رواية الحب كما ينبغي الفصل السادس والعشرون 26 – بقلم فاطمة محمد

رواية الحب كما ينبغي – الفصل السادس والعشرون

الفصل السادس والعشرون

الفصل السادس والعشرون

الحب كما ينبغي.

فاطمة محمد.

الفصل السادس والعشرون:

-توهنا إزاي يعني؟؟ده أنا معايا وسام يعني جوجل ماب!!

هكذا كان رد زهر بعدما أخبرها وسام بالحقيقة، ابتسم لها وهو يحاول خلق جو مرح قائلًا بمزاح:

-جوجل ماب إيـه بس يا حبيبتي متفخميهاش في حقي أوي كدة.

مسحت على وجهها ثم سألته وهي تنظر حولها لا ترى سيارات تمر أو حتى أشخاص، فقط ظلام دامس:

-طب هنعمل إيـه دلوقتي أنت ليه ممشتش على اللوكيشن من الأول، أفتح موبيلك كده شوف أحنا فين وفاضل قد إيـه، أو حتى شوفلنا أي مكان أو أوتيل قريب ننزل فيه لحد الصبح وأهو نرتاح أنا تعبت الطريق طويل أوي وجسمي اكسر.

التقط هاتفه بالفعل أثناء تحدثها وفعل ما قالته فوجد بأنـه لايزال هناك الكثير حتى يصلون إلى وجهتهم.

رفع يديه ومسح على جبينه يخبرها بإستسلام:

-لا هو مدام تعبتي نشوف أقرب أوتيل وننزل فيه لأن لسة بدري على ما نوصل.

بحث عن أقرب فندق يتواجد بتلك المنطقة فوجد واحدًا يقع على مسافة ليست بقريبة ولكن لا يتواجد غيره.

وضع الهاتف أمامه وبدأ السير من جديد قاصدًا الفندق وهو يردف بهدوء:

-لقيت واحد اللوكيشن مديني أنه بينا ساعة وشوية أهو هانت يا حبيبتي ابسطي وافرحي.

تنهدت براحة ثم قالت:

-حاضر هبسط وهفرح.

بعد مرور ساعة عليهم توقفت السيارة من جديد دون أي مقدمات فصاح وسام منفعلًا مما يحدث معه اليوم:

-لا كدة كتير، كتير أوي وفوق تحمل أي حد مفيش حد بيحصله كل ده في يوم واحد بجد.

حدقت به زهر بعدم استيعاب وهي تسأله بأعين غير مصدقة:

-إيـه اللي حصل ده! هي العربية عطلت تاني ولا أنا متهيألي.

-متهيألك إزاي بس ما هو عطلانين أهو يا حبيبتي استني بقى لما نركنها على جمب.

ردد حديثه الأخير وهو يدفع السيارة ويصفها جانبًا فقالت بتلك الأثناء بصوت وصل إلى مسامعه:

-طب هنعمل إيـه دلوقتي؟؟

انتهى من صفها فـقال وهو ينحني لها يناظرها:

-هنعمل إيـه يعني انزلي انزلي ادي آخره اللي يحاول يبقى رومانسي.

عقدت ذراعيها أمامها وهي تقول بطفولية بحتة:

-لا مش نازلة أنا تعبت خلاص فصلت شحن حاول تشغلها وخلاص ما أنت عملتها لما عطلت أول مرة  .

نظر إليها يستنكر حديثها فصاح معترضًا على رفضها:

-يعني أنتي تعبتي وفصلتي شحن وأنا اللي لسة بشحني ما أنا كمان تعبت يا حبيبتي وأكيد مش هنام في العربية والأوتيل خلاص فاضل حتة صغيرة ونبقى عنده عدي اليوم يا زهر و زقيه معايا الله يكرمك والصبح هبقى اجي أشوف العربية ونكمل رحلتنا وننسى كل اللي حصل انهاردة ونمسحه من ذاكرتنا خالص.

-طب هنسيب حاجتنا في العربية عشان نيجي الصبح نلاقيهم اتسرقوا ؟

-يتسرقوا إيـه بس أنتي مش شايفة الطريق مقطوع إزاي ده مين الحرامي الخايب اللي هيسيب كل الدنيا ويجي الحتة المقطوعة دي عشان يسرق متخافيش هما هنا في أمان وحتى لو سرق مش هيسرق الحاجة ويسيب العربية يعني علشان وقتها هيبقى خايب وعبيط، انزلي بقى يا زهر.

زفرت بصوت عالي ثم هبطت مستجيبه لحديثه:

-اديني نزلت لما نشوف أخرتها إيـه…..

مر عشر دقائق من سيرهم على أقدامهم فـ هتفت زهر بأنفاس عالية تشير بيديها رافضة المتابعة أكثر:

-لا لا مش قادرة امشي أكتر من كدة، خلاص تعبت بجد.

ضاقت عينيه وسألها باستنكار من حديثها ورفضها السير أكثر:

-في إيـه يا زهر أحنا مكملناش حاجة لسة! تعبتي إيـه بـس.

-يا عم أنا مش رياضية زيك و لا عاملة فورمة الساحل زيك راعي حالتي وفرق الأجسام إن شاء الله يخليك أقولك على حاجة أحنا ننام في العربية ماله نوم العربية بلا مرمطة وبهدلة وقلة قيمة، يلا نرجع……..أنت بتعمل إيـه يا مجنون!!!!!

نطقت كلماتها الأخيرة بعدما فجأها بالأقتراب منها والإنحناء قليلًا بجسده يحملها بين ذراعيه على حين غرة.

قائلًا بقوة استجمعها بصعوبة بعد هذا اليوم المرهق لهما:

-شيلتلك مدام مش قادرة تمشي.

وبتلقائية وعفوية وحب حاوطت عنقه بذراعيها..

شاردة بملامحه المرهقة ورغم ذلك محتفظًا بوسامته التي لا تنكر.

ابتسمت من تفكيرها هذا بتلك الظروف، فخطف نظرة نحوها وهو يعلق:

-حلو أنا صح؟

-صح.

ردت عليه بدون تفكير مما جعله يضحك عاليًا فقد صدق تخمينه فيما يخص نظراتها له..

أما هي وبعد أن انتبهت لما جعلها تهتف به دون أن تشعر، قالت باندفاع وحنق طفولي:

-غلط…مش سهل أنت على فكرة..ونزلني بقى نزلني مخصماك يا وسـام.

-لا مش مخصماني ولا حاجة يا زهر ومش هنزلك غير لما نوصل.

وبعد وقت ليس بالكثير وصلا أخيرًا قبالة الفندق فقام بإنزالها وهو يردد:

-وأخيرًا.

أمعنت النظر به وهي تتخصر قائلة بضيق:

-قصدك إيـه قصدك أني تخينة علشان كدة قولت أخيرًا.

-أنتي هتردحيلي أنتي عبيطة هو أنا كلمتك.

-أومال إيـه أخيرًا دي فهمني اشرحلي.

-لا اشرحلك بعدين دلوقتي أنا فصلت شحن خلاص..يلا قدامـي.

دخل الاثنان وتقدما من موظف الأستقبال والذي سرعان ما هندم ملابسه مرحبًا بهما بابتسامة بشوشة:

-أهلًا يا فندم نورتوا فندقنا المتواضع.

تحدث وسام قائلًا بتعب واضح:

-محتاج أوضة لو سمحت.

-أوضة واحدة بس أحنا عندنا أوض كتير أوي على فكرة.

طالعه وسام لا يستوعب حديثه لا يدري هل تكمن المشكله به أم بالموظف والذي بدا مريبًا بعض الشيء.

تبادل النظرات مع زهر وهو يجيب عليه :

-لا محتاج أوضة واحدة لو سمحت.

-يا فندم والله الفندق فاضي ومليان أوض كتير أوي.

انفعل وسام وصاح بالموظف:

-أيوة يعني اعمل إيـه حضرتك بقولك عايز أوضة ليا ولمراتي، ولا هي علشان مراتي يبقى في أوض كتير، بالك لو غير كدة هلاقيك بتقولي آسف يا فندم الأوتيل مفيهوش أي أوض فاضية غير واحدة بس ما أنا حافظ أنا السيناريوهات دي.

لم تستطع زهر منع ابتسامتها من الظهور على وجهها بينما هز الموظف رأسه بموافقة ومجاملة:

-مضبوط يا فندم، احجزلك كام أوضة بقى.

من جديد طالعة وسام بإستنكار ثم طالع زهر التي لم تعد تستطع السيطرة على ضحكاتها مصوبًا حديثه لها:

-يلا بينا ننام في العربية أنتي كان معاكي حق يلا بينا…أنتي بتضحكي على إيـه.. إيـه اليوم ده بس مش فاهم.

هدأت زهر قليلًا ثم قالت:

-أهدا بس يا وسام مش بعد ما وصلنا.

ثم نظرت صوب الموظف قائلة له:

-حضرتك لو مش بتفهم عربي قولنا بتفهم بـ أنهي لغة وأحنا نكلمك بيها.

-حضرتك أنا بفهم عربي والله.

ردت عليه من جديد:

-طب ومدام أنت بتفهم وجب معانا بقى أحنا عرسان جداد الدنيا جاية عليهم النهاردة بزيادة حبتين وكنا مسافرين والعربية عطلت مرتين و وسام شالني لهنا عشان أنا جبت أخري و..

أوقفها وسام وهو يردد بذهول:

-أنتي هتحكيله قصة حياتنا هو كده هيفهم يعني ادي دقني أهي لو مقالكيش احجزلك كام أوضة تاني.

رد الموظف عليه بابتسامة بلهاء:

-يا فندم عيب اللي بتقوله ده والله، عمومًا هحجزلكم الاوضة اللي عايزينها وهتوصى بيكم كمان ممكن بس البطايق الشخصية وقسيمة الجواز.

ابتسمت زهر وقالت وهي تشعر بالظفر مصفقة بيديها:

-أهو شوفت فهم أهو.

~~~~♡♡♡♡~~~~

بكاء مرير يعلو صوته من منزل شكري تحديدًا داخل الغرفة التي يتشاركها التوأمتان وكانت صاحبته “روضة” والتي تبكي بحرقة بعد أن أدركوا بتلك الحادثة التي صارت مع أحمد وجاءت إحدى سيارات الإسعاف وأخذته ثم جاءت عناصر الشرطة للتحقيق في الأمر والوصول إلى الجاني.

لم تتعامل معه كثيرًا..

رأته مرات تعد على الأصابع ولكنه فعل معها ما لم يفعله أقرب رجل لها وهو “والدها”…..

والدها الذي من المفترض أنه ظهر وسند لها يحميها من أي سوء أو ضرر لكنه رغم إدراكه لمضايقة طه لها لم يفكر أن يفعل له شيء وألقى باللوم عليها…

أقرب الأقربين إليها لم يحميها أما هو فقد فعل و وقف معها.

ولذلك أغرم به قلبها باتت تحبه من مواقفه الرجولية البسيطة بوجهه نظره ولكن بالنسبة لها كانت كبيرة جعلتها تقع رغمًا عنها في حبه..

والآن من أجله ولأجله تهبط دموعها على وجنتيها وكلما مسحتهم براحة يديها سقط غيرهم من عيونها الممتلئة بهم.

لا حديث شقيقاتها أو تهوينهم ومحاولة طمأنتها تنجح معها بل فشلوا في فعل هذا مما جعل أمر حبها له مكشوفًا لهم.

دنت “ضياء” منها وقامت بضمها لأحضانها تربت على ظهرها قائلة بحنان:

-اهدي يا روضة..اهدي يا حبيبتي بابا لو سمعك هيفتحلنا سين وجيم.

كزت جهاد على أسنانها غضبًا من الفاعل المجهول والتي سرعان ما خمنت هويته..

لم تخفي ما تشعر به فقالت تطرحه على مسامعهم:

-ده أكيد طه الروش مفيش غيره هو اللي كل شوية يتخانق معاه.

هنا وابتعدت روضة عن أحضان ضياء مدركة بأنها السبب الأول والرئيسي خلف ما حدث له.

بسببها هي هو الآن بين الحياة والموت ولا تستطع معرفة كيف حالته هل هي حرجة أم لا.

ازداد بكائها مصحوبًا بشهقات عالية لم تستطع التحكم بها أو منعها.

شعرت جهاد بأن دمائها تغلي بعدما ازداد بكاء روضة أكثر وأكثر قائلة بغل وتوعد:

-والله ما هحله ولا هسيبه النهاردة وهقل منه قدام الكل وهقول للحكومة اللي تحت عنه علشان يدوروا  وراه المجرم الحقير ده.

كانت لا تزال ترتدي عباءتها فقط قامت بانتشال حجابها الأسود و وضعته على رأسها على أتم استعداد لفعل ما قالته لكن أوقفتها إسلام التي نهضت وسارعت بالإمساك بها متمتمة:

-أنتي مجنونة فاكرة نفسك هتقدري عليه لوحدك و بعدين لو هو اللي عملها فـ أنتي المفروض تخافي ده واحد بيتعامل بالسلاح ولا أنتي مستغنية عن عُمرك.

-لا مش مستغنية ومتحاوليش تمنعيني يا إسلام علشان والله ما هسكت وهنزل دلوقتي افرج عليه أمه لا إله إلا الله وسعي كدة.

فتح “شكري” باب الغرفة بتلك اللحظة على حين غرة بعدما وصل إليه صوت بكاء روضة العالي فـ نما إلى مسامعه قبل أن يفتح الباب كلمات جهاد حول نزولها..

تجاهل روضة الباكية المنهارة كليًا مصوبًا حديثه إلى جهاد:

-تنزلي فين دلوقتي مش عارفة الساعة كام؟؟ ولا أنتي فكراني مختوم على قفايا وهسيبك تمشي على حل شعرك.

ارتسم الإستهزاء على وجه جهاد ولم تبذل مجهود في إخفائه بل ردت عليه قائلة بقوة:

-بذمتك يا شيخ ده كلام تقوله لبنتك ده أنا لو عدوتك وقتلالك قتيل مش هتقولي كدة..أنت مش دريان باللي بيحصل ولا إيـه مش شايف الواد اللي راح المستشفى ومش عارفين حالته إيـه…والحكومة اللي جت وبتحقق في اللي…

قاطعها شكري صارخًا بل مزمجرًا بوجهها:

-هو من بقية أهلنا ما يغور في ستين داهية.

طالعته روضة بحدقتاها الحمراء أثر البكاء منتفضة من جلستها قائلة بدفاع و دموع لم تتوقف بعد:

-متقولش كــدة…هو آه مش من بقية أهلنا بس عمل اللي أبويا معملوش.

اكفهر وجه شكري و تحولت عينيه لأخرى تعكس مدى شره القادم.

تقدم خطوتان كي ينال منها ويعاقبها بعنف على تطاولها معه:

-آه يا بنت **** في إيـه بينك وبين الواد ده انطقي..إيـه اللي بينك وبينه يا *** أتاريكي بتعيطي قولي كدة بقى.

وقفت له كل من إسلام..جهاد..برق…ضياء.. إحسان، كذلك عصمت ورضا يحموها من بطشه.

اعتلاه الغضب أكثر وهو يراهم جميعًا يقفون له يمنعونه من الوصول إليها…

لم تصمت وردت على إتهامه لها بقوة اعتادها منها :

-آه هعيط وهفضل اعيط لحد ما أعرف أنه بقى كويس..ولازم يبقى ده تفكيرك مش مستغربة بس هدافع عن نفسي وعنه وهقولك أن مفيش أي حاجة بينا بس هو عمل معايا اللي أنت عُمرك ما عملته وقف في وش طه…شوفت في عينه حنان عُمري ما شوفته منك..اللي بتكلم عليه ممكن يكون حصله كدة بسببي وبسببك أنت كمان علشان موقفتش في وش طه من لما عرفت أنه بيرازي فيا، في بنتك أنا لو كان ليا ضهر حماني من الأول مكنش اتجرا عليا واتمادى في مضايقته.

سكنت لوهلة تلتقط أنفاسها ثم أضافت:

-بس أنا مبقتش مستنية منك أي حاجة طول عُمرك قلبك حجر عليا وعلى أخواتي كلهم بتعاقبنا على إيـه ها بتعاقبنا على إيـه..عايز الواد علشان تطلعه زي طه وتبلي بنات الناس ما هو أكيد مش هتجيب واحد زي أحمد.

استشاط وصلت الدماء والنيران لرأسه من وقاحتها ولسانها الذي يوجب عليه قصه..

هاج أكثر وازداد دفاع شقيقاتها عنها يرفضون ويحاولون قدر الإمكان عدم إيصاله إليها.

شعرت جهاد بالتعب فصاحت تصرخ وهى تحاول منعه وجعله يتراجع:

-بس بقى كفاية أنت بتعمل كدة ليه فينا.

اشتعل من ردها ولم يجد غيرها ليأتي بها من رأسها ليسقط حجابها متمتم بصراخ عليها هي الأخرى:

-قلي أدبك أنتي كمان ما تلاقيكي زيها ومقرطسني.

تحول دفاعهم عن روضة لـ جهاد محاولين تحريرها من قبضته القوية والتي كانت تجعلها تتأوه وتتألم شاعرة بأن خصلاتها ستقتلع بين يداه لا محال..

تدخلت روضة وحاولت دفعه عن جهاد تساعد شقيقاتها فانتبه إليها وحرر جهاد ليمسك بها هي تلك المرة يجرها بقوة معه لخارج الغرفة.

تسلل الخوف لقلوب البقية على روضة ومما يفعله وسيفعله بها فسارعت إسلام من خطواتها وهي تصرخ به منفجرة هي الأخرى لا تتحمل أن تتعرض شقيقتها الصغيرة لأذى أو عاهة مستديمة على يده:

-سيبها بقى سيبها بقولك أنت إيـه مفيش في قلبك رحمة مبنصعبش عليك عملنالك إيـه لكل ده، ده أحنا شايلينك على كفوف الراحة وقيدلك صوابعنا العشر شمع، بنشتغل مكانك وبيطلع عينا بنستحمل مرازية الرايح واللي جاي وبرضو مش عجبين، عايز واد مش كدة الواد كان هيقف مكانك يشيل عنك الشغل الواد هيحضرلك كل يوم الأكل بتاعك ويدخلهولك لحد عندك الواد هتيجي تلاقيه كل يوم منضفلك الشقة..إيـه اللي يضمنلك أنه هيبقى أحسن مننا إيـه اللي كان ممكن يقدمهولك أحنا معملنهوش..أنت حرمتنا منك وأنت لسة عايش يتمتنا وأنت وسطنا…وفي الآخر برضو مش عاجب وبتمد إيدك علينا..بس لا يا بابا لا وألف لا مش هسمحلك تعمل فيهم كدة أنا أخواتي متربين وأشرف من الشرف و لو عايز تضرب حد وتفشي غليلك في حد اعمل ده برة عننا…….

سيب روضة سيبها وإلا والله يا بابا هصوت وألم الناس علينا.

ضاقت عين شكري وكز على أسنانه بغل محرر روضة وهو يدفعها بقوة مسقطًا إياها أرضًا قائلًا بتوعد وشر:

-ده أنتوا اتفقتوا عليا بقى..ماشي يا إسلام..ماشي يا جهاد..وأنتي..

قال الأخيرة وهو يثبت بصره على روضة متابعًا:

-حسابك معايا تقيل أوي.

~~~~♡♡♡♡~~~~

يقف صابر برواق المستشفى لا يجلس بل يقف ساكنًا مستندًا على الحائط من خلفه يليح عليه الشرود و الهدوء التام ولكن بالحقيقة كان بداخله براكين ثائرة على مشارف الإنفجار…

شعور… مشاعر….أحاسيس بشعة لا يمكن وصفها أو قولها بالكلمات والحروف فـ جميعهم لن يوفوا ما يحدث معه ويشعر به الآن..

فها هو على وشك فقدان أخيه..بل توأمه..كان دائم الشجار معه…

لم تأتي فرصته بعد لأخباره كم يحبه ولا يستطع تحمل ألم فقدانه وخسارته.

فعلى الرغم من مشاكسة أحمد الدائمة وفوضويته…مرحه و مزاحه الذي لا يتوقف عنه ويتسبب في أثاره غضبه إلا أنه لا يتخلى عنه أو يتخيل حياته بدونه.

يعترف بأنه رغم قساوته وشدته معه وعدم تقبله لأفعاله وتصرفاته الصبيانية إلا أنه مثله يحبه…يحب أحمد أكثر من الجميع..

لا يظهر له أو لغيره ذلك ولكن تلك هي الحقيقة.

تراجع برأسه يسندها على الحائط من خلفه متمنيًا وداعيًا ربه بألا يفقده وأن يأتي يومه قبله.

يتمنى الموت قبله فهو لتلك الدرجة يعشقه.

تكرر أمام عينيه شريط ذكرياتهم منذ الصغر مما جعله يشعر بوخزه موضع قلبه.

تشبعت حدقتاه بالدموع وشعر بإختناق لم يشعر به من قبل……

عاد برأسه للأمام وسقط بصره على كل فرد من عائلته على حدا.

والدته “ثراء” التي تجلس بجوارها شقيقتها وئام تحاول التهوين عليها وتصبيرها ولكن على الرغم من تلك المحاولات إلا أنها لم تستطع منع دموعها من التوقف أو قلبها من الخوف والقلق من فقدان ابنها الحبيب.

والده “جابر” والذي يقف هو الآخر أمامه وحالته لا تسر عدو أو حبيب منذ أن آتاه الخبر الصادم من آسر.

فقد ظن ببادئ الأمر انه قد يكون دعابة أو حيلة يقوم بها ابن أخيه..ولكن للأسف الأمر لم يكن مزحة بل حقيقة..حقيقة عذبت قلبه للغاية…….

جعلته يتمنى أن يعود به الزمن للوراء فكان هناك الكثير من الأفعال لن يفعلها أو يقرب منها.

يندم على طرده من المنزل وجعله وحيدًا رغم عائلته الكبيرة و وجوده على قيد الحياة.

فـ لو كان بجواره لم يكن سيحدث معه هذا كان سيحميه…بل يفديه بروحه..

هبطت دموعه هو الآخر فلم يمنعهم أو يخجل من رؤية من حوله يبكي..

بالأخير تلك الدموع دلالة على مدى حبه لابنه و خوفه المميت من أن يخسره.

حرك صابر بصره فوقع على “آسر” الواقف بجوار جابر يحاول طمأنته ولا يتردد على لسانه سوى تلك الكلمات..

“هيبقى كويس متقلقوش..ادعوله.”

كانت كلماته تتسم بالقوة..

قوة لا يتحلى بها داخليًا بالحقيقة ولكنه حاول قدر المستطاع عدم إظهار حزنه وهذا ليس من أجله بل من أجل عمه و عائلته بأكملها…

متذكر عراكه و مشاكسته مع أحمد والتي لم تكن كرهًا أو بغضًا تجاهه بل كان حبًا فكم كان يسعد ويستمتع بتلك المشاجرات بينهما والتي لم تكن تحدث إلا معه…

والآن اتقن كم هو عزيزًا عليه وعلى قلبه.

جاء دور “يوسف” وحدق به صابر حيث كان شاردًا تمامًا.

جسده يتواجد معهم ولكن عقله وقلبه مع أحمد…

لم يتوقع يومًا أن يحدث له مكروهًا…

والآن عندما حدث يتمنى أن ينجو كي يخبره بالكثير…

فبعد التفكير بالأمر ومراجعة ما حدث معه فهو قد ساعده و وقف بجواره أكثر من أي شخص اخر..

حاول فعل شيء ما لأجله…

وهو ماذا فعل معه؟؟

لم يشكره بل تشاجر معه واتهمه بأنه كان سببًا في إضاعه حبه من بين يديه..

والحقيقة أن أحمد لم يكن مذنبًا ولم يتعمد أذيته فقط ساعده على طريقته وبطريقته الذي كان يراها مناسبة……

حرك صابر بؤبؤ عينيه ليسقط تلك المرة على “محمد” الذي يتحرك ذهابًا وإيابًا.

لا يتوقف لسانه عن الدعاء له.

أما البقية فلم يختلف حالهم كثيرًا عنهم فليس هناك من يكرهه.

معترفين أن أحمد هو روح تلك العائلـة.

أحيانًا لا نقدر بعض الأشخاص بحياتنا..

ننزعج ونغضب بل ويصل الأمر في بعض الأوقات إلى مشاحنات ومشجارات.

نشعر بأننا نبغضهم ونكرههم ولكن عندما تصل الأمور إلى حافة الموت يختلف الأمر كليًا وتتغير المشاعر والعواطف.

حينها يساورنا الندم لعدم إستغلالنا لكل دقيقة بجوار هذا الشخص وعلى كل ثانية تعاملنا فيها بقسوة معه..

نتمنى أن يعود بنا الزمان للوراء لتغيير الكثير…

أو فرصة أخرى جديدة كليًا..

وقتها سنستغلها ونقدر قيمتها وقيمة هذا الشخص وقيمة الوقت معه.

لم يعد بإمكان صابر التحمل أكثر.

ضاقت أنفاسه..فسارع بالتحرك و مغادرة المستشفى و الوقوف بالخارج مغمض الجفون يلتقط أنفاسه.

ولكن حالته لم تتغير كثيرًا و ظل الإختناق يلازمه..

رفع رأسه للسماء قائلًا بدموع تهبط من عينيه:

-يـــارب.

خرج آسر ويوسف خلف صابر..

رفع آسر يديه و ربت على كتف صابر يحاول التهوين عليه:

-هيبقى كويس إن شاء الله متقلقش، أنا حاسس أنه هيبقى كويس.

أكد يوسف على كلمات آسر متمتم بهدوء:

-أيوة يا صابر إن شاء الله هيبقى كويس أنا مش عارف مين اللي ممكن يعمل فيه كدة، أحمد ميقدرش يأذي حد ولا قلبه يطاوعه، ولا ليه حتى عداوة مع حد توصله أنـه يحاول يقتله.

لم يجيب صابر على أي منهما بل كان في عالم آخر….

هز رأسه بتوعد وفارق مكانه سريعًا يتجه صوب سيارته تحت أنظار يوسف و آسر المدهوشة.

صدح صوت آسر يستفسر:

-أنت رايح فين يا صابر، استنى هاجي معاك.

لم يرغب في تركه بمفرده فسارع بالإلحاق به وهو يخبر يوسف الواقف مكانه:

-يوسف خليك أنت هنا وأنا هروح معاه لو جد جديد كلمني و طمني…….

-حاضر هكلمك.

صعد صابر سيارته وأثناء تشغيلها صعد آسر هو الآخر جالسًا بالمقعد المجاور له.

لم يبالي صابر بتواجده وانطلق مغادرًا..

لم يفتح آسر فمه أو يستفسر منه عن أي شيء واكتفى بالصمت…

ولكن دقائق وتبخر السكون من السيارة بعدما استدار آسر برأسه لـ صابر و هو يترنح بجلسته متمتم بجدية وهو يلتقط حزام الأمان ويضعه:

-براحة يا صابر هنتقلب.

لم يهدأ صابر بل فاقم من سرعة السيارة أكثر وأكثر..

فهو لن يهدأ له بال أو يغمض له جفن إلا عندما يأتي بحق أخيه ويمسك بالفاعل…

وصل صابر الحارة وصف سيارته جانبًا هابطًا منها بسرعة البرق.

لحق به آسر ممسكًا بيديه بقوة منعته من المضي قدمًا يسأله عما ينوي فعله:

-ممكن افهم بقى أنت جاي هنا ليه دلوقتي وخلتنا سيبنا أخوك.

نفض صابر ذراعيه يعقب على حديثه بانفعال:

-أنت اللي جيت معايا بمزاجك أنا مجبرتكش على حاجة.

أوشك على التحرك لولا حركه آسر السريعة واقفًا بجسده أمامه يعيق حركته متمتم بضيق واضح:

-طيب ممكن تفهمني ناوي على إيـه.

-حق أخويا لازم يرجع واللي عملها أنا هشرب من دمه وأنا وأنت عارفين هو مين.

قطب آسر حاجبيه وتحدث بعقلانية يحاول عدوله عن أي أفعال متهورة:

-لا أنا معرفش هو مين ولا أنت كمان تعرف هو مين وحتى لو تعرف فـ ده مش شغلتك ده شغل الحكومة وهي اللي تحاسبه مش أنت، أنت عايز تودي نفسك في داهية.

-لا داهية ولا غيرها بس الموضوع مش هيطلع برة عن اللي اسمه طه أحمد اتخانق معاه كذا مرة وأنا عارف بالخناقة اللي حصلت بينه وبينك أنت ويوسف وأحمد ومش هسيبه والله ما هسيبه.

كاد يتخطى آسر فكان الأسرع تلك المرة أيضًا متمتم:

-مفيش دليل يا صابر ومش مبرر أنه علشان اتخانق معاه كذا مرة يبقى هو على فكرة ممكن يبقى حد تاني خالص.

هز رأسه بتوعد وهو يخبره:

-وأنا بقى هعرف هو ولا مش هو.

في ذات الوقت دخلت جهاد برفقة روضة إلى الشرفة وما أن خطت قدماها للداخل حتى استمعت لصوتهم العالي.

تعرفت عليه من قبل أن تراه.

نظرت للأسفل وهمت بسؤاله بصوت عالي وصل إليه و لـ آسر:

-صابــر طمني أحمد عامل إيـه.

التفت الاثنان إلى صوتها وكذلك سارعت روضة بالاقتراب من سور الشرفة تنظر نحوهم تتساءل هي الأخرى بلهفة:

-أحمد عامل إيـه طمنونا عليه لو سمحتوا.

اخفض صابر رأسه بينما أجاب عليهم آسر يحاول أن يطمئنهم:

-الحمدلله ادعوله أنتوا بس.

بعد رده عليهم رفع صابر رأسه مرة أخرى مبصرًا جهاد يستفسر منها:

-فين بيت طه الروش؟

تبادلت جهاد و روضة الأنظار ثم نظرت إليه فـ انتبهت لـ آسر الذي تراجع للخلف بضعة خطوات يشير لها من خلف صابر بـ ألا تخبره بمكان منزله ولكن تجاهلت جهاد إشارته لها وسرعان ما أجابت على صابر تخبره بمكانه وهي تخرج بجسدها قليلًا تشير نحو إحدى البنايات القاطنة بذات المنطقة:

-شايف العمارة اللي تحتها عربية بيضا دي هو قاعد فيها الدور الرابع الشقة اللي على أيدك الشمال.

اندفع صابر ركضًا من مكانه فـ ابتسم لها آسر بغلاظة يشكرها بطريقة ساخرة:

-متشكرين يا أخت جهاد مش عارف أقولك إيـه بصراحة.

انتهى ثم ركض خلف صابر يلحق به.

وصل صابر قبالة الشقة الذي يمكث بها طه.

دق على الباب بقوة وعنف كادت تحطم الباب.

وآسر من خلفه يردف بانفعال من فرط عصبيته و تهوره الذي لا يحسب له حسبان:

-صابر أهدا بقى مش كدة.

فتح طه الباب وهو يصرخ بالطارق:

-جرا إيـه يا حيوان يا اللي بتخبط أنت.

وجد صابر أمامه وقبل أن يستوعب أي شيء كان الآخر يرفع قدمه اليمنى ويضربه بمنتصف جوفه بها مسببًا في ترنح جسده للخلف داخل المنزل وسقوطه أرضًا…

دخل صابر المنزل يقترب منه وهو يردد بنبرة قاسية عنيفة لا تعرف طريقًا للشفقة:

-أنـا حيوان فعلًا وأنت النهاردة فريستي.

مسك به من ملابسه يسأله بنبرة أشبه بفحيح الأفاعي وأعين تنذر وتبشر بالجحيم القادم:

-أنت اللي عملتها مش كدة؟ هو أنا مش كنت قولتلك أن أحمد مش خط أحمر بس لا ده مليون خط أحمر، فاكر أنك هتفلت بعملتك وأني هسيبك أنت غبي أوي وأغبى منك مشوفتش.

ابتلع طه ريقه بخوف بل رعبًا فهو حقًا الفاعل، فقد أصاب صابر لم يخطـأ، تهرب بعيونه من أعين صابر الملاحقة له يترقب رد فعله.

ازدرد ريقه من جديد ينفي إتهامه له:

-أنا معملتش حاجة وبعدين أنا هعمل كدة ليه أنا حتى نايم من بدري أوي من قبل حادثة أخوك ما تحصل و صحيت دلوقتي على خبطك.

ارتخت ملامح آسر وهو ينصت إلى كلمات طه..

فـ قال بسخرية وعيناه هو الآخر تتحول وكأنـه على وشك الإنقضاض على فريسته ليلتهمها:

-ولما أنت نايم من قبلها عرفت منين؟؟ من الحلم!

لاحق صابر كلمات آسر بلكمات وضربات ينفث عن غضبه.

لم يقف آسر كـ مشاهد على ما يحدث بل بدأ يشارك صابر بالانتقام لـ أحمد.

لم يوقفهم سوى وصول عناصر الشرطة والذين جاءوا للإمساك به والقبض عليه للتحقيق معه بعد أن أدركوا من كاميرات المراقبة والتي

لم

يكن يدرك طه شيء عنها ولم يحسب لها حسبان من الأساس.

حيث قاموا بتفريغها وفحصها ليظهر بالكاميرات وهو يتعقب أحمد ويترصده ثم دخل من خلفه البناية مباشرة وما هي إلا ثواني وكان يخرج بعدما قام بطعنه وخرج واضعًا يده اليمنى بجيبه يخفي سلاح الجريمة الصغير وبخطوات مترددة تلفت حوله محاولًا أن يبدو طبيعيًا كأنه لم يفعل شيء..

تم الفصال بينهم فصاح آسر يخبرهم بغضب :

-الحيوان ده هو اللي حاول يقتل ابن عمي و وقع واعترف بلسانه.

تفاجئ طه الأحمق من قدوم وحضور الشرطة بل ومن كشف أمر جريمته فقد ظن أنه فلت من الأمر ولن يدري أحد شيء فلا يوجد دليل أو إثبات على أنه الفاعل.

