رواية الحب كما ينبغي الفصل الثامن والخمسون 58 – بقلم فاطمة محمد

رواية الحب كما ينبغي – الفصل الثامن والخمسون

الفصل الثامن والخمسون

الفصل الثامن والخمسون

الحب كما ينبغي.

فاطمة محمد.

الفصل الثامن والخمسون:

بعد مغادرة شكري للغرفة سريعًا دون منح إسلام فرصة لفتح أي حديث معه، امتثلت جهاد لطلبه ونهضت من جلستها كي تذهب خلفه وقبل أن تفارق الغرفة مسكت بها إسلام تخبرها بقوة انعكست على ملامح وجهها:

-خليكي أنتِ يا جهاد أنا اللي هخرجله وهتكلم معاه.

-ده على أساس أن الكلام بيفرق أوي معاه وبيعمل بيه مش كدة! أنا وأنتِ عارفين أن سيطه من دماغه وعُمره ما سمع من واحدة مننا!! فـ إيـه اللي اتغير عشان يسمع منك المرة دي يا إسلام!!!

صمتت جهاد عقب إنتهائها من الحديث تنتظر جواب من إسلام.

ولكن لم يأتيها الجواب وحل الصمت بينهما.

صمت لم يقطعه سوى صوت جهاد الهادئ للغاية رغم النيران القائمة بداخلها ولا يعلم عنها أحد:

-مفيش حاجة أتغيرت، أنا هطلع أتكلم معاه وأشوف عايز مني إيـه وهاجي علطول، المهم تخليكي هنا ومتحاوليش تخرجي وتدخلي بيني وبينه عشان ميفكرش أن أنا اللي مسلطاكي وقيلالك تيجي ورايا.

وبالفعل فارقت جهاد الغرفة وذهبت نحو غرفته الجالس ومنتظرها بها.

وقفت أمام الباب وقبل أن تفعل أي شيء، ألتقطت نفسًا طويلًا ثم زفرته….كررتها أكثر من مرة بغرض تنظيم أنفاسها المضطربة وتهدأه نفسها.

بعد تحسن حالتها، رفعت يدها وطرقت على الباب، ثم ولجت دون أن تنتظر سماع رد منه.

أغلقت الباب من خلفها وهي تراه يجلس على طرف الفراش في انتظارها.

وقفت قبالته مباشرة وبدون أن تنظر داخل عيونه خرج صوتها تستفسر منه:

-خير يا بابا، نقط إيـه اللي عايز نحطها على الحروف.

دخل في صلب الموضوع مباشرة قائلًا بكل صراحة:

-أنا دعبست وسألت في موضوع الشغل اللي قال عليه اللي اسمه عـادل ده وعرفت أنـه ممكن نكسب من وراه دهب وخيره كتير أوي، عشان كدة أنا موافق.

ردت باستنكار وصرامة جعلت الآخر يغتاظ:

-نكسب من وراه وخيره كتير وموافق!!! طب ومين قالك أن أنا هوافق، أنا مش موافقة.

رد عليها بصرامة تفوق صرامتها أضعاف:

-لا أنتِ فاهمة غلط، أنا مش مستنيكي توافقي ولا متوافقيش، الكلمة كلمتي والقرار قراري هنا، أنا اللي أقول آه أو لا مش أنتِ.

لم تهتز بها شعره وتمسكت بقرارها تستفسر منه بذات القوة وهي تنظر داخل عيونه بتحدي:

-ولما أنت موافق على الموضوع ده وشايف أن عادي ادخل فيه، يبقى ليه عملت كدة في إحسان!!!!إحسان اللي أنت عجنتها وبهدلتها وقصيت شعرها عشان شوفت وعرفت حوارها مع اللي اسمه عادل اللي سبحان الله كان معاها في نفس الفيديو ومفكرتش تهوب منه ولا تلمس منه شعره والأنقح من ده كله عايزني أوافق وأصور معاه…عملت في البت كدة ليه لما هو عادي بالنسبالك؟!!!!

طال التواصل البصري بين الأثنان، هو يحاول بقدر الإمكان التحكم بإعصابه التي أوشكت على النفاد وحينها لا يدري ما الذي يمكنه فعله بها.

وهي تنتظر منه أجابات، تنتظر أن يخبرها بالفرق الحادث.

لم تكبح ثورتها بداخلها أكثر وسألته باستنكار:

-إيه الفرق بين اللي عملته إحسان وبين اللي أنت عايزني أعمله!!!! قولي؟؟ عرفني؟ فهمني، يمكن أنا مش فاهمة.

وبكل برود رد بما استثار أعصابها أكثر وأكثر:

-مش لازم تعرفي ولا تفهمي، أنتِ تعملي اللي أقولك عليه وأنتِ ساكتة، لو قولتلك روحي يمين تروحي يمين، روحي شمال تروحي شمال…ولو قولتي لا ولو فكرتي تتعوجي عليا قسمًا عظمًا هعيشك في سواد، هخليكي تندمي على اللحظة اللي فكرتي تقوليلي لا فيها.

ضاقت عيونها وسألته بترقب:

-أنت بتهددني؟؟؟؟؟؟ قولي ممكن تعمل فيا إيـه أكتر من اللي بتعمله؟؟؟

وعلى حين غرة رفع يده ومسك بيدها بقوة جعلتها تشعر بالألم يجيب على أسئلتها:

-لا يا روح أمك أنا مش بهدد، أنا بقولك على اللي هيحصل فيكي واللي آه هيبقى أكتر بكتير من اللي بعمله ومش أنتِ بس لا… السواد هيطول كمان أخواتك..رضا ومش هتشوف مدرسة تاني ومش رضا بس دي رضا وعصمت وإحسان و رياض و ضياء هقعدهم كلهم ومش هيكملوا تعليم ولا هيدخلوا إمتحانات وهيفضلوا قاعدين جمبك مش هيشوفوا الشارع وباب الشقة هيتقفل عليكم ومش بس باب الشقة حتى الشبابيك….مش بقولك هتبقى سواد على دماغكم.

