رواية الحب كما ينبغي الفصل الثالث والسبعون 73 – بقلم فاطمة محمد

رواية الحب كما ينبغي – الفصل الثالث والسبعون

الفصل الثالث والسبعون

الفصل الثالث والسبعون

متنسوش الڤوت قبل قراءة الفصل وكومنت برأيكم بعد القراءة❤✨

______________________

الحب كما ينبغي.

فاطمة محمد.

الفصل الثالث والسبعون:

ظلت طوال الليل تراجع نفسها وتقلب الأمر في رأسها.

ما تفعله لا يعجبها وكذلك ما يفعله وكأنهما مراهقان لم ينضجان بعد.

ومع طول تفكير و وقت كبير، حسمت أمرها وقررت السير خلف قلبها وأهوائها وتلغي العقل وتبعد المنطق وتبدأ معه من جديد تنسى ما مر وفات، لن تفكر من أخطأ ومن لم يفعل، فقط ستشفق على قلبها.

وفي النهاية وكما خمنت اليوم بأنه قد يأتي بعد إغلاقها هاتفها أتى بالفعل ليؤكد لها حبها وأنها قد حفظته وصمته.

وفي الوقت الحالي لم يتخطى صدمته بعد من موافقتها السريعة تلك المرة، فقد كان يتوقع شيء أخر ولكنها خالفت توقعاته.

ضاقت عيونه وسألها بترقب:

-اللي أنا سمعته ده بجد!! ولا أنا بخرف!

تلك المرة لم تمنع بسمتها من الارتسام على شفتيها، تركتها تظهر للعلن، تؤكد له صحة ما سمعه:

-لا بجد، شكلك مش مبسوط وكنت بتتقدم عزومة مراكبية و…..

-مش مبسوط؟؟!!! ده أنا محدش مبسوط قدي دلوقتي!!! أنا روحي رجعتلي!!! أنا….

قاطعته قبل أن يتابع وصلة الكلمات التي من المؤكد ستفعل بها وبقلبها الصغير العاشق الكثير والكثير ولن ترحمها:

-أنا موافقة بس عندي شرط.

ومثلما توقع أنها لن توافق اليوم وستعاند وترفض مثل المرات السابقة هي أيضًا توقعت أن يعترض أو يستنكر كلمة “شرط” والتي يبغضها أغلب الرجال، فكانت نتيجة كلمتها أنه أيضًا خيب ظنونها عندما علق بعيون عاشقة:

-شروطك أوامر، ومش بس شروطك دي طلباتك كمان، أمريني الجميل عايز إيـه؟

رفرف فؤادها من كلماته العذبة، ومثل طفلة صغيرة مدللة من قِبل والدها، أخبرته بغيرة ظهرت له وضوح الشمس وهي تعقد ساعديها أمام صدرها:

-أنا مش هتجوز في الشقة اللي كنت هتجوز فيها عشان تبقى بس عارف، أنا…..

تولى هو أمر مقاطعتها تلك المرة وصرح لها:

-ومين قالك أني هقعدك في نفس الشقة، أنا المفروض كنت أقعد في شقة في نفس عمارة يوسف ومحمد بما أن جدي عملها أساسًا عشان نسكن سوا في عمارة واحدة، بس أنا مرضتش اقعد في نفس العمارة وأكيد معلومة زي دي أنتِ عرفاها، أنا مكنتش حابب أشوفك واحتك بيكي عشان كدة خدتها برة، بس دلوقتي نقدر نقعد في نفس العمارة واضبط شقتي وفي نفس الوقت تبقي مع إسلام وبرق وروضة وضياء، أما لو هتسأليني وهتعمل إيـه في الشقة دي هقولك بيعتها خلاص وراحت لحال سبيلها، سيبك بقى من الموضوع ده وقوليلي تحبي أجيب أهلي ونيجي أمتى.

حقًا قلبها يرفرف، يرفرف كمن وجد طوق النجاة بعد أيام كثيرة من السباحة والمعافرة كي لا يستسلم للغرق، بل ظل يعافر حتى وصل لشط النجاة……

-أنت عايز أمتى؟.

-دلوقتي لو ينفع.

وببسمة خجل قالت وهي تتفادى عيونه:

-ما هو مش هينفع قول ميعاد عدل، متستعبطش.

-خلاص نخليها بليل شوية بلاش دلوقتي؟ حلو بليل، وبعدين ما تبصيلي كدة عيب والله ابقى بكلمك وبصة على الأرض ولا أنتِ بصة على جزمتي ولا بصة على إيـه بضبط.

مزح معها مخفضًا بصره هو الأخر ينظر للأسفل لعل عيونه تلتقط ما تحملق به.

فما كان منها إلا أنها رفعت بصرها تناظره قائلة بضيق:

-امشي يا صابـر، غيرت رأيي مش موافـ..

-طب قوليها وكمليها عشان اطبق في زمارة رقبتك، بس قوليلي إيـه سبب التغيير والتبدل الرهيب ده ها؟؟ ده أنا لحد امبارح كنت عمال اجري والف وراكي ولا كأنك حرامية.

رفعت حاجبيها وقالت مراوغة كي تبدل الحديث وتتهرب من الجواب على سؤاله:

-أنا حرامية يا صابـر.

-حرامية وستين حرامية يا قلب صابـر، سرقتي قلبي ومخلياه معاكِ، استوليتي عليه عيني عينك.

-عادي ما أنت سارق قلبي ومخليه معاك برضو ومقولتش حاجة.

فور انتهائها سارعت بالولوج وإغلاق الباب دون منحه فرصة استيعاب لكلماتها المصرحة المعترفة بعشقها له هي الأخرى.

وما أن استوعب ما قالت وما فعلت رفع يده وطرق على الباب على يقين أنها لا تزال خلفه لم تبتعد بعد:

-افتحي ياجهاد، افتحي وعيدي اللي قولتيه في وشي تاني عشان معرفش مالي شكلي فقدت سمعي من الجري وراكي امبارح، هتسأليني إيه العلاقة هقولك معرفش، بس افتحي، افتحي لسة مقولتيش اجيلك أمتى طيب.

وصل له صوتها وهي تخبره:

-تعالى بكرة..سمعتني؟؟؟ تعالى بكرة اديني قولتها مرتين عشان سمعك اللي تقل.

___________________

بعد ذهاب صابـر أخبرت جهاد شقيقاتها بما جد وموافقتها أخيرًا على الزواج بـه.

وأنهالت عليها التهنئة والمباركات ولم تتناسى أخبار إسلام وبـرق كذلك واللتان سعدا بدورهما.

وبعد وقت ليس بالكثير اقترحت جهاد عليهم الخروج معًا وتناول العشاء في الخارج وعلى الفور حظت الفكرة على إعجابهم، وكما لم تتناسى جهاد أمر شقيقاتها في أخبارهم بهذا الخبر السعيد لم تتناسي أي من روضة وضياء أخبار كل من أحمد و آسـر بخروجهما لتناول العشاء بالخارج وكما هو متوقع لم يعارض أي منهما بل وافقا ورحبا بكل صدر رحب.

استعدت الفتيات وأضحى الجميع جاهزًا وأثناء مغادرتهم نطقت جهاد تخبرهم:

-أنا كلمت سارة على فكرة قولتلها تنزل تتعشا معانا وزمانها على وصول فخلونا نستعجل يلا.

وتزامنًا مع وجودها داخل المصعد وصل لها رسالة من صابـر كتب لها بها تلك الكلمات:

-بعد ما مشيت من عندك كلمت أبوكي اللي هو خلاص اعتبارًا من النهاردة بقى حمايا رسمي و قولتله على بكرة زي ما قولتي، وكمان كلمت زهـر بلغتها عشان متزعلش مني تاني أني خدت خطوة من غير علمها.

فقط اكتفى بهذا القدر حول والدها، بخل عليها بما قاله شكري، وربما يلاعبها قليلًا بتوقفه عند هذا الحد وعدم أخبارها إذا كان وافق أو لا، مما جعلها تكتب له بطريقة متعجلة متخطية الجزء الخاص بأخباره لزهـر:

-طب وبابا قالك إيـه!! وافق ولا لا.

فارقت المصعد رفقة البقية وبعدها البناية حتى وصلت لسيارتها وقبل أن تصعد قرأت كلماته الأخيرة بالنسبة لها وذلك نظرًا لعدم تعقيبها وتعليقها عليها:

-وهو يقدر يقول لا؟؟؟ ده أنا ارتكب جريمة وجناية، من النهاردة لا من اللحظة دي مفيش حاجة بعون الله هتقدر تبعدني أو تفرقني عنك حتى أنتِ ولو فكرتي مجرد تفكير هاجي اخطفك أنتِ فاهمة؟؟؟.صحيح مش حبة تسأليني روحت ولا لا وتطمني عليا؟

انتظر رد منها، وظل منتظرًا ما يزيد عن الخمس دقائق، وخلال ترقبه ذاك قرر الترجل من السيارة ودخول المنزل ولكن دون أن يدس الهاتف في جيبه، بل ظل ممسكًا ومحتفظًا به بين يديه يتلهف لمتابعة الحديث معها، شاعرًا بسعادة تجعله يكاد يجزم أن قلبه على مشارف مغادرة جسده.

ولج وطل على أفراد عائلته المتجمعة وبدون مقدمات كان يعلن ما حدث اليوم ويلقي الاخبار السعيدة:

-جهاد وافقت نتجوز، وأنا كلمت أبوها وهنروحلهم بكرة.

تهللت أسارير جابـر وثراء وسارعت الأخيرة بسؤاله سعيدة مدركة حبه الواضح لها، ومن لا يعلم في أفراد عائلته بعد بعشقه هذا!!

-بجد يا صابـر؟؟؟

منحها بسمة صغيرة يهز رأسه يؤكد لها:

-بجد يا أمي.

بينما دنا منه جابـر متمتم بفرحة لم يخفيها يعانقه:

-ألف مبروك ياحبيبي، أخيرًا عقلت بعد ما جننتك وجننتنا معاك، أنا بجد مش مصدق.

علق أحمد ببسمة واقفًا على مقربة منه، منتظرًا دوره وابتعاد والده كي يهنئه ويعانقه هو الأخر:

-أنا بقى مصدق بصراحة وكنت متأكد أن ده مصيره يحصل، الاتنين بيحبوا بعض بس بيكابروا أو بيعندوا ودماغهم كانت محتاجة تكسير، بس الحمدلله فاقوا قبل ما نكسرها زي جوزة الهند كدة.

في ذات الوقت جاء سلطان وعلم الخبر وبارك لصابـر وكذلك أنهال عليه البقية من كبار وشباب عائلته يتمنون له السعادة والتوفيق فيما هو قادم وكذلك فعل قُصي الذي لم يغادر بعد وبقى طوال اليوم معهم.

وبعد ربع ساعة تقريبًا، اجتمع الشباب في غرفة آسـر.

وكالمعتاد الهاتف في يد قُصي، لا يزيح عيونه عن شاشته، أما فريـد فكان يتسامر مع صابـر وأحمد ويشاركهم آسـر، ومن حين لأخر كان يبصر صابـر هاتفه يتأكد من أنها لم تجيب بعد ثم يدسه مجددًا في جيبه يحاول الثبات تلك المرة رغم صعوبة الموقف.

ثواني وقطع قُصي حديثهم بعد أن رأى تحديث بواسطة سـارة على تطبيق الأنستجرام وقد كانت صور عدة تجمعها بالفتيات وأخرى جهاد وأخرى بمفردها، لذا لمعت عيونه ولم يتمهل وسأل على الفور يبصر الثلاث شباب، متحدث بمكر ونية غائبة عنهم:

-هو أنت قاعد هنا أنت وهو وهو والبنات برة لوحدهم والله عيب على شنباتكم ودقنكم.

تساءل صابـر والذي كان من بين الثلاث لا يعرف بأمر خروجهم:

-بنات مين؟؟ قصدك جهاد ولا مين؟!

وببراءة وطريقة طفولية بحتة هز قُصي رأسه يؤكد له:

-أيوة جهاد مراتك المستقبلية، ومرات البيه ومرات الأستاذ.

وعلى الفور فارق مكانه والتهم المسافة التي تفصله عن قُصي، ينتشل الهاتف من يده دون تفاهم ولسانه لا يصمت:

-برة إزاي يعني بليل كدة وهما بنات لوحدهم معهمش راجل، وريني كدة الزفت ده.

ناظرة قُصي بضيق وعلق باعتراض:

-طب ما تشوف في الزفت بتاعك اسهل، وبعدين متقولش على موبايلي زفت عارف الزفت ده عامل كام، ده أنت المفروض تحترمه وترفعله القبعة احترامًا وتقديرًا لثمنه.

بعد انتهاء قُصي لاحقه أحمد في الحديث يخبر ويوضح لأخيه:

-روضة قالتلي أنهم خارجين يتعشوا برة ومش هيتأخروا متقلقش وغير كدة أنا كل شوية ببعت اطمن.

كذلك عقب آسـر، يسأل صابـر الذي يمعن النظر في الصور التي تتواجد بهم ويقلب بشكل سريع:

-إيـه رد الفعل الأوفر ده، ما يخرجوا ويتعشوا وينبسطوا، إيـه هنحبسهم يعني ونخنقهم ونقولهم ممنوع يخرجوا من البيت، أنا عن نفسي معنديش استعداد احبس مراتي ولا اعمل عليها سي السيد، أنا اللي يفرق معايا هي وعايزها دايمًا مبسوطة، مش هيبقى أحنا وأبوهم يا عم صابـر.

رفع أحمد كفيه يبرئ نفسه هو الأخر:

-ولا أنا بصراحة عندي استعداد احبس زوجتي واعمل عليها برضو أستاذ سيد، وزي ما قال آسـر آسـورة كفاية أبوهم.

هنا وجاء الرد من صابـر الذي صاح بالاثنان:

-أنتوا مجانين؟؟؟ حد قالكم أني عايز احبسها واعمل عليها سي السيد!!!

وبترقب وعدم فهم سأل فريـد الحائر في أمره وعجز عن فهمه:

-أومال عايز إيه واضايقت ليه كدة.

-عشان خايف يا بهايم، مشفتوش زفت عادل عمل إيه وأحنا عندهم في البيت!!! وبعدين دول شلة بنات وممكن أوي أي شلة صايعة تضايقهم أو تعاكسهم.

وبتفكير هتف أحمد:

-ومش شرط شلة ممكن واحد صايع ضايع زي قُصي كدة يشوفهم بنات لوحدهم فعلًا يضايقهم، أنا ليه مفكرتش كدة بجد معأن الكلام متوقع، أنا غبي للدرجة دي.

وبعصبية ردد قُصي:

-ما تحترم نفسك يا أحمد.

ظن أحمد بأنه يعنفه بسبب كلماته الأخيرة في حق نفسه، وبعدم تصديق سأله:

-يا حبيبي يا قُصي للدرجة دي شايفني زكي وأضايقت أني بقول على نفسي غبي؟؟؟

-يا عم ما تولع أنت، متقولش عليا صايع وضايع تاني أنت سامع يا أحمد؟؟؟

انكمش وجه أحمد اشمئزازًا وقبل أن يصدر أي تعقيب جديد منه، هتف صابـر متذمرًا من آسـر وأحمد، قائلًا:

-أنا مش فاهم بصراحة أنتوا بتفكروا إزاي، حد فيكم يعرفلي حالًا هما فين.

__________________

تتوسط زهـر الأريكة، منتهزة نوم ابنتها، وتواجد وسـام داخل المطبخ يعد لهما مشروب، الهاتف على أذنيها تحاول الأتصال على ريهام والتي لا تجيب عليها منذ الصباح، جاهلة إذا كانت تتعمد تجاهلها وعدم الرد بعد ما بدر منها في كتب الكتاب، أم أنها منشغلة لتلك الدرجة التي لا تسنح لها فرصة الإيجاب.

ولكن الاحتمال الأكبر والتي تشك بـه بنسبة أكبر هو تجاهلها تعبيرًا عن ضيقها وحنقها من تصرفها الذي وضعها في موقف محرج أمام الرجل الغريب عنها “فريـد.”

انتهى الأتصال دون رد منها، مما جعلها تزيح الهاتف عن أذنيها مقررة تكرار الأتصال وألا تكف حتى تجيب.

“بقى كدة يا ريهام مبترديش عليا طب والله ما هسيبك غير لما تردي عليا.”

مرة أخرى…لاحقها مرة ثالثة وتزامنًا مع خروج وسـام وظهوره حاملًا كأسان من العصير بحذر، خرج صوتها منتفضة من جلستها وهي تصيح عليها لا تمنحها فرصة لقول أي شيء بعد أن ردت:

-أخيرًا رديتي على اللي خلفوني!!!! لعلمك دي كانت أخر محاولة ومكنتش هعبرك تاني.

كاذبــة، لم تكن ستتوقف بعد، والآن تصرخ عليها بأي شيء يهندم موقفها وربما بتلك الطريقة تقلب الطاولة على رأسها، بينما فزع وسـام من صراخها وهتف بدهشة:

-هششش، نـور نايمة وطي صوتك هتقلقيها.

خرج صوت ريهام هادئًا، تبصر الطريق أمامها تشق طريق العودة حيث منزلها:

-عايزة إيه يا زهـر.

فعلت زهـر كما أخبرها وسـام وأخفضت من نبرتها المغتاظة:

-كمان بتقوليلي عايزة إيـه يا زهـر ما تيجي تلطشيني قلمين كمان بالمرة، أنتِ مبترديش عليا من بدري أوي ليه يا هانم، ممكن أعرف مبترديش ليه؟ كنتي مشغولة ومسمعتيش الفون صح؟

-لا غلط مردتش عليكي علشان مش عايزة أرد عليكي وأنتِ عارفة عملتي إيـه كويس أوي.

ادعت زهـر الغباء وسألتها تتبادل النظرات مع وسـام المراقب بصمت بعد أن جلس جانبها ويرتشف من كأس العصير بكل هدوء وتلذذ:

-عملت إيـه؟؟؟ أنا عملتلك حاجة؟؟ أنا يا وسـام عملت حاجة لريهام تضايق بذمتك يا شيخ.

هزت رأسها له أثناء حديثه كي ينفي فعلها شيء ويقف معها ولكن كلماته كانت عكس رغبتها:

-عملتي آه.

اتسعت عيونها واستمعت إليها وهي تردد:

-شوفتي بقى.

وعلى الفور كتمت زهـر الصوت وهتف بضيق واضح من زوجها:

-هو أنا مش بقولك تقول لا مقولتش لا ليه أهي مسكت في الكلمة.

-ما أنتِ قولتيلي بذمتك؟؟ اكدب يعني ما أنتِ عملتي فعلًا!!!!

-لا تكدب إزاي ميصحش، اللي يصح أنك تشلني.

ثم ألغت كاتم الصوت واسترسلت محل توقفها:

-ده سوء فهم منك على فكرة أنا مش قصدي أضايقك، أنا بعمل لمصلحتك اللي أنتِ متعرفيهاش، فريـد ده….

قاطعتها ريهام ترفض حديثها عنه معها بأي شكل من الأشكال:

-زهـر ممكن متجبيش سيرتة ولا سيرة أي راجل معايا، أنا بحبك ومبحبش ازعلك مني ولا حتى بحب نزعل من بعض، عشان كدة قفلي على الموضوع ده ومتفتحيهوش تاني واحترمي رغبتي بعد أذنك.

وباستسلام غير معهود هتفت زهـر:

-ماشي يا ريهام اللي تشوفيه أنا غلطانة ومن هنا ورايح مش هفتح الموضوع ده تاني واعتبريه اتقفل بقفل، خلي الواد يضيع من أيدك.

-زهــــر.

نطقت ريهام بتحذير، فسارعت الأخيرة بالتعقيب تبرر:

-خلاص سكت، أنتِ فين؟

-مروحة لما أوصل هكلمك يلا سلام خليني اركز في السواقة.

-ماشي هستناكي سلام.

بعد إغلاقها معها وضعت يديها على ذقنها تبصر وسـام تسأله بتفكير:

-تفتكر ممكن ريهام وفريـد يقربوا من بعض ويجتمعوا إزاي، ما تفكر معايا.

وبدهشة سألها:

-هو مش اتقفل بقفل برضو من شوية.

-لا ما هو مفتاح القفل معايا عادي، وبعدين ده كلمتين بقولهم عشان تهدأ بدل ما هي شايطة.

زفر وسـام ثم نطق ينصحها:

-ما تطلعي نفسك من الموضوع ده وبعدين لا هي ولا فريـد مايلين للموضوع ده، فـ أنا كوسام شايف أنك تقفلي الموضوع ده فعلًا خاصة أنه باين أنها مضايقة.

ابتسمت بسمة ساخرة ثم رددت بتهكم:

-مين ده اللي مش ميال!! فريـد!!!! طب إيـه رأيك بقى أنه ميال وميال، مشفتوش يا بني ساب الرقص إزاي وجه وقف معانا! أوعى تكون فاكره جه يقف معانا حبًا فينا ده كان عايز يفتح كلام مع ريهام.

-أنتِ بتجيبي الكلام ده منين!!! هو يعرفها يا زهـر!! أنا شايف أنك بتوهمي نفسك ومفيش حاجة من الكلام ده خالص.

وقبل أن تجيب وتعلق، صدح صوت رنين هاتف وسـام، ولكي لا تستيقظ ابنته على صوته ترك الكأس من يده ونهض سريعًا كي يأتي بـه وما أن حدث وأضحى بين يديه حتى أطال النظر بزوجته وهو يقترب يخبرها رافعًا الهاتف أمام ناظريها:

-ألحقي ده فريـد.

كبحت زهـر بسمتها وقالت تشجعه:

-طب رد عليه بسرعة وأنا وأنت أهو لو مش بيتصل عشان يفتح سيرة ريهام.

بعدها تنحنح وسـام وأجاب عليه وهو يعود جالسًا بجوارها:

-أيوة يا فريـد.

-أنتوا فين يا عم محدش بيشوفكم ليه؟؟

ارتفع حاجبي وسـام وردد يمنع بسمته من الارتسام:

-ألف سلامة عليك يا حبيب قلبي أحنا كنا لسة معاكم امبارح مالك كدة!! أنت مش عجبني خلي بالك.

هنا واوصد فريـد عيونه وضم شفتيه يسب نفسه وغباءه، ابتلع ريقه ثم تابع:

-كتير…ليه مش نشوفكم النهاردة، ليه من امبارح لا كتير، صحيح عرفتوا اللي حصل مش صابـر اتوافق عليه وبكرة هيروحوا بيت العروسة.

أكد وسـام معرفتهم، وقال:

-عرفنا آه صابـر كلم زهـر قالها، ما تيجي دوغري يا فريـد متصل ليه وعايز إيـه ومتقنعيش أنه عادي.

وضعت زهـر يدها على فمها تمنع ضحكتها من الإنفلات، بينما سيطر التوتر على فريـد وخرجت الحروف متلجلجة:

-لا هو عادي فعلًا هو ممنوع أكلمكم ولا إيـه.

هنا ودوى صوت زهـر عاليًا متناسية أمر نوم ابنتها:

-يا ريهام تعالي اقعدي بقى، أنتِ جاية عندي تقعدي معايا ولا نشقيكي.

هنا وأزاح وسـام الهاتف وهتف من بين أسنانه وبصوت خافض شبه هامس:

-ما توطي صوتك نور نايمة.

اتسعت عيونها و وضعت يدها على فمها من جديد:

-يالهوي نسيت.

ثم تابعت وبذات الهمس:

-بقولك إيه اقفل معاه ولو حصل وسألك هي هنا قوله آه خلينا نشوف هيعمل إيـه وافتح الاسبيكر خليني اسمع.

بينما على الطرف الأخر تنحنح قليلًا ما أن سمع اسمها وفهم من كلمات زهـر أنها في المنزل معها، بلل شفتيه وسأل وسـام:

-هو في حد عندكم ولا إيـه.

كان وسـام قد رضخ بالفعل لمطلب زهـر وفتح مكبر الصوت، وما أن سمع الاثنان سؤاله بخصوصها الغير مباشر ومراوغ بشكل كبير، هزت زهـر رأسها لزوجها كي يؤكد له:

-آه..ريهام صاحبة زهـر، يلا اقفل بقى خليني اشوف نور عيني واقعد معاها شوية.

وبالفعل أغلق معه وأنهى المكالمة، اتسعت بسمة زهـر وتراجعت بظهرها للخلف تريحه وهي تمتمتم:

-تحب أبصملك بالعشرة دلوقتي أنه هيأخد بعضه ويجي على هنا.

على الجانب الأخر وبعد علمه بتواجدها في منزل وسـام وزهـر، لم ينتظر وجد ما يدفعه لمفارقة فراشه والذهاب نحو الخزانة.

انتقى قميص أسود اللون، وسروال من الجينز باللون الأبيض، هندم خصلاته سريعًا وارتدى ساعة معصمة ونثر القليل من عطره، ثم انتشل هاتفه وميدالية مفاتيحه وسارع بالذهاب من المنزل………..

__________________

-كفاية تصوير بقى يا ولية، كفاية وكُلي يا تقومي أنا غلطانة أني كلمتك.

زمت سـارة شفتيها وهي تنصت إلى كلمات جهاد المعنفة والتي تحثها على التوقف والكف عن ألتقاط الصور سواء لهم أو بمفردها أو حتى الطعام المتنوع الموضوع على الطاولة قبالتهم.

أخفضت يديها واعتدلت قليلًا في جلستها واضعة الهاتف قبالتها أعلى الطاولة معلقة بتذمر طفولي:

-اديني سبته وبعدين مكنوش كام صورة يعني اللي خدتهم واحمدي ربنا أني مفتحتش لايف.

-لا لايف لا أنا عايزة أكل براحتي أقولك أنا غلطانة اتصوري تاني إن شاء الله عنك ما كلتي، اللي يأكل على ضرسه بينفع نفسه مش حد تاني.

تأففت سـارة ثم مالت قليلًا على أذن جهاد وهمست لها بطريقة مازحة، مدركة من جهاد شخصيًا موافقتها على صابـر:

-أنا هسكت عشان أنتِ بس عروسة ومن حقك تدلعي فـ أنا سكوتي مش معناه أني مش عارفة أرد عليكي سكوتي ده عشان أنا عايزاكي تدلعي.

وقبل أن يستكمل الحوار بينهما، قطعهما صوت تحفظه عن ظهر قلب وتعشق صاحبه عشق لم تدرك بوجوده قبل أن تراه وتتلاقى بـه:

-مساء الخير.

حركت رأسها تبصره كي تصدق وجوده ومجيئه، تجاهلت سلامه وسألت دون تفكير وعلى مسمع ومرأى من البقية:

-أنت إيـه اللي جابك وعرفت منين أني هنا!!!!

وكأن عقلها توقف عن التفكير وإدراك أن روضة وضياء هما السبب.

وعلى ذكرهما تغلغلت الفرحة قلوبهما ما أن رأت كل منهما زوجها.

فالابتسامة العريضة التي قبل أن تكون مرسومة على وجه أحمد وشفتيه كانت تلمع في عيونه وهو يرتكز ببصره عليها يحاول أن يشبع من رؤياها ولكن هذا لا يحدث أبدًا وكلما تطلع بها وأطال النظر أكثر وأكثر يتوق لها أضعاف مضاعفة ويتمنى أن تظل معه طيلة حياته وليست لدقائق أو ساعات قليلة في يومه.

كذلك كان حال آسـر والذي سعده ولاحظ ألتفاتها نحوه سواء كان برأسها أو جسدها كي تتمكن من رؤيته بعد أن كانت توليه ظهرها ويقف خلف مقعدها، وفور تلاقي عيونهما تبسم وجهه لها وبحركة عفوية لم تتوقعها أن تحدث قام بإلقاء قبلة في الهواء لها، جعلت الخجل يتسرب لها واعتدلت في جلستها من جديد، لكنه لم يرحم أي من قلبها ودقاته، استند بيديه على مقعدها ومال نحوها يهمس لها بما لم يسمعه سواها وكان هذا هو المطلوب:

-وحشتيني.

وكما توقع لم تجيب ورغم عدم تمكنه من رؤية وجهها ولكنه يجزم على أن وجهها الآن أصتبغ باللون الأحمر.

انتشلها من حالتها صوت جهاد المتساءل:

-أنتوا اللي قولتوا أحنا فين؟

خرج صوت صابـر سابقًا روضة وضياء، مناديًا على النادل كي يضع طاولة أضافية وبضعة مقاعد تكفي عددهم، لحظات وكانوا جميعًا جالسون مع بعض التغييرات والتبديلات الملائمة لجعل أحمد يجلس بجانب روضة وآسـر بجوار ضياء.

ثبت صابـر عيونه عليها يسترسل الحديث يجيب على سؤالها التي لم تحصل على جواب له بعد:

-بما أننا قعدنا خليني بقى أرد على سؤالك لاخواتك وأسألك أنا زعلانة ليه وإيـه اللي مضايقك أن أخويا وابن عمي حبوا يشوفوا مرتاتهم!

ظنت بأن الجواب قد انتهى عند تلك النقطة ولكن تلك الكلمات لم تكن سوى بداية وتمهيد لما هو قادم ويخصه هو:

-وأنا حبيت أشوفك أنتِ.

ثم حول بصره بكل تلقائية وببساطة كأنه لم يقل شيء وما كانت كلماته إلا كلمات عابرة، نحو قُصي الذي لم يفوت تلك الفرصة للمجئ وكان حديثه وذكر أمر الصور وخروج فتيات ما هو إلا تحفيزًا واستفزازًا للشباب للذهاب لهم ويراها هو الأخر:

-أما ده فـ معرفش إيـه اللي جابه.

تنحنح قُصي والذي كانت عيونه من الأساس لا تفارقها أو تبتعد عنها، يلاحظ انفعالها وتقلب وجهها الذي كان مبتسمًا قبل حضوره وتبدل ما أن لمحته وأصبح جالسًا معها على طاولة واحدة.

رد أحمد يبرر وجود قُصي:

-شبط فينا والله، قعدنا نقوله تيجي تعمل إيـه يقولنا عادي هقعد مع آسـر، اللي هو أساسًا مش قاعد معانا وفي عالم تاني.

كان محقًا بشأن آسـر فقد كان أصمًا عن حديثهم، كفيفًا عمن حوله لا يرى إلا هي.

وعلى سبيل المفاجأة نهضت سـارة حاملة لحقيبتها الصغيرة على كتفها وهاتفها بين يديها، حاسمة أمرها في المغادرة، فأخر شيء قد ترغب به الآن هو رؤية قُصي ومشاركته الطعام خاصة بعد ما صدر منه في حقها وليست لمرة واحدة!!!

-طيب أنا مضطرة امشي وهبقى أكلمك يا جهاد، سلام يا بنات، سلام يا أحمد سلام يا آسـر، ألف مبروك يا صابـر ربنا يتمملكم على خير.

تماسك قُصي رغم النيران المتأججة في صدره بسبب تعمدها تجاهله والتقليل منه فقد ودعت الجميع إلا هــــو وهذا ما لا يتحمله.

مسكت بها جهاد تسألها بدهشة:

-أنتِ رايحة فين؟؟ كملي أكلك.

تحججت كاذبة:

-لا شبعت خلاص الحمدلله، وبعدين عندي كام حاجة عايزة اعملهم قبل ما أروح وهبقى أكلمك، يلا هاتي بوسة.

قامت بتقبيلها ثم بعثت قبلة للفتيات في الهواء مستعينة بيديها ثم فارقت المطعم بأكمله، لا تدري عما فعلته به، فقد قامت بإيصاله لذروة غضبه، عضبه الذي لا يدري أكان منها أم من نفسه!!!

أوصد جفونه يحاول تمالك أعصابه يشجع نفسه على الثبات وألا يتهور ويفعل ما لا يحمد عقباه ولكن بالنهاية فشل ورفض أن يترك ذلك اللقاء بينهما يمر مرور الكرام.

هب من جلسته وعند سؤاله من أحمد إلى أين هو ذاهب كان الرد هو:

-هعمل مكالمة مهمة وجاي.

بعد رحيله هو الأخر، نال مقعد سـارة المجاور لجهاد إعجابه ولم يتردد في النهوض والجلوس عليه تحت مراقبتها بعد أن توقفت عن تناول الطعام، نظرت داخل عيونه وسألته بترقب:

-أنت بتعمل إيـه.

-بقعد جمبك ممنوع ولا إيـه؟ وبعدين خدي هنا أنتِ مبترديش عليا ومعلقاني ليه أنا بعتلك من بدري، والأهم من ده كله لما كنا بنكلم مقولتيش ليه أنك نازلة تتعشي برة.

ارتفع حاجبها ورأت حديثه ليس مؤشر بالخير على الإطلاق، قائلة بحنق مستعينة بكلمته الذي قالها منذ لحظات:

-ممنوع اخرج اتعشى مع أخواتي ولا إيـه؟ عايز تتحكم فيا من دلوقتي؟

استنكر كلمة “تحكم” وكررها على مسمعها بتهكم:

-اتحكم!! ده مش تحكم يا جهاد.

-أومال نسميه إيـه لو مش كدة.

-نسميه خوف عليكي، حب فيكي، سميه زي ما أنتِ حبة بس خليكي عارفة أنـه بعيد كل البعد عن أنه يبقى تحكم، بس على الأقل تبقي معرفاني أنتِ رايحة فين وجاية منين.

كان يرغب في ذكر المدعو “عـادل” والذي لم يحبه ويبغضه منذ اللحظة الأولى الذي رأه بها، يخبرها كيف يخاف ويرتعب من أن يتعرض لها مجددًا وألا يكون معها ويحميها، لكنه امتنع عن ذكره واكتفى باخبارها عن مدى خوفه عليها.

وعلى غير المتوقع استمع إلى موافقتها وهي تنظر أمامها وتتحاشى عيونه وهي تمنحه ردًا تعرف بأنه سيحبه كثيرًا:

-ماشي، بعد كدة هقولك، حلو كدة مبسوط.

ابتسم بسمة جانبية لو كانت رأتها كانت ستجبرها على الوقوع في حبه مجددًا، قائلًا بطريقة شبه هامسة:

-عايزاني ابقى قاعدة جمبك ومنبسطش!!! ده حتى يبقى عيب عليا والله وابقى مبفهمش.

____________________

فتحت سـارة باب السيارة وقبل أن تخطو أي خطوة أضافية ويتحرك جسدها للصعود والجلوس بمقعدها، وجدت من يعيد إغلاق الباب وصفعه من جديد واقفًا كالسد المنيع بينها وبين الباب.

اتسعت عيونها وحملقت به بغيظ لم تخفيه مستمعة لسؤاله:

-رايحة على فين؟؟؟ مش هتمشي يا سـارة.

تلك المرة كانت اهدأ فقط تعابير وجهها تخبره بغضبها أما نبرة صوتها فكانت شبة عادية، متمتمة:

-أنت بتعمل إيـه؟؟ هو أنت ليه بتحسسني أني بنت خالتك!!! يا بني فـوق أحنا منعرفش بعض، لا أنا أعرفك ولا أنت تعرفني، ليه مصمم كل مرة أهزقك! بتستفاد إيـه أنا مش فاهمة.

ثم أطلقت زفيرًا وتحدثت بنبرة أكثر هدوءًا:

-وسع لو سمحت خلـ…..

-أنا أسف أنا عارف أني كنت قليل الذوق والأدب معاكي، اعذريني وسامحيني لو سمحتي، خلينا نبدأ صفحة جديدة، نبدأ على نضافة ومن أول وجديد خلينا نعتبر أن دي أول مرة نشوف بعض فيها أو بلاش أول مرة خليها تاني، علشان أنا مش ناسي أول مرة شوفتك وقعدنا سوا واتكلمت معاكي، أنا بجد ندمان ومضايق من نفسي.

الحديث لم يلجمها هي فقط، بل هو أيضًا كذلك وصدم من نفسه واستوعب ما نطقه به بعد انتهائه، لا يدري كيف حدث وقال ما قاله دون زيف أو كذب تلك المرة، ولكن اتفلتت زمام الأمور.

وأثناء تفكيره فيما يفعله الآن وكيف اعتذر ويرجوها لمسامحته، قالت هي تتذكر كيف جرحها وتطاول عليها بلسانه ولكنه كان مختلفًا تلك المرة لدرجة جعلتها تشتعر صدقه:

-حلو أنك تندم وتضايق من نفسك لما تحس أنك غلطان وغلط في حق حد عشان ده إن دل فيدل على أنك بتحس وعندك ضمير، بس سامحنى مش هقدر أوافقك ونبدأ صفحة جديدة زي ما بتقول، ده كان ممكن يحصل في حال أني مهتمة وأنت مهم بالنسبالي بس أنت مش فارق معايا، وبالنسبة لـ أسفك فمتخليهوش بلسانك خليه بأفعالك وأبعد عني، حاول متكلمش معايا تاني.

تسمر جسده من اعترافها بأنه لا يفرق معها في شيء وبعد أن انتهت علق بترقب وعيون قد ضاقت قليلًا:

-ولو قولتلك أني مش هعرف أشوفك ومكلمكيش؟؟ لو قولتلك أني مبعرفش أتحكم في نفسي قدامك وغصب عني بلاقي نفسي بجري عليكي وعايز اتكلم معاكي حتى لو هنتخانق وهنضايق بعض، حتى لو هتبطحيني يا سـارة.

وبدون تفكير قالت ساخرة:

-أنت مصدق نفسك؟ مصدق اللي بتقوله ده؟؟؟ قُصي أنا مش عيلة قدامك عشان تفتكر أنك أول ما تقولي الكلمتين دول هقع في غرامك وهموت فيك، لا مش أنا ولو بتفكر كدة فيا تبقى غلطان، أنا واحدة اتقرصت من الحب وبقيت كبيرة و واعية كفاية أني أقدر أعرف اللي قدامي بيحبني ولا لا.

ابتلعت غصة مريرة علقت في حلقها، ثم ألقت عليه كلماتها تلك:

-عـادل خاني بعدد شعر رأسي وأنت متفرقش عنه حاجة وأنا معنديش استعداد أغامر وأوافقك و واحدة واحدة تقولي أنك غصب عنك اتعلقت بيا وحبتني ومش قادر تعيش من غيري وطبعًا معروف لو وافقتك إيه اللي هيحصل، هتهمل فيا، الحاجات اللي كانت بتشدك فيا هتختفي وتتبخر وهتبقى مش شايف غير عيوبي وبس وده كفيل يا حرام يخليك تبص برة، أنا معنديش استعداد أعيش معاك قصتي مع عـادل من تاني، ابعد عني عشان أنا صعبة ومش هطولني مهما عملت، ونصيحة مني مضيعش وقتك أكتر من كدة.

حل السكون والصمت في الأرجاء من حولهم، عيونهما تتبادل النظرات.

لحظات وكانت تقطع تلك اللحظة تخبره بقوة وهي تبعد مرمى بصرها عنه:

-أنا خلصت اللي عندي ممكن اركب عربيتي؟

لم يبتعد، ظل مكانه يشعر بحيرة غير مسبوقة، يشعر بتناقض داخلي فهناك جزء يخبره أن يرحل ويرضخ لمطلبها في البعد عنها، وأخر لا يرغب في ذاك البعد ويتوق للحصول على موافقة وفرصة.

وذلك ما جعله لا يفهم نفسه.

هو لا يحبها.

نعم هناك إعجاب منذ فترة طويلة نحوها!!

ولكن الأمر لم يصل إلى الحب.

إذا ما الذي يحدث معه!!!!!!!!!!!!!

الكثير من علامات الاستفهام نشأت داخل رأسه لم يجد لها أجابات.

وقبل أن تفكر في الحديث مرة أخرى وأخباره بأن يبتعد عن سيارتها سبقها يلبي طلب الجزء المشتاق لنيل الفرصة، قائلًا:

-سـارة صوابعك مش زي بعضها، وأنا مش زي عـادل، أنتِ كدة بتظلميني على فكرة.

-عندي أظلمك ولا أني اظلم نفسي من تاني، وسع بعد أذنك.

ردها جعله يهتز ويرتجف رغمًا عنه، تحرك كأنه مسلوب الإرادة يفسح لها مجالًا للرحيل، كلماتها الأخيرة تتكرر على مسامعه وعيونه تراقب رحيلها وابتعادها تمامًا.

___________________

-مساء الخير، عاملين إيـه؟؟ وحشتوني ونـور وحشتني قولت لازم اجي اشوفها واقعد معاكم شوية، أوعوا أكون عطلتكم؟؟؟

ردد فريـد الواقف على أعتاب منزل وسـام و زهـر كلماته وعيونه تدور من خلفهم في محاولة للبحث عنها وربما التقاطها بعيونه.

وقبل أن يعلق وسـام الذي تولى أمر فتح الباب له، جاء صوت زهـر من الخلف مزيفة صدمتها من مجيئه، واضعة خمارها على رأسها:

-فريـد!!!! إيـه اللي جابك مقولتش يعني أنك جاي؟؟! تعالى اتفضل.

ولج فريـد ولا يزال يبحث عنها ولكن لا أثر، حك عنقه وهو يخلع حذائه يستفسر بطريقة رأتها زهـر بلهاء:

-أوعى أكون عطلتكم عن حاجة أو قومتك من القعدة مع صاحبتك.

وببسمة واسعة وعيون جاهزة لترصد رد فعله، أخبرته بخبث:

-قصدك ريهام، دي لسة ماشية يجي من خمس دقايق كدة لو كنت استعجلت شوية كنت لحقتها، هو مش أنت جاي عشانها برضو؟؟ أنت بتضحك على مين؟ ده أنا عجناكم وحفظاكم نفر نفر يا فريـد.

عقد حاجبيه وتصنع عدم الفهم، متمتم وهو ينظر لوسـام يشعر بالاحراج لإنكشاف أمره:

-هي مراتك بتكلم عن إيـه أنا مش فاهم حاجة!!

وقبل أن يتدخل وسـام صاحت زهـر:

-يا راجل قول كلام غير ده، واد يا فريـد أنا زهـر بنت جابر على سنح ورمح وأخت أحمد وصابـر، عارف يعني إيه؟؟ يعني بلقطها وهي لسة طايرة كدة، فمتعملهمش عليا، قال إيـه جاي يشوفنا ويشوف نور، تعالى ادخل عشان نتكلم، تعالى.

هز رأسه رافضًا وهتف وهو يرتدي حذائه من جديد:

-طب بالأذن أنا بقى وابقى أجيلكم وقت تاني.

-تمشي تروح فين امسكه يا وسـام.

-يمسكني إيـه هو أنا حرامي عايزاه يمسك فيه، هو في إيـه بجد!!!

ردت وهي تعقد ذارعيها أمام صدرها:

-كان في فخ يا أستاذ وأنت وقعت فيه بكل سهولة، ودلوقتي رد عليا بكل صراحة أنت بتحب ريهام؟؟؟ أو بلاش حب عشان مبقاش ببالغ وأوفر، معجب بيها حتى ولو إعجاب بسيط، وإياك إياك تكدب عشان مخليش وسـام يعلقك.

نفى فريـد وجود شيء كالحب أو الأعجاب وقال يبرر:

-يا ستي ولا حب ولا إعجاب هو أنا لحقت؟؟

-لحقت؟؟ معنى كدة أنك عايز وقت تلحق تحبها فيه؟؟؟ يعني النية موجودة وحاضرة صح؟؟

-لا غلط.

-ولما هو غلط جيت جري ليه لما قولتلك أنها هنا ها؟؟؟

هنا وشرح لها ببساطة وهو يهيأ جسده للفرار من هذا المنزل بعد انتهائه:

-يا ستي أنا حمار بوظت الدنيا لما وقفت معاها وقولت كلام عبيط وأهبل خلاها تشوفني قليل الرباية وأنا فعلًا قليل الرباية أني صدقتكم وجيت لحد هنا برجلي وسع يا عم وسـام وسع.

وقد كان وسارع بدفع وسـام الذي سهل أمر هروبه ولم يتصدى له بل منحه تلك الفرصة، وبعد هروبه زيف ضيقه منه وهتف:

-خد يـاض طب والله لما أشوفك تاني.

___________________

بللت جهاد شفتيها وتذكرت أمر هام يجب الحديث به مع صابـر والسؤال عنه ومناقشته، ولكن المكان هنا و وسط الجميع ليس بالمناسب ولن تأخذ راحتها كما أنها لا تفضل الحديث به عبر الهاتف، وربما تريد أخذه حجه لقضاء وقت أطول معه:

-صابـر.

-عيونه.

ارتجفت من رده الذي جعل قلبها يرفرف، استجمعت شتاتها ثم طلبت منه:

-هو ينفع نقوم نتمشى شوية برة ونتكلم كلمتين مهمين قبل بكرة؟؟؟

-أكيد يلا بينا.

تحرك الاثنان معًا وفارقا الطاولة دون النطق بكلمة، بينما تساءل أحمد الذي انتبه للتو إلى غياب قُصي منذ أن نهض وتغافل عن ذهاب الاثنان مخمنًا رغبتهم في الحديث بعيدًا عنهم، وعلى الفور تساءل:

-هو الواد الصايع الضايع اتخطف ولا إيـه.

ردت روضة بهدوء بعد أن ابتلعت ما بفمها:

-ممكن يكون مشي، كلمه كدة شوف راح فين.

-مش هكلم حد أنا، أنا مش عايز أفكر ولا أركز مع حد غيرك.

في ذات الوقت كان آسـر يتبادل أطراف الحديث مع رضا وإحسان وضياء والبسمة ترافقهم.

في الخارج، يسير الاثنان بجوار بعضهما البعض جانبًا بعيدًا عن طريق السيارات، دقات قلبه متسارعة يقاوم رغبته في لمس يدها وعناقها مخبرًا ذاته بأنه لا يجوز أن يفعل هذا الذنب ويلمسها، عليه التماسك حتى تحل له وتصبح زوجته على سنة الله و رسوله.

بدأت الحديث وخرج صوتها هادئًا مستمتعة بما يحدث من سيرهما معًا ومن حسن حظهم أن الشارع من حولهم لم يكن بالمزدحم، بل كان شبه خاليًا عدا من السيارات المارة:

-كنت عايزة أتكلم معاك بخصوص شغلي، النقطة دي مهمة جدًا ونسيت أتكلم معاك فيها ومعرفش رأيك إيـه!! عشان كدة حبة أعرفه عشان متفاجئش بكرة، أنت أكيد عارف أن بابا شايل أيده من مصاريف أخواتي ومعتمد اعتماد كلي عليا.

عملها….هو النقطة الفاصلة التي ربما تسبب مشكلة بينهما في منظورها.

ولكن بالنسبة له وفي منظوره هو لن يسمح بحلول سوء فهم، ورغم أنها قد تناست الحديث في هذا الشأن إلا أنه لم ينسى وكيف له أن ينسى شيء يخصها!!!

توقف عن السير وكذلك هي، أصبحت الوجوه تتقابل، واستمعت فقط لسؤاله:

-أنتِ عايزة إيـه؟؟ أنا مش هفرض عليكي حاجة يا جهاد أنتِ هتبقي مراتي عارفة يعني إيه؟؟ يعني شريكتي في الحياة دي، وشريكتي معناها أننا نتشارك كل حاجة، نتناقش ونتفاهم ويا تقنعيني يا اقنعك.

كان محقًا، وصل لهذا الحل بعد طول تفكير، فقد قرر ألا يجبرها على شيء ولكنه في ذات الوقت لن يتركها ويحل يده من الأمر بل سيكون الناصح الأمين لها ويرشدها للصواب والحلال دائمًا وأبدًا، سيكون نعم السند والرجل والزوج لها.

-يعني لو قولتلك أني هكمل ومش هسيب شغلي هتوافق؟؟

-أوافق لو غيرتي محتواكي وخلتيه مفيد يوعي الناس، البنات، من غير موسيقى أو أغاني عشان متشليش ذنب حد، لايفات وهدايا ودعم لا، ولو افتكرت حاجة تاني أو شوفت حاجة غلط هقولك أكيد.

وبسرعة البرق كانت الدموع تتجمع في مقلتيها، لا تصدق ما نطق به وسمعته خاصة أنه لم يلتزم الصمت وتابع قائلًا:

-أما لو حبيتي تسبيه فـ أنا هرحب جدًا وكمان وطول ما أنا عايش وفيا نفس مش عايزك تشيل هم أخواتك عشان زي ما هما أخواتك أخواتي أنا كمان وهبقى مسوؤل عنهم، كل اللي أنا عايزه تثقي فيا وبس مش طالب أكتر من كدة، باختصار القرار قرارك وهحترمه أيًا كان إيـه.

ابتسمت له رغم دموعها المحبوسة، فسارع يسألها:

-هتعيطي ليه دلوقتي؟؟؟!!!

وبصراحة لم يتوقعها اعترفت:

-عشان بحبك، ومحبتش راجل في حياتي غيرك، أنا بجد بحبك أوي يا صابـر، ولو رجع بيا الزمن هحبك تاني وتالت ورابع وخامس….

-تعرفي تسكتي؟؟! متقوليش بحبك دي تاني، مش عايز اسمعها غير لما اكتب عليكي، وبمناسبة اكتب عليكي دي وعشان متتفاجئيش بكرة فـ أنا مش بتاع خطوبة أنا كتب كتاب وفرح علطول يعني متفكريش أننا هنعمل زي أحمد وآسـر، أنا هتجوزك وهاخدك بيتي علطول وهنسبقهم بعون الله، واللي هسمعه فيهم بيقول عايز يعمل فرحه معانا هشقه نصين، اليوم ده هيبقى يومنا ومش عايز مين ما كان يشاركنا فيه…………

وقد كان……..

««يتبع»»……..

فاطمة محمد.

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية الحب كما ينبغي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق