رواية الحب كما ينبغي الفصل الخامس والسبعون 75 – بقلم فاطمة محمد

رواية الحب كما ينبغي – الفصل الخامس والسبعون

الفصل الخامس والسبعون

الفصل الخامس والسبعون

الحب كما ينبغي.

فاطمة محمد.

الفصل الخامس والسبعون:

ضمها إلى صدره بعد الاعتراف الأخير والذي جعله مقتصرًا قدر المستطاع؛ على يقين أنه مهما قال ونطق اللسان لن يفيها ويوفيها حقها وحبه لها، لذلك ترك الأمر لعناقه.

حيث عانقها بقوة، يديه تحاوطها بكل حب واشتياق، أنفه دفنت بين ثنايا عنقها يشتنشق رائحتها الجميلة، مغلقًا لجفونة باستمتاع.

وهي كانت تفعل المثل تمامًا، عيون مغلقة، ويد تسند على ظهره، تجذبه لها أكثر وأكثر.

لا يمكنها النكران، فقد منحها الاستكانة، وجعل بالها يرتاح.

لاشك أنه سيكون ويفعل مثلما قال.

فلا تزال تتذكر جيدًا كيف ومتى رأته للمرة الأولى.

لم يسمح لـ المدعو طه أن ينجو بفعلته وأتى كي يأخذ حق أخيه.

رأته حنونًا، محبًا لأهله، فكيف سيكون مع أبنائه.

بالتأكيد أب لا مثيل لـه.

حاولت الخروج من أحضانه، فأخرج صوتًا من فمه معترضًا ومحتجًا على فعلتها وتشبث بها أكثر مستغلًا فرق البنية بينهما والتي كانت من سوء حظها لصالحه هو، متمتم بهمس:

-خليكي شوية متعرفيش حلمت كام مرة وقد إيـه باللحظة دي.

استسلمت وبقت داخل أحضانه.

بعد وقت لا يدركه أي منهما حررها ثم اخترقها من الداخل بنظرات عيونه التي تخبرها عن نيته وفعلته القادمة، وقبل أن يفعلها ويقترب كانت تنحني وتخلع حذائها العالي عن قدميها ثم قامت بلملمة ذيل فستانها وركضت من أمامه متجهه صوب دورة المياة تخبره بكلمات غريبة قبل أن توصد الباب من خلفها:

-أنا داخلة الحمام، أي حد يسأل عني أنا جوه.

ترك العنان لبسمته كي ترتسم على شفتاه وراقبها وهي تركض بطريقة تثيره للضحك.

وذلك بفضل ضيق الفستان والذي لم يسعفها ويمكنها من الهرب بصورة جيدة أو طبيعية على الأقل.

ولكن عند استماعه لكلماتها لم يستطع الصمت أكثر وردد من بين ضحكاته وبصوت وصل لها:

-حاضر لو ضرفة الدولاب ولا الكنبة سألوا عليكي هقولهم جهاد جوه في الحمام.

فتحت الباب تبصره بعيون قد ضاقت بعد أن التقطت سخريته من حديثه، لم تظل مكانها بل تقدمت وفتحت الخزانة تلتقط شيء حاولت إخفائه عنه، لكنها لم تدرك بفشلها بسبب طوله الذي يفوقها وساعده على رؤية ما أخذت، معلقة على استهزاءه:

-اتريق اتريق لما اطلع هبقى اوريك.

ثم فارقت مكانها كي تعود للداخل، فسارع بالرد عليها بطريقة عابثة تحمل بين طياتها الكثير، وبسمة لا تفارقه والسعادة تسكنه:

-ياريت أنا عايز وحابب أشوف، بسرعة بقى، معاكي خمس دقايق لو مخرجتيش أنتِ حرة.

مجددًا تفتح الباب وتعلق باستهزاء:

-وعلى إيـه خمس دقايق جاي على نفسك ليه كدة يا فندم ما اخرج من دلوقتي أحسن، بقولك إيـه متسربعنيش، متوترنيش، ماشي.

رد بابتسامة أسرت قلبها:

-ماشي لا هسربعك ولا هوترك، اتفضلي بس بسرعة.

-برضو!!

-خلاص بهزر اتفضلي يكش تقعدي لبكرة الصبح أحنا ورانا حاجة؟؟؟

__________________

الصمت هو ما يسيطر على الأجواء داخل سيارة فريـد.

هو بالأمام خلف المقود يقود بسكون يرتكز ببصره على الطريق من أمامه بعدما قام بتشغيل المكيف لها و وصفت هي له الطريق بعد أن رفضت طلبه بتهذيب بأرسال موقع المنزل له عبر الواتساب، وفضلت الشرح والوصف لـه عوضًا عن منحه وجعله يملك رقم هاتفها.

أما هي تجلس بالخلف تنظر من خلال النافذة الزجاجية المغلقة جوارها، نادمة أشد ندم على موافقتها وذلك الموقف المحرج التي وضعت به والسبب من جديد هو زهـر.

لاتدري كيف طاوعتها و وافقت، ليتها لم تفعل ولكن الندم لن يفيد في شيء الآن، حدث ما حدث وعليها المضي قدمًا بتفكيرها.

قطع ذلك الصمت أخيرًا بعد كثير من السكون يستفسر منها يدعي نسيانه وعدم تذكره:

-أكمل علطول ولا ادخل اليمين الجاي؟

ابتلعت ريقها ونظرت نحوه تجيبه بهدوء لم ينصفها وظلم حالتها وما تشعر به عن حق من توتر وارتباك:

-علطول إن شاء الله.

تلك المرة لم يسمح للصمت أن يحل من جديد ويكون ثالث بينهما بل سألها مجددًا متحليًا بالشجاعة:

-أنتِ ليه مقلقة مني كدة!! متخافيش مش هخطفك والله، هي زهـر مخوفاكي مني واديتك انطباع غلط عني ولا إيـه.

-لا خالص بالعكس علطول بتشكر فيك.

اكتفت بتلك الأجابة ولم تمنحه سببًا لحالتها.

ولأشغال نفسها وعقلها حتى تصل سالمة غانمة إلى منزلها أخرجت هاتفها، وعلى الفور وجدت مكالمات فائتة من والدتها.

لم تندهش من اتصالاتها لكن ما جعلها تتوقف هو اتصال هشام بها.

هشام التي تراجعت عن منحه فرصة ولم تسمح له بالحديث معها مجددًا وتجاهلته بعد شعورها بعدم الراحة وأنه قد يكون يتلاعب بها.

وهذا أخر شيء قد تسمح به.

لن تكون لعبة في يد رجل مجددًا.

لن تكون مؤقتة في حياة أي منهم، أما أن يدرك قيمتها جيدًا ويمنحها المعاملة التي تستحقها ولا يرى غيرها ويكتفي بها، أو يذهب إلى الجحيم.

تجربتها السابقة مع ياسين زوجها السابق جعلتها تنضج وتعرف ما تستحقه جيدًا، هي غالية في نظر نفسها ونظر عائلتها، لن تقبل بمعاملة أقل من تلك، ربما أكثر ولكن أقل لا تظن.

فاقت من شرودها على اتصال جديد من والدتها، ازدردت ريقها قبل أن تجيب عليها:

-أيوة يا ماما أنا خلاص في الطريق أهو.

صمتت تستمع إلى رد والدتها وما أن فعلت حتى علقت تحت أنظاره الخاطفة لها من خلال المرآة والتي غفلت عنها:

-مش كتير عشر دقايق كدة إن شاء الله.

التزمت الصمت مرة أخرى ثم لحظات وكانت تخبرها:

-أنا كويسة يا ماما الحمدلله جبتي منين الكلام ده.

تنهدت وهي تنصت إلى حديث والدتها والتي استشعرت من نبرتها أنها ليست بخير وهناك شيء حدث معها، ولذلك عقبت بهدوء:

-هتزعليني يعني بالعافية، أنا بس تعبانة شوية وده تعب طبيعي أنا صاحية من بدري.

مع إنتهائها من الحديث كان هو يقف بالسيارة جانبًا مما أثار دهشتها وتساؤلاتها عن سبب هذا الوقوف المفاجئ.

استدار برأسه لها وهمس لها:

-ثواني وجاي علطول مش هتأخر.

ترجل بالفعل وتابعته بأنظارها فوجدته يلج إحدى المتاجر.

انهت المكالمة مع والدتها وانتظرته للحظات.

لم يغيب الكثير، دقائق معدودة وكان يعود لها وهو يحمل حقيبة بلاستيكية شفافة تظهر ما بداخلها.

صعد محله وقبل أن يعود للقيادة استدار إليها ومد يده بالحقيبة نحوها، متمتم بصوت هادئ جذاب وهو ينظر داخل عيونها ملتقطًا الاستفسارات الكامنة بداخلها:

-اتفضلي.

لم تلتقطها منه وظلت يده معلقة، منصتًا لسؤالها التي لم تتردد في طرحه عليه:

-إيـه ده؟.

أجاب ببساطة وهو يحدق بالحقيبة ويخبرها بمحتواها:

-ماية وعصير على كام شيكولاتة وقبل ما تقولي لا ومترضيش تاخديها هقولك أنا مش جايبها من فراغ أنتِ بنفسك قولتي أنك تعبانة والشيكولاتة حل أي تعب هتأكليها من هنا وهتحسي أنك مبسوطة ونفسيتك اتغيرت وده مش كلام ده عن تجربة اسأليني أنا، أما الماية والعصير فـ عشان أكيد ريقك نشف أحنا بقالنا كتير، وأنا وبكامل الأسف مش معايا حاجة اضيفك بيها وأنتِ ضيفتي وأول مرة تركبي عربيتي وبيقولولك إيـه بقى إكرام الضيف واجب، يعني أنا بعمل بالأصول، اتفضلي متكسفنيش بقى علشان بجد لو كسفتيني ومخدتيهاش هتحرج أوي وهيجيلي تروما ومش هوجب مع حد تاني.

لاحت بسمة على وجهها من ثرثرته التي لم تتوقف، وفي النهاية وبدون بذل مجهود في التفكير مدت يدها والتقطتها بالفعل، متمتمة بطريقة ممنونة له ولذوقه:

-شكرًا يا فريـد، كلك ذوق أنا فعلًا ريقي ناشف.

اخرجت زجاجة المياة وفتحتها وارتشفت منها تروي ظمأها التي كانت تكبحه حتى تصل للمنزل.

وبعد أن انتهت اخبرها قبل أن ينطلق ويتابع طريقه إلى منزلها:

-العصير بقى معرفش أنتِ بتحبي إيـه بالضبط فجبتلك كذا حاجة شوفي بتحبي إيه وأشربيه.

لم تريد أن تحرجه وقامت بتفحص الأطعمة ومن بين ما جاء به اختارت التفاح وعلى الفور ابتسم هو واعجبه اختيارها.

بعد ما يزيد عن العشر دقائق كان يتوقف أمام منزلها وكانت هي على أتم استعداد وقبل أن تهبط وببسمة صغيرة ارتسمت على شفتيها قالت بامتنان:

-شكرًا على التوصيلة وعلى الحاجة اللي جبتها وبجد تعبتك معايا.

-تعبك راحة.

كلمة عفوية تلقائية خرجت من شفتيه بعد أن صوب نظره نحوها.

لكن بالنسبة لها لم تكن بالعادية وجعلتها تتأثر قليلًا ويعود الارتباك لها من جديد.

ورغم هذا حاولت الثبات وهبطت وهي تحمل الحقيبة و ولجت البناية.

لم يتحرك ويغادر هو حتى اطمئن عليها وغابت عن مرمى بصره حينها اتسعت بسمته تدريجيًا وشعر بسعادة بفضل تلك الدقائق التي تواجدت خلالها معه.

__________________

تولى كل من آسـر وأحمد مهمة إيصال زوجته.

وصل آسـر بسيارته قبل أحمد، وقبل أن تترجل ضياء مسك بيدها يمنعها من الرحيل متمتم بصوت عذب:

-متطلعيش دلوقتي استني روضة واطلعي معاها، خليكي معايا الشوية دول ولا أنتِ مش عايزة تقعدي معايا؟والله ازعل، يرضيكي ازعل؟

تراجعت عن النزول وابتلعت ريقها ثم أجابت بصدق:

-أكيد لا ميرضنيش وهقعد بس بشرط.

ضاقت عيونه وهو يسألها رغم تخمينه لما هو قادم وسيقال:

-إيـه هو.

-تحترم نفسك لو حسيت منك بأي غدر هنزل اديني عرفتك أهو.

ادعى البراءة ودافع عن نفسه مغمغم:

-أنا محترم مع كل الناس على فكرة، أنا أساسًا مولود ونازل من بطني أمي متربي، الناس كلها بتتربى مرة واحدة إلا أنا متربي عشر مرات، بس مش عارف ليه بقيت اجي لحد عندك ومبعرفش اعمل كنترول على نفسي وقليل الأدب والتربية والحياء اللي جوايا بيطلع…إيـه ده مش دي إحسان اللي نازلة وجاية علينا دي؟؟؟

ألقى هذا السؤال في نهاية حديثه معها وهو يشير بسبابته تجاه نافذتها، وبدون تفكير حركت رأسها وأنظارها نحو ما يشير بجوارها.

عقدت حاجبيها وهي ترى المكان خاليًا وإحسان لا تتواجد مثلما أخبرها وقبل أن تبدي ويصدر أي رد فعل أو حديث منها كان يسبقها مقتربًا منها ملتهمًا للمسافة التي تفصله عنها محركًا لرأسها نحوه بحركة مباغتة تاركًا قبلة شغوفة تلهف لها كثيرًا على شفتيها.

تجمدت واتسعت عيونها حتى أنها لم تستوعب ابتعاده السريع عنها وصوته الذي يخبرها:

-عشان ابقى قليل الأدب على حق وعن جدارة ومبقاش سمعة عندك على الفاضي.

وأخيرًا خرج صوتها ولكن متلعثمًا متقطعًا:

-أ…أنت..أنت…

-أنا بحبك وجوزك.

-أنا اللي غلطانة عشان سمعت كلامك وقعدت معاك، استنى بقى ابن عمك لوحدك يا قليل الأدب والله أنا اللي استاهل.

فارقت السيارة وسارعت بالذهاب مما جعله يرفع من نبرته مدركًا أن رد فعلها سببه خجلها.

رفع من نبرته وقال لها:

-واستنى ليه ابن عمي ده أنا زهقان منه أنا كنت قاعد معاكي أنتِ.

__________________

بعد رحيل آسـر بدقائق وصل أحمد وأوقف سيارته أمام البناية وهو يطلق تنهيدة محملة بالأشواق، متمتم بضيق بسيط:

-كان نفسي الطريق يطول عن كدة عشان تفضلي معايا وقت أكتر بس هنعمل إيـه بقى، هانت خلاص.

أومأت لـه برأسها تأكيدًا على حديثه، قائلة بصوت هادئ:

-هانت فعلًا، أنا لو عليا مش عايزة أسيبك أساسًا، أحمد أنا لما ببعد عنك ومبسمعش صوتك بحس في حاجة نقصاني، ولما بتبقى معايا وجمبي بحس أن محدش مبسوط قدي.

تسللت البسمة إلى شفتيه دون أن يشعر بسبب اعترافها بما تشعر وتكن له سواء كان في بعاده أو قربه.

تتحدث وكأنها توصفه هو!!

ينتابها ذات المشاعر ونفس ما يحدث معه!

جميل أنه ليس بمفرده، حبهم متبادل وكبير، كل منهما يتوق لوجود الأخر بقربه، وما يهونها قليلًا على قلوبهما أن العد التنازلي قد بدأ وقريبًا جدًا سيكونان معًا.

لم يفضل دور المستمع فقط، بل أخبرها بصدق وما يشعر نحوها:

-كأنك بتكلمي عني مش عنك!!

أنا في يوم من الأيام افتكرت أني مش هعرف أحب حد زي ما بحب عيلتي، بس أنتِ جيتي وظهرتي فجأة عملتي اللي قولت أنه مش هيحصل خلتيني أحبك حب ملوش حدود، أنا لو بتمنى أو هتمنى حاجة هتكون أنك تفضلي معايا وجمبي لأخر العُمر، أنا فعلًا بحبك وكان نفسي مودعكيش ومسبكيش ونفضل طول الليل بنكلم في اللي حصل النهاردة بس يلا الحمدلله مقدور عليها وممكن نتكلم فون وخلاص، بس قوليلي.

تساءلت ببسمة ورغبتها في البقاء معه والحديث داخل السيارة واضحة وضوح الشمس على وجهها ولهفتها في أطاله الحوار بينهما:

-أقولك إيـه.

رد بمرح كبير:

-البدلة بجد تحفة عليا ولا بتجامليني أنتِ عارفة أني بلبس ألوان أحلى من كدة.

علقت بذات المرح:

-والله!! قصدك أن اللون اللي اختارته ده مش عجبك!! خلاص ماشي أنا زعلت متكلمش معايا بقى.

تحركت بجسدها قليلًا تزيف أنها على وشك الهبوط وتركه وصعود المنزل لولا يده التي لحقت بها مغمغم:

-أنا قولت كدة!! يا شيخة يتقطع لساني لو قولتها! أنا بسأل بس لتكوني بتجامليني، وعلى فكرة ده أحلى لون أنا لبسته في حياتي كلها عارفة ليه؟؟ عشان ذوقك وأنتِ اللي اختارتيه وكنا عاملين ماتشي ماتشي النهاردة وقهرنا الواد آسـر لعلمك كان هيموت مننا بس مخبي جوه نفسيته، خدتي بالك أنتِ؟

ضحكت وقالت من بين تلك الضحكات:

-أكيد طبعًا، المهم أنا هطلع دلوقتي و…

شرد في ضحكاتها وعيونها التي انغلقت قليلًا وضاقت بعض الشيء، مقاطعًا لها:

-ما تقعدي معايا شوية ده حتى القعدة حلوة أوي وأنا في مقام جوزك برضو.

-مبحبش أقولك لا وازعلك بس أنا لازم اطلع لو طاوعتك فيها قعدة للصبح ومش هطلع البيت ولا أنت هتروح وأحنا محتاجين نرتاح، يلا تصبح على خير يا أحمد.

باغتها بالأنحناء برأسه نحو مقدمة رأسها ممسكًا بها تاركًا قبلة مطولة أعلى جبينها، وفور ابتعاده همس لها:

-وأنتِ من أهله يا نن عين أحمد.

__________________

-مش شايف يا أبو عوض أنك بالغت شوية النهاردة في حنيتك وحبك للبت جهاد؟؟ إيـه الحب ده كله اللي ظهر فجأة لا وخارج معاها ومخليها مسكة فيك، اللي يشوف كدة يقول بتحبها ومدلعها دلع ما بعده دلع.

رددت نرمين كلماتها وهي تنظر لإنعكاس شكري المتسطح على الفراش ومغمض لجفونه.

خرج صوته ناعسًا معلقًا:

-أنتِ شايفة كدة؟

-مكنتش اتكلمت ولا فتحت بوقي أنا بتكلم عشانك مش عايزة جهاد تعرف أنك بتستغل جوزها واتفقت معاه يقبضك مكانها كل شهر وعشان كدة معاملتك معاه ومعاها اتغيرت، ألا صحيح العربية هتيجي أمتى؟؟ ده أنا قربت أولد ومفيش جديد؟ أنا زهقت خلي بالك وعارفة أنك على قلبك قد كدة.

-وأنا كمان زهقت اكتمي بقى شوية، ولو على أن جهاد تعرف متخافيش يختي مش هتعرف هو مش عبيط عشان يقولها، سبيني بقى اتخمد والصباح رباح.

تقلب نائمًا على جانبه تاركًا إياها على وشك الأنفجار منه.

الوقت ينفذ منها وسرها على وشك أن يفضح وحينها لن يمر الأمر مرور الكرام.

__________________

-إيـه يا حبيبتي أنتِ ناوية تقعدي جوه للصبح بجد ولا إيـه أنا كنت بهزر، ما تخلصي يا جهاد بدل ما اكسر الباب ده، أنا صبري بدأ ينفذ خلي بالك.

آتاه صوتها من الداخل تعقب على كلماته المتذمرة من تأخرها وبقائها الكثير من الوقت بالداخل:

-أموت واعرف مين وليه اللي سماك صابـر ده أنت اسم مش على مسمى خالص.

عقد ذراعيه واستند بكتفيه على الحائط المجاور لباب المرحاض مريحًا لرأسه على الحائط:

-متغيريش الموضوع ويلا اطلعي مش هنبات جوه!! أحنا لسة عايزين نصلي ونتعشا و….

توقف مبتلعًا باقي حديثه في جوفه بعد أن قامت بفتح الباب ترتدي الملابس التي أخذتها معها وقد كانت قميص مخصص للنوم باللون الأسود وفوقه “الروب” المرافق له..

خصلاتها منسابة، وجهها خالي من مستحضرات التجميل.

خطفت قلبه بتلك الطلة والذي يراها للمرة الأولى!!!!

توقع أنها ستكون جميلة وجذابة!!! ولكن ليس لتلك الدرجة!!!!

فاقت توقعاته بمراحل وانبهر بها وأحب ما يرى..

شعرت بالحياء من نظراته التي لا تفارقها وتتفحصها بافتنان، وانتبهت إلى ملابسه الذي بدلها لمنامة لائمته كثيرًا.

لم يسعفها لسانها للحديث ورفعت يدها تعدل وتهندل من خصلاتها التي لم تكن بحاجة إلى فعلتها ولكنها حدثت من فرط ارتباكها.

تحدث هو أولًا معبرًا بلسانه عن انبهاره مما يراه:

-إيـه اللي أنا شايفه ده!!! إيـه الجمال  والحلاوة دي يا شيخة؟؟

وبعفوية ردت وهي تنظر له:

-متأفورش.

-هو أنا كدة بأفور؟؟ الأفورة لسة دورها مجاش ده أحنا لسة في مرحلة الحقيقة ومدخلناش في الأفورة.

بعد وقت حاولت خلاله قدر المستطاع تفادي نظراته والنظر داخل عيونه.

قام الاثنان بالصلاة معًا، ثم خرجوا وأتوا بالطعام التي وضعته لها شقيقاتها في المطبخ فقط قامت بتسخينه و وضعه على السفرة بمساعدة من زوجها وحلالها صابـر.

والآن يتناولان العشاء معًا، وكم أعجبه طبيعتها وعدم تصنعها وهي تأكل معه، فقد كانت تفعلها بأريحية وهذا يخبره إلى مدى تشعر بالراحة معه.

ابتلع ما بفمه وهو يردد بخفوت:

-الحمدلله أنا شبعت، يلا خلصي علشان عايز أوريكي كام حاجة كدة واثق أنهم هيعجبوكي وهتحبيهم.

قطبت حاجبيها وسألته وهي تتوقف وتبصره بفضول:

-طب أنا كدة الفضول هيموتني، حاجة إيـه دي قول أو وريني علطول.

-طب قومي تعالي معايا.

نهض من محله ثم دنا منها وساعدها في النهوض وأخذها من يدها.

ذهب معها نحو دورة المياة وغسل الاثنان أيديهما، ثم سبقها هو وتحرك نحو الجزء المخصص له في الخزانة وأتى بحقيبة متوسطة الحجم لا تعلم عنها شيء.

-إيـه الشنطة دي؟

-هتعرفي دلوقتي الصبر بس.

-شوف مين بيكلم عن الصبر واحد خلقه في مناخيره اصلا ومبيقدرش يصبر رغم أن سبحان الله اسمك صابـر، ما علينا.

جلس على طرف الفراش ثم وضع الحقيبة قبالته.

رفع بصره نحوها ثم ربت على سطح الفراش بيده يحثها على التقدم والجلوس أمامه:

-اقعدي متقفيش.

امتثلت لطلبه وجلست سريعًا وعلى الفور ودون تمهل أكثر بدأ في فتح سحاب الحقيبة والغريب أنها رأته يخرج بعض الأوراق البيضاء الفارغة وقبل أن تستفسر عن أي شيء قام بإمالة الورق و وضعه أمام بصرها لـ تلين قسمات وجهها وهي تدرك بأن الورق لم يكن خالي كما رأت للوهلة الأولى.

ابتلعت ريقها ورفعت عيونها عن الورق تنظر له بعدم فهم واضح.

منحها بسمة هائمة بها، متمتم بصوت تغلفه الكثير من المشاعر يسألها بترقب:

-عرفتي مين دي مش كدة؟

مجددًا تبتلع ريقها وهي ترد بصوت خرج بصعوبة:

-دي أنا مش كدة؟؟ مين اللي راسم الرسومات دي؟؟؟

-أنا.

هو من قام برسمها وإتقان ملامحها كأنه يحفظها وأمام عيونه.

رسم لها العديد والعديد…

تارة وهي تبتسم، وتارة أخرى وهي غاضبة حانقة….وتارة حزينة.

عادت تحملق بالرسومات وبأنامل ترتجف مدت يدها وسارت ببطء على ملامحها لا تصدق بأنه فنان موهوب يخفي تلك الموهبة عن الجميع ولا يعلم بها أحد سواها.

-أنت إزاي مبدع كدة؟؟ إزاي راسمني بالاتقان ده!!!! أنت…

-أنا عاشقك، مكنتيش بتغيبي عن بالي لحظة كل ما كنتي بتوحشيني كنت برسمك واحتفظ بيهم، محدش يعرف أني بعرف ارسم غير واحد بس..أو بمعنى أصح بقوا اتنين دلوقتي أنتِ و…

قاطعته مخمنة هوية الشخص الثاني:

-أحمد مش كدة؟

هز رأسه بالأيجاب مغمغم:

-مضبوط، قوليلي عجبوكي؟؟ حبتيهم؟

-أنت اللي عجبني وأنت اللي بحبه، أي حاجة منك أكيد هحبها، أنت إزاي كدة؟ إزاي خلتني أحبك بالشكل ده؟؟ أنا حسة أني مجنونة بيك؟؟؟ أنا كنت هعمل إيـه وهكمل إزاي لو كنت فضلت راكبة دماغي وفاكرة أني صح و واهمة نفسي أني نسيتك؟؟ أنا عُمري ما نسيتك ولا بطلت أحبك للحظة يا صابـر، أنا لو كنت عملت كدة في نفسي أكيد مكنتش هقدر أكمل وكان هيجرالي حاجة.

عرفت أنامله طريقها و وضعها على شقتيها يرفض بل يبغض ما يسمعه، لا يتخيل أنهما كان من الممكن أن يعيشان حياة خالية من وجودهما في حياة بعضهما البعض بسبب عنادهما!!!

ولكن لله الحمد والفضل أن الأمور سارت في مسار يحبه ويألفه القلب.

-متكمليش ومتفكريش في اللي فات، زي ما بيقولوا اللي فات مات، أحنا في دلوقتي وكفاية أننا مع بعض، اتجوزنا وبقيتي معايا وجمبي حقيقي مش عايز أكتر من كدة……

بعد توقفه عن الحديث لم ينطق أي منهما مجددًا.

حل سكون عذب في أرجاء الغرفة عدا عن حديث العيون والارواح التي تطالب بالقرب.

فما كان سوى الأستجابة كي يستكين القلب ويدرك جيدًا أنهما لن يفترقا مجددًا مهما حدث، ربما تحدث خلافات ومشاكل ولكن هذا من الطبيعي حدوثه بين أي اثنان، والأهم من كل هذا هو تمسكهما ببعض ورغبتهما في متابعة حياتهما معًا هذا وحده كفيل لاستمرارهما..

__________________

صف آسـر سيارته وترجل منها وقبل أن يتقدم بخطواته ويدخل المنزل قاصدًا غرفته ظهر لـه قُصي من العدم والظلام.

“بسم الله الرحمن الرحيم، أنت طلعت منين؟؟؟”

زفر قُصي قبل أن يخبره:

-مستنيك، عايز أتكلم معاك أنا لو متكلمتش هطق وهيجرالي حاجة وأنت بحكم أنك أخويا وصاحبي لازم تساعدني وهتساعدني عشان بس تبقى عارف، أنا مش هقبل أي رفض.

وبعدم فهم استفسر آسـر عن الشيء الذي يرغب في مساعدته به:

-أساعدك في إيـه ما تكلم علطول بلاش شغل الألغاز ده.

-طيب تعالى نطلع أوضتك وأنا هفهمك وهقولك أنا عايز إيـه بضبط منك.

تحرك رفقته وصعد معه لغرفته، سرد عليه ما يحدث معه بالفترة الأخيرة دون أن ينسى شيء.

أخبره كيف يشعر بالتخبط في حضورها، وكيف لا يستطع مقاومة شعوره في تتبعها، عيونه تأبى تركها وتظل عليها أينما ذهبت.

كما حدثه عن فعلها وكيف ترفضه وتعاني من قصتها السابقة مع عـادل ولا ترغب في تكرار ذات الخطأ.

تلك القصة لم تكن بالغريبة على آسـر، بل مألوفة بشكل كبير.

فقد كانت تشبه قصته مع زوجته “ضياء”.

وبحيرة سأله آسـر مترقبًا رده وايماءات وجهه:

-يعني أنت عايز إيـه دلوقتي؟؟ مش فاهمك برضو، هي من حقها تصدك لما أنا صاحبك وفهمك وعجنك مش عارف دلوقتي افهمك عايزها هي تعملها!!! أنت بتحبها يا قُصي؟؟

استنكر الكلمة وسارع بنفي تلك التهمة عنه:

-بحبها!!!! أكيد لا طبعًا حب إيـه متكبرش الموضوع، أنا بس عايز نبقى صحاب مش عايز حتى اتسلى أو اضيع وقت، بس عايزها موجودة عايز اشوفها اسمعها اتكلم واخرج معاها نبقى في حياة بعض بس بعيد عن حوارات الحب والجواز.

مسار الحديث لم ينال أعجاب آسـر، ولكنه فضل مسايرته حتى يرى نهاية هذا الأمر:

-وهي قالتلك مش عايزة خلاص احترم رغبتها وسيبها في حالها.

وبلهفة تشكلت على محياه رفض بقوة:

-مش هينفع بقولك مش عارف ابطل تفكير فيها!!! عايزها في حياتي يا آسـر ما تفهمني يا جدع.

-أنا اللي افهمك!!! مش لما تفهم أنت نفسك الأول وتحدد أنت عايز إيـه؟؟؟ أنت عرض عليها وهي قالتلك لا، اتقى الله يا قُصي ولو فعلًا عايزها مفيش أحلى من الحلال، ابعد عن الحرام والقرف اللي أنت عايزه ده يا قُصي عشان مش هيجي غير على دماغك أنت في الأخر صدقني، ولو عايز تسمع رأيي في موضوع سـارة فـ أنت حبيتها بس بتكابر عقلك رافض اللي قلبك عمله وأنه حبها وعايزها، أنت عايزها وبتفكر فيها ومش بتقدر تبعد عينك عنها عشان بتحبها.

««يتبع»»…..

فاطمة محمد.

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية الحب كما ينبغي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق