رواية كارثة الحي الشعبي – الفصل الأول
الفصل الأول
(كارثة الحي الشعبي)
بقلمي فاطمة محمد.
الفصل الأول:
تقف تلك السيدة التي تبلغ من العُمر
سابعة
و أربعون عامًا بالمطبخ بجلبابها المنزلي البسيط وحجابها المعقود للخلف يخفي خصلاتها البيضاء الأمامية، تُعد الطعام لزوجها وأولادها الخمس…هاتفها على أذنيها تنشغل بالحديث مع شقيقتها التي تصغرها بعامين تقص عليها تفاصيل يومها وما يخص أبنائها دون ملل أو نسيان لتفاصيل..
-زي ما بقولك كدة..مسحت بكرامتها الأرض..حلوة اوي دي عايزة تشتم في ولادي واسكتلها..طب ده انا ولادي دول مفيش منهم دول زينة شباب الحارة..يكش هي الدنيا اللي ملطشة معاهم حبتين تلاته…
ردت أختها عليها قائلة:
-سيبك يا دلال اللي يكلم يكلم هو الكلام بفلوس..قوليلي أشرف عامل إيه وحشني حبيب خالته ده.
-كويس بيدفع الجمعية اللي دخلها من شهرين وهيقبضها آخر السنة ويجيب الشقة ويجهزها ويجوز هو والمحروسة..ادعيله يا نجلاء ربنا يفتحها في وشه…و
قاطعها صوت “أشرف” ابنها البكري، والذي يكون في آواخر العشرينات…واضعًا يديه بجيب بنطاله المنزلي مستندًا على حافة الباب:
-بقولك ايه ياما خالتي لسة معرفتش اني بشخر وانا نايم..ورحمة ابوكي لتقوليلها أن أشرف بيشخر وهو نايم..
ابتسمت له بأتساع قائلة بمحبة:
-أنت صحيت يا أشرف.
أجاب مطلقًا زفيرًا طويلًا مفارقًا المطبخ متحركًا للصالون:
-لا ياما لسه نايم..
جمعت دلال بعض الخضروات في صحن كبير وانتشلت سكينة متوسطة الحجم وخرجت خلفه كي ترافقة بجلسته والهاتف لايزال على أذنيها تحادث شقيقتها:
-لا ده اشرف صحي..تاخدي تسلمي عليه؟؟
كاد اشرف يضرب على وجهه غيظًا…متمتم من بين أسنانه بنفاذ صبر:
-ياما ارحميني بقى ياما انا لسة صاحي..
جلست على الأريكة وكعادتها لم تبالي له ومدت له يدها بالهاتف:
-خد كلم خالتك نجلاء..
اخذ الهاتف منها وتبادل الأحاديث المقتضبة مع خالته التي بدأت تتساءل عن أحواله وأحوال خطيبته والتي تكن جارته وتدعو “زينة”…
وبتلك الأثناء خرج أخيه “جابر” من الحجرة وأنامله تفرك عينيه..فصاحت دلال وهي تلوي فمها:
-يخربيتك يا ولا يا جابر أنت لسة منزلتش الشغل…
رد بصوت ناعس متقدمًا منها جالسًا جوار أخيه:
-هيتخرب اكتر من كدة ايه انا اطردت صاحب الشغل طردني انبسطي ياما اقولك زغرطي…
ضربت على صدرها قائلة بحسرة:
-يادي المصيبة انتوا عايزين تموتوني…تشلوني..تجلطوني…ربنا يخدني عشان ارتاح منكم..يا حسرتك على شبابك يا دلال..
استغل اشرف ذلك الشجار الدائر بين والدته وأخيه ليغلق مع خالته متحججًا بها…
وأما أن أغلق حتى ظل متابعًا ما يحدث بينهم بتسلية تليح على قسماته..
عقب “جابر” على كلماتها متمتم:
-شباب مين ياما أنتِ هتتبلي عليا ولا إيه..وبعدين إيه كل ده؟؟!!!
انتهى صامتًا ثوانِ تُعد على الأنامل ثم صاح فجأة:
-أنا جعان فطريني…
قذفته بجهاز التحكم الخاص بالتلفاز فالتقطه “جابر” متأففًا وهو يستمع لها:
-قوم أكل نفسك..كتكم نيلة عيال تجيب الهم…
نهض “جابر” مجبرًا كي يأتي له بشيء يتناوله…بينما التقط “أشرف” جهاز التحكم متمتم:
-هما فين عيالك…
-نزلوا الشغل ربنا يباركلهم..ويفتحها في وشهم قادر يا كريم…ويفتحها في وشك يا اشرف يا ابن بطني يارب…
جاء “جابر” حاملًا بعض الصحون المتراكمة فوق بعضها وتحوي على طعام له متمتم بتهكم ونبرة تحمل من السخرية ما يكفي لأشعالها:
-الدعاوي الحلوة ليهم وأنا الشتايم بس مش كدة؟
رمقته “دلال” بتحذير..فلزم الصمت و شرع بتناول الطعام…
أما “أشرف” فقام بأخراج لفافة وبدأ بالتدخين واضعًا جام تركيزه مع التلفاز عله ينسيه همومه….
لم يخرجه من ذلك التركيز سوى رنين هاتف “جابر”…
نهض جابر كي يأتي به..مجيبًا عليه بعدما ابتلع ما بفوه:
-يا صباح الجمال..والأناناس..وحشتيني يا هايدي….
أغمضت “دلال” عيناها من حديثه الوقح أمامهم مع إحدى الفتيات… وظلت ترمقه من حين لآخر وما أن انتهى وكادت تفتح فوها وتنهره حتى استمعوا لرنين هاتفه يعلو من جديد…
فأشار لها كي تصمت ويجيب عليه..
-يا صباح الجمال…والأناناس..وحشتيني يا نهال….
برقت عين “دلال” من حديثه لأخرى ملقيًا على مسامعها ذات الكلمات الذي ألقاها منذ قليل على مسامع أخرى… متمتمة بخفوت:
-يا مصيبتي بتكلم اتنين وتقولهم نفس الكلام !!!!!!!
ثوانِ وكان يغلق معها…فأسرعت صارخة في وجهه تاركة الصحن على الطاولة أمامها:
-أنت ياض بتكلم اتنين في نفس الوقت يا مفتري يا اللي معندكش دم…ايه معندكش ولايا تخاف عليهم..يخربيت شكلك..
اراح ظهره للخلف مجيبًا:
-لا معنديش ولايا…والبركة في حضرتك وفي بابا..جبتوا خمسة وكلهم رجالة بشنبات…
أسرعت برفع أصابع يدها الخمس أمام وجهه متمتمة:
-خمسة وخميسة في وشك..
حرك “أشرف” رأسه بنفاذ صبر من شجارهم الذي لا ينتهي ويتجدد يوميًا..
لوح “جابر” بذراعيه في الهواء..تزامنًا مع علو رنين هاتفه..فالتقطه من جديد مجيبًا بصوت عذب:
-يا صباح الجمال..والأناناس…وحشتيني يا جومانا…
كاد يتابع ما يفعله ليجد والدته تنحنى تلتقط خفها المنزلي تنوي ضربه به…لكنه لحق ذاته وهرب مختبئًا بغرفته….
تاركًا اشرف رفقتها…
أشارت تجاه الباب الذي اغلقه في وجهها مغمغمة:
-شايف اخوك يا اشرف…شايف…والله لقول للحاج لما يجي..
نهض “أشرف” مستشعرًا ملل كبير…وقبل أن يغادر قالت مستفسرة:
-رايح فين يا اشرف.
-نازل اقعد على القهوة…أو هعدي على بابا وخليل في المطعم…
مصمصت شفتيها ثم التقطت هاتفها وقامت بمهاتفة اختها من جديد كي تتسامر معها…
********
سحب “أشرف” مقعدًا خشبيًا وجلس على المقهى القابع بـ حيهم الشعبي..يهاتف خطيبته “زينة” والتي طرحت عليه سؤالها:
-عملت إيه يا أشرف؟؟؟
رد “أشرف” بتنهيدة تحمل بين طياتها قلة الحيلة وحزن لا ينتهي:
-مش لاقي شغل يا زينة..مش لاقي…ومش عارف هدفع دور الجمعية ده ازاي…
-طب وبعدين يا أشرف…أنت لازم تتصرف أنت عارف أن ماما بتتلكك وعايزة تفركشلنا الجوازة بأي طريقة..
مسح على وجهه وأجاب:
-عارف..وهحاول اتصرف أنا مش بلعب يا زينة…مش بلعب..انا طالع عيني..وعلى يدك..
-لا يا أشرف أنت مبتعملش حاجة.. أنت السبب في أن صاحب الشغل يطردك..كان لازم تمد ايدك عليه يعني؟؟؟!!!!
ثار وعقب على كلماتها بصوت خرج عالي دون إرادته:
-لا اسيبه يشتمني بالأم واقف اسقفله..بقولك ايه متخرجنيش عن شعوري عشان مزعلكيش…
أغلق في وجهها ثم مسح على جبينه محاولًا عصر ذهنه كي يجد حل…
انزل يده وكاد ينهض كي تبدأ مهمته بالبحث عن عمل..
لحقه صوت “محمد”صديقه من الحي والذي سحب مقعد وجلس معه متمتم:
-ها يا برنس لقيت شغل؟؟
-ملقتش لسة بدور..
لمعت عين “محمد”بخبث مردد:
-طب ودور الجمعية المفروض تدفعه امتى وهتدفع ازاي الشهر ده؟
زفر أشرف مجيبًا:
-يعني كمان يومين تلاته اكتر من كدة أم أحمد هتوجع دماغي وهتقعد تندب…
-متقلقش يا زميل…انا عندي ليك حل..هيخليك تدفع الجمعية وتدلع نفسك كمان…
تساءل “اشرف” بلهفة تليح على قسماته:
-ايه هو ؟؟؟
-هنشوفلنا فيلا أو بيت فخم من بتوع الناس الغنية وناخد اللي فيه النصيب…
نهض “أشرف” بعنفوان متمتم بشراسة:
-نعم يا أخويا ؟؟؟؟
التفت محمد حوله ونهض هو الآخر محاولًا التوضيح له بخفوت:
-مالك بس مش انت مزنوق…وانا كمان مزنوق…فنصرف نفسنا بقى..مش احسن ما أم أحمد تقعد تزن على ودانك ومش هتتخرس غير لما تاخد الفلوس وبعدين افرض اتصرفت ودفعت الشهر ده..الشهر الجاي هتعمل ايه…ما هو على يدك مفيش شغل..وانت خاطب وعايز تجوز و وراك هم ما يتلم…وحتى لو لقيت شغل هتاخد منه كام يعني الفين..تلاته.. أربعة؟؟ ولا هيعملوا حاجة..لو سمعت مني هتجوز زينه في ظرف شهرين…و
قاطعه أشرف الذي انتشل إياه من قميصه مردد بشراسة:
-اخفي ياض انت من قدامي مش عايز اشوف سحنتك دي….
