رواية كارثة الحي الشعبي – الفصل العاشر
الفصل العاشر
أنظر جيدًا.
كارثة الحي الشعبي.
فاطمة محمد.
الفصل العاشر:
-اش اش فرجوني يا عيال جبتوا إيه..
قالتها “دلال” وهى تقلب بيدها تلك الحقائب التي جاء بها أولادها…
التقط نضال إحدى الحقائب وبدأ بإخراج ملابسه الجديدة التي تحوي على العديد من القمصان والسراويل فنالت اعجابها على الفور…كذلك فعل خليل…أشرف…عابد…
وحينما جاء دور “جابر” وجدته يخرج قميصًا واحدًا بنفسجي اللون وسروال أسود…
قطبت حاجبيها واندهشت من لون القميص وكذلك تصرفه الغير مفهوم بالنسبة لها…
وصاحت مدهوشة:
-ايه ده جايب قميص واحد وبنفسجي..وبنطلون واحد…بس!!!!!! انت سخن يا واد..
رد مبررًا لها…وموضح لها ما حدث معه:
-لا مش سخن…انا كويس الحمدلله..ولادك هما اللي سخنين…أنتِ عارفة الهدوم اللي جايبنها دي بكام…دول اضحك عليهم…ده انا انزل وسط البلد بالفلوس اللي ادفعت دي واجيب كل اللي في المحلات…بس انا مش هعمل كدة كمان عشان انا ناصح…انا هشتري قماش وهروح لعم عبده الترزي يفصلي….
ضحك “نضال” عاليًا ثم قال بصعوبة:
-المعفن هيفضل طول عُمره معفن….
بينما رمقه “عابد” باشمئزاز واستنكر ما قاله….أما خليل فقال موافقًا على حديث جابر:
-أنا كمان استغليت بصراحة عشان كدة مكترتش وجبت اللي اسعارهم معقوله وهبقى انزل اي محل عادي بعد كدة…مش لازم براندات يعني..
أشار جابر تجاه خليل وعلق:
-اهو شوفتي لعلمك عيالك دول مفتريين وهيضيعوا الفلوس… اللهم ما بلغت اللهم فاشهد…..انا طالع اقيس الطقم الشياكة ده…
تركهم وصعد للأعلى وارتدى ذلك الطقم ثم هبط للأسفل كي تراه دلال…
-ايه رأيك ياما…جامد مش كدة؟
-ايه ده يا واد البنطلون ماله ضيق كدة ليه؟؟
نفى برأسه وقال:
-لا مش ضيق حلو…القميص البنفسجي هياكل مني حتة صح؟؟
لوت دلال شفتيها وأكدت بسخرية:
-طبعا..اومال…
*************
استقلبت “روفان” و ” رحمة” دلال التي جاءت رفقة عائلتها في تمام الرابعة عصرًا….
-اهلا…اهلا اتفضلوا..نورتونا..
ردت دلال ببسمة واسعة:
-البيت منور بصحابه يا حبيبتي…
جاءت كلا “وعد” و “ثراء” على أصواتهم من المطبخ…فكانت عيناها تبحث عنه…ذلك اللص الذي تظن به الكثير والكثير وتنوي له على الشر….
فلا يزال نعته لها بذلك الإسم الذكوري “رعد” يغضبها ويثير حنقها كلما تذكرته….
تقابلت عيناهم فتفادى الإطاله وابعد حدقتاه عنها مبتلعًا ريقه بهدوء قد أجاده…
بينما تنهد جابر بحرارة وهو يتفقد تلك الفاتنة التي تقترب منهم بخطوات ناعمة تشبها…
انتبه “نضال” عليه فقام بلكزه وهمس له:
-على فكرة ابوها مش طايقك خلقه..فـ اقطم بقى عشان متأكلش علقة مخدهاش حمار في مطلع….
-هشش هشش سبني أتامل الجمال والنعومة دي…ده يا نهار اناناس بجد…
وصلت كلماته الخافتة لأخيه خليل…فأغمض عينيه برهه وقال بخفوت:
-يا مصبر الوحش على الحجش….
على الجانب الآخر رحبت الفتيات بهم.. وحثت روفان على ذهاب واحدة منهم وابلاغ البقية بمجيئهم…
فقالت “ثراء” مبتسمة:
-أنا هروح اناديهم…
كادت تتحرك ليوقفها صوت “جابر” الذي هتف بأحترام لا يليق به:
-لو سمحتي يا آنسه ممكن تنادي والدك اول شخص اصله وحشني اوي من امبارح….
عض “سلطان” شفتيه من الداخل…بينما ضحكت دلال عاليًا وقالت:
-يالهوي عليك يا ولا…وعلى خفة دمك وطيبة قلبك…تعرفوا من امبارح وهو معندوش سيرة غير استاذ مروان…وقد ايه كان غلطان في أول مقابلة بينهم…
ذهبت ثراء تكتم ضحكتها ولا تصدق أي شيء مما يتفوهون به….فظلت عيناه تراقبها حتى اختفت تمامًا…. أما عابد فكانت حالته لا توصف…هناك نزاع يحدث داخله…محاولًا تكذيب مشاعره نحوها….فخفقاته في تفاقم….حتى انها اوشكت على مغادرة جسده عندما رآها قد طلت عليهم وبدأت بالاقتراب منهم بنعومة لا تختلف كثيرًا عن اختها….
وببرود تام اكتفت بالابتسام لهم جميعًا…مما جعل دلال تمصمص شفتيها بحركة شعبية وشعور بعدم القبول يبدأ تجاه تلك الفتاة…
حضرت باقي عائلة الحلواني وتعرفوا على “محمود” جد الفتيات ثم رحبوا بهم بحرارة عدا مروان الذي تشابهت طريقته بأبنته “وئام” ونظر بأستهزاء نحو قميص جابر…كذلك جذب خليل أنظار فجر إليه بتلك المرة وراقبت طريقته وكيف يطرق رأسه من حين لآخر متفاديًا اي نظرة قد تقع على الفتيات من أمامه..
وللمرة الثانية تتعمد داليدا أظهار كرهها تجاه نضال….
الذي اختفت بسمته تلك المرة… أما جابر فكان لا يهتم بها وبأمرها…مخبرًا ذاته بأن الأمر لا يستحق أن يشغل باله وأنها المخطئة الحقيقية بحق ذاتها وليس هو…
فليس هو من قام بمحادثتها من وراء أهلها بل هي التي فعلت…وسمحت لنفسها بالتحدث مع غريب…مطلقًا عليها لفظ الحمقاء….حقًا حمقاء من تظن بأن هناك قصة حب قد تنشأ عن طريق مواقع التواصل الإجتماعي…ودون أن يرى الأثنان بعضهم البعض…
************
دُهشت “دلال” من غياب الفتيات فصاحت مستفسرة عنهم جاذبة أنظار ابنائها…
-اومال البنات فين؟؟؟
إجابتها “مريم” موضحة لها:
-في المطبخ بيجهزوا الأكل…
اتسعت عين “دلال” وقالت:
-يا ندامة بقى ده كلام سايبنهم لوحدهم…طب خلونا نساعدهم حرام عددنا كبير…
نفت روفان مغمغمة ببسمة:
-ما تقلقيش بناتنا مفيش اشطر منهم…وهيعرفوا يخلصوا..
وافقت رحمة على كلماتها قائلة مادحة بهم:
-بضبط…وبعدين هما متعودين وبيحبوا يعملوا كل حاجة مع بعض…دول مبيستغنوش عن بعض و
توقفت عن إتمام الجملة عندما تناهى لهم صوت “وعد” وهى تردد بصوت عالي غافلة عن وصوله إليهم:
-عنك ما عملتي يا حبيبتي….بس ايدك تتمد على المحشي هقطعهالك…عشان دلع بنات مبحبش يا دلوعة ابوكي أنتِ..
قالت الأخيرة وهي تمر من جوارها متعمده التصادم بكتفيها خارجة لهم بوجه بيشر بالشر:
-بقولكم ايه البت وئام دي لو مساعدتش في الاكل مش هتمد ايدها عليه اديني عرفتكم اهو…
اندفع مروان بالحديث مدافعًا عن ابنته:
-ليه يختي…انا بنتي تعمل اللي هي عايزاه…
حمحم سليم بحرج مما يحدث من فضيحة وشجار طفولي غير ناضج من مروان و وعد…
انتبه مروان لنظرات جابر وعابد ومحاولتهم في كتم ضحكاتهم…بينما ابتسم أشرف دون أن يشعر مدركًا أنه لم يكذب عندما نعتها بـ رعد….بأسلوبها الذكوري…فهي حقًا محبة للشجار والعنف….