تم القبض على طه لأخذه إلى مركز الشرطة فظل يردد بأنه مظلوم لم يفعل أي شيء.

~~~~♡♡♡♡~~~~

حل يوم جديد وكُتب عُمر جديد لـ أحمد والذي كان من حسن حظه أن الإصابة لم تكن في مقتل ولم تكن حالته بتلك الخطورة واستطاع الطبيب إنقاذه بفضل وعون من الله عز وجل، مطمئنًا عائلته عقب إنتهائه والذين تنهدوا براحة وفرحة أخيرًا بعد ليلة طويلة لم تمر بسهولة عليهم.

والآن وبعدما فاق أحمد من تلك الجراحة التي خضع لها، وسمح الطبيب أخيرًا لهم برؤيته بعد تأكده من تحسن حالة أحمد قابل أولًا واحدًا من رجال الشرطة ليأخذ أقواله وبالفعل اعترف أحمد على طه ليؤكد ما أظهرته كاميرات المراقبة.

يسرد عليه كيف طعنه، فقد شعر بمجرد أن دخل البناية بوجود شخص خلفه وما أن التفت ليراه حتى وجده يطعنه بسرعة البرق وهو ينظر داخل عيناه بظفر ثم فر هاربًا تاركًا إياه يسقط أرضًا.

بعد انتهائه مع الشرطي دخل جابر أولًا مندفعًا نحو ابنه المدد على الفراش سابقًا للجميع وما أن سقط بصره عليه والتفت أحمد إليه برأسه يبصره حتى سقطت الدموع تلقائيًا من عينيه..

ملتقط يديه يقبلها وهو يردد بحب كبير:

-الحمدلله على سلامتك يا حبيبي…أنت إزاي توجع قلبي كدة عليك بتعاقبني يعني علشان مشيتك من البيت لو بتعاقبني فـ أنا اتعاقبت خلاص وقلبي وقع وكنت حاسس أني هيجرالي حاجة.

ابتسم أحمد له وهو يمعن النظر بيديه القابعة بين يدي أبيه مما جعل العديد من المشاعر الجميلة و اللطيفة تعتريه ويشعر بسعادة كبيرة رغم ما تعرض له وحدث معه:

-بعد الشر عليك يا بابا.

اندفعت ثراء هي الأخرى تجاه ابنها ملتقطة يديه من يد جابر تقبلها ثم اقتربت من وجهه طابعة قبلة على جبينه قائلة من بين دموعها.

ولكن تلك الدموع لم تكن حزينه أو تعيسه مثل سابقتها بل فرحة مبهجة:

-حبيبي يا أحمد ألف سلامة عليك يا روح قلبي وحمد الله على سلامتك.

بذات السعادة لم تقل أو تختلف شيء أجاب عليها و هو يمنحها ابتسامة واسعة:

-الله يسلمك يا ماما متقلقوش أنا كويس والله نشكر ربنا.

أنهى كلماته وهو يعبس بوجهه و يبحث بعينيه التي باتت تجول من خلفهم بحثًا عن أخيه..لم يطول بحثه عنه حيث وجده يظهر من العدم ويتقدم منه هو الآخر.

عادت البسمة تزين وجهه ولمعت عينيه وهو يراقب تقدمه منه وجلوسه بجواره على الجانب الآخر الفارغ من طرف الفراش.

ابتسم صابر له ومنع دموعه بكامل قوته من الهبوط وأخيرًا هدأ وسكن قلبه بمجرد رؤيته لـ أحمد على قيد الحياة مفتح العين ويتبادل أطراف الحديث مع أهله.

ترقب أحمد حديث صابر وظل يحدق به و يتبادل النظرات الصامتة معه.

تنحنح أحمد و حاول الإعتدال قليلًا وتغيير وضعية نومه وأثناء محاولته تأوه ألمًا..

انتفض جابر و ثراء قلقًا و صاح جابر:

-إيـه إيـه اناديلك الدكتور.

أكدت ثراء تخبره:

-آه يا جابر بسرعة.

رفض أحمد يخبرهم بأنه بخير وهو ينظر بعمق داخل أعين صابر والذي رفع يديه واحتضن وجه أخيه كابحًا رغبته في احتضانه وضمه قائلًا:

-خوفتنا عليك..وخوفت أوي أني أخسرك يا أحمد.

-بجد يا صابر ؟

سأله بلهفة فسارع صابر بهز رأسه تأكيدًا على صحة حديثه وخوفه من فقدانه وهو يهرب بعينيه منه.

دقائق وكانت تلج باقي العائلة واحد تلو الآخر يطمئنان عليه وأصر أحمد على ذهاب جابر وثراء لأخذ قسط من الراحة ورغم رفضهما تركه إلا أنه أصر مما جعلهما يخضعان ويذهبان بالفعل وذهب أيضًا البقية.

لم يبقى سوى صابر معه والذي لم يتركه للحظة واحدة.

والآن حان دور آسر ويوسف ومحمد لرؤيته بعدما تركوا كبار عائلتهم يروه أولًا.

دخل آسر أولًا وهو يردد براحة ما أن وجده بخير:

-خضتنا يا أخي ينفع اللي عملته فينا ده.

-خضتكم آه ده أنت تلاقيك كنت بتدعي عليا.

طالعه آسر بتهكم ينفي تلك الإتهامات:

-أنت عبيط يالا هو أنت فاكرني وحش وبكرهك للدرجة دي طب وحياتك ما كنت لاقي اللي اتخانق معاه وكنت شايل هم هتخانق مع مين و ههزر مع مين ومين اللي هيتكلم معنا بالفصحى لو بعد الشر كان جرالك حاجة.

رد عليه أحمد ببساطة:

-بابا موجود يا سيدي..إيـه ده مالك يا يوسف.

انتبه أحمد أثناء حديثه مع آسر إلى يوسف الذي يقف جانبًا وبدون سابق إنذار كان ينفجر بكاءًا..

ذهبت أنظار صابر وآسر و محمد تجاه يوسف الباكي بطريقة طفولية بحته.

سأله أحمد بهدوء:

-في إيـه يا يوسف أنا مت ولا إيـه.

رد عليه من بين بكائه:

-بعد الشر عليك متقولش كدة، هو أنا ينفع احضنك؟عايز احضنك ولا مينفعش وممنوع.

رد أحمد ببساطة:

-ومين اللي منفعوش ومنعه تعالى احضني والله ما هقولك لا ولو ممنوع نخليه مباح عادي.

تحرك يوسف من مكانه مقتربًا منه يحتضنه بخفة وحذر.

بادله أحمد عناقه جاهلًا وغافلًا عن نظرات صابر نحو يوسف المشتعلة فقد فعل ما لم يجرو هو على فعله..

اقترب صابر منهم وجذب يوسف من ملابسه وهو يردد بغيرة بسيطة:

-خلاص كفاية متعبهوش.

هز أحمد رأسه ينفي هذا متمتم:

-فين التعب ده هو بيعذبني ده بيحضني.

خرج صوت محمد يطالب بدوره في الحصول على عناق:

-طب ممكن أخد دوري أنا كمان.

وقبل أن يعقب صابر ويرفض وافق أحمد السعيد بشدة فحتى لو كان يتألم فـ ما يحدث و رغبتهم في عناقه تعبيرًا عن مدى حبهم له يجعله يتناسى أي ألم مستغلًا تلك اللحظة التي لا تتكرر كثيرًا.

-تعالى يا محما هو أنا أطول محمد بشحمه ولحمه يحضني.

سارع محمد بعناقه هو الآخر بخفة وحذر كما فعل يوسف..

لم يطول العناق بفضل يد صابر التي جاءت به هو الآخر من ملابسه مغمغم بخشونة:

-ما خلاص أنت وهو أنتوا فاكرينها سبهللة

أكد أحمد متحدث بمرح لم يتخلى عنه حتى بمرضه:

-آه عادي أنا فاتحها سداح مداح النهاردة.

جاء دور آسر والذي نطق مازحًا تعقيبًا على كلمات أحمد:

-لا مدام سداح مداح يبقى وسعولي بقى دوري.

وقبل أن يقترب منه كان صابر يقف أمامه يمنعه من معانقة أحمد:

-ارجع مكانك أحسنلك و أفضلك.

أبصره آسر بدهشة يسأله:

-هو أنت في إيه النهاردة مالك مش مضبوط لية وبعدين هي جت على قرمط ما كله حضنه.

صدح صوت أحمد من خلف صابر يطلب منه:

-ما تسيبه يا صابر مجتش عليه متبقاش قطاع أرزاق وأحضان.

-لا قولت لا يعني لا.

فُتح باب الغرفة على حين غرة واقتحم مروان الغرفة وهو يردد بخوف وقلق بعد أن أدرك ما حدث معه متاخرًا فلم ينتظر باقي عائلته وسبقهم لرؤيته و زيارته والإطمئنان عليه:

-هو فيـــن..ولا يا أحمد أنت كويس .

رد عليه أحمد بهدوء وتهذيب:

-الحمدلله جت سليمة و زي القرد أهو يا جدو.

تنهد مروان براحة واقترب هو الآخر يعانقه بخفة..

عناق لم يدوم طويلًا ولكنه أسعد أحمد.

فاليوم سعادته لا يسعها شيء…

ممنونًا لما حدث له ليكشف ويظهر له حقيقة مشاعرهم نحوه وخوفهم من فقدانه.

اخرجه مروان من أحضانه تحت أنظار صابر وتأففه فقد فعلوا ما تراجع هو عن فعله.

هتف مروان بابتسامة:

-طب يا أحمد أنت قوم بس وأنا اوعدك أني اجبلك شجرة كبيرة في أوضتك تتنطط عليها براحتك و اجبلك خمس كيلو موز لا عشرة و شوال سوداني لا شوالين مش واحد.

انزعج صابر من كلمات جده فحول بصره عليه وهو يردد باستهزاء:

-شجرة و موز وسوداني ليه شايفه قرد.

رد مروان بصدق وجدية:

-لا أنا مش شايفه قرد هو اللي قال بقى زي القرد فـ ده تعقيب مني على كلامه وبعدين أنت مالك أصلًا بتدخل ليه يا حشري يا بارد.

-ما تهدأ يا صابر اهدأ يا جدو.

هتف آسر كلماته يحاول تهدئه النفوس فصاح مروان به:

-وأنت مالك أنت كمان يا تنح أنت ومتقوليش يا جدو قولي يا مروان.

سحب محمد آسر من ذراعيه يهمس له:

-أوعى تعملها وتقوله مروان حاف.

رفض آسر الإنصات وقال بصوت شبه عالي:

-لا هقول عادي مش هو اللي طلب.

ثم نظر تجاه مروان يوافقه :

-حاضر يا مروان.

-مروان!!!!!! حاف كدة أنت اتجننت لا اتجننت إيه أنت متربتش.

-الله مش أنت اللي قولت هو لا كدة عاجب ولا كدة عاجب.

تدخل أحمد يفض ما يحدث بينهم:

-خلاص يا جدو حقك عليا أنا تعالى أبوس رأسك.

نظر مروان إليه ثم سأله بفضول ودهشة:

-واد يا أحمد أنت بقيت تكلم طبيعي ليه الحادثة دي أثرت عليك ولا إيـه.

عقد آسر حاجبيه وعلق يؤكد على حديث مروان:

-أيوة صح أنت بتكلم طبيعي كدة إزاي ده تتحسد أو اتحسد اوريدي.

دافع يوسف عنه أمامهم :

-ملكوش دعوة أحمد يعمل اللي هو عايزه.

رن هاتف محمد بتلك للحظة يعلن عن مكالمة فيديو من فريد والذي عرف من والدته ما حدث مع أحمد وأخبرته عن المتواجدين معه الآن فقام بالاتصال على محمد.

اخرج محمد الهاتف وما أن رأى هوية المتصل حتى قال وهو ينظر لـ أحمد:

-ده فريد أكيد عرف اللي حصل وبيتصل يطمن عليك.

رد عليه عقب إنتهائه وعلى الفور سأله عن حال أحمد:

-محمد أحمد عامل إيه طمني عليه أو خليني اشوفه.

-الحمدلله كويس هديهولك استنى.

كاد أحمد يأخذ منه الهاتف فرفض محمد وظل ممسك إياه له.

تنهد فريد براحة وهو يراه على ما يرام قائلًا:

-الحمدلله اطمنت عليك ماما قالتلي أنك بقيت كويس بس أنا مطمنتش غير لما شوفتك حمد الله على سلامتك يا أحمد.

-الله يسلمك يارب.

هنا وتدخل مروان ومال بجسده يطالع فريد ينهره:

-أنت فين يا كلب يا ابن الكلب أنت مبتسألش علينا ليه يالا والله لـ…

قطع مروان حديثه وابتلع ما تبقى لديه وهو يحملق بشاشة الهاتف كذلك أحمد والذي هدأت ملامحه وظل صامتًا.

اندهش محمد وقال وهو ينظر بشاشة هاتفه:

-في إيه سكتوا ليه؟

وما أن نظر حتى سكن تمامًا هو الآخر..

اعترى الفضول آسر وكذلك يوسف مقتربين من أحمد حتى باتوا حوله يدققون النظر بالهاتف فلم تكن حالتهم أفضل من البقية.

وأخيرًا خرج صوت آسر وهو يردد بصدمة:

-إيــه اللي أنا شايفه ده !!!!!!!!

بينما عقب مروان شاردًا بما يراه:

-فإذا وقفت أمام حسنك صامتًا فالصمت في حرم الجمال جمـــال…

جاء دور أحمد قائلًا بحاجب مرفوع متحدث بالفصحى أخيرًا:

-يا للـهول…يا للروعـة…يا للدهشـة….يا للجمــال…….

««يتبع»»….

فاطمة محمد.

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية الحب كما ينبغي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق