رواية الحب كما ينبغي – الفصل الواحد والعشرون
الفصل الواحد والعشرون
الحب كما ينبغي.
فاطمة محمد.
الفصل الواحد والعشرون:
بدأت جهاد سرد ما حدث من البداية بدءًا من معرفة رضا بأمر محمد من خلال أحمد والذي لم يكن بالغريب عنه بل قريبه ومن عائلته وبعدها قامت رضا بأخبار روضة وبالتالي قامت روضة بأخبار إسلام عن حقيقته وبالصدفة استمعت جهاد التي لم تكن نائمة إلى حديثهم وأدركت هي الأخرى لتقم بأخبار إسلام عن حقيقة مشاعر محمد نحوها و التي جعلته يأتي ويترك ما يملكه خلف ظهره، مشاعره التي كانت هي غافلة عنها تمامًا.
توقفت جهاد عن الاسترسال ومتابعة سرد ما حدث بعدما اوقفتها “برق” مصوبة حديثها لـ إسلام:
-أنا مش عارفة بصراحة يا إسلام أنتي إزاي مختيش بالك ده الأعمى كان عرف وفهم أنه هيمان عشقان بس خلاص ما علينا كملي يا جهاد.
تابعت جهاد ما توقفت عنده تخبرهم بـ أنها قامت بالتحدث مع أحمد في إحدى المرات و بعد إنتهائه من الدرس الذي يعطيه لرضا لتقم بإيقاعه في الحديث بعدما أخبرته بما أدركته من خلال رضا التي قامت بأخبار روضة وبعدها اخبرت روضة إسلام مهددة إياه بكشفه أمام محمد وفضح أمره، مما جعله يرتعب ويترجاها لإلتزام الصمت وإقناع إسلام و روضة أيضًا بالصمت ثم وقع بلسانه كعادته دون أن يشعر وأخبرها عن يوسف و عن عشقه لبرق و سقوطه في حبها من النظرة الأولى وعند انتباهه لزلة لسانه طلب مساعدتها.
متفادية و متجنبة التحدث عن الجزئية والإتفاقية التي تخص “صابر” فحتى إسلام التي كانت تدرك تلك الحقيقة قبل برق وضياء و روضة لا تعرف بأمر صابر و بتحدث جهاد معه و ركضها خلفه محاوله إيقاعه هو الآخر في حبها مثلما أوقعها هو في حبه و بدون بذل أي مجهود فكيف لها أن تخبرها بفعلتها الوقحة التي لا تمت للحياء أو الأدب بصلة ألا وهي الأتفاق مع أحمد على أن تلتزم الصمت وتقنع شقيقاتها أيضًا بالصمت مقابل أن يمنحها رقم أخيه دون خجل وعلى الفور منحها إياه وبدأ بمساعدتها من نفسه و ارشادها لما عليها فعله فقد كان على علم مسبقا بأعجابها بـ صابر حيث لم يفكر أو يجد ما يمنع حدوث ذلك بل رغب كثيرًا أن يفرح به ويقم بتزويجه أما عن تواجده هو الحالي و اقامته مع يوسف كان سببها رغبته بتواجده مع يوسف و مساندته كاذبًا بحقيقه أن والده قام بطرده و كذلك قام جده مروان وبالتأكيد لم تنسى ذكر آسر قائلة لهم أن والده قد قام بطرده لسوء تربيته وبالحقيقة تلك الجملة الأخيرة لم تكن من عندها بل جملة أحمد الذي لم يتردد في فضح آسر.
~~~~♡♡♡♡~~~~
فتح “وسام” باب الغرفة وتقدم من “زهر” الممدة على الفراش، والتي ما أن شعرت بدخوله واقتحامه الغرفة حتى سارعت بإغلاق جفونها بقوة تدعي النوم.
وقف أمامها يطالع وجهها والذي يفضح آمر تزيفها للنوم، حاملًا طنجرة بين يديه قائلًا بخفوت ونبرة يتغلغلها المرح:
-كدة أنتي نايمة بقى وأنا المفروض اصدق ده صح؟
ظلت محافظة على جفونها الموصدة، ولكن تلك الرائحة التي تسللت إلى أنفها جعلتها تبتلع ريقها وأصدرت معدتها أصواتًا تعبر عن رغبتها في التهام هذا الطعام الشهي ذو الرائحة النفاذة الطيبة.
ابتسم وسام بسمة جانبية ثم قال متابعًا مزاحه معها محاولًا اصلاح ما حدث، فـ قلبه لا يتحمل أن يراها حزينة أو تعيسة وتتعمد عدم الحديث معه:
-طيب بما أنك نايمة بقى أنا هقعد أكل حله ورق العنب دي كلها لوحدي مش هخليلك صباع حتى.
كلماته مع شعورها بالجوع ومطالبة معدتها بالطعام مع تلك الرائحة الصادرة من ورق العنب جعلتها تنهض من نومها مطالعة إياه بشذر، قائلة بانفعال بسيط:
-ده إيه الطفاسة والأنانية بتوعك دول، هتأكل الحلة لوحدك، وأنت عارف أني بحب ورق العنب، هات الحلة اللي أنت شايلها دي، أينعم أنا مش جعانة بس هاتها برضو.
حاولت جذبها وأخذها من يديه بحذر كي لا تحترق فرفض أن يمنحها لها مستغلًا قوة جسده، مفارقًا الغرفة وهو يردد:
-والله لو عايزاها تعالي كلي منها أنا هحطها على السفرة وهجيب أطباق وهحط باقي الأكل اللي سخنته.
تناست “زهر” أمر حزنها وغضبها منه، وخرجت ورائه لتلتقط أنفها رائحة باقي الأطعمة والذي قام بتسخينها من أجلها ومن أجل فض الشجار بينهم فهو يعلم مداخلها جيدًا ونقاط ضعفها.
وضع وسام الإناء المعدني على السفرة وتحرك نحو المطبخ كي ينفذ ما قاله لها، بينما انتهزت غيابه ولم تستطع المقاومة أكثر والتقطت منه والتهمته بنهم متلذذة بطعمه وحموضته.
خرج واضعًا أصناف أخرى وهو يرى فمها الذي امتلئ بالطعام وبات منتفخ من الجانبين:
-لا بسم الله ما شاء الله واضح أنك مش جعانة خالص، ده أنتي ناقص تاكليني يا حبيبتي.
ابتلعت ما يتواجد بفمها ثم علقت على حديثه، متذكرة أخيرًا أنهما تشاجرا ومن المفترض أنها قد قامت بمخاصمته.
-ممكن متكلمش معايا، متكلمش معايا خالص، علشان أنا زعلانة منك أوي يا وسام.
-يا خبر أبيض، لا اخص عليا بجد، واتفو كمان، ده أنا أكيد اتجننت في عقلي علشان ازعل حبيب قلبي مني.
حدقته بنظرات معاتبة وهي تلتقط واحدة من ورق العنب وتضعه بفمها:
-يا سلام، فاكر أنك كدة بتصالحني وبتثبتني مش كدة، لا وتاعب نفسك ومسخن الاكل وداخلي بالحلة، وجرجرتني لبرة عمومًا لو فــ
قاطع حديثها متحدث بابتسامة واسعة مشرقة خطفت قلبها وعينيها واجبرتها على تأمله، ملتقطًا هو الآخر اصبعًا من ورق العنب ويضعه في فمها:
-كلي بس وسبيني اجاوبك وارد عليكي واقولك آه بحاول اصالحك، أنا ميفرقش معايا حاجة في الدنيا دي قد زعلك، ومينفعش اسيبك تنامي زعلانة مني، ده أنا شقيت وصبرت واتحملت اللي محدش يتحمله علشان نوصل للحظة دي.
صمت لثواني مكررًا فعلته وملئ فمها كي يمنعها من الحديث حتى ينهي ما لديه من كلمات، متابعًا بحب وحنو شديد:
-وبعدين لازم تفهمي أن أي اتنين سواء متجوزين ولا مخطوبين لازم يحصل مشاكل بينهم والخناق مش جديد علينا، بس أنتي دلوقتي معايا تحت سقف واحد وقدام عيني وأنا مينفعش اسيب الزعل يكبر ويطول ما بينا، وأظن أنتي عارفة أنا بعشقك إزاى و عشقي ليكي واصل لمرحلة إيه.
ابتلعت ما بفوها وكادت أن تعلق فسبقها منحنيًا نحو جبهتها تاركًا قبلة حنونة ثم قال معتذرًا:
-حقك عليا يا زهرتــي.
نظر بعينيها وترقب حديثها تلك المرة، فأربكتها نظراته العاشقة ونطقت بهدوء:
-أنت يعني كان لازم تقاطعني، مش عارف تسبني اكمل اللي كنت هقوله، عمومًا يعني أنا كنت هقولك لو فاكر أنك كدة ثبتني فـ أنا فعلًا کـ زهر اتثبت وقوي كمان، يلا بقى نقعد ناكل لحسن أنا هموت من الجوع والأكل ريحته فظيعة.
~~~~♡♡♡♡~~~~
في صباح يوم جديد، وأمل مستمر لايزال يلازم جهاد، والتي لم تمل أو تكل أو حتى تتوقف عن المحاولة من خلال الحديث معه واشغاله بها، على أمل أن يشعر بها ويقدر حبها وأفعالها من أجل الظفر بقلبه.
فتحت درج خاص بها تقوم بإغلاقه بقفل حديدي صغير لا يملك أحد مفتاحه سواها، فسقط بصرها على تلك الخطوط التي تتواجد داخل درجها الصغير، اخذت واحدًا بطريقة عشوائية.
ثم اعادت القفل محله واوصدت الدرج بإحكام، وعلى الفور قامت بإزاله الخط التي حادثته منه بالأمس و وضعت آخر جديدًا.
تلك المرة لم تقم بالاتصال عليه، بل فتحت برنامج مخصصا للمراسلات (الواتساب).
وجاءت برقمه المدون لديها وارسلت إليه رسالة محتواها كان كالآتي:
«صباح الخير يا آخر صبري.»
اعلن هاتفه الموضوع داخل جيب سرواله عن تلك الرسالة المبعوثة اليه.
لم يبالي أو يهتم واستمر في مباشرة عمله بالمطعم، فقد كان يقف تلك المرة داخل المطبخ، يرتدي مريول أسود، وقفازات بلاستيكية شفافة، ويقوم بتقطيع الخضروات بشكل سريع وأجحام متقاربة للغاية، فقد كان يجيد استخدام السكين ويظهر مهاراته بالتقطيع أمام باقي العاملين بالمطبخ.
حكت مقدمة رأسها وهي تتحدث مع نفسها بتشنج واضح:
-مبيردش ليه، ليه مبيردش، ابعتله رسالة كمان طيب؟!. بس لقيتها أنا هبعتله رسالة كمان وهكتفي بالاتنين دول ومش هبعت غيرهم لحد ما يرد عليا، بدل ما يفتكرني مدلوقة لسمح الله.
عقب انتهائها شجعت نفسها من جديد تحمس نفسها على التنفيذ، قائلة بنبرة حاسمة:
-أيوة يا بت يا جوجو، أنتي ابعتي واحدة كمان وكفاية كدة وانزلي شوفي شغلك كفاية مرقعة.
ثم فتحت هاتفها وارسلت إليه:
«شكلك مش فاضي، أو مشغول، عمومًا أنا كمان مشغولة ومش فاضية و ورايا مشاغل بالكوم، لما تشوف رسايلي ابقى رد عليا.»
بعد مرور ثلاث ساعات تقريبًا، انتهى صابر مما كان يفعله وخلع المريول والقفازات وخرج لصالة الطعام، وتوجه صوب إحدى الطاولات وسحب مقعدًا وجلس عليه تزامنًا مع إخراجه لهاتفه.
أضاء هاتفه وسرعان ما عقد حاجبيه دهشة مما يراه، فقد ارسل إليه رقم غير مدون العديد من الرسائل عبر الواتساب.
التوى فمه وعقب ساخرًا من عدد الرسائل المبعثة:
-79 رسالة، ده إيه الفراغ ده.
فتح الرسائل وبدأ بقراءة بعضهم.
«صباح الخير يا آخر صبري.»
«شكلك مش فاضي، أو مشغول، عمومًا أنا كمان مشغولة ومش فاضية و ورايا مشاغل بالكوم، لما تشوف رسايلي ابقى رد عليا.»
«أنت مبتردش ليه، أنت مستقصدني بقى.»
«اتقي الله ورد عليا، رد يا مغرور، رد يا صابر يا ابن عمو جابر.»
«لا بجد أنت مبتردش ليه؟؟؟»
«للدرجة دي مش طايقني..»
«بتخوني مع مين ها؟؟»
«اعترف متخافش مش هعملك حاجة…»
ارتفع حاجبيه وتوقف عن قراءة الرسائل وتخطى البقية دون قرأتهم مرسلًا لها تلك الرسالة:
«طبعا مش محتاج اسأل أنتي مين، باين اوي أنه أنتي، بس هو أنتي مبتزهقيش، مبتمليش، أنا زهقتلك والله، ارحميني وارحمي نفسك، وبعدين إيه كم الرسائل دي؟؟ وكل دي استيكرات، أنتي مجنونة وإيه بخونك دي، هو أنا وعدتك بحاجة وخليت بيكي، أنا نفسي افهم بس أنتي عايزة إيه مني ولا مين اللي مسوحك عليا …»
بعث الرسالة وعلى الفور ظهر له أنها قامت بفتحها، هز رأسه يستنكر أفعال تلك الحمقاء، وقبل أن تصل إليه رسائلها كان يكتب من جديد:
«أنا عايز افهم إزاي مشغولة ومش فاضية وباعته 79 رسالة أومال لو فاضية كنتي عملتي إيه؟؟»
تركت عملها وانشغلت بالهاتف وقامت بقراءة الاخيرة فتبسم وجهها ومسحت ما كانت تكتبه لتجيب عليه معلقة على آخر رسالة ارسلها:
«سهلة وبسيطة و واضحة أكيد كنت قفلتهم 100.. ”
ابتسم ساخرًا من ردها والذي قام بقرائته على الفور، معلقًا على جوابها:
«لا إذا كان كدة ماشي مدام مقفلوش الـ 100 يبقى أنتي كدة مشغولة فعلًا، أنتي معاكي كام رقم، كل شوية هتنطيلي برقم جديد..»
«آه ما أنا مش هستعمل رقم كلمتك منه قبل كدة علشان تعرفه ومتردش عليا، وبعدين متغيرش الموضوع لو سمحت وقولي مردتش عليا ليه ساعة ما بعتلك أنا عارفة أنك بتصحى بدري، يبقى إيه مبررلك يا أفندي؟»
استند بظهره للخلف وهاتفه لا يزال بين يديه، يحدق ويقرأ رسائلها بتمعن، مرسلًا لها:
«حلوة أفندي دي، قولتيلي بقى عرفتي منين أني بصحى بدري؟»
«مش هقولك واحرق مصدري ومصدر معلوماتي أكيد، المهم طمني عليك، أنت كويس؟»
ضاقت عينيه قليلًا وظل يقرأ كلماتها الأخيرة، لحظات وكان يعيد الهاتف مكانه داخل جيبه متجاهلًا إياها ومتجاهلًا سؤالها.
~~~~♡♡♡♡~~~~
يتمدد “أحمد” على الفراش، لايزال نائمًا حتى الآن، تعالى رنين هاتفه ورغم سماعه ورغبته بالإيجاب إلا أن جسده كان له رأي آخر راغبًا وطامعًا في المزيد والمزيد من النوم.
ومع إلحاح المتصل المستمر أدرك أنه لا مفر وسيظل هاتفه يرن ويزعج نومه ولإنهاء الأمر، حرك يديه والتقط الهاتف المتواجد أعلى الكومود، مجيبًا بأعين مغلقة دون أن يدري هوية المتصل:
-أنا نائم الآن يرجى الأتصال بي في وقت لاحـق.
وقبل أن يغلق الهاتف وصل إليه صوت جهاد قائلة:
-لاحق إيه وسابق إيه، فوق كدة، أنا بعت لصابر ورد عليا بس مش عارفة بطل يرد ليه وأنا بقالي نص ساعة بحالهم مستنياه يرد عليا يطمني عليه بس مفيش منه رد وكدة أنا قلقت و
فتح أحمد جفونه أخيرًا وقال متهكمًا:
-أخت جهاد ابلعي ريقك إذا سمحتي وخليكي شوافة ده أنا بقولك نائم ويرجى الأتصال لاحقًا.
-لاحقًا إيه بس، فوق كدة وقوم كلمه اطمن عليه وطمني بعدها بس متتأخرش عليا لحسن أنا قلقانة اوي عليه.
وبتهكم جديد صاح معترضًا:
-إيه الأوفر ده قلقانة عليه علشان مردش عليكي بقاله نص ساعة بس!!!!!!!! أومال أنا محدش بيقلق عليا ليه؟؟
تجاهلت حديثه الأخير والذي يخصه واجابت على مايخص صابر قائلة:
-وهي نص ساعة دي قليلة يعني؟؟ دول تلاتين دقيقة بالتمام والكمال، وبعدين أيرضيك يا أحمد أن اظل على قلقي هذا واكل اظافري وانا لسة برداهم بليل؟ أيرضيك.
-نعم يرضيني وجدًا كمان وسيبني انام بقى، لما اصحى هكلمك ولو لسة مردش هكلمه واشوفه، اتفقنا.
-لا متفقناش، أنت هتكلمه دلوقتي ولا اروح اقول لمحمد يكلمهولي وأهو بالمرة يعرف أنك فضحته عند البت رضا وأنت بتديها الدرس والبت رضا راحت قالت لـ روضة و روضة قالت لـ إسلام وأنا سمعتهم وهما بيكلموا، وأنك اتفقت معايا لما جيت اتكلم معاك و وافقت تديني رقم صابر وقولت هتساعدني وتسعى معايا في موضوعنا مقابل أني اسكت ومقولش لمحمد أن إسلام عرفت واقنع اخواتي ميفتحوش بوقهم.
حل السكون وهي تبتلع ريقها ثم تابعت سريعًا:
– ولا اروح أقول لصابر ذات نفسه أنك أنت اللي ادتني رقمه وجايبلي خطوط تكفي الشارع كله ويفيض كمان، ولا اروح اكلم يوسف واخليه هو يكلمهولي وأهو بالمرة برضو يعرف أنك معرفني كل حاجة عنه وأنه بيحب برق أختي وجاي عشانها.
انتفض أحمد من نومته وصاح بصدمة:
-هل قمتي بتهديدي للتو أم أنه يخيل لي هذا؟
-لا مش هنسميه تهديد، تهديد دي كلمة خطيرة اوي ربنا يبعدها عننا ممكن نسميه اتفاقيه بتفق معاك يعني، هي أول مرة نتفق يعني؟!.
انكر هذا وقال يصحح لها:
-ولكن هذا لا يسمي اتفاق بل تهديد وابتزاز وفتنة، أنتي عايزة تفتني عندهم عليا، اختى جهاد أنتي متعرفيش أن الفتنة أشد من القتل ولا إيه؟
أكدت له معرفتها قائلة:
-لا يا أخويا اعرف بس دي مش فتنة ده تصحيح معلومة عندهم.
ابتلع ريقه ثم هتف بهدوء:
-كدة أو كدة النوم طار من عيوني، أنا هكلم صابر، بس قبل ما اقفل خليكي فاكرة أنه مينفعش برق هي كمان تعرف موضوع يوسف دلوقتي عشان شكله ميبقاش زبالة قدامها كفاية محمد، ومحمد كمان مش لازم يعرف أن إسلام عرفت كل حاجة أوعي تغلطي أو تقعي بلسانك، وحتى صابر اوعي تقوليله أن أنا اللي مديكي رقمه.
-يا جدع عيب عليك هي دي عايزة كلام اغلط واقول إيه بس واقع بلساني إيه، ده أنت سرك في بير.
-آآه مدام قولتي عيب عليك يبقى هيجي يوم وهتغلطي وهتوديني في ستين داهية ما هي المصايب كلها مش بتيجي غير من عيب عليك دي أنا عارف.
ردت عليه كي تنهي تلك المكالمة ويتعجل بالأتصال على صابر:
-آه سيب بقى المهم وامسك في التفاهات دي، يلا اقفل وروح كلمه وتعالى طمني.
بعد إغلاقه معها، جاء برقم أخيه وقام بالاتصال عليه واضعًا هاتفه على أذنيه منتظرًا ايجابه عليه.
وفي اللحظة التي اعلن بها هاتف صابر عن مكالمة جديدة كان لايزال مكانه لم يتحرك، فقط شاردًا يحاول ربط بعض الامور وفهم ما يحدث.
حرك عينيه ونظر بشاشة الهاتف فوجده أحمد، ضاقت عينيه قليلًا ثم مد يده والتقط الهاتف واجاب عليه بنبرة مترقبة:
-عايز إيه؟
نما إليه كلمات أحمد المعاتبة له:
-طب الناس الطبيعية بتقول سلام عليكم، صباح الخير، مساء الخير، بس أزاي مينفعش تبقى زي الناس الطبيعية نقول إيه بقى، آه يا زمـــن.
نفخ صابر وقال بذات الترقب ولكن غلفه تلك المرة بعض الملل:
-وبعدين طيب هتقول عايز إيه ولا اقفل؟
لم يفكر أحمد بشيء قبل اتصاله به، لذلك لم يجد ما يخبره به فصاح معترضًا على طريقته معه:
-لا متقفلش وبعدين بتنفخ ليه وعايز تقفل ليه أصلا مش عيب؟؟ شكلك نسيت أني اخوك الكبير، بس لا، لا وألف لا لو صابر نسي أحمد يفكره.
اغمض صابر جفونه وقال من جديد:
-أنت فاضي ومتصل تهزر مش كدة.
-مين ده اللي فاضي ده أنا مشغول جدًا و ورايا مشاغل بالكوم.
لمعت عين صابر مع نطق أحمد لجملته الذي دائمًا ما يرددها فقال بنبرة يغلفها اللؤم:
-طيب يا أحمد يا اللي مش فاضي و وراك مشاغل بالكوم سايب مشاغلك وبتكلمني ليه، شكلك قلقت وبتطمن عليا مش كدة.
وبتلقائية شديدة كان يجيبه:
-هو مش أنا اللي قلقت بس ماشي نمشيها أنا.
صمت عن متابعة حديثه مدركًا خطأه الفادح و وقوعه بالحديث، ابتلع ريقه وعلى الفور تحدث محاولًا اصلاح الأمر، متمنيًا ألا يكون قد انتبه لكلماته:
-أيوة أنا اللي قلقان اصلي كنت نايم وحلمت حلم مش ولابد فقولت اتصل اطمن عليك، واطمنت خلاص سلام عليكم اخي العزيز.
انتهت المكالمة وتنفس أحمد الصعداء ثم قام بمحادثتها وطمئنها عليه لتدرك هي أنه لا يرغب حاليًا بالإيجاب والحديث معها وليس كما صور لها عقلها بأن سوءًا قد حدث معه، بينما تمدد أحمد من جديد وتابع نومه مرة أخرى.
أما صابر وبعد تلك المكالمة تجمعت معه الخيوط وأدرك ما يحدث فطالما كان شديد الدهاء.
~~~~♡♡♡♡~~~~
تعالى رنين هاتف “ضياء” معلنًا عن اتصال ما، حيث كانت تغط في نوم عميق، فليلة امس لم تستطع النوم باكرًا بل ظلت تتقلب بالفراش يمينًا ويسارًا، تعجز كليًا عن النوم.
والسبب بالطبع كان “طارق” محاولة التفكير فيما عليها فعله معه كي تتخلص منه فبالطبع ابتزازه وتهديده لها لن يتوقف وسيظل يطلب منها نقود، لا تدري من أين ستأتي بهم المرة القادمة.
وبعدما فشلت في إيجاد الحل، نامت أخيرًا والآن يقظها رنين هاتفها.
فتحت عين واحدة والتقطت الهاتف الموضوع اسفل الوسادة وحدقت باسم المتصل باعين ناعسة تطمع بالعودة إلى النوم من جديد.
رأت اسمه والذي كان كفيل بأن يجعل النعاس يتبخر، ابتلعت ريقها ونهضت من نومتها حتى باتت جالسة على الفراش ومن حسن حظها كانت روضة لا تتواجد وتواجدت بمفردها.
ازدردت ريقها واجابت عليه:
-الو.
وصل إليها صوته الغليظ وهو يردد بنبرة غاضبة:
-مبترديش ليه علطول، بتتقلي ولا إيه يا بنت شكري.
نفت حديثه واجابته بهدوء وصوت لايزال به آثار النوم:
-أكيد لا أنا ولا بتقل ولا حاجة، بس كنت نايمة في إيه؟؟
-هيكون في إيه يعني عايز اشوفك، واختك الباردة علطول لازقالك، أنا دلوقتي على أول الحارة بتاعتك اطلعيلي.
عقدت حاجبيها وقالت وهي تنتفض من جسلتها بخوف وقلق من مجيئه ذلك:
-بتعمل إيه على أول الحارة امشي يا طارق أنت عايز حد يشوفني معاك ويروح يقول لبابا.
ابتسم بسخرية واجاب باستهزاء:
-لا ما هو لو منزلتيش أنا اللي هروح لابوكي، فخليكي حلوة كدة وانزلي متخلنيش مستني كتير.
اغلق في وجهها يشعر بلذة الانتصار بعدما توصل لما أراده ألا وهو شعورها بالتهديد كي تظل تحت جناحيه تنفذ وتنصاع لآوامره عدما يطلب منها النقود.
دقائق معدودة وكانت تضع عبائة سوداء على جسدها و حجاب بذات اللون وتغادر المنزل على عجلة من آمرها متجاهلة أمر “رضا” تمامًا والتي كانت تعود للتو من مدرستها القريبة من منزلهم وتصعد الدرجات وبدون أدراك اصطدمت بها فترنح جسد رضا قليلًا فخرج صوتها تصيح:
-إيه هتوقعيني عرفاكي أكيد قصدك وعايزاني اموت.
وبالطبع لم تنصت ضياء فكانت قد غادرت البناية باكملها كي تذهب لمقابلته.
ولسوء حظها وربما حسنه رآها آسر الواقف بالشرفة ويتحدث بهاتفه مع والدته والتي تطمئن عليه، وعلى الفور جذبته تلك الفتاة التي كانت تخرج من البناية وترتدي العباءة ولولا إلتفاتها من حولها وللخلف بخوف وتسريع خطواتها أمام المطعم حتى لا تراها شقيقاتها لم يكن سيتعرف عليها.
وسرعان ما انهى المكالمة متحججًا بانشغاله وهبط هو الآخر مسرعًا من خطواته يلحق بها، محافظًا على بعض المسافة بينهم.
وصلت “ضياء” أول الشارع والذي اخبرها بتواجده به، وعلى الفور رأته فاقتربت منه بوجه يتملكه الرعب وجسد يرتجف وأعين لا تكف عن الالتفات حولها تخاف أن يراها والدها أو إحدى شقيقاتها.
تحدثت من بين اسنانها وبغضب واضح:
-أنت بتهرج يا طارق، جاي لحد هنا أنت أكيد اتجننت.
ارتفع حاجبيه بعدما لم تنل نبرتها أعجابه معقبًا على كلماتها:
-ما تلمي لسانك ده بدل ما اقطعهولك؟؟ أنتي هتنسي نفسك ولا إيه؟؟ ده أنا ممكن بصورة واحدة من اللي معايا اقضي عليكي، فخليكي حلوة كدة ومتنسيش نفسك عشان مضطرش أنا افكرك وقتها.
ارتجفت من تهديده فقالت بنبرة قد هدأت محاولة التحدث بطريقة لبقة:
-طيب أنا آسفة قولي عايز إيه؟
-هكون عايز إيه يعني عايز فلوس طبعا، اتصرفيلي في الفين جنيه مزنوق فيهم.
ورغمًا عنها وبسبب صدمتها من طلبه قالت باستنكار ونبرة عالية لم تشعر بعلوها:
-نــــــــعم!!!! الفين جنيه إيه؟؟ اجبهوملك منين دول، هو أنا مش لسة مدياك خمسوميت جنية اجبلك منين تاني أنا عمالة استلف من طوب الأرض علشان اديك، حرام عليك يا طارق اللي بتعمله فيا ده اجبلك منين.
وبأسلوب فظ وقح، كان يجيب عليها وهو يمسك بذراعيها يضغط عليهم بكامل قوته كي يسبب ارهابها:
-معرفش، يكش تتشقلبي، أو تجبيهم من تحت الأرض أنا مالي، أنا ليا أن الالفين جنية يبقوا عندي بكرة أو بعده بالكتير وإلا عليا وعلى اعدائي وهخلي ابوكي يعرف باللي كان ما بينا.
كان يهزها بقوة أثناء قبضه على ذراعيها، وقبل أن تجيبه أو تنطق بحرف واحد كان يأتي هو ويظهر بالصورة، ممسكًا بيده التي تمسك بها مفاجئًا طارق بظهوره ذلك، متمتم بنبرة يملؤها الشر:
-نزل أيدك لو مش عايزها تكسر وترجعلك سليمة.
تفاجأت ضياء هي الآخرى من تدخله وظهوره من العدم، لم يمنحها وقتًا أكثر بعدما استجاب طارق لحديثه وابعد يده عنها، ليقم آسر على الفور باجبارها على الوقوف خلفه واقفًا أمامها مواجهًا طارق بنفسه.
لم يلتزم طارق الصمت وسأله بغلاظة:
-أنت مين يا جدع أنت وبتدخل ليه في اللي ملكش فيه؟؟
-ومين بقى اللي قرر أني مليش فيه…أنت!
هتف الأخيرة باستهزاء واضح، اشتعلت عيون طارق من تقليله منه وسخريته بهذا الشكل خاصة أمامها وصاح يسألها من خلفه:
-وده مين ده كمان اتلميتي عليه أمتى ها ر
ابتلع باقي حديثه عندما قاطعه اسر ومد يديه وامسك به من ملابسه يهزه بعنف مثلما كان يفعل هو معها منذ لحظات وقبل تدخله بينهم:
-سيبك منها وكلمني أنا، ولا أنت مبتكلمش مع رجالة.
تجاهله طارق وتحرك خطوتان محاولًا الوصول لتلك الواقفة خلف آسر تحتمى به، متمتم بشراسة وغضب:
-تعالي هنا وقوليلي مين ده وبيدخل ليه؟؟
وقبل أن يصل إليها كان آسر يتصدى له بكامل جسده وقوته واقفًا بينه وبينها حائلًا كالسد المنيع وبحركة عفوية منها رفعت يديها وتمسكت به من الخلف خائفة من بطش الآخر، تشعر بثقل بلسانها ولا تقدر على التحدث.
لم يقف آسر هكذا كثيرًا واسرع بتسديد لكمة واحدة قوية كانت كفيلة لاسقاط الآخر أرضًا.
اتسعت عين ضياء مما تراه وتفاقم خوفها وأدركت بأن طارق قد ينفذ تهديده بسبب تدخل آسر وصمتها على ما يحدث وقبل أن تتحدث وتفعل أي شيء كان طارق ينهض ويركض من أمامهم بعيدًا ولسانه يتوعد بالانتقام.
بعد ذهابه التفت إليها آسر يبصرها فوجد عينيها تفيض بالدموع قائلة بنبرة مرتجفة مرتعبة لاقصى درجة:
-مش هيسكت، مش هيسكت هيقول لـ بابا وبابا هيموتني مش هيسبني، اعمل إيه، اجبله الفلوس منين، اعمل إيه يارب.
-ممكن تهدي، إيه العيل اللي أنتي خايفة منه ده؟؟ وبتبينيله خوفك ده ليه، أنا شوفت وسمعت كلامكم كله واعرفي أنه طول ما هو شايفك خايفة وضعيفة هيتمادى فيها معاكي.
هنا واستوعبت مع من تتحدث، فمن أمامها آخر شخص قد تشكو إليه أو تستنجد به أو حتى تجعله يقف معها فهو ليس له آمان.
ساورها الندم الآن على عدم تحدثها واستسلامها لانعقاد لسانها.
رفعت اناملها ومسحت دموعها، وخرج صوتها مهزوزًا قائلة:
-أنت مالك بتدخل ليه في حاجة متخصكش، اديك اتسببتلي بمشكلة دلوقتي مش عارفة اعمل إيه و احلها ازاي، يارب تكون مبسوط ومرتاح.
فارقت مكانها عقب القائها كلماتها تاركة إياه يقف مكانه يراقبها أثناء مغادرتها.
ثم وجد نفسه هو الآخر يسير خلفها، بالبداية لم تكن تشعر أو تدري بسيره خلفها.
لكن ما أن وطأت قدميها البناية حتى شعرت به وأدركت أنه كان يتتبعها، وعلى الفور التفتت إليه برأسها متحدثة بطريقة غاضبه:
-وبعدين معاك، أنت مش عايز تسبني في حالي ليه، ماشي ورايا ليه، سبني في حالي بقى.
رفع كلتا يداه أمام وجهها مباشرة متحدث بهدوء يحاول تهدأتها:
-طيب ممكن تهدي، أنا مش جاي وراكي أنا طالع الشقة اللي أنا قاعد فيها واللي تبقى موجودة في العمارة هنا.
ايقنت حماقتها، ولعنت تسرعها ونسيانها أمر اقامته بالبناية، لاح الهدوء على قسماتها وبدون أن تنطق بحرف واحد كان تعود بأدراجها متابعه صعودها لمنزلها، بينما ظل هو واقفًا منتظرًا سماع صوت الباب وهو يغلق متراجعًا عن الصعود معها في ذات الوقت كي لا يسبب لها ازعاجًا جديدًا.
وما أن استمع إليه أدرك دخولها، فتحرك أخيرًا وقصد المنزل.
~~~~♡♡♡♡~~~~
أخيرًا استيقظ أحمد وفتح عيونه على صوت يوسف الذي ينادى عليه يحثه على الاستيقاظ.
تأفف أحمد وصاح معترضًا:
-وبعدين بقى وبعدين أنا جالي صداع من النوم المقطع ده مش معقول كل ما ناملي شوية حد يصحيني ويقلقني، أنا نفسي انام زي الناس والبني آدمين.
جاء آسر و وقف أمام باب الغرفة المفتوح مستندًا بكتفه على الباب ويديه بجيب سرواله يبصر أحمد المنزعج بشدة:
-خلاص أحنا غلطانين خليك مخمود، وأحنا هناكل كل الاكل اللي طلبناه مش هنسبلك حاجة علشان أحنا جعانين وهفتانين.
اتسعت عينه وجرى ريقه ولاحت شبة بسمة على وجهه وهو يهب عن الفراش بلهفة وحماس شديد.
وما أن خرج من الغرفة حتى سقط بصره على الطعام الذي يخرجه يوسف من حقائبه البلاستيكيه وينزع عنه الورق الذي يحفظ حرارته، منصتًا إلى غناء يوسف والذي كان يدندن بتمزج وانسجام شديد مع واحدة من أغانية المفضلة:
«لما ثانية تفوت عليا وأنتي مش قدام عنيا، كل شيء في الدنيا ديا بيبقى صعب وقاسي ليه..»
التقط أحمد واحدة من الحمام المحشي بحب مسترسلًا كلمات الاغنية:
«مش هقولك يا عيوني مستحيل أبدًا تهوني.»
جاء دور آسر والذي تدخل مغنيًا بصوت عالي متفاعل معهم سارقًا الحمامة من يد أحمد:
«أنتي أحلامي وكوني والهوا اللي بعيش عليه، يا جنوني واشتياقي، لما بتغرب بلاقي قلبك أنتي وحده باقي جمب قلبي يخاف عليه..»
-هات الحمامة بتاعتي يا ابن الحرامية، يـــــوه خلتني غلط في عمي وخالتي، منك لله، أهو الخلفة العار تجيب لاهلها النعيرة، وأنت خير مثال يا ابن عمي وابن خالتي.
ردد أحمد تلك الكلمات على مسامع آسر معترضًا على سرقته للحمامة من بين يديه وما زاد حنقه هو تجاهل آسر لحديثه والتهامه لها.
وقبل أن يتحدث أحمد من جديد ويعترض، جذبه يوسف يجبره على الجلوس وهو يقول:
-اقعد بقى وسيبه بدل ما يبلعك أنت، وأهو تيجي في الحمامة احسن ما تيجي فيك، وبعدين في حمام كتير وخير ربنا كتير، يلا قولوا بسم الله.
بعد إنتهائهم من تناول الطعام وملئ جوفهم، طرح أحمد سؤاله وهو يتجه نحو المطبخ:
-أنا هعملي شاي حد يشرب معايا؟؟
جاءه صوت يوسف وآسر موافقين على اقتراحه.
غاب أحمد داخل المطبخ وبعد دقائق معدودة كان يخرج حاملًا صينية بها كوبين فقط من الشاي.
وضعها على الطاولة مبصرًا آسر بتحدي وانتصار:
-طبعا فاكرني عبيط وهنسالك الحمامة بتاعتي اللي كلتها، بس لا والف لا، أحمد جابر سلطان مبينساش، فـ زي الشاطر كدة لو عايز شاي المطبخ عندك هناك اهو والكتل والشاي والسكر والمعالق والكوبيات جوه، قوم اعمل لنفسك.
ومن جديد تدخل يوسف يمنع نشوب شجار بين الاثنان، مقاطعًا ما يفعله أحمد:
-سيبكم بقى من الهبل ده، وركزوا معايا شوية، أنا عايز اشتغل مش عايز افضل قاعد كدة.
انتبه آسر لحديثه وتذكر ما فعله والده معه من سلبه ما كان يملكه، واعتماده منذ أن جاء إلى هنا على بناء أعمامه، فقال موافقًا إياه على تلك الفكرة:
-وأنا كمان عايز اشتغل، خلينا نفكر في مشروع صغير أو أي حاجة نعملها، ومين عالم يمكن نكبر وننجح.
تهلل وجه أحمد وصاح موافقًا هو الآخر:
-جارِ التفكير والبحث عن مشروع صغير لنا، بس متعتمدوش اعتماد كلي عليا برضو علشان أنا جانب المشروع ده بدي دروس في اللغة العربية لرضا.
~~~~♡♡♡♡~~~~
فتح “وسام” باب المنزل دافعًا الباب بيديه مشيرًا لـ “زهر” بالدخول فقد عادا للتو من الخارج بعدما قررا الخروج وتناول الطعام بالخارج، قائلًا بوجه يحتله العبوس والضيق الشديد:
-اتفضلي يا استاذة زهر.
كانت تعقد ساعديها بانزعاج، والعبوس يحتل قسماتها هى الآخرى، منتظرة فتحه لباب المنزل وما أن فتحه وأشار إليها بالدخول حتى حلت عقدة ذراعيها وطالعته بجانب عينيها بأستياء، مندفعة بخطوات سريعة داخل المنزل قاصدة غرفتها.
أما هو فقام باغلاق الباب وسار يلاحقها.
وصل الغرفة فرآها وهي تخلع حجابها وتضعه أعلى الفراش ترمقه بنظرات غاضبة انطلقت من عينيها كالسهام.
اقترب منها يسألها بخفوت وضيق لازال يعتمر صدره من أفعالها الطفولية:
-طب وبعدين في حركات العيال دي، مبسوطة كدة لما نكدي علينا وأحنا خارجين ناكل برة ونغير جو، أنا غلطان يعني أني قولتلك نخرج؟؟
-يا سلام طلعت أنا الوحشة النكدية وأنت الزوج الفرفوش مش كدة؟ أنا شوفتها شوفت البت اللي كانت قاعدة في المطعم جمبنا وهي هتأكلك بعينها وبتحاول تلاغيك، وأنت كمان بصلتها، شوفتك على فكرة متنكرش.
تحدثت بنبرة يعتريها الغيرة القاتلة على حبيبها و زوجها.
ارتفع حاجبي وسام مستنكرا حديثها وفعلتها، قائلًا:
-أنتي هتتبلي عليا اللي يسمعك يقول بصتلها حبا فيها، أنا ولا واخد بالي منها اصلا والبصة اللي بتكلمي عليها دي كانت بالغلط وأول ما عيني جت في عينها بصيت قدامي علطول ومتكررتش تاني، بس.
قاطعته باندفاع وصوت عالي:
-أهو شوفت اعترفت بلسانك أنك بصتلها يعني مش بتبلى عليك زي ما بتقول، أنا أزاي مضربتهاش بجد وجبتها من شعرها أنا كان لازم اعجنها.
اطلق وسام ضحكة ساخرة جعلت غضبها يتفاقم اضعاف، متمتم بسخرية:
-ده اللي كان ناقص مش كفاية فرجتي علينا المطعم وقومتي تتخانقي معاها وتقوليلها إيه يا حلوة طيشة أنا قاعدة معاه مش عجباكي.
قلدها وهو يردد كلماته الاخيرة، وما أن انتهى من تكرار حديثها التي القته على الفتاة حتى عاد متحدث بصورة طبيعية:
– ما أحنا يا بنت الناس كنا قاعدين ومبسوطين واتصورنا وهزرنا وضحكنا واليوم كان ماشي زي الفل وعشرة على عشرة، ليه تبوظيه في الآخر.
-تستاهل اكتر من كدة كمان أنا بجد كان لازم اضربها وانتفلها شعرها زي الفرخة، بقولك إيه أنا مش طيقاك ومتعصبة منك سبني دلوقتي لوحدي لو سمحت.
تضاعف غضبه هو الآخر مما تفعله وطريقتها بالحديث التي لم تنل أعجابه بالمرة متحدث بنبرة عالية:
-يا بنتي أنتي مجنونة ليه محسساني أنك قفشتيني بخونك أنا كنت خارج معاكي أنتي والله، مش مع غيرك ومش ذنبي اللي حصل ولا مسؤل عنه، ما اللي عايز يبص ما يبص، المهم أنا شايف مين وبحب وعايز مين، وبعدين أنتي مسكتيش وكسفتي البت وفرجتي الناس عليها خلاص عايزة إيه اكتر من كدة.
-متزعقليش يا وسام و وطي صوتك وأنت بتكلمني، ولو سمحت سبني دلوقتي أنا محتاجة أهدا.
هز رأسه موافقًا على طلبها وهو يكز على اسنانه بغل وغضب من تلك المشكلة التي حدثت دون سبب أو داعي.
فارق الغرفة وصفق الباب بقوة من خلفه، متجهًا نحو غرفة الصالون، أما هي فظلت واقف مكانها تحدق بالباب أمامها، وبعد ثواني فقط كانت تتحرك وتلتقط الوسادة من أعلى الفراش و تضعها على وجهها مطلقة صرخة مكتومة يملؤها الغضب والذي كان سببه غيرتها وعشقها له.
بعد مرور نصف ساعة تقريبًا كانت ابدلت ملابسها وهدأت قليلًا، جلست اعلى الفراش وجذبت الغطاء و وضعته عليها، ملتقطة هاتفها في ذات الوقت، وقبل أن تتقدم بفعل أي شيء كان باب الغرفة يُفتح على حين غرة ويطل وسام من خلفه، يرمقها بنظرات غاضبة شبيهه لنظراتها السابقة، مندفعًا نحوها وهاتفه بين يده، قائلًا بغيرة طلت من عينيه قبل أن تغلف نبرته وهو يرفع الهاتف أمام عينيها مباشرة:
-آسر ومحمد وفريد ويوسف بيعملولك لاف ليه وبيكتبولك كومنتات ليه ها؟؟
انعقد حاجبيها ونظرت بهاتفه، فوجدت تعليقات منهم تركوها على تلك الصورة التي التقطتها برفقة وسام اليوم قبل أن تخرب سعادتهم:
-ايوة فين المشكلة يعني؟؟؟ هما بيحبوا فيا؟! دي كومنتاتهم كلها عبارة ربنا يسعدكم ربنا يخليكم لبعض ويرزقكم الذرية الصالحة فين مشكلتك بقى طلعهالي؟ ثم أنت اصلا رادد عليهم أهو وقولتلهم الله يبارك فيكم عقبالكم، مسبتش واحد فيهم مردتش عليه.
ابتسم باستهجان وقال وهو ينزل الهاتف ويعتدل بوفقته بعدما كان يميل وينحني لمستواها:
-مشكلتي أن رجالة يعملوا لمراتي لاف وكومنتات.
-دول قرايبي، متربية معاهم وتحت سقف واحد وزي أحمد وصابر بضبط، عُمر ما حد فيهم ضايقني ببصة أو نظرة أو حتى كلمة.
-يا ستي أنا قفل أنا راجل مبفهمش ومش عايزهم يعملولك كومنتات اتفضلي بلكيهم.
-أنت في إيه انهاردة، يعني لو بتحاول تقلب التربيزة متحاولش، أنا معملتش حاجة ولا هما كمان عملوا، أنا مش شايفة أي سبب أو مبرر للي أنت عاملة ده طول عُمرنا أنا وهما اخوات وأنت عارف الموضوع مش جديد عليك، فـ متأفورش علشان دول اهلي.
مط شفاه ثم قال مدهوشًا وهو يجلس قبالتها ويحدثها باعين لا تبعد عنها:
-يعني انا بأفور وانتي عادي؟؟ اللي عملتيه من شوية ده كان عادي صح؟؟ عادي تنكدي عليا علشان واحدة معرفهاش ولا تدخل ذمتي بنكلة حتى ومتجيش فيكي حاجة ولا في جمالك ولا حلاوتك.
وعلى الفور نظر خلفه ثم عاد يبصرها وهو يرفع ذراعيه يشير نحو المرآة:
-في مرايا هناك اهي قومي بصي لنفسك فيها يمكن تشوفي اللي أنا شايفة وتعرفي قد إيه أنتي جميلة، ومفيش واحدة في جمالك، ولا اقولك بصي في عيني يمكن تشوفي نفسك فيهم وتعرفي أنهم مش بيشوفوا غيرك، أو اقولك..
حرك يديه باتجاهها والتقط كف يدها ليضعه على قلبه الذي ينبض بتسارع، متابعًا كلماته التي تفيض عشقًا وشوقًا ولوعة:
-شوفي قلبي بيبقى عامل أزاي وأنتي معايا وقدامي، قلبي اللي محبش غيرك ولا هيحب يا زهرتي.
لانت تعابير وجهها وتسارعت ضربات قلبها من كلماته العذبة، فتلك الجلسة وحديثه المعبر عن مدى عشقها لها جعلها تتناسى أي شيء، واجبر غضبها على التبخر.
للحق يستطيع اخماد ثورتها، واطفاء نيران قلبها، ابتسمت رغمًا عنها وبطريقة عفوية زادت من خفقاته ودون أن يدري ابتسم ما أن رأى بسمتها قد عادت لتحتل وجهها.
قائلًا بدفء وحنان طاغي:
-الحمدلله، اخيرًا ضحكتي والتكشيرة راحت.
اجابت عليه بهدوء وبسمة لا تفارق وجهها:
-كنت بتمثل وخدت حوار آسر وفريد ومحمد ويوسف حجة مش كدة.
هز رأسه يؤكد لها:
-بصراحة آه، أنا اصلا كنت قاعد مش على بعضي وهموت وادخل واصالحك أينعم معملتش حاجة بس مش مشكلة خليها عليا، المهم يعني أني أول ما شوفت الكومنتات بتاعتهم جتلي الفكرة وقولت اتلكك وادخل قال يعني بتخانق معاكي، بس للحق أنا مضايق منهم بس ماسك نفسي مينفعش تبلكيهم برضو، ويكون في علمك أنا مش طايقهم بحق وحقيقي بس رديت عليهم عشان مترديش أنتي وساكت وسايبهم عندك لأجلك ولأجل عيونك الحلوين.
ضحكت بخفوت قائلة:
-لأجلي ولأجل عيوني هو أحمد بهت عليك ولا إيه.
-طب لية السيرة دي ما أحنا مرتاحين منه بدل ما نلاقيه طابب علينا لحسن ده بيجي بالسيرة، المهم سيبك منهم كلهم وقومي هشغلك فيلم إنما إيه عنب العنب ولوز اللوز.
~~~~♡♡♡♡~~~~
تثأوب “ياسين” واضعًا يديه أمام فمه، محرك رأسه يحدق بزوجته المجاورة له بجلسته على الاريكة تتابع معه أحد الافلام.
طرح سؤاله بصوت هادئ وجسد متأهب للنهوض:
-إيه يا ريري مش ناوية تنامي ولا إيه، أنا خلاص مش قادر اقعد اكتر من كدة.
نفت برأسها تخبره بهدوء:
-لا مش جايلي نوم لسة، روح نام أنت لو عايز.
ابتسم لها ومال نحوها يقبل مقدمة رأسها، متمتم:
-ماشي يا حبيبتي تصبحي على خير.
بادلته ابتسامته وردت عليه بهدوء:
-وأنت من اهله.
راقبته بعينيها حتى اختفى تمامًا عن انظارها، ومع اختفائه ذلك اختفت ابتسامتها وشردت بعينيها.
أما هو وعقب دخوله غرفته حتى اسرع من خطواته وتقدم من الكومود الموضوع بجانب الفراش يلتقط هاتفه المتواجد اعلاه والذي تعمد تركه وجعله صامتًا.
غزت بسمة وجهه ولم يعد النوم يظهر عليه مثلما كان منذ لحظات.
تمدد على الفراش وسحب الغطاء و وضعه على جسده بأهمال منشغل بهاتفه وبمحادثة عدة فتيات في ذات الوقت والذي تعرف عليهم سواء كان عن طريق الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي أو يعرفهم على أرض الواقع ولا يمانعون الحديث معه وهو متزوج.
وبالطبع محادثاته معهم لم تكن بريئة بالمرة، مستمرًا بخيانته لـ ريهام.
مر الوقت ولم يشعر به، وانتبه فقط عندما انفتح الباب وطلت ريهام وتسمرت بوقفتها.
ارتبك بالبداية لكن سرعان ما سيطر على هذا الارتباك الذي تمكن منه واغلق الهاتف و وضعه من جديد اعلى سطح الكومود.
رافعًا عينيه يبصرها فالتوى ثغرها جانبًا وقالت وهي تتقدم بخطواتها وتغلق باب الغرفة خلفها:
-إيه ده منمتش يعني، مش كنت بتقول مش قادر ودخلت على أساس تنام.
اماء لها وقال كاذبًا:
-اه، بس لقيت واحد صاحبي بعتلي رسايل كتير اوي على الواتس ومتصل عليا، فـ رديت عليه على الوتس وكويس أني رديت كان معاه مشكلة وكنت بحاول احلها معاه.
وقفت أمامه ولم تتوقف عن طرح اسألتها عليه:
-طب وقفلت موبايلك ليه أول ما دخلت عليك كأنك عامل عاملة، مكملتش كلام مع صاحبك ليه وحليتله مشكلته؟؟ ولا المشكلة اتحلت والكلام بينكم خلص أول ما أنا دخلت!
عقد حاجبيه وسألها بنبرة تحولت لغاضبة من اتهامها الصحيح منتفض من على الفراش واقفًا بمواجهتها يتقن دور المظلوم:
-عامل عاملة؟؟ هو في إيه بقى أنتي مش لاقيه حاجة تكلمي فيها أنا زهقت من تلميحاتك!!! المفروض نكلم كام مرة في موضوع شكك فيا؟؟ المفروض كام مرة افهم فيكي أنا خلاص تعبت وزهقت من شكك ده، خلي عندك ثقة فيا وفي نفسك شوية، دي مبقتش عيشة دي، أنا خلاص قرفت وطاقتي خلصت مش قادر اتحمل نكدك يا شيخة.
غادر من أمامها ينوي الذهاب لغرفة أخرى والنوم بها كنوع من العقاب متناسيًا أمر هاتفه وانتبهت هي لذلك وسقط بصرها عليه وقبل ان تفكر أو تفعل أي شيء كان يعود من جديد ويأخذ هاتفه مغادرًا مرة أخرى صافقًا الباب من خلفه بقوة………
««يتبع»»……….
فاطمة محمد.
تفاعل حلو بقى واتمنى الفصل يكون عجبكم وهستنى رأيكم
وتوقعاتكم
وميعادنا
يوم الجمعة بأمر مع الفصل الجديد.❤❤
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية الحب كما ينبغي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.