رواية كارثة الحي الشعبي الفصل الثالث عشر 13 – بقلم فاطمة محمد

رواية كارثة الحي الشعبي – الفصل الثالث عشر

الفصل الثالث عشر

الفصل الثالث عشر

أنظر جيدًا.

كارثة الحي الشعبي.

فاطمة محمد.

الفصل الثالث عشر:

لانت تعابير “داليدا” وأدركت صدقه للتو…معاتبة ذاتها على عدم

انصاتها

إليه

وظلمها

له….

أغمضت جفونها لبرهة ثم فتحتها خاطفة نظرة نحو “أبرار” والتي كانت تحدق بها بنظرات فهمتها الأخرى و وصل إليها مغزاها وكأنها تخبرها “أرايتِ ألم اخبركِ بذلك”

بينما اختفت بسمة “دلال”

كليًا

وعلمت ما فعلته من فضح أبنها أمام الغرباء…وأن لسانها قد خانها وجعلها تلقي الكثير والكثير من الترهات التي من المؤكد بأنها

ستصيبهم

بالريبة

والحذر نحو “جابر”….

وصل إليهم صوت طرقات على الباب من الخارج…فأسرعت “داليدا” بالنهوض مستغلة تلك الفرصة

متحججة

بالفتح كي تهرب إلى غرفتها وتفكر جيدًا…

وقفت قبالة الباب تلتقط أنفاسها وشعور بالذنب يتخللها….مدت يدها وهي تنوي رؤية الضيف

وايصاله

نحو عائلتها ثم تهرول سريعًا…

انفرج الباب وظهر هو من خلفه ببسمة طفيفة لم تصل

لعيناه

….

لكن سرعان ما اختفت تلك البسمة المزيفة ما أن رآها أمامه….

تفاقمت أنفاسها

ارتباكًا

وبدأ صدرها يرتفع وينخفض…. سيطرت على ذاتها وأشارت إليه

بذراعيها

سريعًا للداخل…قائلة بتلعثم بسيط:

-اتفضل….

ولج خلفها واغلق الباب وما كاد أن يحرك شفتاه وينطق أسمها كي تتوقف ويتحدث معها حتى ظهر أمامه إحدى الفتيات مما جعله يلزم الصمت

مؤقتًا

….

رحب به الجميع والغريب بأن داليدا وجدت ذاتها تجلس معهم ولا تفارق تلك الجلسة….

بينما جلس هو جانب دلال التي التفتت إليه بأعين مدهوشة من قدومه، مغمغمة بصوت وصل للجميع:

-أنت إيه اللي جابك يا ولا؟!!!!

افتر وجهه عن بسمة مردفًا بكذب:

-اصلي صحيت من النوم ملقتش حد في البيت…

والبواب

قالي انك هنا….

ضيقت عيناها بعدم فهم،

هاتفة

باستنكار:

-نوم إيه

وبواب

ايه ؟؟؟ أنت مش صاحي من قبل ما أخرج

وقولتلك

اني رايحة للجيران….

اقتطف

“نضال” نظرة واحدة نحو الجميع واثنين نحو داليدا….فقد كانت تتابع حديثهم مثل الجميع….وما اثار

ذهوله

أنها لا

ترمقه

بنظرات

كسابقتها

بل كانت متضاربة

كليًا

تلك المرة….

أجاب بصوت مكتوم ومن بين أسنانه مما تفعله والدته معه:

-صاحي ايه بس يا ماما…هو أنا شوفتك أصلا…أنتِ بتقولي إيه…..

انزوى ما بين حاجبيها وهتفت

بأصرار

وهي

تمسد

على جبينه:

-أنت سخن يا نضال؟! هو انت جالك زهايمر بدري بدري ولا إيه…هو مش انت

بعضمة

لسانك سألتني على اخوك جابر وانا رديت عليك وبعدين قولتلك عندك الاكل في المطبخ افطر واني رايحة

لجيراني

…..

طفح كيله وشعر بالدماء تفور لوجهه…بينما ابتسمت وعد خلسة واضعة يديها على فمها هامسة لـ داليدا:

-الولية دي فضيحة اوي..ولسانها ده

هيوديها

في داهية…….

لاحت البسمة على وجه داليدا وانتبه لها

فحدقت

به

وتقابلت

عيناهم

….

فأزدادت

خفقاته

على الفور…حتى انه شعر بأن الجميع يستمع إلى صوت دقات فؤاده….

