رواية الحب كما ينبغي الفصل الستون 60 – بقلم فاطمة محمد

رواية الحب كما ينبغي – الفصل الستون

الفصل الستون

الفصل الستون

الحب كما ينبغي.

فاطمة محمد.

الفصل الستون:

من أين عرف مكانها!!

ولما جاء وماذا يريد؟؟؟

استفسارات دارت في جالها ما أن سقط بصرها عليه، مدهوشة من حضوره والأغرب تلك العيون الثائرة التي تعبر عن حالته وغضبه فقد كان كالثور الهائج في تلك اللحظة.

اقترب منهما وثبت عيونه عليها..

عيونه التي تخبرها كم حالته سيئة.

كز على أسنانه من شدة الغيظ ثم تحدث معها بنبرة حاول التحكم به ولكنها خرجت بطريقة آمرة أثارت استفزازها، متجاهلًا عادل كأنه هواء أو سراب:

-تعالي معايا.

أولاها ظهره وسار عدة خطوات ثم توقف مستمعًا إلى ردها عليه والذي كان مدهوشًا تغلف بالسخط والاستنكار من طريقته بالحديث قائلة دون أن تتحرك خطوة:

-أجي معاك فين؟؟ أنت إيـه اللي جابك هنا أصلًا وعرفت منين أني هنا.

أستدار إليها بكامل جسده، تمهل للحظات يحاول بها التحكم بأعصابه.

لا يريد أن يرفع من نبرة صوته وتتفاقم الأمور بينهما سوءًا أكثر من ذلك.

عاد مقتربًا منها، مجيبًا تلك المرة وهو ينظر داخل عيونها التي يملؤها القوة… الغضب… والتحدي:

-مش مهم…مش مهم يا جهاد عرفت منين، المهم أني جيت وأنتِ هتيجي معايـا.

زادت عيونها قوة، وغضبًا وقالت رافضة الذهاب معه:

-مش هاجي معاك يا صابـر.

-هتيجي يا جهاد ولو مش هتيجي بمزاجك هيبقى غصب عنك.

هنا وعند تلك الجملة بالتحديد قرر عـادل التدخل فيما يحدث بين الاثنان وتبديل دوره من مشاهد إلى مشارك.

-غصب عنها إزاي يعني معلش؟؟!! هو أنا مش عجبك!! طب جدع وراجل أوي وبتعرف تهدد جرب تاخدها معاك غصب عنها وشوف اللي هيجرالك مـ..

وعلى حين غرة رفع صابـر قبضة يده ومسك بملابس الآخر مقربًا إياه جبرًا إليه.

وبنظرة سريعة متفحصة لـه ولهيئته هتف صابـر بنبرة يتطاير منها الشر:

-آه مش عجبني وأنا مش بهدد يا روح أمك، أنا بقول اللي هيحصل والموضوع برة عنك..ولو أنت بقى اللي جدع وراجل من ضهر راجل جرب تقف في وشي وشوف اللي هيجرالك.

دفعه بعيدًا دفعة قوية جعلت الآخر يترنح وعلى وشك السقوط.

فقد تمالك أعصابه قدر المستطاع مع هذا الغريب وصمت عما قالـه ولم يبدي رد فعل قويه تجاهه كان من المفترض عليه أتخاذها لكنه تراجع لا يرغب في انشاء اشتباك أمامها.

فقط كل ما يريده أن تأتي معه ويتحدث معها يقنعها بالتراجع عما تنوي، ومسامحته والبدء من جديد ونسيان ما مضى.

عاد يبصرها…وعلى الفور التقطت عيونـه الغضب الذي اشتد داخل عيونها.

الموقف بأكمله لا يعجبها وتكره أنها قد وضعت بـه وحدث هذا بالفعل معها.

ابتلع ريقه وتبدلت نبرته لأخرى أشد حنانـًا يطلب منها بهدوء:

-يلا يا جهاد، بعد إذنك، لو سمحتي، عشان خاطري.

جاء جوابها غير متوقع وقلب الموازيين كما قلب حالـه مجددًا:

-ملكش خاطر عندي وقولت مش جاية يعني مش جاية.

تلك المرة اندفعت من مكانها كي تغادر لم تنتظر لترى رد فعله على جوابها عليه، تاركة الاثنان خلف ظهرها.

لكنه لم يتركها.

لحق بها ومسك بمعصمها مما سبب لها صدمة، تبصر تلك اليد التي لمستها، ثم وجه ذلك الشحض والذي كان متوقعًا، يخبرها بأسلوب لا يتحمل نقاشًا:

-لا هتيجي.

حاولت جذب يدها من قبضته تخبره برفض:

-سيبني يا صابـر…سيبني بقولك، مش عايزة اجي ولا اتكلم معاك هو عافية ولا إيـه.

من جديد قرر عـادل التدخل فكيف يسمح لنفسه أن يراها واقعة في مثل ذلك الموقف مع شخص ترفض الذهاب معه ويتركها تذهب معه دون أن يقف لها ويدافع عنها.

اندفع نحو صابـر وبادر برفع يده ولكمه كي يجبره على تركها.

وبالفعل نجح عـادل في تسديد لكمة مفاجأة لـه جعلته يترنح قليلًا ويحرر يد جهاد، هاتفًا بغيظ:

-أنت زودتها أوي بصراحة.

فعلته تسببت في صدمة لجهاد فسرعان ما اتسعت عيونها و وضعت يدها أعلى فمها.

سكن الغضب عين صابـر وتحولت أنظاره نحو عـادل وقد بات ينظر إليه كحيوان جائع، غاضب، لم يأكل منذ أيام والآن قد باتت فريسته أمامه وعلى وشك الأنقضاض عليها كي يصمت غضبه وجوعه….

ولكن قبل أن ينال مراده ويصبح عـادل ضحية غضبه وحالته الهائجة، تدخلت جهاد ما أن رأته يتقدم نحو الآخر، واقفة أمامه تخبره بموافقتها على الذهاب معه:

-خلاص خلاص يا صابـر خلاص يا أستاذ عـادل….أنا هاجي معاك يا صابـر يلا بينا…يلا.

حديثها وموافقتها الذي كان يطمح له كان بمثابة المياة التي وقعت على نيرانه لتخمده بالكامل وتجعله يتراجع عن أفعال أخرى.

رافقته وصعدت جالسة بالمقعد الأمامي المجاور لـه وعلى الفور أنطلق مفارقـًا المكان بأكمله.

_____________________________

صمت وسكون طال بين الاثنان….

هو يرتكز ببصره على الطريق من أمامه، ومن حين لأخر يقتطف النظرات نحوها ثم يعود سريعًا ينظر قبالته.

أما هي فكانت صامتة أيضًا.

صمت مريب يقبع خلفه الكثير والكثير.

لا تنظر إليه تبعد عيونها المُتيم بها عنه تتحاشى لقاء عيونهما من خلال النافذة المتواجدة بجوارها، لا تعرف إلى أين يذهبان ولا تشغل بالها كي تعرف فقط ترغب في أن ينتهي ما يحدث ويختفي من أمامها ولا يعيق طريقها مرة أخرى.

انتظر كثيرًا…انتظر أن تتحدث ويسمع صوتها ويرى غضبها وانفعالها مثلما كانت منذ دقائق ولكن لم يحدث أي مما انتظره.

اضطر في النهاية هو إلى قطع هذا الصمت منتشلًا إياها من تفكيرها:

-ساكتة ليه؟؟ من شوية بس كنتي متنرفزة ومتعصبة ومش عايزة تيجي معايا نتكلم ودلوقتي ساكتة واتشقلب حالك كأن اللي قاعدة جمبي دلوقتي غير اللي كانت بتزعق وراكبة دماغها من شوية.

وبدون أن تبعد عيونها عن النافذة أجابت عليه ببرود ونبرة خالية من الحياة:

-المفروض أقول إيـه؟؟ مستني تسمع إيـه مني!

-قولي أي حاجة يا جهاد بس متسكتيش وبصيلي وأنا بكلمك لو سمحتي.

رضخت لمطلبه وحركت رأسها مسلطة عيونها عليه.

وأخيرًا تلاقت العيون للحظات.

ورأت بعيونه ما يرغب اللسان والقلب عن الإفصاح عنه.

وعلى الفور أبعدت عيونها وخفضت بصرها عنه، تسأله:

-أحنا رايحين فين؟؟

سؤال لم يجد لـه جواب…

هو أيضًا لا يدري إلى أين يذهبان فقط يقود ويسير.

يطمع في البقاء أطول وقت معها……

ابتلع ريقه وقرر أن يكون صادقـًا معها ويخبرها بالحقيقة:

-مش عارف..أدينا ماشيين…بس ممكن ننزل نقعد في أول مطعم أو كافيه يقابلنا..ده لو حبة يعني.

كلماته الأخيرة جعلت الاستنكار يرتسم على وجهها.

ابتسمت باستهزاء واضح، قائلة:

-حلوة لو حبة دي، ده على أساس أني جاية معاك بمزاجي أو أنت مهتم برأيي أساسـًا، أنت عايز إيـه يا صابـر.

وعلى الفور وبدون مراوغة أو كذب قال بمشاعر صادقة:

-أنا مش عايز غيرك يا جهاد.

-وأنا كمان على فكرة مكنتش عايزة غيرك وأنت عارف كدة كويس وعارف أنت عملت معايا إيـه وشوفت منك إيـه؟؟ هو أنت ليه شايف أن الموضوع ممكن يمشي بمزاجك أنت بس!!! وإزاي مش شايف نفسك أناني ومش بتفكر غير في نفسك وبس بجد يا صابـر! يعني لما أنا حبيتك رفضتني وسمعتني كلام دبحني وقولت أني كذا وكذا وسبحان الله لما اكتشفت فجأة أنك بتحبني بقيت عايزني، أنا زي ما أنا على فكرة.

-لا مش زي ما أنتِ، في فرق ما بين أنك تكابري وتستمري في الغلط، وبين أنك تحسي أنك كنتي غلط وتحاولي تصلحي من نفسك وتبقي أحسن وده أنا شوفته…أحنا الاتنين كنا غلط، لا أنتِ باللي كنتي بتعمليه صح ولا أنا بأسلوبي وطريقتي في النصح كان صح..أنا كان معايا حق بس طريقتي وأسلوبي هما اللي مكنش معايا حق فيهم وجرحتك وأذيتك.

ذهب الهدوء التي كانت تتحلى بـه وتبخر تمامـًا وعادت لما كانت عليه من عصبية وغضب، تعلق على حديثه:

-أنت لحد دلوقتي بتجرحني وبتأذيني، وأهو خليتني أضطر أركب معاك وأنت عارف كويس أوي أن ده غلط وبابا لو عرف مش هيسكت وطبعًا مش هيجي يتكلم معاك، كلامه هيبقى معايا أنا ومش هيبقى كلام باللسان بس لا بالأيد كمان ورغم كدة برضو أصريت أني أجي معاك، أنت كدة بتحبني يا صابـر!!

-متشككيش في حبي ليكِ مين قالك أصلًا أني هسمح لأبوكي يمد أيده عليكي تاني!!!

وباستهزاء تجدد على قسمات وجهها قالت بسخرية لاذعة:

-إيـه ده بجد مش هتخليه يمد أيده عليا؟؟ دي هتعملها إزاي دي!!

أزاح عيونه عن الطريق لوهلة، وعلى حين غرة قام بإيقاف السيارة وصفها جانبـًا بعيدًا عن الطريق.

حدق بها وقال لها بهدوء:

-هقولـه أني عايز أتجوزك وهتجوزك وهتبقي معايا، مش هيعرف ولا هيقدر يأذيكي من تاني، أنا هحميكي.

كلماته لمست شيء بداخلها.

تعالت ضربات قلبها رغمًا عنها وعن إرادتها.

شعرت برغبة بالبكاء وبصعوبة بالغة سيطرت على دموعها ومنعت نفسها من إظهار تأثرها أمامها.

جالت عيونه على وجهها يرى تأثير وقع كلماته عليها.

يرى أنها لا تزال تعشقه وتحبه مثلما يفعل ويعشقها هو…لكنها تكابـر تحاول التحلي بالقوة والتخلي عن الضعف.

