رواية الحب كما ينبغي – الفصل السادس والخمسون
الفصل السادس والخمسون
الحب كما ينبغي.
فاطمة محمد.
الفصل السادس والخمسون:
تلعثم قليلًا، اعترافه خرج متقطعًا.
لا يصدق أن قلبه قد ساقه واعترف بما يكمن داخل قلبه دون تفكير أو حساب.
ترقب..وانتظر تعقيب منها على أحر من الجمر.
طال ترقبه ولم تنطق فقط تنظر داخل عيونه بطريقة عجز عن فهمها.
وكلما طال الصمت بينهما أكثر زاد توتره وقلقه من جوابها الذي لا يعرفه.
فكيف لها أن تجاوبه بتلك السهولة الذي يتوقعها.
ما حدث معها وخاصة اليوم لم يكن بالهين أو البسيط أبدًا.
بل كان صعبًا..شاقًا للغاية على قلبها.
والآن يتم ختم يومها باعتذار واعتراف منه أنه يحبها.
لا تستوعب أو تصدق ما يحدث معها.
تساءلت بينها وبين نفسها هل وقع على رأسه؟؟!
بالتأكيد هذا ما حدث هو ليس بكامل قواه العقليه.
تجهل ما الذي عليها قوله تعقيبًا على اعترافه كما أن مشاعرها تخبطت…لا تشعر بالفرحة أو الحزن..في الحقيقة لا تشعر بشيء.
هل السبب في هذا هو ما تعرضت لـه اليوم وبسبب ذلك الثقل التي تشعر بـه يجثو على صدرها!!!!
هل لو اعترف وقال ما قاله الآن في وقت لاحق كانت ستسعد ويرفرف قلبها كأي فتاة تفرح وتسعد باعتراف الرجل الذي أحبته بحبه لها……
لم يطيل صمته وهذا السكون الذي يملئ الأرجاء من حولهم كثيرًا، بل انتهى بنطقه وخروج صوتـه من جديد ناطقًا اسمها ينتشلها من كافة أفكارها:
-جهـاد…ساكتة ليه؟؟ متسكتيش لو سمحتي.
هل اكتفى بهذا القدر من الحديث؟؟؟
فالأجابة ستكون لا، بل تابع مكررًا اعترافه لها من جديد لكن دون تلعثم أو تقطع تلك المرة، مقتربًا خطوتان منها:
-جهاد أنا بحبك…بحبك وعايزك..عايز أتجوزك، عايز ندي لبعض فرصة ونبدأ مع بعض من أول وجديد و..
قاطعته لم تسمح لـه بالمتابعة وأضافة حرف إضافي، سالبة منه فرصته وأخذتها هي ملقية على مسامعه كلماتها التالية والتي غلفها الألم:
-كأن مفيش حاجة حصلت مش كدة؟ كأني مغلطش لما جريت وراك وحبيتك…وكأنك مجرحتنيش ولا جيت عليا وعلى قلبي لما جرحتني بكلامك..لا جرحتني ده إيـه قول دبحتني ده وصف أدق وأحسن بكتير…أنت بجد بتحبني؟؟ أنت مصدق نفسك؟ أنا عن نفسي مش مصدقاك ومش هصدقك، وخد هنا إيه آسف دي؟ عملتلي إيـه آسف دي بعد ما قولتلها؟ يا ترى داوت جرحي و وجع قلبي؟
ابتلع ريقه وظل مثبتًا عيونه عليها يتبادلان النظرات والتي كانت تقول الكثير والكثير مثلها مثل الألسنة تمامًا.
