رواية الحب كما ينبغي الفصل السبعون 70 – بقلم فاطمة محمد

رواية الحب كما ينبغي – الفصل السبعون

الفصل السبعون

الفصل السبعون

أسفة على التأخير بس حصل لظروف خارجة عن إرادتي وهي أن إيدي اتفتحت واتخيطت خمس غرز، بس طبعًا الحمدلله على كل شيء، المهم الفصل طويل تعويضًا ليكم وكمان حبيت انزله بدري، عايزة بقى تفاعل حلو، ومتنسوش الڤوت وكومنت برأيكم في الفصل. 🫵🏻❤✨

________________________

الحب كما ينبغي.

فاطمة محمد.

الفصل السبعون:

-جهاد متصدقيهاش، دي بت كدابة، ومعرفش إيـه اللي دخلها أوضتي، بجد عيلة عايزة تتربى من أول وجديد.

هكذا دافعت إحسان عن نفسها أمام جهاد التي أضحت حالتها لا تسر عدو أو حبيب.

اتسعت عيون رضا، وصاحت تدافع عن نفسها هي الأخرى بكلمات لا تليق أو تناسب عُمرها:

-أنا اللي كدابة ولا أنتِ يا كدابة، وبعدين أنا متربية أنتِ اللي عايزة تتربي عشان بتفتني عليها عند عـادل وبتكلميه من وراها، وبعدين يا جهاد أنا سمعتها بتقوله متلقحة قاعدة مع جهاد في الاوضة شكلها مطولة وتقريبًا كدة هنا كان قصدها على سـارة.

جزت إحسان على أسنانها وتطاير الشرار من عيونها، وبحركة انفعالية غاضبة ناتجة عن أعصابها التي انفلتت ولم تعد بإمكانها التحكم بها أكثر، رفعت يدها وجذبت رضا من خصلاتها بقوة جعلت الصغيرة تتألم وتصدر تأوه، متمتمة بغيظ:

-وربنا ما هسيبك يا رضا.

تدخلت جهاد وسـارة وقاما بدفعها بعيدًا عن رضا وتخليصها من قبضتها.

وفور فصلهم لهما، مسكت بها جهاد من ذراعيها وصوبت كلماتها لـ سـارة:

-سـارة خليكي مع رضا عقبال ما اتكلم مع إحسان كلمتين….وأنتِ قدامي اتحركي يلا.

دفعتها مع نطقها الكلمات الأخيرة، قاصدين غرفة إحسان تاركين سارة ورضا التي رفعت رأسها تناظر سـارة تخبرها بألم تشكل على محياها:

-شوفتي الجاموسة شدتني من شعري إزاي؟؟؟ قدها أنا البغلة دي، هتلاقيها بتحقد على شعري عشان طويل وهي قصير.

وبحنو شديد قامت سـارة بضمها، قائلة لها:

-لا بصراحة مش قدها فعلًا، متزعليش أختك هتتصرف معاها، وأنا واثقة أنها مش هتهوب منك تاني.

في الداخل وبعد أن انفردت جهاد بها، وأغلقت الباب عليهم، متحدثة معها بانفعال مما فعلت بـ رضا:

-إيـه اللي عملتيه ده، بتتغابي على أختك الصغيرة وترفعي أيدك عليها!! أنتِ جايبة الغباوة دي منين؟؟؟؟

ابتلعت إحسان ريقها ثم أجابت بثقة وقوة زائفة وهي تتفادى النظر في عيونها مباشرة:

-هي اللي مستفزة ومتربتش وتستاهل أكتر من كدة كمان علشان دخلت الأوضة من ورايا وبتقول عليا كلام محصلش، أنتِ مصدقتيهاش صح؟؟؟

خطفت نظرة وهي تسألها عما إذا كانت صدقتها أم لا!

ضاقت عيون جهاد وهتفت بترقب:

-وهي هتكدب ليه؟؟؟ خليكي صريحة و دوغري معايا وقوليلي أنتِ اللي قولتي لـ عـادل بموضوعي أنا وصابـر؟ وعلى الله، على الله يا إحسان تكدبي، عشان ساعتها هتشوفي مني وش عُمرك ما كنتي تتخيليه، انطقي أنتِ اللي قولتيله ولا لا؟؟؟

كلماتها، تهديدها، وتحذيرها بألا تكذب جعل بدنها يرتجف.

ازدردت ريقها مجددًا، وأجابت كاذبة:

-لا مش أنا.

سألتها من جديد تمنحها فرصة أخيرة:

-متأكدة أنه مش أنتِ؟؟

رفعت رأسها وتمسكت بالكذب، قائلة تلك المرة والعين في العين:

-قولتلك أيوة مش أنا، أنا مش كدابة، ولو أنا هقولك أن أنا مش هخاف منك، وبعدين بدل ما تيجي تعاتبيني روحي شوفي مين اللي قاله، أكيد سـارة مفيش غيرها، مش كان مرتبط بيها قبلك ولا إيـه؟؟ مفيش غيرها على فكرة العقل والمنطق بيقول كدة.

لم تكذب تلك المرة فقط، بل افترت على سـارة بالباطل، فقط كل ما يشغل بالها أن تخرج من هذا المأزق التي وضعت به بفضل رضـا تلك التي لا تصمت وتنقل الأحاديث.

-فين موبايلك؟؟؟ هاتيـه.

شعرت وكأن دلو من الماء البارد قد سقط على رأسها من طلبها التي رغم أنه متوقع إلا أنها ومن شدة الخوف والتوتر لم تحسب له حسبان.

-عايزاه ليه؟؟

-هاتيه بقولك أنتِ لسة هتجادلي معايا؟؟؟ يلا اخلصي.

ابتلعت ريقها، ثم آتت لها بالهاتف بالفعل وكل ما تفكر به أن أمرها قد انكشف وحسم الأمر.

وقبل أن تمنحه لها، سألتها بتردد:

-عايزاه ليه يا جهاد؟؟ أنتِ مش واثقة فيا!

ردت باستهزاء وكل كلمة كانت تحمل الكثير والكثير من المعاني العميقة والكبيرة:

-لا إزاي ده أنتِ أختي يا إحسان، عارفة يعني إيه أختي، يعني المفروض لو مش بثق في العالم كله اجي لحد عندكم واعمل استوب، عشان هبقى واثقة أنكم مش هتطعنوني في ضهري.

في نهاية حديثها التقطت الهاتف من يدها على حين غرة…وتحركت جالسة على طرف الفراش، فوجدت رقم سري موضوع للهاتف، فسألتها:

-الباسورد إيـه.

أخبرتها بـه وبعدها آتت جهاد بسجل المكالمات ومن سوء حظ إحسان أنها لم تكن تحسب حسبان لما يحدث الآن ولم تأخذ حذرها، بل كانت ثقتها في نفسها كبيرة.

تأكدت جهاد من حديث رضا بعد أن وجدت المكالمات التي تمت بينها وبين عـادل بالفعل.

الأمر لم يتوقف عند هذا الحد وبدأت يدها تقلب بالهاتف على يقين بأن ما خفي كان أعظم.

ولكن قبل أن تستكمل رحلة الاستكشاف لما تخفيه إحسان، باغتتها الأخرى بانتشال الهاتف من يديها فقد ارتعبت من أن تعثر على الحساب المزيف والتي تهاجمها منه وتترك تعليقات مسيئة لها.

قائلة بغضب تراه جهاد لأول مرة وصدمها بها كثيرًا:

-هاتي التليفون ده، مش من حقك خالص تمسكي موبايلي وتقعدي تدوري فيه كدة.

انتفضت جهاد ونطقت بصدمة لم تتخطاها بعد:

-وأنتِ من حقك تعملي فيا كدة!!!من حقك تكلمي عـادل من ورايا وبسببك يجي لحد هنا والناس موجودة يسمعني كلمتين؟؟ انبسطي وفرحتي لما عمل كدة في أختك قدام الناس؟؟؟؟ يا شيخة ده أنا شكيت في أبوكي و مراته و البت الغلبانة اللي برة دي، ومفكرتش أنك ممكن تعمليها؟؟؟ ما تردي عليا مبسوطة باللي عملتية وراضية عن نفسك.

لم تتحمل الصمت أمامها تلك المرة، وانفجرت بها تخبرها بعلو صوتها بكل ما تكنه نحوها فمن الواضح أن لحظة المواجهة وسقوط الأقنعة قد حان وقتهما:

-آه يا جهاد، آه راضية وكنت مبسوطة فوق ما تتخيلي، أنا بكرهك، عارفة يعني إيـه بكرهك؟؟؟ بطلي تعيشي دور المثالية عشان مش لايق عليكي.

ارتخت قسمات وجه جهاد، شعرت وكأن قلبها يتحطم ولكن تلك المرة ليس بسبب رجل!!!

بل شقيقتها التي فعلت لأجلها الكثير دون أن تنتظر مقابل، فقط فعلت دون تفكير ومن حبها بها ولها.

أحيانًا الضربة لا تأتي من العدو أو الغريب، بل تأتي من أقرب الناس إليك، وربما يمكثون معك تحت سقف واحد.

وبصوت خرج متلجلج وصدمة لم تكن بالهينة عليها ولا على قلبها:

-أنتِ بتقولي إيـه؟؟ أنا سمعت غلط مش كدة؟؟؟

وبتحدي اقتربت منها إحسان ملتهمة بعضًا من المسافة الفاصلة بينهم، تؤكد لها بذات الصوت العالي:

-لا مسمعتيش غلط، أنا بكرهك يا جهاد، أنتِ خلتيني تعيسة، أنتِ سرقتي حلمي وحياتي وبكل بجاحة عشتيها قصاد عيني!! أنا مشوفتش في بجاحتك ولا هشوف، فوقي من اللي أنتِ فيه واستوعبي أنتِ عملتي فيا إيـه؟؟؟

ذرفت الدموع وتوقفت تبتلع ريقها، ثم تابعت محل توقفها بألم عايشته وصراع لم يفارقها وهي تراها تعيش ما كانت تتمنى أن تعيشه وتحققه:

-أنت أذتيني أكتر من أبوكي، مفكرتيش فيا لحظة ولا راعيتي مشاعري وأنا شيفاكي بتعيشي حلمي وحياتي، أنا خلاص كنت حطيت رجلي على أول سلمة في تحقيق حلمي، بس إزاي الصفار اللي جواكي ميسمحلكيش تسيبي أختك الصغيرة تنجح، خلتيني اتفرج عليكي وأنتِ بتتشهري وبتكبري، وبترتبطي باللي كان هيساعدني، خلتيه يساعدك أنتِ ومعاكي أنتِ، فكرك أنا مبسوطة!! لو أنتِ شايفة كدة تبقي عامية، أنا تعيسة بسببك يا جهاد، أنتِ حرامية سرقتي حياتي وعشتيها قصاد عيني من غير ذرة ندم.

ابتسمت بتهكم ومسحت على وجهها، ثم أضافت تلقي كل ما في جعبتها، فها فرصتها قد آتت وعليها استغلالها على أكمل وجه:

-إزاي تعملي فيا كدة أنا عايزة افهم، وبابا ليه يوافق أنك تصوري وتتشهري وأنا يوم ما عرف اللي عملته موتني من الضرب وبهدلي شعري بالمنظر ده، أنا اليوم ده مش راضي يفارقني وملازمني، بكرهك وبكرهه، وبكل بجاحة بتقوليلي أني أختك ومستحيل اعمل فيكي كدة، طب وأنا مكنتش أختك؟؟؟ ولا هو حلال ليكي تسرقي حلمي وحياتي وأنا حرام عليا أضايقك شوية، عارفة أنتِ وصلتيني لـ إيـه؟ وصلتيني أني اعمل أكونت فيك أهاجمك منه واشتمك قدام الناس ومش بس كدة، العلقة اللي كلتيها من أبوكي أيام صورك مع عادل أنا اللي كنت وراها وروحت قولت لـ أبوكي، وخدي الكبيرة بقى أنا مش ندمانة على أي حاجة عملتها ولو رجع بيا الزمن هكرر كل اللي عملته، عشان أنتِ تستاهلي.

صدمات تتوالى وتتساقط واحدة تلو الأخرى، لم تعرف جهاد كيف لها أن تلاحق وعلى ماذا تحديدًا.

ورغم صعوبة الموقف إلا أنها تماسكت كما فعلت دومًا وردت على حديثها بذهول لمع في عيونها:

-أنتِ إزاي كدة!!! بتعملي معايا أنا كدة يا إحسان!!!!! متعرفيش أنا ضحيت وعملت عشانك إيـه و..

قاطعتها إحسان صارخة باهتياج وجنون ضاربة الأرض بقدميها:

-محدش طلب منك تضحى، أنتِ اللي عايزة تعيشي دور المثالية اللي ضحت كتير عشان أخواتها، ده اللي أنتِ شيفاه وممكن أي حد يشوفه، بس الحقيقة أنك سرقتي حياتي وحلمي أن أكون مشهورة، أنتِ حرامية يا جهاد، كان عندي ترفضي ومتخطفيش حلمي مني أحسن ما أشوفك وأنتِ عيشاه وأنا مفيش حاجة في أيدي قادرة أعملها.

تلك المرة حاوطت جهاد كتفيها تجيب بانفعال لا يقل عنها شيئًا تبوح بما يكمن بين ثنايا صدرها:

-حلمك ده أنا مكنتش عايزاه ومسعتش أني أوصله هو اللي جالي لحد عندي في أكتر وقت كنت خايفة فيه وفقدة الثقة، أنا موافقتش أنانية مني أنا وافقت عشانك وعشان أخواتك كلهم، أنا لو أنانية كنت فكرت في نفسي وبس، كنت وافقت على صابـر وقتها وسبتكم لأبوكم، حياتك وحلمك اللي بتتهميني أني سرقتهم بكل بجاحة مكنوش يفرقوا معايا، أنتِ وأخواتك اللي كنتوا في دماغي، قلبي كان وجعني عليكم ومش عايزاكم تعانوا أكتر من كدة، أنا لو كنت أعرف أني هسمع كل ده منك مكنتش هعمل كدة، يارتني كنت أنانية وفكرت في نفسي وبس، يمكن ساعتها مكنتش هسمع اللي قولتيه، بقى بتكرهيني أنا!!!! أنا يا إحسان ده أنا حاولت أعوضكم أنا مكنتش برفضلك طلب.

جزت جهاد على أسنانها باغضة لكل ما سمعت ولا تستوعبه.

حررتها ودفعتها بعيدًا عنها، ماسحة على وجهها بضياع، فقد شعرت الآن فقط بأنها قد أهدرت عامًا كاملًا من حياتها، متحاملة على نفسها وقلبها الذي لم يتوقف لحظه عن النبض باسمه مطالبًا بقربه ولا يتحمل فراقه.

عادت تنظر لها ثم أضافت الكثير والكثير:

-أنا اللي كنت تعيسة يا إحسان مش أنتِ، أنا اللي عشت حياة مش شبهي ومش بتاعتي عشان اطلع واتشاف في الأخر وحشة واتكرهه، عارفة كام مرة كنت بنام ودموعي على خدي ومكنتش فاهمة أنا بعيط ليه وإيه السبب!!!!!! عارفة أختك اللي بتكرهيها وسرقتك كانت بتعيط ليه؟؟ عشان قلبي بيتعذب وحياتي اتغيرت وغصب عني طاوعت نفسي الأمارة بالسوء وبعدت عن ربنا، بعد ما كنت ملتزمة ومش بسيب فرض بقيت اسيب فروضي كلها، حياتي باظت وقلبي بيموت في اليوم ألف مرة، وفـ حياتي إنسان مبيشجعنيش على الصح وأني اتقدم، ده كان عمال يشدني لورا أكتر وأكتر، وأبوكي اللي بقى رامي حمله هو ومراته عليا…شوفتي أني سرقت حياتك وحلمك وكرهتيني ومشوفتيش كل اللي عملته عشانكم!!! الوحش بس اللي اتشاف!! طب والحلو اللي كان ليكم مش ليا!!!!!

وبكل قوة أجابت عليها إحسان معلقة على كل ما سبق:

-محدش ضربك على أيدك كله كان بمزاجك.

ردها سبب صدمة لجهاد!!!

أطالت النظر بها تتساءل كيف طاوعها قلبها لكرهها وقول كل هذا.

ألا ترى كم تحبها!!!

رأت إحسان العتاب، الصدمة، والوجع وغيرها من المشاعر تنطق بها عيون جهاد، مما جعلها تضيف:

-أنا بني آدمة وبحس وكان عندي حلم نفسي أحققه، يكش أفشل فيه بس أحس أن عملت اللي عليا وكان هيبقى على قلبي زي العسل، بس أن أنتِ تسرقيه عيني عينك كدة ومتحسيش بالذنب ناحيتي ده اللي مستحيل أسامحك عليه وهفضل فكرهولك.

ابتسمت جهاد بألم وأضافت بنبرة تأن وجعًا:

-وأنا كمان بني آدمة وعملت عشانك كتير، ضحيت بحبي وأذيت نفسي قبل ما أكون أذيتك ده لو كنت فعلًا أذيتك…ومش هنسى حرف من اللي قولتيه.

عادت تجز على أسنانها تصرخ بها بثوران: -حلو أوي..وأنا مش عايزة أقعد معاكي دقيقة زيادة، وهروح أقعد عند بابا.

اتسعت عين جهاد فكلما ظنت أن الصدمات قد انتهت تأتيها صدمة أكبر.

فهي الآن تخبرها بأنها ستترك هنا وتذهب للعيش تحت سقف واحد رفقة والدها.

تابعتها ورأتها تفتح الخزانة كي تلملم أغراضها.

مما جعل حالتها تتفاقم سوءًا وتجمدت محلها مما تفعله، فرغم كل شيء الخوف عليها تملك منها.

ثواني وكانت تعود إلى طبيعتها، وتحركت تجاه الخزانة وقامت بصفعها بقوة مغلقة إياها صارخة في إحسان:

-أنتِ اتجننتي عايزة تروحي تقعدي مع أبوكي ومراته عشان موتك يبقى على أيدهم بعد مايطلعوا عين اللي خلفوكي!!!! ده أنا لساني منطقهاش ومطاوعنيش أقولهالك علشان أخاف عليكي رغم أن دي هتبقى أقل حاجة اعملها معاكي، أنتِ بتعملي معايا كدة ليه؟؟؟؟؟لو أنتِ مش خايفة على نفسك أنا خايفة عليكي، ومش هسيبك تروحي للنار برجليكي!!! أنا معملتش كل اللي عملته عشان تسبيني وتمشي في الأخر، أنا بحبك يا إحسان وبحبكم كلكم مش هقدر استحمل اشوف اذى في واحدة فيكم، متعمليش كدة.

-بتحبيني!!! ده بإمارة إيـه!!!!!!

-بإمارة حاجات كتير، أنا كانت روحي في صابـر وسبته عشانكم، سبت روحي تروح مني، عارفة يعني إيه اسيب بإيدي روحي!!! عارفة ده معناه إيه؟!!!!!

جاء صوت ثالث من الخلف وكان يعود لروضة التي جاءت بصحبة ضياء، وعصمت، مستمعين لما يدور دون شعور من الاثنان وبفضل أصواتهم العالية، معلقة على كلمات جهاد بدلًا من إحسان:

-معناه كبير أوي.

ثم حولت بصرها نحو إحسان وأخبرتها بقوة:

-أحنا كمان مش هنسيبك تمشي، أحنا هنفضل مع بعض عُمرنا ما هنبعد علشان ملناش غير بعض، الأخوات ممكن يقطعوا في بعض بس في الأخر ملهمش غير بعض، ومش هنسيبك تمشي من هنا، اتكلموا واتعاتبوا أكتر بس متمشيش.

************

تجلس جهاد فوق فراشها، تضم قدميها إلى صدرها بعد أن قامت بأخذ الهاتف من إحسان وأغلقته وجعلته معها، وكذلك سلبتها مفاتيح المنزل، وحرصت على عدم قدرتها على الذهاب موصدة باب المنزل وتحذير شقيقاتها من إعطائها أي نسخة.

أما عن سـارة فقد كانت تتواجد معها لم تغادر مثلما كانت ترغب قبل حدوث ما حدث، على الرغم أن الفرصة قد سنحت لها وانشغلت جهاد بـ إحسان ولكن رغم ذلك لم تتركها، خاصة بعد رؤيتها لحالتها عقب عودتها للغرفة، فقد كان وجهها شاحب، الحزن يرافقها والدموع تملئ عيونها كأنها فقدت عزيزًا.

تجاهلت استفسارها عن حالها عما إذا كانت بخير أم لا، حتى سؤال شقيقاتها اللواتي جاءوا من خلفها للحديث معها والتخفيف عنها ولكنهم فشلوا ولم تنطق سوى بكلمات تخبرهم بالذهاب للنوم مع وعد بالحديث غدًا،  واضعة أغراض إحسان في إحدى الأدراج.

لم يغمض جفن لـ سـارة وظلت جالسة بجوارها ملتزمة الصمت هي الأخرى، تنتظر اللحظة التي سينفجر بها كل ما بداخلها.

رغم أن الدموع تسكن عيونها وتهبط ملامسة لوجنتيها إلا أن صوتها لا يخرج…فقط تبكي بهدوء.

قررت سـارة قطع هذا الصمت قائلة لها:

-لو عايزة تعيطي عيطي، خرجي كل اللي جواكي أنتِ مش شايفة شكلك عامل إزاي؟؟؟ عيطي بصوت وعبري عن وجعك عشان ترتاحي.

وكأن سـارة قد ألقت عليها تعويذة ما كي ترضخ لحديثها دون مجادلة أو مناقشة، فقط تستجيب، تسرد عليها ما حدث بوجه منكمش متألم للغاية:

-طلعت هي اللي كلمت عـادل ومش بس كدة، إحسان طلعت بتكرهني، شايفة أني سرقت حياتها وحلمها أنها تبقى مشهورة، قالتلي أني عايشة دور المثالية، متعرفش أني مش مثالية أنا بس بحبهم مكنتش عايزاهم يفضلوا عايشين تحت رحمة بابا، مكنتش عايزاه يصبحهم بعلقة ويمسيهم بعلقة، كنت عايزاهم مبسوطين؟؟؟ أنا كنت فاكرة أنها مبسوطة بس طلعت تعيسة وأنا سبب تعاستها!!!! إزاي مخدتش بالي من اللي جواها ناحيتي!!!

هبطت دموعها أكثر فسارعت برفع يدها ومسحهم، متابعة محل توقفها:

-طب أنا دلوقتي المفروض أعمل إيه ولا أحس بـ إيه أنا ليه دايمًا بتحط بين نارين..ازعل منها ولا عليها!!! أنا مكنتش عايزاها تكرهني كنت عايزاها تحبني وتبقى أسعد واحدة كنت عايزة أعوضها، مكنتش أعرف أني بخليها تكرهني، هي المشكلة في مين فينا يا سارة فيا ولا فيها!!!

ابتلعت ريقها ولم تنتظر جواب من سـارة بل أجابت على نفسها بعد أن توصل عقلها لجواب:

-عارفة المشكلة في مين؟؟؟ في بابا هو السبب في كل اللي بيحصل وحصل معانا، لو كان جرب يقعد مع واحدة فينا يحضنها ويطبطب عليها يتكلم معانا بلسانه مش أيده مكنش ده بقى حالنا…أنا عايزة أعرف بيخلفونا ليه؟!!! بيخلفونا عشان يعذبونا وعقد الدنيا كلها تبقى فينا، أنا كنت علطول بفكر أنه بابا لو مكنش قاسي بالشكل ده معانا وكان حنين، حاجات كتير أوي كانت هتتغير في حياتنا، هو السبب الأول والرئيسي في كل حاجة وحشة بتحصل معانا، ياريته كان حبنا ربع حبه لنفسه، ياريت.

كلمة ياليت حملت الكثير من الألم، والخذلان والتمني.

فهنا لم يكن سبب كل هذا شخص هين أبدًا، بل من أقرب شخص وهو الأب.

والذي من المفترض أن يكون السند والظهر، الأمان، الحضن الدافئ.

الأب يكون بمثابة الحب الأول لابنته وترغب وتحلم كثيرات في الحصول على زوج مثله في حنانه وطيبه قلبه وصفاته الحسنة.

ولكن هنا الوضع كان مختلف تمامًا، فهو من كان مصدر للخوف، الرعب، وعدم الأمان،

وافتقادهم للكلمات العذبة الحنونة.

شردت سـارة هي الأخرى.

فكلاهما يعانيان من الأب ولكن بطريقة مختلفة عن الأخرى.

ابتسمت بوجع هي الأخرى تخبرها وهي تميل برأسها تستند على كتفها:

-بيخلفونا عشان يرمونا وميسألوش فينا، ويخلونا نشوف قد إيه هما أنانين مش بيحبوا غير نفسهم وبس، بيخلفونا عشان نتعاير ببعادهم وأننا لوحدنا، أنا مستحيل أفكر أتجوز وأخلف، هخاف يحصل في بنتي أو ابني اللي حصلي، أخاف أبوهم اللي هختاره يطلع مش قد الثقة ويغدر بينا، واخليهم يدوقوا ويشوفوا اللي أنا شوفته، ممكن أي حد يشوفني يقول دي مبسوطة وعايشة حياتها بالطول والعرض مش ناقصها حاجة، وأنا بقى في الحقيقة ناقصني أهم حاجة، أنا جوايا شرخ مش بيخف يا جهاد.

رفعت جهاد يدها وربتت على ظهرها، هاتفة بقوة لطالما لائمتها:

-هتخفي وهتنبسطي وهتلاقي اللي يعوضك، هتعرفي تختاري صح أنا واثقة.

ختمت حديثها تتذكر ما فعلته معها اليوم هي و روضة و ضياء، موجهين أصابع الاتهام نحوها دون دليل:

-أنا أسفة يا سـارة عشان شكيت فيكي، مكنش ينفع أشك فيكي، حقك عليا متزعليش مني بس كان غصب عني.

ابتعدت سـارة عن أحضانها مبتسمة رغم الألم، مازحة معها:

-يا ستي ياريتها كنت أنا بجد، يلا مش مهم عفوت عنك.

ضحكت جهاد هي الأخرى وهتفت:

-عفوتي بجد ولا لسة شايلة مني في قلبك.

-ماقولتلك عفوت خلاص، لو مكنتش عفوت مكنتش هقعد هنا دقيقة كمان، عايزة تسميني عديمة الكرامة سميني بس أنا بحبك ومحبتش اسيبك.

***************

تتسطح ضياء على فراشها بعد ما حدث في نهاية هذا اليوم الذي من المفترض أن تكون سعيدة به، لم يكن يجب حدوث ما حدث وصدر من إحسان في حق جهاد والتي تعني لهم الكثير والكثير، فلا أحد يستطع أن ينكر ما فعلته لأجلهم.

أطلقت تنهيدة محملة بمشاعر التعب والضيق والذي سبب ثقلًا على صدرها.

وبعد دقائق معدودة والوجوم الذي احتل قسمات وجهها ابتسمت تتذكر تفاصيل اليوم الجميلة.

نظراته التي تعلقت بها والتي اربكتها وجعلتها تتمنى لو تنشق الأرض وتبتعلها من فرط الخجل.

الخجل الذي يجب أن تتحلى به أي فتاة وتبتعد كل البعد عما نراه تلك الأيام من جراءة قد تصل إلى حد الوقاحة أحيانًا.

وبدون أن تشعر أو تنتبه إلى نفسها ارتسمت بسمة حالمة على وجهها، والتقطت هاتفها راغبة في فتح رسائله الذي سبق له إرسالها وجعلت قلبها يخفق بشكل جنوني.

حينها لاحظت رسائله التي انهالت عليها ولم تنبته لها إلا الآن.

“أنا روحت وبكل هدوء وأدب وأخلاق عالية طلعت الأوضة من غير ما امسك في خناق أحمد اوس المصايب كلها..”

لاحقها برسالة أخرى يتابع مزاحه وأخبارها بما فعل بعد عودته:

“بصراحة أنا كداب واتخانقت مع أحمد بس سبينا بقى منه وخلينا في المهم.”

بعدها ترقب أي رد منها ولكنه لم يصله أي شي، فقرر سؤالها مخمنًا:

“أنتِ نمتي ولا إيـه؟؟؟”

ثم مر خمس دقائق تقريبًا وارسل لها من جديد :

“يا بختك عرفتي تنامي، أما أنا النوم طار من عيني الله يجزايها بقى اللي كانت السبب”

انتظر ثلاث دقائق أخرى وكتب لها:

“طب أنا بجد مش عارف أنام عملتيها إزاي دي يا قادرة”

ضحكت كاشفة عن أسنانها بعد قراءتها لرسائله، قلبها يرفرف من السعادة، سعيدة لأخذها تلك الخطوة والموافقة عليه رغم كل ما حدث بينهم سابقًا، هو لم يكن بالكاذب بل عاشقًا وهائمًا بها حد النخاع.

سارعت بالرد وكتبت بحماس:

“منمتش لسة وأنا ولا قادرة ولا حاجة بلاش ظلم وافترا”

كان الهاتف لا يزال بين يديه لم يتركه بعد وبمجرد رؤيته لردها وإدراكه بأنها لم تخلد للنوم انتفض من تمدده على الفراش جالسًا يجيب عليها والبسمة تعود لتزين ثغره:

“ولما أنتِ صاحية سيباني بكلم نفسي ليه ومطمنتيش عليا ليه مش المفروض تشوفيني روحت ولا لا وتتطمني عليا هو أنا مش بمثابة خطيبك وهبقى بعون زوجك المستقبلي”

سارت عيونها على كلماته وما أن انتهت من قراءاتها حتى لاحت الحيرة على وجهها هل تخبره بما حدث من شجار بين جهاد وإحسان أم لا؟؟؟؟؟

ابتلعت ريقها تشعر بالحيرة الكبيرة، انتشلها منها المكالمة التي صدح صوتها وكانت منه مقررًا الحديث معها من خلال اتصال عوضًا عن الرسائل التي تحرمه من صوتها الجميل والذي يجعل قلبه يستكين.

ردت عليه فقام بإلقاء ذات الكلمات الذي كتبها:

-مش المفروض تسألي عليا وتطمني هو أنا مش هبقى جوزك ولا إيـه؟

هنا وأتخذت قرارها وقررت أخباره بما حدث ولكن مع الحرص على عدم الخوض في أي تفاصيل:

-بعد ما مشيتوا حصل مشكلتين مرة مع سـارة ومرة مع إحسان، وأنا بجد اضايقت يعني مش كفاية المشكلة اللي حصلت مع سـارة لا كمان كملت بـ خناقة جهاد وإحسان.

هو ليس بالأحمق ولاحظ رغبتها في عدم الخوض في تفاصيل؛ خاصة أن الأمر لا يخصها بمفردها، ولذلك احترم رغبتها ولم يلح عليها واكتفي بكلماتها ومنحها نصيحته:

-متزعليش أكيد هيتصالحوا، هما في الأول والأخر أخوات حتى لو ولعوا في بعض بس في الأخر ملهمش غير بعض، عندك أنا وأحمد علطول خناق في خناق بس هل ده معناه أننا بنكره بعض؟ مستحيل أكره أحمد ومتأكد أنه بيحبني وعُمره ما كرهني، المهم أنتِ خليكي حيادية، متجيش في صف واحدة وتيجي على التانية، وياريت لو تحاولي تكلمي مع إحسان ممكن تكون محتاجة حد يسمعها، جربي مش هتخسري حاجة.

وافقت على كلماته بل وأعجبت بعقليته وتفكيره هذا:

-حاضر هتكلم معاها.

-طب فكي هتفضلي زعلانة كدة كتير، ضياء أنا عايز أقولك أني مبسوط أوي، مهما قولت وشرحت مش هعرف أوصلك اللي أنا حسه، أنا بجد بحبك ، بحبك حب لا يمكن تتخيليه، أنتِ عملتي فيا إيه قوليلي.

حمدت ربها بينها وبين نفسها أنه ليس أمامها ولا يرى حالتها والتي لن تُسر أبدًا لرؤيته لها، فقد تسرب الخجل من كلماته واعترافه إلى وجهها مما جعله يتورد أما عن عيونها فلو رأها لكان وقع في حبها مجددًا……

استجمعت شتات قلبها الذي تبعثر وتلك الفوضى الحادثة معها، مجيبة بهدوء زائف لا ينصف مشاعرها بالمرة:

-هكون عملت إيه يعني معملتش حاجة، أنا هنام تصبح على خير.

-وأنتِ من أهل الخير يا حبيبتي.

أغلق معها وتركها مع كلمته الأخيرة والتي ظل يتردد صداها في أذنيها.

“حبيبتي”.

لامست شيء بداخلها وكان لها تأثيرًا ليس بالبسيط عليها رغم أنها لم تكن المرة الأولى التي تسمعها وسبق لها أن سمعتها مرات عدة من طارق ذلك الحبيب السابق ولكن معه كان الأمر مختلف كأنها لم تختبر سماعها من قبل وكانت تلك هي مرتها الأولى.

دائمًا ما كانت تسمع أقاويل مختلفة عن الحب؛ مثل أن الحب الأول لا يمكن نسيانه ويبقى عالقًا مع الشخص حتى يوم مماته.

وهناك من يقولون أن الحب الأول ليس دائمًا بالحب الحقيقي ويمكن نسيانه بمجرد عثورك على حبك الحقيقي، ولكنها دائمًا ما كانت تتفق مع المقولة الثانية وأن الحب الحقيقي لا يشترط أن يكون الأول أو حتى الثاني، والدليل على ذلك أنها حتى لا تتذكر و تفكر مجرد تفكير ولو بسيط في طارق وآسـر أضحى يشغل بالها و رُبما قلبها كذلك.

***************

ذهبت سارة في النوم، بعد أن ظلت مع جهاد بعض الوقت تواسيها و تخفف عنها بطرق عدة منها سرد مواضيع لم تتطرق لها من قبل وتفاعلت معها جهاد حتى شعرت بالفعل أنها قد تناست حتى ولو بشكل مؤقت، والحقيقة أنها كانت تخدعها و تزيف بسمتها حتى لا تجعلها تحمل همها مدركة بأنها تحمل من الهموم ما يكفيها.

وبعد تأكدها بأنها قد ذهبت في نوم عميق عاد الحزن و الألم يكسيان وجهها الجميل الذي لا يليق به الحزن.

التقطت هاتفها وتسللت من جوارها متحركة بحذر شديد كي لا تقيظها، والجة الشرفة…

جلست على المقعد وبذلك الظلام الحالك تتنفس بصوت مسموع مائلة بجسدها للأمام محاوطة رأسها بيدها تفكر في كل ما حدث مع نفسها.

فهناك جزء بداخلها يخبرها أن ما فعلته وقالتله إحسان متوقع خاصة أنها كانت تحلم به ليلًا نهارًا وبالنهاية هي بشر وقد يتمكن الحقد والشر منها.

هي لا تلقي اللوم والعتاب عليها ولا تكرهها حتى بعد كل ما صرحت به و كان بمثابة صدمة بالنسبة لها بل تلوم والدها التي ستظل تراه سببًا أول و رئيسي في كل ما يحدث معهم…..

وللحق هي لم تفكر فيما ستشعر به إحسان وهي تراها تعيش ما كانت تحلم به رُبما في تلك النقطة كانت مخطئة و كان عليها أن تكن أكثر حذرًا حتى لا يحدث ما حدث.

زفرت عاليًا و رفعت رأسها للسماء تتأمل جمالها وأثناء هذا خطر هـو في بالها و اقتحم عقلها دون استئذان كما فعل دائمًا بقلبها الذي لم يعد بخير أبدًا منذ أن رأه.

حركت رأسها تحاول ألا تفكر به ولكن محاولتها تلك فشلت و وجدت نفسها تنخرط في التفكير فيه أكثر و تتذكر جنونه وحديثه معها اليوم….حديثه الذي تسبب في اندلاع الحرب داخلها و كم رغب قلبها في رفع الراية البيضاء والإستسلام والموافقة على الزواج به فهذا ما كان يحلم به دائمًا وأبدًا رغم كل العبث الذي حدث وفعلته.

حاولت مجددًا إيقاف ما يحدث على أمل أن يفارق تفكيرها، فكانت النتيجة هي الفشل الذريع.

وفجأة انتفض جسدها وقلبها معًا على صوت هاتفها الذي أعلن عن اتصال ما.

رقم غريب غير مدون لكن شيء بداخلها أخبرها أنه هــو.

هل يعقل أنه شعر بها وبحاجتها له!

من المحتمل ألا يكون هو ويكون شخص غريب قد أخطأ أو حتى يتعمد المضايقة…والاحتمال الأكبر من بين كل ذلك هو أن يكون عـادل.

لكنها تركت كل هذا جانبًا و قررت السير وراء حدسها.

وضعت الهاتف على أذنيها وأجابت على المتصل بترقب ودقات قلب تضرب بجنون:

-مين؟؟؟

-والله!!!!! ولما أنتِ مش عارفة مين بتردي ليه؟؟ افرضي مكنتش أنا وكان الزفت عـادل أو حتى رقم بيضايقك تردي بسهولة كدة، أنتِ مجنونة؟

هـــــو…”صابــر”.

لقد صدق إحساسها وقلبها…ولكن بدلًا من الرد عليها ألقى عليها كل ما فكرت به وجاء في ذهنها قبل أن تجيب عليه.

تنهدت براحة بعد أن سمعت صوته والذي كان له تأثيرًا عليها كالسحر….وصل إليها صوته مرة أخرى يسألها:

-ما تردي عليا متجننيش بتردي في وقت متأخر كدة إزاي وعلى رقم متعرفيهوش؟!!

حقــًا !!!!!!!!!

رقم تجهله؟ هل تخبره بما حدث وكيف أخبرها قلبها أنه هو قبل حتى أن تجيب عليه ويصل لها صوته!!!!!!!

هي ليست في مزاج يسمح للشجار أو المجادلة حتى أنها ليست بالغاضبة من انفعاله وكلماته! بل ممنونة للغاية له ولاتصاله الذي جاء في وقته.

-متصل ليه يا صابـر؟ متصل عشان تتخانق معايا؟ مع الأسف جيت في وقت غلط وطاقتي خلصت ومش حمل خناقة تانية ابقى كلمني بكرة و اوعدك نضرب خناقة متخليناش نبص في وش بعض تاني حلو كدة؟

-حلو في عينك!!!!!! مالك في إيه!

تساءل بقلق واضح فما كان منها سوى الإيجاب بهدوء تمنحه جوابًا صادقًا:

-اتخانقت مع سـارة وإحسان بعد ما مشيتوا وكنت مخنوقة ولما رنيت كنت حسة أنه أنت عشان كدة رديت.

رغمًا عنه ودون أن يشعر البسمة تشكلت على محياه من كلماتها العذبة والتي أخبرته بالكثير و الكثير.

لم يبذل مجهودًا لإخفاء سعادته وهتف يشاكسها:

-ده أنتِ واقعة بقى و بتحاولي تتقلي بس خلاص اتفضحتي واللي كان كان.

زفرت بصوت عالي وصل إليه معقبة بهدوء وفضول في آن واحد:

-عايز إيه يا صابـر ومتصل ليه هو مش أنت كنت لسة هنا؟

تتهرب من حديثه ولم يكن من الصعب عليه فهم ما تحاول فعله، هز رأسه يجيب عليها:

-أيوة و لو تفتكري قولتلك أني هستنى رد، فين بقى الرد بتاعي.

-لا والله!!!!!! أنت مش قولتلي خدي وقتك ومش هضغط عليكي!!

-أيوة حصل وقولتلك برضو مش هستنى كتير، ها قولتي إيـه موافقة؟

-اقفل يا صابـر اقفل.

رفض إنهاء المكالمة، متمتم بإصرار:

-مش هقفل قبل مسمع الرد اللي أنا عايزه وتقوليلي موافقة، قوليها وليكي عليا اكتب عليكي علطول هو أحنا لسة هنتخطب أحنا نسيب الكلام ده للعيال التوتو اللي هما آسـر وأحمد لكن أحنا نتجوز علطول..

تدخل أحمد الذي لم يعلم صابر من أين آتى:

-بقى أحنا عيال توتو بتحطنى أنا وآسـر الكلب في سطر واحد!!!!! طب أقولك على حاجة بقى أنا هتجوز علطول ومش عايز خطوبة وهتشوف…واقفل بقى مع جهاد بدل ما اروح أقول لأبوها أنك بتكلمها في انصاص الليالي يا عديم التربية والأخلاق يا خاين لأخوك………

-امشي يالا من هنا امشي يا أحمد.

اتسعت عيون أحمد وصاح بصدمة وهو على مشارف المغادرة:

-أنت بتكلمني أنا كدة قال وأنا اللي جاي اطمن عليك صحيح خيرًا تعمل شرًا تلقى.

عقب ذهابه عاد صابـر لاغيًا كاتم الصوت متابعًا حديثه معها:

-ها قولتي إيــه؟

-قولت لا وتصبح على خير يا صابـر…….

****************

مع صباح يوم جديد، يوم أكثر إشراقه على أحمد وعلى قلبه العاشق الذائب بها كما يذوب السكر في كوب الشاي الساخن، وكيف له ألا يكون وهي من تمناها القلب وحلم بها!

حلمه يتحقق وقريبًا ستكون معه في ذات المنزل وتحت سقف واحد وبين أحضانه.

لن يكف عن فعل الكثير من أجلها لأخبارها بتلك الأفعال إلى أي مدى يهواها.

صلى فرضه، وفور انتهاءه قام بأخذ هاتفه واتصل عليها.

ثواني وكانت تسبب حالة من الهرج والمرج بين ثنايا القلبه النابض.

-صباح الخير.

رد بهيام واضح:

-ده يا صباح النور جدًا يعني، صحيتك؟ أوعي تكوني صحيتك والله ازعل.

نفت حدوث هذا تخبره بهدوء:

-لا صاحية بقالي شوية معأني مش نازلة ولا رايحة في حتة وكمان نايمة متأخر بس معرفش في إيـه.

-متعرفيش في إيـه؟ في أن حظي حلو، بقولك إيـه ما تحني عليا وتيجي ننزل ونفطر سوا، موافقة؟ لو موافقة وعايزة هقفل وأكلم حمايا حالًا وأستأذنه.

-موافقة، شوف بس بابا هيقولك إيـه الأول.

أغلق معها وأتى برقم والدها الذي أضحى يملكه، انتظر إيجابه عليه ولكنه لم يجيب في المرة الأولى وحتى الثانية والثالثة!

ومع ذلك لم يمل أحمد أو يكف عن محاولاته في أن يجيب عليه.

-يـوه ما تشوف تليفونك ده يا شكري مش عارفة أنام شوف مين وخلصنا.

تأفف شكري الذي كان يغط في النوم ولم يستيقظ واستيقظت نرمين بدلًا منه، قرب الهاتف من أذنيه وأجاب على المتصل الذي لم يكلف وسعه لمعرفته حتى، فقد كانت عيونه مغلقة لا يريد أن يفيق ويسترسل نومه مجددًا:

-صباح الخير يا حمايا بقولك إيـه ممكن انزل مع روضة نفطر سوا.

وبعدم تركيز بعد تساءل شكري:

-مين معايا؟

رد أحمد باستنكار:

-مين معاك إيه؟ يعني بقولك يا حمايا و روضة هبقى مين آسـر مثلًا؟ أكيد أحمد يا حمايا أنت نايم ولا إيـه.

هنا وانتبه شكري وفتح عين واحدة ثم ازاح الهاتف ينظر في الوقت فوجده لا يزال باكرًا وتحديدًا التاسعة صباحًا، أعاد الهاتف لموضعه متمتم بتهكم واضح:

-لا نايم إزاي بس هو في حد بينام تسعة الصبح برضو، قولتلي بقى عايز إيـه؟؟؟

رد أحمد ببساطة شديدة:

-عايز افطر مع روضة برة وقولت استأذن حضرتك الأول.

-تفطر معاها إيـه هو أنت فاكر نفسك كاتب الكتاب ولا حتى خطبتها عشان تفطر معاها؟

وبترقب سأله:

-طب نتغدا تمشي معاك؟

-أنت بتهزر على الصبح!!!!!

-والله أبدًا ما أنت معترض على الفطار فقولت يمكن بينك وبينه مشكلة ولا حاجة؟

-أنا مش فايقلك قولت لا يعني لا، أنت مش كاتب كتاب يا روح أبوك.

تغاضى أحمد عن كلماته الأخيرة، وتابع:

-طب خلاص نكتبه كدة كدة كنت عايز افاتحك في الموضوع ده بس أنت فاتحته قبلي، أنا عايز بدل الخطوبة نكتب الكتاب اقلها نفطر سوا برا براحتنا يا عمو ومتقعدش تذل فيا الذل ده.

*****************

-وافق نخرج نفطر سوا؟

تساءلت روضة وهي لا تتوقع الكثير، تعلم كل العلم أن والدها لن يسمح بحدوث هذا.

فهو فقط يوافق ويسمح بما يراه يصب في مصلحته هو أولًا وأخيرًا.

وقد كان.

آتاها صوت أحمد يؤكد لها شعورها:

-لا موافقش، بس مش مهم، عندي ليكي خبر أحلى من كدة مليون مرة.

-إيـه هو؟!

ابتسم باتساع يخبرها بفرحة لا يمكن وصفها وكأن العالم بأسره يعانقه بكل حب:

-أنا اقنعت أبوكي وبدل ما كنا هنعمل خطوبة، هنكتب كتابنا علطول.

حل سكون، فقط يرتفع صوت أنفاسها التي تعالت وأصبح صدرها يعلو ويهبط من ذلك الخبر التي لم تتوقعه!!!!

فها هي الدنيا تبتسم لها وتصبح وردية اللون بعد سنوات طوال من سيطرة اللون الأسود.

لم يغفل أحمد عن صمتها وانتابه القلق من ذلك السكون الذي حل، وظن بأنها قد انزعجت وذلك الخبر الذي جعله سعيدًا كما لم يحدث من قبل أحزنها وليست راضية عنه.

وبتوتر سألها:

-أنتِ ساكتة ليه يا رضوى أنتِ مش موافقة؟؟ لو مش موافقة فـ أنا أسف والله أنا افتكرت أنك هتنبسطي بجد أنا أسف حقك عليا متزعليش مني، أنا هكلمه دلوقتي وأصلح الدنيا و….

توقف عن إتمام باقي جملته منصتًا إلى تعقيبها والذي كان بنبرة صوت تعكس بأنها تقاوم البكاء:

-لا متعملش كدة، أنا موافقة يا أحمد.

وبتأثر وقلق كبير عليها سألها:

-أومال صوتك عامل كدة ليه؟؟ رضوى لو مش موافقة قولي والله ما هزعل، بس اللي هيزعلني بجد أني زعلتك ويعتبر حطيتك قدام الأمر الواقع بس والله ما أقصد اعمل كدة أنا…..

مراعتاه واحترامه لرغبتها والذي على استعداد لتنفيذها حتى ولو كان ليس لصالحه، جعلوها تقاطعه، تصرح له:

-عارفة متبررش حاجة يا أحمد، أنا واثقة فيك، وحبة وعايزة أبقى معاك، عشان كدة أنا موافقة، أنا هعيط من الفرحة مش حكاية زعل خالص.

تلك الكلمات الذي سمعها واعترافها بموافقتها وسعادتها بالنسبة له أجمل من كلمة بحبك، فهي تشعر مثله تمامًا مشاعرهما متبادلة، ليست من طرف واحد.

وربما حبها له يفوق عشقه لها بمراحل…

-وعشان الكلام الحلو ده، أنا النهاردة هنزل الچيم وأبدا اعمل فورما وانزل الكرش ده.

استمرت المكالمة بعد حديثه ذاك، تقريبًا خمس دقائق وبعدها انتهت المكالمة، وقبل أن يفارق غرفته كان بابها يُفتح ويطل منها فريـد قائلًا:

-صباح الخير يا عريس.

-عايز إيه مني؟؟ أنا مبكلمكش لا أنت ولا الحيوان آسـر، ولا التالت اللي مترباش بربع جنية اللي اسمه قُصي، أنتوا التلاتة شخصنتها معاكم خلاص.

-طب آسـر ماشي بعد اللي عمله معاك امبارح وجريه وراك، وقُصي يستاهل، لكن أنا عملت إيه؟؟ ده أنت اللي واقفلي على الواحدة وعماله تطلع عليا سمعة من بعد ما فرح صابـر اتلغى، أنت سلبي وباصص للجانب الوحش وسايب الحلو.

ضاقت عين أحمد وسأل بترقب:

-وإيه هو الحلو ده؟

-الحلو أن حتى لو في فرح اتلغى في العيلة، فـ دلوقتي في فرحين بدل واحد، ومين عارف يمكن صابـر يحصلكم وبدل الاتنين يبقى تلاتة، يبقى أنا إزاي وشي وحش عليكم؟؟ اقنعني!

شرد أحمد في كلماته وفكر بها، وبعد تفكير لم يدوم، مط شفتاه مغمغم:

-تصدق صح؟؟ أنا ليه فكرت فيها كدة وشوفتك وشك وحش؟؟؟

تعالى هات بوسة وحضن يا بن عمي نضال الغالي الحبيب القريب.

وقبل أن يستجيب فريد لاقتراحه سأله وهو يفتح ذراعيه له:

-يعني خلاص حليب يا لبن؟؟

عانقه أحمد وهو يردد بمرح كبير:

-حليب يا قشطة.

وبعد ذلك الصلح وابتعاد أحمد عنه اقترح عليه:

-تيجي معايا الچيم نتمرن؟؟ كتب كتابي مش باقي عليه كتير.

-كتب كتابك!!! هو مش كان خطوبة؟؟

-لا ما أنا لغيت فكرة الخطوبة وهكتب علطول، وبيني وبينك دي فكرة صابـر سمعته بيقترحها فسرقتها منه، أنا لسة هخطب!!.

ابتسم فريـد بسمة عريضة وعاد يكرر له:

-شوفت بقى مش قولتلك وشي حلو، أهو بدل الخطوبة بقى كتب كتاب.

-أنت كنت فين من زمان وسايبنا ليه؟؟؟أنت مفيش سفر تاني ليك، يلا بينا على چيم وسـام زوج أختي العزيزة الحبيبة الغالية وأبو ابنه أختي “نور” العزيزة برضو.

تحركا معًا بعد أن تعلق أحمد بذراع فريـد، وقبل أن يغادرا تمامًا وكلما رأوا أحدًا من أفراد العائلة مستيقظ أخبره أحمد عن صلحهم وخبر كتب كتابه بدلًا من خطبته.

دقائق وكانا الاثنان داخل سيارة أحمد يقودها نحو الصالة الرياضية العائدة لوسـام كي يتمرن الاثنان ويبدأ أحمد في ضبط جسده وجعله رياضي من الدرجة الثالثة فهو ليس بالطماع ويرضى بقليله.

وأخيرًا وصلا و ولجا الصالة، وفور سقوط بصر أحمد على وسـام صاح مناديًا عليه من مسافة ليست بالقليلة جاذبًا أنظار أغلب المتواجدون:

-يا جوز أختي، يا وسـام…

ترك وسـام ما كان ينشغل به واقترب منهما مبصرًا أحمد يصيح في وجهه:

-في إيه يالا أنت هو أنا تايهه وبدور عليا، عايز إيه أنت وهو.

ارتفع حاجبي أحمد وسأله بضيق:

-إيه ده في إيه مالك؟؟ ما تكلمنا عدل بدل ما اديك بالروسية افتحلك دماغك دي، أنت نسيت أني أخو مراتك وخال بنتك!!!

وده ابن عمنا يعني في مقام أخونا.

وبسخرية علق:

-أخو مراتي آه مش أنت ياض اللي بسببك اكتئبت وزعلت وكانت على آخرها بسبب عملتك المهببة، بقولك إيـه غور من هنا.

-أغور!!! طب إيه رأيك بقى مش هغور من هنا!! أنتوا ليه دايمًا بتقفوا في وش حلمي أني ابقى فورما؟

تجاهل وسـام أحمد ونظر نحو فريد يخبره:

-فريـد خده في أيدك وامشوا من هنا يلا.

صاح به أحمد رافضًا الذهاب مقتربًا من إحدى الأجهزة الفارغة متمتم بإصرار وتحدي:

-وربنا ما همشي، على جثتي أني امشي، الكرش ده لازم ينزل قبل كتب كتابي والبدلة الجديدة…..

لحظات فقط وكان يقترب منه وسـام ويحمله بحركة مباغتة كالريشة على كتفه متحركًا به نحو الخارج.

ورغمًا عن فريد انطلقت ضحكاته ولم يقاوم ما يراه، وفرق الأحجام بين أحمد و وسـام الذي ظهر وكأنه حاملًا لطفل صغير على كتفه العريض وليس شاب ناضج بالغ.

أما عن أحمد فصاح به يلكمه بيديه التي لم تأثر عليه:

-أنت شايلني كدة ليه هو أنا ابن أختك، نازلني ياض نزلني أيها الوغد الحقير.

ختم حديثه منحني برأسه نحو كتف وسـام الذي يتابع سيره للخارج وفريـد من خلفهم على وشك السقوط من الضحك، غارزًا لاسنانه في كتفه ذلك يقوم بعضه، ولكن أيضًا لم تأثر على وسـام مما جعله يعلق بعدم تصديق:

-أنت حلوف ياض مبتحسش؟؟؟ وأنت يا زفت بتضحك على إيـه والله لما أنزل لأوريك، ما تتنيل تهبب حاجة بعضلاتك دي ولا أنت منظر على الفاضي…وأنت نزلني أنا بحذرك، يعني مفيش فايدة، طب أهو.

أنهى حديثه مقتربًا من أذن وسـام تلك المرة وقام بعضها…

مما جعل وسام يدفعه أرضًا مسقطًا إيـاه.

تأوه أحمد من السقوط، مبصرًا وسام بحنق طفولي وكذلك فريد الذي انتبه لنظراته وتمتم بصعوبة من بين ضحكاته:

-أنا أسف غصب عني والله بس المنظر كان مسخرة، مقدرتش امسك نفسي.

بينما تحدث وسـام يخبر أحمد بغضب كبير:

-ده عشان زعلت زهـر امبارح، امشي بقى واخفي من قدامي لحد ما روق من ناحيتك..

جز أحمد على أسنانه ولم يعلق بلسانه بل أخرج هاتفه وجاء برقم شقيقته واتصل عليها.

أجابت عليه متمتمة بحنق:

-أفندم بتتصل بيا ليه عايز مني إيه، دلوقتي بس افتكرت أن ليك أخت تتصل بيها؟

-جوزك شالني على كتفه ولا كأني شوال بطاطس، ورماني برة الچيم، يرضيكي؟؟ هل يرضيكي؟؟؟

سألته بترقب:

-وسـام عمل كدة؟؟؟

هز رأسه وأكد لها وهو ينظر داخل عيونه بتحدي:

-أجل يا سيدتي وأنا مرضتش أقرب منه ولا أمد أيدي عليه عشان خاطرك وعشان عيون نور وحايش فريـد عنه بالعافية.

علقت بهدوء:

-طب افتحلي الاسبيكر كدة.

وبانتصار ارتسم على محياه، أردف بشماته وهو ينفذ لها مطلبها:

-فتحته.

-أنت عملت كدة فيه يا وسـام؟؟؟؟

أكد لها ببساطة:

-آه، وده قليل كمان عليه.

غزت البسمة شفتيها وأخبرته بحب انعكس على نبرة صوتها:

-تعرف أني بحبك؟؟؟ تسلم أيدك يا حبيبي يا أبو بنتي وحب عُمري.

اتسعت عيون أحمد وصاح بها:

-نعــم يختي؟؟؟ هو ده اللي ربنا قدرك عليه؟؟ للدرجة دي قلبك أسود، طب ماشي أنا هوريكم، يلا ياض يافريـد بينا على أي چيم منافس ليه، أنا هوريك، أما خليت جهاد تعملك فيديو تشتمك فيه أنت والچيم بتاعك مبقاش أحمد على سنح ورمح.

*****************

استشعرت ضياء أن رُبما كلمات آسـر حقيقية وإحسان في أمس الحاجة لوجود وتقرب أحدهما منها، يجب ألا تترك بمفردها وتسوقها نفسها الآمرة بالسوء وتندم فيما بعد وتكون العواقب وخيمة وثقيلة عليها لدرجة لن تتحملها، لذا ستفعل ما بوسعها بدءًا من تلك اللحظة.

طرقت على باب غرفتها بهدوء ثم ولجت مطلة برأسها وشفتيها تتحرك منادية عليها:

-إحسان، أنتِ صاحية.

وفور انتهائها ابتسمت بسمة بسيطة وهي تلج وتغلق الباب من خلفها بعد أن رأتها مستيقظة بالفعل وتجلس على الفراش تحتضن جسدها بذراعيها:

-عاملة إيـه دلوقتي؟

أثناء سؤالها لها عن حالتها كانت بالفعل أضحت أقرب إليها ترى ملامحها عن كثب، جفونها المنتفخة نتيجة لبكائها الذي لم يتوقف طوال الليل.

نظرت إحسان داخل عيونها نظرة محملة بالعتاب، الوجع، وغيرها من المشاعر التي عجزت ضياء عن فهمها وتركت لها العديد من علامات الاستفهام!!

خرج صوتها تجيب على سؤالها لها:

-كويسة جدًا زي الفل، مش باين عليا ولا إيـه؟

ابتلعت ضياء ريقها ثم جلست بجوارها ومدت يدها نحوها تضعها أعلى ذراعيها المحتضنة لنفسها بقهر و وجع بداخلها لا يشعر به أحد ممن حولها:

-لا مش باين عليكي، وباين عليكي أنك زعلانة وأوي كمان ومعيطة لحد ما شبعتي عياط؟؟ ولا مشبعتيش ولسة عايزة تعيطي؟

-عايزة إيه يا ضياء مني؟

لانت ملامح ضياء ثم أخبرتها وهي تقترب منها أكثر:

-عايزاكي تبقي كويسة، عايزاكي تفهمي أن جهاد مش وحشة، وأنا مش بدافع عنها ولا واقفة في صفها عشان متفكريش أني جاية عليكي و واقفة معاها، بس كمان مش معاكي ولا مع اللي عملتيه، جهاد مش خصم ليكي جهاد أختك وحتى لو شايفة أنها خدت حلمك منك هي مش شايفة ده، هي شايفة أنها عملت ده علشانا، مش حبًا في اللي هي فيه، لو كنتي تعرفي جهاد ولو حاجة بسيطة كنتي هتحسي بيها الفترة اللي فاتت وأنها مكنتش مبسوطة، هي كانت بتعمل نفسها مبسوطة، أنا وروضة كنا حسين بس محدش فينا قدر يتكلم ويقولها كدة لأنه كان مجرد إحساس و شك، بس حاليًا أحنا متأكدين من أنها فعلًا مكنتش مبسوطة.

ازدردت مرارة تواجدت في حلقها، ثم رفعت يدها الأخرى ومسدت على خصلات إحسان التي لم تصل لطولها السابق بعد، مضيفة بوجع لن يشعر به إلا من صارع وعاش معأناتها:

-جهاد عملت اللي عملته عشان تبعدنا عن أبوكي ومنبقاش تحت رحمته، كانت عايزة تخلصنا وتنقذنا منه، كان عجبك اللي كان بيحصل فينا واللي شوفناه منه؟؟ وهرجع وأقولك تاني والله ما بدافع عنها أنا بس بحاول أوصلك دوافعها، وبعدين أنتِ صغيرة يا إحسان كان ممكن يضحك عليكي واديكي شوفتي جهاد أهي كبيرة واتخدعت في عـادل إزاي، أومال أنتِ بقى كان هيحصل فيكي إيه؟

لاح الشرود على وجهها الباكي الحزين لأقصى درجة، فتابعت ضياء:

– أحنا أخوات يعني ملناش غير بعض في الأول والأخر، أحنا الأمان والضهر لبعض مهما حصل بينا لازم نصفى، انسي اللي فات وأبدئي صفحة جديدة، انسي فيها أي زعل وأي حاجة حصلت، أحنا بنعيش مرة واحدة بس؟؟ فيبقى ليه نعيشها كارهين وحقدين على بعض؟ لما ممكن نعيشها بنحب ونود بعض؟ أنا بحبك، وجهاد بتحبك، وروضة وإسلام وبرق وعصمت ورضا كلنا لازم نحب بعض، ونقف في وش الغريب عشان حقيقي ملناش إلا بعض، وأوعدك أني من اللحظة دي هتلاقيني دايمًا جمبك، وعلى فكرة أنتِ مش وحشة أنتي أجمل بنت وأخت في الدنيا.

الكلمات الأخيرة الحنونة الصادقة والتي أخبرتها بها بأنها ليست بالسيئة، بل وأجمل فتاة وأخت؛ فعلت الأفاعيل بها وجعلت الدموع تتجمع داخل عيونها دون حسبان أو إرادة منها، فقط تأثرت كثيرًا وكان لها نصيبًا في التأثير عليها وجعلها تبكي من جديد، تبكي كأنها لم تبكي منذ سنوات طويل، مندفعة لأحضان ضياء التي استقبلتها بكل حنان يتواجد بداخلها تربت على ظهرها وخصلاتها، تقبل مقدمة رأسها لا تتوقف عن إلقاء الكلمات المادحة في حقها والتي تسببت في تسرب الندم والوجع بل والشفقة على نفسها إليها……..

*****************

انتهزت جهاد انشغال سارة ومغادرتها لتقضية مشوار عمل، وجاءت بهاتفها بعد تفكير طويل وعلى الفور قامت بإلغاء الحظر عن عـادل واتصلت عليه وترقبت رده عليها.

على الطرف الأخر كان مستيقظًا يرتشف قهوة أعدها لنفسه ينظر لهاتفه بتفكير فقد حاول الاتصال بـ إحسان لمعرفة أي جديد سواء كان عن جهاد وصابـر أو حتى سـارة ولكن هاتفها مغلق حتى أنه أرسل لها العديد من الرسائل ولكنها لم تصل إليها.

وفجاءه أضاءت شاشة هاتفه لتعلن اتصال من جهاد التي زين اسمها شاشة هاتفه، وعلى الفور خفق قلبه.

وتسللت البسمة عائدة إلى شفتيه بعد أن ظن وفكر تفكير غير منطقي بالمرة وهو أنها قد ندمت وأزالت الحظر عنه ولا تزال ترغب بوجوده بجوارها كحبيب و زوج مثلما يرغب هو بالمثل.

رد عليها بثقة ليست في محلها ولهفة لم يستطع اخفائها عنها:

-كنت حاسس أنك هتفكي البلوك وتكلميني، كنت عارف أني مش ههون عليكي يا جهاد وراجعين راجعين.

-حيلك حيلك تهون إيـه و راجعين إيـه بس بلاش مخك يسوحك يا عـادل، أنا مش بكلمك أحب فيك، أنا بكلمك عشان تبعد عن إحسان ومش إحسان بس يا عادل حتى سـارة متفكرش تقرب منها، أنت سامع؟

وبصدمة كبيرة على قلبه الذي اعتقد بأنها تهواه مثلما يهواها، علق بمرارة:

-هو ده سبب اتصالك؟

وبقوة أخبرته لا تشفق عليه بالمرة:

-أكيد مش متصلة أحب فيك، أنا اللي بقلعه من رجلي وبرميه مش برجعه تاني فبلاش أحلام كبيرة عليك ومستحيلة.

-أنتِ إزاي بتكلميني كدة، أنتِ فاكرة نفسك إيه، نسيتي أن أنا اللي عملتك واديتك قيمة أكبر من قيمتك، ولا أنا عشان كنت بعاملك حلو؟؟؟ لا واضح كدة أنك مبتجيش غير بالضرب أبوكي كان معاه حق.

مجددًا، يضرب بلسانه من أمامه بنقطه ضعفه، مثلما فعلها بالأمس وعايرها أمام الجميع يعايرها مرة ثانية بأن الفضل يعود لـه…

هذا هو نوعه وأسلوبه في إيلام الطرف الأخر مسلطًا لسانه عليه.

لكن تلك المرة هي لن تصمت له ولن يمر الأمر مرور الكرام، وانفجرت به تمنحه ما يستحقه:

-أوعى تكون فاكر أني عشان مردتش عليك امبارح يبقى هسكتلك وهسيبك تقول اللي تقوله لا فوق كدة، أنا مردتش بس احترامًا للناس الموجودة، أنا جهاد يا عـادل، متربية من صغري على الشقا واللي يزعلني بكلمة ازعله بألف، أنا ممكن دلوقتي امسح بكرامتك الأرض واغسلك وانشرك كمان، فاتعدل كدة وأنت بتكلم معايا ومتنساش نفسك ولو جينا للحق فـ أنا اللي خليتك تتشاف من تاني ولو رجعنا لورا شوية حلوين هنلاقي أن سارة اللي عملاك أصلًا عارف ده معناه إيه؟؟ أكيد عارف.

-أنتِ إزاي تكلميني كدة يا بنت الـ…….

قاطعته متحدثة بعنفوان ونبرة فاقمت من صدمته بها:

-طب كمل شتيمة كدة عشان قسمًا عظمًا صورك إياها اللي معانا ومنزلنهاش تنزلك، أخر كلام عندي إحسان وسـارة تبعد عنهم بالتي هي أحسن.

أغلقت الهاتف في وجهه وتركته يصرخ كالمجنون يصب غضبه على منزله ليقلبه رأسًا على عقب.

أما هي فوضعته من جديد على قائمة الحظر ثم تركت هاتفها وأخذت مفاتيح وهاتف إحسان من الدرج، وتركت غرفتها.

وقفت أمام باب غرفة شقيقتها، ثم ولجت لا تنتظر أذنًا بالدخول.

وقفت خلف الباب بعد أن أغلقته، تنظر داخل عيون إحسان التي التفتت إليها تطالع مقتحم غرفتها للمرة الثانية بعد فعلة ضياء والتي ظلت جالسة معها قليلًا ثم تركتها بمفردها بعد أن تأكدت أنها أضحت بخير.

-ممكن ادخل؟

-أنتِ دخلتي خلاص مش مستنية أذن.

بللت جهاد شفتيها ثم تابعت وهي تتحرك مفارقة لمكان وقوفها تقترب منها فهي لا تزال جالسة أعلى الفراش:

-طب ممكن نتكلم؟

اكتفت فقط بهز رأسها دلالة على موافقتها على الحديث.

جلست جهاد على الفراش أمامها مباشرة، ثم مدت يدها و وضعت المفاتيح و الهاتف جانبها، تخبرها:

-أول حاجة مفاتيحك وموبايلك أهم، ومتقلقيش موبايلك مفتحتهوش وكان نايم طول الليل في درج الكومدينو، أنا ميهمنيش عملتي إيـه قبل كدة، ويهمني بس اللي بعد كدة، أنا عايزة أبدأ معاكي صفحة جديدة يا إحسان، أنا انسى فيها اللي عملتيه معايا وأنتِ تطلعي فكرة أني سرقت حلمك دي من دماغك، أنا مستحيل أفكر بالطريقة دي ولو أنتِ شوفتيها كدة، فـ أنا أسفة ليكي، مش عايزاكي تبقي شايلة مني واتاكدي أني عُمري ما بصتلها بالطريقة دي، أنتِ كنتي الدافع ليا أني أخد الخطوة دي عملت ده علشانك، عشان مستحملتش منظرك وأنتِ مضروبة ومتبهدلة، عُمرها ما كانت أنانية مني، على قد ما كانت حب ليكم، عمري ما فكرت أني أوجعك عشان كفاية علينا وجع لحد كدة، واحدة غيري امبارح كانت ممكن تسيبك تمشي وتروحي تقعدي مع أبوكي ومراته، أو حتى كانت هي اللي تطردك وتقولك تمشي من هنا، بس أنا مقدرش أعمل فيكي كدة، أنا بحبك، أنا أوقات كتير بحس نفسي أم ليكم مش أخت وبس، حتى لـ إسلام، عشان كدة مقدرش أقسى عليكي ولو عملت ده من غير ما اقصد فـ أنا أسفة ليكي وبجد ومن كل قلبي مسمحاكي على أي حاجة عملتيها، وهفضل أسامحك عُمري ما هعرف اكرهك.

ختمت جهاد حديثها مباغتة الأخرى بأخذها عنوة لداخل أحضانها..

لتشعر إحسان من جديد برغبة في البكاء من كلمات جهاد وسوء ظنها بها، كانت مغيبة يملؤها الحقد نحو شقيقتها، ولكنها الآن يملؤها الندم خاصة بعد تلك الاعترافات التي تنهال عليها واحدة تلو الأخرى وتخبرها كم يحبونها….

كان من الممكن أن تقسو عليها جهاد بالفعل وتتركها تذهب لجحيم والداها و زوجته التي لن تتهاون معها بالمرة وستعاملها مثلما تعاملت زوجة أب سندريلا معها، لكنها لم تفعل بها هذا.

وهذا هو الحب الذي ينبغي أن يكون ويحدث بين الأشقاء والشقيقات بل والأحباء كذلك حب يملؤه التسامح والعفو عند المقدرة طالما أدرك الطرفان خطأهما في حق بعضهما واعترفا بذلك…..

آتى دور إحسان في الاعتراف أيضًا فرفعت ذراعيها وعانقتها هي الأخرى قائلة بنبرة تطلب السماح والعفو:

-أنا أسفة يا جهاد، أنا أذيتك كتير وقولتلك أني بكرهك بس أنا كمان والله بحبك، أنا…أنا مش عارفة عملت كدة إزاي، أنا أسفة على كل اللي عملته وقولته….

*****************

مر ما يقارب ثلاث ساعات، حضرت إسلام خلالهم وألقت عليهم خبر حملها السعيد، ولم تكن بمفردها بل آتت معها بـرق التي علمت هي ويوسف في هذا الصباح الباكر وقبل الجميع.

وبعد جلوس الشقيقات معًا، أعلن هاتف جهاد عن اتصال من صابـر ومن ذات الرقم الذي حادثها منه بالأمس.

تسللت من بينهم، ودخلت غرفتها وتأكدت من إغلاق الباب وألا تنساه مفتوحًا وذلك لحضور نيتها في الرد عليه.

أخذت نفسًا طويلًا ثم زفرته ببطء شديد قبل أن تجيب عليه ويصل له صوتها، قائلة بهدوء رغم بعثرة مشاعرها ودقات قلبها التي بدأت تعلو تدريجيًا تأثرًا بـه وبمكالمته وعلى أعتاب التأثر أكثر وأكثر من صوته الذي لن يرحم فؤادها وسيزيد الأمور سوءًا:

-عايز إيه يا صابـر؟

-عايز إيـه يا صابـر!!!! الناس يختي تقول ألو، صباح الخير، مساء الخير، السلام عليكم وعليكم السلام، مش عايز إيـه يا صابـر!!….مش ده كان كلامك برضو!

ارتخت تعابير وجهها وما عادت تحتمل كل ما يحدث معها في تلك اللحظة..

هي تتذكر جيدًا، بالفعل تلك كلماتها!!!

ومن الواضح أن تذكر ما ألقته عليه من قبل في بادئ الحديث معه عبر الهاتف لم يكن من نصيبها هي فقط، بل هو أيضًا يتذكر ويلقيها على مسامعها بدلًا منها ليسبب لها صدمة كبيرة للغاية.

حاولت بشتى الطرق تخطي تلك الصدمة، ثم علقت بنبرة تقطعت في البداية محاولة تبديل الحديث، غير راغبة بالمرة في تذكر ما فعلت من قبل:

-أنت عايز إيـه يا صابـر.

وبصراحة مطلقة أجابها دون تردد أو تراجع:

-قولتلك عايز أتجوزك.

-وأنا قولتلك لا مش هينفع.

رفض رفضها وتمسك برغبته في الزواج بها:

-اللي مينفعش نفعه، مفيش حاجة بتقف في وش العبد لله، أقولك على حاجة يلا نبدأ من جديد، أنا مش صابـر دلوقتي.

عقدت ما بين حاجبيها بعدم فهم واضح لكلماته، وسرعان ما عبرت عن ذلك قائلة:

-يعني إيـه أنت مش صابـر أومال أنت مين؟ شبحه مثلًا إيه الهبل ده!

-مش هقولك حزري فزري يا اسمك إيه أنا اسمي إيه…..

انحلت عقدة حاجبيها وتفهمت مقصده وما يفعله، هو يحفظ كلماتها جيدًا، وعاد يلقيها عليها مجددًا.

تلك ليس بكلماته بل كلماتها في أول مكالمة بينهما.

ولكن تبدلت الأدوار وحل هو محلها وهي حلت محله……..

التزمت بالصمت مما جعله يتابع بطريقة عاشقة لو أخبره أحدهما أنه سيتحدث بها ويعشق فتاة لتلك المرحلة الذي يصلها الآن وبهذا الشكل لم يكن سيصدقه:

-أنا المتيم بكِ والعاشق لكِ، والمفتون بعيناكِ، أنا أسير هواكِ………………

««يتبع»»…

فاطمة محمد.

منتظرة رأيكم وتوقعاتكم، ولنا لقاء أخر مع فصل جديد الأسبوع القادم بأذن الله. ❤✨

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية الحب كما ينبغي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق