رواية كارثة الحي الشعبي – الفصل الثامن عشر
الفصل الثامن عشر
أنظر جيدًا.
كارثة الحي الشعبي.
فاطمة محمد.
الفصل الثامن عشر:
خرجت “دلال” من باب المنزل واقفة أمامه تحديدًا جوار زوجها وجوارهم أبنائهم الخمس وتلك الفتاة المدعوة “فاتن” والتي لم ترحل بعد أن تعرف عليها “سلطان” وأصر على بقائها وتناولهم العشاء سويًا…..
بحث “عابد” بحدقتاه عنها…فـ على الرغم من جموده وبروده.. إلا أنه لا يستطع أن يوقف قلبه عن الخفقان من أجلها…..لا يدري لما لم تأتي هي وعائلتها..
ترى احدث شيء جديد…وارتكبت حماقة جعلت والدها يغضب ويثور؟ أم أن والدها يمنعها غير راغبًا برؤية جابر الذي ظهر كاذبًا في نظره…
تساؤلات عديدة لم يجد لها جوابًا لم يفيق منها سوى على صوت فاتن جواره متمتمة بخفوت كابحة غيرتها وغضبها:
-هما عيلة الحلواني جيرانكم؟؟؟؟
هز رأسه إيجابًا…فكزت على اسنانها وتمنت حضور وئام كي تراها جواره…وتجعلها تتلوى مثلما فعلت بها وحرقت قلبها….
بينما نظر “أشرف” نحو وعد فوجدها تبتسم له بخفوت…و دون أن يشعر قام بمبادلتها تلك البسمة مسببًا في إسعدها وشعورها بشيء ينتابها لأول مرة…
وعلى الطرف الآخر استغل نضال انشغال الجميع بتبادل التحية والتعرف على السيدات اللواتي يأتون لمنازلهم للمرة الاولى وسؤالهم عن مروان وعائلته…
مسترقًا النظرات نحو داليدا التي كانت تتجنب النظر نحوه ولكنها تتابعه بطرف عيناه وتلاحظ ما يفعله….محاولة عدم النظر إلى جابر كي لا تغضب…وتتذكر تلاعبه بها….
أما خليل فكان يطرق رأسه..ينظر نحو الرجال فقط من العائلة…..في محاولة أن يشغل نفسه ولا يغضب خالقة بنظرات لا تحل له…..
وقعت عين هناء والدة مروان على ذلك الشاب الفظ الذي تشاجر مع السائق الخاص بهم مسبقًا أثناء عودتهم من سفرهم…والذي لم يلاحظ ملاحظتها وتذكرها له فقد كان ينظر بساعة معصمه فـ خالد وابنه لم يأتيان بعد.
ضاقت عيناها وقالت بصوت مسموع مصوبة حديثها نحوه:
-أنت !!!!!!
انتبه الجميع فصاح جابر بتوتر طفيف مقتطفًا نظرة نحو أبيه:
-لا مش أنا….
تساءل أبيه منها عما إذا كانت تعرفه من قبل:
-حضرتك تعرفيه؟
اماءت برأسها مرددة:
-ايوة…اليوم اللي رجعنا فيه من السفر شوفته..ساعتها عدى من قدام العربية بتهور وكان معاه طفل صغير…وساعتها اتواقح معانا..وقل أدبه عليا…
أدركت “كوثر” للتو أين رأته؟؟؟ فلم تستطع التعرف عليه عندما جاء و وقف على أعتاب منزلهم منتظرًا مروان…
ارتفع حاجبي جابر مستنكرًا كلماتها مردد بهدوء مشيرًا بسبابته نحو نفسه:
-أنا يا هانم؟؟؟ انا لا يمكن اعمل كدة أو اقل ادبي على حد اكبر مني..بابا ربنا يخليه مربيني كويس..وبعرف احترم الناس المحترمة اللي زي حضرتك….
اثارت طريقته الهادئة اللبقة ريبتها..بأن تكون قد أخطأت في حقه ويكون شبيه له ليس إلا..فقالت مستفسرة:
-بس أنا متأكدة أنه أنت…انت عندك اخ توأم؟؟
على الفور تقدم جابر من عابد مشيرًا نحوه:
-اه واهو اكيد هو..هو اللي لسانه طويل…
حدقه عابد بنظرات قاتلة نافضًا اصبعه الذي يشير به نحوه…
نفت هناء برأسها مغمغمة:
-لا مش ده…التاني كان شبهك بضبط..
عقبت كوثر بنبرة لم تنال إعجاب أحد وبعجرفة طفيفة:
-مش شبهه ده هو يا هناء…انا دلوقتي عرفت انا شوفتك فين…
علق محافظًا على نبرته الهادئة:
-صدقيني يا هانم مش أنا..ولو انا هقول انه انا…
ابتسمت وعد وردت عليه:
-ايه كمية أنا دي؟؟ وبعدين شكلك انت وبتشتغلهم….
لكزتها والدتها كي تلزم الصمت…بينما ابتسم أشرف على حديثها العفوي وفعلتها التلقائية…
ابتسمت داليدا ساخرة مما يدعيه أمام الجميع….متيقنة كذبه…..
صدح صوت خالد الذي حضر للتو ملقيًا التحية عليهم مندهشًا من ذلك الكم من الأشخاص أمامه:
-مساء الخير…
التفت إليه الجميع…ورحبت به دلال مرددة:
-اهلا يا خالد اتفضل يا بني…
سقط بصر كوثر على الصبي الصغير فقالت ساخرة بصوت عالي:
-لا بصراحة واضح أنه مش انت…هو مش ده الولد اللي كان معاه يا هناء…
تفحصت هناء الصغير وسرعان ما تعرفت عليه وادركت كذب جابر…
تنحنح بوقفته وشعر بالحرج بذات الوقت الذي تشفى به أشقائه…
اخفى سلطان غضبه وخجله من ابنه مردد بأسف شديد:
-انا آسف ليكم على اي حاجة بدرت منه..ونقدر نعتبر العشا ده صفحة جديدة بينا…..اتفضلوا….
_________________
-أنتِ بتعيطي ليه طيب دلوقتي؟؟ ايه اللي حصل بس؟ احكيلي يا وئام.
القت “ثراء” كلماتها على أذن وئام التي تبكي بصمت..فقط تنسدل الدموع بغزارة من عيناها..حتى ملئت وجهها..وانتفخت عيناها حتى باتت حمراء كالدم….
مسحت وئام دموعها المنهمرة كالأمطار مجيبة بثبات وقوة ليست حاضرة:
-بابا شافني مع شادي صاحبي و
سردت عليها ما حدث بدءًا من رؤية مروان لهم حتى خروجه من غرفتها أخذًا منها ممتلكاتها الشخصية…
عضت ثراء على شفتيها مقتربة منها جاذبة إياها لاحضانها تهون عليها مخبرة إياها:
-متزعليش…ومتعيطيش…بابا آه معاه حق وأنتِ غلطي..بس أكيد هيسامحك وهيكلم معاكي..هو بس محتاج يهدأ…اديله وقته…وأنتِ كمان فكري في اللي عملتيه…ولو فكرتي كويس وحطيتي نفسك مكانه هتعرفي أنه من حقه يعمل اكتر من كدة…
-عارفة يا ثراء عارفة..وده اصلا اللي مضايقني انا لا فارق معايا فادي..ولا اي حاجة..غير بابا… نظرته قتلتني…وجعتلي قلبي يا ثراء…..
أخرجتها من أحضانها مرددة بخوف عليها:
-طيب عشان خاطري خلاص بقى بطلي عياط..نامي وبكرة الصبح اتكلمي معاه..اعتذريله… قوليله أنك عرفتي أنك غلطانه وأنك مش مستحملة تشوفيه زعلان…
-مش هعرف أنام..مش هعرف…
صمتت تفكر لثوانِ ثم قالت:
-خلاص يبقى تقومي وتكلمي معاه دلوقتي ولو تحبي أكلمه انا كمان معاكي…
رفضت الأخرى مغمغمة:
-لا..متدخليش أنتِ..انا هكلمه…
انتهت مفارقة الفراش مغادرة الغرفة رفقة اختها كي تبحث عنه…
__________________
مال خالد على أذن جابر يهمس له بضيق بسيط:
-مقولتليش ليه انه هيبقى عندكم ضيوف؟ كنا أجلنا العشا ليوم تاني…
رد عليه بذات الهمس كاذبًا عليه ببراعة:
-مكنتش اعرف..لو كنت اعرف كنت اجلتها..يلا نصيبك بقى..ايه رأيك في الحتت دي…
سلط خالد بصره عليه معلق بحنق وصوت خافض:
-حتت !!! ماشاء الله عليك قاموس كلمات عايزة الحرق…
-حبيبي تسلم الله يخليك..
تحركت دلال متجهه نحو المطبخ كي تغيب به وتحضر الطعام وتصفه على الطاولة الكبيرة..فأوقفها صوت وعد مقترحة عليها قبل غيابها:
-اجي اساعدك يا طنط…
التفتت لها دلال مبتسمة باتساع مرحبة بذلك الاقتراح مشيرة لها برأسها ولسانها ينطق باستحسان للفكرة:
-تعالي والله ما هقولك لا…
سعدت وعد..وأشارت لـ فجر كي تأتي وتساعدها…وبالفعل استجابت فجر و نهضت داليدا هي الأخرى كي تساعدهم هي الاخرى وتهرب من عين نضال الملاحقة لها اينما ذهبت…
ابتلع وسام ريقه فاعلًا حركته المعتادة ألا وهي هندمة وضع نظارته الطبية…
وما أن فعلها حتى صدح صوت سليم مستفسرًا منه عن اسمه بمرح وحنو شديد:
-الحلو اسمه إيه؟؟
علق بخفوت:
-وسام…
ابتسم الجميع بحب على ذلك الصغير الذي يقتحم القلب دون استئذان بهدوئه وهيئته الطفولية البحتة…
علق أحمد معرفًا ذاته للصغير:
-وانا أحمد…وحيد في العيلة دي..قولي عندك أخوات؟
نفى الصغير برأسه فأسرع احمد بالتعقيب بحسد على حاله:
-يا بختك….شايف كل دول مطلعين عيني.. غير الاتنين اللي في البيت….
هنا وظهرت اللفهة على وجه عابد وتمنى أن يدري سبب غيابها…عله قلبه يطمئن ويهدأ ولو قليلًا…
وكأن والده شعر به فـ طرح سؤاله:
-اتمنى يكون استاذ مروان بخير هو والمدام والبنات…
اماء سليم يطمئنه مردد بحرج طفيف لغياب الاخر:
-الحمدلله كويسين…علياء بس مرهقة شوية ومروان والبنات مرضيوش يسبوها…
هز رأسه لأعلى وأسفل بتفهم وتابع حديثه معه متحدثين بأمور عدة……
استغلت أبرار حديثهم وحاولت اقتطاف نظرة نحو ذلك الرجل الوسيم الذي سبق لها رؤيته بتلك الليلة التي خرجت بها الفتيات لمساعدة جابر دون اخبار أحد من عائلتهم…
وبالفعل فعلتها ورفعت عيناها فرأته يتحدث مع ابنه بصوت خافض لا تسمع منه شيء….
انتهى من كلماته البسيطة وياليتها أزاحت عيناها عنه…فقد وقع بصره عليها وأدرك متابعتها له ولحديثه هو و ابنه متذكرًا إياها فقد سبق له رؤيتها بتلك الليلة…..
توترت وتحرك بؤبؤ عيناها بتوتر فاضحًا آمرها متمتمة بينها وبين نفسها:
-حمارة…اهو شافك..يقول ايه دلوقتي ها..يقول إيه؟؟؟؟
تنحنح أشرف بجلسته ونهض متجهًا نحو المطبخ….وبدون أن يدرك تسلل نضال خلفه والجين المطبخ كي يساعدون والدتهم…او هكذا سيتحججون…….
ولج أشرف أولًا فـ رأهم على مشارف الخروج من المطبخ حاملين الصحون…و وعد تتقدمهم….
مد يداه وحاول حمل إحدى الصحون عنها فقالت ببسمة مشاكسة إياه:
-الاطباق جوه كتير..خش خدلك منهم…
خرجت وتركته يلقي ابتسامات والدته… سعيدة بما فعل…
متابعة نضال الذي حضر لتدرك على الفور بأن فتاته هي “داليدا”
فقالت بينها وبين نفسها وهي تغادر:
-وماله داليدا داليدا…مفرقتش هي عن أبرار الاتنين قمر ١٤…
حاول فعل المثل مع داليدا التي كانت آخر المتواجدين بالمطبخ مقترحًا أخذ الصحون منها لتتجنبه تنوي على الخروج دون أن تتحدث معه أو تعريه اهتمامًا…فأوقفها مستغلًا إنفراده بها متمتم:
-مقبلتيش الأدد ليه؟
ردت بوجوم متصنعة اللامبالاة وعدم الفهم:
-أدد إيه؟ هو أنت بعتلي ادد !
-يا شيخة…اومال مين اللي رفضه…جاوبيني يا داليدا رفضتي الأدد ليه؟
إجابته بنبرة سريعة محاولة التهرب منه:
-انا حرة..وبعدين بتبعتلي ليه..انت فاكرني إيه بضبط؟ أنا بعد اللي عمله اخوك معايا اتعلمت اني مكررش غلطي…..
تركته وغادرت المطبخ في ذات الوقت التي عادت به الفتيات لأخذ باقي الصحون…
___________________
يقف مروان أمام النافذة المتواجدة بحجرة المكتب الذي كان يعمها الظلام….
واضعًا كلتا يداه خلف ظهره….متهربًا من زوجته التي ظلت تلقي عليه الكثير والكثير من الأسئلة…
ولم يجيب عليها سوى بالصمت تاركًا إياها في حيرة من أمرها…
سحب نفسًا عميقًا موصدًا جفونه لبرهة….
برهة كانت كافية كي يمر ماضيه أمام عيناه….فما كان يفعله مع الفتيات بشبابه…يتكرر مع ابنته الآن….
فتح عيناه وشعور بالألم يكاد يطيح به….متمنيًا العودة بالزمن وبعقارب الساعة…فـ وقتها لن يتلاعب أو يجرح أحدهم كي لا ترد إليه….
تناهى إليه دقتان متتاليتان…
لم يجيب وظل محافظًا على صمته….
انفرج الباب و وطأت قدم وئام للداخل.. أنارت الأضواء بحثًا عنه…فقد فشلت في إيجاده ولم يتبقى سوى تلك الحجرة المنتشر بأرجائها الظلام..
وبالفعل صدق حدسها و وجدته يقف قرب النافذة ويوليها ظهره…
تسارعت ضربات قلبها تزامنًا مع إغلاقها الباب وتقدمها منه بخطوات كانت مترددة خائفة…
لم يدري هوية المقتحم….ولم يتحرك ظل ساكنًا….فقط عيناه تغيم وتتبدل تعابيره وانفعالاته دلالة على تلك المشاعر السوداء التي تعتريه…
جمعت شتاتها وتجرأت رافعة يديها مربته على كتفيه متحدثة بقوة لم تكن حقيقية:
-بابي… أنا آسفة..
انتهت مبتلعة غصتها بصعوبة واضعة يدها جوارها…وانتظرت تعقيبه ورده عليها…لكنه لم يفعل…
كان يقف كالتمثال..جامدًا…باردًا…..
تابعت بندم وأسى:
-بابي رد عليا أرجوك….متسكتش كدة…قول اي حاجة طيب..اضربني تاني طيب..اعمل اي حاجة…بس متفضلش ساكت…
التفت إليها قائلًا بجمود تام وهو ينظر بعيناها:
-اطلعي برة…مش طايق أشوفك…
رفضت ما يقوله مقتربة منه محتضنه يداه مرددة بنبرة مترجية:
-معاك حق…انا كمان مش طايقة نفسي…بس عشان خاطري سامحني اديني فرصة…و
-فرصة !!!! عايزة فرصة لإيه بضبط؟ فرصة أنك تبقي بتكلميني وعينك في عيني وتكدبي عليا…فرصة أنك تستهزئي بيا….فرصة عشان اضرب نفسي ميت قلم عشان كنت واثق فيكي…كنت فاكرك قد الثقة وهتحترميها…بس أنتِ خنتيني انا وامك وكل اللي في البيت….بس الحق مش عليكي الحق عليا عشان افتكرتك متربية ومحترمة…..
صمت منظفًا حلقه من تلك المرارة العالقة به.. مسترسلًا:
-ثقتي فيكي مش اتهزت لا..دي اتكسرت..واللي اتكسر مبيتصلحش…عشان بيبقى انكسر خلاص…ولو حاولتي تصلحيه مبيرجعش زي الأول….الكسر بيفضل معلم فيه..
انسدلت دموعها مرددة بتوسل:
-انا غلطت..وندمانة…انا مش مستحملة اشوفك كدة…اقولك عاقبني زي ما انت عايز…مش عايز تديني الفون مش مشكلة…والعربية مش عايزاها..ولا حتى اللاب…انا مش عايزة غير انك تسامحني..انا مستهلش أنك تزعل بسببي….
قالت الأخيرة مطوقة عنقه محتضنة إياه تبكي بكاءًا جعل قلبه يتمزق من أجلها….
عض على شفتاه…ولم يبادلها عنقاها…بل رفع يداه وازاحها مبعدًا إياها عنه متمتم بقوة وقسوة رغمًا عنه:
-اطلعي أوضتك ومش عايز اشوفك بتخرجي منها…ومتخافيش انا مش هعاقبك انا بس هربيكي من اول وجديد..يلا على فوق.
أشار نحو الباب يحثها على الخروج…هزت رأسها بتفهم واستسلام مفارقة الحجرة صاعدة غرفتها…
___________________
بعد أن اصطفت الصحون المعبأة بمختلف الأطعمة الشرقية…وجلس الجميع حول الطاولة…وشرعوا بألتهام الطعام…
خرج صوت “وعد” مصوبة حديثها نحو “دلال”:
-الاكل يجنن ميتخيرش عن الأكل بتاعنا…تسلم ايدك يا طنط…
-الف هنا وشفا على قلبك يا روح طنط…
ذهبت عين دلال نحو “داليدا” محاولة خلق حديث معها من اجل ابنها..كي تسنح له الفرصة بالحديث هو الآخر…
-مبتأكليش ليه يا داليدا؟
نظرت لها ونفت برأسها:
-ابدًا يا طنط بأكل اهو الاكل فعلا جميل زي ما وعد قالت تسلم ايدك..
-تسلمي من كل شر يا حبيبتي…الا قوليلي القمر محدش متكلم عليه…
وقف الطعام بحلق “نضال” والتقط كوب الماء من أمامه مرتشفًا إياه دفعة واحدة….
بينما قطبت فجر حاجبيها من خلف نقابها والتي كانت تأكل بهدوء وحرص من أسفله:
-متكلم عليها إزاي؟
وضحت وعد على الفور:
-يعني قاري فاتحتها..او عايز يتجوزها..يخطبها..طنط شكلها عندها عريس لـ داليدا….
توتر نضال بينما عقبت دلال ببسمة واسعة:
-يا سلام وانا اطول اجيب للقمر دي عريس…انا بس مستغربة الرجالة أتعمت ولا ايه..معقول ولا واحدة فيكم ح
قاطعها سليم منزعجًا من تدخلها متبادلًا النظرات الخاطفة مع روفان وأبناء اعمامه:
-البنات لسة صغيرة… اظن مفيش داعي للكلام ده…
استنكرت كلماته وهتفت:
-صغيرين ده إيه يا ابو داليدا…انت بس اللي شايفهم صغيرين..بس هما لا صغيرين ولا حاجة….
كتمت وعد ضحكتها وهمست لـ أبرار:
-طنط دلال شكلها حطت عينها على داليدا وعايزة تاخدها لواحد من عيالها…..تفتكري مين فيهم يا بت يا أبرار…
أجابتها أبرار بهدوء محاولة إخفاء توترها وحنقها لجلوسها على مقربة من ذلك الوسيم وابنه وشعورها بأن قلبها على وشك مفارقة جسدها من تضارب خفقاته…..فقد كانت تعايش صراع داخلي راغبة في معرفة اين زوجته؟؟ ولما لا تتواجد رفقته؟ ترى هل هما منفصلان ام ماذا ؟!!!
-اكيد الكبير…
-قصدك أشرف؟!!!!!!!!!!
رددتها وعد بصدمة وبسمة تختفي تدريجيًا…فتلك الفكرة قد جعلتها تشعر بالمقط وترغب بالجلوس بمفردها وتنهي تلك الجلسة بسلام….
انتبهت “أبرار” إلى الصغير الذي لا يأكل شيء…ورفض تناول الطعام من يد والده هامسًا له ببعض الكلمات…
تسللها الفضول و وجهت سؤالها المتلهف:
-مش بتأكل ليه يا حلو أنت؟
جذبت أنظار خالد على الفور ودُهش من متابعتها لابنه وتركيزها معه إلى الدرجة التي جعلتها تدرك بأنه لم يتذوق الطعام بعد…
سلط بصره على والده الذي أجابها بدلًا منه:
-مش عايز يأكل..معأنه واكل من بدري…
عرضت على الصغير مشيرة نحو إحدى الأصناف مغمغمة:
-طب إيه رأيك تجرب الصنف ده..طنط دلال مطلعاه طعمه خرافة…
استجاب لها الصغير…وهز رأسه موافقًا..
فقام خالد بألتقاط إحدى كرات اللحم بصلصة الطماطم….ثم وضعها أمامه وساعده على تناولها……
استحسن الصغير طعمها…فقام أبيه بمنحها بسمة وكأنه يشكرها على إقناع ابنه بسهولة على تذوق شيء…..
بعد انتهائهم من تناول الطعام معًا….نهضت “فاتن” واستأذنت مخبرة إياهم بضرورة رحيلها فالوقت على وشك أن يصبح متأخرًا و أن والدتها قد هاتفتها عدة مرات…
قام عابد معها كي يقوم بإيصالها فلم تمانع ذلك بل رحبت كثيرًا…..لا تدري بأنه يرغب بالهروب من تلك الجلسة التي لا تتواجد بها سالبة قلبه….
كذلك حاول نضال فعل أي شيء قد يجعله يفتح حديثًا معها لكن باءت محاولاته بالفشل…وكذلك تجاهلت وعد أشرف مما أثار دهشته…وما جعل الريبة تتغلغله هو التزامها الصمت وسكونها التام على غير العادة……
أما جابر فقد شعر برغبته المُلحة لرؤية تلك المدللة الفاتنة الغائبة عن تلك الجلسة…
شرد بعقله محاولًا إيجاد طريقة لرؤيتها وبعد لحظات حضرت تلك الفكرة ونهض عازمًا على تنفيذها…..
__________________
ولج جابر من البوابة حاملًا حقيبة بلاستيكية سوداء تحوي على السروال العائد لـ مروان…متأخذًا إياه حجة كي يرى تلك المدللة الذي لا يستطع حتى الآن الحديث معها أو رؤيتها….
وفجأة ارتفع صوت نباح كلب من خلفه…التفت ليرى ذلك الكلب وسرعان ما وصل إليه صوتها وهي تحاول تهدأته وجعله يصمت ويتوقف عن النباح…
اتسعت بسمته واقترب منها لا يبالي بالكلب….فها هي فرصته قد آتت له على صحن من ذهب…وتلك الفاتنة تتواجد بمفردها “أخيرًا”
هكذا ردد الأخيرة بينه وبين نفسه…
استجاب الكلب لـ ثراء متوقفًا عن إصدار ضجيجًا…بينما ألقى جابر عليها التحية مغمغم بتغزل خفي:
-يا مساء الجمال والخيرات….
ردت عليه ببسمة ناعمة عذبة:
-مساء الخير…أخبارك إيه؟
-انا الحمدلله…وبقيت احسن من بعد ما شوفتك…
لم تهتم بما يقوله وتساءلت بفضول:
-ايه اللي مخليك سايب العشا معاهم وجاي يعني؟
حك رأسه مطرحًا سؤالًا هو الآخر:
-اعتبر انك اضايقتي انك شوفتيني؟
نفت سريعًا قائلة:
-لا لا مش قصدي والله..انا بس مستغربة..
ابتسم لها بجاذبية وقسمات كانت جدية تراها للمرة الأولى عليه معقبًا بهدوء شديد:
-لا متستغربيش..وعشان اريحك انا جاي عشانك…حبيت اشوفك..واضايقت لما ملقتكيش معاهم…اصلا أنتِ متعرفيش أنتِ شغلاني ازاي من ساعة ما شوفتك….
تسمرت وتيبست ساقاها حتى أن فوها كاد يلامس الأرض من شدة الصدمة….فقد كان جديًا لأقصى درجة….
تأمل وجهها وعلى الفور دوى صوت ضحكاته الرجولية بالأركان وملامحه تتبدل من الجدية لاخرى ساخرة مرحة كانت تلازمه دائمًا كلما رأته….
-شوفتي صدقتي إزاي طب والله انفع ممثل… قوليلي اونكل مروان فين؟
حضر مروان من خلفه مجيب عليه:
-نعم…ايه اللي جابك هنا؟؟
استدار جابر يناظره قائلًا باحترام وهو يمد يده بالسروال المتواجد داخل الحقيبة السوداء:
-كنت مجهز لحضرتك البنطلون عشان كنت عامل حسابي اشوفك انهاردة على العشا مع باقي العيلة بس مع الاسف محصلش نصيب وحضرتك مجتش فقولت اجي انا بنفسي..اتفضل…
انتشله مروان من يده في ذات الوقت الذي تساءل به جابر عن سبب غيابهم:
-معلش يا اونكل ممكن سؤال…
لم ينتظر سماح مروان له..ليردف بفضول:
-هو حضرتك ليه مجتش مع باقي العيلة…
انتهى مقتربًا منه هامسًا بخفوت لم يصل لـ ثراء:
-ولا تكون خوفت اقول قدام الكل انك مديت ايدك عليا..متخافش الحاجة دلال أمي خبتلي مكان البوكس بشوية مكياج كدة على خفيف…
علق مروان بصرامة:
-مش خلاص رجعت البنطلون اتفضل بقى ارجع البيت.. نورتنا…
استطرد باستفزاز :
-البيت منور بصحابه والله يا اونكل….
انتهى راحلًا سارقًا نظرة أخيرة نحو ثراء التي آمرها مروان بدخول المنزل….واقفًا وحيدًا بأعين قد غامت وتساؤلات عدة تخطر بذهنه
“لماذا كذب عابد ودافع عن ابنته رغم تواجدها بذلك الملهى كما أخبره جابر؟ ما الذي بينه وبين ابنته كي يخرب صورة أخيه وينقذها من يداه ؟؟؟؟؟؟ ”
____________________
يقف “فادي” أمام المرآة يطالع صورته المنعكسة..يهندم خصلاته الطويلة بأنامله يطلق صفيرًا خافتًا من فمه…
لا يشغل ذهنه بـ وئام…فقط يفكر في ليلته وما سيفعله كي يستمتع قليلًا….
انتهى بعد لحظات وتأكد من هيئته…ملتقطًا قنينه العطر الخاصة به…ناثرًا منها على ملابسه….ثم تركها وفارق الحجرة….
في ذات اللحظه أعلن رنين المنزل عن زائرًا….
قطب حاجبيه وتحرك نحو الباب…ثم قام بفتحه.
وجد أمامه أربع رجال ضخام البينة..يكاد لا يظهر أمامهم من قصره وصغر حجمه مقارنة بهم…
ازدرد ريقه بخوف وريبة متسائلًا:
-افندم… عايزين مين؟
تبادل الأربعة النظرات وبحركة مباغتة…كان يتلقى فادي لكمة عنيفة أطاحت به أرضًا…..
هلع قلبه…وتراجع للخلف وهو يتحدث بذعر:
-في إيه…أنتوا عايزين مني إيه…
انحنى واحدًا منه وتلقاه رافعًا إياه عن الأرض معلقًا إياه بالهواء مجيبًا على استفساره بسخرية:
-عايزين نربيك يالا…
قال الأخيرة وهو يدفعه ويقذفه بعيدًا كأنه يقذف لفافة تبغ وليس بشرًا من لحم و دم….لم يهتم إذا حدث له شيء..
سقط فادي أعلى الطاولة الزجاجية التي تتوسط الصالون…تأوه بألم وحرك أطرافه بصعوبة…رافعًا رأسه يطالع الرجال الذي أقسم من هيئتهم ومن ذلك الغضب الذي يشع من عيناهم بأنهم لن يتركوه الا وهو جثة هامدة يصارع بين الحياة والموت…
اقترب منه الأربعة ومال واحدًا فقط ممسكًا به…ترنح فادي وكاد يسقط مرة أخرى…لولا تمسك اخر به من الخلف يسنده مساعدًا زميله….
ابتسم الرجل بظفر وضم قبضته وبدأ بالتسديد بوجهه دون رحمة أو شفقة….
حتى أن يداه بعد عدة لكمات امتلئت بالدماء…..
وبالنهاية تركه الرجل يسقط أرضًا من جديد متكورًا على ذاته ينزف الدماء من فمه وأنفه….
تجمع الأربعة حوله ولم يكتفوا بهذا القدر بل تفاقموا شرًا….وشرعوا بضربه بأقدامهم بمختلف أنحاء جسده….
وبعد لحظات اوقفهم صوت زميلهم مردفًا:
-بس كفاية كدة يا رجالة..اكتر من كدة هيموت في أيدينا….
استجابوا له وتوقفوا بالفعل..وقبل مغادرتهم أخرج الرجل هاتفه وحادث شخصًا ما….
وبعد استمتاعه لحديثه وضع الهاتف على أذن فادي الذي يشعر بألم يغزوه…في مفترق جسده…فقال الرجل الذي كان على الهاتف مردد بوعيد:
-قولتلك مش همد ايدي عليك عشان الغلط عندي أنا…بس موعدتكش أني هسيبك كدة من غير متتعاقب….واديني نفذت وعدي وممدتش ايدي و لا وسختها بيك…والرجالة قاموا بالواجب..
بنتي يالا خط أحمر…لو هوبت ناحيتها مرة تانية هتبقى بموتك يا روح أمك……..
_____________________
بعد مغادرة عائلة الحلواني اجتمعت دلال مع نضال مرددة بحماس:
-طلعت بتفهم يا واد….البت داليدا قمر..قولي ناوي تعمل إيه……
ولج “سلطان” بتلك اللحظة مستمعًا لكلماتها الأخيرة مستفسرًا منها:
-يعمل ايه في إيه يا ام اشرف؟؟؟
دنت منه بحماس قائلة بفرحة زائدة:
-ابنك بيحب داليدا وعينه منها مش كدة يا نضال……
ثُلجت أطرافه وجحظت عيناه ولم يستوعب بعد ما تفعله أمام والده…
وعندما لم يأتيها جوابًا منه تابعت مقررة:
-شوف يا حاج انت بكرة تكلم أبوها وتحدد معاه ميعاد عشان نروح ونتقدملها..وبالمرة نطلب البت وعد لـ أشرف….ها قولت إيه؟؟؟؟؟؟
يتبع..
فاطمة محمد.
رأيكم وتوقعاتكم..💜💫
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية كارثة الحي الشعبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.