رواية كارثة الحي الشعبي الفصل الثاني عشر 12 – بقلم فاطمة محمد

رواية كارثة الحي الشعبي – الفصل الثاني عشر

الفصل الثاني عشر

الفصل الثاني عشر

أنظر جيدًا.

كارثة الحي الشعبي.

فاطمة محمد.

الفصل الثاني عشر:

طرقات متتالية مُلحة على باب حجرة وئام التي تحتمي بها التوأمتان خوفًا من بطش أبيهم الذي جن جنونه وافتعل جلبه جاء على أثرها بقية من بالمنزل….

-افتحي يا بت أنتِ وهي… افتحوا بقول….

حاول “محمود” عمه تهدأته لكن دون جدوى فلا حياة لمن تنادي…

متجاهلًا كافة التساؤلات سواء كانت من زوجته أو البقية عما بدر من فتياته كي يثيران غضبه ومقطه إلى تلك الدرجة…

-يعني مش هتخرجوا من الاوضة مثلا؟؟! ما انتوا مسيركم تخرجوا وهوريكم يا انا يا انتوا….

خرجت “وعد” من غرفتها بتلك اللحظة متخطية الجميع مقتربة منه جاذبة أنظاره موضحة له:

-بص يا ميرو أولًا انت متعصب على الفاضي قولي ليه…

صك على اسنانه ولم تمهله الوقت للايجاب متابعة حديثها الذي فضح الأمر بأكمله امام الجميع:

-هقولك ليه…علشان بناتك دول وتحديدًا الدلوعة من الدرجة الأولى ثراء صعب عليها الواد ابو قميص بنفسجي وصممت ورأسها وألف سيف لازم تساعده…وقفشتها هي والبت بنتك التانية اللي خُلقها في مناخيرها واللي هجيبها من شعرها قريب بس قول يارب….

طفح الكيل ونفذ صبره توحشت تعابيره من ثرثرتها التي لا تنتهي وهتف بنبرة مخيفة دبت الرعب بأوصالها:

-انجزي بدل ما اجيبك انا من شعرك…يلا…

ازدردت ريقها وانصاعت له موضحة ولا يغيب عنها دهشة البعض وكتمان البعض الآخر لضحكاتهم:

-المهم يعني كانوا واخدين للواد بطانية وكانوا هينيموه في اوضة الجنايني اللي في الجنينة وأنا لما شوفتهم زعقت فيهم وشخط وقولتلهم لا افرضوا اتحرش بيكم..شرف العيلة يضيع ويتمرمغ في الوحل!!!

استحسن مروان كلماتها وما كاد أن يبدي إعجابه بكلماتها لكنه توقف ما أن تابعت بفرحة شديدة من حالها:

-فـ روحت معاهم بقى عشان ل

قاطعها تلك المرة عن إتمام الجملة ساخرًا منها بطريقة مثيرة للضحك ملوحًا بيديه بالهواء قبل أن يشعر بالأعياء من جديد ويتلوى بوقفته:

-عشان يبقى تحرش جماعي يا بنت أيهم مش كدة…

تبخرت فرحتها وسعادتها بفعلته ملتهمة المسافة بينها وبينه لتقم بلكزه في كتفيه بعتاب متحدثة بنبرة شبه ذكورية مدركة للتو من صاحب الكأس التي وضعت به الدواء الذي يعالج الإمساك:

-عيب عليك يابا ده انا وعد…ده لو كان فكر يهوب بس لوحدة كنت جبته تحت رجلي….

مسح على وجهه بنفاذ صبر وهو يحاول التماسك وعدم فضح أمره بما يشعر به وحاجته لولوج المرحاض…فتحولت انظارها نحو والدها و والدتها والذين كانوا يحدقون بها بضيق فهتفت بتوتر طفيف:

-خرجنا و زي ما توقعت قعد يتغزل في البت ثراء.. وهي عشان هبلة سكتت بس انا مسكتش…و واحنا واقفين اشف

انتبهت لزله لسانها وعدلت على الفور:

-قصدي أشرف اخوه والواد توأمه اتخانقوا معانا المهزقين… بس هو ده اللي حصل وأبرار اصلا كانت لسة واصلة قبل ما أنت تيجي بثوانِ يعني ملهاش دعوة ومكنتش معانا……واحنا مكنش قصدنا حاجة والله وكدة كدة كنا هنقولكم….

علق “محمود” بأنفعال من أفعالهم:

-يعني إيه الكلام ده؟؟ وهو في بنات محترمة يا استاذة وعد تخرج من بيتها بليل من ورا اهلها وتقف تتساير مع شباب ؟

لزمت الصمت وأطرقت رأسها للأسفل بخجل من فعلتهم وتهورهم الشنيع ذلك…استكمل محمود تعنيفه لها بنبرته العالية الصارمة كي تصل للجميع:

-أنتوا غلطوا.. وغلطة كبيرة وهتتعاقبوا عليها سواء أنتِ أو هما…..واحمدوا ربنا أنها عدت على خير….يلا على اوضتك اتفضلي…

************

فتح “خالد” باب إحدى الغرف المتواجدة بمنزله الكبير المرافق بحديقة وحمام سباحة صغير…مشيرًا بذراعيه يحث “جابر” على الدخول:

-تعالى يا جابر اتفضل….

تقدم “جابر” بأعين تجوب بالحجرة متفحصًا إياها بتركيز شديد…مطلقًا صفيرًا عاليًا من فوهة يعبر عن مدى إعجابه بالغرفة وذوقه الراقي….

-جمدان عليا الطلاج جمدان يا زميكس….

ابتسم “خالد” بخفوت وأستأذن لثوانِ مفارقًا تاركًا اياه بمفرده….

تحرك “جابر” مقتربًا من الخزانة ثم قام بفتحها فوجدها فارغة…فأغلقها من جديد وتحرك مجددًا فوقعت عينه على انعكاسه بالمرآة فحدق بنفسه وانخفض بصره نحو ذلك القميص الذي يرتديه والذي دفع به الكثير كي يقتنيه…..

زم شفتيه وقال مخمنًا موجهًا حديثه للقميص:

-حاسس ان وشك فقري عليا شويتين..تلاته….من ساعة ما لبستك والدنيا خربانة معايا….ده انا حتي مشتريك بنفس راضية…نفسي تشوف قمصاني ام خمسين جنية والله القميص وشه زي الفل الا انت زي ما تكون جاي بفلوس حرام انت والبنطلون العرة اللي فضحني وحوجني للي يسوى واللي ميسواش…..

ثم خرج سباب بذيء من فمه بعد أن تذكر أمر السروال الذي تمزق من الخلف أثناء تواجده في منزل جيرانهم…….

تحرك من أمام المرآة وجذب أنظاره عودة خالد من جديد حاملًا بين يديه سروالًا منزلي قطني باللون الأسود…و (تيشيرت أبيض اللون) ثم مد يده متمتم:

-اتفضل يا جابر غير هدومك…

تهللت أسارير جابر وهلل بسعادة وهو يلتقط الملابس من يده:

-وربنا انت أجدع من ابويا وأمي وأخواتي وبذات الرمة اللي بيقولوا عليه توأمي انا اصلا شاكك في أمره..

ضحك خالد واستفسر منه:

-شاكك في أمره ازاي يعني؟

-يعني هيطلع في الاخر لا توأمي ولا زفت وهيطلعوا لقوه على باب جامع…

ارتفع حاجبي خالد ثم ضيق عيناه مخمنًا معه:

-أو لقوك أنت..

اختفت بسمة جابر الذي لاح التصديق على هيئته:

-تفتكر!!!!!!!!!!!!!! معقولة يكونوا مش اهلي؟؟؟ تصدق ممكن اصل اشمعنا أبويا طردني انا لما ربنا فتحها عليهم…صح أنا اكيد مش ابنهم..انا لازم ادور على اهلي…

إنغمس خالد في نوبة من الضحك على ذلك الشاب الطائش…

حملق جابر به وهو يحك رأسه لا يدري لماذا يضحك بتلك الطريقة؟؟؟ ما الذي حدث واضحكه إلى تلك الدرجة!!!!

-ما ضحكني معاك طاه…ده اللي يضحك لوحده يشرق…..

علق خالد من بين تلك الضحكات:

-أنت مش ممكن بجد….غير هدومك وانا هستناك برة…تحب تشرب أو تأكل حاجة؟؟

مط شفتاه بتفكير ثم اجابه بلامبالاه:

-آه ممكن نأكل حاجة بس على خفيف؟؟

سأله “خالد” عما يرغب به كي يعده له:

-طيب تحب تأكل ايه خفيف؟؟

قلب عيناه مفكرًا…وثوانِ كان يعقب باقتراح ممسدًا على جوفه:

-يعني ممكن كفتة مشوية.. على نص فرخة مشوية برضك بس على الفحم..على شوية سلطات…

سخر خالد الذي لايزال تحت صدمته من طلبه:

-لا اكله خفيفة فعلا…

-اومال المشوي ده يا بني اخف اكل…يلا اخلع بقى عشان اغير هدومي….

انصاع له خالد وغادر مكانه موصدًا الباب خلفه تاركًا إياه يبدل ملابسه….

مضت لحظات أبدل جابر خلالها ملابسه ثم وقف أمام المرآة الطويلة الملتصقة بالخزانة متفحصًا جسده الضئيل داخل الملابس الواسعة عليه مقارنة بـ خالد ذلك الرجل مفتول العضلات….والذي يبدو وسيمًا إلى أقصى درجة بعضلات ذراعيه…

اكفهر وجهه ورفع (التيشيرت) عن جوفه الممتلئ قليلًا ببعض الدهون….

وسرعان ما انزعج وأخفى جوفه عن أنظاره مستنكرًا هيئته وترك العنان لقدميه وخرج من الغرفة باحثًا عن خالد الذي كان يعد له مشروب دافئًا بعدما طلب لـ جابر الطعام من الخارج…

وبدون أي مقدمات هتف جابر بنبرة سريعة يشوبها التحدي:

-خالد انا عايز اعمل سكس باك…عايز جسمي يبقى رياضي زيك بدل ما أنا مش باين في الهدوم كدة وبغرق فيهم…..

كتم “خالد” ضحكته وأخبره بهدوء:

-طيب مفيش مشكلة بس انت داخل حامي اوي…وبعدين السكس باك مش بالسهولة اللي انت فاكرها دي…..

ضرب الطاولة المتواجدة أمامه بكف يده مرددًا بتصميم ولهجة لا تتحمل نقاشًا:

-أنا قولت عايز اعمل سكس باك يعني عايز اعمل سكس باك….اقولك انا عايز اروح الجيم اللي انت بتروحوا…

-ماشي يا سيدي الصبح هاخدك قولي بقى اطرد ليه؟؟؟

-هقولك بس قولي هو انت عايش لوحدك ولا إيه؟؟؟

لاح الحزن بعين “خالد” ثم اماء له بهدوء مجيبًا:

-أيوة عايش لوحدي…

**************

-الناس خيبتها سبت وحد وأنا خيبتي موردتش على حد يا نجلاء يختي اه والله….عيالي دول هيجيبوا أجلي كأن حد مسلطهم عليا…

تلفظت “دلال” التي تجلس بحجرة الصالون بعيدًا عن زوجها النائم بحجرته وكأنه لم يفعل شيء…تضرب على قدميها بحسرة…

حاولت “نجلاء” التهوين عليها رغم عدم فهمها لاي مما يحدث:

-اهدي يا دلال يا حبيبتي..وصلي على النبي في قلبك كدة…وقوليلي مالك…

-عليه افضل الصلاة والسلام، هحكيلك..هو انا ليا غيرك احكيله يا نجلاء…الواد جابر سلطان طرده من البيت ومش عايز يدخله تاني غير لما يتضبط ويبطل يكلم بنات….

ضربت “نجلاء” على صدرها:

-يا ندامة طرده ازاي يعني…طب هو فين دلوقتي خليه يجي عندي ده بيته برضك….

اجابت دلال بذات الحسرة مطمئنة إياها:

-وده العشم برضو يا نجلاء..بس خلاص المحامي اللي اسمه خالد ده جه وخده وقبل ما تتصلي عليا كنت لسة قفلة معاه وقالي أنه عنده في البيت….

انفعلت نجلاء و رددت بضيق طفيف وهي تنهض بأنفعال عن الأريكة:

-ازاي يعني يا دلال ..بيت خالته يبقى موجود ويروح يقعد عند واحد غريب….

هزت الآخرى رأسها بقلة حيلة قائلة:

-ده مش موضوعنا….انا ابني لازم يرجع بيته ولحضني.. مينفعش يبعد عني..

هدأ روع نجلاء وعادت جالسة من جديد وبسمة لعوبة تحتل ثغرها، مردفة:

-طبعًا مينفعش…بس سلطان مش هيرضى يرجعه غير لما يعقل على حسب كلامك…

عضت دلال لحم وجنتيها من الداخل من شدة الغيظ هاتفة بحنق وسخط:

-جابر ويعقل !! ده لا يمكن يحصل…ده دماغه طقه وبيعشق البنات زي عنيه….معرفش طالع عينه زايغة لمين..

استغلت نجلاء تلك الفرصة التي جاءت لها على صحن من ذهب واضعة قدم فوق أخرى وهي تقترح عليها بخبث:

-ابنك حله موجود يا دلال…ومقدمكيش غير انك تجوزيه..الجواز بيعقل وهيخلي ابنك يشيل مسؤلية…كمان جابر عايز اللي تشغل وقته وتدلعه وتهشتكه وتملأ عينه…دوري حواليكي على عروسة وانا متأكدة انك هتلاقيها….

لانت قسمات دلال ونالت الفكرة إعجابها لأقصى درجة متمتمة:

-يا بنت الإيه كانت غايبة عني فين دي؟!!!!!

***************

في صباح يوم جديد…

تململ “جابر” بالفراش فاتحًا عين واحدة تاركًا الأخرى مغلقة مطالعًا خالد الذي يهتف بأسمه يحثه ويشجعه على الاستيقاظ والنهوض مزيحًا الستائر التي تعيق مرور الشمس واقتحامها الغرفة…

-يلا يا جابر مش كنت عايز تروح الجيم وتعمل سكس باك….

رد بصوت يسيطر عليه النعاس:

-آه…هي الساعة كام…

وقف خالد أمام الفراش ونظر بساعة معصمه مجيبًا:

-الساعة سبعة بضبط..

وعلى الفور خرج لفظًا بذيئًا من فوه جابر صدم الآخر وراقب اعتداله بالفراش متمتم بتهكم:

-ده لو فرحي انهاردة مش هصحى سبعة…انت صاحي تبيع لبن…قولي الحقيقة رايح تسرح في الإشارات تبيع مناديل طيب؟؟؟

قذفه خالد بالوسادة وردد بحسم:

-لا يا حِدق وقوم يلا…

كاد يغادر الغرفة ليصدح صوت جابر:

-استنى يا خلودة…خد اقولك…

عاد خالد بضعة خطوات وانتظر حديثه فتحدث الآخر مردد بجدية:

-شوف يا سيدي بما أنك شغال عند دادي وكدة وبما انك ضايفتني وخلتني اقعد معاك في بيتك..وادتني من هدومك….

ظهر الترقب على قسمات خالد متابعًا حديثه الجاد والذي فجأة تحول لآخر مرح:

-فـ انا عايزك تكمل جميلك وتجبلي قميص وبنطلون من عندك البسهم دلوقتي…وبليل توديني أي مكان فيه نسوان و رقص..واغاني بقى وكدة…بمعنى جابر عايز يروح كبارية ويشوف رقص شرقي على ابوة…

هز خالد كتفيه وهتف بأسف:

-أنا آسف مش هقدر اخدك أماكن زي دي انا عن نفسي عُمري ما دخلتهم…بس القميص والبنطلون مقدور عليهم يلا اغسل وشك وحصلني…

همس له جابر مذهولًا:

-ايه عُمرك دي ؟؟ يعني كل الغناء الفاحش اللي انت فيه ده…وعضلاتك دي ومستغلتهمش….ومتفتكرنيش بحسدك ولا بـ قر عليك ولا حاجة انا بس بستفسر….

هز خالد رأسه دون أن يتفوه بحرف فـ انحنى جابر للامام مردفًا بمكر:

-ولا انا يبقى نجرب ونروح سوا….

ظل خالد على موقفه وأصر على رفضه وتركه وغادر الغرفة…فلحق به جابر وهو يحاول التأثير عليه لكن كل محاولاته باءت بالفشل..

نفخ جابر وسار معه حتى وصلوا لإحدى الغرف..

انفرج بابها و أضاء خالد أنوارها وسرعان ما انبهر جابر واتسعت عيناه بأعجاب وهو يلج داخلها ويتفحص تلك الأجهزة الرياضية المتواجدة بها….

-اتفضل يا سيدي ده الجيم اللي أنا بلعب فيه…..

علق جابر بانبهار وهو يذهب نحو بعض الأوزان الموضوعة على الأرض:

-يا ابن اللعيبة جايب الجيم في البيت وانا اقول ايه العضلات دي كلها!!

انتهى محاولًا حمل وزن متوسط خُيل له بالبداية أنه سيستطع حمله لكنه لم يستطع….

برزت عروق رقبته وخرج صوته مكتومًا يعبر عن مدى محاولته لحملها…

كتم خالد ضحكته وردد:

-تقيله عليك يا جابر سيبها دلوقتي….

تركها على الفور ونهض متحركًا صوب (عقلة جدارية) تشبث بها بكلتا ذراعيه ورفع ذاته عن الأرضية….ورغم نجاحه في رفع جسده عن الأرض والتعلق بتلك الطريقة لكنه كان يعاني وفعلها بصعوبة بالغة…

تركها وهبط وهو يردد بأنفاس لاهثة:

-يا مصيبتي السودة يانا ياما عضلاتي وقفت…ده شكله هيبقى مرار طافح….

-قولتلك مش بالسهولة اللي انت فاكرها مصدقتنيش…انا خارج دلوقتي هقابل والدك وطبعا مش محتاج اقولك البيت بيتك….

عقب مغادرته ضرب جابر كفًا على الآخر متمتم بخفوت ساخر:

-والدك!!!! الواد ده هيبوظ أخلاقي ولا إيه؟!!

**************

بللت “أبرار” شفتيها وهي تميل على أذن “داليدا” تهمس لها بخفوت بعدما قصت عليها تعرفها على نضال قبل استيقاظ الجميع وتجمعهم لتناول الإفطار سويًا وسردت عليها ما أخبرها به محاولًا تلفيق الفعلة لأخيه:

-انا عايزاكي تفكري في كلامه ومتظلميهوش وحطي احتمال يكون اخوه فعلا ويكون هو اللي استغل صورته ومش هو اللي استغل اسمه…

نظرت إليها متعجبه من دفاعها عنه…فقالت بخفوت شديد:

-ليه بتقولي كدة؟

عقبت “أبرار” بهدوء وعيناها تجوب على الجميع تتأكد من عدم انتباهم لأحاديثهم السرية:

-عشان اللي حصل امبارح… لو فكرتي شوية وربطي المواضيع هتفهمي ومظنش انها صدفة اخوه جابر يطرد من البيت في نفس اليوم واساسا الولد جابر ده شكله مريب…وطريقته في الكلام مش مريحاني…اللي هو لوكل وبيحاول يبقى ابن ناس…..

انتهت تاركة إياها غارقة في أفكارها….وعادت هي تسترسل طعامها….

نهضت وعد عن الطاولة مصوبة حديثها لفجر:

-يلا يا فجر ؟

جاء سؤال “محمود” المباغت مردد:

-على فين يا وعد؟؟

إجابته ببسمة طفيفة زينت محياها:

-هنجيب ملازم الدكتور نزلها عشان الامتحانات قربت يا جدو….

تجاهلها ونطق محدثًا فجر:

-فجر روحي أنتِ وشوفي مين في البنات تروح معاكي….وسيبي وعد و وئام وثراء عشان ملهمش خروج من البيت…..

برقت عين وعد وكذلك وئام مندفعين بالحديث:

-نـــــــعم هنتحبس يعني ولا إيه…

-والله اعتبروها زي ما تعتبروها ده اللي عندي خروج مفيش…وتنظيف واكل انهاردة عليكم ده عقابكم….

اعترضت وئام مشيرة نحو اختها:

-طيب على فكرة بقى المفروض ثراء هي اللي تتعاقب لوحدها عشان هي صاحبة الفكرة أصلا لا انا ولا وعد لينا دعوة….

أيدت وعد كلماتها موافقة:

-بضبط…كلام مية مية…

رمشت ثراء عدة مرات تشعر بالخجل مما تسببت به وقالت بهدوء شديد:

-ايوة يا جدو انا السبب هما ملهمش دعوة..لو حضرتك عايز تعاقب حد عاقبني لوحدي..

رفض “محمود” قبل أن يغادر تاركًا غرفة الطعام:

-أنا قولت انتوا التلاته يعني انتوا التلاته…….

عقب مغادرته صدحت ضحكات “احمد” بالإرجاء ونهض وهو يمضغ ما بفمه متمتم بشماته:

-يا عيني على الحلوين لما تبهدلهم الايام…..الواحد حاسس بانشكاح محسش بيه بقاله كتير…

طالعته ميرنا والدته بتحذير فغادر احمد قبل أن تفتك به وعد….التي توعدت له اليوم…..

بينما نظر مروان لابنتاه بنظرات نارية مقررًا إنهاء الطعام والذهاب لمنزل سلطان كي يبعد أولاده عن الفتيات….

**************

خرج سلطان وخليل رفقة “خالد” كي يذهبون سويًا ويرون ذلك المطعم الذي جاء به خالد…

بينما انتشلت دلال هاتفها وقامت بالاتصال على جابر كي تطمئن عليه وما أن أغلقت معه حتى نهضت وبدأت تجوب بالمنزل كي ترى ما ينقصه….

وبتلك الجولة قابلت كل من أشرف…عابد..يهبطان من أعلى الدرج قاصدين باب المنزل كي يخرجان معًا…

طرحت سؤالها على مسامعهم مستفسرة:

-رايحين على فين يا عيال؟؟؟

أجابها عابد بهدوء ما يسبق العاصفة:

-رايح أدور على مكان ينفع افتحه صالون تجميل حريمي واشغله….

لوت شفتيها من تلك المهنة التي لا تعجبها بالمرة…لكنها لزمت الصمت ونظرت لـ أشرف الساكن تمامًا ويعكس هدوئه ذلك مدى حزنه على فراق معشوقته…

سيطرت عليها الغيرة وقالت:

-أنت لسة زعلان على مقصوفة الرقبة…ما خلاص يا أشرف غارت في ستين داهية وبعدين مشي قرد يجي غزال…دور حواليك اكيد هتلاقي واحدة بتحبك وتتمنالك الرضا ترضا وانت بسبب زفتة الطين زينة مشوفتهاش….اسمع مني يا بني خد اللي تحبك ومتخدش اللي تحبها…

أخذ أشرف نفسًا عميقًا ثم زفره بنفاذ صبر على دفعة واحدة….بينما تكررت تلك الكلمات على مسامع “عابد”….

-خد اللي تحبك ومتخدش اللي تحبها………

فاق على صوتها الذي يهلل:

-حرام عليكم انتوا عايزين تجلطوني…هلاقيها منين ولا منين بس….

ابتسم عابد بسمة صفراء معلقًا بترقب لما سيصدر منها عقب إلقاء ما لديه عليها:

-طيب بمناسبة الجلطات بقى…احب اقولك ان صالون التجميل اللي كنت شغال فيه يبقى لمدام علياء مرات استاذ مروان جارنا اللي عزمتوه وعزمنا…سلام عليكم….

غادر رفقة أشرف الذي يدرك هذا الحديث للمرة الأولى وسخر مما يحدث معهم مع تلك العائلة….

بينما كانت دلال تقف متسمرة بأعين متسعة…شاعرة بأن دلوًا من الماء البارد قد سقط على رأسها…..

استوعبت تلك الصدمة وتحركت خطوتان وهي تهمس مع ذاتها:

-يا فضيحتك يا دلال…..يا فضيحتك…تلاقيهم بيقولوا عليكي كدابة دلوقتي….وبعدين هتعملي إيه……لازم اتصرف واصلح الموقف المهبب ده…

هبط “نضال” بتلك اللحظة و وقف أمامها مستفسرًا منها بلهجة متشنجة:

-ابنك جابر فين؟؟؟؟؟؟

رمقته بنظرة مستنكرة بعدما رأت ذلك الشر بعيناه تجاه أخيه…

ضربته بصدره مجيبة بسخرية:

-في الدنيا…ومتسألش عليه تاني مدام انت السبب في طردته من البيت وحرماني منه….

صعدت الدماء لرأس نضال..ورغب بالصراخ وأخبارها بما فعله بـ داليدا تلك الجارة الناعمة الحزينة الذي ظل طوال الليل يصارع مع ذاته كي يخرجها من عقله ويطرد صورة عيناها المتألمة من فعله أخيه الأحمق….لكنه لم يرد فضح آمرها ولزم الصمت….

بينما أخبرته دلال قبل أن تفارق مكانها:

-المطبخ فيه اكل خش افطر عقبال ما اروح عند جيرانا واجي…..

تركته وحيدًا مفكرًا في شيء ما سيجعله يتواصل معها ويوضح لها ما حدث ويبرر ذمته أمامها من جديد……

************

-انت رايح فين دلوقتي بلاش جنان..

سأل سليم مروان الذي سبقه تاركًا سيارته ذاهبًا باتجاه البوابة كي يمر على سلطان ويطمئن قلبه قليلًا…

رد مروان بصياح وهو على وشك الوصول للبوابة:

-رايح اكلم مع راجل البيت…واقوله يبعدهم وعلى رأى المثل صباح الخير يا جاري انت في حالك وانا في حالي…

وفجأة ظهرت أمامه “دلال” بأبتسامتها الواسعة مرددة بسماجة:

-صباح الخير…

أغمض جفونه لوهله يكبح غضبه الحجيمي….ثم رحب بها سليم من خلفه:

-صباح النور…

منحته دلال بسمة فاستفسر مروان منها:

-سلطان بيه في البيت؟؟

نفت برأسها وهى تكمل سيرها نحو المنزل كي تقابل زوجاتهم وتصلح ما أفسدته:

-لا خرج اصل اسم الله هيفتح مطعم جديد وهيوضبه…

همس مروان بخفوت لم يصل إليها:

-مش لما يوضب عياله الاول…..

جذبه سليم من مرفقيه بعد مفارقتها مردد ببسمة لم تصل إلى عيناه:

-اهو مش موجود يلا بقى نمر على المحلات إياس وبسام وآدم سبقونا…

قطب حاجبيه وسأله:

-وأيهم؟؟

-راح العيادة….

بالداخل…

فتحت “وعد” الباب وهي ترتدي جلباب منزلي وتعقد حجاب للخلف على خصلاتها..

ورغم اندهاش دلال من هيئتها المزرية نتيجة لغبار الأتربة التي ازالتها منذ لحظات إلا أنها تغاضت ودنت منها مقبلة إياها:

-صباح الخير يا وعد..اومال امك والباقي فين…

رحبت بها وعد وهي ترد عليها:

-جوة اتفضلي….

ولجت المنزل وحضرت روفان..علياء…رحمة .. مريم…تقى وجلسوا معها يتسامران…مدركة كشفهم لكذبها فمن المؤكد أن علياء قد أخبرتهم بأن ابنها كان يعمل لديها…

ظلت تبتسم وتثرثر دون فائدة وهم يتبادلون معها أطراف الحديث…

كما جاءت داليدا…وأبرار…وتخلت وعد عن التنظيف متحججة بوجود تلك الضيفة… وجلست هي الأخرى تاركة ثراء و وئام

ت

نظفان بالأعلى….

وبدون مقدمات لما حدث سابقًا قالت دلال:

-على فكرة انتوا ولاد أصول..واللي يشوفكم من برة يقول عليكم ناس تنكة ومناخيرهم في السما..بس الحقيقة انكم مش كدة وانكم ولاد بلد…ودخلتوا قلبي وعششتوا فيه…اه والله…وعشان كدة انا هحكيلكم…انا وسلطان كمان ناس عادية وكنا عايشين مستورين في حارة شعبية لحد ما في يوم وليلة الحال انقلب و سلطان جوزي ورث واحد قريبه من بعيد…..

ارتفع حاجبي وعد مدركة للتو سبب ذلك التبدل…شاعرة بالذنب نحو أشرف الذي ألقت والصقت به العديد والعديد من الأتهامات….

تبادلت روفان وعلياء النظرات مبتسمين خفية…بينما عقبت رحمة:

-ده بجد ده ؟؟؟ دي حكاية ولا في الأحلام…ده انتوا تلاقيكوا طيرتوا من الفرحة….

نفت برأسها وبررت:

-أبدا…وحياتك ما حصل اصل الواد أشرف ابني كان بيحب وخاطب بت كدة مبيملاش عينها غير التراب ولا أمها حربوقة يا رحمة اه والله كانت بتضغط على ابني ضغطة محدش يستحملها بس هو استحمل وكان بيشتغل بدل الشغلانة اتنين وتلاته بس مطمرش فيهم المعفنين….

ابتلعت ريقها ثم تابعت بهدوء:

-المهم خلينا في موضوعنا مش بحب اتكلم عن حد اه….اليوم اللي ورثنا فيه سابته فيه وكانوا خلاص على وش جواز وبيحضروا الشقة..بس ابني عشان نيته سليمة ربنا خلصوا منها…

عضت وعد على شفتيها ندمًا بعد أن خمنت سبب فعلته وأنه انصاع خلف شيطانه كي يرضي تلك الحماه…اي انه كان مجبرًا….

عادت بظهرها للخلف وهي تفكر في مقابلته وفهم ما حدث منه….

كاد ينهرها عقلها ويخبرها بأن تلك سذاجة منها فهو لص بالنهاية…ومحتمل أن تكون تلك المرأة كاذبة كعادتها..لكنها رفضت وصممت على الحديث معه وسرد سببه عليها….

انتهت دلال من المدح بـ أشرف واخلاقة ليأتي دور التوأمان مرددة:

-عابد و جابر بقى زي ما قولتلكم علطول في خناقات وكنا مقعدين جابر مع نضال هو الوحيد اللي بيطيقه…استنوا هحكيلكم موقف هيفطسكم ضحك…مرة ابوهم كان في الحمام وهما ميعرفوش قعدوا يتخانقوا ويعضوا في بعض وفي الاخر فتحوا على ابوهم باب الحمام….

اطلقت ضحكة عالية…جعلتهم يبتسمون على مضض مجاملين إياها….

حمحمت دلال عندما وجدت ذاتها من تضحك فقط…..فقالت ما آثار ريبة علياء و روفان:

-انا والله نفسي جابر ده ربنا يهديه…اصله بيعرف بنات بعدد شعر رأسه…استنوا هحكيلكم موقف واثقة أنه هيضحكم المرة دي…كان لسة الصبح بدري وكنت أنا وأشرف وهو قاعدين وتليفونه رن…المهم أنه رد وكانت واحدة من اللي يعرفهم…وبعد ما قفل معاها ولسة بهزقه عشان حرام اللي بيعمله ده القيلك التليفون بيرن تاني ونفس الجملة بيقولها من تاني للبت….

جذبت “دلال” بكلماتها حواس داليدا واعتدلت بجلستها على الأريكة واستفسرت منها عن تلك الجملة:

-بيقولهم إيه؟؟؟

ردت “دلال” بضحكة عالية:

-يا صباح الجمال والأناناس…ويقوم لازق فيها وحشتيني يا معرفش أبصر اسمها ايه…….

يتبع..

فاطمة محمد.

رأيكم وتوقعاتكم يا قمرات❤️❤️🙊

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية كارثة الحي الشعبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق