رواية كارثة الحي الشعبي – الفصل الثاني
الفصل الثاني
أنظر جيدًا.
كارثة الحي الشعبي.
فاطمة محمد.
الفصل الثاني:
نزع “أشرف” غطاء وجهه قاذفًا إياه بعنفوان بعيدًا عنه ملتقطًا أنفاسه اللاهثة نتيجة لركضه، يحمد ربه على إنقاذه ونجاحه بالفرار من ذلك المنزل والابتعاد عنه…على يقين تام بأن ما حدث كان كالصفعة على وجهه كي يفيق ويعود إلى صوابه…
لاعنًا صديقه الذي استغل حاجته وفقره..وظل يشجعه على تلك الخطوة الشيطانية…
وعندما أنصت له وخطاها..تركه وتخلى عنه وفر هو دون أن يحاول مساعدته او ينظر خلفه..
“الله يخربيتك يا زفت ويخربيت شورتك…ويخربيت الحاجة..والفقر اللي خلوني اسمع لشيطان زيك…”
********
-أنتِ مجنونة يا بنتي ولا هبلة..طالعة تاخدي وتدي في الكلام معاه ولا كأنه واحد صاحبك مش حرامي..طيب افرضي كان عملك حاجة او اذاكي..مفيش واحدة عاقلة تعمل اللي أنتِ عملتيه ده يا وعد..
اختطفت نظرة سريعة تجاه “محمود” الذي لا يكف عن إلقاء الكلمات المتذمرة على اذنيها أمام البقية الذين استيقظوا للتو وعلموا ما حدث…فلا يفارقه خوفه وذعره عليها عندما وجدها تقف مع ذلك اللص الذي كان يرتدي ملابس سوداء ولا يكشف عن وجهه مما يوحي بمدى خطورته وإجرامه..
فقالت بارتباك طفيف راسمة بسمة على وجهها:
-متبقاش حمقي اوي كدة يا حودة وبعدين ده حرامي أهبل..وقالي اسمه لما سألته..كان ناقص يوريني وشه…
اغمض محمود عينيه غيظًا وتمتم من بين اسنانه:
-هو برضو اللي اهبل..
جاء دور “ثراء” متسائلة بأعين ضاقت فضولًا:
-اسمه ايه يا بت يا وعد..
-أشف..اسمه أشف…
قطبت الفتيات حاجبيهم مندهشون من طريقتها في نطق الأسم..فقالت داليدا معدلة لها:
-قصدك أشرف مش كدة؟؟
-أشرف في عينك هو في حرامي اسمه أشرف هو اسمه أشف…
ارتخت قسمات “أبرار” وقالت:
-مالك يا وعد ما تكلمي عدل..
-يا ستي أنتِ مالك هو لساني ولا لسانك..انا بقولها أشف أنا حرة…
انتهت ناهضة من مكانها متذكرة كلماته الاخيرة ونعته إياها بأسم ذكوري..متمنية زجه بالسجن ونيل عقابه ولكن كيف يحدث ذلك ويصلون إليه فملامحه بأكملها كانت مغطاه عدا عيناه…..
تبدلت قسماتها لأخرى متذكره عيناه التي لا تغيب عن خلدها:
-لو شوفتك هعرفك ولو من وسط الف يا حرامي… يا عرة الحرامية…قال أشرف قال…ده حتى أشف خسارة في أمك…
********
في صباح اليوم التالي هبط “أشرف” من بنايته متجهًا صوب المقهى جالسًا على إحدى الطاولات الفارغة…مخرجًا هاتفه محدثًا زينة بعدما علم محاولاتها للوصول إليه..رفع عيناه محملقًا بنافذة غرفتها الذي يستطع النظر إليها من مجلسه هذا…
ردت زينة بعد لحظات بصوت منفعل:
-أنت فين يا أشرف من امبارح بكلمك، وكلمت طنط دلال قالتلي انك لسة مروحتش ممكن اعرف كنت فين امبارح لحد وش الصبح…
أخفض بصره و رد عليها وهو يمسح على وجهه بنفاذ صبر:
-هكون فين يعني يا زينة بدور على شغل..
-لا يا شيخ هبلة انا بقى وهصدق انك بدور على شغل في الوقت ده مش كدة..عارف يا اشرف لو بتلعب بديلك ه
قاطعها بنبرة ساخرة غاضبة في آن واحد:
-ديل ايه اللي بلعب بيه يا زينه…ديل ايه انا طالع عيني وناقص اسف التراب عشان اعرف نتجوز واسدد الجمعية..
ردت بسهولة أغضبته:
-الشغل هيجي هيجي انت اللي مش بدور عدل…او مكسل..ما انت واثق ومتأكد اني بحبك ومش هسيبك..ولو على الجمعية استلف من ابوك ولا حد من اخواتك..ولا كلكم مفلسين..
كاد يعقب عليها ويردف بكلمات لاذعة..لعدم مبالاتها وشعورها بما يمر به وما أوشك على فعله كي يظفر بها..
لولا رؤيته لـ محمد يقف امامه مردد بسعادة وهو يسحب مقعدًا ويجلس قبالته:
-ايه يا زميلي عملت ايه امبارح..
كتم حنقه و صوب كلماته لـ زينة:
-اقفلي دلوقتي وهكلمك شوية كدة…
اغلق معها بالفعل فصاح محمد منتظرًا اجابته:
-قولي هربت ازاي من البت بتاعة امبارح..
-وانت مال اهلك..انت مش فلسعت وسبتني..بتسأل ليه…
-ايه الدخلة دي يا عم ما براحة عليا..
قلب “أشرف” حدقتاه ثم قال بأعين تطلق شرار:
-قوم ياض من هنا متخلنيش اقوم ارسم على وش اهلك ده خريطة…
بدأت أعصاب الآخر بالانفلات لكنه تماسك وقال محاولًا اصلاح ما افسده فلا يريد خسارته:
-طيب اهدا عشان اقولك ان انهاردة بليل عندنا طلعة جديدة بس هتبقى هنا في المنطقة عم ط
كاد يسترسل لولا جذب اشرف له من ملابسه مردد بصوت مكتوم يوحي بمدى غضبه وندمه:
-منطقة في عينك..طب فكر كدة تهوب ناحية أي بيت فيكي يا منطقة وساعتها شوف اللي هيجرالك…
هنا وانفلتت أعصاب “محمد” ناطقًا بعصبية:
-جرا ايه انت هتعملي فيها الواد الشهم اللي مفيش منه..ما انت امبارح كنت موافق والدنيا زي الفل…ومحدش عرف يمسكنا ولا هيعرفوا عشان وشوشنا كانت متغطية..حتى بصمات مش هيلاقوا…
-كنت حمار وسمعت من شيطان زيك…اسمع ياض انت انا مليش دعوة بيك ولا بشغلك الحرام ده..بس لو هوبت ناحية حد من المنطقة وفكرت تسرق حد منهم..هقلعك في وسط الحارة واللي مايشتري يتفرج…
نفض محمد يداه مهندمًا قميصه مردد بتهديد:
-وماله لو جدع اعملها..بس ساعتها أنا هروح لابوك عم سلطان واقوله على اللي المحروس ابنه كان هيعمله وازاي جيت معايا…انا هسيبك دلوقتي وهرجعلك تكون فكرت وشغلت دماغك..وعايزك وانت بتفكر كدة تفتكر زينه..وامها..والشقة اللي المفروض توضبها..وحماتك اللي وقفالك على الواحدة…
*********
أقتحمت “عفاف” غرفة زينة صائحة بصوت جهوري:
-منزلتيش الشغل ليه يا بت؟؟ ولا يكونش اللي ما يتسمى ده قعدك من الشغل…عارفة لو طلع هو السبب لهكون غضبانة عليكي ليو
لحقتها زينه مرددة بدفاع فاقم من بغض والدتها إليه:
-ايه يا ماما اهدي..وبعدين أشرف هيقعدني من الشغل ليه..هو عارف اني تعبت عشان أوصله…
هنا وارتخت قسمات عفاف وأبدلت محور الحديث محاولة التلاعب بعقل ابنتها:
-تصدقي أنتِ صح هيقعدك إزاي…اومال بكرة لما يتجوزك مين اللي هيصرف عليه..اوعي يا بت تكوني فاكرة أنه هيتجوزك حبًا فيكي..لا ده طمعان في القرشين اللي بيطلعولك من الشغل..هتلاقي دلال اللي مسلطاه ما أنا عرفاها…
زفرت “زينة” بصوت مسموع قائلة بضيق واضح:
-أنا زهقت بجد… أشرف مش عيل اشرف راجل يا ماما.. والراجل مبيستناش واحدة تصرف عليه..ولو زي ما بتقولي كان فكر ولو لمرة ياخد مني..بس رغم زنقته وكل اللي هو فيه مفكرش يعملها ولا يقولي هاتي…شيلي اشرف من دماغك عشان أنا مش هتجوز غيره….
*********
نفخت “فجر” وهي تدفع بجسدها أعلى الفراش جوار أبرار وداليدا قائلة بملل:
-أنا زهقت امتى الدراسة ترجع بقى الجامعة وحشتني…
أجابتها وعد بتهكم:
-وحشتك عقربة يا شيخة…وبعدين اللي يسمعك اوي يقول البت مقطعة الدنيا مذاكرة ده انتي فاشلة يا بت وكلنا فاشلين ده احنا لما بنروح بيبقى كل همنا هناكل إيه…
اعتدلت “فجر” معلقة بلهفة:
-ما هو الأكل هو اللي وحشني اكيد مش الكتب ولا الدكاترة…ما تيجوا نطلب بيتزا….
-بيتزا ده إيه على الصبح كدة…احنا نضرب كشري..حلو الكشري..
قالتها وعد بنبرة معترضة…فوافقتها داليدا مؤيدة إياها:
-وانا كمان عايزة كشري…
بينما عقبت وئام:
-لا بيتزا…
ولانهاء ذلك الأمر اقترحت داليدا بالتصويت قائلة:
-انا و وعد كشري وفجر و وئام بيتزا وانتي يا أبرار؟
ردت أبرار حاسمة آمرها:
-بيتزا..
-وأنتِ يا ثراء ؟
ردت ثراء بهدوء مريب:
-بيتزا برضو..
صفقت “وعد” بيديها مرددة بسعادة:
-كدة صوتين لـ الكشري… وأربعة لـ البيتزا…وبكدة يفوز الكشري…وتخسر البيتزا……وتعيش وعد تعيش….
تبادلوا الفتيات الأنظار و ظهر عليهم الامتعاض مما تفعله..
فصاحت بها وئام:
-ايه يا بت الرخامة بتاعتك دي..ما كل واحد حر…وبعدين الأربعة التانين المتوحدين دول هيأكلوا ايه…وجدو محمود.. وحمادة…
ردت وعد وهي تلوح بيديها بالهواء:
-لا حمادة ده سيبكوا منه محدش يعبره احنا عائلة أنثوية لا تميل للذكور…انا هروح أسال جدو حودة و اخواتكم والبت تاليا اختي انا مش عارفة يختي فرحانين على ايه أنهم داخلين جامعة…بكرة يرفعوا راية الأستسلام ويحسدونا عشان هنتخرج السنة دي…
أجابت “فجر” بأسلوب مرح:
-معلش ما احنا كنا شباب برضو…سبيهم بكرة ياخدوا على دماغهم…
خرجت وعد كي تنفذ ما قالت وتطلب لهم الطعام…
لحظات وكان يدوي صوت هاتف “داليدا” بالغرفة معلنًا عن رسالة جديدة منتشلًا إياها من أحاديثها المرحة معهم..
قامت بفتحها بلهفة شديدة على يقين تام بأنه هو…
وكان ظنها في محله فقد كان هو ملقيًا عليها تحيته المعتادة…
“يا صباح الجمال..والأناناس وحشتيني يا داليدا….”
*********
في المساء…
اجتمعوا العشر فتيات في غرفة “ثراء” التي ارتدت ملابس مخصصة للرقص الشعبي بعد إلحاح منهم..والآن تتمايل بغنج..ودلال..ومهارة فائقة على تلك الأغاني التي قامت وعد بتشغيلها لها..محاولين إلهائها وتخفيف حزنها الذي وضح بعيناها طيلة اليوم…مدركين مشاعرها تجاه “مؤنس” الذي لا يشعر بها بتاتًا..
هتفت “فجر” التي تصفق بكلتا يداها:
-ايوة..ايوة…هز يا وز…هز يا بط..
ابتسمت لها “ثراء” التي لم تتوقف بل تسللت يديها إلى خصلاتها المنسابة رافعة اياها عن ظهرها..وخصرها يتمايل تارة يمينًا وتارة يسارًا…
لم تكتفي “ثراء” بذلك بل جذبت تؤامتها “وئام” من ذراعيها مجبرة إياها على الرقص….
فلم تعترض وئام على مشاركتها بل رحبت كثيرًا..
بينما غابت “وعد” قليلًا ثم عادت بعد ثوانِ وبين يديها الدربوكة (طبلة) تضرب عليها بأناملها مغلقة الأغاني…ورأسها تهتز اندماجًا مع ضربها على الدربوكة…
ضحكت “داليدا” عاليًا وشاركتهم هى الاخرى…ولم ينتهي الامر عند هذا الحد بل بات الجميع يتراقصون عدا “وعد” التي تدق على الدربوكة…
بالأسفل..
وصلت العائلة من رحلتهم التي دامت أسابيع دون أخبار أحد بموعد وصولهم…
تنهد “مروان” وهو يفتح ذراعيه متمتم باشتياق:
-بيتي حبيبي..ليك وحشة والله…
ابتسمت له “علياء” زوجته معقبة:
-انا بقى البنات وحشوني…
أيدها البقية على كلماتها مشتاقين لبناتهم…ثم طالعت روفان زوجها “سليم” متمتمة بحماس:
-احلى حاجة اننا مقولناش لحد فيهم اننا راجعين..تفتكروا بيعملوا إيه…
ردت “رحمة” باستهزاء:
-مصيبة طبعاً..بس نوعها ايه صعب احدد..بس هنعرفها لما ندخل دلوقتي…
ابتسم البقية على كلماتها وتركوا حقائبهم بالسيارة..وإندسوا المنزل…الذي كان يعم بالظلام…
هتف مروان بترقب وهو لا يرى شيء بفضل تلك العتمة:
-ايه الضلمة دي!!!!! انا بدأت اتوغوش تفتكروا وعد خلصت عليهم…ولا يكونش طفشوا منها…
هز الجميع رأسهم بعدم إدراك واقتربوا من درجات الدرج وسرعان ما وصل إليهم تلك الأصوات الصاخبة القادمة من الأعلى وتحديدًا غرفة ثراء ابنة “مروان”…
ابتلع “مروان” ريقه وقال بتمني:
-يارب اكون فاهم غلط…
حدق به الجميع كابحين ضحكتهم فهتف مدافع عن ابنته:
-ايه بتبصولي ليه..متبقوش عيلة كئيبة وفرفشوا زي العيال كدة…..واحسنوا النية ها أحسنوا النية…
وفجأة صرخ مروان عندما ظهر محمود أمامهم من العدم مصدوم من وصولهم دون أخبارهم…
-أنتوا رجعتوا امتى…
انتهى محتضنًا سليم و آدم ابنائه وكذلك احتضن ميرنا زوجة آدم والتي تكون بذات الوقت ابنة زوجته الثانية الراحلة…مستمعًا لسخرية مروان من خلفه:
-جينا امبارح بليل..ايه السؤال ده يا عمي اكيد لسة واصلين يعني..
بحثت عين محمود عن شقيقته خديجة و كوثر طليقته…وكذلك هناء…وسامية..
فخرج صوته متسائلًا:
-اومال فين خديجة وكوثر وهناء وسامية مرجعوش معاكم ليه؟؟
رد “بسام” وهو يعانقه بحب فـ محمود قد بات كبير العائلة عقب وفاة والده “صابر” منذ سنوات طويلة…وعلى مدار تلك السنوات فارق أشقاء محمود (محمد، عبدالرحمن) الحياة لاحقين بوالدهم صابر…تاركين أولادهم وزوجاتهم واحفادهم…
-محبوش يرجعوا كام يوم وهتلاقيهم هنا وهيبدا وجع الدماغ…الا قولي يا عمي ايه الدوشة دي؟!
حرك “محمود” كتفيه بعدم إدراك..فصاح مروان:
-احنا هنقعد نسأل لسة..يلا ورايا….
انتهى ملتهمًا الدرجات والجميع خلفه عدا آدم وميرنا الذين اتجهوا صوب غرفة ابنهم “أحمد”….
مد مروان يده وفتح الباب فكانت الصورة امامه كالآتي..
ابنته “ثراء” ترتدي ملابس مخصصة للرقص تكشف عن جسدها..
وابنته الاخرى “وئام” تشاركها…
لا ليس هي فقط من تشاركها بل جميع فتيات العائلة…من
أبرار..فجر..سديم..تاليا..براء..ريتال..
أما داليدا فكانت تنثر النقود فوق رؤوسهم..
أما “وعد” ترفع إحدى قدميها على حافة الفراش وتضرب على الدربوكة (الطبلة).. وتهز رأسها يمينًا ويسارًا بقوة اندماجًا مع ضربها على الدربوكة….
وفجأة توقفت وعد عن الضرب عندما التقطت عيناها عائلتهم يحدقون بهم بأعين متسعة تكاد تخرج من مكانها..
تركت وعد الدربوكة وركضت تجاه والديها محتضنة إياهم..
فأنتبهت بقية الفتيات لقدومهم وتوقفوا عما كانوا يفعلون والتقطت ثراء وشاح تغطي به جسدها
ثم ركضت كلا منهم تجاه والديها..
بينما وضع مروان يد على قلبه والاخرى مستندًا بها على علياء مردد بأسلوب خرج مرحًا دون إرادته:
-آه..قلبي..حولوا البيت كبارية ولاد الكلب….قلبي..هيجرالي حاجة..بسببهم…هيموتوني وانا لسة في عز شبابي…
دنت منه ثراء و وئام مستشعرين القلق نحوه…فكادت ثراء تتحدث وتضع يدها عليه..لتجده ينفض يدها مغمغم:
-ابعدي عني بالبدلة الفاضحة اللي انتِ لبساها دي أنتِ مستحيل تبقي بنتي..انتِ اكيد بنت بسام ومريم…
أنا بنتي مش رقاصة لا……..
ضمتهم علياء والدتهم لاحضانها مستنكرة ما يفعله بينما كبح بسام أخيه غضبه بالوقت الراهن…..
أما وعد فقامت بتحرير شهقة عالية من فوها سابقة والدتها رحمة التي كادت تعنفه مدافعة عن خالتها قائلة بصوت عالي:
-مالها خالتشي مريم ان شاء الله… ماتهدا يا مروان اهدا وقول هديت..وبعدين بنتك هي اللي متربتش وقال ايه هف في دماغها مرة واحدة تقوم ترقص..نقولها يا ستي بلاش عيب..ابدااا…نجيبها يمين نجيبها شمال..برضو عايزة ترقص..بنتك نفسها تبقى رقاصة يا مروان…و
ضحك الجميع عند تلك النقطة فقاطعها مروان وهو يزيل يده عن موضع قلبه..منحني تجاه قدميه كي يخلع حذائه مردد بشراهة ويوشك على الإنفجار:
-بس ياض أنت..متكلمش..وبعدين بطبلي..ما تشتغلي طبالة أحسن…
ثم حول أنظاره تجاه داليدا القابعة داخل أحضان والدتها:
-وأنتِ بتنقطيهم..ما نجبلكم كام ازازة بالمرة..ونقلبلكم الاضاءة احمر واخضر واصفر…
لوح له الجميع وتركوه بمفرده رفقة الفتيات…
ردت ثراء بامتعاض وهى تعقد ساعديها:
-ايه يا بابي هي اشارة مرور..وبعدين ما انت عارف اني بحب الرقص و
وضع انامله امام ثغرة يحثها على الزام الصمت:
-هشش هششش متكمليش..متكمليش بدل ما يجيلي ذبحة صدرية وانا واقف معاكم كدة…واموت وانا لسة أربعيني…في عز وسامته وشبابه…
علقت وئام قبل ان تغادر تنوي الذهاب لوالدتها واشباع اشتياقها تجاهها:
-لا كدة اداء اوفر…
خلع حذائه تلك المرة ودفعه تجاها مردد باهتياج:
-أنا اوفر يا بنت الكلب…لا فوقوووا مروان الحلواني رجع..وهيوريكم يا شوية كلاب… وأنتِ اولهم يا مفضوحة….وبعديكي الواد البت اللي اسمه وعد……
********
جلس “خليل” رفقة اشقائه على المقهى الشعبي متمتم بأعين تجوب على كلا منهما:
-بذمتكم مش مكسوفين من نفسكم لما تبقوا سايبني انا وابوكم في المحل لوحدينا وانتوا قاعدين صيع على القهوة…
عقب “عابد” مردد:
-اتكلم عنهم انا مش صايع انهاردة الإجازة بتاعتي..هما بقى اللي فشلة وكل شغلانة يشتغلوها يطردوا منها اصلا محدش نافع غيري انا وانت…
التوى فم “جابر” وقال مطفئًا سيجارته:
-بس ياض يا حلاق الحريم أنت…
لعق “عابد” شفتيه متصنعًا البرود التام معقبًا:
-عارف خسارة فيك الرد..اصل حلاق الحريم ده احسن منك على الاقل مبيكلمش ميت واحدة..وبيتسلى بيهم…
عقب “جابر” متذمرًا من حديثه:
-ياض احترمني ياض ده انا اكبر منك..
سخر منه “عابد” قائلًا:
-يخربيت أم دول خمس دقايق بيني وبينك قرفني بيهم…
كاد ينشأ شجار طفولي بينهم لولا مجئ محمد و وقوفه أمامهم موجهًا حديثه لـ اشرف:
-اشرف تعال عايز اتكلم معاك..
رفض “أشرف” مردد ببرود:
-لا..مليش كلام معاك..واخفي من قدامي بدل ما اعمل معاك الدنيئة…
تكاظم غيظ محمد من اسلوبه المتعجرف معه أمام أشقائه الذين ابتسموا بعبث متلذذين بما يحدث..
حك انفه وقال بنبرة تشع إصرار:
-لا يا زميلي مش ماشي..ومش متحرك غير ورجلي على رجلك..والا انت عارف هعمل ايه كويس اووي..
قال الاخيرة بتهديد باطني لم يدركه سوى أشرف..الذي وصل لذروة غضبه ونهض بحركة مباغتة منتشلًا اياه من قميصه..وسباب لاذع ينطلق من فوه دون توقف…
تبخرت بسمات أشقائه ونهضوا سريعًا كي يفضون ذلك الشجار…ناجحين بأبعاد اشرف عنه…
كز محمد على اسنانه وأراد الاقتراب منه من جديد لولا دفعة جابر له في منتصف صدره مسببه في تراجعه عدة خطوات للخلف دون إرادته:
-ما تمشي يا عم انت مبتفهمش ولا إيه؟؟؟؟؟
-لا مبفهمش وكلامي مش معاكم كلامي مع اخوكم اللي عامل فيها محترم و
قاطعته تلك اللكمة الغير متوقعة من أشرف الذي دفع اشقائه بقوة حتى وصل إليه..مسببًا في إسقاطه على الأرضية..
فلم يتردد بأعتلائه واستمراره بلكمه…
-محترم غصب عنك وعن اهلك ياض..
انتهى عائدًا اطلاق كافة انواع السبابات اللاذعة..الوقحة..لا يدري اهو غاضب منه أم من ذاته لانه انصاع له وكاد يسلك طريقًا لا رجعة منه…
تشارك نضال وخليل تفريق اشرف عن محمد..فدفع اشرف خليل بغضب مردد بصوت جهوري:
-ابعد عني يا عم…محدش يحوشني…
استغل محمد ما يحدث ونهض على الفور مهرولًا من أمامهم متوعدًا لهم بالعودة والقانهم درسًا باكملهم:
-ورب الكون لـ انا راجع تاني وهوريكم انتوا الخمسة….
نال الغضب من جابر الذي صرخ به:
-اعلى ما في خيلك اركبه يالا..احنا مبنخفش..احنا بنخوف بس يا روح أمك….
على الطرف الآخر…
تقف دلال على اعتاب باب منزلها تتساير مع جاراتها تلقي على مسامعها الكلمات المادحة التي لا تنتهي بالشباب الخمس…
-تعرفي ولادي دول العيبة مبتطلعش من بوقهم..دي البنات اللي هتاخدهم امهاتهم دعيالهم…اه والله..مش عشان ولادي وكدة..لا بس دي كلمة حق..آه اصل الواحد المفروض يقول اللي ليه واللي عليه…ادب إيه واخلاق إيه…ربنا يحميهم حبايب قلبي…
جاءت ابنة جارتها مهللة بنبرة سريعة:
-الحقي ياما..الواد محمد جاب كام واحد ومسكين مطاوي وسكاكين ورايحين يتخانقوا مع اشرف واخواته..وشكلها هتبقى عاركة كبيرة…
برقت عين دلال وضربت على صدرها مرددة بصدمة عائدة إلى المنزل كي تتأكد من كلمات الفتاة:
-يالهوي ولادي..
بالأسفل…
حك اشرف أنفه…مستفسرًا من اشقائه وهو ينهض من مكانه ويرى تقدم محمد ومعه أربع رجال يحملون الأسلحة البيضاء:
-جاهزين يا رجالة…؟
قذف جابر اللفافة من فمه مجيبًا ببرود وهو ينهض هو الاخر ويداه تعرف طريقها لخلع حزام بنطاله مغمغم بشراسة:
-دايما جاهزين..عشان احنا ولاد سلطان..ولاد سلطان اللي لو حد هوب ناحيتهم ولا جه على سكتهم…امه داعيه عليه..ويقدر يقول على نفسه يا رحمن يا رحيم……
صرخت “دلال” ما أن رأت هؤلاء الرجال يقتربون من فلذات كبدها ضاربة على وجهها والخوف ينهش بها…مصوبة حديثها للرجال الذين اقتصر دورهم على مشاهدة ذلك الشجار المهلك الذي قد يؤدي إلى فقدان أحدهم حياته..
-حد يحوش يخربيتكم انتم بتتفرجوا..ولادي هيرحوا مني..اعملوا حاجة يا خلق…
انتهت وهي توشك على الدخول والنزول للأسفل لكن اوقفها رؤيتها لزوجها “سلطان” وبصحبته رجال من كبار الحي …
فصاحت على الفور:
-الحق العيال يا حج…
هنا وتوقف “جابر” الذي انتهى من أحدهم للتو وقام باسقاطه أرضًا بعدما انهال عليه بحزامه ملتقطًا انفاسه بصعوبة موجهًا حديثه لـ دلال..
-خشي جوه ياما..خشي جوه..الله يكرمك..
-مش هخش انتوا اللي هتطلعوا…ده انا هيجرالي حاجة بسببكم…ربنا يحميكم يارب..ويخليكم ليا…ربنا يحفظكم…
تابع جابر بعيناه ما يفعله والده والرجال من تفريق بينهم..منصتًا بذات الوقت لدعاء والدته لهم..
رفع عيناه يناظرها مردفًا وهو يكاد يضرب على وجهه:
-بالله عليكي ما تكملي عشان الدعوة بتاعتك أنا عار
لم يكمل جملته فقد باغته الرجل الذي اسقطه منذ قليل بضربه على رأسه بزجاجة تعود لإحدى المشروبات الغازية…
انطلقت صرخات”دلال” من جديد وهرول كلا من “سلطان” “عابد” “أشرف” “نضال” “خليل” تجاه شقيقهم….الذي ردد بخفوت والدماء تسيل من رأسه:
-حد يقول لـ أمي إن دعاها وصل…
**********
بعد مرور بعض الوقت تجلس “دلال” جوار “جابر” على الأريكة تحدق بتلك اللفافة البيضاء حول رأسه..فقد تم اصطحابه إلى أحد المستشفيات الحكومية وتأكدوا من سلامته بعدما اجروا له عدة فحوصات تؤكد بأنه لم يحصل ضرر برأسه..
حرك “جابر” رأسه يبادل دلال النظرات فقالت مضيقة عيناها:
-بتبصلي كدة ليه يا ولا أنت..
نظر أمامه واجابها بكلمات مقتضبة لتواجد والده بالمنزل:
-مفيش..
كتم أشقائه ضحكاتهم ثم نظر عابد بالساعة المعلقة على الحائط وقال:
-طيب انا بقى داخل أنام عشان اعرف اصحى بدري للشغل..تصبحوا على خير…
حضر “سلطان” الذي انهى تبديل ملابسه للتو واوقف عابد عن الدخول لحجرته..
ملقيًا على مسامعهم سؤاله:
-قولولي بقى ايه سبب قلة الأدب اللي حصلت انهاردة دي!!!
وليه التهور ده افرضوا حد فيكم كان جراله حاجة و
اوقفته دلال عن استرسال حديثه مرددة بخوف عليهم:
-تف من بقك يا حاج..ما العيال اهم ربنا يباركلهم زي الفل.
اوشك جابر على البكاء من حديثها فقال وهو يصتنع المرض والأرهاق الشديد:
-انا هقوم انام بقى لحسن الضربة اللي على النفوخ دي طلعت بتوجع اووي..وكلامك بيوجع اكتر ياما…
اماء “اشرف” مؤكدًا:
-طبعا بيوجع خدني معاك انا كمان..
صرخ بهم “سلطان” بعصبية مفرطة نابعة من خوفه عليهم وعدم رغبته برؤية ضرر بهم:
-انتوا هتهرجوا ولا إيه..القرف اللي حصل انهاردة ده مش عايز اشوفه تاني..انا مش مخلف بلطجية..انا مخلف رجاله..يعني المفروض يبقى سندي وعزوتي مش سبب لوجع دماغي…ده حتى خليل المحترم اللي فيكم خدتوه معاكم في الرجلين….
انتهى من صراخه عليهم..فوافقه خليل مردد باعتذار:
-معاك حق يا بابا..احنا آسفين..بس مكنش ينفع اسيبهم أو اني مدخلش…واللي اسمه محمد ده هو اللي غلط مع أشرف…وحقك علينا مرة تانية…
انتهى مقبلًا اعلى جبينه..وكذلك فعل البقية معتذرين منه مقبلين اعلى جبهته..
ورغم سعادة “سلطان” من اعترافهم بخطأهم الا انه ظل محافظًا على جمود ملامحه..ولم يتفوه بحرف واحد..ثم اولاهم ظهره ودخل غرفته.
فظل الشباب رفقة دلال التي قالت مهونة عليهم ضيقهم الذي لاح على محياهم:
-متزعلوش يا عيال..ابوكم بيحبكوا ده انا قلبي وجعني عليكم..وكله كوم ولما الواد جابر اضرب على دماغه وساح في دمه كوم تاني..
التوى فم جابر ورد بنبرة مرحة ساخرة بعض الشيء:
-دي بركة دعاكي ياما…دعوتك وصلت بدري بدري…
تعالى رنين هاتفها معلنًا عن مكالمة من نجلاء شقيقتها….
أجابت عليها تحت تذمر ابنائها وتسللهم خلسة واحد تلو الآخر لغرفهم….
-ايه يا نجلاء شوفتي اللي حصل مش الواد جابر اضرب على دماغه في خناقة وساح في دمه و جربنا بيه على المستشفى…خدي كلميه..ولا اقولك اتصلي فيديو اوريكي منظره….
قالت الاخيرة وعيناها تلتقط جابر الذي كان آخر من تبقى وعلى وشك الهرب منها مختبئًا بغرفته….
-واد يا جابر استنى هتكلم خالتك فيديو…
تجعد وجهه و أوشك على الانفجار مما تفعله وإدخال شقيقتها في كل شيء، متحدثًا بأنفعال:
-يعني هو الشاش اللي على راسي ده مش مخليني أصعب عليكي؟؟ اعمل ايه يعني ارمي نفسي من البلكونة واخلص؟؟؟
انتهى والجًا غرفته الذي يتشاركها مع “نضال” لا يبالي بحديثها أو سبابها له…
تمدد أعلى فراشه ثم أخرج هاتفه الذي جلعه صامتًا منذ ساعات طويلة من جيب بنطاله فوجد تلك الفتاة التي يحدثها على الإنترنت قد بعثت له العديد والعديد من الرسائل وحاولت مهاتفته كثيرًا…
نفخ بضجر وقال بخفوت ويداه تعبث بالهاتف:
-ده أنتِ زنانة أوووي…عشان كدة بقى البلوك مش خسارة فيكي يا داليدا يا بنت ام داليدا……
__يتبع__
فاطمة محمد.
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية كارثة الحي الشعبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.