وعندما لم تحصل على جواب على الفور أجابت على نفسها تخبره بذات الوجع والألم:
-أحب أبشرك يا صابـر وأقولك أنها زي قيلتها مكنتش قولتها أحسن، ملهاش لازمة والله، أنا خلاص قلبي ادشدش واللي كان كان، وأنت أكيد عارف أن اللي ادشدش مستحيل يرجع زي ما كان…وبعدين إيـه اللي جد خلاك تغير رأيك وترجع في كلامك، فاكر قولت عني إيـه؟؟ أكيد فاكر..إزاي عايز تكمل حياتك معايا وتخلي واحدة زيي متربتش تشاركك حياتك وتبقى أم لعيالك…و
تلك المرة أخذ هو دورها في المقاطعة، مقاطع حديثها يخبرها بصدق وصراحة مطلقة:
-مين قالك أنك متغيرتيش؟؟ أنا واخد بالي منك كويس أوي يا جهاد وعارف أنك اتغيرتي كتير عن الأول، وحتى لو لسة محصلش تغيير كبير بس أنتِ عندك قابلية أنك تتغيري وعايزة تبقي أحسن، أنتِ غلطي وأنا كمان غلط في أسلوبي وطريقة نصيحتي ليكِ…..أنا عرفت متأخر أني بحبك، كل عصبيتي ونرفزتي منك كانت عشانك، مضايق أنك كدة وعايزك تتغيري وتبقي أحسن، عشان كدة قولتلك أني أسف..وأني بحبك، وأني عايزك وعايز ندي لبعض فرصة….
-مش ملاحظ أنك بتقول عايز كتير؟ أنت أناني أوي و بتفكر في نفسك وبس يا صابـر، مش مهم أنا عايزة إيـه دلوقتي وكنت حاسة بـ إيـه ناحيتك زمان، المهم أنت دلوقتي حاسس وعايز إيـه مش كدة؟ بس أنت وقعت مع الشخص الغلط، جيتلي بعد ما بقيت مش عايزاك وبكرهك، مش مهم أساسًا أنت إيـه دلوقتي المهم أنا عايزة إيـه…أنا بكره الراجل القاسي اللي معندوش ذرة رحمة ولا ضمير، اللي مبيفكرش غير في نفسه وبس، مبيفكرش في اللي حواليه اللي يهمه نفسه وبس والباقي حواليه يولعوا ولا يكش يغوروا في ستين داهية مش مهم المهم نفسي.
كلماتها الأخيرة لم تكن مصوبة لـه ربما جزء منها ولكن ليس كلها، بل كانت تتحدث عن أكثر رجل قاسي رأته يومًا ورأت منه الكثير والكثير…وللأسف يكون والدها.
فهم مغزى حديثها والألم التي تعيشه.
شعر الضعف…رغب في ضمها إلى صدرها، وأن يربت على ظهرها بكل حنو قد يتواجد في هذا العالم.
متأملًا أن يبثها بتلك الطريقة الأمان والسكينة ويأنس وحدتها التي تشعر بها رغم وقوف شقيقاتها بجوارها.
لكنها تظل آمال وأحلام لن يقدر على تحقيقها وتنفيذها.
ضم قبضته بقوة ساحقة موجوعًا من حديثها بأكملة وبالأخص كلمة “أكرهك” التي ألقتها في وجهه.
تحرك مندفعًا من مكانه يدور بالمكان من حولهم يطرد سحرها التي فرضته عليه، يبعد رغبته في الاقتراب منها والتهوين عليها.
راقبته بعيونها لثواني فقط ثم خرج صوتها وهي توليه ظهرها تستعد للعودة داخل المنزل:
-أنا خلصت الكلام اللي عندي تصبح على خير.
لحق بها ولم يتركها، سابقًا إياها بخطوات واقفًا أمامها يرجوها بنظراته التي قد تجعل أي شخص في تلك اللحظة يشفق عليه.
فحالته كانت صعبة واستطاعت هي رؤية ذلك وتمييزه بسهولة.
وقف أمام الباب وصار حاجزًا بينها وبينه يمنعها من المغادرة، يخبرها:
-جهاد أنتِ مبتكرهنيش، ومدام قولتيها خليكي واثقة أنك لسة بتحبيني، أنتِ بس بتحاولي تقنعي نفسك بكدة….أنا بحبك وأنتِ بتحبيني متخليش الوقت يسرقنا ونضيع وقت أكتر من اللي ضاع…أنا كنت غبي…متعمليش زيي أرجوكِ…أنا مش عايز غيرك يا جهاد.
كلماته بدأت تؤثر عليها، وبدأ التوتر يتسلل إليها، ابتلعت ريقها والتزمت الصمت ثواني…
في تلك الأثناء دارت عيونه على جروح وجهها الظاهرة عكس جروحها الداخلية الخفية عن الجميع حتى عيونها.
تحدث لسانه دون حساب وسألها بنبرة يملؤها الحب…يملؤها لتلك الدرجة التي جعلتها تشعر بمدى قلقه وحبه لها:
-موجوعة؟؟
سألها يرفع يده يشير تجاه تلك الأثار المتواجدة على وجهها دون أن يلمس بشرتها.
سيطرت على نفسها ولملمت شتات قلبها المبعثر الآن وأجابته بجمود وقوة:
-ملكش دعوة…ومتفتحش معايا كلام في موضوع بحبك والكلام الفارغ ده تاني، أنا مبحبكش وخلاص شيلتك من قلبي ومش هترجع لو عملت إيـه، أحنا مننفعش بعض…وسع بقى كدة.
أزاحته بقوة لا تعرف من أين آتت بها تفصح لنفسها مجالًا كي تمر وتلج للمنزل.
وبالفعل ما أن ولجت حتى دفعت الباب خلفها بقوة متناسية تمامًا أمر نوم شقيقاتها وربما تقلق واحدة منهما على أثر الصوت.
ولكن من حسن حظها لم تستيقظ أي منهما وعادت هي للغرفة مجددًا وهي تزيح الحجاب عن رأسها.
ظل واقفًا محله لم يقدم أي خطوة، يائسًا… حزينًا…..قلبه يبكي عوضًا عن عيونه.
لم يرغب في العودة داخل المنزل، وتحرك صوب إحدى الدرجات وجلس عليها يشعر شعور الطفل التائه.
في ذات الوقت، أبعد أحمد كل من آسـر، يوسف، محمد، قُصي، عن الباب الذين كانوا يقفون خلفه وينصتون خلسة لما يدور بين جهاد وصابـر، قائلًا بهمس منزعجًا من وجودهم واستماعهم لكل شيء:
-هش بقى أنت وهو أنتوا لازقة كدة ليه أعوذ بالله منكم، إيـه عُمركم ما شفتوا واحد بيتهزق من واحدة بعدما عاد معتذرًا ولا إيـه؟!!
ابتعد آسـر بعدما شعر بأن المواجع قد قلبت عليه وتذكر ما كان يدور بينه وبين ضياء وكيف رفضته أكثر من مرة.
-أنا داخل أنام تصبحوا على خير…آه وقبل ما أنسى محدش يبين قدام صابـر أننا سمعنا اللي حصل.
أعجب أحمد بحديث آسـر فقال هامسًا:
-روح ربنا يكتر من أمثالك يا بن خالتي..يلا يا قُصي يا حبيبي يلا يا بابا روح مع صاحبك نام يلا.. يلا يا يوسف يلا يا محمد، مش فرح أمكم هو يلا خلوني أروح أشوف الواد قبل ما يدخل في حالة اكتئاب ويفكر استغفر الله في الانتحار ولا حاجة.
رد يوسف بصوت خافض:
-وهو لسة هيدخل في حالة اكتئاب يا أحمد ما زمانه دخل خلاص، أنت بس شوفوا ومتسيبهوش.
-ده أكيد، لا تقلق، ولا توصيني على أخي، أنا سأقوم باللازم معه ولن أتركه إلا وهو مفرفش وعلى سنجة عشرة.
_______________________________
من ثقل وقوة شعور الوجع الذي يغمره، يجلس بلا حركة، لا يرمش حتى..ينظر في اللاشيء..ويظهر عليه شرود كبير.
شرود جعله لا يشعر حتى بخروج أحمد من المنزل وغلقه للباب ومجاورته لـه في الجلسة أعلى درجة السلم.
لحظات وكان يفوق من حالته على صوت أحمد المنادي باسمه ينتشله من ضياعه:
-صابـر…صابـر، أنت كويس؟؟ متقلقنيش عليك، أنت عامل كدة ليه، انطق، رد عليا بأي حرف أو كلمة.
وباستسلام ودون أن يكلف وسعه لتزيف حقيقة مشاعره، أجابه:
-أقول إيـه؟ عايز تسمع أني كويس؟ أكدب يعني ده اللي هيريحك؟
-لا مش هيريحني، بس أتكلم قول حاجة، قولي حاسس بـ إيـه، وقبل كل ده عايزك تبقى عارف أن كل مشكلة وأكيد ليها حل بعون الله، وكل ضيقة وبعديها فرج، فـ ليه تعمل كدة في نفسك وتبقى في الحالة دي.
-الكلام سهل، خصوصًا لو مش أنت اللي في الموقف وبتكلم من بعيد، أنت متعرفش اللي حصل ولا سمعت اللي أنا سمعته ولا حسيت باللي أنا حاسس بيه.
نفى أحمد حديثه وأكد استماعه لما حدث متجنبًا الحديث عن البقية واستماعهم أيضًا مثله تمامًا:
-مين قالك أني مسمعتش أنا سمعت على فكرة، وده المتوقع، متلومهاش على فعلها ولا ردها عليك، لأن كل ده رد فعل صدقني مش فعل، وبعدين أنت ملقتش غير النهاردة عشان تقولها بحبك!! أنت متعرفش حاجة عن فن اختيار الوقت للاعتراف بالحب والمشاعر والذي منه؟! يعني البنت واكله علقة موت من أبوها وحصلها مشاكل بالكوم وسايبة البيت ونايمة عند أختها وأنت جاي بكل بساطة تقولها بحبك، ليه دلوقتي! يعني هي فيها اللي مكفيها وأكيد منسيتش كلامك القاسي معاها، فكل اللي قالته ده أنا شايف أنه رد فعل على اللي عملته معاها قبل كدة وكمان التوقيت غلط خالص.
لم يصمت واعترف بحقيقة ما يشعر به مستغلًا وجود أكثر شخص يحبه بجانبه الآن في محنته تلك:
-مش عارف بقى، اللي حصل حصل خلاص، أنا لقيت نفسي برن عليها وبكلمها وعايز أشوفها، لقيت نفسي بقولها أني بحبها من غير ما اعمل حساب لأي حاجة، زي ما تقول كنت عايزها تعرف أني بحبها، أنا بحبها يا أحمد، طلعت بحبها ومش دريان، أنا ندمان… بس يفيد بـ إيه الندم دلوقتي، جرحتها وقسيت عليها، عملت معاها نفس اللي أبوها بيعمله حتى أنا كمان أول ما شوفت الصور صدقت اللي بيتقال، مفيش فرق بيني وبين شكري، أنا وهو واحد.
-اخرس… تعرف تخرس؟؟؟ متقولش كدة على نفسك، إياك اسمعك بتشبه نفسك بالراجل العرة ده، أنت غلطان ماشي أنا معاك في أنك غلطان، بس الأهم من أنك غلط، أنك ندمت وعرفت غلطك، دي أهم حاجة يا صابـر، بالك لو غلط وفضلت مش حاسس بغلطك دي تبقى مصيبة ومش أي مصيبة، أنك تندم دي حاجة كبيرة أوي يا صابـر صدقني، زيك زي جهاد أنا برضو شايف أنها ندمت وأدركت خطأها وأكبر دليل على كلامي هو التغيير اللي شوفته بعيني.
تنهد صابـر تنهيدة طويلة، ثم سأل بتوهان كبير:
-أعمل إيـه يا أحمد؟؟ أول مرة أحس أني عاجز للدرجة دي..عاجز عن أني الاقي حل، وأني اخليها تنسى وتسامحني، جهاد قالتلي بكرهك يا أحمد، آه مصدقتهاش بس الكلمة تقيلة وصعبة أوي.
رفع أحمد يده وبدأ يربت على ظهره بحنان لن يجده إلا لديه:
-طيب شوف أنت كلمة عملت فيك إيـه، ما بالك هي بقى اللي سمعت منك اللي ميتسمعش، اديها وقتها، هو ده الحل، الوقت دايمًا قادر أنه ينسي ويشفي، وأنا واثق أن لو جهاد خدت وقتها هتسامحك وهتدي لعلاقتكم فرصة، بذات لو شافتك متمسك بيها، مش حاولت مرة ورفضتك وخلاص.. لا أوعى تستسلم يا صابـر لو بتحبها اديها وقتها واصبر عليها…..يلا هات حضن بقى… يلا متنحش بقى أنا قاعد اطبطب عليك وأنت مستخسر في توأمك وأخوك الكبير حضن…
وبالفعل استجاب صابـر لطلبه وقام باحتضانه….
وللحق لم يكن أحمد من يحتاج لهذا العناق، بل كان صابـر هو من أشد احتياجًا لـه كي يمنحه الكثير سواء كان سكينة…حنان وحب أخوي، طمأنينة بأن الأمور ستكون طيبة وستسير مثلما يريد فقط يتطلب منه الأمر الصبــر.
______________________________
ظلت جهاد مستيقظة طوال الليل، لم يغمض لها جفن.
تفكر… وتفكر…. وتفكر.
عقلها لم يتوقف لحظة عن التفكير و.. تذكر أحداث اليوم الماضي العصيب.
وانتهاء اليوم باعتراف بالحب لم يأتي في بالها يومـًا أو حتى للحظة.
فكيف لها أن تفكر بأن الرجل الذي أحبته بل عشقته و وقعت في هواه ورفضها وأبعدها بأسوء طريقة تتواجد في هذا الكون بأكمله، قد يأتي إليها نادمـًا يطلب منها العفو والسماح.
فُتح الباب و ولجت إسلام دون أن تطرق الباب ظنًا منها بأنها لا تزال نائمة.
اعترتها الدهشة وهي تراها مستيقظة بالفعل، عقدت حاجبيها وتساءلت بصوت لا يزال يتبقى به أثر النوم:
-إيـه ده أنتِ صاحية؟ ولا منمتيش أصلًا، أوعي تقولي أنك منمتيش.
اعتدلت جهاد في الفراش وهزت رأسها تؤكد صدق حديثها:
-لا منمتش فعلًا، معرفتش أنام.
-طب مصحتينيش ليه ولا صحيتي بـرق؟ فضلتي قاعدة لوحدك ليه.
-أهو بقى.
ردت رد بسيط وبطريقة أخبرت إسلام بسوء حالتها وأنها لست بخير.
رفعت يدها و وضعتها فوق يدها تسألها بترقب:
-أنتِ كويسة؟
-عايزة الحقيقة ولا بنت عمها؟
-الحقيقة يا جهاد.
لم تكذب عليها وتزيف أنها بخير بل اعترفت بالحقيقة، تخبرها:
-مش كويسة، أنا تعبانة على تايهة على مش فاهمة على مش عارفة على حاجات كتير أوي يا إسلام، أنا ليه بيحصل معايا كدة؟؟ أنا لما روحت قابلت عادل ده روحت عشان إحسان كانت نيتي كويسة مش وحشة! فـ ليه يحصل معايا كدة!
تحركت إسلام من جلستها دون أن ترفع يدها عن يديها، جالسة جوارها تمامًا مجبرة إياها على وضع رأسها أعلى صدرها محتضنة جسدها تبثه ما يحتاج إليه من طمأنينة وسكينة:
-عارفة، والله العظيم عارفة وأنتِ كمان خليكي عارفة أن أي حاجة تحصل معاكي حتى لو أنتِ شايفة أنك اتأذيتي من وراها وشر ليكي أكيد الحقيقة مش كدة وأن في خير وراها، عسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم.
دام الصمت بينهما ثواني، لم يقاطعه سوى دخول بـرق الغرفة ورؤيتها لجهاد تقبع داخل أحضان إسلام.
رغبت في تلطيف الأجواء والذي يتضح وضوح الشمس أنها ليست على ما يرام، قائلة بطريقة درامية وجسد يترنح ويعود للوراء وكأنه تلقت طعنة ما:
-آه قلبي خيانة….ومن مين؟؟ من إسلام وجهاد…آه يا ولاد الـ…مش عايزة اشتم وأخذ ذنوب…أنتوا إزاي تعملوا فيا كدة؟؟؟ هونت عليكم تخونوني وتستغفلوني، من هنا ورايح مبقاش اسمي بـرق لا، بقى اسمي بـرق المتغفلة.
ابتسمت إسلام وجارتها في مزاحها وقالت وهي تشير لها بيدها تحثها على الاقتراب:
-طب تعالي يا أستاذة متغفلة أنتِ متقفيش كدة قربي أنتِ كمان.
-أيوة هو ده الكلام، وسعولي بقى.
وبالفعل هرولت تجاهم ودفعت بجسدها داخل أحضان الاثنان.
ولم يفرق هذا العناق إلا صوت جهاد عندما أخبرتهم بهدوء شديد:
-أنا جعانـة.
_____________________________
آتاه خبر قتل صديقه السابق يـاسين…علم من أحد الأصدقاء المشتركين بينهم والذي لم يكن هو فقط من أدرك بل كثير غيره بعدما تسربت الأخبار وتفاصيل الجريمة من خلال مصادر غير رسمية.
وللحق نزل الخبر عليه كالصاعقة.
رغم كل ما حدث بينهما من خلافات ومشاحنات كبيرة إلا أنه يحزن عليه وعلى طريقة موته.
فقد قُتل على معصية لم يدرك عواقبها يومًا…أو ربما كان يدرك ولم يهتم أو يعنيه الأمر واستخف بأفعاله ورآها لا شيء في حين أنها ليس بشيء هين أو بسيط… بل كانت كبير للغاية.
فقد مات زانيــًا.
مات وهو على فراش امرأة لا تحل لـه وتحل لغيره.
كيف سيقابل ربه الآن سواء كان هو أو هي!!
الآوان قد فات ولم يعد موجودًا بتلك الحياة ولا يملك فرصة للتوبة والإبتعاد عن المعاصي وما حرمه الله.
لم يعد وسـام من تلك اللحظة بخير..
بل اعتراه حزن لم يتوقع أن يغمره يومًا.
بالأساس لم يأتي بباله أن يموت ياسين خاصة أنه لم يكن يشتكي من مرض ما، وليس كبير بالعمر.
ولكن كم من مريض شفى وطال عُمره وكم من صغير توفى وفارق الحياة قبل كثير من كبار السن.
الموت لا يفرق بين أحد، مريضًا أو سليمًا، كبيرًا أو صغيرًا.
تجمعت الدموع داخل عيون وسـام وقبل أن يذرف أي دموع كان يفارق المكان بأكمله ويقصد سيارته عائدًا إلى منزله وبين أحضان زوجته التي تكون باستقباله وبانتظاره أي وقت كان.
هي الوحيدة الآن دونًا عن الجميع التي تملك القدرة على التهوين والتخفيف عليه.
لن يستدعي الأمر حديث منها فقط يكفي أن تضمه إلى صدرها وتعانقه كطفل صغير في أشد حاجته إلى حضن والدته.
وكان لـه ما أراد، فقد قرع الجرس لم يخرج المفاتيح، أو قد فرت منه طاقته لفعل أي آخر إذا صح القول.
يجهل كيف استطاع أن يأتي ويقود السيارة حتى باب منزله.
كان هذا فضل من الله.
نما إلى مسامع زهر صوت الجرس وعلى الفور سارعت نحوه كي تفتحته وهي تلتقط خمار كي ترتديه وتضعه أعلى رأسها.
فتحت الباب دون أن ترى من العين السحرية هوية الطارق.
وسريعًا ما تشكلت الدهشة على محياها من تواجده وعودته بتلك السرعة!!!
-أنت جاي بدري كدة ليه؟ في حاجة حصلت؟ مال وشك يا وسـام فـ….
لم تتابع بفضل دفع جسده عليها مطوقًا إياها بقوة تخبرها بمدى احتياجه لها.
استقبلته متوقفة عن الحديث متحركة بـه وهو يلتصق بها عدة خطوات للخلف تجذبه لداخل المنزل مغلقة الباب من خلفهما وهو يتحرك معها بسلاسة شديدة.
اتجهت نحو الأريكة وعلى الفور جلسا الاثنان.
ظل هو دافنًا وجهه داخل صدرها ويديه تطوق خصرها.
والمريب بالأمر وما جعل الخوف يتملك منها هو بكائه المخيف.
تعالت ضربات قلبها وظنت بأن سوء قد مس أحد أفراد عائلته ولكنها لم تنطق بما جاء في بالها وسألته بهدوء ليس حقيقي بالمرة:
-في إيـه يا وسـام، متخوفنيش عشان خاطري.
رد عليها من بين بكائه داخل أحضانها:
-ياسين مات يا زهـر، اتقتل….اتمسك مع واحدة متجوزة وجوزها قتلهم.
اتسعت عيونها وسألته بتلقائية:
-أنت بتقول إيـه؟؟ يعني مراته كانت بتخونه مع ياسين؟ طب الراجل هيحصل فيه إيه؟ أكيد مش هيتحبس صح دي قضية شرف، يارب يطلع براءة.
هنا وتداركت ما تتحدث عنه فسارعت بتصحيح حديثها وتغيير مجراه قائلة بتوتر وطريقة حاولت بها التخفيف عنه رغم عدم تعاطفها بالمرة مع موت ياسين وتراه يستحق ما حدث بـه وأن المستحق الحقيقي للتعاطف هو الزوج والذي كان ضحية الخيانة:
-طب أهدا متعملش في نفسك كدة، اقسم بالله أعيط أنا كمان… أهدا عشان خاطري، أنا عارفة أن الموضوع صعب عليك، وأن حتى لو كان بينكم مصانع الحداد بس برضو في الأول والآخر كان صاحبك في يوم من الأيام وكان بينكم عيش وملح..أنا مش عايزة أغلط وأشتم فيه، بس ده مماتش وهو على سجادة الصلاة ده ميت مقفوش في بيت عشيقته، أكيد عمله كان أسود عشان نهايته تبقى بالمنظر ده..أهدا يا حبيبي.
رفع وسـام رأسه وفارق أحضانها يخبرها بوجهه الباكي:
-أنا أول ما سمعت الخبر مكنتش مصدق اللي بسمعه قولت أكيد أنا سمعت وفهمت غلط، أنا رغم كل الوحش اللي عمله معايا، أنا افتكرتله كل الحلو ونسيت الوحش…أنا زعلان عليه، زعلان أنه مات كدة، هيقابل ربنا إزاي؟؟؟
-كان أولى هو اللي يفكر في نهايته ويعمل ليها يا وسـام، هو اللي كان المفروض يزعل على نفسه، زعلان ليه على واحد مفارقش معاه حاجة ومفكرش وهو بيزني مع واحدة متجوزة أنه ممكن يموت وهو معاها! هو مصعبش عليه نفسه، ليه يصعب عليك أنت، وعلى فكرة أنا مش بقويك عليه أنا بس مضايقة أنك مضايق.
عاد مرة أخرى داخل أحضانها لا يرغب في الحديث أكثر فقط يرغب في رمي نفسه داخل أحضانها……
على يقين بأن وجعه سيسكن حتى ولو قليلًا.
_______________________________
-أنت بتكلم جد؟ يعني الكلام ده بجد! وبيكسب أوي كدة؟
ألقى شكري كلماته على مسامع واحدًا من أهالي منطقته والذي جاء إلى المقهى الخاص به وما أن سقط بصره على شكري جالسًا بمفرده حتى سرعان ما سحب مقعدًا وألقى السلام عليه يشاركه جلسته دون إستئذان وقبل أن يتحدث الشاب في أي شيء بدأ شكري في طرح استفساراته واحدًا تلو الآخر، يتأكد من حديث عـادل وأن العائد من عمل جهاد معه سيكون كبير.
وبالفعل أكد الشاب لـه هذا، قائلًا:
-إلا بيكسب ده بيكسب وبيكسب، ده أحنا مش عايشين، دول أكتر ناس بتكسب بالك لو فاتحوا لايف واحد بيطلعلهم ألوفات في اليوم، ممكن يجيبوا مرتب شهر بحالة لموظف على قده في لايف واحد….ده غير الإعلانات اللي بتجيلهم وبيعملوها وبرضو بيطلعوا من وراها بسبوبة حلوة.
شرد شكري في حديثه ولاحت بسمة خبيثة حالمة على وجهه.
فـ على حديث عـادل هو مشهور بالفعل.
هنا وخطر لـه وسأل الشاب:
-طب بقولك إيـه تعرف واحد اسمه عـادل بيعمل فيديوهات على البرنامج اللي اسمه توكتوك ده تقريبًا.
ضاقت عين الشاب وقال مخمنًا وبنبرة ذات مغزى:
-قصدك التيك توك… بس تقصد أنهي عـادل بضبط؟ في كذا عـادل…بس أنت أكيد تقصد عـادل اللي نزله صور مع جهاد بنتك واللي برضو نزل قبلها فيديو مع بنتك إحسان، بس صحيح هي مش بنتك إحسان لابسة حجاب؟ كانت قالعاه ليه معاه بقى، أنا والله شككت في الأول أنها مش هي، بس لما دققت قولت لا هي إحسان هو أنا عبيط عشان معرفهاش.
ضاقت عين شكري وأطال النظر بالشاب يسأله بعدم فهم :
-أنت بتقول إيـه يا واد أنت!! إحسان مين اللي قالعة الطرحة وطالعة معاه في فيديو!!
-يعني هيكون إحسان مين يا عم شكري إحسان بنتك طبعًا، أنت مشفتوش ولا إيـه، ده أنا استغربت لما شوفته واستغربت أكتر لما شوفت صور لجهاد معاه.
هتف شكري بقوة وبركان على وشك الإنفجار في وجه أي شخص:
-فين الفيديو ده وريهولي.
أجابه الشاب بهدوء:
-بس كدة عنيا.
أخرج هاتفه وجاء بالتطبيق وبحث عن الفيديو ولكنه فشل في إيجاده.
حك مؤخرة رأسه وهتف:
-هو أنا مش لاقيه شكله اتمسح بس استنى اشوفه يمكن حملته ونزل على الموبايل..أصلي بصراحة مش فاكر من كتر ما بحمل فيديوهات كتير.
ترقب شكري وظل يتابع الشاب أثناء بحثه عن الفيديو الخاص بـ إحسان.
ثواني مرت من البحث المستمر وسريعًا ما نطق الشاب ببسمة عريضة:
-أهو الحمدلله طلعت حملته، بص كدة يا عم شكري، هي إحسان أهي هو أنا هتوه عنها برضو.
انتشل شكري الهاتف من يده وشاهد الفيديو وعلى الفور تحولت عيونه لأخرى تنذر بالجحيم القادم على رأس إحسان……………………
««يتبع»»…..
فاطمة محمد.
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية الحب كما ينبغي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.