*********
“في منزل عائلة الحلواني”
-خـــــد يــــاض… أنت يالا…
نطقت “وعد” كلماتها وهي تهرول خلف “أحمد”…الذي فر هاربًا منها..
التقطت عين وعد كلا من ثراء و وئام بالأسفل فصرخت بهم:
-ثراء وئام حلقوا عليه…متخلهوش يهرب…
حاول الاثنان الإمساك به لكنهم فشلوا بذلك..وظل يركض..حتى خرج للحديقة..فوجد بوجهه باقي فتيات العائلة من..داليدا…براء…تاليا…سديم..ريتال…أبرار…فجر.
صاح على الفور مغتاظًا من هذا الكم من الفتيات في هذا المنزل اللعين:
-يخربيتكم …كل دول بنات..منهم لله عمامي مش عارفين يخلفوا صبيان…ده انا أبويا ربنا نصره…يا جدوووو..
ظل يتحرك يمينًا ويسارًا فقد حثتهم وعد على محاصرته..كي لا يهرب وتعاقبه…
صنعوا دائرة حوله وبات هو حبيسًا داخلها يلتقط أنفاسه اللاهثة…ينظر لكلا منهما تارة…
ولجت “وعد” تلك الدائرة حتى وقفت في مواجهته مرددة بأعين تشع شرار وأسلوب ذكوري:
-قولي بقى قولت ايه..سمعني كدة ومزجني…عشان أنا متمزجتش…وعايزة اتمزج…
ابتلع ريقه ونظر لها برهبة مدركًا بأنها لن تتركه…
كادت وعد تتحدث لولا صوت “داليدا” المتسائل:
-في ايه يا وعد أحمد عملك ايه؟؟؟
ردت بتهكم وهى تلوح بذراعيها بالهواء:
-عمله اسود ومهبب…الواد اللي هقرقشه بسناني بيقول عليا انا…وعد مدكرة وأن صاحبه احلى مني المعفن المنتن اللي الصابونة والليفة مش محوقين فيه..
لوحت “أبرار” بيديها بالهواء ثم قالت وهي تخرج من الدائرة:
-يا شيخة بقى…وانا اللي افتكرته هبب حاجة كبيرة…
برقت عين وعد وصاحت:
-وهو في اكبر من كدة يا موكوسة بقولك بيقول عليا مدكرة ده انا لو دخلت مسابقة ملكات الجمال هكسبها وبأكتساح..لولا النفس بس..
تأففت “ثراء” وقالت بنعومة:
-يا شيخة بقى ارحمينا…
وافق “أحمد” على كلماتها معقبًا:
-أيوة ارحمينا ولا انتِ مستغلية أن العيلة كلها مسافرة..وسايبنا مع زومبي زيك..ده أنا اخاف انام تطلعيلي في الحلم..
-طب خاف بقى يا ظريف بدل ما اشرب من دمك بجد…ويلا بقى…حضروا قعدة في الجنينة عشان أنا جعانة ونفسي هفاني على حتة رنجة وفسيخ وبصل اخضر وبعديها اضرب لتر بيبسي…اتحرك ياض انت لسه هتبحلقلي..
*********
تتمدد “داليدا” على بطنها في غرفتها والهاتف بين يدها تحادث ذلك الشاب التي تعرفت عليه من خلال مواقع التواصل الإجتماعي منذ خمس شهور تقريبًا حتى بات أقرب صديق لها…
لا ليس صديق فقط…بل حبيب أيضًا..
فقد سلب منها قلبها دون أن تراه على أرض الواقع…فقط بعث لها صور تعود إليه…
وكم كان وسيمًا…سلبها عقلها وقلبها معًا..
رغبت بلقائه لكنه يأبى..وبشدة..ولا تدري السبب؟؟؟
انفرج الباب و دخلت “أبرار” لتجدها لم تشعر بها لأنشغالها بالهاتف واستماعها لإحدى الأغاني الرومانسية التي تصف حالتها…وتنطبق عليها تمامًا…
سارت “أبرار” على أطراف قدميها حتى باتت خلفها فوجدتها تحادث ذلك الشاب الذي سردت عليها طريقة تعارفهم وكيف وقعت في عشقه..
زفرت بقوة مرددة بصوت عالي وهي تعقد ساعديها أمام صدرها بأنزعاج جلي:
-برضو يا داليدا لسة بتكلميه..يا بنتي الواد ده مش سالك..
انتفضت “داليدا” وأنهت محادثتها معه..تاركة الهاتف ملتفتة برأسها لتلك المنزعجة والتي تكون الأقرب لها في هذا المنزل:
-حرام عليكي يا أبرار خضتيني…
-حرام عليكي أنتِ..الواد ده انا مش مرتحاله..بقاله خمس شهور بيكلمك ورافض يشوفك بيبعتلك صوره بس…ده اسمه ايه بقى؟؟؟؟
ولية مش عايزك تقابليه!!!
هزت كتفيها بعدم معرفة مجيبة بهدوء:
-مش عارفة…بس اكيد ليه اسبابه…
عضت على شفتيها غيظًا تزامنًا مع ولوج “تاليا” شقيقة وعد مخبرة إياهم بأن الطعام بات جاهزًا…
********
ترك “جابر” الهاتف من يده وبسمة عابثة تعلي ثغره…
انتشله من أفكاره العابثة دخول أخيه “نضال” والذي يظهر عليه أنه متعجلًا…
متقدمًا تجاه الخزانة مخرجًا حقيبة سفر متوسطة الحجم…
قطب “جابر” حاجبيه وقال مستفهمًا:
-رايح فين ياض؟؟؟
أنت مسافر!!!
اماء له نضال برأسه دون أن يتوقف عن لملمة بعض من ملابسه…
-آه مسافر الغردقة مع ناس صحابي..
اتسعت عين جابر وصاح متوسلًا والحماس يملأ عينيه:
-طب وحياة امك يا شيخ لتخدني معاك..ده انا زي اخوك برضو…
ابتسم له نضال بسماجة مجيبًا برفض:
-لا..هسافر لوحدي..وبعدين هو احنا معانا فلوس ده انا طالع كدة بلوشي..وانزل من على دماغي عشان عارفك زنان..
-طب وانا كمان عايز اطلع بلوشي..وعايز اشوف حريم فرز اول…متبقاش قاسي بقى وتجرح احساسي يا أخي…
رمقة نضال بنظرة ذات مغزى متمتم:
-يا ولا نفسك تشوف حريم فرز أول..ده انت اخر واحد المفروض تقول كدة..ده انت مصاحب بنات بعدد شعر رأسك..ده غير اللي بتكلمهم على النت..وبتتسلى بيهم…
ابتلع جابر ريقه عند تلك النقطة…فما الذي سيفعله نضال إذا علم بأنه يرسل لهم صوره..لوسامته التي تفوقه…
طالعه بخوف متمنيًا الا يدري يومًا بأنه يستغل وسامته لتوقيع الفتيات على مواقع التواصل الاجتماعي والتسلية بهم بعض الوقت…ثم يقوم بتركهم بعدما يمل منهم…
فاق على صوت نضال مردد:
-واد يا جابر هما الحريم اتعموا في نظرهم ولا إيه..بيحبوا فيك على ايه…
ابتسم بسمة ماكرة وتمنى اخباره بأنه يستغله لكنه لم يفعلها ولن يفعلها..واكتفى بالصمت ومتابعته وهو يجر حقيبته ويفتح الباب بحذر شديد.
يأمل الا تراه دلال كي لا تبدأ المشاحنة بينهم…
فتح نضال الباب فتحة صغيرة تكفي فقط رأسه يتأكد من خلو الطريق..وما أن تأكد حتى فتحه على مصراعيه وجر حقيبته خلفه بحرص شديد…
ابتسم جابر بشيطانية ونهض خلفه..وما أن وصل لمنتصف الصالون وعلى بُعد بضعة خطوات حتى صاح بعلو صوته فاضحًا أمره:
-الحقي ياما….الواد نضال مسافر الغردقة ياما…ياما تعالي شوفي ابنك…ابنك رايح يهيص ويقل أدبه…وسيبنا هنا بنسيح زي الأيس كريم..
اتسعت عين نضال وبحركة سريعة كان يركض للخارج قبل أن تأتي والدته وتمنع سفره…
جاءت دلال من المطبخ على صوته…غاضبة مما تسمعه:
-يسافر ده إيه.. ايه معندوش أهل ي
قاطعها جابر مردد بغيظ:
-خلاص مشي..يا بخته..بقولك ايه ارزعيه دعوة من دعواتك الحلوة….
-سافر ده ايه!!
ده نهاره مش معدي وسع كدة..
زاحته من طريقها متجهة صوب الشرفة كي ترى ابنها الذي فارق المنزل وينوي السفر دون علمها أو علم والده..
اخفضت بصرها وجالت عيناها بحثًا عنه حتى رأته يخرج من البناية ويتجه ناحية إحدى السيارات التي تعود لصديقه…
خرج صوتها عاليًا جاذبًا للأنظار:
-أنت يا واد يا نضال..رايح فين يا ولا..والله لقول لأبوك..اطلع ياض..
لم يبالي لها نضال وصعد بالسيارة بينما جاء من خلفها صوت جابر الذي صاح مردد:
-يا حاجة ارزعيه دعوة واخلصي..ده مشفش بربع جنيه رباية..
التفتت له برأسها بعدما رأت السيارة تتحرك..وقامت بضربه على وجهه برفق مرددة:
-ولما هو مشفش بربع جنيه يبقى انت إيه..غور ياض من وشي..
انتهت تاركة إياه مرددة بصوت وصل إلى جابر:
-روح يا نضال إلهي زي ما تروح زي ما تيجي.. إلهي السفرية تبوظ ما تكمل..
رفع جابر يده للأعلى مردد:
-يارب دعوتها تصيب المرة دي ومتخبش ويحصل العكس….عشان أنا عارف دعاوي أمي..يا تصيب يا تخيب…
********
استقبلت “وعد” شقيق والدتها إبراهيم و زوجته مهرة بالحديقة…مرحبة بهم بحرارة…مرددة بلهجتها التي اعتادوا عليها:
-هو لازم يعني الناس اللي هنا تسافر عشان نشوفكم..ايه الغرور ده يا خال..التواضع حلو برضك…
رد مؤنس ابنهم عليها:
-يا بت اهمدي وبعدين احنا مش جايين عشانكم احنا جايين عشان الرنجة والفسيخ…
-خليك في حالك يا زميلي..انا بكلم ابوك وامك دلوقتي..وبعدين فين الواد زيدان…
رد ابراهيم متنهدًا:
-مخمود في البيت…اومال فين البنات…
جاءت ثراء مهرولة تجاهم بعدما تأكدت من هيئتها وهندمت خصلاتها…معقبة:
-موجودين…
انتهت مقتربة منهم وعيناها لا تفارق “مؤنس” التي تعشقه سرًا او هكذا تظن…!
-عاملين ايه وحشتونا أوي..
ردت مهرة بمشاكسة مدركة مشاعرها تجاه ابنها:
-وأنتوا كمان…طب ايه الاكل جاهز ولا هدبس في التنظيف معاكم…
ردت فجر وسديم اللتان جاءوا من الداخل مشيرين بذراعيهم تجاه الطعام:
-عيب عليكي جاهز ومستنيكوا اهو…
استغلت ثراء حديثهم..لتقترب من مؤنس مردفة بخفوت:
-ازيك!!!!
منحها بسمة ثم رد بهدوء:
-الحمدلله…
تبدلت ملامحها وتآكلها الضيق مستشعرة بروده المتعمد نحوها..
وهذا ما يدهشها ويجعلها تتساءل ترى هل يبادلها ما تشعر به أم أنه لا يشعر بها بتاتًا؟؟؟!
مضت لحظات اجتمعوا بها حول الطعام وحضر “محمود” الذي كان لايزال ذاهبًا بسبات عميق بالأعلى مرحبًا بأبنته مهرة و زوجها وحفيده مؤنس…
نظر “أحمد” تجاه عمته مهرة، متمتم بخوف زائف:
-أنا خايف منهم حاسس انهم هيأكلوني بصي العشرة بيأكلوا زي المساريع ازاي…بقولك ايه يا عمتو ما تباتي معايا ولا اقولك خديني انا وابات معاكم…
انتهى وهو على وشك البكاء..فلم تستطع مهرة كتم ضحكتها وانطلقت عالية…جاذبة انتباه الفتيات المنشغلات بأفتراس الطعام من أمامهم…
تفوهت وعد والطعام لايزال بفمها:
-بتضحكي على ايه يا عمتو ضحكينا معاكي…
لكزتها وئام الجالسة جوارها مرددة بعدما ابتلعت ما بفمها:
-قولنالك ميت مرة متكلميش والاكل في بوقك…
حدقت بها وعد صارخة بها:
-لا بقولك ايه مش أنتِ واختك بدل ما امسكم انتوا الاتنين واطشكم في بعض…
تأففت وئام وفضلت الزام الصمت…بينما كانت ثراء بعالم اخر..فقط تشبع عيناها من رؤياه…وتهدأ خفقاتها التي تطالب به….
وفجأة صاحت وعد بسعادة:
-صحيح بقالنا كتير ملعبناش كورة كلوا ونشرب بيبسي ونلعب ماتش..وهقطعكم فيه..عليا النعمه لقطعكم…
استحسن مؤنس تلك الفكرة وقال مؤكدًا:
-وماله..بس مترجعيش تعيطي..
ابتسمت ساخرة مرددة:
-المهم متعيطش انت…
بعد ساعة تقريبًا…
كانت صرخاتها تعلو بالأرجاء محاولة النيل من أحمد الذي يختفي خلف إبراهيم:
-غشاش ياض والكورة دخلت وشوفتك وانت بتخرجها وربنا لوريك..يا غشاش…
زفر إبراهيم وهو يدفعها برفق:
-ما خلاص بقى يا وعد..مش كدة..ده انا تعبت…
تنهدت وعد بصوت مسموع تحت نظرات الجميع المستمعين لها وهي تردف:
-ماشي عشان خاطرك انت بس يا خال…انا هروح اشربلي بقى بيبسي عشان هو اللي بيهضم معايا الاكلة دي..
صرخت بها داليدا بانزعاج:
-يا شيخة حرام عليكي عضمك ارحمي نفسك…وجسمك…
ارتفع حاجبي وعد وقالت بهزل:
-يا ستي انتي مالك هو انتي اللي بتشربي ولا انا..لما تبقى تشربي انتي ابقى
اكلمي
…
********
حل المساء و ولجت “وئام” صالون التجميل العائد لوالدتها…عيناها تجوب على العاملات والعاملين من الرجال…بملامح جامدة بعض الشيء محاولة تقليد والدتها…
توقفت عن المسير عندما وقعت عيناها على ذلك الشاب الذي يعمل لديهم يمرح مع إحدى السيدات التي تركت خصلاتها له يفعل بها ما يشاء…
-ايه رأيك لو قصيتلك الحروف بتاعة شعرك وغيرتلك لونه هيبقى جامد اخر حاجة…
ابتسمت له السيدة وهي تنظر لصورته المنعكسة بالمرآة..ويليح بعيناها إعجابها به…
-أنت شايف كدة..
إلتوى فمه ببسمة ماكرة وعيناه تضيق خبثًا مجيبًا عليها بهمس لم يصل إلا لها ولـ وئام التي باتت على مقربة منهم:
-وابو كدة كمان..مش كدة بس..
-خلاص اعمل اللي انت شايفه بس لو اللون طلع وحش هزعل…
زادت ابتسامته واجاب بذات الهمس الوقح لا ينتبه لـ وئام:
-لا كله الا زعلك..ميهونش عليا..شوفي بعون الله هبهرك…سبيلي نفسك خالص وانا هريحك..
اعتدل بوقفته كي يبدأ..فوجد وئام قبالته تشير له بعيناها التي تلمع بشر تجاه غرفة والدتها الخاصة…
-تعالَ ورايا…
انتهت مفارقة مكانها لم تنتظر حتى أن تستمع له…كز الشاب على أسنانه مشتعلًا من أسلوبها المتعجرف وغرورها الذي لا يتناهى…
لاحقًا بها رغمًا عنه والجًا خلفها موصدًا الباب خلفه…فوجدها تقف بأنتظاره وما أن أغلق الباب وتأكدت بأن صوتها لن يصل للخارج حتى صاحت به بشراسة:
-ايه اللي أنا شوفته وسمعته ده…أنت هنا في مكان محترم يا أستاذ يعني تشتغل باحترامك…وقلة الأدب والمسخرة دي مش في الشغل..
تصنع عدم الفهم وقال قاطبًا حاجبيه:
-معلش في السؤال..شوفتي ايه وسمعتي ايه..انا كنت واقف بشوف شغلي !!!!!
هو اللي بيشوف شغله دلوقتي يبقى قليل الأدب…
قال الأخيرة ضاربًا كف على آخر يسخر منها..
استشاطت…واقتربت منه خطوتان متحدثة بتحذير:
-طريقتك مش عجباني..يعني مش كفاية المسخرة اللي شوفتها..لا كمان بتبجح…وعامل نفسك مش فاهم..و انك ملاك برئ..اسمع يا اسمك إيه ا
قاطعها عن إتمام جملتها متمتم ببسمة باردة:
-عابد..اسمي عابد سلطان..
-ايًا كان اسمك إيه انا مش هناسبك انا حذرتك ولو الموضوع ده شوفته أو صدر منك تاني اعتبر نفسك مطرود…أنت سامع؟؟؟
صك على أسنانه من جديد يكبت حنقه مجيبًا عليها باحترام:
-حاضر..ممكن دلوقتي اروح اشوف شغلي؟؟؟
رمقته بنظرة متفحصة من أعلاه لاسفلة تعبر عن استهزائها به مجيبة:
-اتفضل…
التفت وفتح الباب وخرج من الغرفة زافرًا بقوة..محاولًا رسم البسمة على وجهه…
وما أن نجح بذلك حتى عاد للسيدة كي يباشر عمله…
بينما خرجت هي الأخرى..والقت نظرة باردة أخيرة عليه… بادلها إياها بأخرى جانبية جعلتها تتحاشى النظر إليه وتفارق مركز التجميل !!!!
بعد دقائق..
وقف شاب ثري أمام
الصالون
بدراجته النارية نازعًا (الخوذة) عن رأسه مطالعًا تلك الواقفة بأنتظاره مردد بلهو وهو يمد يده لها بخوذة آخرى…
-وحشتيني…
-وأنت كمان..
ابتسمت له وئام بعدما أجابته ملتقطة الخوذة وقامت بأرتدائها ثم استقلت خلفه متعلقة بخصره…
لتزيد بسمته اللعوبة ويرتدي خوذته من جديد وينطلق بسرعة البرق….
*********
انفرج باب المنزل و ولج منه “نضال” الذي أوشك على البكاء بسبب ما حدث معهم فقد تعطلت السيارة وهم في طريقهم مما جعلهم يقررون العودة وإلغاء رحلتهم…
ارتفع حاجبي “جابر” شماته وهو يراه يتقدم من الباب ويغلقه خلفه..
وفجأة صدحت ضحكاته الرجولية وهو يردد بصوت جهوري:
-ايه ده ايه اللي رجعك…
جاءت دلال على أصواتهم…وسرعان ما اقتربت من نضال وقامت بتسديد ضربه له بذراعيه مرددة:
-انت رجعت يا مقصوف الرقبة أنت…ده انت ابوك مستحلفلك..
ابتلع نضال ريقه وقال بنبرة مهتزة وعيناه تبحث عن أبيه:
-هو رجع..
اماءت له دلال بشماتة متمتمة:
-وهو ابوك من امتى بيقعد في المطعم لحد دلوقتي..ايكش تكون فاكر الناس هتتعشى فول وطعمية يا واد…
لم يبالي لكلماتها وثرثرتها والتفت لـ جابر يتساءل:
-اومال هو فين؟؟
رد جابر الذي يظهر الشماته على قسماته:
-بيصلي العشا في الجامع هو وخليل..
-طويب عن إذنكم بقى الحق انام عشان مرهق شويتين تلاته…
كاد يغادر لولا قبضة جابر الذي منعه مردد بتهكم:
-رايح فين..مفيش نوم لحد ما أبوك يطلع ويديك اللي فيه النصيب..
ربتت دلال على كتف جابر متحدثة بفخر:
-جدع يا واد يا جابر..متخليهوش ينام لحد ما أبوك يطلع وانا هدخل أطفي على الاكل…
غادرت تاركة إياه رفقة جابر الذي همس له:
-امك دي بركة…دعت عليك دعوة جابت أجلك..
زفر نضال منتشلًا ذراعيه من قبضة جابر متمتم:
-انت هتقولي على أمك ما أنا عارفها…
ضحك جابر مردد بمرح:
-أنا نفسي تدعيلك بقى والله ياض يا نضال..بالك لو دعيتلك هترقد في المستشفى ولا اجدعها فرخة راقدة على البيض بتاعها..
-بس يا ظريف واوعى من وشي…
قالها نضال بتذمر فأجابه جابر وهو ينفخ صدره رافعًا رأسه لأعلى بطريقة مسرحية:
-مش واعي…
وبتلك اللحظة تحديدًا ولج “سلطان” المنزل وخلفه “خليل”..
صدح صوت “جابر” مهللًا وهو يشير تجاه أخيه:
-اهو يا حاج اللي لم شنطته وسافر مع صحابه من غير اذنك اهو يا حاج..لا ومش مكفيه كدة لا بيزقني في كتفي وعايز يخش الاوضة بالعافية…
ناظره نضال بصدمة وردد بصوت عالي مدافعًا عن ذاته:
-وربنا ما حصل..هو أنا لمستك ياض انت..
قاطعهم “خليل” ينهرهم على أفعالهم الطفولية والتي لا تليق بعُمرهم فمن يراهم قد يظنهم صغارًا لم يتخطوا العشر سنوات بعد…
-هو ايه مفيش احترام لـ ابوكم ولا إيه..ما تسكت انت وهو..وانت يا نضال مسافر كدة مع نفسك..حتى مكلفتش خاطرك تعدي علينا في المطعم تبلغنا…
قلب نضال عيناه من أخيه الأصغر والذي يتقمص دائمًا دور الأخ الأكبر ويشبه أبيهم إلى حد كبير…
بينما تحدث جابر بصوت هامس متعمدًا إيصاله إلى نضال:
-اديك اهو بتتهزق من اخوك الصغير شكلك بقى
كاد يطلق لفظًا بذيئًا من فوه لولا تحدث نضال صارخًا بـ خليل:
-ملكش أنت دعوة واركن على جمب..وبعدين انت بتكلمني كدة ليه ده انا اكبر منك..
مسح خليل على وجهه ممسدًا على لحيته الطويلة، مستغفرًا ربه….متحاشيًا النظر إليهم…
تحدث سلطان بنبرة ساخرة يرمقهم بأستهزاء:
-يا راجل قول كلام غير ده..ده انتوا مفيش حد فيكم فكر يقف معايا في المطعم غيره…رغم أنكم عواطليه..
حمحم جابر وأشار تجاه غرفته متمتم ببسمة سمجة:
-طيب تصبح على خير يا حاج..
كاد يغادر ليصل له صوت سلطان مردد بصرامة:
-مفيش نوم يا جابر…
حول أنظاره تجاه نضال وتقدم منه خطوتين مع مجئ دلال التي كانت تسمع صوته من المطبخ وسعيدة بما يفعله معهم:
-قولي بقى كنت رايح فين؟؟
رد عليه نضال بصوت يكاد لا يسمع..ضيق سلطان عيناه وتحدث بنبرة يشوبها الغضب:
-علي صوتك مش سامع…
نطق بصوت عالي تلك المرة ولا ينظر بعين أبيه:
-الغردقة..
صرخ به سلطان قائلًا:
-طب عال أووي..واللي يسافر ده مش يعرف اللي عايشين معاه ولا انت عايش في زريية…
عقب نضال مبررًا:
-ما انا مش مسافر اتفسح..ده انا كنت رايح ادور على شغل هناك..أصل بيني وبينك يا حاج نفسي الاقي شغل في الغردقة ولا شرم…
أيده جابر مردد بنبرة ذات مغزى مطلقًا تنهيدة حارة من ثغره:
-اه يا حاج الشغل حلوو اوووي هناك..وقمر اووي..وحاجة اخر حلاوة…
أدرك خليل مغزى كلماتهم..فأستغفر ربه من جديد..بينما حرك سلطان رأسه بنفاذ صبر وقال:
-أنا هعتبر نفسي مسمعتش حاجة..عشان لو خدت على كلامكم هلطش فيكم بأيدي ورجلي…
انتهى ينظر لـ خليل..قائلًا قبل أن يلج إلى غرفته كي يبدل جلبابه:
-كلم أشرف وعابد يا خليل شوفهم فين…
عقب مغادرته رفعت دلال الملتزمة الصمت بحضور زوجها يديها وقامت بتمريرها على ذقنها دلاله على توعدها لهم لحديثهم الوقح حول الفتيات أمام سلطان….
*********
أغلق “جابر” مع شقيقه خليل وأخبره بأنه مستقلًا إحدى عربات النقل العام وخلال دقائق معدودة سيكون أمامهم…
شرد أشرف وذهب بذهنه إلى أيامه القادمة وما سيفعله مع والدة زينة المتسلطة والتي لا ترغب به ودائمًا ما تلقي على مسامعه الكلمات السامة…وتذكيره بالفارق التعليمي بينه وبين ابنتها..
فهو لم يسترسل دراسته أما ابنتها فقد تخرجت من كلية الطب.. وتعمل في إحدى المستشفيات…
هنا وتغلب عليه شيطانه وبدأ يتلاعب بعقله ويوهمه بما هو أسوء….
متخيلًا معشوقته تزف ويمتلكها آخر…
وكل هذا بسبب النقود الذي لا يمتلكها…
النقود التي باتت أهم شيء لدى البشر ولا يفكرون بسواها ودليلًا على هذا هي والدة زينة…
إلتوى فمه مردد بينه وبين نفسه:
-طبعا لو كان معايا فلوس وغني مكنتش كل شوية فكرتني بأني جاهل وبنتها دكتورة…وكان ممكن تقولي قصايد شعر….والتعليم كان هيبقى اخر همها مدام الفلوس موجودة….
كز على أسنانه وحسم آمره بتلك اللحظة مستمعًا لشيطانه..والذي حثه وذكره بعرض صديقه….
*********
في تمام الثالثة صباحًا…
همس “أشرف” متسائلًا بحيرة:
-هنعمل ايه؟
وهنخش أزاي!
رد “محمد” بخفوت:
-متقلقش أنا مضبط مع البواب بتاعهم وانهاردة فرصتنا عشان ادوه إجازة…
استوقفه “أشرف” متمتم بخوف:
-انا مش مطمن..
نهره صديقه مغمغم:
-متبقاش جبان كدة..وبعدين انا عامل حسابي متخافش..ودلوقتي هنط وهفتحلك من جوة..يلا…
انتهى مستقلًا ذلك السور..جالت عيناه بالأرجاء يتأكد قبل هبوطه بخلو المكان..وما ان تأكد حتى قفز سريعًا…
في ذات الوقت..
برقت عين “فجر” التي كانت تسير بالحديقة تستمع بالهواء النقي بعدما فارقها النوم فقد رأت شخصًا مجهولًا..يرتدي ملابس سوداء..يقفز من اعلى السور..ويتلفت حوله…مقتربًا من البوابة الكبيرة الخارجية للقصر..
تحركت سريعًا وعادت للداخل راغبة بمناداه “محمود” فقابلت بطريقها وعد التي كانت تجلب المياه وتتجه نحو غرفتها…
تساءلت وعد ساخرة:
-في ايه يا بت مالك كانك شايفة عفريت..
ابتلعت فجر ريقها وقالت بخوف وهي تشير للخارج:
-حرامي يا وعد حرامي في الجنينة..وشيفاه بيفتح البوابة لحد هو عم عبده فين..
ردت عليها وعد المصدومة من تواجد لص في فناء منزلهم..
-مشي..انا اديته إجازة…
حركت فجر رأسها بضيق وتابعت سيرها نحو غرفة محمود كي تبلغه متمتمة بحنق:
-يخربيتك هنموت بسببك وبسبب غبائك…
عقبت وعد بتوعد وغضب طفيف:
-نموت ده ايه..ده عليا وعلى اعدائي..ده نهارهم مش فايت..
انتهت مهرولة عائدة للمطبخ جالبة سكين كبير..وخرجت للخارج..
قابلت بوجهها كلا من محمد وأشرف..الذي تيبست ساقه..
بينما جحظت عين محمد وابتلع ريقه وركض تاركًا اشرف بمواجهتها…
دنت من اشرف الذي توقف عقله عن التفكير بحركة مباغته عندما لاحظت استعداده للهروب هو الآخر مرددة بتحذير وأعين تشع غباءًا:
-أثبت مكانك…أنت مين.
-أنا أشرف..
-أشف اسمك أشف..
ضيق عيناه وعاد يكرر اسمه على مسامعها محاولًا تفادي السكين القابع بيدها وتشهره بوجهه:
-أشف ده ايه يا ستي بقولك أشرف…
-أشف…
ضاق ذرعًا من سخريتها من اسمه وتعمدها نطق حروفه بصورة غير صحيحة فصاح متناسيًا وضعه للحظات:
-يادي النيلة السودة بقولك أشرف..أنتي عندك مشكلة في السمع ولا إيه يا حاجة…
-لا يا اخويا معنديش وعرفت أن اسمك أشف وبعدين مالك مبسوط اوي كدة لية وانت بتقولوا بتحسسني أن اسمك جاسر..ولا أدهم..ده انت أشف… وحرامي..اشف يا حرامي..
اغمض عيناه وكز على اسنانه بنفاذ صبر:
-اللهم ما طولك يا روح…يا ستي أنا اسمي اشرف وكان يوم منيل يوم ما دخلت البيت ده…وشوفت خلقتك…وكرهت أسمي… يا ولية بقولك أشرف….أ…شين….راء…فاءءءءء…
-ولولووو عليك يا بعيد..يعني حرامي..ولسانك طويل واسمك اشف واهبل وبتقول اسمك..ده انت امك داعيه عليك..و وقعت في ايد من لا يرحم..
خرج محمود بتلك اللحظة..وسريعًا ما انخلع قلبه عندما وجدها تقف بمواجهته وتتساير معه وتشهر السلاح في وجهه..
نادى محمود عليها..وقدميه لا تكف عن الركض..
-وعــــــــــــــــــد
التفتت وعد تحدق به بنظرة خاطفة…
لكنها كانت كفيلة لتجعل أشرف يسحب السلاح منها ويقذفه بعيدًا…ثم يهرب هو الأخر وينقذ ذاته… مردد بصوت عالي وصل إليها قبل أن يختفي عن انظارها مغتاظًا منها:
-سلام يا أستاذ
رعـــــــــــد
..
…
__يتبع__
فاطمة محمد.
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية كارثة الحي الشعبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.