ابتلع ريقه ثم تابع:

-هتجوزك يا جهاد وهعوضك عن كل حاجة شوفتيها وأي وجع عشتيه….مش هسمحله يغصبك على حاجة أنتِ مش عايزاها مش هسمح أنـه يستغلك مش هسمح تدخلي المجال ده هقف في وشه و وش أي حد عشانك.

-بس أنا مش عايزاك تعمل أي حاجة عشاني، الوقت اللي استنيتك تعمل فيه خذلتني وجرحتني يا صابـر، أنت ملكش أمان وأنا مش هعرف أحبك زي ما كنت بحبك، في حاجة جوايا اتكسرت ومبقتش عايزاك، ومتقلقش هو مش غاصبني على حاجة أنا اللي وافقت بكامل إرادتي.

اندلع الشر من عيونه وكز على أسنانه ثم أخبرها رافضًا كل ما تنطق بـه:

-وأنا مش موافق ومش هسيبك تعملي الجنان ده….أنتِ عايزة تعملي كدة بجد؟!! عايزة عيون الناس تنهش فيكي واللى يسوى وميسواش يقعد يتكلم عليكي سواء بقى مدح ولا ذم مش فارقة!!! أنتِ عايزة كدة يا جهاد.

-لا أنا عايزة أعمل حاجة لأخواتي عايزة أخلصهم من اللي هما فيه، عايزاهم يتعلموا وينجحوا في حياتهم مش عايزاهم يطلعوا مليانين عقد كفاية أوي لحد كدة عليهم، أنا عايزة أنجح وهنجح وهوصل وهحقق اللي أنا عايزاه وبكرة هتشوف وتفتكر كلامي ده كويس، ده لو يعني فضلت فاكرني.

-بطلي غباء بقى وشغلي عقلك ده شوية…فكرك كل اللي بتقوليه ده سهل وعادي!!! أنتِ بكدة هتخسري كتير أوي أنتِ مش شايفة ده دلوقتي بس قدام هتشوفي وتعرفي، رجلك هتجر لحاجات كتير في سبيل أنك تحققي ده، حاجات ممكن تعترضي عليها في الأول ومن غير ما تحسي هتلاقي نفسك بقيتي تعمليها…هتندمي يا جهاد صدقيني….ليه أصلًا كل ده، اقفلي الباب يا جهاد، ومتدخليش الشغل ده، وأنا معاكِ ومش هسيبك هفضل طول العُمر جمبك وسند ليكي ولأخواتك.

ضاقت عيونها تسأله بعدم تصديق:

-وإيـه الضمان!! أضمن منين أنك هتعمل كدة ومش هتتخلى عننا!! أنت ليه مش قادر تفهم أني مش واثقة فيك ومبقتش عايزاك، مجروحة منك، بقولك دبحتني أنت مبتفهمش!؟؟ لو سمحت قفل الموضوع ده، واقطع صفحتي من كتاب حياتك، اعتبر نفسك لا شوفتني ولا عرفتني، انساني يا صابـر.

-مش هقدر…ومش هعرف، افهمي أنا بحبك ومش هسمحلك تأذي نفسك.

-لا هتقدر وهتعرف، قدرت وعرفت قبل كدة على فكرة تأذيني، الموضوع مش صعب عليك، أنت أساسًا يمكن تكون واهم نفسك أنك بتحبني، ممكن تكون عايش وهم تفوق منه بعدين، عشان كدة ياريت تسبني في حالي…سبني اضمن مستقبل أخواتي وشوف أنت حياتك…ده آخر كلام عندي ومش عايزة أتكلم معاك تاني في الموضوع ده.

كادت أن تغادر وتفارق السيارة، لولا يده التي مسكت بيدها.

تشبث بها وظهر أمامها كالطفل الصغير الذي يرفض التخلي أو الابتعاد عن والدته، معترفـًا للمرة الأخيرة لها:

-متسبنيش وتمشي أنا بحبك.

جذبت يدها ببطء تخبره بهدوء وحزن يسكن عيونها:

-بس أنت سبتني ومشيت لما أنا كنت بحبك..سلام يا صابـر.

-متعنديش يا جهاد، عينك بتقول عكس اللي بيقوله لسانك…وعيونك بتقول أنك لسة بتحبيني وعايزاني زي ما أنا بحبك وعايزك.

-سلام يا صابـر.

_____________________________

الألم يظهر ويسيطر عليه.

لأول مرة في حياته يكون هكذا والسبب فتاة.

عشقته وركضت خلفه متبعة قلبها ولغت عقلها.

رفضها…أهانها وأبعدها عنه.

والآن بات نادمـًا يتمنى أن يحصل على عفوها ولكنها لا تفرق عنه بشيء..

قاسية…متحجرة القلب، لا تمنحه فرصة للبدء معًا من جديد.

فهل يستسلم ويتركها أم يظل يعافر حتى يحظى بها.

الخيار الثاني كان الأفضل بالنسبة لـه و وقع اختياره عليه.

لن ييأس ويستسلم بتلك السرعة….

وتلك المرة لن يكون حديثه معها هي.

بل سيأخذ تلك المرة خطوة جدية دون الرجوع إليها.

سيثبت لها أن عشقه لها ليس بوهم بل حقيقة يعيشها ويطالب قلبه بقربها.

أتخذ صابـر قرارًا مصيريـًا وخطوة ليست بالسهلة بل جريئة للغاية.

قام بمهاتفة محمد وسألـه عن مكان وجود شكري.

-متعرفش هو فين دلوقتي؟ في البيت ولا الكافية؟!

-لا هو في الكافية دلوقتي، أنا معاه أساسًا، في حاجة ولا إيـه!!!

-طب اقفل أنا جاي؟

-جاي فين؟؟؟ هو في إيـه ما تفهمني يا بني آدم أنت متقلقنيش كدة.

-هتفهم لما أجي يلا سلام.

أغلق صابـر معه، لم يمنحه فرصة للحديث أكثر.

اتجه نحو سيارته وجلس بمقعده ثم شق طريقه نحو المقهى الخاص بشكري للمرة الثانية في ذات اليوم.

_______________________________

أثناء ابتعاد محمد عن شكري، انتهز شكري هذا واقترب من إحدى الفتيات والتي كانت في بداية الثلاثينات و تجلس بمفردها على طاولـة ما يراها للمرة الأولى.

زين وجهه ببسمة كبيرة قبل أن يتحدث معها يستفسر منها:

-مساء الخير…أنا شكري صاحب المكان هنا، حضرتك أول مرة تشرفينا مش كدة برضو.

هزت رأسها بهدوء تخبره بتأكيد:

-مساء النور…أنا فعلًا أول مرة أجي هنا وشكلها مش هتبقى أخر مرة المكان هنا عجبني أوي ومريح كمان.

زادت ابتسامته اتساعًا من استجابتها في الحديث معه.

سحب مقعد لـه ثم تابع حديثه يستفسر منها بترقب:

-مستنية حد ولا حاجة؟

ضاقت عيونها وسألته بلؤم واضح ترى إعجابه بها في عيونه:

-حد زي مين؟

-جوزك مثلًا.

-لا أنا مش متجوزة.

-ولا مخطوبة؟

-لا برضو.

-إزاي بس هي الرجالة اتعمت ولا إيـه.

اطلقت ضحكة خافتة زادته إعجابـًا بها..

لم يخفي ذلك الإعجاب عنها، فقد نالت استحسانه كثيرًا رغم فرق السن الواضح بينهما…فهي تصغره بالكثير ولكن العُمر لا يفرق معه ما يفرق معه حقًا هو إنجاب الصبي الذي يحلم بـه.

وصل صابـر، وصف السيارة، ثم هبط منها و ولج المقهى.

استقبله محمد الذي كان بانتظاره وانتبه قبل قدوم صابـر لما يحدث بين شكري وتلك الفتاة ولكنه لم يفعل شيء أو يقاطع الحديث الدائر بينهما.

-جاي ليه وناوي على إيـه قولي؟

كانت عيونه تبحث عن شكري، وسرعان ما رأه وهو يجلس بصحبة فتاة ما.

لم يجيب على محمد وبرح مكانه ودنا من الطاولة الذي يجلس عليها مقاطعًا حديثهم، هاتفًا بهدوء ينافي حقيقة مشاعره نحو ذلك الرجل:

-مساء الخير…ممكن نتكلم شوية على انفراد.

رفع شكري عيونه وسرعان ما تبدلت بسمته الشغوفة لأخرى منزعجة من ظهوره في تلك اللحظة تحديدًا.

-أهلًا، ممكن آه..بعد إذنك يا قمر.

وقبل أن يتحرك معه نادى على النادل وأخبره بصوت عالي:

-شريف متحاسبش هنا، وأي حاجة تطلبها الآنسة تنزلها علطول.

خرج صوت الفتاة، تخبره بهدوء:

-إزاي بس مينفعش الكلام ده لازم أحاسب طبعًا.

-قسمًا عظمًا ما يحصل شوفي بس نفسك في إيه واطلبيه إن شاء الله تطلبي كل اللي موجود ميغلاش عليكي.

انكمش وجه صابـر اشمئزازًا مما يحدث ومن مبالغته ومن الفتاة ذات نفسها وتساهلها مع شكري بهذا الشكل.

وما لبثت أن تتحدث حتى أوقف صابـر حدوث هذا وقال بنفاذ صبر:

-لا ننجز معلش مش لسة هنقعد نحكي وتعزموا على بعض، ممكن تيجي معايا بقى!

-ما أنا هاجي هو أنا هطير يعني! ده إيـه اللي في وشك ده أنت مضروب.

تجاهل سؤاله ولم يجيب وعلى الفور تحرك معه وجلسا الاثنان على طاولة ما…ومحمد يقف بعيدًا يراقبهما خوفًا من أن يتهور صابـر ويفعل شيء جنوني.

تخطى شكري ما يتواجد على وجه صابـر… وتحدث أولًا والترقب والفضول يرتسمان على قسمات وجهه:

-خير يا سيدي اتفضل سامعك.

-من غير لف ولا دوران أنا عايز أتجوز جهاد.

تشكلت الصدمة على وجه شكري.

لا يستوعب بعد ما سمعه وخرج من فم صابـر.

ذلك الشاب الذي لم يحبه يومـًا يطلب الزواج من ابنته!!!!

من جهاد تحديدًا…

جهاد التي ستكون سببًا في تبدل حياتهم من خلال ذلك العمل الجديد التي أوشكت على الخوض فيه و وافقت عليه حديثًا.

زواجها من صابـر لن يعود عليه بشيء مثل عملها الذي سيعود عليه بالكثير والكثير مثلما تم أخباره.

طلبه الزواج منها يحطم ويخرب أحلامه الذي بناها.

ابتلع ريقه ثم رفض طلبه قائلًا:

-بس جهاد مش بتفكر في جواز دلوقتي وغير كدة أنا مش موافق.

اكفهر وجه صابـر وتحولت عيونه لأخرى مخيفة من رفضه طلبه، متمتم:

-مش موافق ليه مش فاهم معلش!!!

-أهو مش موافق وخلاص هو أنا لازم ابرر ولا إيـه؟

كز صابـر على أسنانه ثم قال ببسمة مخيفة وعدم تصديق وخوف داخلي من خسارتها عن حق:

-آه معلش بررلي…أنا جايلك لحد عندك طالب منك أيد بنتك اللي أنا بحبها وهصونها وهشيلها في عيوني..عايز إيـه أكتر من كدة.

-والله أنا حر، هو بالعافية أوافق يعني ولا إيـه مش فاهم، ما تيجي يا محمد احضرنا وشوف قريبك ده، أما غريب بصحيح وإيـه بتحبها دي معلش عايز أفهم!!!

اهتاج صابـر وجاء محمد واقفًا بينهما يرمق الاثنان بنظرات مستفسرة.. وقبل أن يتحدث أخبره شكري بطريقة ساخرة:

-قريبك قال بيحب جهاد وعايز يتجوزها وأنا بقوله مش موافق فحضرته مش موافق أني مش موافق…كأن الموضوع عافية.

وبعصبية رد صابـر معلقًا على رفضه:

-أيوة ما أنا عايز أفهم مش موافق ليه يعني؟؟؟ إيـه اللي يخليك مش موافق!!!هو أنا بقولك حاجة عيب ولا حرام!! ده جواز على سنة الله و رسوله.

تدخل محمد وقال كي يهدأ من روع صابـر:

-أهدا يا صابـر.

رغب شكري في استفزازه وإخراج أسوء ما فيه كي يتحجج ويظل رافضًا لتلك الزيجة:

-ويهدأ إزاي ده ناقص يقوم يمسك فيا ويديني قلمين..بالذمة ده أجوزه بنتي إزاي وبعدين يا صابـر يا بني الجواز ده قسمة ونصيب مش عافية، أنت طلبت وأنا رفضت خلاص خلص الموضوع واتقفل ومفتاحه اترمى كمان، وده آخر كلام عندي.

ختم شكري حديثه مفارقًا الطاولة تاركًا صابـر ومحمد خلف ظهره.

كاد صابـر أن يلحق بـه لولا يد محمد التي مسكت بـه ومنعته من التهور والإندفاع أكثر من هذا، متمتم بهدوء:

-سيبه…مش هيوافق دلوقتي وهيفضل راكب دماغه، جهاد بالنسباله بقت ورقة رابحة عشان كدة رافض..أهدا وخلينا نفكر صح.

____________________________

-ساكت ليه كدة؟؟؟ أنا بدأت اتخنق منك على فكرة…لا بدأت إيـه أنا أتخنقت خلاص، فين آسـر الفرفوش اللي مكنش يفرق معاه واحدة، حالك اتشقلب وبقيت نكدي بجد وعلطول بوزك شبرين…على فكرة البنات مفيش أكتر منهم وزي ما حبيتها هتحب غيرها عادي سهلة أنت بس اللي حابب تصعبها على نفسك.

ألقى قُصي كلماته على مسامع آسـر…

صديقه الذي تحول تمامـًا وأصبح شخص آخر.

من يعرفـه جيدًا ورآه مسبقًا سيدرك تلك الحقيقة والذي لا ينكرها.

مدركًا بأن حالـه قد تبدل..ولكن ما الذي عليه فعله!!!

لم يتمكن بالتحكم في قلبه…

أحب وهوى وانتهى أمره والآن يدفع ثمن هذا العشق..

يتعذب ويشتاق إلى حد الجنون ولكن الحل بات واضحًا أمامه وقراره قد حسم.

تفاؤله تبدل إلى يأس وحزن.

ثبت بصره على قُصي وهتف بهدوء مميت:

-أصعبها على نفسي! هو أنت فاكر أن أنا مبسوط باللي أنا فيه ده!! فكرك الموضوع سهل لو أنت فاكر كدة فـ أحب أقولك أنه مش سهل خالص يا قُصي، أصعب شعور ممكن يمر على البني آدم هو أنه يحب وميتحبش من اللي حبه…حاولت أبعد على فكرة وأخرجها من قلبي بس معرفتش يا صاحبي فشلت…حاولت أقنع نفسي أنها ممكن في يوم من الأيام تبقى ليا وادي نفسي أمل…بس الواضح كدة أني كنت بضحك على نفسي…ضياء مش ليا، وعُمرها ما هتحبني ولا هتنسى اللي أنا كنت عليه…أنا بمر دلوقتي بأصعب فترة ممكن الواحد يمر بيها..أنا تايهه…أنا بجد تايهه يا قُصي..بس خلاص أنا مش هعذب في نفسي أكتر من كدة.

ضاقت عيون قُصي وسأل بترقب وفضول:

-هتعمل إيـه يعني قولي.

ابتسم لـه بسمة يغلفها الألم الكبير…

ألم لم يختبره من قبل..

مجيبًا بهدوء:

-مصيرك هتعرف..بس وقتها متزعلش مني، اتفقنا.

تسرب القلق إلى قلب قُصي ولم يخفى هذا الشعور عن صديقه وسأله:

-مزعلش منك!!! أنت ناوي على إيــه!!!!

هنا فُتح باب غرفة آسـر بدون مقدمات وصاح أحمد بخوف وقلق هو الآخر على ابن عمه والذي يحبه كثيرًا بعد أن استمع إلى حديثهم الأخير دون قصد، فقد كان على مشارف دخول الغرفة ولكن الحديث الذي نطق بـه آسـر جعل الرعب ينهش بصدره:

-أنت لسة هتسأل ناوي على إيـه!!!!!!! يعني مش باين ناوي على إيـه…هل أنت أحمق أيها الأحمق….بالتأكيد يفكر في الانتحار استغفر الله العظيم من تلك الأفكار الشيطانية…واد يا آسـر أوعى تعمل كدة حرام ياض…ما تقول حاجة يا زفت هو مش أنت صاحبه برضو ولا أنت إيـه بضبط.

حول قُصي أنظاره نحو آسـر وقال بخوف حقيقي:

-الكلام ده بجد؟؟؟ هو ده معنى كلامك؟! أنت ناوي تنتحر فعلًا…أنت متعرفش أنا بحبك قد إيـه ولا إيـه هتسبني لوحدي؟؟؟ قد كدة أنت أناني مش بتفكر فيا.

لكزه أحمد في صدره ثم قال بانفعال:

-يفكر فيك إيـه قول يفكر في خالتي الغلبانة وعمي المسكين اللي هيتقهروا عليه بسبب عملته المنيلة…وأنا هتخانق مع مين!!! طب بابا يقول لمين يا آسـر آسورة!!! الانتحار مش حل!!! وعُمره ما هيكون حل…أبعد الفكرة دي عن دماغك وفكر في الناس اللي بتحبك وحياتهم هتقف من بعدك.

شارف قُصي على الحديث مجددًا لولا آسـر الذي صاح يوقف الاثنان عما يفعلان ويتحدثان:

-ما تبس أنت وهو أنتوا بتغنوا وتردوا على بعض، ادوني فرصة أرد..وبعدين أنتحر إيـه أنا مش عايز أخسر أخرتي…وعايز أنول حسن الخاتمة تروح تقولي انتحر…..

هنا واقترب أحمد منه قائلًا ببسمة صغيرة:

-ما هو لو مش عايز تخسر آخرتك اعمل بقى في دنيتك وربنا يرزقك ويرزقني ويرزقنا جميعًا بحسن الخاتمة.

ارتفع رنين هاتف قُصي وسرعان ما أخرجه وقال وهو يبتعد عنهما يقرأ اسم صديقته الذي يرافقها تلك الفترة:

-طب بالأذن أنا بقى.

بعد مغادرته الغرفة رفع أحمد ذراعيه و وضعها على كتف آسـر يخبره بمرح:

-الواد ده حله عندي.

نظر إليه آسـر وسأله بفضول:

-وإيـه هو الحل بقى؟

-هخلي تيتا دلال ترشقه دعوة تجيب أجله عشان يتعظ بقى ودي فكرة خبيثة في منتهى الذكاء لا داعي للتصفيق………

___________________________

الشك والقلق يغمران صدره.

شك في وجود شيء ما بينهما خاصة بعد حصوله على اعتراف من صابـر أنه يحبها.

وقلق من أن تتراجع ابنته عن قرارها وتعود رافضة العمل الذي سيأتي من خلفه الكثير من الأموال.

لكن مع تلك المشاعر التي تسبب لـه القلق قرر أن ينهي ما يحدث.

عاد للمنزل ونادى عليها وجاء بها أمامه.

صمت لثواني فقط ينظر لها نظرات قد تربك أي شخص وتجعله يعرف أنه هناك شيء كبير خلف صمته ونظراته تلك.

وأخيرًا تحدث وهو ينظر داخل عيونها مقرر ألا يخفض نظراته عنها حتى يعرف الحقيقة، فسألها بغموض:

-أنتِ في حاجة بينك وبين اللي اسمه صابـر ده!!!

سؤاله مريب…أثار ريبتها واهتز بدنها..لكنها لم تظهر له ذلك وظلت ثابتة معلقة على سؤاله تنفي صحته:

-إيه الكلام ده!! أكيد لا طبعًا مفيش بيني وبينه حاجة.

عاد ملتزمًا الصمت يراقب تعابير وجهها التي لم تتبدل وظلت كما هي…

هز رأسه في ذات اللحظة التي تابعت بها وسألته هي تلك المرة:

-بس ليه السؤال ده؟!!

ضاقت عيونه وابتسم لها وقال كاذبًا مقررًا عدم أخبارها بشيء حاليًا رغم إدراكه أنها قد تعلم بطلبه لها عن طريق إسلام التي قد تدرك حقيقة ما حدث من زوجها الذي كان شاهدًا على حديثهم اليوم:

-عادي بسأل إيـه بلاش!

-لا أسأل براحتك…

دارت عيونه على وجهها ثم سألها:

-أنتِ خرجتي قابلتي الراجل باللي في وشك ده؟

قصد بحديثه أثار ضرباته التي لا تزال تترك أثرًا على وجهها.

نفت وقالت لـه:

-لا خفيته بالمكياج…

-جدعة تعالي بقى قوليلي اتكلمتي في إيـه أنتِ والمحروس عـادل النهاردة وهتبدأوا شغل من أمتى وآه عرفتيه أن التصوير هيبقى عندى ولا لا نسيتي.

-لا عرفته متقلقش وهو وافق مقالش حاجة.

-طب كويس…يلا ارغي واشجيني بقى.

_____________________________

-هو في إيـه بقى هو أنا هلاقيها منك ولا من آسـر…هو آه أعرف أن الحب بهدلة بس مش للدرجة دي!!! ده البهدلة طفحت على وشك، اللي أنتوا فيه ده أكيد دعوة من تيتا دلال عليكوا قصدي ليكوا.

لم يبتسم صابـر أو تغيرت قسمات وجهه بل ظل عابسًا عاقدًا لساعديه أمام صدره يجلس أمام مكتبه داخل غرفته، ينظر لأخيه الذي اقتحم خصوصيته وأصر على البقاء والحديث معه والأهم التهوين عليه بعدما رأى وجهه وأدرك شجاره مع أحدهم.

تبخرت بسمة أحمد وتنحنح هاتفًا باحراج:

-إيـه الإحراج ده…أنا بهزر على فكرة…ممكن تفك شوية وتبتسم بعد إذنك لو سمحت أخي..أرجوك..وقولي بقى مين اللي عمل كدة في وشك.

رد صابـر بطريقة فاقدة للطاقة:

-ممكن أنت يا أحمد تسبني شوية قاعد مع نفسي..ممكن؟؟

-لا طبعًا مش ممكن…اللي ممكن بقى أنك تقولي مالك في إيـه!! ومين اللي عمل كدة!

زفر صابـر ثم بدأ الحديث وسرد عليه تفاصيل اليوم منذ البداية حتى النهاية والتي كانت مقابلته لشكري الذي رفضه.

اتسعت عيون أحمد صدمة ما أن أدرك فعلة شكري وقال بعدم تصديق:

-يا ابن الكلب يا عمو شكري!! أنا مش مصدق أنه قالك لا..بس طبعًا لازم يقول لا ما هو عارف أنه لو جهاد أتجوزتك مش هيطول اللي هيكسبه من وراها لو اشتغلت…أنا أعتقد برضو أنه جهاد فعلًا مغصوبة ومضطرة توافق…أبوها شراني وأكيد عايزة تتقي شره ده.

-أنا المفروض أعمل إيـه دلوقتي قولي يا أحمد..اتكلمت معاها كذا مرة…و روحت لأبوها عشان شاريها واترفض…كل البيبان بتتقفل في وشي…اعمل إيـه تاني يا أحمد!!

لاح التفكير على وجه أحمد وأثناء تفكيره وضع احتمالية رفضه هو الآخر وحرمانه ممن أحب.

ولكن كيف لـه أن يتقدم من الأساس وقد تم رفض أخيه!!!!!

ابتلع ريقه وشعر بالخطر يدق على باب قلبه.

لا يتحمل فكرة خسارتها.

ولكن عليه مراعاة مشاعر أخيه…توأمه…والأقرب إليه ولقلبه…..

وبسره دعا الله أن تتيسر الأمور وينال كل واحد منهما الفتاة الذي أحبها.

في ذات الوقت على الطرف الآخر تجاهلت جهاد اتصالات عـادل المتكررة والذي لم يرغب بها سوى الاطمئنان عليها.

_______________________________

مر يوم بعد يوم وجاء اليوم الذي سيكون أول يوم تصوير يجمع بين عـادل وجهاد.

وبالطبع كان في المقهى العائد لشكري بناءًا على رغبته.

لكنه لم يكن متواجد كي يبقى عيونه عليهما كما أخبر ابنته بل كان لا يزال نائمًا بالمنزل لم يستيقظ بعد.

جلس الاثنان بجوار بعضهما مع الحفاظ على وجود مسافة كافية بينهما.

استدار عـادل برأسه لها ومنحها بسمة وهو يسألها بنبرة مشجعة ومحفزة لها:

-جاهزة؟؟

ابتلعت ريقها وشعرت بالتوتر وعلى الفور هزت رأسها تؤكد لـه:

-جاهزة.

فتح إحدى الأصوات التي تكون (تريند) بتلك الأيام ويقوم الكثير بعمل الفيديوهات عليها.

كان صوتًا وليس أغاني كل ما تحتاج جهاد لفعله هو تحريك شفتيها مع الصوت الذي يتحدث والتفاعل مع ما تحرك شفتيها بـه.

لم يكن الأمر سهلًا وفشلت في المرة الأولى.

حك عـادل مؤخرة رأسه ثم أخبرها بهدوء يطمأنها:

-ده طبيعي متقلقيش وبعدين أنتِ متوترة…أنا عايزك تهدي..ممكن تهدي؟ مفيش غيري دلوقتي قدامك ومفيش غيرك قدامي…اتعاملي كأنك بتصوري الفيديو ده لنفسك ومش هينزل ولا حد هيشوفوه..اتعاملي بتلقائية وبطبيعتك ده هيبقى أحلى كتير وهيخلي الفيديو بيور أكتر.

ابتلعت ريقها وهزت رأسها توافق على نصائحه وستعمل بها وتكون على طبيعتها…

-يلا هنبدأ من الأول…جاهزة؟

بللت شفتيها ثم هتفت بهدوء وابتسامة متوترة تزين ثغرها:

-أها…يلا.

قام بتشغيل الصوت وتحدث هو أولًا وقال ما يفترض عليه قولـه…ثم جاء دورها وفعلتها تلك المرة بتلقائية وعفوية أحبها كثيرًا…

انتهى الفيديو وشاهد الاثنان معًا الفيديو وسريعًا ما اتسعت بسمتها سعيدة بنجاحها في فعلها من المرة الثانية، راقب رد فعلها وابتسم عليها وقال مصفق لها:

-برافو بجد، متوقعتش تعمليها من تاني مرة، عشان تعرفي أن عندي نظرة وأنك فعلًا شاطرة واحدة غيرك كانت قعدت قد كدة عقبال ما عملته…بجد برافو يا جهاد عاش، أحنا بقى دلوقتي ننزله ونشوف ردود الفعل عليه عاملة إزاي وبعد ما نطمن هنطلع بقى لايف عشان تتكلمي وتتعرفي على الناس وكمان نعرفهم أن مفيش أي حاجة بينا وكل اللي طلع واتقال عننا كان إشاعات.

توترت وظهر ارتباكها…قائلة بتردد:

-هو لازم حوار اللايف ده مينفعش نأجله؟

-ونأجله ليه أنا عايز الناس تشوفك وتكلم معاكي يسألوكي وتردي، كدة أنتِ هتبقى أقرب ليهم وخلي بالك موضوع اللايفات ده لازم استمرارية فيه عشان يجيب نتيجة وفلوس أكتر…المهم خلينا دلوقتي ننزل الفيديو ونشوف اللي هيحصل.

وبالفعل قام بتنزيله، وسرعان ما انهالت التعليقات والتفاعل عليه.

البعض سعيد بظهور صاحبة العباءة السوداء برفقته من جديد والبعض الآخر كان منزعج منها ولا يتقبل تقربها من عـادل بهذا الشكل ونسيانه لحبيبته السابقة سـارة بتلك السرعة رغم طول علاقتهما والتي كانت حديث الكثير والكثير.

انبهر عـادل بالتفاعل لم يتوقع هذا الكم من التفاعل والتعليقات.

لم تخيب نظرته بل كانت في محلها….

تفاقمت سعادته وقال بفرحة لم يخفيها:

-شوفتي التفاعل حلو أوي إزاي على الفيديو…في ناس كتير أوي حبيتك وحبونا مع بعض…بقولك إيـه أنا هفتح لايف بقى وخليها على الله.

____________________________

يتواجد صابـر داخل مقر عمله والذي يكون مطعمه الذي يديره.

لا يشعر بالرغبة في العمل.

فقط يريد أن يبقى جالسًا ولا يفعل شيء سوى التفكير.

لا يعرف شيئًا عما يحدث معها وأن اليوم ستلتقي بـالمدعو عـادل ويكون أول يوم عمل لهما معًا.

فلو كان على علم لما كان على هذا الوضع.

جالسًا بكل هذا الهدوء.

بل كان الوضع سيختلف وتنقلب الأمور رأسًا على عقب.

لن يتركها تقذف للنار بقدميها.

صدر صوت من هاتفه وسرعان ما التقطه بضجر.

وجدها رسالـة من قُصي.

فتحها بأهمال كي يقرأها فقط ولا توجد نية لديه للرد عليه.

لكن ما رآه جعله يبدل رأيه وصدمه بشدة….

فها هي تتواجد بالفعل داخل النار.

قامت بتصوير فيديو مع هذا الغريب.

رافق قُصي الفيديو بتلك الرسالة التي زادته اهتياجًا:

-أنت هتسيبها تطير منك ولا إيـه الواد ده مش سالك هو مش أنت بتحبها برضو ولا ده كان كلام ولا إيـه الدنيا…وبعدين دول طالعين لايف كمان خش كدة بص وشوف تعليقات الناس عاملة إزاي.

فتح البث المباشر ورأى الاثنان معـًا، يجلسان في مقهى والدها بجوار بعضهما البعض كما كان الحال في الفيديو، يبتسم لها ولا يبعد عيونها عنها..وهي في غاية الأرتباك وتستمد قواها منه تتحدث مع المتواجدون في البث والذي يستفسرون منها عن بعض الأشياء راغبين في التعرف عليها أكثر…..

كما تواجد بعض التعليقات المستفزة التي كانت تسأل عن علاقتهما سويًا متى وكيف بدأت ومن يحب الآخر أكثر…وكم هي جميلة ومميزة وتقتحم القلوب بسهولة.

لم يعد بإمكانه التحمل والصمت أكثر فكل ما يحدث كثير عليه ولا يقدر على التحمل والصبر أكثر.

غادر المطعم وهيئته توحي بأنه على وشك ارتكاب جريمة.

صعد سيارته وهو يعرف طريقه نحو المقهى.

اليوم لن يحدث مثلما يحدث دائمًا بينهما.

اليوم ستنتهي تلك المهزلـة….

______________________________

انتهى البث المباشر ولم يطول كثيرًا بناءًا على رغبتها والذي احترمها عـادل.

وبالتأكيد أرسلت لهما الهدايا خلال البث وأدركت جهاد بحقيقة حديثه وأنه ليس من الصعب جني المال.

ابتسم عـادل لها وسألها باهتمام:

-إيـه الأخبار كنتي مرتاحة في اللايف ولا لا؟ يعني حبيتي الموضوع وحبة تطلعي تاني ولا الموضوع معجبكيش.

لاح التفكير عليها لوهلة، مجيبه عليه بصدق:

-حساه مش وحش، ومحستش بملل وأنا قاعدة بتكلم مع الناس، أحنا هنزل أمتى فيديوهات على الاكونت بتاعي؟

-بكرة هنصور اتنين واحد هينزل عندي وهعملك منشن والتاني عندك وبرضو هتعمليلي منشن، وطبعًا هنفتح لايف بس نطول حبة مع الناس، وممكن كمان نبقى نحدد ميعاد ثابت معاهم نعرفهم أننا هنفتح فيه دايمًا.

-ده أنـا اللي هفتح دماغك ودماغ اللي خلفــوك.

اقتحم صوت صابـر الأرجاء، وتقدم بخطوات ساخطة نحو عـادل.

الغيرة تنهش قلبه نهشًا من قربه منها وتواجده معها.

لن ينقذه أحد اليوم من بين يديه.

هبت جهاد وهي تراه يقترب والشراسة تظهر على ملامح وجهه.

وقبل أن تقول أو تفعل شيء كان يصل ويمسك تلك المرة بـ عـادل ويشتبك معه.

فعل ما كان عليه فعله بالمرة الماضية.

قائلًا بنبرة قد جاء بها من أعماق الجحيم:

-أنت عايز منها إيـه ها؟؟؟؟ عايز منها إيـه، عارف لو مبعدتش عنها هعمل فيك إيـه؟؟؟؟

حاولت جهاد التدخل ومنع ما يحدث من قِبل صابـر والذي فاجئ عـادل سواء كان من حضوره أو هجومه عليه بتلك العدوانية.

-بس يا صابـر سيبه…ابعد بقى إيه اللي بتعمله ده.

حضر العاملين بالمقهى وحاولوا فض ما يحدث ولكنهم فشلوا ولم ينجحوا في تحرير عـادل من بين يديه.

بل كبر الأمر وسحبه صابـر معه للخارج يتجاهل جهاد وجميع من يحاول إبعاده عنه.

خرجت جهاد خلفه وهي لا تزال تصوب حديثها إليه، فقد كان لا يتوقف عن تسديد الضربات لعادل الساقط أرضًا يتعامل معه وكأنه كيس ملاكمة يتمرن عليه…يصب كامل غضبه وسخطه ومشاعره السيئة بالأيام الماضية عليه.

وأخيرًا نجحت جهاد في دفعه مستسلمًا لدفعها لجسده متراجعًا عدة خطوات للخلف وصدره يعلو ويهبط بقوة أثر أنفاسه المتسارعة اللاهثة.

-أنت بتعمل كدة ليه…أنت أكيد اتجننت.

وعلى الفور أولته ظهره وتحركت نحو الواقع أرضًا تطمئن عليه.

لم يتحمل رؤية قلقها على رجل أخر وسارع بجذب ذراعيها وإبعادها عنه قائلًا بأعين قاتمة وصوت عالي أثر غيرته التي جعلته يتخلى عن عقلانيته وإنسانيته:

-أنا اللي اتجننت ولا أنتِ؟؟؟؟؟ بتطمني عليه ها خايفة عليه للدرجة دي.

دفعت يده بعيدًا عنها ترفض لمسه لها مبتسمة باستهزاء قائلة بقسوة وهي تنظر بعيونه:

-عرفت أن أنا كان معايا حق أقولك لا.

فهم مغزى كلماتها وما قصدته، اشتعلت عيونه وبدون حسبان كان يكرر فعلته ويمسك بها راغبًا في أن تذهب معه.

انتفضت مما يفعل…على يقين بأنه قد فقد عقله ولم يعد طبيعيًا.

صرخت عليه تخبره برفض:

-سيبي دراعي واخدني على فين، أنا مش جاية معاك في حتة…أوعى يا صابـر.

حررها بالفعل ثم سألها بترقب وأعين قد ضاقت وقلب يرتعب من أن ترفض ما سيقوله وينطق بـه الآن:

-أنا خلاص فاض بيا منك ومن اللي بتعمليه…لأخر مرة همدلك أيدي وأقولك أني بحبك وعايزك….تعالي معايا وسيبي كل حاجة ورا ضهرك متفكريش في حاجة ومتخافيش أنا موجود….

وبالفعل مد لها يده وانتظر على أحر من الجمر أن يقع اختيارها عليه..وتضع يدها بيده وتغادر معه وتبتعد عن ذلك الطريق وسيحاول هو بشتى الطرق مع والدها وسيظل خلفه حتى يوافق على أن تصبح زوجة لـه…………..

والآن هي بين ناريــــن.

أما أن تختاره هو…

تختار من عشقت وتخلى هو عنها وجرحها من قبل جرح ليس بالهين….أو تختار نفسها وتبني وتضمن مستقبلًا لها ولشقيقاتها…………..

وبتلك اللحظة لم يكن الاختيار بالصعب عليها بل كانت تعرف جيدًا ما عليها أن تختار………………..

-مش هينفع، أنا مش أنانية زيك، أنا أسفة يا صابــــر…………………..

««يتبع»»…………

فاطمة محمد.

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية الحب كما ينبغي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق