رواية كارثة الحي الشعبي – الفصل الرابع عشر
الفصل الرابع عشر
دعواتكم لوالدة فاطمة سلطان بالرحمة والمغفرة…
************
أنظر جيدًا.
كارثة الحي الشعبي.
فاطمة محمد.
الفصل الرابع عشر:
تقابلت “وئام” مع “ثراء”
برواق
المنزل
فأوقفتها
مستفسرة منها عن مكان وعد بنبرة خرجت مرتبكة بعض الشيء:
-هي وعد فين؟؟
عقدت “ثراء” ذراعيها أمام صدرها قبل أن تتجاهل
استفسارها
وتطرح هي سؤال آخر:
–
بتسألي
ليه؟؟ في حاجة نسيتي تقوليها وعايزة
تكمليها
.
-لا…انا..انا…عايزة
اتأسف
لها…
رددتها
بتلعثم
ظهر بوضوح….بينما صدمت ثراء وسخرت وهي تحل عقدة ذراعيها قائلة:
-بقى وئام
بشحمها
ولحمها
عايزة
تتأسف
!!!!
-ايوة…هي فين؟
ردت عليها بهدوء:
-في الاوضة بتغير
هدومها
….
التفتت
واولتها
ظهرها
وخطت
خطوتان
…ثم توقفت وعادت تنظر لاختها وهي تفرك يديها مردفة بترجي طفيف:
-هو ينفع تيجي معايا؟
رفضت
اقتراحها
قائلة:
-مع الأسف مش هينفع…
وهتضطري
تروحي لوحدك…زي ما
زعلتيها
وضايقتيها
لوحدك
تصالحيها
برضو لوحدك….
بللت
وئام شفتيها وتحركت قاصدة غرفة وعد منزعجة من تعامل شقيقتها.. متسائلة بينها وبين ذاتها كيف لم ترى خطأ وعد نحوها
وتطاولها
عليها دون مبرر !!!! فمهما فعلت لا يحق لأحد أن يتجرأ عليها
فوالدها
و والدتها لم
يفعلوها
مسبقًا
….
وصلت أمام الغرفة…ثم طرقت على الباب طرقة واحدة….
آتاها
صوت “وعد”
المهلل
:
-خش…
ولجت مستنكرة ما تفوهت بها…موصدة الباب خلفها
فرآتها
تقف أمام المرآة
تهندم
خصلاتها
وتلملمهم
للخلف….
التقطتها عين وعد
بالمرآه
فتوقفت عما تفعل وهي تستمع إلى خطابها:
–
مسمهاش
خش اسمها اتفضل..
تحولت
تعابيرها
لأخرى عدوانية قبل أن تلتفت اليها وتصرخ بوجهها:
-وأنتِ مالك….انا اقول اللي أنا عايزاه محدش شريكي… وبعدين أنتِ بذات مش عايزة اشوفك مش
طيقاكي
..اطلعي برة….
اعترضت على حديثها وقالت بما باغتها للغاية:
-ليه بس ده انا جاية اقولك اني آسفة…واني بحبك… وأنك بجد وبدون اي مجاملات زي القمر…انا بس حبيت
اضايقك
واعصبك
…عشان أنتِ
مديتي
ايدك عليا بدون اي وجه حق…
زحفت حمرة الغضب إلى وجهها صارخة بهدر:
-بدون وجه حق ازاي يا
بجحة
هو أنتِ مش كنتي معانا تحت ولا كان خيالك…العقاب كان لينا لوحدينا ولا انتي معانا؟؟؟ المفروض اننا
نتعاقب
وننفذ
واحنا ساكتين
والهانم
مكبرة
نفوخها
وقاعدة حطة رجل على رجل في اوضتها..
مزحت
“وئام” معها محاولة تخفيف حدة الموقف:
-يعني أنتِ سبتي كل الكلام الحلو اللي قولته في حقك
ومسكتي
في آخر كلمتين..
-ما هو مع الاسف الوحش سبق الحلو
فغطى
عليه…وبعدين متفكريش انك عرفتي أو حتى
نجحتي
في
مضايقتي
انا واثقة في نفسي…وشكلي اللي
تنمرتي
عليه ده خلقة ربنا وربنا قال “لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم”
التقطت أنفاسها ثم
استطردت
:
-فـ الاكيد اني مش همسك في كلامك..او كلام اي حد عايز يقلل مني…اصل اللي بيعمل كدة ده عنده عقده..أو نقص…
وبيطلعهم
بتريقته
على الناس..ونسي أن مفيش حد كامل وأن الكمال لله وحده….