دُهش

مما أصابه لرؤيته

لبسمة

ترتسم على شفتيها….. ونظرة من عيناها نحوه…….

انزعجت روفان من تواجده وما يحدث من نظرات بينه وبين ابنتها….

هتفت

بأسمها

جاذبة انتباهها:

-داليدا….شوفي الضيوف يشربوا إيه؟؟؟

اعترضت “دلال” وقالت وهي تنهض من مكانها:

-لا

متقوميش

…انا لازم امشي بقى عشان ورايا هم ما

يتلم

…يلا يا نضال…

نهض “نضال” على مضض فما الفائدة من فعلته مدام لم يستطع الحديث معها….

لكنه تذكر

بسمتها

التي ظلت تحافظ عليها ولم تخفيها….ذكر ذاته

بتناقضها

…وهذا ما

اسعده

وهون عليه ضيقه….

متسائلًا مع حاله ترى هل صدقته؟!

رحل مع والدته تاركًا تلك خلفه سعيدة

بمجيئه

دنت منها “ابرار” هامسة لها بمكر:

-واضح اوي أنه جاي عشانك وأمه يا عيني فضحته…الست دي غريبة أوي..وكلامها كتير…

***************

-ها إيه رأي حضرتك؟

سأل خالد “سلطان” الذي كان يبتسم وهو يجوب

متفحصًا

كل انش بالمكان الذي

سيقم

بتحويله إلى مطعم خاص بالمأكولات الشرقية….

ناظره سلطان بامتنان مجيبًا بإعجاب:

-مناسب جدا يا بني وموقعه ممتاز…

انتهى

مصوبًا

أنظاره نحو خليل يتساءل عن رأيه هو الآخر:

-ايه رأيك يا خليل؟

وافق على كلمات والده

وأيد

حديثه:

-وانا كمان شايفه مناسب والمكان كمان جميل

والاحلى

أنه قريب من البيت مش بعيد يعني….

-تمام يبقى نتوكل على الله…..

سعد الرجل الذي كان يرافقهم ويعود إليه المكان….

وتمتم

بفرحة طفيفة:

-يبقى نقول مبروك عليكم….

على الطرف الآخر..

تجلس روفان على طرف الفراش أمام علياء

بحجرتها

تهز قدميها بضيق من تلك المرأة مردفة:

-انا مش حبة الست دي يا علياء..لا هي ولا ولادها…بصراحة مروان معاه حق…

غمغمت

“علياء”

بشرود

معلقة:

-ولا انا… وبعدين حساها خدت علينا أوي…وشردت عيالها قدامنا……

-احنا مش لازم

نديها

وش اكتر من كدة…ده لو حصل مش بعيد تيجي هي وعيالها

ويلزقولنا

وده مينفعش يحصل احنا عندنا بنات…وعيالها مش موثوق فيهم….

**************

ولج “جابر” الغرفة التي تحوي على الأجهزة الرياضية…وضع يديه أعلى خصره وبسمة

لعوبة

تأخذ مسارها على وجهه….بينما سارت عيناه على جميع

الاجهزة

كي ينتقي واحدًا يبدأ به..

مخاطبًا

ذاته:

-والله

وهتلعب

معاك يا واد يا جابر

وهتربي

عضلات وتخلي البنات تجري وراك….

جايلكم

يا شوية

رياضين

….

شارف على الاقتراب من (المشاية الكهربائية) لكن اوقفه صوت جرس المنزل….

تأفف

واستدار

متجهًا

صوب الباب…مد يده وقام بفتحه وهو لا يدري من الطارق…

-صباح الخير…

ذهب غضبه

وتذمره

الطفولي وحل مكانه بهجة وهو يرى أمامه تلك الفتاة جميلة الملامح..طويلة القامة… خصلات قصيرة سوداء اللون…وما

اسعده

أكثر هي ملابسها العملية التي أعطتها جاذبية فائقة….

جال بصره عليها وهو يجيبها:

-صباح الجمال والأناناس….

وأخيرًا

انتبه لذلك الفتى الصغير البالغ من

العُمر

سبع سنوات والذي يقف جوارها ويرفع رأسه

يطالعه

بعيناه من أسفل نظارته الطبية…..

آتاه صوتها وهي تتساءل:

-أنت مين؟؟ وخالد فين!

تجاهل الصبي الصغير وعاد يناظرها

معرفًا

ذاته:

محسوبك

جابر…جابر سلطان..وخالد صاحبي

الأنتيم

بس هو مش هنا خرج في مشوار وشوية و راجع…بس تقدري

تعتبريني

هو….خير يا قمر..

رمقته

بنظرة

متفحصة

من اعلاه

لاسفله

…ثم تحدثت بلهجة قاسية ساخرة:

-والله!! طب اتفضل وسام ولما يبقى يجي قوله اني مسافرة

وهقعد

اسبوعين ولما ارجع ليا كلام معاه عشان التليفون اللي مش بيرد عليه ده……وقوله مدام مش هيرد يبقى اتصالاتي ملهاش لازمة…وأنه هو اللي ابتدأ

لم تترك له مساحة كي يستفسر منها غادرت تاركة الصبي خلفها….فصاح جابر وهو يحك رأسه:

-خدي يا بت….نسيتي الواد…وبعدين مين وسام دي؟

-انا..

خرج صوت الصبي

ضعيفًا

وهو يعدل من وضعية نظارته على عينيه….

قطب جابر حاجبيه

وانحنى

لمستواه

جالسًا

على

ركبيته

امامه:

-أنت وسام؟؟؟!!

yes

..

-وليه يا بني

سبتهم

يعملوا فيك كدة…اخص..اسمك وسام؟؟؟ ده انا افتكرتك واحدة…خش..خش…والله ما عارف اقولك خش ولا خشي….بس خش…

**************

تقابلت وعد مع ثراء أعلى الدرج فصاحت وعد وهي تراها تحمل أدوات التنظيف وتنفذ عقابها….

-اومال فين المحروسة اختك؟

ردت عليها وهي تتنهد:

-في اوضتها ما أنتِ

عرفاها

مش هتعمل حاجة….

دفعت ما بيديها من مكنسة مصنوعة من القش (

مقشة

)

وانفعلت

مهللة

:

-عند امها….هي مش كانت معانا ولا

يكونش

خيالها…وربنا

لوريها

…..

قالت الأخيرة وهي تتحرك قاصدة حجرتها……

داخل غرفة وئام…

تجلس أعلى الفراش هاتفها على أذنيها

تهاتف

“فادي” الذي هتف

متذمرًا

كالأطفال

:

-أنتِ فين يا بنتي؟؟ مش هتيجي

البارتي

انهاردة…

مطت

شفتيها بضيق تؤكد ما قاله:

-ايوة مش هعرف…متعاقبة

وممنوعة

من الخروج…..

ضحك عاليًا مردفًا بهزل:

-متعاقبة إيه هو أنتِ في مدرسة….ايه الجو القديم ده..فكك منهم

واخلعي

لو تعرفي…

-هشوف لو عرفت أخرج هكلمك…

-مفيش تشوفي انا

هستناكي

بعيد عن البيت

وتخرجيلي

..

اتصرفي

أنتِ وحشتيني….

ابتسمت بسعادة وقالت بعذوبة ورقة

متصنعة

:

-اوك عشان خاطرك هحاول..ا

توقفت عندما انفرج الباب فجأة

وطلت

منه وعد التي لم تتفوه بحرف واحدًا وقامت

بألتهام

المسافة بينهم

منقضة

عليها قابضة على خصلاتها متحدثة بغل:

-أنا

استحملتك

كتير وده فوق طاقتي…وخلاص صبري نفذ يا بنت مروان….

تلوت

وئام وصرخت

متألمة

قائلة بوجع:

-آه شعري يا

حيوانة

أنتِ

هيتقطع

في ايدك…

ابعدي

يا بهيمة….

دخلت ثراء بتلك اللحظة تاركة أداة التنظيف من يدها بإحدى زوايا الحجرة مقتربة منهم كي تفرق بينهم…لكن وعد

آبت

تركها قائلة بشراسة:

-شايفة نفسك على إيه نفسي اعرف..اومال لو كنتي حلوة زي داليدا..

وابرار

كنتي عملتي فينا ايه يا ملكة جمال

المعفنين

أنتِ…..قوليلي يا بت على يدك نقش الحنة واحنا منعرفش ولا حاجة….

تألمت وئام بين يديها

وسددت

لها لكمات في كتفيها كي تبعد لكنها لم تبتعد وظلت تزيد من قبضتها

وجذبها

لخصلاتها

التي باتت مبعثرة….

دخلت مريم الحجرة بعدما وصل إليها أصواتهم وقامت

بابعادهم

عن بعض….

فأردفت

وعد

بعنفوان

:

-سبيني يا خالتو عليها..دي عايزة

قطم

رقبتها معرفش شايفة نفسها على ايه

المعفنة

…..

صكت وئام وهى تعدل

وتمسد

على خصلاتها الحبيبة التي

تعشقهم

لأقصى درجة:

هاتيلك

نظاره نظر وأنتِ تعرفي شايفة نفسي على ايه…او اقولك تعالي

اقفي

جنبي قدام المرايا ونشوف شايفة نفسي على ايه….

كانت كلماتها جارحة قاسية جعلت مريم تصرخ عليها كي تكف عن جرح الأخرى…

وانزعجت

ثراء منها

لقولها

تلك التفاهات….

ابتسمت وعد وأجابت بثقة

فكلماتها

لم تؤثر بها:

-مش محتاجة

ابص

في مرايات عشان اشوف نفسي جميلة…لو على الجمال ففي اللي اجمل منك بكتير….المهم القلب النظيف والروح الجميلة….وأنتِ الحمدلله لا روح ولا قلب….

عقب كلماتها تركت الغرفة …تاركة إياهم خلفها…وما أن اختفت حتى

نهرتها

مريم متمتمة بسخرية:

-برافو يا وئام هانم…بتعرفي

تجرحي

اللي قدامك كويس أوي… وعلى فكرة بنت اختي مش وحشة بنت اختي حلوة

قلبًا

وقالبًا

ياريتك تبقي زيها….ويكون في علمك أنا هقول

لعلياء

هتفت الاخيرة وهي تعبث

بخصلات

وئام التي انزعجت من نفسها مما قالته

والقته

على مسامع “وعد” مدركة بأنها ليست

بقبيحة

وأنها حقًا جميلة لكن من شدة غضبها أرادت

استفزازها

و

اوجعها

بالكلمات مثلما

المتها

بالأفعال

…..

غادرت مريم ولم يتبقى سوى ثراء التي كانت

تلومها

بالنظرات

….ضربت وئام قدميها بالارض مردفة بندم:

-والله ما قصدي اللي انتوا

فهمتوه

انا بس كنت

بضايقها

…أيدها بتوجع يا ثراء…

وجعتني

حركت رأسها بقلة حيلة من شقيقتها التي لا تدري متى

ستتبدل

أحوالها……تاركة إياها مع

ندمها

الشديد لاحقة بـ وعد..

****************

جاور “جابر” الصغير جلسته أعلى الأريكة…وبذات الوقت حرك الاثنان رأسهم يطالعون بعض بنظرات متسائلة…

فتحدث جابر أولًا مستفسرًا منه:

-أنت تقرب لخالد ؟

اماء له الصغير برأسه ثم عقب

بطفولية

:

-هو حضرتك صاحب بابي؟

برقت عين جابر وانكمش وجهه صدمة معقبًا:

-حضرتك ! وبابي في جملة واحدة….هو انت ابن خالد؟؟؟

ضرب جبهته فجأة وهو يدير رأسه ينظر أمامه لاعنًا حماقته التي جعلته لا يلاحظ التشابه بين الصغير وخالد…

-اما انا غبي بشكل…كان لازم افهم انك ابنه…ده انتوا عيلة بايظة….

عاد ينظر للصغير الذي لا يفقهه شيء من حديثه ثم هتف بتوضيح ولهجة لا تمت للأخلاق بصلة:

-شوف يا زميلي…أولًا سيبك من ابوك عشان هيبوظلك أخلاقك ويخليك زيه…فـ أنا عايزك تنشف كدة وبلاش تبقى طري….عايزك عربجي….

رفع “وسام” أنامله وقام بضبط وضعية نظارته متسائل بعدم فهم:

-يعني إيه عربجي يا اونكل….

-اونكل!!!! ولا انشف ياض…عربجي يعني تنسالي حضرتك دي…وبابي واونكل…ابوك تقوله يابا….وامك تقولها ياما..وانا تقولي جابر عادي….انت شكلك هتتعبني ولازمك درس….

تحدث بنفاذ صبر….ثم عاد ينظر للصغير وبحركة مباغتة خلع نظارته يتفحصها:

-ايه النظارة دي لابسها ليه؟؟

رد الصغير بهدوء:

-عشان تحافظ على نظري..

ترك جابر النظارة اعلى الطاولة أمامه وهتف بأعين ضيقة:

-يعني نظرك مش ضعيف؟

نفى برأسه مرتين متتاليتين…فقام جابر على الفور برفع أصبعين أمام عيناه مختبرًا إياه:

طب دول كام؟

رد وسام :

-اتنين….

صفق له جابر ثم قال بتفكير:

-طب ايه هنفضل قاعدين زي قرد قطع كدة…تيجي نخرج؟

-هنروح فين؟

اجابه بعد ثلاث ثوانِ، مغمغم:

-هفسحك فسحة متفسحتهاش في حياتك…استناني هدخل اغير والبس القميص البنفسجي واجيلك….

نهض تاركًا إياه ثم عاد بعد دقائق معدودة….جاذبًا وسام وخرج برفقته من المنزل……

**************

خرجت “ثراء” تبحث عن وعد بالحديقة بعدما فشلت في إيجادها بالمنزل وبالفعل وجدتها تقترب من البوابة الخارجية….

فـ سارت خلفها كي تلحق بها قبل أن تخرج بتلك الهيئة المزرية….

تخطت وعد البوابة مصوبة حديثها للبواب مردفة بكذب:

-جدو محمود جوه عايزك ادخله…

استجاب لها الرجل و ولج المنزل تاركًا البوابة….

عضت على شفتيها السفلية وبدأت تلتفت حولها مقتربة من البوابة الأخرى العائدة لعائلة سلطان والتي كانت مفتوحة على مصراعيها…محاولة رؤية أي شيء…فـ ربما تراه وتستطع الحديث معه…فلا يأتي لها طريقة لمقابلته سوى مراقبة منزلهم متناسية تمامًا أمر جلبابها المتسخ…وذلك الحجاب الصغير المعقود للخلف والذي يخفي خصلاتها الأمامية فقط…

-بتعملي إيه هنا؟؟؟

انتفضت في مكانها فجأة و وضعت يديها على صدرها ارتعابًا من صوت ثراء من خلفها…

التفتت إليها وهي تضع سبابتها أمام شفتيها تحثها على الصمت:

-هششش هتفضحيني اسكتي واستني…

أرادت اخبارها بأمر جلبابها لكنها لم تستطع…وأثناء تحركها برأسها و وقوفها على اصابع قدميها كي تتمكن من الرؤية جيدًا….انتشلتها قبضة ثراء من جلبابها…

-ايه…عايزة إيه….

استدارت إليها تزامنًا مع توقفت سيارة عابد وفتح أشرف نافذته المجاورة يحدق بـها بدهشة لمراقبتها منزلهم و وقوفها على اعتابه…و سرعان ما تحولت لضحكات مكتومة من ذلك الغبار الذي يغطيها…

جحظت عيناها وحاولت تبرير وقوفها متحدثة بتلعثم ملوحة بيديها يمينًا ويسارًا:

-يلا يا ثراء اكنسي….جدو قال منسبش ترابة واحدة……

ابتسم عابد هو الآخر…وكاد يتحرك بالسيارة ويلج بها متجاهلًا أمرهم…لتقف أمام السيارة وتتحرك نحو أشرف…مردفة بخفوت ادهش عابد وجعله يتساءل عما تريده من أخيه:

-نص ساعة وقابلني ورا البيت عايزاك في حوار كدة يا أشف….

أجابها بخفوت مماثل:

-مفيش حوارات بينا يا رعد….

-لا فيه ولو مجتش هجرصك قدام أمك واقولها أن اشف الحرامي يبقى أشرف ابنك…..

وقبل أن يمنحها موافقته كانت تغادر جاذبة ثراء من ذراعيها….

مبتسمة بانتصار فقد نجح مخططها وستتحدث معه…

-وعد أنتِ ازاي تخرجي كدة…وبعدين كنتي عايزة ايه منهم؟؟

-كدة ازاي يع

قالتها وهى تتفحص هيئتها متناسية أمر ملابسها التي تخصصها للتنظيف….فتوقفت عن متابعة حديثها وهي على وشك البكاء مردفة:

-احيييييه….

*************

-اتنين كشري هنا يا حب…

تلفظ جابر بصوت عالي وهو يجلس بإحدى المطاعم الخاصة بإعداد (الكشري)..

حملق بالصغير قائلًا بفخر:

-هتأكل دلوقتي كشري مصري أصيل…قولي بتحبه أو كلته قبل كدة؟

-No, but I love pizza ..

ارتفع حاجبي جابر وهتف بخفوت:

-بط..وبيتزا في جملة واحدة…بقولك ايه ما تكلمني عربي…ده مفيش احلى منه..وبعدين بتعوج لسانك مع واحد استاذ لغة عربية…ده انت حظك من السما هديك شوية دروس بلوشي يفيدوك في حياتك…

ترقب الصغير حديثه الذي يفهمه بصعوبة نتيجة لاستخدامه بعض الكلمات الذي لا يستوعبها…

صاح جابر مجددًا:

-اول حاجة الصاحب الجدع ملهوش مرتجع…..

تعيش راجل..تموت راجل…يموت جسمك…يعيش اسمك…

معايا ولا إيه….

-مش فاهم حضرتك…

-يادي النيلة شكلك هتتعبني…

جاءت الصحون المعبئة بالطعام فقال:

-فكك دلوقتي وكُل لسة اليوم طويل….

شرع الصغير بتذوق الطعام ولم ينل إعجابه كثيرًا…فتناول منه القليل…ثم نهض رفقة جابر…الذي اخذه لمتجر (عصير قصب) وطلب اثنين….

منحه الرجل طلبه وقبل أن يرتشف وسام منه طلب منه جابر:

-لا ده مش بيتشرب واحدة واحدة..ده بيتشرب على دفعتين…طعمه اصلا خطير وهيعجبك…يلا…

وافق وسام وقام بتقليده….

انتهوا وتحركوا واثناء مرورهم من أمام إحدى السيارات القادمة شارفت السيارة على التصادم بهم لولا الفرامل الذي ضغط عليها السائق…

وقف السائق كي يصرخ على جابر مردفًا:

-في حد يعدي كدة يا بني آدم انت….

بادله جابر صراخه وهو يقترب منه ولا يترك وسام من يده…

-وهو في حد بيسوق كدة ما تدوس على الناس أحسن….اقولك موتني عشان ترتاح….

ترجل السائق من السيارة متشنجًا منه:

-تصدق انك قليل الأدب ولولا العيل الصغير اللي معاك ده كنت مديت ايدي عليك…عشان شكلك اهلك نسيوا يربوك…

ابتسم جابر بغلاظة متعمدة هاتفًا:

-ايه ده عرفت منين..انا فعلا متربتش انا مطرود من بيتي بسبب قلة ادبي خاف بقى على نفسك واغزي الشيطان….

اوشك السائق على الجدال معه والشجار لكن اوقفه صوت تلك السيدة التي فتحت النافذة الخلفية للسيارة موجهه حديثها إليه:

-خلاص يا رمضان متجبش لنفسك وجع الدماغ وبعدين هو انت هتخاف على حياته اكتر منه…

انتهت مطالعة جابر قائلة بحكمة:

-وأنت يا بني مش تاخد بالك وأنت بتعدي ده انت معاك عيل صغير…لو مش خايف على نفسك خاف عليه…

رد جابر بوقاحة:

-معلش يعني يا تيتا أنتِ مالك؟؟ هو انتِ وهو هتخافوا عليا اكتر مني..أما ناس غريبة وحشرية بصحيح ….

تدخلت الجالسة بجوارها مردفة بتهكم:

-سيبك منه…وانت يا رمضان يلا لو سمحت…..

انصاع لهم الرجل وصعد بالسيارة منطلقًا بها تاركًا جابر يسخر منهم….

صوب الرجل حديثه للأربع سيدات التي جاء بهم من المطار، قائلًا:

-شباب اخر قلة ادب…مبقاش في تربية….

التفتت تلك الجالسة جواره بالمقعد الأمامي موجهه حديثها لمن تعرضت لوقاحة جابر:

-متجادليش مع الاشكال دي يا هناء…ده بلطجي وبعدين احنا جايين من السفر مبسوطين مش عايزين عكننة…..

وافقت هناء متذكرة ابنائها وحفيداتها من وئام…ثراء…فجر….سديم…

كذلك الثلاث البقية تذكروا عائلتهم وحفيداتهم….العشر فتيات…والصبي الوحيد “أحمد”……..

يتبع…

فاطمة محمد.

آسفة جدًا على التأخير بس الفصل مبدأتش فيه غير متأخر ومردتش الغية انهاردة عشان متزعلوش ويارب يعجبكم ❤️

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية كارثة الحي الشعبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق