رواية الحب كما ينبغي الفصل التاسع والخمسون 59 – بقلم فاطمة محمد

رواية الحب كما ينبغي – الفصل التاسع والخمسون

الفصل التاسع والخمسون

الفصل التاسع والخمسون

الحب كما ينبغي.

فاطمة محمد.

الفصل التاسع والخمسون:

-أنتِ أتجننتي يا جهاد!!!! إيـه الجنان اللي أنا بسمعه ده! أنتِ إزاي توافقي أصلًا!!!

كان من سوء حظ جهاد، استيقاظ إسلام وخروجها من الغرفة بحثًا عن جهاد وفور خروجها وقبل أن تنادي عليها، استمعت إلى صوتها واتبعته منصتة إلى حوارها مع عادل وإبلاغه بموافقتها على العمل معه.

اتسعت عين جهاد تحذير لها كي تصمت وألا تتابع ما تنطق بـه مبتعدة بالهاتف قليلًا عنها متجاهلة إسلام، منهية المكالمة معه:

-طيب بص شوية وهكلمك تاني.

أزاحت الهاتف عن أذنيها وهي ترمق إسلام تخبرها بانفعال:

-في إيـه يا إسلام مالك على الصبح؟!

اقتربت إسلام خطوتان منها تخبرها بعدم تصديق يرتسم على ملامح وجهها المصدوم من موافقتها حقًا، فقد كانت تظن أن حديثها معها مجرد حديث وترهات وقت غضب، ولم يأتي بجالها أنها ستنفذ بالفعل:

-أنتِ لسة بتسألي مالي؟؟أنت ليه بتوافقي؟؟ ليه بتمشي الغلط اللي هو عايزه؟ هو جبرك صح؟ أنتِ مش بتعملي كدة بمزاجك؟ أكيد في حاجة، أنا هتكلم معاه واعرفه أنك مش موافقة….

وما كادت أن تتحرك إسلام تنوي الذهاب إلى غرفة والدها والحديث معه وإنهاء تلك المهزلة.

حتى وجدت من تمسك بها وتعيق حركتها وتجعلها تسير معها على مضض نحو الغرفة، قائلة بخفوت:

-تعالي معايا يا إسلام خلينا نتكلم في الأوضة، بلاش نتكلم هنا.

ولجت إسلام أولًا بعدما فتحت جهاد لها ودفعتها بخفة للداخل، وفور دخولها ولجت خلفها مغلقة الباب عليهما، منصتة إلى حديثها الغاضب:

-هتكلمي في إيه يا جهاد.

وبدون مقدمات وبكل قوة وعزيمة على إنقاذ شقيقاتها أولًا ثم نفسها قالت:

-أنا اللي عايزة فعلًا الشغل ده ومحتجاه…ومحتجاه عشان أخواتك قبل ما يكون عشاني، مش عيب أبدًا أني أفكر فيهم وأعوز مصلحتهم..أنا وافقت عشان أنا عايزة أوافق مش عشان أبوكي عايز…أنا لو مش عايزة أبوكي مش هيقدر يجبرني على حاجة وأنتِ عارفة كدة كويس..قولتهالك وهقولهالك تاني، أنا وهما اللي لسة عايشين معاه…وأنا خلاص فاض بيا، ومش عايزاهم يعانوا أكتر من كدة…من اللحظة دي مش هسمحله يدوس لواحدة فيهم على طرف، كفاية أوي اللي عمله فيا وفي إحسان.

وبصدق وشفافية وخوف حقيقي، أخبرتها إسلام:

-بس أنا خايفة عليكي يا جهاد…لو عايزة تشتغلي وتعـ…..

قاطعتها جهاد تبثها الطمأنينة:

-وأنا مقدرة خوفك..بس اطمني ومتقلقيش عليا…أنا كنت خايفة على إحسان من الطريق ده بس ده عشان هي لسة صغيرة وخوفت حد يستغلها…بس أنا غيرها أنا أقدر أميز وأفرق عنها وعشان كدة بقولك متقلقيش عليا وثقي فيا…وعشان خاطري متكلميش معايا تاني في الموضوع ده لأن أنا خلاص خدت قراري ومش هتراجع عنه مهما حصل.

ترغب بتخليص شقيقاتها ونفسها من سجن والدها والخروج من خلف أسواره.

لا تريد أن يساء معاملتهم أكثر….يكفي ما حدث حتى تلك اللحظة.

وقد باتت ترى بأن الفرصة الذي قدمها عـادل لها على صحن من ذهب فرصة لا تعوض ولن تأتي مرة أخرى.

وهذا العمل كطوق نجاه لهم.

والآن عليها التشبث بذلك الطوق بقوة حتى تصبح ناجحة..مشهورة….تملك الكثير والكثير….

___________________________

صدفــــة.

لقاء غير مرتب أو متوقع.

مصدوم من رؤيتها أمامه.

عيونهما تتلاقى….

تدارك قُصي صدمته سريعًا مجيبًا على استفسارها باستفسار آخر:

-أنتِ كويسة؟؟

سؤال بسيط من غريب جعل وجهها ينكمش حزنًًا وشفقة على حالها كما امتلئت عيونها بالدموع.

في الحقيقة لا يبالي بها أحد ويسأل عن حالها وأحوالها.

لا أحد يدري ما تصارعه وتشعر بـه من وحدة على وشك أن تقتلها.

رغم وجود الكثير من الأشخاص حولها ولكن وجودهم كعدمهم تمامًا.

ضحكتها وسعادتها الظاهرة للعلن وللجميع لا تظهر مأساتها الحقيقية.

وبصعوبة شديدة قالت بضعف تخبره بأنها على ما يرام ولا يوجد بها شيء:

-كويسة…..

انكمش وجهه هو الآخر بعد أن جالت عيونه على وجهها منتبهًا إلى تعابيرها المتغيرة والتي حاولت بها إخفاء ماهية مشاعرها ولكنها فشلت في ذلك والتقط هو ذلك:

-كويسة إزاي يعني، شكلك مش بيقول كدة! أنا عارفك على فكرة ومتابعك…وعشان أكون صريح معاكي أكتر مكنتش أعرف أنه أنتِ لما وقفت بعربيتي عشان أشوفك، أنا افتكرت العربية عطلانة ولا حاجة؟ أوعي تكون عطلانة وأنا كنت صح! والله أزعل.

ردد حديثه الأخير بأسلوب مرح للغاية.

لم يؤثر بها وابعدت عيونها عنه تنظر لانعكاس صورتها بالمرآة الأمامية، ملتقطة منديل ورقي وبدأت تمسح به آثار دموعها وتهندم حالها.

ولكن حتى ولو فعلت وهندمت حالها ومظهرها الخارجي ماذا ستفعل بما يدور بداخلها من مشاعر سيئة واكتئاب يزداد معها يومًا بعد يوم.

أجابت عليه بهدوء يتنافى مع هيئتها:

-لا مش صح والعربية مش عطلانة…شكرًا لاهتمامك.

أوشكت على التحرك والانطلاق بالسيارة وكأن شيء لم يكن ورأها غريب على تلك الحالة.

لاحظ ما هي على وشك فعله مما جعله يخبرها باعتراض مغلف بالمرح:

-إيـه ده أنتِ هتمشي ولا إيـه؟؟ لا ده أنا كدة ازعل بجد وحق وحقيقي واعيط وأنا أساسًا مسميني قُصي العيوط.

عادت تبصره، تنظر داخل عيونه من جديد قائلة بعدم فهم:

-ما طبيعي همشي! ولتاني مرة شكرًا ليك بجد.

-لا مش طبيعي تمشي ولا حاجة، ده شيء غريب وعجيب جدًا..وبعدين شكرًا على إيـه أنا معملتش حاجة، وغير بقى ده كله أنتِ لسة مش في أفضل حالاتك وبصراحة أخاف اسيبك وامشي ترجعي تعيطي تاني، ضميري هيأنبني وهقعد أفكر يا ترى بقيتي كويسة ولا لا، من الآخر دماغي هتسوحني وهتقعد توديني وتجيبني، فمنعًا لكل ده أنا عندي الحل.

لم تقاطعه أو تتجاهله، بل كانت تمنحه كامل اهتمامها.

تابع حديثه وهو لا يحرك عيونه عنها، ملقيًا عرضه عليها كي ينتهز تلك الفرصة التي جاءت لـه:

-إيـه رأيك نروح نشرب أي حاجة، وأهو بالمرة تهدي واطمن عليكي وعقلي ميسوحنيش وتشيلي ذنبي.

بعد انتهائه وتوقفه أخيرًا عن الحديث توقع أنها لن توافق أو على الأقل الموافقة لن تأتي بسهولة بالغة ويأتيه جوابها بالرفض ولكن ذلك الرفض لن يقبله بل سيظل ويلح عليها حتى توافق على الذهاب معه.

ولكنها حتى لم تعترض بل وافقت بسهولـة وقالت على الفور حتى وبدون تفكير في عرضه، مسببة له صدمة لم تدوم إلا للحظات:

-أوك معنديش مشكلة، بس كل واحد يروح بعربيته عشان بس متطمعش أننا نروح بعربية واحدة.

_______________________________

كان من المفترض والمخطط لـه أن يذهب صابـر إلى عمله ولكن ما حدث هو عكس ما كان يخطط لـه!!!

وجد نفسه يغير طريقه ويذهب في اتجاه منزلها.

نفد صبر..لم يعد هادئـًا!!

بل بات على مشارف الجنون بعد أن حاول الاتصال بها مجددًا ولكن النتيجة لم تختلف.

تتجاهله….لا تجيب عليه.

يجهل ما يحدث معها الآن والقلق والخوف الذي وصل لدرجة الرعب ينهشن بـه.

حاله مثل حال قلبه…قلبه الذي لم يعد بخير.

الحب والعشق قلب موازيين حياتـه وقلبـه.

وقبل أن يصل التقط هاتفه من جديد مقرر الاتصال بها ومنحها فرصة أخيرة للإيجاب وجعل قلبه يسكن ويطمئن.

في الحقيقة لا يطمع في الكثير.

فقط كل ما يريده هو أن يطمئن عليها.

آخر شيء قد يرغب في حدوثه هو أن يطولها أو يمسها ضررًا مرة أخرى.

صورة وجهها والذي اعتلاه أثار الضرب من قِبل والدها لا تغيب عن بالـه وعيونه.

لم تتغير النتيجة ولم تجيب عليه من جديد…

وبدون أن يتوقف عن متابعة طريقه ارسل لها تلك الرسالة النصية والذي كان الغرض منها هو أن تجيب ويسمع صوتها فقط لا غير.

“ردي عليا يا جهاد هتصل لأخر مرة….لو مردتيش هطلعلكم وهجيب عاليها وطيها.”

قصد بالكلمات الأخيرة والدها ومما هو قادر على فعله بـه عقابـًا لـه على ما فعله بها.

لن يحسب حسبان لأحد ولن يقف في وجه أي شخص.

ولو اجتمع العالم بأكمله لن يردعه أحد.

كرر اتصاله عليها للمرة الأخيرة.

ترقب ردها وكانت النتيجة هو ردها عليه قلقًا من أن ينفذ تهديده، على علم بأنه قادر على فعل ما يخبره بـه فهو بالأول والأخير لا يبالي لأي شخص.

وصل إليه صوتها وكانت أول من تتحدث قائلة بانفعال لم يراه لكنه وصل إليه من خلال نبرتها:

-هو في إيـه؟؟؟؟ أنت بتهددني! أساسًا بتتصل عليا تاني ليه!!!!! أنا بجد مش فهماك ومش عايزة أفهمك، ابعد عني يا صابـر و…

-مد أيده تاني عليكي؟؟؟؟ قولي الحقيقة يا جهاد، الراجل ده ضربك تاني؟ رفع صباع عليكي؟؟؟؟

قاطعها يستفسر منها بنبرة تعكس فرط رعبه وخوفه عليها من وجودها تحت ذات السقف مع والدها.

كزت على أسنانها تغتاظ منه ومما يفعله واهتمامه وحبه المفاجئ والذي ظهر من العدم ودون مقدمات:

-أنت مالك؟؟ ما تسبني في حالي بقى، عايز مني إيـه، أنا مش عايزة لا تكلمني ولا اسمع صوتك تاني، وفر اهتمامك ده لحد غيري…أنـ

لم يدعها تسترسل وقاطعها من جديد يخبرها على حين غرة:

-وأنا مش عايز غيرك ومش عايز اهتم بغيرك، أنا عايزك أنتِ وبس يا جهاد….من امبارح وأنا مرعوب عليكي وأنتِ مبترديش ومبتبرديش ناري…أنا جايلك يا جهاد، عايز أشوفك و

جاء دورها وقاطعته هي تلك المرة كي تجعله يتوقف عما يفعل.

تحاول إقناع نفسها أنه لم يعد لـه مكانًا في قلبها…وحبه انمحى كأن لم يكن:

-تجيلي ليه وتشوفني بتاع إيـه، بطل الأنانية بتاعتك دي وبطل تفكر في نفسك وبس، لو أنت عايز فـ أنا مش عايزة…مش عايزاك تكلمني…انساني كأنك معرفتنيش ولا شوفتني…انسي كل اللي حصل بنا وامحينا من دماغك، عشان أنا عملت ده وأنت مبقاش ليك وجود ولا مكان في حياتي…ولآخر مرة هقولك أبعد عني يا صابـر.

_______________________________

-ها تحبي تشربي إيـه يا سـارة؟

طريقته في الحديث وعشمه الزائد إذا رأها أي شخص لا يعلم حقيقة ما يحدث قد يظن أنهما على معرفة وقريبان من بعضهما.

التقط نظراتها التي ترمقه بها.

رفع يده وحك جانب أنفه يسألها ببسمة عريضة:

-إيـه اضايقتي عشان بقولك سـارة كدة حاف؟ لـو أ..

زفرت باختناق، تخبره وهي تجذب قائمة المقهى من يده:

-أنا هأكل مش هشرب.

عاد بظهره للوراء مفاقمًا من مراقبته لها.

رؤيتها والحديث معها في الحقيقة وعلى أرض الواقع تختلف عن متابعتها من خلف شاشة الهاتف.

فتاة غريبة…غامضة…خلفها الكثير من الأسرار والخبايا.

ما رآه اليوم يخبره بمدى حزنها وسوء حالتها.

خرج من شروده وتفكيره بها كمحاولة لحل لغزها على صوتها وسؤالها:

-هتأكل معايا؟

هز رأسه ورد مؤكدًا:

-أكل مكلش ليه يعني..ده أنا حتى نفسي اتفتحت.

تلميحاته واضحة وضوح الشمس.

ومن حسن حظه جاء النادل، وقبل أن يخبره بأي شيء كانت تسبقه وتطلب الطعام لها ولـه.

لم يعترض بل ظل صامتًا وعيونه لا تتركها.

بعد مغادرة النادل، حولت انظارها نحوه من جديد وقالت وهي تجذب معها حقيبتها اليدوية وتنهض من جلستها:

-ثواني وجايـة.

خمن وفهم رغبتها في الدخول إلى دورة المياة، خاصة بعد رؤيته لها وهي تأخذ بصحبتها حقيبتها، بالتأكيد ترغب في غسل وجهها و وضع بعض الزينة على وجهها الشاحب الظاهر عليه أثار بكائها وحزنها.

والسبب يعود إلى تعدد علاقاته والتي جعلته يفهم الفتيات جيدًا خاصة ذلك النوع أمثال سـارة.

فهي لن تأخذ وقتًا كبيرًا معه فما يراه يجعله يتقن أن الأمور سلسلة وسيحدث ما يرغب بـه.

بعد عشر دقائق كانت تعود للطاولة من جديد مستقبلًا إياها ببسمة عريضة، متمتم بمزح ساخر:

-جيتي بدري ليه كنتي اقعدي جوه شوية كمان.

التقطت السخرية في نبرته، وعلى الفور علقت بهدوء وهي تمعن النظر بـه:

-دي تريقة مش كدة؟

-لا ده هزار مش تريقة، مقدرش أتريق عليكي، مفيش راجل عاقل وبيفهم يقدر يتريق عليكي، تعرفي أني بحب أشوفك جدًا، شوفتك بتديني طاقة كدة وبتخليني ابتسم لا إراديًا..أوقات مودي مش بيبقى أحسن حاجة بس لما بشوفك بيتغير تمامًا، أنا لحد اللحظة دي مش مصدق أني شوفتك وقاعد معاكي على ترابيزة واحد وهناكل سوا كمان، يعني كانت أخر حاجة اتوقعها…لو حد كان قالي أن ده هيحصل كنت هقوله امشي يا كداب يا ابن الـdog.

وقبل أن يأتيه أي تعقيب منها، رن هاتفه.

جاء بـه و وجدها واحدة من الفتيات اللواتي يرافقهم.

تجاهلها وتجاهل اتصالها وأعاد الهاتف محله.

ثم عاد يبصر سـارة وهو يسألها:

-كنا بنقول إيـه معلش.

ابتسمت لـه وقالت وهي تستند بيديها على حافة الطاولة:

-أنت اللي كنت بتقول أنا مكنتش بقول حاجة.

-طب إيـه آخر حاجة قولتلها لو جدعة ومصحصحة ومركزة معايا؟

-ابن الـdog.

ظهرت اسنانه نتيجة لابتسامته الواسعة…

وما لبث أن يجيب حتى تعالى صوت رنين هاتفه مجددًا.

تأفف بصوت مسموع تلك المرة وجاء بالهاتف و وجدها ذات الفتاة مما جعله ينزعج من إلحاحها في هذا الوقت تحديدًا تاركة اليوم باكمله وتحدثه في هذا الوقت!!!!

أنهى الاتصال دون أن يجيب عليها ثم جعل الهاتف موضوعًا على خاصية الطيران كي لا يستقبل أي اتصالات قد تزعجه:

-لا ده أنت ابن dog بجد….

وضع الهاتف على الطاولة، فسألته بفضول:

-صاحبتك دي ولا إيـه.

وعلى الفور نفى هذا وأخبرها كاذبـًا:

-لا صاحبتي ده إيـه بقول ابن dog يعني واحد صاحبي…أنا مليش في الكلام ده، أنا محترم ومتربي خلي بالك، بالك الناس بتربي عيالها مرة أنا بقى أهلى مربيني عشر مرات، عندي صحابي وأهلي بيحلفوا ويتحالفوا بأخلاقي وتربيتي واعتقد أنتي شوفتي جزء منها النهاردة ولا إيـه.

ردت بطريقة لم يستطع تخمين إذا كانت استهزاء أو لا.

احتار في تحديد ماهيتها أو أدراك ما خلفها:

-إيـه.

مط شفتاه وراقب شرودها الذي عليها دون مقدمات.

لا يعلم فيما تفكر وفيما تشرد.

يزداد فضولـه نحوها ويثيره غموضها.

هل ما هي فيه نتيجة لانفصالها عن ذلك البغيض عـادل.

هل تحبه لتلك الدرجة؟

هل تعجز عن نسيانه؟

هل فراقه هو سبب حزنها الساكن بعيونها!!

أم هناك أسباب أخرى.

أسئلة لم يجد لها أي أجابات!!

جاء الطعام بعد لحظات، وبدأ الاثنان يتناولان أول وجبة معًا.

هو لا يتوقف عن أخبارها بمدى شدة إعجابه بها ولا تتوقف عن الإنصات لـه والاهتمام بحديثه عنها طامعة في نسيان وجعها والإنشغال بشيء آخر حتى ولو بشكل مؤقت.

بعد إنتهائهم من الطعام، نهضت قبله وقالت وهي على أتم استعداد للرحيل،مخرجة محفظة نقودها كي تدفع الحساب:

-مبسوطة أني قابلتك وشكرًا أنك كلت معايا.

سلط بصره على النقود التي أخرجتها وقبل أن تفكر في وضعهم على الطاولة قال باستنكار وانزعاج حقيقي:

-أنتِ بتعملي إيـه؟؟؟؟أنت عايزة تحاسبي وأنا معاكِ؟؟؟!!!!!!

وقبل أن تنطق أخبرها بطريقة عكست لها انزعاجه:

-رجعي فلوسك أنا اللي عازمك لو سمحتي.

____________________________

انتهزت غياب إسلام عن الغرفة…فلن تجد أفضل من غرفتها الحبيبة حتى تبكي وتخرج حزنها…و وجعها من كل شيء.

أغلقت الباب على حالها وجلست خلفه على الأرض..لم تحملها قدمها للذهاب والجلوس أعلى الفراش بل جلست أرضًا وبدأت أخيرًا بالبكاء.

بكاء لم تعرف سببه الحقيقي هل هو والدها أم صابـر وما يفعله في هذا الوقت خصيصًا.

وقت تشعر بـه أن قلبها قد دُعس عليه وتمزق أربًا على يد من عشقته و سقطت في هواه.

نفور نحوه يسيطر عليها، غاضبة منه…

غضب يصل لدرجة أنها لا تريد حتى سماع نفسه وليس صوتـه.

لا يتركها وشأنها…

العالم بأجمعه اتفق عليها.

وهي قليلة الحيلة..جميع الأبواب أغلقت في وجهها.

وافقت على عرض العمل رغم رفضها السابق.

ترغب في تحرير شقيقاتها من بين قبضته…

تفكر بهم أكثر من نفسها.

وعلى أتم استعداد لفعل أي شيء من أجلهم.

وأثناء نزول دموعها وبكائها الصامت ارتسمت القوة على وجهها تفكر فيما فعلته وموافقتها على هذا العمل والذي سيحقق لها ما تبغاه.

أما عن صابـر فقد انتهى أمره بالنسبة لها، ولو كان لـه بداخلها ولو شيء بسيط ستقوم بمحوه.

لن تفكر في أمور الحب والعشق مجددًا

لن تكون عاطفية تسير خلف مشاعرها الهوجاء بل ستفعل ما يلزم فعله لأجل مستقبل شقيقاتها.

لن تعمل مع عادل لأنها مجبرة بل ستعمل معـه بكامل رضاها ورغبتها كي تحقق طموحها وأهدافها بالحياة.

مسحت دموعها بظهر يدها، ثم تحاملت على نفسها وقدمها واتجهت نحو هاتفها التي دفعته بعنف وقوة أعلى الفراش عقب إنتهاء المحادثة بينها وبين صابـر.

آتت بالهاتف وجاءت برقم عـادل كي تتناقش معه وتبدأ أول خطواتها في حياتها الجديدة القادمة.

مع وعد وقسم بألا تعود لما كانت عليه من فتاة تحركها المشاعر وأمور الحب..وألا تنظر للخلف.

وعلى الفور أجاب عادل عليها ورغب في مقابلتها كي يتحدثان وجهًا لوجه في الحال ولكنها رفضت وقام بتأجيل المقابلة للغد.

بعد إغلاقها معها، نظرت بالمرآة تشجع نفسها وتحفزها على المضي قدمًا.

ابتسمت لنفسها بسمة صغيرة ثم تحركت نحو باب الغرفة كي تغادر.

فتحت الباب وفارقتها وأثناء إغلاقها لبابها استمعت لتلك الكلمات والتي تخرج من فم إسلام:

-يعني إيـه يعني!!!! أنت إزاي موافق أساسًا على الهبل ده أنا بجد مش قادرة أفهم!! هو مش كفاية بقى ولا إيـه؟؟؟؟ مش كفاية؟؟ لسة مستكفتش من اللي عملته كل السنين دي؟؟

ارتفع صوت شكري وقال بغضب جحيمي لا يعجبه كلماتها بالمرة واستثارت أعصابه وجعلته يرغب في النيل منها هي الآخرى:

-كفاية هو إيـه اللي كفاية يا روح أمك ها؟؟؟ إسلام عدي يومك مش عايز أمسكك أرنك أنتِ كمان علقة.

كزت على أسنانها وبكل تحدي أخبرته:

-جهاد مش هتشتغل مع اللي اسمه عادل يا بابا وده أخر كلام.

حل صمت لثواني….صمت كان ينبأ بما هو قادم….

وبالفعل حدث ما لا ترغب جهاد في حدوثه لأي واحدة منهم.

حيث رفع يده على حين غرة ونزل بها صافعًا إسلام على وجهها على حين غرة.

لم تكاد تستوعب فعلته حتى قبض على خصلاتها يهمس بشر:

-وأنتِ بتكلميني توطي حس اللي خلفوكي بدل ما أقطعلك لسانك خالص…متفكريش أني هخاف وأكش من المحروس جوزك، لا يختي أنا مبيهمنيش حد ولا أتخنها تخين…ولو صوتك علي عليا تاني قولي على نفسك يا رحمن يا رحيم، وحسك عينك تفكري تلعبي في دماغ أختك وتخليها تغير رأيها.

في تلك اللحظة فُتح باب غرفته المغلق وطلت جهاد عليهم ورأت قبضته الممسكة بأختها.

وقبل أن يخرج أي رد فعل من جهاد كان يدفع إسلام بخفة ويحررها من بين يديه، يرمق جهاد يسألها:

-كلمتيه؟؟

غير مسار الحديث يستفسر منها عما فعلته.

تحكمت بنفسها وبأعصابها وردت عليه بهدوء وبرود زائف:

-كلمته وهقابله بكرة نتفق.

-ماشي بس عرفيه أن أي حاجة هتتصور هتبقى عندي في الكوفي شوب بتاعي عشان يبقى قدام عيني حتى بكرة تتقابلوا هناك كلميه وعرفيه.

حدق بـ إسلام بعد كلماته الأخيرة والتي تعمد قولها.

وافقت جهاد وقالت وهي تقترب من إسلام ترى أثر أنامله على وجهها، تسألها بهدوء:

-أنتِ كويسة؟

ردت إسلام بقوة:

-لا هبقى كويسة إزاي وأنتِ بترمي نفسك في النار وبدخلي حالك في حوارات مش بتاعتك.

فار دم شكري وقبل أن يصدر رد فعله على كلمات إسلام أنقذت جهاد الوضع وقالت تخبرها:

-متخافيش ومتقلقيش على أختك، أنا مش عبيطة وقد أي حاجة بعون الله..

_______________________________

يقف صابـر بسيارته خارج محل عمله.

يجلس بها منفردًا بذاتـه.

لا يريد الاختلاط بأي شخص.

لا يملك قدرة على الحديث.

يشعر بالضعف الشديد، قلبه على وشك أن يغادر جسده.

لا يملك أدنى فكرة عما يفترض عليه فعله.

يحبها بل يعشقها، يريدها زوجة لـه رغم كل ما حدث وما كان يعترض عليه.

حياته وأفكاره انقلبوا رأسًا على عقب.

يريد فرصة ثانية وأخيرة معها.

لن يضيعها هباءًا، سيستغلها ويعوضها.

سيكون عوضها بتلك الحياة القاسية.

ولكن أحيانًا لا تسير الحياة كما نهوى، وتسير في عكس التيار.

يشعر شعور الواقع في مأزق ويعجز كليًا عن الخروج منه.

كيف يجعلها تسامحه وتعفو عنه.

هل الوقت قادر على فعل هذا مثلما سمع ويقول الكثير!!!

طرقات على زجاج النافذة جعلته يتوقف عن التفكير، وينظر نحو الفاعل.

ومن حسن الحظ أنـه كان أحمد.

مبتسمًا بسمة مشرقة محبة متفائلة كعادتـه.

دار حول السيارة متجهًا نحو المقعد المجاور لصابر ثم فتح الباب وصعد جالسًا بجواره يسألـه:

-قاعد كدة ليه؟ بتفكر في إيـه أخبرني؟ لا تخجل أو تكذب وكن صريحًا معي أخي.

-هيكون في مين يعني غيرها يا أحمد؟ بتسأل سؤال عارف جوابه ليه؟

-بتأكد الله..وبعدين أنت شايل طاجن ستك كدة ليه؟ ما تفك وتروق كدة، فين صابـر المفتري المستقوي بتاع العيلة؟ أطلع بيه لو سمحت عشان وحشني ومش عارف أتعود على صابـر الجديد قدامي واللي كله مشاعر وأحاسيس مفرطة ده…يـاه ياض يا صابـر لو جهاد سمعتك من حبة وأنت بتقول هتكون بتفكر في مين غيرها، خلي بالك هي بتحبك أوي ولو لفيت الدنيا دي كلها مش هتلاقي واحدة تحبك ربع الحب اللي جهاد حبتهولك.

-وأنا كمان حبيتها، وكنت غبي، أنا في نار جوايا من أبوها يا أحمد وهاين عليا أروح امسك فيه ارنه العلقه اللي تخليه يودع الدنيا بس ماسك نفسي عنه بالعافية عشانها….من امبارح بحاول أوصلها مكنتش بترد ولما ردت كان عشان بعتلها رسالة عرفتها أنها لو مردتش هطلعلهم وفعلا ده اللي كان هيحصل، جهاد بتقول أنها مش عايزاني يا أحمد.

تنهد أحمد ثم رفع يده وربت على كتفه يخبره بهدوء محاولًا بث الأمل والصبر فيه:

-إن شاء الله الدنيا هتبقى كويسة ولو فيكم خير لبعض تبقوا من نصيب بعض، وبعدين عايزك تبقى عارف أنك لو ليك نصيب فيها هتاخدها ولو إيـه اللي حصل، خليك متفائل وبلاش تكشم وشك كدة، يعني افرض شافتك وأنت بالمنظر ده تقول عليك إيـه.

_______________________________

يتمدد آسر على الفراش، يبصر السقف من فوقه.

يفكر في حل لوضعه و وجع قلبه!!

والذي ساء ولم يعد كالسابق، بل أصبح ساكنًا بها.

يفكر أن عشقه لها ربما يكون عقابـًا لـه عما كان يفعله.

ومع تذكر ما كان يفعله تفاقمت حالته سوءًا..

أغمض عيونه ورفع يده وخبأ وجهه متمتم بخفوت ممزوج بيأس وضعف…ندم ومشاعر أخرى:

-أعمل إيـه…المفروض أعمل إيـه…أنا مبقتش قادر استحمل….أنا مخنــــوق، مفيش حاجة كان المفروض اعملها معملتهاش..

انزل يده وفتح عيونه.

قلبه يدق بقوة يخبره بألا ييأس ويترك الأمل في أن يجتمع بها ذات يومًا جانبـًا.

لكنه لن ينصت إلى قلبه تلك المرة.

سيسير خلف عقله فقط.

وعقله يخبره بأنها لن تمنحه الفرصة الذي ينتظرها.

نظرتها بـه ستظل كما هي.

تعرف ماضيه وهذا ما سيشكل عائقًا حتى ولو أخذ فرصته.

لن تثق بـه بتاتًا….

عض على شفتاه وقال حاسمًا قراره رغم صعوبتـه….لن يفرض نفسه عليها.

سيبتعد كثيرًا وينفذ قراره الذي تراجع عنه بسبب ضعفه وميل قلبه لها………..

ورغم إدراكه بصعوبة الخطوة وأن القلب والعقل وكل شيء بـه سيشتاق لها وإليها، إلا أنه قد حسم قراره ولن يتراجع، على يقين أنه لن يكون ابتعاد مثلما يقول بل هروب يضطر إليه لعله يشفى من هذا العشق……………..

_______________________________

هبطت إسلام من البناية بعدما اختطفت نظرة أخيرة بالمرآة تتأكد بأن مكان الصفعة قد اختفى ولم يعد له أثر.

صعدت في سيارة زوجها الذي وصل أسفل البناية وكان في انتظارها.

لم ترسم بسمة على وجهها أو تزيف حقيقة ما تشعر بـه أمامه.

وهو لم يكن بالساذج كي لا يكتشف بأن هناك جديد قد حدث.

-مالك في حاجة تاني حصلت ولا إيـه؟

أطرقت رأسها للأسفل وقالت بضيق واختناق واضح:

-أيوة…اتحرك بس وهحكيلك وأحنا ماشيين…

استمع لها وانطلق في طريقه نحو منزلهما وبتلك الأثناء سردت عليه ما حدث متجنبة الحديث عن ذلك الجزء الذي يخصها ونالت بـه صفعة وتعنيف من والدها.

انزعج محمد مما استمع إليه وتسرب لـه بعض القلق على جهاد، خاصة أنـه مدركًا لمشاعر صابـر نحوها ورغبته في الزواج بها.

وصل الاثنان إلى المنزل وأخبرته إسلام بأنها ستلج إلى دورة المياة كي تأخذ حمامًا دافئًا…

بعد غيابها تحرك نحو الصالون وبدأ يتحرك وهو يفكر هل عليه أخبار صابـر بما عرفه؟؟

أم يلتزم الصمت!!!

تفكير طويل…تشتت…لم يكن بالأمر السهل………….

كما أنه ذكر نفسه أن صابـر قد يندفع ويتهور ويفعل شيء قد تجعل الأمور تسوء أكثر وحينها لن يكون قد فاده بشيء بل ضره فقط….

______________________________

في اليوم التالي وصل محمد المقهى، مدركًا بلقاء جهاد وعـادل هنا اليوم….

يشعر بالتخبط والتردد.

يفكر في تغيير قراره الذي اتخذه بالأمس وأخبار صابـر بدلًا من إخفاء الأمر عنه…..

وصلت جهاد أولًا وسقط بصره عليها، مما جعله يترك محل وقوفه ويقترب منها ويرحب بها.

بادلته الترحيب ثم انتقت طاولة وجلست عليها في انتظار عـادل.

عاد محمد مكانه يزفر بخفوت يقول بينه وبين نفسه:

-يارب ما يجي عشان مضطرش اكلم صابـر..

في ذات الوقت الذي كان يحدث نفسه ولج عـادل المقهى وبحث بعيونه عنها…مبتسمًا باتساع…

ابتسامته لم تنال إعجاب محمد بالمرة..

يشعر بعدم الراحة تجاهه دون أي مبرر ومن هيئته فقط.

دنا عـادل من الطاولة التي تجلس عليها جهاد يمد يده كي يتبادل معها السلام وباليد الأخرى كان يخلع النظارة الشمسية السوداء الذي كان يرتديها.

-أخبارك إيـه؟ جاية بقالك كتير؟ اتاخرت عليكي؟

وبدون أن تبتسم لـه بادلته سلامه على مضض وردت عليه بهدوء:

-لا لسة واصلة برضو…اتفضل أقعد.

امتثل لرغبتها وسحب المقعد وجلس.

كل هذا يحدث ومحمد يراقبهما.

شيء بداخله يخبره أن عليه أخبار صابـر وألا يصمت.

عض على شفتاه وعلى الفور تحرك من محله وابتعد اكثر واتصل عليه.

رد صابـر بعد لحظات بصوت فاقد للشعور يسأله بجمود:

-ارغي…

صارحه دون تمهيد أو مقدمات ملقيًا عليه الخبر دفعة واحدة:

-جهاد موجودة دلوقتي في الكافية بتاع أبوها ومعاها عـادل، إسلام بتقولي أنها وافقت تشتغل معاه وهيبدأوا تصوير سوا…بس أحنا شاكين أن أبوها غاصبها….فـ إيـه هتعمل إيـه هتيجي ولا لا.

_____________________________

أنهت جهاد اللقاء معه سريعًا لم ترغب في الجلوس معه كثيرًا والثرثرة دون جدوى، ناهضة عن الطاولة كي تعود للمنزل….

نهض عـادل خلفها وقال يعرض عليها رغم اندهاشه من قصر اللقاء الشديد بينهما وكأنها تتهرب منه:

-طب استني هوصلك وبالمرة لو افتكرت حاجة أقولهالك أصل بصراحة أنتِ سربعتيني أنتِ وراكي حاجة تانية طيب عايزة تلحقيها.

التفتت إليه وسألته:

-لو في حاجة افتكرتها ابقى اتصل بلغني بيها أنت معاك رقمي كدة كدة.

لم تمنحه فرصة لفتح أي حديث أخر وخرجت من المقهى.

كل هذا تحت أنظار محمد والذي قال بخفوت:

-أنت فين يا صابـر مش جاي ولا إيـه.

خرج عادل خلفها لم يتركها مثلما رغبت، وقال وهو يسبقها واقفًا قبالتها يعيق تقدمها:

-العربية أهي، أنتِ خايفة مني ولا إيـه متخافيش أنا مش بعض…وبعدين لازم يبقى في ثقة فيا أكتر من كدة ده أحنا حتى هنشتغل مع بعض…

-حد قالك أني خايفة منك؟؟!!!! هو أنت بتخوف وأنا معرفش ولا إيـه، وبعدين نشتغل مع بعض آه توصلني لا.

وصل صابـر بسيارته ورآها من قبل أن يصف السيارة وهي تقف مع هذا الرجل.

اشتعلت عيونه وجن جنونه ولم يعد عقله يعمل.

أوقف سيارته وهبط سريعًا وهو يردد اسمها بصوت عالي منفعل جاذبًا أنظارها هي وعـادل نحوه:

-جهــــــــــاد………………..

««يتبع»»………….

فاطمة محمد.

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية الحب كما ينبغي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق