالهوي يالهوي..وزعلانة أنه خد منك الموبايل والعربية واللاب..ده كويس أنه مخدش روحك….وقتلك….
نفت برأسها وهي على وشك البكاء من جديد:
-لا مش بعيط عشان خدهم مني..انا زعلانة عليه..ومن نفسي..حسة اني خدت قلم فوقني من اللي كنت بعمله…قلم خلاني أعرف أن اللي بعمله ده قرف…..
تنهدت “وعد” وكادت أن تتحدث لولا ما تناهى لمسامعها هي…و وئام….
فارقت الفراش متجهه نحو الشرفة ورأت مصدر الصوت..
عادت للحجرة وهي على وشك القفز فرحًا:
-ابوكي جاب كلب…يعيش مروان…يعيش…..هنزل اشوفه وارجعلك…ولو لقيتك بتعيطي همد ايدي عليكي….فكي…وخديه درس واتعلمي منه..
______________
خرجت الفتيات على صوت الكلب الذي ينبح بقوة مسببًا ضجيجًا….
ارتعبت بعضهم بينما سعد البعض الآخر….
دنت منه “أبرار” مداعبه شعره الطويل مصوبة حديثها لـ مروان:
-ايه الجمال ده… إسمه ايه يا عمي…
قاطعت “وعد” التي جاءت ركضًا مروان متخطية الجميع مداعبة الكلب كبير الحجم:
-ان شاء الله ملوش اسم…قول أن ملوش اسم يا ميرو….يغتي جميلة يا ناس…
عقبت علياء من خلفها:
-خلي بالك بدل ما يعضك يا وعد…
أكد مروان متحدث بهدوء أدركت وعد سببه:
-أيوة بيعض واسمه ألفين…الكلب هيتحط في الجنينة…والبواب هيمشي وهجيب اتنين غيره….
قطبت روفان حاجبيها وتبادلت النظرات مع البقية….فطرحت علياء سؤالها:
-اشمعنا يا مروان..ايه اللي حصل؟؟
انقذته “وعد” معلقة بمرح:
-اكيد عشان يحمو البيت…مش فيه حرامية دخلوه من فترة..اكيد ميرو عايز ياخد احتياطات امنية مش كدة يا ميرو….
هز رأسه تأيدًا لها ثم تحرك جاذبًا الكلب رابطًا إياه بجذع شجرة تتواجد بحديقة المنزل….ثم تركهم…
دنت وعد…أبرار….داليدا….من الكلب بينما ابتعدت ثراء وحافظت على تواجد بعض المسافة هي وفجر…
نطقت وعد وهي تمزح معه:
-اسمك ألفين يغتي…متخافش هنقيلك اسم احلى..ايه رأيك في…جرجير…اسميكي جرجير يا بيضا..
ضحكت مع الأخيرة فأعترضت أبرار قائلة:
-ايه جرجير ده حرام عليكي…
-خلاص اسميه بامبينيا…
علقت داليدا تلك المرة بأعتراض:
-بـ إيه ؟؟ بقولك سميه بامية احسن…
امتعض وجه وعد وقالت بضيق:
-أنتوا بتتريقوا على الأسامي اللي بختارها….طب خلاص انا قررت..انا هسميه شيكو…..
-ده اسم قط ده مش كلب…
قالت ثراء تلك الكلمات…كذلك عبرت ابرار عن اعتراضها مردفة:
-ده لو يعرف يكلم كان شتمك…يا بنتي سميه اسم يمشي مع شكله..انتِ مش شيفاه عامل إزاي..ده وحش…
-وانا قولت شيكو يعني شيكو…واصلا انتوا مش فاهمين حاجة…الكائنات دي تبان شرسة وتخوف بس هي في الأصل مفيش اطيب منها…عشان كدة هسميه شيكو….أنا عارفة أن قلبه قلب خساية….ويلا سبوه دلوقتي وتعالوا معايا البت وئام مكتئبة وعايزين نفرفشها يلا….
_____________
حك “نضال” مؤخرة رأسه وهو يلج المطبخ حيث تتواجد والدته جالسة أمام منضدة تحوي على أواني وخضروات…وسكين حاد بين يداها تقطع به إحدى الخضروات دندن مع نفسها….مندمجة بما تفعله….
حمحم ابنها بخفوت جاذبًا أنظارها وحواسها…فتوقفت عن الدندنة مغمغمة ببسمة:
-خير يا حبيب أمك..
ابتسم مجبرًا متحدثًا بتردد بسيط:
-كل خير…انا عايز منك خدمة صغيرة قد كدة…
أشار بيده دلالة على صغر طلبه…فـ زادت بسمتها اتساعًا مرددة:
-اشجيني يا ابن بطني.
مال بجسده قليلًا مستندًا بكلتا يداه أعلى المنضدة، ملقيًا على مسامعها مطلبه:
-عايزك تعزمي الجيران على العشا انهاردة…
توقفت عن تقطيع الخضروات، تاركة السكين من يدها كي تعطيه كافة تركيزها:
-اشمعنا ؟؟!!!
شارف على اجابتها والتحجج بأي شيء لولا سعادتها التي طغت عليها وظهرت على قسماتها مهللة بفرحة ليس لها مثيل:
-قول أن عينك على واحدة من بناتهم…قول..قول متكسفش…انهي واحدة فيهم…
اعتدل بجسده واتسعت عيناه صدمة مما تتفوه به وترغب بحدوثه…فـ سارعت بالمتابعة غير سامحة له بالحديث:
-أبرار مش كدة…انا قولت دلال نظرتها متخيبش أبدًا..ده أ
قاطعها تلك المرة نافيًا بيده ورأسه معًا مغمغم:
-أبرار ايه بس..مش اللي أنتِ بتفكري فيه ده خالص…كل الحكاية أن الموضوع خطر في دماغي فقولت أعرضه عليكي واهو منه نقوي علاقتنا بيهم….
لاح المكر على ملامحها مبتسمة بخبث معلقة وهي تضرب على صدره برفق:
-يا حنين…ومكنتش بتقوي علاقتك مع الجيران القدام ليه؟؟ انت مش بتكلم تلميذة يا واد…ده انا دلال اللي بتلقطها وهي طايرة وعشان اريحك هعزمهم وهجيبهم بس لو مقولتليش عينك من مين فيهم بعد ما يمشوا هخطبلك انا منهم اللي على مزاجي….آمين.
ابتسم رغمًا عنه على والدته..تلك الحنونة المرحة…الثرثارة سليطة اللسان أحيانًا مقبلًا أعلى جبهتها بحنو شديد:
-آمين…
ابتسمت له قائلة وهي تعود مكانها:
-هخلص تقطيع اللي في أيدي وأخرجلهم…
______________
هرولت الفتيات نحو غرفة وئام بينما غابت وعد والجة غرفتها ولا يدرون سبب ذلك الغياب؟؟
تقدمت ثراء من أختها مستفسرة بلهفة:
-مالك يا وئام؟ أنتِ كويسة؟
بينما ضيقت داليدا عيناها وعقبت:
-أنتِ معيطة ولا ايه؟!!!
دخلت وعد بتلك اللحظة وبين يدها الدربوكة…موصدة الباب خلفها وهي ترفعها أمام أنظارهم مغمغمة بفرحة:
-ان ان جبتلكم الطبلة…يلا يا بت قومي هزي أنتِ وهي….يلا..
تركت الدربوكة أعلى الفراش تحاول سحب وئام وجبرها على مشاركة الرقص مع اختها…
اعترضت على النهوض قائلة بصوت مبحوح:
-سبيني يا وعد لو سمحتي…واطلعوا كلكم عايزة اقعد لوحدي…
احتجت وعد على حديثها وأصرت على موقفها مردفة بمرح:
-مش هنسيبك واساسا كلنا مخنوقين…و هرموناتنا بايظة…وده محتاج اننا نرقص..اي واحدة حزينة..كئيبة..هرموناتها ضاربة..تعالج ده بالرقص….يا أما تمسكي واحدة فينا ترنيها علقة وتطلعي كل اللي جواكي عليها…وفي الحالة دي هتموتيها.. فبالتالي الرقص ارحم…يلا بقى قومي…
ظلت رافضة مصرة على موقفها…ولولا إلحاح البقية…وذهاب ثراء وأبدالها ملابسها لاخرى خاصة بالرقص الشرقي…
ثم عادت جاذبة إياها متشاركين بالرقص سويًا……
_____________
صف “عابد” سيارته أمام باب المنزل…ثم ترجل منها تزامنًا مع هبوطها هي الأخرى وانبهارها بما تراه….فلم تتخيل أن يصبح مالك قلبها و وجدانها بذلك الثراء…..
بارح مكانه واقفًا جوارها معلق على ذلك الانبهار الذي يطلق كالسهام من حدقتاها:
-ولسة لما تشوفيها من جوة هتعجبك اكتر واكتر…يلا…
فتح الباب ودخل المنزل وهي خلفه…
نادى على والدته التي كانت تهبط من أعلى الدرج مرتدية عبائتها السوداء وحجابها على أتم استعداد للذهاب لمنزل جيرانها…
-تعالي يا ماما…احب اعرفك على فاتن..كانت زميلتي في الشغل..وهتشتغل معايا في الصالون بتاعي….
تفحصتها دلال بنظرة شاملة من أعلاها لأسفلها متمتمة بينها وبين ذاتها:
-احييه..لتكون عينك منها وتبوظلي تخطيطي….لا..والف لا…مش هخليك تبوظلي ترتيبي..
مدت فاتن يدها مبتسمة لها بترحيب مادحة اياها:
-ازي حضرتك يا طنط..انا مبسوطة أوي اني اتعرفت على حضرتك…بسم الله ماشاء الله حضرتك زي القمر..اللي يشوفك ميقولش انك مامت عابد…
ارتفع حاجبي “دلال” وعقبت بهدوء:
-تسلمي يا حبيبتي….
انتهت جاذبة عابد لإحدى الزوايا بعيدًا عنها مسببة له ببعض الحرج من فعلتها..
فقال بخفوت:
-في ايه يا ماما بتجريني كدة لية؟؟؟
-مين دي وجايبها ليه ؟؟ تكونش خطيبتك وانا معرفش..ده زينة اللي تولع مطرح ما راحت مكنتش بتيجي مع اخوك أشرف من غير عزومة…
هتف من بين أسنانه، بعدما استرق نظرة نحو فاتن:
-اعمل ايه يعني…كنت خارج معاها وحرجتني قالتلي عايزة تتعرف عليكم وتشوف البيت الجديد…
-آه بجحة يعني…بقولك إيه أنا مبحبش البنات البجحة..اتصرف معاها ومشيها أنا رايحة اعزم الجيران وجاية..
كادت تتحرك فقام بأيقافها رافضًا ما تقوله:
-تعزمي مين؟؟ انا مش عايزك تعزميهم…انا اصلا مش عايز اشوف حد منهم…
-والله!!!..ما تلطشني قلمين احسن وعلمني الأدب؟ وبعدين دول ناس محترمة هروح اعزمهم بنفسي…أصل عمرهم ما فكروا يجوا البيت من غير عزومة ناس عندها دم ….
قالت الأخيرة وهي ترمي بحديثها نحو تلك التي بدأت بالتجول بالمنزل بمفردها وبدون خجل….
تحركت دلال رامقة إياها بضيق مردفة بصوت عالي تزامنًا مع هبوط جابر:
-طبعا يا حبيبتي أنتِ مش محتاجة اقولك ان البيت بيتك..شيفاكي ما شاء الله بتلفي فيه كأنك بايته فيه….
ابتلعت فاتن ريقها وشعرت بخجل طفيف متوقفة عن الحركة مراقبة مغادرة والدته عن المنزل موجهه كلماتها الأخيرة لـ جابر:
-واد يا جابر أنا رايحة اعزم الجيران على العشا…كلم ابوك وخليل عرفهم…وانا لما اجي هشوف ايه اللي ناقص واطلبه من برة دليفري….
غادرت تاركة إياهم…امتعض جابر من حديثها ثم اقترب من عابد الذي عاد واقفًا جوار فاتن…مردد بفظاظة:
-مين دي كمان؟؟؟ ما تثبت على واحدة بقى…
عقدت حاجبيها وطالعت عابد بعدم فهم…بينما استأذن منها عابد جاذبًا أخيه بعيدًا عنها مردد بتعنيف منتبهًا لتلك اللكمة الواضحة بوجهه:
-أنت بتقول ايه يا حيوان انت يخربيتك…
-يخربيتي أنا….وبالنسبة لحضرتك إيه؟؟ انت مش على اساس بتحب ست الحسن والجمال اللي أنا اضربت بسببها وبسببك امبارح….ألا قولي يا عابد مدام أنت طري كدة بتعمل فيها ليه شجيع السيما ها…
تنهد عابد موضحًا له بنبرة سريعة:
-لم لسانك يا جابر وانا مش طري انا بس فكرت شوية وعرفت اني اتسرعت أبوها لو كان شافها كان ممكن يجراله حاجة..يا اما كان موتها….وفاتن كانت زميلتي في الشغل يعني مفيش بيني وبينها اي حاجة…ارتحت؟؟
حول جابر أنظاره نحوها فوجدها تتابعهم بعيناها..وما أن رأته ينظر إليها حتى أطرقت رأسها أرضًا…
عاد محملقًا بأخيه مردفًا بغمزة من عيناه:
-طب إيه؟ شكلها بتحبك..
هنا وأدرك للتو ما يخطط له أخيه…اتسعت عيناه بحماس وكأنه قد علم ما يدور بذهن أخيه:
-فهمت….أنت هتخلي البت وئام تتحرك بانك تستفزها بـ الحتة دي صح؟؟
نهره عابد بخفوت مردد:
-ايه حتة دي احترم نفسك…ومش انا اللي اعمل كدة..انا لا يمكن افكر استغل اي واحدة..أو العب بمشاعرها..وبذات لو الواحدة دي بتحبني…لاني كدة هكون حيوان…ومش أنا اللي عزمتها…هي اللي حبت تيجي البيت….
اقترب جابر منه هامسًا له:
-بس لو عايز وئام تحبك زي ما بتحبها لازم تخليها تشوفك مع واحدة تانية يمكن تغير عليك…ولو ده حصل تبقى هي كمان بتحبك و
قاطعه بصرامة وأعين تطلق شرار:
-متكملش قولتلك مش انا اللي اعمل كدة…الحركات دي بتاعتك انت..ولو هتحبني بالطريقة القذرة دي يبقى تغور انا مش هعمل كدة…
تركه متحركًا تجاه فاتن التي ابتسمت له مخبرًا إياها بأنه توأمه ويدعو جابر ثم بدأت جولتها معه بالمنزل متعرفة بتلك الاثناء على أشرف….ونضال.
______________
مرت “دلال” من البوابة الخاصة بجيرانها وهي تثرثر ببعض الكلمات التي توحي وتعبر عن مدى ضيقها من تلك الفتاة القابعة بمنزلها الآن والتي لم تخجل بالمجئ مع ابنها وتجلس رفقته رغم ذهابها….
عجلت من خطواتها كي لا تتركهم بمفردهم كثيرًا….
وفجأة جاء صوت نباح الكلب من خلفها ومحاولته بالتحرير كي ينقض عليها..
برقت عين دلال ودوت صرخاتها بالأرجاء وهي تهرول من مكانها خوفًا منه ومن حجمه الكبير…
خرجت كل من كوثر وسامية على صوت صراخها..وكذلك روفان ورحمة وعلياء..وتقى…يطمئنون إياها كي تكف عن الصراخ المبالغ بوجهة نظرهم..
فـ الكلب لم يكن محررًا ولا يستدعي كل هذا الصراخ…
رددت روفان مربته على ذراعيها وهي تجذبها لداخل المنزل:
-اهدي متخافيش الكلب مربوط…
سارت معها حتى وصلت للأريكة وجلست عليها تزامنًا مع هبوط الفتيات من الأعلى وباقي من بالمنزل…
مالت كوثر على أذن مريم متسائلة بخفوت عن هوية تلك المرأة:
-مين دي يا مريم؟؟
همست لها مريم:
-دي جارتنا الجديدة…ساكنة في القصر اللي قدامنا هي وجوزها وعيالها الخمسة…
بينما رددت وعد بقلق أثناء ذهاب داليدا لأحضار كوب ماء لها:
-أنتِ كويسة يا طنط؟؟
هزت دلال رأسها بالإيجاب مردفة بخوف طفيف:
-اه الحمدالله جت سليمة..اصلي بترعب من الكلاب عندي فوبيا منهم…وانا صغيرة كلب جري ورايا عضني في نص الشارع من ساعتها وانا مش بطيقهم وبترعب منهم..وبعدين كلب ده ولا أسد…
زفر مروان ولاحظ أبناء أعمامه بأن حالته سيئه وكأنه قد حدث شيء معه ويخفيه عنهم….
بينما جاءت داليدا من المطبخ حاملة كوب الماء…
مدت يدها لها فأنتشلته دلال وتجرعته على دفعة واحدة…
اخفضت الكوب قائلة بامتنان:
-تسلم ايدك يا بنتي…
هنا وانتبهت لهؤلاء السيدات التي تراهم للمرة الأولى فقالت معرفة ذاتها:
-انا دلال وممكن تقولولي ام اشرف..وانتوا…
رحبت بها خديجة معرفة ذاتها بأنها والدة روفان وجدة داليدا..وبراء…وتكون بذات الوقت عمة سليم…أي شقيق والده محمود….
كذلك عرفت كوثر..هناء..وسامية حالهم..وبعد ذلك الترحيب والتي اتخذته حجة لها… أردفت بتصميم وحماس شديد:
-طيب ايه رأيكم تيجوا تتعشوا معانا انهاردة..اول مرة عزمناكم الحلويات دي مكنتش موجودة…
اكفهر وجه مروان الذي كان يرمي ابنته وئام الصامتة بنظرات قاتلة وما كاد يسارع بالرفض والاعتذار فسابقته خديجة وهناء والدته بالموافقة:
-طبعا يشرفنا…
سعدت وعد وتهلل وجهها فاليوم ستراه مجددًا….
بينما نهضت دلال من مكانها مردفة:
-بأذن الله هنستناكم متتاخروش بقى…
خطت خطوة واحدة ولكنها تصنمت لثوانِ ما أن وقعت عيناها على ملابس ثراء..
تجاهلت الأمر سريعًا وغادرت مسرعة…مرددة في سرها:
-هي اشتغلت رقاصة ولا إيه؟؟
عقب ذهابها وتأكدهم من رحيلها…هتف مروان موجهًا حديثه الصارم الذي لا يقبل نقاشًا لـ علياء:
-اعملي حسابك أنا وأنتِ والبنات مش هنروح في حتة…هما عايزين يروحوا براحتهم هما احرار….
تركهم في حيرة من أمره..أما وئام فاحتضنت جسدها بذراعيها وذهبت علياء خلف زوجها كي ترى ما الذي به؟؟
تفرق الجميع ولم يبق سوى فجر…ثراء..
شهقت فجر بخفوت مردفة:
-يخربيتك أنتِ كنتي واقفة بالروب وتحتيه بدلة الرقص….كويس أنه محدش خد باله من البدلة….
______________
جاء جابر برقم “خالد” ثم وضع الهاتف على أذنيه منتظرًا اجابته..
رد بعد ثوانِ مردفًا بهدوء:
-ألو..ازيك يا جابر…
-بخير يا زميلي..قولي وراك حاجة بليل؟؟
ألقى سؤاله بمكر وبسمة لعوبة منتظرًا إجابته:
-لا..بس ممكن اخرج انا و وسام..
وافق “جابر” مقترحًا عليه:
-طب حلو..ايه رأيك تيجي تتعشا معانا انهاردة و وسام معاك طبعا…
ابتسم خالد فكم يحب تلك الأجواء العائلية مردفًا بموافقة واستحسان:
-تمام معنديش مشكلة…
-اشطا يا معلم هنستناكم سلام…
اغلق معه ومكره يزداد على قسماته…مقررًا ألا يبقيه وحيدًا…مستغلًا تواجد تلك العائلة التي تحوي على كثير من الفتيات…فـ ربما يدق قلبه لإحدهم ولا يبقى وحيدًا عازبًا من بعد الآن….وينسى طليقته الذي استنشف من حزنه الذي يحاول إخفائه بأنه لا يزال يعشقها……
__يتبع__
فاطمة محمد.
رأيكم وتوقعاتكم ومتنسوش الفوت ❤️💫
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية كارثة الحي الشعبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.