ضحكت دلال ورفعت أكمامها كاشفة عن ذراعيها وذهبها الذي بات يزين ذراعيها….وقالت بعفوية:
-الله محشي..مش تقولوا…ده المحشي ده لعبتي..يلا خلوني اعمل معاكم..
رفضت روفان وقالت بإصرار وحرج طفيف:
-ازاي يعني مينفعش حضرتك ضيفتنا…وبالنسبة لوعد و وئام هما علطول كدة من وهما صغيرين…
رددت دلال بتصميم:
-والله أبدا هساعدهم يعني هساعدهم….ده انا مبحسش بطعم المحشي غير وانا مشاركه فيه….
تنهدت علياء بقلة حيلة وراقبوا ذهاب دلال رفقة وعد فذهبوا أيضًا كي يتشاركوا جميعًا…
حك أشرف أنفه يحمد ربه بسره على ذهابها واختلافها اليوم عن ليلة أمس مخمنًا بأنها قد صرفت نظر عن شكوكها حوله….
بينما ابتسم مروان بسمة صفراء و صوب حديثه لـ جابر:
-حلو القميص البنفسجي ده مجبتوش بينك ليه؟
رد جابر ببسمة صفراء مماثلة متحدثًا بالفصحى الركيكة الخاصة به:
-لان هذا ما وجدته يا رجل….ياله من سؤال أحمق…
-أنا أحمق؟؟؟؟؟!!!!!!
حمحم خليل ولكز أشرف فصاح جابر مصححًا:
-والله ما أنت ده السؤال يا عمنا…مالك…وبعدين هي احمق دي شتيمة ولا ايه؟؟؟؟
ضحك نضال وقال كاذبًا:
-يالهوي عليك يا جابر…دايما بيحب يهزر….دمه خفيف اووي…
أكد مروان من بين أسنانه :
-اه اوووي…
بتلك اللحظة جذب أنظار عابد وئام التي رآها تخرج وتصعد الدرجات لا تلتفت إليه تنظر بهاتفها تعبث به والبسمة على وجهها….
لاحظ مروان عيناه التي ترتكز مع أحدهم…وكذلك بسام وسليم وأيهم وإياس وآدم…
فنهض مروان واقترب منه دون أن يشعر مردد بتحذير باطني وهو يعدل له رأسه كي تصبح باتجاهم:
-رقبتك يا حبيبي…رقبتك يا بابا…بدل ما تتلوح …
************
مضى الوقت وانتهى طهي الطعام فقامت وعد بالاقتراح عليهم بما اغضب عائلتها عدا والدتها التي سعدت باقتراحها:
-إيه رأيكم نفرش وناكل برة في الجنينة حتى الواحد ياكل براحته….
استحسنت دلال الفكرة وصاحت موافقة قبل أن يعترض اي احد جابرة إياهم على التزام الصمت موافقين على مضض:
-فكرة تجنن..هو في احلى من القعدة في الهوا والأكل على الأرض….
انكمش وجه جابر وصاح هامسًا لاخيه خليل:
-هو انا سمعت صح؟؟؟ هما اتجننوا مش عارفين البنطلون اللي أنا لبسة ده بكام…
-والله ما عايز ارد عليك عشان ماخدش ذنوب على الفاضي….
تركه يشتعل فاقترب من والدته وهمس لها:
-بتوافقي ليه ياما انا برستيجي ميسمحليش اقعد على الأرض…وبعدين البنطلون غالي….
-متاكلش سهلة…بس افتكر أن اللي بياكل على ضرسه بينفع نفسه…
جهزت الفتيات جلستهم بالحديقة مفترشين الأرض بعدة سجاد جوار بعضهم…
ثم جاءوا بالطعام والأواني الممتلئة بالاصناف المتعددة و وضعوها بمكانها….
شرعوا بالجلوس وقبل أن يجلس جابر المتردد همست له دلال:
-يا واد اقعد الاكل ريحته تجنن وبعدين متخافش على البنطلون هيجراله ايه يعني اقعد يا اهبل…
استمع لها جابر ومال بجسده جالسًا جوارها وجوار عابد….وفجأة برقت عيناه بشدة وحاول تكذيب ما شعر به….
ازدرد ريقه وهمس بسره مكذبًا ما حدث ما أن جلس:
-لا لا يارب ما يكون اللي في بالي…
شرعوا الجميع بتذوق الطعام…عدا هو….انتبه عابد وهمس له:
-أنت مبتاكلش ليه؟
اجابه بخفوت وهو على وشك البكاء:
-عابد… أخوك في مصيبة…..
مضغ عابد ما بفوه واستفسر منه:
-في إيه؟؟؟؟؟
عض على شفتاه السفلية قبل أن يجيب بعدم تصديق:
-وانا بقعد البنطلون….اتمزق….انا اتفضحت…..اتفضحت…فلوسي وقعت على الأرض…
تسمر عابد وفجأة صدحت ضحكته عاليًا جاذبًا أنظارهم إليه…ابتسم لهم جابر وبرر بتوتر وقلق:
-معلش اصلي قولتله نكته فطسته…
هتف سليم مبتسمًا :
-بجد طب ضحكنا احنا كمان….
-لا أخاف عليكم بعد الاكل إن شاء الله كلنا هنضحك…..
أكد عابد متخيلًا ما سيحدث عند انتهائهم من الطعام…وكيف سينهض شقيقه ببنطاله الممزق ذلك…
-هتضحكوا ضحك السنين…بأكدلكم ده…
ازدرد جابر ريقه من جديد وأثناء انشغال الجميع بالطعام تقابلت عينه مع تلك الناعمة…..
فتناسى وضعه لثوانِ وابتسم لها….
منحتة بسمة طفيفة غافلين عن اعين مروان التي كانت لهم كالمرصاد وتوقف الطعام بحلقه ما أن رأى ما فعله ذلك الوقح……
مر ذلك الطعام بسلام حتى جاء وقت نهوض الجميع…ومفارقتهم مجلسهم….
حيث بارح الجميع مكانه عدا هو… يناول الفتيات الصحون من على الأرضية مبتسمًا لكل واحدة من الفتيات واللواتي رمقوه بدهشة….وساعده خليل ونضال الذي رفضت داليدا أخذ شيء منه مسببه جنانه وأخذت الصحون من خليل الذي كان يأخذ حذره كي لا تلامس يده مع أحدهم دون عمد…
أما عابد الذي كان يتابعه من بعيد وهو يقف رفقة رجال عائلة الحلواني فلم يتحمل وانفجر ضاحكًا….هامسًا لهم ببعض الكلمات تحت أنظار جابر الذي التفت برأسه واختطف نظره نحوهم…
ثم وجده يقترب منه لا يتوقف عن الضحك…مال على أذنيه هامسًا له…
-كنت هروح اجبلك بنطلون بس الناس طلعت ذوق قوم اونكل مروان هيديك واحد من عنده…وهتطلعوا من غير ما حد يحس…يلا بسرعة….
نهض سريعًا مستجيبًا له….محاولًا رؤية ذلك التمزيق فوجده صغير لكنه فاضح…فتحرك رفقة مروان للداخل قبل أن تأتي الفتيات ويسترسلون تحويل.. الصحون للمطبخ……
**************
فتح “مروان” باب الغرفة وأشار له بالدخول…فأنصاع إليه على الفور متنفسًا الصعداء….
اغلق مروان الباب سريعًا وبحركة مباغتة كان يجر “جابر” من ملابسه صادمًا جسده بالباب من خلفه….
محاصرًا إياه بتعابير وحشية متمتم من بين أسنانه:
-عارف يالا أنت لو شوفتك بس بتبص لبنتي تاني هعمل فيك إيه؟؟؟ ومش بنتي بس لا ده أي واحدة في البيت ده؟؟
هز جابر رأسه نافيًا معرفته لما سيحدث…
-والله ما اعرف..
علق مروان بنبرة مهددة تشع إجرامًا لا تروق لهيئته و وسامته:
-هخلي أمك تتحسر عليك….المرة دي بكلم معاك بمنتهى الادب والاحترام الم
قاطعه جابر بنبرة متهكمة يسخر من وضعه:
-سلامات يا ادب واحترام…الا هما فين لحسن مش شايفهم…لا بقولك ايه متفكرنيش مُدرس عربي بجد ده انا بلطجي يعني ميغركش شكلي المحترم لا….ده انا ممكن اطلعلك موس من بوقي…اصحى يا جدوو..مالك….
احكم مروان قبضته حول قميصه وقام بهزة هزات عنيفة متتالية مردد بغضب ناري:
-جدووو في عينك يا حيوان….انا هوريك..
أبعده جابر عنه وردد بطريقته الفجة:
-بقولك إيه يا شبح اللي بيعمل مبيقولش واللي بيقول مبيعملش…خلصانة ومعاها حصانه…
رمقه مروان بكره وغل..ثم قال قبل أن يتجه نحو الخزانة:
-أنا حذرتك…ولو مستغني عن عمرك وعايز تزعل امك مش هقولك قرب لواحدة لا هقولك بص لواحدة بس….
انتهى جالبًا سروال من خزانته قاذفًا إياه في وجهه..
التقطه جابر مبتسمًا بسخرية وقبل أن يغادر مروان التفت إليه من جديد وتحدث بطريقه مماثلة لجابر محاولًا تقليده كي يهاب منه قائلاً:
-لو انت بابا في المجال…فـ أنا جد العيال..
عقب مغادرته حك جابر رأسه بتفكير وتمتم بخفوت قبل أن يبدأ بتبديل سرواله الممزق لآخر من ذات اللون:
-مجال ايه وعيال إيه!!!! الراجل ده مجنون اقسم بالله مجنون ولو هو مجنون فـ انا اجن منه….
بالخارج
وما أن خرج مروان وجد أخيه بسام في وجهه مردد:
-مش مرتحلك اخدت الواد عملت فيه إيه؟؟؟
-كل الخير…اصله ابن حلال… ابن حلال أوي…لا ومؤدب…
*************
هبط “جابر” من الاعلى وخرج للحديقة بعدما وجد المنزل بالداخل بات فارغًا واصواتهم تأتي من الخارج…
فاستمع لكلمات أحمد الأخيرة حيث كان يخبر اشقائه بحضور عائلته من رجال:
– يعني بصراحة كان نفسي ابقى عايش مع شباب زيي…بس هنقول إيه كلهم جابوا بنات…وكله من عمي مروان…اصلي اسمع أنه رشقهم دعوة زمان واتمنى أنهم يخلفوا بنات…..
تذكر مروان ذلك اليوم الذي دعا به لإنجاب الفتيات ظنًا بأن تربيتهم ليست بصعبة…لكن الحقيقة أنه لو عاد به الزمان ما كان تمنى تلك الأمنية التي تحققت وباتت عائلته تحوي على العديد من الفتيات….
دنا منهم جابر وهتف بمزاح محاولًا قدر الإمكان تجاهل مروان :
-ده انت في نعمة..اه والله في نعمة متعرفش انت يعني ايه تبقى عندك أربع اخوات بشنبات….
هز احمد رأسه يرفض حديثه متمتم:
-أنت اللي متعرفش يعني ايه يبقى عندك عشر اخوات بنات وكلهم في بيت واحد…ومنهم واحدة كدة مش هقول اسمها بتسرق التشيرتات بتاعتي ومبتخلنيش اتهنى بيهم….
رفع نبرته بكلماته الأخيرة كي تصل إلى وعد التي كانت تجلس رفقة النساء والفتيات فـ صرخت بصوت عالي:
-سمعتك…ها…وبعدين إيه تشيرتاتك دي اسمها تشيرتاتنا….
وبتلك الأثناء انتبه نضال على داليدا التي نهضت و ولجت المنزل…فنهض على الفور واخبرهم بأنه سيلج المرحاض..ولم ينتبه أحد بانه يتبع داليدا….
ذهب خلفها ولحق بها قبل أن تصعد درجات الدرج متحدث بأنفعال طفيف دون أي مقدمات:
-ممكن أعرف بتبصيلي كدة لية كأني قتلك قتيل؟؟؟ من امبارح وانا واخد بالي حاولت اكدب اللي أنا شايفه يمكن اكون بتخيل..بس نظراتك ليا مقصودة..انا عملتلك إيه؟؟؟؟!!!!
حافظت “داليدا” على برود ملامحها واجابت من زاوية فمها:
-عملتلي إيه؟!! أنت إيه البجاحة اللي انت فيها دي….بعد ما علقتني بيك وخلتني أحبك…جرحتني…وجعت قلبي من غير ما اعملك اي حاجة…حسستني اني رخيصة…واحدة اتكلمت معاها شوية ولما زهقت روحت مخرجها من حياتك من غير اي مبرر..او تمهيد….
ارتخت قسماته ولاحت الصدمة عليه…لا يفقه شيء مما تهتف به….
نظف حلقه من تلك الغصة المعلقة به معقبًا على كلماتها:
-أنتِ بتقولي إيه؟؟؟؟؟ أنتِ مجنونة…انا لسة شايفك امبارح…
ابتسمت ساخرة ثم عقبت بخذلان وكأنها كانت تدرك بأنه سينكر كل شيء…سينكر معرفته بها…واحاديثه معها…إخراجه لها من حياته دون أن يوضح شيء…
-طبعا لازم تنكر..ده المتوقع من واحد زيك…حيوان….فاكر بنات الناس لعبة….
تحدثت بمرارة وألم ظهر بوضوح بعيناها جعله يشعر بالضيق لأجلها رغم عدم فهمه لشيء…مسحت على وجهها وهي تبتسم بهزل ثم تابعت:
-حتى اسمك كدبت عليا فيه…وخدت اسم اخوك جابر….طيب كنت بالمرة تبعتلي صوره…بعت صورك ليه…خلتني احبك ليه…..ليه!!!!!!!!!!!!!!!!!!
عقد “نضال” حاجبيه وردد بخفوت اسم أخيه:
-جابر؟؟؟؟
انحلت عقدة حاجبيه…بعدما وصل إليه ما حدث….فـ جابر هو السبب وراء ذلك….هو من تلاعب بها…..
ابتلع ريقه وكادت تصعد الدرجات فاوقفها بلهجة متلهفة راغبًا بالتوضيح لها:
-انسة داليدا اقسملك بالله اني عُمري ما كلمتك ولا حتى كنت أعرفك…اصلا معرفتش واحدة اسمها داليدا قبل كدة….بس انا عارف مين اللي عمل كدة…هو جابر مفيش غيره….
تبدلت تعابيرها لأخرى غاضبة مقتربة منه خطوة واحدة هامسة من بين أسنانها:
-للدرجة دي معندكش دم…وبدبس اخوك المحترم…
-محترررم!!!!!!!!!
قالها باستنكار ثم استرسل:
-أنا آسف على اللي هقوله بس جابر مش محترم…واكيد هو اللي استغل صوري…دي حركاته…و
قاطعته بعنف قبل أن تلتهم الدرجات التهامًا راغبة في الاختفاء من أمامه:
-مش مصدقاك…ومش هصدقك… وياريت متورنيش وشك…حاول متبقاش موجود في مكان انا فيه…عشان بتوجعني زيادة وبتفكرني بغلطتي الشنيعة في حق نفسي…..
**************
تسير “زينة” بغرفتها ذهابًا وإيابًا…هاتفها بين يديها….تتردد بمحادثته…ترى هل سيجيب عليها…ام سيتجاهلها…؟
مسحت على جبينها محاولة الوصول لقرار سليم… وبالنهاية فتحت هاتفها وجاءت برقمه ثم هاتفته و وضعت الهاتف على أذنيها وانتظرت إجابته عليها..متمنية ألا يخيب آمالها..وتعود الماء لمجاريها…ويعدون كالسابق كأن شيء لم يكن…!
عصرت جفونها عندما وجدته اغلق المكالمة ولم يجيبها….ابتلعت لعابها وقررت عدم الاستسلام وحاولت من جديد عله يجيب تلك المرة..
**************
عاد “نضال” مكانه من جديد يحدق بأخيه جابر ملزمًا الصمت متيقنًا بأنه إذا تحدث الآن سيحدث كارثة ولن يترك أخيه وسيصب جام غضبه وحنقه به..مما يفعله بالفتيات..واستغلاله وإدخاله تلك السخافات…
بينما يحدق أشرف بهاتفه خاصة رقمها الذي لا يتوقف عن الرنين وبالنهاية وبعد محاولات متتالية نهض كي يجيب عليها ويرى ماذا تريد؟
تسللت “وعد” خفية خلفه بعدما تعللت بذهابها لرؤية داليدا التي ولجت المنزل ولم تأتي بعد…
وقفت خلفه بعيدًا عن أنظار الجميع تتابع حديثه بالهاتف الذي جعله ينهض من جلستهم…
وجدته يلزم الصمت منصتًا للطرف الآخر رافعًا رأسه للأعلى لا تدري أكان شعور بالضيق….ام بالضجر من تلك المكالمة..
لكن كلماته التالية المتألمة جعلتها تدرك ما يعايشه…
-خلاص يا زينة…هي خصلت…أنتِ اللي بعتي واستغنيتي مش أنا….انا لحد اخر لحظة كنت شاريكي…بس واضح أن حبيت غلط واختياري كان غلط من البداية…كنت اهبل لما افتكرتك بتحبيني….
قطبت “وعد” حاجبيها وهتفت بخفوت:
-احييييه ده بيحب…وبيعاتب…وبعدين هو أول مرة يكتشف أنه اهبل….
ردت “زينة” التي كانت تبكي بحرقة من ضياعه وتركها له:
-أنا آسفة يا أشرف….بجد آسفة على كل حاجة…انا مش عارفة اعيش يا أشرف..اليوم مش بيعدي…انت وحشتني اوي…
أغمض جفونة ولم يجيبها يفكر في جواب مناسبًا بتلك الحالات كي لا يظهر لها مشاعره نحوها وتستغلها….
فاق من تلك الأفكار على صوت وعد التي اقتربت منه وهي تصفق بيدها بعدما حثت نفسها على تنفيذ ما خططت فلن تتراجع ولن تتأثر بهيئته المزرية تلك..
-اقفل المكالمة دي يلا عايزة اكلم معاك….
وصل صوتها لـ زينة التي ارتخت قسماتها وهتفت متسائلة والغيرة تنهشها:
-مين دي يا أشرف….
لم يجيبها…اغلق بوجهها وانزل الهاتف عن اذنيه محملقًا بـ وعد التي ابتسمت له بسمة لم تصل لعيناها قائلة:
-ازيك يا أشف يا حرامي عامل ايه؟؟!
توقعت إنكاره واستعدت لدخول مشاحنة لن تنتهي…لكنه خاب آمالها وأجابها بجمود:
-عايزة إيه ؟؟؟؟
اوشكت على اجابته ليقاطعها بلهجة صارمة:
-لا لحظة….معلش غلطة غير مقصودة…قصدي عايز إيه؟؟؟؟
غامت عيناها وتوحشت تعابيرها معقبة بشراسة لا تليق بأنثى سواها:
-عايز ايه في عينك يا حرامي…اوعي تنسى نفسك ده انا ممكن اجرصك واعملك فضيحة بجلاجل….
زفر بقوة ثم مسح على وجهه تحت متابعتها له ولانفعاله…مخاطبًا إياها بهدوء مفتعل:
-بقولك إيه أنا مش ناقصك اللي عايزة تعمليه اعمليه…بس اثبتي يا شاطرة….قصدي يا رعد…تصدقي لايقة عليكي…
-مش اكتر منك يا اشف يا حرامي…وياريتك حرامي بس لا ده انت حرامي ومفضوح وغبي…الا قولي هو اي حد يسالك على اسمك وانت بتسرق بتقوله عادي كدة….
ردت بسخرية جعلته يغضب ويقدح شرار من عيناه… معلقًا بغصة قد علقت بحلقه:
-انتِ عايزة ايه دلوقتي؟؟؟؟
-وانا هعوز منك ايه يا حرامي…وبعدين ما تكلم عدل..
-والله كلامي عدل مع الناس العدلة المحترمة ..وعوج مع امثالك…
شهقت بخفوت ثم قالت بقسوة:
-حوش حوش الاحترام اللي بينقط منك وبعدين هما الحرامية دلوقتي بقو محترمين ولا إيه….الا قولي سرقت مين عشان تغتنوا بالسرعة دي…ها قولي ده احنا حتى عشرة خمسة دقايق يا اشف…يا حرامي..هانت عليك الخمس دقايق يا ولا….
صك على فكيه ولم يجيبها بل غادر تاركًا إياها تتوعد له متمتمة بخفوت:
-أنت بتسبني وتمشي طيب انت اللي جبته لنفسك….
*************
ولجت “وعد” المطبخ كي تبدأ انتقامها من ذلك اللص…
فقامت بإخراج العديد من الأكواب…ثم وضعتهم أعلى الرُخامه…اخذت نفسًا عميقًا ثم أخرجت علبة دواء صغيرة الحجم من جيب بنطالها..و وضعت القليل منهم بداخل الكوب المتواجد على يسارها…
وما أن انتهت حتى قامت باخفاء تلك العلبة من جديد بملابسها…
ثم اقتربت من (الثلاجة) وأخرجت ذلك العصير الطبيعي التي اعدته علياء…
اقتربت من الأكواب وبدأت بتعبئتهم..ولجت داليدا بذلك الوقت ورأتها فاقتربت واقفة جوارها مستفسرة منها:
-هما لسة مطولين انا زهقت..ما يباتوا أحسن..
انتهت وعد وتحركت نحو (الحوض) تاركة الدورق الزجاجي الكبير…وما أن التفتت بظهرها حتى وجدت داليدا قد بدأت بترتيب الأكواب داخل صينية كبيرة…
نظرت مكان الكوب الذي كان على يسارها ويحوي على الدواء..فوجدتها قد وضعته هو واثنان اخرين ولم تستطع تمييزه…
حكت رأسها وقالت بتوتر:
-احيييه…
دهشت داليدا من كلمتها وتساءلت:
-في إيه؟؟؟
هزت رأسها نافية وساعدتها بوضع الآخرين وخرجوا كل واحدة تحمل صينية…وكانت قد أخذت منها الصينية الاولى التي تحوى على الكوب…
انحنت تجاه أيهم فأخذ كوبًا من الثلاث…فابتسمت بخوف لوالدها…ثم تحركت نحو “أشرف” فأخذ هو الآخر إحدى الاكواب الثلاث..فابتسمت بتشفي وتمنت أن يكون أخذ الصحيح…
تحركت ثانية وكان الكوب الثالث من نصيب مروان…ثم بدأت بتوزيع البقية وساعدتها داليدا التي تفادت نضال تمامًا …
بينما كان عابد على وشك الأنفجار من تجاهل وئام المتعمد نحوه…
***************
عادت عائلة سلطان إلى منزلهم..وما أن ولجوا من الباب حتى وجدوا نضال يهجم على جابر ويمسكه من تلابيبه…موجهًا له لكمة قوية على وجهه…ترنح جابر على اثرها ورمقه بصدمة سرعان ما تحولت لغضب…
صرخت دلال وضربت على صدرها:
-في ايه يا واد بتمد ايدك على اخوك ليه؟؟؟؟
كاد يقترب منه من جديد راغبًا في ضربه لولا سلطان الذي وقف أمامه وصرخ بهدر:
-في ايه يا نضال؟؟ اخوك عملك ايه؟؟
اندفع نضال بالحديث وسرد على والده حقيقة فعلته الشنيعة:
-البيه بيكلم بنات وبيبعتلهم صوري على أنه أنا….وبعد ما بيزهق من البت ويخليها تتعلق بيه بيطلعها من حياته الحيوان….
مط عابد شفتاه ولم يندهش متوقعًا ما هو أكثر..بينما حرك خليل رأسه بأسف وقال:
-يا اخي حرام عليك..ليه الأذى ده؟؟ ليه!!! بتستفاد ايه؟؟
نطق أشرف بغضب لا يقل شيء عن خليل:
-بيتسلى فاكرهم تسلايه…أصل كلمة بحبك بقت سهلة اليومين دول..كل من هب ودب بقى بيقولها..ميعرفوش أنها أكبر من كدة بكتير..
ثبت “سلطان” عيناه على جابر الذي كان يشتعل من فضح أخيه لأمره وخمن بأن تلك الفتاة التي تدعو “داليدا” قد أخبرته بكل شيء….
وبحركة مباغتة غير متوقعة كان يجره سلطان من ملابسه…ويفتح باب المنزل ويدفعه للخارج صارخًا بصوت هز الأرجاء:
-البيت ده مش هتدخله غير لما تحترم نفسك وتكبر وتبقى راجل..وتعرف أن البنات مش لعبة..كتك القرف فيك وفي أمثالك…………
يتبع.
فاطمة محمد.
رأيكم وتوقعاتكم ❤️ وعشان نبقى على نور عايزة اقولكم أن كلهم أبطال…وكلهم هياخدوا حقهم 😘
وطبيعي تحبوا شخصيات وتكرهوا شخصيات🖤
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية كارثة الحي الشعبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.