و والله كلامك
مهزش
فيا شعره….عشان أنا واثقة في نفسي
وشايفة
نفسي جميلة…ومدام انا شايفة كدة يبقى طز في أي حد….
بارحت
“وئام” مكانها
وانحنت
تجاه وجنتيها مقبلة إياها ثم
اعتدلت
بوقفتها
مردفة بصدق:
-على فكرة أنا بحبك…اه ليكي تصرفات مش بحبها بس ده
ميقللش
من حبي ليكي…
ابتسمت “وعد”
رغمًا
عنها بعدما فشلت في
كبحها
قائلة:
-وانا كمان بحبك..
وضربي
ليكي من حبي فيكي…ده انا
بأكلك
زبيب يا بت…
ضحكت وئام هاتفة بمرح:
-يا شيخة…طب تعالي انا كمان اديكي زبيب…..
-لا شكرًا…
رددتها بضحك فصاحت وئام بترقب:
-طب ايه؟
حركت رأسها يمينًا ويسارًا مستفسرة:
-ايه؟؟؟
-مش
هتعتذري
؟ أنتِ كمان غلطانة
ومندفعة
…يعني الغلط مش عندي انا بس
تنحنحت
وعد ثم تحدثت:
-بصي هو أنتِ مستفزة
وتستاهلي
الضرب واساسا كنت
بتلككلك
…بس مدام طلعتي محترمة
واعتذرتي
..انا كمان هبقى محترمة…..
انتهت
حادقة
بها للحظات تستحضر خلالهم
شجاعتها
….بينما
اخفت
وئام بسمتها مدركة بأنها لا تعتذر لأحد بتلك السهولة ولم تتوقع
رضوخها
لطلبها بل توقعت ما هو اسوء:
-متزعليش يا ستي…وعلى فكرة أنتِ كمان زي القمر….يعني مش داليدا وابرار بس الحلوين..ونفسي
تبطلي
تكلمي من طرف
مناخيرك
….بحسك مروان بس على انثى كدة، ويلا بقى سبيني أكمل اللي كنت بعمله….
***************
يدور
كالليث
الحبيس
شاعرًا
بالتردد والفوضى..
لايدرك
أيذهب
لمقابلتها
مثلما طلبت… أم يتجاهلها تمامًا..ولا ينصاع لرغبتها باللقاء…
ظل بذلك النزاع بينه وبين نفسه حتى قرر بالنهاية الذهاب لها
ومقابلتها
…
خرج من المنزل دون أن يراه أحد
وانتظرها
خلف المنزل….
لحظات مرت فكر خلالهم بالرحيل وما اوشك على فعلها مطلقًا على ذاته ”
مغفلًا
”
لمجيئه
واستجابه
لها…حتى وجدها تظهر أمامه تعوق رحيله وبسمة واسعة غليظة على وجهها…محدثة إياه:
-ايه ده كنت ماشي ولا ايه؟؟
رد بصرامة وحدة
تليح
على قسماته
الرجولية
:
-آه…
-آه ده إيه يا أشف هو أنا مش متفقة معاك
تستناني
وانت قولتلي
هتستناني
يا اشف…كدة
بتخون
عهدك معايا…
هتفت بنبرة مسرحية..مزيفة حزنها الشديد….
استنكر ما تفعله والقى سؤاله المباشر الجاد كي تتوقف عن اللعب معه:
-عايزة إيه مني يا رعد…
تلاشت بسمتها
ومرحها
…واضعة ذراعها أعلى خصرها مغمغمة بأعين ضيقة
وغيظ
بسيط:
-طب بذمتك يا شيخ الجملة راكبة؟ والله ما راكبة…يعني منين عايزة ايه!
ومنين
رعد؟ على فكرة كدة
تنمر
عليا وده انا لا
اقبله
….
-يا شيخة ده على اساس ان انا اللي بدأت…ده أنتِ
بجحة
بجاحة
يا بت….
قالها ساخرًا
منفعلًا
منها….فقامت
بالتعقيب
على حديثه
بانزعاج
:
-بس متقولش
بجحة
….
لزمت الصمت ثوانِ معدودة تبادلوا خلالهم النظرات فقط…..
حمحمت بخفوت قبل أن
تردف
بأسلوب هادئ مسالم كان جديد عليه ويراه للمرة الأولى:
-أنا طلبت اقابلك عشان عايزة اكلم معاك…
عقد ذراعيه وقطب حاجبيه مترقبًا ذلك السؤال…
ارتكز بصرها عليه كي تتابع ملامحه
وتستنشف
منها مدى صدقه..
-هو أنت فعلا سرقت بسبب ضغط حماتك عليك؟ وعشان تعرف تجوز اللي بتحبها؟
انحلت عقدة حاجبيه
ولانت
قسماته…
رمش
بأهدابه
عدة مرات متتالية ولاحظت ذلك الحزن الذي خرج من عيناه….
وترقبت
إجابته…التي وصلت إليها جامدة…باردة:
–
ميخصكيش
يا بنت الناس…وموضوع السرقة ده كان أول وآخر مرة..ندمت عليه وبضرب نفسي بالجزمة لحد دلوقتي عشان مشيت ورا الشيطان عشان ارضى ناس متستاهلش…انا مش مجبر اني اشرحلك أو ابررلك اي حاجة لانك باختصار ولا حاجة بالنسبالي…..وياريت…ارجوكي…..
بستسمحك تنسي وتخرجيني من دماغك….
ازدردت غصتها وشعرت بالشفقة نحوه..فرغم جموده وما يظهره من ثبات إلا أن عينيه قد فضحت آمره..وما يشعر به من ألم….
خطى خطوة ينوي الرحيل…فلحقت به واقفة أمامه قائلة ببسمة صادقة:
-استنى يا اشف…
وقف ملتقطًا أنفاسه بصوت مسموع منزعجًا من طريقتها في نطق اسمه فهتفت وهي لاتزال تحافظ على بسمتها:
-هنساه وهخرجك من دماغي…بس تبطل تقولي رعد…
أجابها بسخط:
-أنتِ هبلة يا بنتي..هو أنا اللي بدأت ولا أنتِ… وبعدين إيه اشف دي ها..ايه اشف دي..ده رعد ارحم منه…
زادت ابتسامتها وقالت بطريقة طفولية:
-خلاص انا هبطل اقولك اشف وانت تبطل تقولي رعد…انت من انهاردة أشرف وانا وعد…خلينا نبدء على بياض
قالت الأخيرة وهي تمد يدها إليه راغبة في بدء صفحة جديدة معه……متناسية ما حدث بالسابق…
تلجلج في قراره…ونظر ليدها المعلقة…ثم نظر بعيناها…
مرت ثانية..اثنان..فانصاع وراءها ومد يده مصافحًا إياها كي يبدأ معها من جديد……..
سعدت وتغلغلتها الفرحة حتى أنها كادت تقفز مكانها…لكنها تمالكت نفسها وهتفت بنبرة سريعة….
-هشوفك تاني وهتحكيلي كل حاجة عنك…ومش هقبل اي رفض يا أشف…قصدي يا أشرف….سلام…
****************
ولج الأربع سيدات المنزل…فالتقطتهم عين “فجر” التي اتسعت عيناها وهللت بسعادة طاغية وهى تركض نحوهم كي تحتضن كلا منهم سعيدة بعودتهم من رحلتهم التي استمرت لفترة ليست بقليلة…..
-وحشتوني اوووووووي…يا عيال تيتا كوثر..وخديجة..وهناء…وسامية وصلوا..تعالوا…..
بادلوها ترحيبها وجاء البقية على صوتها فأتجهت وعد و شقيقتها تاليا نحو والدة والدهم “سامية”محتضنين إياها:
-وحشتيني يا ستو..
ابتسمت “سامية” لها وقبلت وجنتيها مردفة بحنو:
-وأنتِ كمان يا حبيبتي….
ركضت أبرار وريتال نحو سامية قائلين بصدق :
-البيت بجد وحش من غيركم…
بينما ارتمت ثراء و وئام داخل أحضان هناء والدة مروان…وما أن خرجوا من أحضانها حتى ارتمت فجر وسديم….
أما روفان فاستقبلت والدتها خديجة باشتياق جارف بادلتها إياه بحرارة….ثم ابتعدت سامحة لبناتها “داليدا، وبراء” باحتضانها…..
بينما انشغلت كوثر بحفيدها أحمد….تلاه داليدا..وبراء…
وما أن رحبت كلا منهما بحفيداتها و زوجات ابنائهم حتى بدأت عين كل من سامية وكوثر وهناء البحث عن ابنائهم…فأعين كوثر بحثت عن (سليم، وآدم) أما سامية تلهفت لرؤية (أيهم، وإياس) كذلك هناء اشتاقت لـ (مروان، وبسام)….
خرج صوت خديجة التي عادت تضم ابنتها روفان لاحضانها:
-اومال سليم وأيهم وإياس وبسام وآدم ومروان و محمود فين؟؟؟؟
إجابتها رحمة قائلة:
-نزلوا المحلات…هنكلمهم…وهنكلم مهرة دي هتفرح اوي…….وعمي محمود مش عارفة فين بس هكلمه برضو….
***************
-يا نجلاء ركزي..خليه يمشي طوالي هتلاقي قصريين في وش بعض انا اللي على شمالك… يلا…مستنياكي.
أغلقت دلال معها وهي تقترب من الباب الذي فُتح ودخل منه كل من سلطان..و خليل..وخالد الذين أصروا على دخوله…
-مدام الضحكة الحلوة دي على وشك يبقى امورك مشيت تمام..والمطعم عجبك مش كدة يا أبو أشرف.
اماء لها إيجاباً، قائلًا:
-كدة يا ام اشرف…يلا حضرلينا الغدا بقى عشان خالد هيقعد يأكل معانا….
تنحنحت وتبادلت النظرات الخاطفة مع خليل… ثم بللت شفتيها وصاحت:
-طب وجابر يا حاج…إيه رأيك نكلمه ويجي يأكل معانا ع
قاطعها برفض وصرامة:
-لا…
-لا ازاي يعني يا ابو أشرف انا قلبي واكلني على الولا..ما تقول حاجة يا متر…ما تقول حاجة يا خليل…ده ابني يا ناس…. ابني يا خلق…
رفع “خليل” يديه باستلام مردفًا:
-القرار بأيد بابا مش حد تاني…
حمحم خالد قائلًا:
-أنا آسف اني بدخل في أموركم العائلية…بس جابر حكالي اللي حصل..وقالي أنه بقاله فترة مبيكلمش ولا بيشوف حد….وبصراحة أنا مع مدام دلال..طرده من البيت مش هو الحل…ممكن تكون حضرتك انفعلت واندفعت في تصرفك وده طبيعي لانك كنت في لحظة غضب….بس لو فكرت تاني هتلاقي انه لو بعد عن عيونك ممكن الأمور تاخد مجرى اسوء….
تهللت أسارير “دلال” وهتفت بسعادة:
-يسلم فُمك يا متر..هو ده الكلام…اسمع منه بقى يا حاج..والله..وماليك عليا حلفان الواد صوته مقطع قلبي…ومضايق وندمان..حتى اللقمة منزلتش زوره…
كبح خالد بسمته كي لاتظهر أمامهم متذكرًا التهام جابر للطعام أمس….ومرحه الذي تفاقم ولم يتأثر بطرده من المنزل….
صدح رنين جرس المنزل عاليًا..فتحرك خليل وقام بفتحه ليجد أمامه جابر ببسمة عريضة ويتشبث بيده صبي صغير….
انزوى ما بين حاجب خليل وردد بترقب:
-مين ده؟؟؟؟
ازدادت ابتسامة جابر وتلاعب باخيه وهتف بصوت وصل لمسامع البقية بالداخل:
-ابني….سلم على عمك يا حبيبي…..
برقت عين دلال وكادت تضرب على وجهها…بينما هرول سلطان نحو الباب ورمق الصغير بنظرة سريعة…تلاها قبضه على قميص جابر صارخًا بوجهه بغضب ناري:
-اه يا حيوان..وكمان مخلف في الحرام……
لم يتوقع جابر تواجد والده…كاد يدافع عن ذاته ويخبره بأنه كان يمزح مع خليل…فأنقذه صوت خالد المصدوم من تواجد ابنه بصحبه جابر:
-وسام؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!!!!!
ترك الصغير يد جابر وارتمى لأحضان والده مردد بخفوت:
-وحشتني اووي يابا…..
تسمر خالد وثلجت اطرافه من كلمة صغيره الأخيرة والذي تشابه بها مع جابر…..
أما جابر فتحول ذعره ورهبته لفخر..وتكبر لما أوصل إليه الصغير….مردد بعجرفة:
-ايه رأيك في كلمة يابا دي؟ مية مية مش كدة…
تجاهل خالد ما يحدث و صوب حديثه نحو الصغير متسائلًا:
-فين نيفين ؟؟؟
علق جابر بدلًا من الصغير:
-لو قصدك أمه…فهي جت الصبح وسبته ومشيت وتقريبا كدة والله اعلم اتصلت عليك وانت مردتش وتقريبا برضو هددت وقالتلي اقولك انك انت اللي بدأت…بس بدأت ايه معرفش….
انتهى يحملق بوالده الذي لا يزيح عينه من عليه…يتمنى عودة عقارب الساعة كي يمنحه الكثير والكثير من وقته ويحسن تربيته…..
ابتلع جابر لعابه ورسم الحزن بإتقان على قسماته التي باتت شاحبة….
أما دلال فانحنت لمستوى الصغير مداعبة وجنتيه:
-ايه الجمال ده ؟؟ ايه الحلاوة دي..مقولتش ليه يا خالد انك عندك ولد زي القمر كدة؟
-مجتش فرصة يا مدام دلال…
-ايه مدام دي قولي يا ام اشرف….وانت يا حبيبي اسمك ايه؟
عاد خالد ينظر لـ وسام…وللمرة الثانية يعلق جابر:
-اسمه وسام ياما…شوفتي الخيبة اللي بقينا فيها….
وللتو انتبه خالد لغياب نظارته الطبية فتساءل على الفور:
-ايه ده فين نظارتك….
-جابر خدها مني وسابها في البيت…
-اسمه اونكل يا حبيبي…عيب تنادي حد اكبر منك باسمه…لازم تحترم اللي قدامك..عشان اللي قدامك يحترمك….
ضحكت دلال قائلة:
-يا اخويا سيبه يقوله جابر..هو اصلا مهزق…ومحدش بيحترمه…..
انكمش وجه جابر وتصنع البكاء المرير…منحنى بحركة مباغته على قدم والده متشبث بها مردد بصياح وتوسل:
-رجعني يا حاج…انا اتشردت يا حاج…والبيت اكيد وحش وملوش حس من غيري…وحياة خليل لترجعني..
والنبي ترجعني….
دفعه سلطان وابعده عن قدميه تزامنًا مع مجئ عابد… أشرف…نضال و رؤيتهم لما يحدث…..
أما خليل فعقب على حديث أخيه:
-يا بني حرام الحلفان بغير الله…انت كدة بتشرك بالله…وده بيتسمى شرك لفظي…يعني لا تحلف بالنبي عليه أفضل الصلاة والسلام…ولا الكعبة ولا الأمانة ولا بأي حاجة غير ربنا….
ربنا سبحانه وتعالى قال في سورة البقرة “فلا تجعلوا لله أندادًا وأنتم تعلمون” صدق الله العظيم.
ويفضل لو تقلل حلفان…يعني مش على الفاضى والمليان تحلف….
عقب “أشرف” وهو يشير نحوه:
-أنت بتكلم مين يا خليل..ده الكلام هيدخل من ودن ويخرج من التانية….
حدقه جابر بنظرات مشتعلة ثم توعد لـ نضال الذي لم يكف عن رمقه بنظرات عدوانية منزعجًا من عودته…
اقترب جابر من والده مقبلًا أعلى جبينه:
-متزعلش مني يا حاج….حقك عليا.
لم يجيب سلطان أو يظهر أي رده فعل…فقام جابر بحمل وسام مردفًا:
-قوله يا وسام يا قمر أنت يسامحنى ويرجعني البيت يلا….
وافق الصغير وقال بخفوت وطفولية خطفت قلب سلطان:
-معلش يا اونكل…جابر مش هيزعل حضرتك تاني…
-ايوة بضبط زي ما قال كدة..مش هزعلك تاني يابا…سامحني بقى…الجو تلج….وتلجت من الوقفة دي…..
-ايه الحلاوة والفخامة دي كلها…بسم الله ماشاء الله يعني….
التفتت دلال لصاحبة الصوت والتي لم تكن سوى نجلاء شقيقتها….ابتسمت باتساع وبارحت مكانها مستقبلة إياها بالقُبلات والأحضان….
-حبيبتي يا نجلاء البيت نور بيكي…تعالي….
اقتربت من سلطان وأبناء شقيقتها وذلك الرجل الوسيم مفتول العضلات…..
أما “أسماء” فقد ثبت بصرها على وسام الذي يحمله جابر….
وعلى الفور برقت عيناها مخمنة بأنه ابن جابر:
-يالهوي!!!! هو انت خلفت يا جابر؟
تحولت انظار نجلاء على الفور ناحية جابر وشعرت بدلو ماء يسقط على راسها مما تفوهت به ابنتها….
رد جابر عليهم ساخرًا:
-هو في إيه؟؟ هو أنا سمعتي وحشة للدرجة دي؟؟؟؟ خد يا بني ابنك مش ناقص مصيبة ما صدقت الحاج رضي عني….
التقطه خالد الذي كان ينشغل عقله مع طليقته “نيفين” التي تركت ابنها رفقة رجل لا تعلم عنه شيء..ورحلت……
دخل جابر المنزل..كذلك لحقت به والدته ونجلاء واسماء…..ثم البقية..
ولم يتبقى سوى خالد الذي اخبرهم بأنه سيلحق بهم في الحال…
وما أن غاب الجميع عن انظاره حتى جلس على ركبتيه أمام ابنه يعاتبه بحنو:
-ينفع اللي عملته ده؟؟
تحرك بؤبؤ الصغير يمينًا ويسارًا ارتباكًا لا يدري ما فعله كي يحزن والده…
وصل خوفه الطفيف إلى خالد الذي مسح على وجهه متابعًا:
-ينفع تخرج مع حد متعرفهوش؟؟
نفى الصغير قائلًا بأسف:
-بس هو قالي انه صديقك…
حضر جابر بتلك اللحظة مكررًا الكلمة الأخيرة باستنكار وصدمة ليست بهينة:
-صديقك!!!!!!!!!! ايه صديقك دي…انا قولت أنه صديقي..انا قولت ابوك صاحبي الانتيم…..مش كدة يا خلودة..
وقف خالد في مقابلة جابر..ماسحًا على خصلاته ببسمة لم تصل لعيناه مجيبًا بطريقة ساخرة:
-اومال..اكيد..طبعا…..
***************
مضت ساعة تقريبًا فعلت خلالها “أسماء” الأفاعيل….متبعة إرشادات والدتها ولم يغفل “جابر” وأشقائه عما تحاول فعله من تقرب منه…
ازدرد ريقه وشعر بخطورة الأمر…فـ من الممكن أن يتم إجباره عليها وهو لا يرغب بها…
مال “أشرف” على أذن “نضال” مردد بخفوت لم يصل لسواه متأملًا جابر الذي يحتضن وسام ويحاول اللهو معه كي لا يعطي فرصة لابنه خالته:
-اخوك شكله هيدبس…
شعر “نضال” بالتشفي وأردف:
– وأنا هكون مبسوط لو ساهمت في الجوازة دي … دي حتى اسماء خسارة فيه…
جاءت “دلال” من المطبخ رفقة نجلاء فنهضت اسماء منتشلة من خالتها الصينية ملتقطة إحدى الاكواب متحركة بها نحو جابر…قائلة:
-خد يا جابر..الف هنا….
تردد في أخذه منها ثم تحدث بوقاحة وبعلو صوته مستغلًا غياب والده وخالد وانشغالهم في أمر يخص العمل:
-مش عايز…
قطبت حاجبيها واعترضت على رفضه:
-يعني إيه مش عايز…امسك من ايدي يلا…..
تمسك برفضه وتعامل معها ببرود وفظاظة تفاقمت عن ذي قبل…
-ما قولت مش عايز…ايه كلامي مش مفهوم ولا بكلم هندي انا….
شعرت دلال بالسخط مما يفعله مع الفتاة وصرخت عليه:
-ما تمسك يا ولا من بنت خالتك متكسفهاش…
-وهي دي بتكسف..المفروض من اول مرة اقولها لا تبقى هي الـ لا..حلوة اوي دي بتعزم عليا في بيتي…لا لمؤاخذة..قصدي في قصري….
كبح عابد ضحكته…ورغبت “نجلاء” بتخفيف الأجواء…وتغيير مجرى الحديث:
-خلاص يا جماعة هو مش عايز…الا قولي يا حبيب خالتك مش ناوي تتلم بقى وتجوز يا ولا عايزين نفرح بيك….
كاد يطلق كلمات فظة لن تنال إعجاب أحد لولا نضال الذي رغب بتوريطه:
-لا ازاي…ناوي طبعا….
اندفع جابر وهب من مكانه مهلل:
-حيلك حيلك مالك ما صدقت ليه..وبعدين أنا مش عايز اتجوز ولا عايز اتلم انا هفضل متبعتر كدة….وافضل اعط…عايزين تعملوا فرح وزيطة عندكم اشرف….
ارتفع رنين هاتف “عابد” فأخرجه وحملق ثوانِ باسم المتصل الذي ينير شاشته….ثم تركهم بتلك المشاحنة وصعد لحجرته مجيبًا على الهاتف…
-ألو…
آتاه صوتها المتلهف المرتبك بذات الوقت:
-ألو…عامل ايه يا عابد؟؟ وحشتنا كلنا…
لاحت شبح بسمة على قسماته معلقًا:
-وانتوا كمان يا فاتن…تصدقي أنك بنت حلال…
سعدت دون أن تدري سبب كلماته…ثم تساءلت بخفوت:
-اشمعنا؟
-اصلي كنت هكلمك..هفتح صالون تجميل وعايزك معايا، ايه رأيك؟ توافقي تيجي معايا؟!
تلعثمت من شدة الفرحة….قائلة:
-انت لسة بتسأل اكيد هبقى مبسوطة لو اشتغلت معاك…
افتر وجهه عن ابتسامة واسعة تلك المرة كشفت عن أنيابه مردد:
-حلو اوي..قريب هتلاقيني بكلمك….
كاد يغلق معها لولا حديثها الصريح:
-طيب هو أنا ينفع اشوفك بكرة….
فكر قليلًا قبل أن يجيب:
-ينفع طبعًا…
*****************
حل المساء واجتمعت عائلة الحلواني مرحبين بعودة الأربع سيدات واللواتي لم يترددون لحظة للتعبير عن اشتياقهم الجارف نحو أبنائهم وحفيداتهم…كذلك جاءت مهرة شقيقة سليم و والدة “مؤنس” كي تجلس مع والدتها كوثر….
حاولت “ثراء” تجاهل مؤنس..واشغال ذاتها مع البقية… فـ تارة نجحت بإلهاء نفسها..وتارة اخرى لم تستطع….
بينما جلست داليدا معهم بجسدها…لكن عقلها لكن مع ذلك التي عشقت ملامحه دون أن يدرك…..لا تدرى بأن حالته هو الآخر لا تختلف عنها كثيرًا…وربما يفوقها….
عبثت “وئام” بهاتفها تراسل رفيقها عبر (الواتس اب) تخبره بأنها ستأتي اليوم…وان ينتظرها في وقت اتفقا عليه سويًا……
على الجانب الآخر….
اقتحم “جابر” غرفة “عابد” مردد بنبرة لعوبة:
-حبيب قلبي اللي واحشني..
-يا راجل؟؟
قالها باستهجان..فعقب جابر:
-أنت مش مصدقني ولا إيه..طب ده انا امبارح شكرت فيك شكرانية قدام خالد..حتى ابقى أسأله..ده انا مبحبش قدك..ده أنت توأمي ياض….
ضيق عيناه وهتف بمكر:
-بقولك ايه هات اللي عندك..وبلاش الدخلة دي…
حك جابر رأسه ثم قال بحماس:
-عايز اخد اوضة واجيب فيها أجهزة زي اللي بتبقى في الجيم..وشوية أوزان..اصلي عايز اعمل سكس باك..واربي عضلات…
-مش لما تربي نفسك الاول؟؟
زفر جابر بصوت مسموع وقال:
-الله يسامحك يا سيدي..المهم معايا ولا ايه…
رد عليه بنفاذ صبر:
-يا عم انا مال امي..ما تهبب اللي تهببه وابعد عني….
-بتقول لاخوك هبب..مكنش العشم..بس يلا مش مهم..ندخل في المهم بقى….
غضب عابد وصاح:
-لا متدخلش..قوم اخرج من هنا…
-اسمعني بس…اخوك عايز يسهر سهرة حلوة….تعوضني عن البهدلة اللي شوفتها….
-وانا مالي…
-وأنت مالك ايه؟؟!! اومال مين اللي هيجي معايا…يلا قوم غير هدومك وخلينا نخرج..واديني طقم حلو من عندك…
عض عابد على شفتيه من الداخل مردفًا بغل:
-غور يا جابر…غور….
تبدلت تعابيره ونهض عن الفراش واقترب من الباب والمكر يرتسم على محياه وقبل أن يزيف رحيله ردد:
-طيب هغور… وشوف مين اللي هيجبلك خلاصه البت الملزقة بنت جدو مروان اللي عينك بتبقى هتأكلها أكل وهي مش معبراك…..
فتح الباب وكاد يخطي خطوة متيقنًا بأنه سيمنعه…وبالفعل حدث ذلك…لحق به عابد ومنعه….موصدًا الباب من جديد…يستفسر منه بقلق:
-ايه اللي بتقوله ده؟؟؟؟ جبت الكلام ده منين…
أشار جابر تجاه عينه..وعقله مردفًا:
-من دول يا حدق…انا مش غبي..انا ببقى متابعك كويس اوي…وعلى فكرة أنت مفضوح على الآخر..والبت من حقها متعبركش..
تردد في إدخال أخيه بالأمر…وعاش صراع للحظات…ثم قرر الانصياع له هاتفًا:
-يعني اعمل إيه؟؟؟
-هقولك بس مش هنا…خرجني وليك عليا اخليها تحفي وراك….
***************
بعد منتصف الليل…
استقل كلا من عابد وجابر السيارة..وخرجوا بها من البوابة…كي يأخذه عابد لإحدى الملاهي الليلية حتى يساعده في الوصول إلى وئام والقانها درسًا لن تنساه….
وفجأة ضغط “عابد” على فرامل السيارة موقفًا السيارة بعدما رآها من مسافة ليست ببعيدة تلتقط الخوذة كي ترتديها وتستعد كي تستقل دراجة نارية خلف شاب وسيم….
ارتفع حاجبي جابر فقد رآها هو الآخر…فتمتم مقترحًا على أخيه:
-بقولك إيه ما تشوف غيرها..البت شمال شمال….واكيد خارجة في الوقت ده من وراهم….
لم يستمع له ولمعت عينه بشر وغيرة لا تنتهي…وتكاد تحرق الجميع…
مردد من بين أسنانه:
-انزل من العربية يا جابر….
-نعم يا اخويا…وانزل ليه؟؟؟
تلفظ جابر باعتراض….فعلق أخيه على الفور:
-هو انت مش عايز تسهر سهرة حلوة..هسهرك…بس تساعدني الاول…
-اساعدك إزاي؟؟
-انزل واستنى مني مكالمة هتعرفك تعمل ايه….
رضخ جابر لطلبه على مضض…وترجل من السيارة….بينما انتظر عابد انطلاق الشاب بالدراجة…وما أن فعلها حتى اتبعه……
بعد مرور عشرين دقيقة…
صدح رنين هاتف جابر معلنًا عن اتصال من أخيه الذي لحق بمعشوقته….
وضع جابر الهاتف على أذنيه وترقب حديثه….
ابتسم بخبث واستحسن خطة أخيه…ونهض على الفور كي ينفذها….
مر من بوابة عائلة الحلواني….واقترب من الباب وطرق عليه…
فتح له أيهم والد “وعد” فطلب منه رؤية مروان لأمر عاجل….
غاب أيهم لحظات ثم حضر مروان…الذي طالعه من اعلاه لاسفله بتهكم…
أما جابر فتحدث مبتسمًا باتساع:
-ســالـخـيـر يا عمي…………………………………
يتبع..
فاطمة محمد.
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية كارثة الحي الشعبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.