لاحت الصدمة مما تسمعه.

رغم إدراكها بقساوته وجحود قلبه، لكن لم تتوقع أن تصل الأمور لتلك الدرجة.

يقوم بابتزازها مستغلًا حبها وخوفها على شقيقاتها.

سرد ما هو قادر ويعزم على فعله إذا نطق لسانها بالرفض بهم وبها.

التقط صدمتها منه، حرر يدها دافعًا إياها دفعة خفيفة ثم تابع ملقيًا ما لديه متجنبًا أخبارها أن إحسان هي من جاءت حتى عتبة غرفته وأيقظته كي تخبره بأمر الصور:

-طبعًا كل اللي قولته ده هيحصل في حالة أنك فضلتي رافضة ومصممة تقولي لا..لكن لو قولتي آه شوفي النعيم اللي هتعيشي وتعيشي أخواتك فيه…أقولك على حاجة كمان لو وافقتي هنسى اللي إحسان عملته عيلة صغيرة برضو وكان طيش منها وخدت اللي فيه النصيب وعاقبتها…وكمان باقي أخواتك هيكملوا تعليم عادي خالص، ورياض وضياء هيدخلوا الإمتحانات ويخشوا الجامعة، لو فكرتي فيها كدة هتلاقي أن بموافقتك حياتك وحياة أخواتك هتتغير…لا تتغير ده إيـه دي هتتشقلب خالص والزهر هيلعب معانا وهنسيب أم الحارة دي بقى.

______________________________

تدور إسلام بالغرفة، القلق يصاحبها عليها.

تفكر في تجاهل حديث جهاد والضرب بـه عرض الحائط والذهاب حيث يتحدثان.

أتخذت قرارها وحسمت أمرها بفعل ما فكرت بـه ولكن رنين هاتفها الذي صدح عاليًا منعها من المغادرة وتحركت صوبه والتقطته.

قرأت اسم زوجها وعلى الفور أجابت عليه:

-إيـه يا محمد.

-بتعملي إيـه؟؟ أنتوا كويسين؟ أبوكم عمل حاجة تاني؟

نفت فعله لشيء مجددًا:

-لا بس جه من شوية نادى على جهاد عشان عايز يتكلم معاها وأنا بصراحة مقلقة و…

فُتح الباب و ولجت جهاد وأغلقت الباب خلفها مما دفع إسلام لإنهاء المكالمة سريعًا:

-جهاد جت أهي هبقى أكلمك تاني، سلام دلوقتي.

لم ينزعج وتفهم قلقها وخوفها على جهاد.

انتهت المكالمة واقتربت إسلام من شقيقتها تسألها بترقب:

-قالك إيـه؟

-عايزني أوافق على عرض اللي اسمه عادل واشتغل معاه، سأل على الحوار وعرف أنه بيكسب.

خرجت ضحكة ساخرة من فم إسلام وقالت باستهزاء وعدم تصديق لأفعاله المتناقضة تمامًا:

-إيـه الضحك ده؟؟! يعني ضرب البت وقص في شعرها عشان راحت صورت مع الواد ده، ودلوقتي جاي يقولك الموضوع بيكسب وعايزك تعمليه!!! إيـه التناقض ده!

-نفس كلامي اللي قولته..أبوكي معندوش مانع لو الموضوع والتصوير بعلمه، بس لو من وراه يبقى جريمة وإزاي ده يحصل و و و و.

-وأنت قولتيله إيـه؟ أوعي تكوني وافقتي؟

احتارت جهاد والتزمت الصمت.

هل تخبرها بتهديده وابتزازه لها وما سيحدث إذا رفضت عرض العمل وحينها لن تصمت إسلام وستتصاعد المشكلة وتكبر أكثر، وتحدث خلافات بين إسلام و والدها وتكون هي السبب الأول والرئيسي لهذا الخلاف.

أم تخفي هذا الأمر عنها وتتجنب الحديث عنه تمامًا.

وبالنهاية اختارت الخيار الثاني وقررت إخفاء الحقيقة عنها، قائلة:

-لسة بفكر مش عارفة.

-بتفكري!!!! أنتِ اتجننتي يا جهاد بتفكري في إيـه!!

-بفكر في العرض يا إسلام، أنتِ عارفة أني أساسًا كنت بحب فيديوهات عادل وسارة وكنت متبعاهم…فـ ليه مبقاش زيهم؟ أنا لا ناقصة أيد ولا رجل وبعدين مش يمكن أنجح وأبقى اشهر منهم كمان؟ مين عالم؟

-يا جهاد أنت سامعة بتقولي إيـه؟ أنتِ وقعتي على دماغك ولا إيـه؟

تلك المرة خرج صوت جهاد منفعلًا، حانقًا من كل شيء يحدث معها:

-لا موقعتش على دماغي ولا حاجة يا إسلام، بس أنتِ عجبك العيشة اللي أحنا عيشنها دي!!! أنتِ عشان أتجوزتي وبعدتي عن البيت نسيتي اللي أبوكي كان بيعمله…أحنا هنا عايشين في جحيم…عايشين تحت رحمة أبوكي، بنتعامل أسوء معاملة؟ بنضرب ونتهان منه…أبوكي مبيتكلمش معانا بلسانه بيتكلم معانا بأيده ورجله…فكرك أحنا مبسوطين بالعيشة دي!!!أنتِ وبـرق ربنا نجدكم، بس أنا وأخواتك لسة في الجحيم و وشي وجسمي قدامك أهو شوفي علامات الضرب عليهم شوفي وشي متشلفط إزاي…خشي شوفي وش وجسم إحسان وشعرها اللي هو قصه هي كمان…إحسان العيلة الصغيرة….مفيش حاجة في الدنيا دي أسوء من أبوكي…ولو الشغل ده هو اللي هيخرجني أنا وأخواتك من حجيمه فـ أنا هدوس فيه وهحط رجلي على أول سلمة.

_____________________________

ينشغل عقل صابـر بها، وينهش القلق قلبه عليها، خاصة بعد عودتها إلى المنزل ومعرفته بما دار وحدث مع إحسان هي الأخرى من شكري الذي انتزعت الرحمة من قلبه ولم يشفق على بناتـه.

لم يعود أي من الشباب إلى المنزل بل لا يزالون جالسون رفقة يوسف ومحمد.

تركهم صابـر ونهض متحرك نحو الشرفة وهاتفه بحوزته.

لا يتحمل أحاديثهم عما حدث مع جهاد وإحسان وتفكيرهم في حل مع هذا الرجل..

أحاديثهم لا تزيد حالته إلا سوءًا.

لم يعد بإمكانه التحمل.

ولج الشرفة وسرعان ما استند على سور الشرفة…رافعًا رأسه للأعلى تاركًا الهواء يلفح وجهه…يتأمل السماء وهو يفكر بها لا تغيب عن بالـه للحظة واحدة.

يغمره الضيق الشديد من نفسه ولقسوته عليها سابقًا وهي لا تستحق هذا أبدًا.

فقد شبعت قساوة والفضل يعود إلى شكري.

شكري الذي أقسم بتلك اللحظة بأنه إذا وقع تحت يديه لن ينجده أحد ولن يفلت بأفعاله.

لحظات وكان يأتي بهاتفه.

لاح التردد عليه.

وظل يرمق رقمها قليل من الوقت.

يفكر هل ما يرغب في فعله صحيحًا أم لا.

لكنه ترك كل هذا جانبًا واتبع قلبه الذي يطمح في الاطمئنان عليها.

رُبما لن تجيب ورُبما قد تقسو عليه إذا أجابت لكنه لا يبالي فقط يكفيه أن تجيب ويسمع صوتها ويدرك أنها بخير.

لا يريد أكثر من هذا.

في ذات الوقت كانت تجلس على الفراش تضم قدميها إلى صدرها وتعانقهم بيدها..شاردة تفكر في الحديث الذي صار بين الاثنان وسبب الكلمات التي ألقتها على مسامع إسلام.

هل حقًا ترغب في الموافقة وخوض هذا العمل للتخلص من جحيم والدها!!

لم تكن تعي لما تقوله وتنطق بـه واستوعبته فقط ما أن انتهت والتزمت إسلام بالسكون، تفضل تأجيل الحديث لوقت آخر ولحين تهدأ جهاد.

جالسة على الفراش الذي كان يعود لها في السابق قبل أن تتزوج بمحمد لم تنام بعد هي الأخرى.

ترمق جهاد الشاردة من حين إلى آخر.

قطع الصمت رنين هاتف جهاد وانتشلها من شرودها وتفكيرها.

وسريعًا ما تعرفت على الرقم والذي يعود إلى صابـر وحادثها من خلالـه باليوم السابق.

ضغطت على الزر الذي يقوم برفع الصوت كي تكتم صوت الرنين متجاهلة اتصاله.

فسألتها إسلام بهدوء:

-مين اللي بيكلمك دلوقتي؟

كذبت عليها وقالت:

-معرفش رقم غريب.

-طب ما تردي شوفي مين.

-لا مبردش على أرقام غريبة وبعدين الوقت متأخر.

حاول صابـر مجددًا لم يمل أو يكل.

ولكن دون فائدة لم تجيب عليه وتطمئن قلبه عليها..

ساءت حالته وباتت أسوء من قبل بمراحل.

في هذا الوقت ولج آسـر الشرفة واتجه نحو المقعد المتواجد وجلس عليه رامقًا صابـر بنظرات غامضة.

تجاهله صابـر رغم معرفته بتواجده و رؤيته له بجانب عيونه.

لم ينطق آسـر وظل صامتًا… فقط أخرج علبة السجائر والتقط واحدة وقام بإشعالها وبدأ ينفث الدخان وهو الآخر يفكر بـ معذبـه قلبه.

لم يكن على علم أن الحب يفعل هذا بصاحبه تحديدًا إذا كان من طرف واحد.

الأمر يعذبـه بطريقة يعجز عن وصفها أو الحديث عنها.

اختنق صابـر من الدخان المنبعث من سيجارة الآخر فصاح يخبره دون أن يلتفت إليـه:

-اطفي الزفتة اللي بتشربها دي..لو عايز تشربها اشربها برة مش مكان ما أنا موجود.

رد عليه آسـر بعناد واضح:

-لا مش طافي حاجة، لو مش عاجبك اطلع أنت برة.

-مش طالع وهتطفيها يا آسـر.

-وأنا قولت مش هطفيها.

طريقتهما في الحديث وعنادهما ينم عن رغبتهما في إنشاء شجار والعراك فيما بينهما فالأمر تافهة بالأساس ولا يستدعي منهما كل تلك العصبية والعناد.

وعلى الفور ألتفت صابـر إليه وأخذ السيجارة من يده على حين غرة وسريعًا ما قام بقذفها من الشرفة.

كز آسـر على أسنانه، ولاحق فعلة صابـر بالنهوض ودفعه في صدره بعنف مغمغم بغضب مكتوم داخله قرر صبه عليه:

-أنت فتوة يعني ولا إيـه، بترميها ليه..إيـه القرف ده.

-القرف ده اللي أنت بتشربه، وعدي ليلتك يا آسـر عدي ليلتك متخلنيش أمسك فيك أنا على أخـــــرى.

من جديد استفزه آسـر ودفعه في صدره وهو يغمغم بتحدي وغضب واضح في عيونه:

-لا يا راجل تصدق خوفت أنا كدة وركبي بتخبط في بعضها..اعملك إيـه يعني على أخرك ولا على أولك.

جاء كل من أحمد وقُصي على أصواتهم العالية وفور دخولهم الشرفة تساءل أحمد وهو يوزع نظراته بين الاثنان:

-ما الذي يحدث ولما أصواتكم عالية يا بهايم الناس نايمة!

ظهر على فك صابـر جزه على أسنانه ومحاولته التماسك وألا يسمح لأعصابه بالإنفلات.

لاحظ أحمد عقب توقفه عن الحديث فك أخيه فسأله بقلق:

-أنت بتعمل كدة ليه؟ إيـه الرعب ده! أنت عملتله إيـه يا زفت أنت انطق.

تدخل قُصي قبل حديث آسـر مدافعًا عن صديقه:

-زفت في عينك متقولوش يا زفت وبعدين آسـر هيعمل إيـه لأخوك هو أخوك ده حد بيقدر عليه!! ده مفتري ده.

نطق آسـر يخبرهم بما حدث وسبب عصبيته وصوتهم العالي:

-أنا قاعد بشرب سيجارة فجأة لقيته راح واخدها وراميها إيه قلة الذوق والرباية دي؟ هو ينفع يكون بيشرب حاجة وأخدها منه ارميها؟

رد صابـر بتهكم وعصبية:

-ليه وأنت شايفني بشرب سجاير زيك أنت والحيوان ده.

قصد بحديثه الأخير قُصي مما جعل الأخير يردد باستنكار:

-طب وليه الغلط ده طيب!!!! ما تشوف أخوك اللي بيغلط فينا ده يا أحمد.

هنا واستوعب آسـر وسأل صابـر بترقب:

-أنت عايز تتخانق مش كدة؟

ومن بين أسنانه أجاب الآخر:

-ولو قولت آه هتعمل إيـه يعني.

-لا أبدًا ولا أي حاجة هناولك اللي في بالك بـس…

أنهى آسـر حديثه ممسكًا بصابـر الذي سرعان ما دفعه بقوة عنه وبدأ الشجار بين الأثنان داخل الشرفة والتي من سوء حظهم كان كبيرة وليست بالصغيرة.

اتسعت عين أحمد وحاول التدخل هو وقُصي بين الاثنان لفض ما يحدث بينهما.

ولكن أثناء محاولتهم مسك صابـر بـ قُصي هو الآخر ونال نصيبه من غضب صابـر المكتوم.

فكان المشهد كالآتي.

آسـر…صابـر…وقُصي يمسكون ببعضهم البعض ويتعاركون وأحمد يحاول فض التشابك عن طريق مسك كل واحد منهما وفصله عن الآخر.

جاء يوسف ومحمد على أصواتهم أيضًا مصدومين مما يحدث وعلى الفور صرخ بهما محمد وتدخل يوسف مع أحمد ونجح الثلاث في إبعاد الثلاث الآخرين عن بعضهم البعض….

-في إيه أنت وهو أنتوا مجانين؟؟؟؟؟

هكذا سأل محمد فسارع آسـر بالرد عليه:

-هو اللي بدأ ورمى السيجارة.

هنا وعلق يوسف بضيق من أجل صحة وسلامة آسـر:

-سجاير إيـه بس يا آسر وقرف إيـه أنت متعرفش أن السجاير تضر بالصحة وقد تؤدي بعد الشر إلى الوفاة… يلا اتفضل لو سمحت صالحه ده جزاته يعني أنه خايف عليك من التدخين.

رد قُصي ينفي صحة حديث يوسف:

-خايف عليه إيـه بس..هو عايز يتخانق وخلاص…يعني من غير أي سبب مسك فيا أنا كمان تقدر تقولي أنا عملتله إيـه ده!

أجاب صابـر على استفسار قُصي بانفعال: -مش طايقك وشك بينرفزني بيعفرتني.

هز أحمد رأسه وقال مؤكدًا:

-معاه حق وشك فعلًا ياض يا قُصي يا ضايع يا صايع أنت بينرفز ويخلي الواحد ينفعل كدة سبحان الله القبول مش بالعافية…بقولك إيـه يا صابـر امسك فيه تاني بس سيب آسـر عشان بحبه ابن خالتي برضو.

أنهى أحمد حديثه دافعًا بجسده تجاه آسـر والذي استقبله كي لا يسقط الآخر.

خرج صوت محمد مجددًا يحاول تهدئه الأجواء بينهم:

-واضح أن في حاجة مضيقاكم أساسًا…صلوا على النبي يا شباب و روقوا كدة مينفعش تمسكوا في بعض..أحنا في الأول والآخر ملناش غير بعض وهنفضل طول العُمر في ضهر بعض، يلا صلي على النبي ياض أنت وهو….

هدأت الأجواء قليلًا وقالوا بنفس واحد:

-عليه أفضل الصلاة والسلام.

_______________________________

مرت الليلة بسهولة على البعض وصعوبة على قلوب أخرى…..

وحل يوم جديد بأحداث جديدة قد تغير حياة البعض للأفضل وربما للأسوء.

ولكن من المؤكد أنها ستتبدل تمامًا.

أدت جهاد صلاة الفجر بعدما استيقظت من أجلها وبعد انتهائها عجزت عن النوم مرة أخرى.

استغلت نوم الجميع وتحركت نحو الغرفة التي تمكث بها إحسان وبـرق التي رغبت في البقاء جوارها.

فتحت الباب بهدوء وخفة ثم ولجت واقتربت من إحسان النائمة.

دارت عيونها على علامات الضرب التي تغطي وجهها وجسدها و…خصلات شعرها التي فُسدت.

تجمعت الدموع بعيونها وابتلعت غصة علقت بحلقها.

وعلى الفور وبحركة عفوية مالت نحو إحسان ورفعت يدها وربتت على خصلاتها بهدوء ثم طبعت قبلة حنونة على جبينها، هامسة لها بتلك الكلمات:

-حقك عليا أنا يا روح أختك…وعد مني مش هسمحله يمد أيده على واحدة فيكم بعد كدة.

مع انتهائها من الحديث تحررت الدموع المتجمعة داخل مقلتيها من عيونها وعلى الفور تحركت كي تغادر الغرفة.

وبعد مغادرتها وأثناء غلقها للباب.

كان شكري يفارق غرفته كي يلج دورة المياة وبعدها يعود للنوم مرة أخرى ولكن ما أن رأها حتى غير مساره وبدلًا من الذهاب نحو دورة المياه سار نحوها.

وقف قبالتها وسألها بجمود وصوت متحشرج:

-صاحية بدري ليه؟ ولا منمتيش أصلًا.

ردت بهدوء شديد ودون أن تنظر في عيونه: -لا نمت بس صحيت أصلي الفجر ومعرفتش انام تاني وقولت أبص على إحسان المتشلفطة دي.

ابتسم شكري باستهزاء ثم قال بسخرية:

-ربنا يزيدك إيمان وتقوى يا شيخة جهاد..ها أحب أسمع قرارك اللي معتمد عليه اللي هيحصل في أخواتك.

وبجمود ردت وهي ترفع عيونها تنظر داخل عيونه:

-وأنت سبتلي اختيار تاني غير أني أوافق؟؟؟

تشكلت البسمة على محياه وسألها والفرحة تتراقص داخل عيونه:

-أفهم من كدة أنك موافقة؟

وبقوة ملئت عيونها أجابته:

-آه موافقة…وهبقى أكلم اللي اسمه عـادل أبلغه أني موافقة….أكيد حضرتك معندكش مانع اتصل عليه مش كدة.

قالت الأخيرة بشيء من السخرية، على يقين بأنه لن يمانع أو يعارض حديثها مع رجل غريب.

وبالفعل جاء جوابه كما توقعت تمامًا:

-لا معنديش كلميه وأبقى عرفيني اللي هيتم.

_____________________________

-رايح فين يا وسـام!! أنت مش هتروح في حتة النهاردة سامعني؟ أثبت مكانك وده أحسنلك وأفضلك صدقني.

ألقت زهـر كلماتها بطريقة مازحة على مسامع زوجها وحبيبها والذي لم يفارق حضنها إلا للضرورة القصوى.

فقد كانت الركن الدافئ الآمن بالنسبة لـه، شاركته وقت حزنـه و وجعه على فراق من كان صديقًا لـه في يوم من الأيـام، كما كانت تفعل دومًا.

لم تخيب ظنه بها.

كما لم تتركه بمفرده، تعاملت معه بكل حنان.

احتوته ومنحته شعور بالأمان…حاولت بشتى الطرق التخفيف عنه وللحق نجحت في تنفيذ مهمتها على أكمل وجه وكانت ونعمة الزوجة.

أستدار وسـام لها بكامل جسده بعدما كان يوليها ظهره ويتحرك تجاه دورة المياة راغبًا في التجهز والاستعداد للذهاب إلى عمله.

منحها بسمة قبل أن يخرج صوتـه الهادئ:

-صباح الخير.

-أنت بتقولي صباح الخير ومبتردش على أسئلتي!! لا ده أنا هقوملك بقى.

نهضت عن الفراش واقتربت منه واقفة قبالته وقبل أن تتابع ما بدأت بـه من مزاح ورغبة في بقائه وعدم ذهابه إلى العمل.

مال برأسه إلى مستوى رأسها وترك قبلة تعبر عن إمتنانه وحبه الكبير لها أعلى وجنتيها.

فعلته جعلت الكلمات تتبخر و تتطاير من على طرف لسانها.

ابتعد عنها وعيونه تنظر داخل عيونها التي يظهر بها إلى أى مدى تهيم بـه عشقًا…وأخيرًا وبعد تواصل عيونهم بنظرة طويلة نطق لسانه بكلمة واحدة.

كلمة واحدة لكنها تحمل وتخبرها بالكثير:

-شكرًا.

استنكرت كلمته وقالت بجدية تلك المرة:

-شكرًا!!! أنتِ بتقولي أنا شكرًا يا وسـام؟

هز رأسه بإيجاب يؤكد لها ما نطق بـه لسانه:

-أيوة يا زهـر بقولك شكرًا…شكرًا أنك كنتي معايا وجمبي في أكتر وقت كنت محتاجك فيه وشكرًا أنك مخذلتنيش واستحمليتني ومسبتنيش لحظة.

-وأنت فاكر أني مستنية منك تشكرني يا وسـام؟! وسـام أنا مراتك، أنا شريكة حياتك أظن الكلمة شارحة نفسها…أنا زي ما معاك وأنت بتضحك وبتهزر لازم برضو أبقى معاك وأشاركك وقت زعلك، أنا واثقة أني لو كنت مكانك وأنت مكاني كنت عملت معايا أكتر من اللي أنا عملته كمان…وبعدين متوهش وبلاش الحركات دي عشان مش هتخيل عليا، رايح فين قولي؟؟

لم تمهله فرصة للرد بل سألت بالأخير وردت هي على نفسها:

-لو ناوي تروح الشغل فـ لا، أنا مش موافقة.

-أنا الحمدلله بقيت أحسن والله صدقيني، لو لسة مش كويس أنا من نفسي مكنتش هروح في حتة وكنتي هتلاقيني لسة قاعد جمبك.

التقطت إصراره على الذهاب إلى عمله بعيونه، فقررت تركه يفعل ما يشاء ويكون مصدر راحته.

تنهدت ثم قالت وهي تعقد ساعديها:

-ماشي روح بس متتأخرش ولما اتصل عليك ترد عليا، ماشي؟

-حاضر يا ستي عيوني.

تحرك وفارق مكانه و ولج دورة المياة، وعادت هي إلى الفراش مرة أخرى.

وبعد دقائق معدودة كانت عيونها تتسع وهي تتذكر أمر صديقتها ريهام.

تتساءل بينها وبين نفسها بتفكير..

هل تعلم بموت طليقها!!

أم لم تدري بعد!!

في جميع الأحوال عليها الوقوف معها والأطمئنان عليها.

في تلك اللحظة خرج وسـام من المرحاض فقالت لـه على الفور:

-وسـام ممكن أروح أشوف ريهام النهاردة؟؟؟

____________________________

-مين أحمد حمودة…آسـر آسورة….صابـر صابورة…تعالوا إلى أحضاني يا عيال وحشتوني واشتقت إليكم البيت من غيركم زي الحنفية من غير ماية، زي البيت من غير الواي فاي…والله وعرفت قيمتكم لما طالت غيبتكم.

ردد جابـر كلماته وهو يستقبل الثلاث شباب فاتحًا ذراعيه لهم كي يأتون إلى عناقه.

ركض أحمد نحو والده قافزًا عليه متشبثًا بـه بطفولية بحته جعلت جابـر يترنح في وقفته وهو يسمع تعليق ابنه:

-أبي العزيز الحبيب….اشتقت لك أيضًا و والله اشتياقي لك يتوق أشتياقك لنا.

-صادق يا قلب أبوك صادق…تعالى ياض يا آسـر… تعالى يا صابـر.

تقدم صابـر أولًا معانقًا والده عناقًا سريعًا ثم ابتعد عنه وتابع طريقه إلى غرفته دون النطق بكلمة واحدة ينوي تبديل ملابسه ثم الذهاب حيث مقر عمله.

-مالـه ده مأكلينه سد الحنك ولا إيـه.

تقدم آسـر وحاوط عنق جابـر متبادل معه السلام عن طريق تقبيله على وجنتيه يمينًا ويسارًا متحدث بمرح وكأنه شخص آخر غير ذلك الكئيب الذي كان عليه بالليلة الفائتة.

-جبوري وحشتني…سيبك منه ابنك نكدي وخلي بالك مسك فيا أنا وقُصي امبارح وسبته عشان خاطرك أنت بس.

ابتسم له جابـر بسمة عريضة وقال لـه بحب كبير:

-أنا مش بحبك من فراغ والله…صدقني وصدق إحساسي اللي بيقول أنك أنت وصابـر اتبدلتوا زمان وهيطلع الواد صابـر ده ابن أبوك عابد أصل فيهم تناحة وبرود من بعض، أنما أنا وأنت والواد أحمد فرفوشين نموت في الهلس.

أيد آسـر حديثه وقال:

-أنا بقول كدة برضو…

دافع أحمد عن صابر وقال مصوب كلماته إلى آسـر:

-أحترم نفسك واحترم غياب أخويا ومتكلمش عليه…أنت مستحيل تبقى توأمي.

سخر جابـر وقال مازحًا:

-مستحيل إيـه ده شبهنا أكتر من صابـر…آه صح القط بتاعك امبارح قعد ينونو كتير تقريبًا كان بيدور عليك اطلع شوفوا…أو متطلعش…صدق اللي قال جيب في سيرة القط تلاقيه جاي ينط..أهو جاي أهو.

التفت أحمد نحو قطه واستقبله بكل حب وكذلك عبر القط عن افتقاده واشتياقه الشديد إليه.

وأثناء انشغال أحمد معه.

قام جابـر بتوديع آسـر وقال:

-يلا عايز حاجة يا آسـر أسورة.

-رايح فين على الصبح كدة يا جابـر جابورة؟؟

-رايح أشوف صديق عُمري وحشني ومتفق معاه نتقابل النهاردة يلا إلى اللقاء…ومتتخانقش مع الواد صابـر تاني عشان ده مبيتفاهمش والحمدلله أنها جت على قد كدة وطلعت منها بخير أنت والواد قُصي.

____________________________

قامت زهـر بالاتصال على ريهام.

تأكدت قبل ذهابها إليها بتواجدها بالمنزل.

كما عرضت عليها الخروج والجلوس في مكان ما عوضًا عن البقاء بالمنزل ولكن جاء جواب ريهام بالرفض وذلك ما جعلها تحتار وتتساءل أكثر.

هل علمت حقًا بوفاته ولذلك ترفض الخروج وتفضل الجلوس بـالمنزل أم ماذا!!

استفسارات لم تجد لها جواب.

ولكنها كانت على يقين بأنها ستجد تلك الأجابات عند صديقتها ما أن تراها.

قامت بشراء بعض الأغراض كي لا تلج خالية اليد.

وصلت أمام المنزل وعلى الفور قرعت الجرس.

ثواني وكانت تفتح لها ريهام مستقبلة إياها بتلك الكلمات والتي لاحقتها بدفع نفسها داخل أحضانها:

-كويس أنك جيتي، أنا كنت محتاجة أشوفك بجد.

لم تخبرها بأكثر من ذلك ورغم قلة وغموض كلماتها إلا أنها فهمت ما يدور معها دون أي حديث أضافي.

رفعت يدها الخالية مما تحمله باليد الأخرى تربت على ظهرها، قائلة بهدوء:

-أنا معاكي يا حبيبتي.

وعلى الفور ابتعدت ريهام وخرجت من أحضانها قائلة بصوت مكتوم وهي تحمل عنها ما تحمله وتجذبها للداخل:

-تعالي أنا أسفة والله، مخدتش بالي أنك شايلة حاجات..تعالي ادخلي بابا وماما مش موجودين وقاعدة لوحدي.

ولجت رفقتها وتركت ريهام الأغراض جانبًا ثم أخذتها وتحركا معًا نحو غرفة ريهام.

وما أن ولجا واغُلق الباب حتى ابتسمت لها ريهام تسألها بطريقة حاولت بها أن تبدو طبيعية:

-تحبي تشربي إيـه؟؟ ولا جعانة؟ قوليلي عايزة تأكلي إيـه ونطلب من برة.

هزت زهـر رأسها برفض وقالت وهي تتقدم منها بضعة خطوات:

-لا مش جعانة ومش عايزة أشرب، أنا عايزة اطمن عليكي، عايزاكي تبقي كويسة، أنتِ عرفتي صح؟

كانت على يقين بمعرفتها، فكل شيء يخبرها أنها على علم.

من تقف أمامها ليست ريهام التي تعرفها، حالها تبدل تمامًا عما كانت عليه.

عيونها يملؤها الحزن ونبرتها مكتومة.

تحاول التماسك قدر الإمكان وعدم البكاء والإنهيار.

هزت ريهام رأسها للأعلى والأسفل تؤكد لها معرفتها:

-أيوة عرفت.

ارتجف جسدها وهي تخبرها بمعرفتها بموت ياسين.

خرج صوت زهـر مترقبًا:

-طيب وحسة بـ إيـه؟

وبدون ذرة تفكير أخبرتها بكل صدق وهي تتحرك وتتجه صوب فراشها تجلس على طرفه:

-مش عارفة…مش عارفة يا زهـر..مش قادرة أحدد..شوية وبحس أني عادي وشوية بلاقي نفسي بفكر فيه وعايزة أعيط بس مش قادرة أعيط..دموعي رافضة تنزل يا زهـر، أنتِ فهماني؟؟؟

وقبل أن تمنحها زهـر جوابًا كانت تجيب على نفسها بيأس:

-أكيد مش فهماني أنا نفسي مش فهماني، ومش عارفة أنا زعلانة عليه ولا من اللي عمله فيا مش قادرة أزعل عليه.

تقدمت زهـر منها وجلست جوارها.

أخذت نفسًا عميقًا ثم التقط يدها وطوقتها بيدها تخبرها بهدوء:

-بالعكس أنا فهماكي وحسة بيكِ، ومعاكي حق تبقي مشتتة كدة…ازعلي يا ريهام وعيطي، متحبسيش دموعك وتكتمي في نفسك خرجي اللي أنتِ حسة بيه، عايزة تعيطي عيطي عايزة تكلمي اتكلمي…لأنك لو مخرجتيش اللي جواكي دلوقتي هتنفجري على أتفه سبب وموقف يعدي عليكي…وعادي على فكرة أنك تعيطي وتشفقي عليه بالذات أنه مامتش وهو على سجادة الصلاة ده ميت وهو على سرير واحدة متجوزة و…

لم تكاد أن تنهي زهـر حديثها معها، حتى انهمرت دموع ريهام وخرجت منها شهقات محبوسة.

تعالى صوت بكائها وما كان من زهـر سوى احتضانها وتشجعيها على إخراج حزنها…

ومن وسط بكاءها كانت تخبرها:

-أنا كنت بحبه يا زهـر..كنت بحبه أوي…مكنتش مستنية منه اللي حصل…أنا مستاهلش اللي عمله فيا…أنا صعبان عليا نفسي….صعبان عليا أني حبيته من كل قلبي، صعبان عليا الوقت اللي ضاع معاه…أنا فعلًا زعلانة عليه بس زعلي على نفسي وعلى قلبي أضعاف زعلي عليه، أنا بجد مستحقش اللي عمله معايا…أنا حتى مش عارفة المفروض أعمل إيـه أدعيله ولا أدعي عليه؟ هو أنا ينفع ادعي على حد ميت يا زهـر.

تأثرت زهـر ولاح عليها الحزن عليها، وسريعًا ما أجابتها على سؤالها:

-تدعي عليه إيـه بس يا ريهام ده كفاية الطريقة اللي مات بيها وعليها هو في أكتر من كدة…وبعدين مش عايزاكي تفكري كدة، أنتِ حبيتي وأخلصتي..مريتي بتجربة صعبة بس طلعتي منها بدروس مهمة أكيد هتفيدك في حياتك قدام…عسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم.

اختتمت زهـر حديثها لتنهار ريهام أكثر وأكثر ويزداد بكائها.

جاءت زهـر بالمناديل الورقية وساعدتها كثيرًا على التحسن.

وبعد انتهاء وصلة البكاء والتي لم تكن بالقصيرة.

ابتسمت لها زهـر وقالت بنبرة تغلغلها المرح:

-خلاص عيطي وارتحتي قومي بقى اتوضي وصلي ركعتين لله هتلاقي نفسك هديتي أكتر وأكتر..

_______________________________

لم يعود قُصي إلى المنزل بعد، بل ظل يسير بالسيارة يتحدث مع صديقة لـه تارة وتارة أخرى ينصت إلى الأغاني الذي قام بتشغليها ورفع صوتها كثيرًا يردد الكلمات بحماس وشغف كبير.

وأثناء قيادته مر من جوار سيارة تصف جانبًا والجالس خلف المقود لم يكن برجل بل فتاة.

فتاة لم يرى ملامح وجهها بفضل خصلات شعرها التي كانت تغطي ملامحها.

ورغم تخطيه لها، إلا أنه سريعًا ما توقف هو الأخر ولاحت بسمة عريضة على وجهه.

هبط من السيارة بكل ثقة وسار تجاه سيارتها.

وصل سريعًا و وقف جانب النافذة التي كانت تغلقها.

رفع يده وطرق بخفة عليها.

رفعت رأسها تبصره بعيونها المليئة بالدموع و وجهها الأحمر الشاحب.

تسمر قُصي مكانه للحظات وهو يستوعب ما يحدث فقد كان بمقدرته التعرف عليها بسهولة.

تلك لم تكن المرة الأولى الذي يراها بها بل رأها سابقًا ولكن من بعيد لم يتحدث معها وجهًا لوجه.

كان معجبًا بها، ولكن إعجابه واهتمامه بها وبتفاصيلها بدأ بالتلاشي ما أن تعرف ودخل حياته فتيات أخريات.

فتحت النافذة ولم تهتم بأن يراها بتلك الحالة، وسألته بهدوء لا يليق مع هيئتها:

-نـــــعم؟؟؟؟؟ في حاجة!

______________________________

انتهى عـادل للتو من تصوير فيديو قام بانشاءه على واحدة من الأغاني والتي انتشرت واشتهرت كثيرًا بتلك الأيام ويستخدمها الكثير والكثير لصنع فيديو يتراقصون ويتمايلون بـه سواء كان شباب أو فتيات.

دقق النظر بـه وكرر مشاهدته ثم قام بتنزيله….

كل هذا وصديقه يجلس معه بالمنزل وخلفه على الأريكة.

دنا عـادل منه وجلس بجواره ولا يزال هاتفه بين يديه.

خرج صوت صديقه يستفسر منه:

-البت دي لسة مردتش عليك؟

رد عليه دون أن يرفع عيونه عن الهاتف يتابع التفاعل على الفيديو:

-قصدك جهاد؟ لو قصدك هي فـ لا لسة وأنا مش عايز أزن عليها سايبها براحتها، بس هي لو ذكية مش هترفض الفرصة دي، وأنا قلبي بيقولي أنها هتوافق وهنكسر الدنيا أنا وهي.

زينت البسمة وجهه وهو يقرأ بعض التعليقات والتي تخبره بصدق حدسه والتي كانت كالتالي:

“جامد يسطا بس فين البت اللي نزلك صور معاها طلعها معاك…”

“عايزينك تصور مع البت أم عباية سودة”

“فين صاحبة العباية السودة دي جامدة أوي وبرقبة سارة، طلعها معاك، هتطلعوا تريند يا صاحبي.”

“وشك نور في حب جديد ولا إيـه؟؟ أكيد آخر بت نزلك صور معاها، أنت مخبيها عننا ليه يسطا مش هنأكلها.”

“الريتش بدأ يعلى عنده تاني ولا أنا متهيألي؟؟؟”

“سارة كانت أحلى كتير بس واضح أنك ذوقك زي الزفت عموما أم عباية سودة لايقة عليك أكتر أهي شبهك…”

“والله ما عارف سارة كانت بصالك على إيـه؟”

الكثير من التعليقات بعضها إيجابي يعبر عن إعجابه بجهاد أو بالفتاة صاحبة العباءة السوداء كما أطلقوا عليها.

والبعض الآخر كان سلبي ولكن لا يهمه السلبي طالما كان الإيجابي أكثر وأثار الجدل.

أثارة الجدل تفيده وتجعله حديث على ألسن الآخرين.

-بص كدة على الكومنتات اللي على آخر فيديو، واضح كدة أني هنجح فعلًا…اللي اسمها جهاد دي لازم توافق مفيش مجال للرفض، أ…

قاطع كلماته رنين هاتفه القابع بين يديه.

قرأ اسمها وعلى الفور نهض وهو يخبره بلهفة:

-دي هي اللي بتتصل.

-طب رد بسرعة.

أجاب عليها سريعًا وقال بهدوء زائف:

-أزيك عاملة إيـه؟

تجاهلت سؤاله عن أخبارها وقالت دفعة واحدة دون تمهيد راغبة في إنقاذ شقيقاتها قبل نفسها من براثن شكري وشره:

-أنا موافقة اشتغل معاك…أنا عايزة أنجح…عايزة أعمل فلوس وعايزة أبقى أشهر من النار على علم……..

وببسمة لا تفارق وجهه قال بعزم يؤكد لها أن هذا ما سيحدث:

-وأنا هخليكي تنجحي، وهخليكي تعملي فلوس كتير أوي مكنتيش تحلمي بربعها، وهخليكي أشهر من النار على علم زي ما بتحلمي.

««يتبع»»…………

فاطمة محمد.

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية الحب كما ينبغي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق