رواية الحب كما ينبغي الفصل الثاني والعشرون 22 – بقلم فاطمة محمد

رواية الحب كما ينبغي – الفصل الثاني والعشرون

الفصل الثاني والعشرون

الفصل الثاني والعشرون

الحب كما ينبغي.

فاطمة محمد.

الفصل الثاني والعشرون:

أحيانًا قد يكذب بعض الأشخاص لعدة أسباب وتحت ظروف تختلف من شخص لآخر، فالكذبة الذي يطرحها وتكون تافهة بالنسبة لك وتراه أحمق لكذبه مثل تلك الكذبة، ولا يستدعي الموقف هذا الكذب من البداية قد يراها هو ضرورية لسير أموره. وهنا كذب “محمد” بالبداية كذبة واحدة لم يكن مخطط لها، وجد لسانه ينطق بها دون قصد أو إدراك لنتائجها مستقبلًا من أجل البقاء معها لوقت أطول عله يطفئ نيران قلبه، فالقصة قد بدأت عندما تقدم من إسلام يطالب بوظيفة معهم متحججًا بأنه عاطلًا عن العمل، ولكن كذبه لم يتوقف هنا بل وجد نفسه يتابع في كذبته يدعي الفقر، وحاجته الشديدة إلى هذا العمل دون تردد أو تفكير في العواقب.

فقط كان كل ما يشغله في هذا الوقت رؤيتها أكثر وأكثر وقضاء معظم ساعات يومه معها.

كذبة كبيرة لاحقتها كذبة أكبر لم تكن بالحسبان، جعلته داخل دائرة شبه مغلقة لا يعرف كيف يخرج منها بعد.

ولكن بعد تفكير طال كثيرًا فقد قضى ليلته مستيقظًا لم يغمض له جفن يحاول التفكير وإيجاد حل وبالنهاية أدرك أنه لا يوجد حل سوى المواجهة والاعتراف بالحقيقة فإذا استمر قد يخسرها للأبد، وإذا صدف وعرفت الحقيقة من غيره لن يستطع مواجهتها وسيشعر بالحرج الشديد.

عند هذه النقطة تمنى أن تنشق الأرض وتبلعه قبل أن يحدث هذا ويوضع في هذا الوضع.

غادر المنزل واستقل سيارته وشق طريقه قاصدًا المطعم، يشجع نفسه طوال الطريق كي يستمر بتلك الشجاعة ويلقي الحقيقة رويدًا رويدًا متمنيًا من أعماق قلبه أن تسامحه على ما اقترفه سواء في حقها أو حق ذاته.

وصل المكان الذي يترك به سيارته كل يوم، يشعر بالحيرة هل يترك السيارة ويفعل ما اعتاد فعله يوميًا أم يذهب بسيارته وبكامل أناقته والتي تعكس ثرائه.

وبعد تفكير لم يدم كثيرًا قرر ترك السيارة وأكمال ما تبقى سيرًا على الأقدام، فهو لن يتمادي لهذا الحد كي لا يزيد من وضعه السئ سوءًا أكبر قائلًا بينه وبين نفسه:

-مش كله كدة مرة واحدة، أنا هتكلم معاها الأول وهحكيلها كل حاجة من طقطق لسلام عليكم وهقولها أني عملت كل ده علشان بحبها وعلشان افضل جمبها، وبعد كدة تبقى تشوفني بالعربية عادي.

دقائق وكان يصل ويصبح على أعتاب المطعم، وطأت قدميه للداخل، في ذات الوقت الذي وقعت عيونه عليها.

ابتلع ريقه وشعر بأن شجاعته وقراره الحاسم النهائي بـ أخبارها كل شيء تلاشوا وحل محلهم قلق وخوف لا حدود لهم.

خوف وقلق من فقدانها للأبد..

رهبة من رد فعلها ما أن تدرك الحقيقة وتعرف أنه كاذب، كذب بكل شيء أخبرها به عن نفسه.

من جديد ابتلع ريقه وقراره يتراجع عنه شيء فـ شيء.

اغمض جفونه لوهلة يحاول استرجاع شجاعته وقوته لإستكمال ما نوى فعله وإنهاء كذبه والاعتراف بكل شيء.

فتح عيونه وما أن فعلها حتى وجدها أمامه تبصره بدهشة من وقوفه بتلك الطريقة، قائلة بترقب:

-مالك واقف عندك كدة ليه؟

صوتها..نظرة عينيها هزته كليًا وبات خوفه وقلقه لما هو قادم بعد إدراكها الحقيقة أضعافًا مضاعفة.

رسم بسمة لم تصل لعينيه وهو يجيبها مستسلمًا لخوفه:

-ولا حاجة، أنا داخل اشوف شغلي.

كاد يتحرك لولا وقوفها أمامه تعيق حركته، متابعة حديثها المترقب معه:

-شكلك منمتش، لو تعبان ومش قادر تشتغل انهاردة خده أجازة وروح مفيش مشكلة على فكرة وبعدين الشغل نايم انهاردة ومفيش زباين كتير.

تلك المرة ابتسم بسمة صادقة جاءت من سعادته لشعوره بقلقها عليه.

أجاب عليها يطمئنها:

-لا متخافيش عليا أنا زي الفل وحتى لو المطعم فاضي ومفيهوش زباين خالص هفضل موجود مش هينفع اسيبكم.

توترت من تلميحاته والتي وصل إليها مغزاها بسهولة، مجيبه عليه بتوتر بسيط يكاد لا يلاحظ:

-مين قالك أني خايفة عليك أنا ولا خايفة عليك ولا زفت، متخدش كلامي وتفسره على مزاجك مرة تانية ويلا اتفضل على شغلك.

غادرت دون أن تسمع جوابه تاركة إياه يتبسم على رد فعلها العفوي للغاية والذي لامس قلبه وجعله يتراقص بشدة.

~~~~♡♡♡♡~~~~

-إيه ده! إيه اللي جايبك بدري كدة؟ في حاجة ولا إيه؟

رددت “ميرفت” والدة “ياسين” سؤالها على مسامع ابنها الذي جاء لها بهذا الصباح الباكر وبدون زوجته مما أثار دهشتها وجعلها تتساءل عن سبب مجيئه.

زفر ياسين وهو يتقدم من الأريكة يدفع جسده عليها يجيبها بزهق يشكو منها:

-في قرف، ريهام قرفاني بقالها كام يوم وشكة فيا وفاكرة أني بكلم غيرها.

تجمدت تعابير ميرفت وارتفع إحدى حاجبيها وهى تتقدم من الاريكة جالسة بجواره، قائلة بحنق وهي تلكزه في ذراعيه بغضب شديد:

-وأنت طبعا لسة بتكلم غيرها بجد، هو أنت إيه مش ناوي تعقل وتبطل سرمحة ومسخرة؟؟ مراتك زي القمر، إيه اللي ناقصها علشان تخونها، اعقل كدة يا ياسين وكويس أن خيانتك ليها فترة الخطوبة عدت على خير ومحستش بحاجة بس دلوقتي هي معاك في بيت واحد وأكيد هتحس وساعتها هتسيبك، بطل قرف بقى.

رجع برأسه للخلف وهو يزفر من حديث ميرفت الممل في نظره ولا يبالي بلكزتها التي لم تؤثر به، متحدث باستنكار وإصرار على استمراره بخيانتها:

-أنا مش جايلك علشان تديني محاضرة يا ماما أنا جايلك علشان تعقليها كدة وتخليها تبطل القرف والنكد اللي بتعمله ده وإلا والله لو مبطلتش لـ

قاطعته ميرفت تسخر منه:

-هتعمل إيه يا ياسين هتبص برة؟؟ ما أنت كدة كدة بتبص برة، واحد غيرك المفروض يبوس أيده وش وضهر علشان متجوز واحدة زي ريهام، ليه يا ياسين ليه بتكرر اللي أبوك عمله معايا، أنت عارف يعني إيه الراجل يخون مراته؟؟ عارف ساعتها بنحس بـ إيه، بنفكر كام مرة إيه اللي مش فينا وناقصنا علشان تبص لغيري.

كلماتها الأخيرة كانت مشبعة بالألم وذكريات خيانة زوجها تهاجمها وتعاد أمامها وعاد إليها شعور الآلم، متذكرة أن حينها لم تستطع إتخاذ موقف والانفصال عنه ونصحها كل من حولها بالتفكير بعقلها وليس قلبها وعلى الاستمرار معه و لا تهدم بيتها بيدها وتتركه لآخرى وأيضًا من أجل ابنها..

وبالفعل سامحته واستمرت معه رغم خيانته المستمرة والتي لم تتوقف يوما حتى مماته.

ابنها الذي بات صورة طبق الأصل من زوجها واكتشفت خيانته صدفة لـ ريهام أثناء فترة الخطوبة ورغم محاولاتها في ردعه إلا أنها فشلت.

والآن ندمت على هذا القرار ربما لو كانت ابتعدت عن زوجها حينها واخذت ابنها لما كان سيصبح مثله ويظل يذكرها به.

أما هي فـ باتت ترى نفسها أنها منعدمة الكرامة سامحته مرة ثم تغاضت عن خيانته لها لاحقًا وادعت عدم معرفتها رغم أنها كانت تدرك ذلك جيدًا وهو يدرك بأنها مدركة ولذلك تمادى ولم تعد تهمه فـ مهما فعل ستظل معه إذن ما المانع!!!!

من جديد تأفف بصوت عالي وهب من جلسته متحدث بعصبية مفرطة:

-يــــــــوه، نفس كلامك أيام خطوبتي بتعيديه تاني،  أنتي مبتزهقيش من نفس الكلام، لو مزهقتيش فـ أنا بقى زهقت وجايلك تعقليها وتخليها تهدأ كدة على نفسها علشان الدنيا تبقى حلوة، وإلا والله هي لسة مشافتش وشي التاني، أنا كل ده عمال اهدي نفسي واسايس فيها.

تملكت العصبية من ميرفت وهبت هي الآخرى ترفض مساعدته:

-وأنا مش هتكلم معاها واكدب عليها وأنا وأنت عارفين أنها صح، فوق يا ياسين من اللي أنت فيه عشان آخرته وحشة أوي ومش هتعجبك وريهام لو اتأكدت هتسيبك.

-وأنتي مسبتيش بابا ليه لما خانك؟ مسبتيهوش ليه وأنتي عارفة أنه كل يوم مع واحدة؟؟ متخافيش زي ما أنتي سكتي زمان ريهام كمان هتسكت، علشان هي بتحبني بتعشقني وأنا كمان بحبها مش معنى أني بعرف غيرها يبقى مبحبهاش لا أنا بحبها اوي وبخاف اخسرها، بس كمان مش قادر ولا عارف ابقى ليها بس، وأنتي لازم تساعديني أني احافظ عليها وتفضل موجودة معايا، لازم، و زي ما كملتي مع بابا زمان علشاني، اقنعي ريهام علشاني ساعديني.

هنا أدركت ميرفت أن ياسين لم يصبح صورة طبق الأصل عن والده فقط بل أصبح صورة أسوء بمراحل عديدة.

فهو لم يهتم بمشاعر والدته التي ضحت من أجله، بل عايرها بالشيء التي فعلته لأجله ولمصلحته ويجبرها على الحديث مع زوجته كي تجعلها نسخة آخرى عنها وتقضي بقية عُمرها مع رجل خائن.

~~~~♡♡♡♡~~~~

كعادتها بتلك الأيام تعمل “إسلام” وهي تراقبه تركيزها لايصب فقط بالعمل بل معه أيضًا ترغب في تنفيذ جملتها التي أخبرت بها جهاد من قبل وهي..

“أنا هوريه النجوم في عز الضهر”

وأثناء متابعتها تلك ظلت تفكر و تفكر عقلها لا يتوقف عن فعل هذا ترغب بالتلاعب به و إلقانه درسًا لن ينساه بحياته ستجعله يعيش رعبًا و خوفًا من فقدانها إذا أدركت أمر كذبه.

ومع هذا القرار الأخير برقت تلك الفكرة بعقلها ولمعت عينيها ببريق من السعادة وعزمت على التنفيذ العاجل فلن تتمهل أكثر و ستبدأ اليوم انتظرت حتى هدأت الأقدام عن المطعم وبات محمد غير مشغول جالسًا على إحدى الطاولات القريبة منها.

ابتلعت ريقها و مالت على جهاد الواقفة بجوارها فقد تغيبت برق عن العمل اليوم وذهبت إلى جامعتها ولا يتواجد سوى إسلام وجهاد ومحمد، تهمس لها بتلك الكلمات:

-جاريني في اللي هقوله من غير ما تسألي.

لم تمنح جهاد الفرصة كي تستوعب ما تقوله رافعة من نبرة صوتها كي تصل إلى مسامعه بسهولة بالغة متحدثة بأنفعال وغضب صدقه بالفعل:

-قولتلك لا يا جهاد لا مش هسامحها ومتحاوليش و متكلميش معايا في الموضوع ده تاني بجد علشان هزعلك.

رفعت جهاد هي الأخرى نبرة صوتها و هي تجيبها و تجاريها بالحديث مثلما طلبت منها :

-اهدى بس يا إسلام و بعدين المسامح كريم.

استطردت إسلام حديثها بذات الغضب و الرفض الشديد:

-قولت لا يعني لا دي بني آدمة كدابة عارفة يعني إيه كدابة كدبت عليا وأنا أكتر حاجة بكرهها في حياتي الكدب و الناس اللي بتكدب الكداب ده ملوش أمان قوليلي هثق فيها تاني إزاي بعد كدبها كل ده عليا.

تركت جهاد ما تفعل و انسجمت بدورها متنهدة بضيق مجيبه على حديث إسلام:

-ما أنتي بقى اتكلمي معاها افهمي منها كدبت ليه أكيد عندها أسبابها.

-حتى ولو مفيش أي حاجة تبرر الكدب وبعدين دي حتى مهنش عليها تصارحني ولا مرة وساقت فيها العوق و فضلت تكدب.

فاقمت جهاد من رفع صوتها و هي تقول:

-يعني هي لو كانت صارحتك كنتي هتسامحيها.

ردت إسلام بثقة و قوة مخيفة :

-أكيد لا، مستحيل اسامحها ولا أعرفها تاني واللي يكدب مرة يكدب ألف مرة.

ابتلع محمد تلك الغصة بحلقه بعدما استمع لجوابها وحديثها بأكمله و مدى بغضها للكذب و الكاذب وهو فعل.

كذب عليها و خدعها لن تسامحه أبدًا…

أطرق رأسه للأسفل وشعور بالقهر والمرارة و الندم يساوره هاجمه بشدة دون رحمة به وبقلبه العاشق المتيم والآن كل ما كان يشغل باله و عقله هو كيفية حل تلك المشكلة دون أن يخسرها  فـ آخر شيء قد يود أو يرغب بخسارته يكون “هي”

فلو تم وضعها في كفة و العالم بـ أجمعه في كفة وخيروه لـ قام باختيارها دونًا عن الجميع فهي بالنسبة له بكفة بمفردها..

كفة بالتأكيد فائزة لا تعلم طعم للخسارة.

هي الحب الذي آتاه بعد طول انتظار؛ نعم اخطأ و ارتكب خطأ كبير ولكنه يدفع الثمن الآن غاليًا.

يكفيه ما يعايشة كل لحظة وثانية ودقيقة و ساعة في خوف و قلق و رعب لانهاية له.

غافلًا تمامًا عن بصرها الذي لا ينزاح عنه ورغم نجاحها في تنفيذ مخططها إلا أن شعور بالآلم اجتاح صدرها وهي ترأى معالم وجهه الحزينة التعيسة.

~~~~♡♡♡♡~~~~

التقط وسام هاتفه الذي تناسى أمره تمامًا و نسى أغلاقه مرة آخرى فاتحًا تلك الرسالة الصوتية التي جاءته من “ياسين”.

ضيق عيناه وقام بفتح الرسالة و الإنصات لها ليصل إليه على الفور صوته الغاضب الحانق مرددًا بأنفعال شديد بادئًا حديثه بإطلاق السباب الوقح الفظ ثم هتف تلك الكلمات.

“يعني عجبك اللي عملته فيا، من ساعة الفرح والست هانم منكدة عليا زي البومة وقالبة بوزها وكل ده بسببك يعني كان لازم تنطق و تقول أنك بقالك كتير مشوفتنيش يعني مش عارف أقولك إيه بصراحة منك لله.”

لم يجد من ينفجر به و يلقي عليه اللوم غير “وسام” الذي كان يتحجج بتواجده معه والذي بالحقيقة ليس لديه علاقة أو ذنب فيما يحدث بينه و بين ريهام.

فهو بالأول و الأخير خائن فما ذنبه هو !!!!

ارتفع حاجبي وسام وابتسم بسمة ساخرة ملتفتًا حوله يتأكد من عدم تواجد زهر كي يستطع الرد عليه بذات الطريقه وعندما تأكد من غياب زهر حتى بدأ بتسجيل الرسالة الصوتية سامحًا لـ لسانه بالانطلاق يسبه دون تردد قائلًا بعدها بعصبية:

“وهو أنا بشم على ضهر أيدي علشان أعرف أنك كداب وبعدين بدخلني ليه في الحوار ما بينكم بقولك إيه يا ياسين لما تحب تكدب و تخون اعمل ده بعيد عني وآخر حاجة هقولهالك يا صاحبي اتقي الله وصون مراتك و بيتك وابعد عن سكة الحرام اللي أنت ماشي فيها دي علشان مش هتنفعك و هتيجي على دماغك أنت في الآخر أنت دلوقتي مش حاسس بس بعدين هتحس و هتفهم أنت هببت إيه .

استمع ياسين إلى رسالة صديقه ثم أجاب عليه مسجلا تلك الرسالة:

” أنت هتقعد تديني درس في الحلال و الحرام هو أنت شايفني عيل قدمك فاكر لما تقوله كده هيفوق لنفسه لا أنا فايق و عارف أنا بعمل إيه مش مستني نصيحة منك و لا من أي حد و تاني مرة متنسحبش من لسانك تاني يا وسام ومتفكرش تعملي فيها شيخ ماشي يا صاحبي.”

أرسلها إليه و وصلت إلى وسام والذي عقب استماعه إليها قرر عدم الإيجاب عليه خاصة بعد رده الأخير هذا وسارع باغلاق الهاتف مجددًا وقذفه على الأريكة بأهمال ولامبالاة، متحرك من مكانه وهو ينادي على زهر.

أدرك بوجودها بغرفة النوم بعدما آتاه صوتها من داخلها.

تقدم من الغرفة التي تركت زهر بابها مفتوح فوجدها تقف أمام المرآة الطويلة المتواجدة بالغرفة.

ظهر خلفها بالمرآة فسارعت بسؤاله دون أن تلتفت إليه:

-وسام هو أنا تخنت تاني.

ابتسم لها بسمة هادئة وهو ينفي هذا:

-مين قال !!!!! وهو أنتي كنتي تخينة أولاني علشان تتخني تاني.

-وسام مش بهزر قول الحقيقة تخنت صح؟

تنهد وهو يوليها ظهره متجها صوب الفراش جالسًا على طرفه و وجهه مقابلا لها مجيبًا على سؤالها:

-وأنا كمان مش بهزر يا عيون وسام أنا مكنتش شايفك تخينة بجد أنا شايفك زي القمر ويكون في علمك سواء تخنتي أو خسيتي هتفضلي قمر علشان أنتي كدة أو كدة قمر.

خجلت و توردت وجنتيها ورغمًا عنها تبسم وجهها ولمعت عينيها فهو وحده قادرًا على فعل كل هذا..

تحركت هي الأخرى وتقدمت منه وهي تبصره وقبل أن تشرع بالحديث التقطت بسهوله ضيقه من عينيه والذي حاول إخفائه عنها ببسمة لم تصل لعينيه وفضحته.

فهو قد ينجح بخداع أي أحد إلا هي تحفظه وتصمه عن ظهر قلب.

تناست فرحتها و سعادتها بكلماته الصادقة النابعة من قلبه وحل مكانها قلق اتضح على ملامح وجهها.

جالسة بجواره وهي تستفهم منه بقلق:

-مالك في إيه!! إيه اللي مضايقك، أنت مضايق مني.

حقًا هل تسأله إذا كان منزعجًا منها ألا تدرك تلك الحمقاء أنها سبب سعادته و رغبته بالعيش..

حقًا حمقاء…

هكذا أطلق عليها قبل أن يجيبها معبرًا عن استيائه من ظنونها:

-أنتي عبيطة يا زهر هضايق منك ليه أصلا متشغليش بالك بيا.

-أزاي يعني مشغلش بالي هو أنا لو مشغلتوش بيك هشغله بمين بس قولي.

رفع يديه و ربت على وجهها بحنان يطمئنها من جديد:

-مفيش حاجة صدقيني متشغليش بالك بقى.

عبس وجهها وهي ترد عليه:

-برضو هيرجع يقولي مشغلش بالي انجز بقى يا وسام إيه اللي مضايقك يعني لو مكنتش تحكيلي و تشاركني هتعمل ده مع مين بس.

استسلم لها و بدأ يسرد لها ما حدث بينه و بين ياسين.

اكفهر وجهها وصاحت تعقب على الفور وهى تهب من جلستها:

-أنا آسفة بس صاحبك ده بجح بجد ولا أقولك مش آسفة ولا حاجة هو فعلًا بجح هو إيه ده أنت مصاحبه إزاي أنت لازم تقطع علاقتك بيه بجد اللي يخون مراته ده ملهوش أمان و ممكن يعمل أي حاجة ده حتى مش حاسس بالذنب و جاي يزعق فيك أنت ما كان يجي يلطشك قلمين كمان والله كنت نطيت في كرشه لا و بيزعلك مش مراعي أنك في شهر العسل بس هستنى إيه من واحد زيه.

نهض وسام واقترب منها يقوم بتهدأتها وضمها إليه:

-اهدي يا زهر، عرفتي بقى أنا مكنتش عايز اقولك ليه اديكي اتعصبتي.

خرجت من أحضانه تنظر داخل عيناه تجيبه:

-ما لازم اتعصب أنا محبش حد يجي عليك ويغلطك خصوصًا لو مش غلطان و معملتش حاجة و لا ليك ذنب في أي حاجة.

كرر فعلته وضمها من جديد يبثها الهدوء و الطمانينة والحب قائلًا:

-طب خلاص اهدى و انسي و فرفشي و لا حضرتك ناسية أننا عرسان جداد.

هدأت بالفعل و أجابته دون أن تحاول مفارقته:

-لا منستش أنا بس دمي غلي، وسام أنا بحبك أوي بحبك بطريقة و بشكل مش قادرة اوصفه.

-صدقيني مش قدي وصدقيني أنا مش عايز من الدنيا أي حاجة تانية بعدك.

صمت ثم تابع متحدثًا بالفصحى مثل أخيها عائدًا لها السعادة والبسمة من جديد:

-فـ بعد أن حظيت بزهرتي لا أريد أكثر وليذهب الجميع إلى الجحيم لا ابالي بهم.

~~~~♡♡♡♡~~~~

لم ينسى “آسر” ما حدث وسمع باليوم الماضي من تهديد وابتزاز لضياء من ذلك المراهق الصغير الذي يتضح بأنه كان حبيبًا لها في إحدى الأيام، متيقنًا بأنه لن يتوارى أو يتوقف عن تهديدها.

لذا وصل إلى هذا الحل بعد تفكير طويل بالمساء وقبل نومه وعزم على التنفيذ باليوم التالي.

والآن يقف على مقربة من المكان التي تتلقى فيه درسها ولكن ليس بمفرده بل معه أحمد الذي لا يفقهه أو يفهم شئ مما يحدث و سبب مراقبتهم و تتبعهم لـ ضياء و روضة منذ أن وطأت قدميهم خارج أعتاب المنزل فقد آبى و رفض ترك آسر وأصر على المجئ معه.

أما آسر فكان كل ما يدور بخلده هو أنه حتى إذا كان هذا الشاب لا يتواجد معها ويتلقي هو أيضًا الدرس إلا أنه قد يأتي لها و تتعرض من جديد للابتزاز و هذا ما لا يريده أن يحدث معها،حيث أن هناك شئ خفي بداخله يحركه و يحثه على الأهتمام بها وحل مشكلتها و حمايتها مما تتعرض له، متعهدًا بينه و بين نفسه بأن يجعله يندم ويأكل انامله ندمًا مما اقترفه بحقها.

تأفف أحمد ثم استفسر منه عما يحدث:

-ممكن افهم في إيه؟ وليه مشيتنا ورا البنات؟ ومستني إيه ها فهمني، آسر البنات دي محمد و يوسف بيحبوا أخواتهم وهيجوزهم إن شاء الله في يوم من الأيام، فـ لو سمحت بعد إذنك احترم نفسك ولو في دماغك حاجة كدة و لا كدة..

وبدون أن يشيح بصره عن المكان كان يجيب عليه:

-اخرس يا أحمد تعرف تخرس؟

-لا معرفش تعالى عرفني و أنا اعرفك التربية و الأصول بتقول إيه علشان عمي وخالتي الله يمسيهم بالخير نسيوا يعملوا ده بس لا و ألف لا لو هما نسيوا أنا موجود و هغيرك للأحسن هخليك تتوب لو شوفت بنت عدت من أمامك تخفض رأسك و متبصلهاش أينعم مهمة شبة مستحيلة بس أهو اديني هجرب معاك يكش يبقى عند أهلك دم وتستجيب معايا وبعدين أنت باصص على إيه بصلي أنا هنا.

-يا عم هبصلك على إيه سبني بقى لما نشوف الواد ده هيجي و لا مش هيجي.

ضيق أحمد عينيه وهو يطرح سؤال جديد:

-واد مين ده اللي آتى أو لم يأتي.

طالعه آسر بجانب عينيه بنظرة سريعة معقبًا على حديثه الأخير:

-ما أنت كنت ماشي كويس لازم الدبلجة تشتغل ارحمني بقى و ارحم اللي خلفوني.

-احترم نفسك يالا أنت هو أنا علشان ساكتلك لا فوق ميغركش أني محترم أنا محترم آه بس بمزاجي أنا لو عايز اقلب عربجي زي يوسف ابن عمك اشرف هقلبلك عادي مش صعبة عليا الشبحنة مفيش اسهل منها، انطق بقى وقول في إيه رسيني على الحوار.

رفع آسر رأسه الى السماء يدعو ربه:

-يارب يا تاخده يا تاخدني علشان أنا تعبت منه.

ارتفع جانب أنف أحمد وهو يعقب على دعائه:

-لا إن شاء الله ربنا ياخدك أنت أنا لسة مدخلتش دنيا و لا القلب دق لحد.

بعد مرور الكثير والذي لم يمر مرور الكرام على آسر بفضل أحمد الذي لم يكف عن الشكوى والتذمر من آلم قدميه وبالنهاية اقترح آسر عليه بالذهاب لشراء شئ ما يأكله و يشربه مدركًا نقطة ضعفه و بالطبع لم يرفض أحمد هذا الأقتراح وسارع بالذهاب و البحث عن متجر ما.

بعد ذهابه تنهد آسر ثم حرك رقبته يمينًا و يسارًا و بتلك الأثناء انتبه لتلك المجموعة من الفتيات التي خرجت أولا ليدرك على الفور بأن الدرس قد انتهى

وعلى الفور بدأت عينيه تبحث بالمكان من حوله عنه فـ ربما آتي و يتوارى عن الأنظار حتى موعد خروجها ولكن على سبيل الصدمة لم يجده بعيدًا بل كان يخرج هو الآخر برفقة شاب آخر وهي خلفه ببضعه خطوات و بجوارها روضة.

كز على اسنانه ضيقًا وغل من نفسه قبل أن يكون من طارق فقد ظن بأنه ليس معها و قد يأتي لاحقًا و لكن بالحقيقة كان قد آتى مبكرًا وقبله لذلك لم يراه وعلى الفور تحرك مقتربًا أكثر منها و لكن في ذات الوقت كان حذرًا كي لا تراه.

في ذات الوقت أوقفت ضياء روضة عن الحركة وهي تخبرها بهدوء زائف لا يشبه ما تشعر به من الداخل:

-روضي اسبقيني أنتي و أنا هبقى احصلك مش هتأخر.

سألتها روضة بدهشة عن سبب عدم ذهابها معها:

-ليه رايحة فين؟؟

-هعدي على يارا اشوفها مجتش ليه و متخافيش مش هعوق.

و رغم انزعاج روضة من تقرب أختها من تلك الفتاة المدعوة يارا و التي لا ترتاح لها بالمرة إلا أنها لم تدخل معها بنقاش أو تحاول منعها مدركة بأنها لن تستمع لها و لن يفعل رفضها و اعترضها شئ سوى أنه سيجعلها تعند معها أكثر وأكثر.

-ماشي أنا هروح اذاكر متعوقيش بقى علشان تيجي تذاكري أنتي كمان و خلي بالك من نفسك.

انهت حديثها و تابعت سيرها لتتحرك ضياء على الفور بعد تأكدها من ذهابها مقتربة من طارق الذي وقف مستندًا على إحدى السيارات الواقفة ينتظر ذهاب اختها.

دنت منه وقبل أن تتحدث كان يسبقها متمتم بأسلوب حاد:

-مين بقى اللي قلبه ميت اللي اتحمقلك امبارح ده تعرفيه منين ومقرطساني معاه من أمتى.

وقبل أن تجيب تابع مهددًا إياها:

-وإياكي إياكي يا ضياء تفكري تشتغليني أو تحوري عليا.

دافعت عن نفسها تنفي ما يقوله و يفكر به:

-إيه اللي بتقوله ده أنا مفيش حاجة بيني وبينه أنا أساسًا مبطقيهوش ولو تفتكر ده كان صاحب يارا.

والآن تذكر أين راه مسبقًا فبعد هروبه وذهابه للمنزل حاول تذكره وأين رآه من قبل ولكنه فشل بالتذكر، ابتسم لها بعد أن تذكر أمر سيارته أيضًا مما جعله يسعد قائلًا:

-يا بنت اللذينة ده أنتي قرطستي صاحبتك كمان مش سهلة أنتي برضو المهم خلينا في المهم الخمس تلاف بتوعي هتجبيهم أمتى بكرة كويس؟

لم تستوعب الرقم الذي قاله فصاحت معبرة عن صدمتها قائلة:

-أنت بتقول كام أنت مجنون يا طارق أنت فاكرني قاعدة على بنك ده أنا كنت بجيبلك الـ 500 جنية بالعافية عايزني اتصرفلك في 5000 أنت أكيد اتجننت.

أهانته فلم يتحمل هذا ومسك بذراعيها بقوة ألمتها لا يبالي بنظرات من حوله إليهم متمتم بغضب جامح:

-ما تلمي لسانك ده يا روح أمك إيه هنخيب و لا إيه و لا أنا عشان ساكتلك، بقولك إيه وحياة أبوكي بلاش الشويتين دول عليا قال بتسأليني تجبيهم منين استلفيهم من صاحب صاحبتك.

دفعها محرر ذراعيها مع نطقه الأخيرة جاهلًا لنظرات آسر التي تنذر بشر و هلاك قادم لا محال، فعند رؤيته لها يمسكها بتلك الطريقة ويهددها بهذا الشكل البشع كاد يندفع و يدافع عنها ويضعه بمكانه الحقيقي لكنه تراجع متذكر غضبها و خوفها عندما تدخل الليلة الماضية فالحديث الذي صار بينهم قد نما إلى مسامعه.

ضم قبضة يديه يعتصرهم متحملًا هذا المشهد بصعوبة وصبر شديد.

ظل يصك على اسنانه و ما أن غادرت حتى تحرك طارق وسار في طريقه مقابلًا صديقه الذي كان ينتظره كي يذهبان معًا و يدرك منه ما فعله معها.

أما عن آسر فكان خلفهم خطوة بخطوة منصتًا إلى حديثهم و الذي كان كالاتي:

-عملت معاها إيه طلبت منها الفلوس؟

-أكيد طلبتهم خليها تطلبهم بقى من الواد اللي وقفلي امبارح قصادها هي فكراني هعتقها وربنا ما هسيبها.

ابتسم صديقه ثم قال مقترحًا عليه:

-طب إيه هتقضيها طلب فلوس بس طب ده حتى البت مرعوبة من الصور و الشات اللي معاك وأن أبوها يعرف و زي ما وافقتك على الفلوس هتوافقك على أي حاجة.

وصل إليه مقصد صديقه فـ استحسن تلك الفكرة التي لم تاتي بخلده من قبل.

-يخربيتك أزاي مجاش الموضوع ده في بالي قبل كدة.

اعتصر آسر قبضته وتحركت عينيه سريعًا بالمكان من حولهم فرأي إحدى البنايات المهجورة و كان هذا من سوء حظ الاثنان فلم يتمهل أكثر و باغت الاثنان برفع يديه و وضعها خلف رقبتهم بقوة و عنفوان متمتم بهدوء ما يسبق العاصفة:

-بصراحة مش قادر امسك نفسي أكتر من كدة عنكم.

قال كلماته و هو يجذبهم معه نحو البناية بقوة و ما أن دخلها معهم حتى بدأ ينهال على الاثنان بضربات من يديه و قدميه في مفترق أنحاء جسدهم.

بالبداية حاولوا مقاومته و الدفاع عن نفسهم ولكن قوته و غضبه تملكا منه و منهما وكان أقوى بكثير من الاثنان.

ترك صديق طارق بعدما أخذ نصيبه لاقتراحه مثل تلك الفكرة الشيطانية الوحشية تاركًا إياه ساقطًا أرضا و صب كامل تركيزه مع طارق و يمنحه ركلة قويه في جوفه و هو يردد بصوت عالي :

-تعرف أني فعلا زبالة وحاولت معاها و أنا عارف أنها صاحبة اللي بكلمها بس هي صدتني مبلتش ريقي بكلمة ولا بنظرة لحد اللحظة دي لسة بتصدني كل محاولاتي معاها فشلت و في الآخر يجي واحد نجس زيك أنت وهو ويكلمو عليها لا وبيهددها و عايز فلوس لما أنت راجل أوي كدة بتقبل أزاي على نفسك تمد أيدك و تاخد فلوس من واحدة فين موبايلك..هو فين..

هتف الكلمات الأخيرة وهو يبحث عن الهاتف فوجده بجيب سرواله الأيمن فقام بإخراجه.

رفع طارق عينيه نحوه يبصره وعلى الفور اجبره آسر على فتحه وما أن فعل حتى عبث بالهاتف وجاء بالصور التي تعود إليها سواء كانت معه أو بمفردها ليقوم بمسحها تمامًا كذلك لم ينسى أمر المحادثات وعقب إنتهائه تهشم قلب طارق وهو يراه يقوم بدفع هاتفه على الحائط يهشمه ثم يأتي به من جديد بغضب لا يتوقف أو يهدأ و يدفعه من جديد حتى تحطم الهاتف تمامًا و جعله لا يصلح مرة أخرى.

حاول آسر التقاط أنفاسه ثم مال باتجاه طارق وقال مهدد له بنبرة دبت الرعب بأوصال الآخر:

-لو شوفتك أو لمحتلك حواليها تاني هخلي اللي خلفوك يترحموا عليك لو فكرت تاني تكلمها و لا تضايقها قسمًا عظمًا هتلاقيني في وشك وهندمك واندم أهلك على الساعة اللي خلفوك ونسيوا يربوك فيها.

~~~~♡♡♡♡~~~~

يقف أحمد في إحدى المتاجر(سوبر ماركت) يقتني بعض المشروبات ورقائق البطاطس المقلية المقرمشة وبعض الحلوى وكأنه في رحلة ما

وضع الأغراض أمام الرجل و أثناء حساب الرجل لثمن الأغراض، ولجت روضة المتجر بعدما أخذت إحدى المشروبات من الثلاجة التابعة للمتجر والتي تتواجد خارجه.

مصوبه حديثها للرجل دون أن تنتبه لوجود أحمد الواقف بجوارها واضعه المشروب أمام الرجل وبعيدًا عن أغراض أحمد.

“بكام ده لو سمحت.”

تعرف أحمد على صوتها والتفت إليها سريعًا يبصرها و بسمته ترتسم على وجه قائلًا بتلقائية:

-إيه ده خلصتوا خلاص؟

وبالطبع لم تتغافل عن صاحب الصوت بل تعرفت عليه على الفور و كيف لا تتعرف على صوت رجل أحلامها والتي ترغب ببقاء ما تبقى لها من عُمر معه

وبدون أن تشعر ابتسمت بسمة واسعة مشرقة محركة رأسها نحوه مصوبة حديثها إليه:

-إيه ده أستاذ أحمد إيه الصدفة الجميلة دي.

زادت بسمته اتساعًا و إشراقًا و هو يجيب على كلماتها التي ظنها مجاملة لطيفة تلقيها عليه و لا تعنيها حقًا:

-أنتي أجمل والله.

أربكها رده التي لم تتوقعه بالمرة وتورد وجهها خجلًا و حياءًا وتحاشت النظر بعينيه وهي تخبر نفسها بأنها لا تتوهم كلماته بل أنها حقيقية طرحها على مسامعها بالفعل و التي فعلت بها ما لم يكن بالحسبان وجعلت قلبها يدق بسرعة وصوت عالي تكاد تجزم أنه قد سمعه من علوه.

تدارك نفسه وزلة لسانه و وضع يده على فمه غاضبًا من نفسه داعيًا ربه ألا تفهمه بشكل خاطئ و تعتقد بأنه يتغزل بها.

موقف محرج وضع به الاثنان لم ينقذهم منه سوى صوت الراجل الواقف أمامهم وخلف طاولته التي يضعها قبالته و يتواجد عليها بعض الحلوي والأغراض الآخرى مبصرًا الاثنان وهو يصوب كلماته لـ أحمد :

-كدة الحساب عامل 300 جنية.

اماء أحمد برأسه و وضع يديه بجيبه يخرج محفظته وباليد الآخرى كان يلتقط المشروب الخاص بها قائلًا:

-وده كمان معاهم بعد إذنك.

اعترضت روضة وقالت رافضة ما فعل:

-لا مينفعش خالص والله أنا هحاسب.

-عذرًا هو إيه اللي مينفعش؟ اللي مينفعش بجد أنك تحاسبي و أنا واقف و بعدين أنا مش غريب أحنا جيران و الباب في وش الباب وبعدين هو أنا بحاسبلك على اكله كباب و كفتة علشان تقولي مينفعش ده عصير يا آنسة روضة.

ختم حديثه و هو يحاسب بالفعل ملتقطًا الحقيبة خاصته و التقط مشروبها و منحها إياه قائلًا بتهذيب وأحترام لائمه كثيرًا :

-اتفضلي.

اخذته من يده باحراج يليح على وجهها ثم خرجا من المتجر معًا وبدا الاثنان السير معًا محافظين على تواجد بعض المسافة بينهم ولسانه لا يتوقف عن الحديث أو الثرثرة إذا صح القول:

-هو أنا ينفع اسألك سؤال ده لو مش هيضايقك يعني.

وبدون تردد أو تفكير قالت:

-أكيد اتفضل.

-ليه بتحبي يتقالك روضة مبتحبيش اسمك ليه؟

وبصراحة مفرطة أجابته وذكريات أليمه تجتاحها وتعود إليها من تنمر أصدقائها عليها منذ الصغر…التنمر الذي لم يتوقف يومًا و ظل يلاحقها يأبى تركها ويلاحقها أينما ذهبت:

-علشان بكرهه مبحبوش وأنا صغيرة أي حد كان بيعرف اسمي كان يا بينفر يا بيتنمر ويتريق عليا كنت علطول لوحدى بسببه، بابا بيكرهنا من أول ما اتولدنا و علشان كدة كرهنا في نفسنا وخلانا تريقة للناس كأن حلمه أنه يخلف رجالة هو كدة بيحققه لما سمانا كدة بس أنا عارفة أنه كان قصده يعاقبنا، بابا عُمره ما طمن أو حضن واحدة فينا عُمره ما كان قريب مننا علطول بعيد و مش في الصورة لما بنحتاجة مش بنلاقيه علشان كدة قررت أني ابقى روضة مش رياض.

استشعر أحمد ألمها وحزنها فكل شئ بها بتلك اللحظة يعكس له ما تشعر و تحاول اخفائه..نبرة صوتها التي يكسوها الحزن والكسرة عينيها التي على وشك تحرير دموعها.

كل هذا جعله يشعر بالندم لفتح موضوع بتلك الحساسية معها.

رسم بسمة و كأنه لا ينتبه لحالتها يمزح معها كي يعيد بسمتها الجميلة من جديد على وجهها:

-طب سؤال تاني معلش أنا آسف عارف أني رغاي بس استحمليني.

-اتفضل.

تابع مزحه يستفسر منها:

-ليه روضة ليه مش رضوى حاسس أن رضوى أخف وأحلى و لايق عليكي أكتر.

هزت كتفيها وقالت ببساطة:

-مش عارفة هي جت كدة وكله بقى يقولى روضة طبعا لو حد حب يضايقني بيقولي يا رياض.

توقف عن السير و وقف أمامها مجبرًا إياها هي الآخرى على الوقوف و عدم استكمال سيرهم يقترح عليها:

-إذن ما رأيك أن تميزينني و تستثنيني و تسمحي لي أنا فقط بأن ادعوكي بـ رضوى.

أحبت اقتراحه وبشدة ودت أن تخبره بأنها بالفعل تميزه وتستثنيه عن الجميع وبسعادة شديدة جعلتها تشعر بأنها محلقه بالهواء هزت رأسها موافقة على طلبه قائلة:

-موافقة أكيد.

سعد هو الآخر ورأى سعادتها و أدرك بأنه نجح في جعلها تتناسى حزنها وهمها مصفقًا بيده متمتم:

-حيث كدة بقى يا رضوى خلينا نتمشى شوية كمان و نفتح الحاجات دي نأكلها و نشربها آه كنت جايبهم ليا و لـ آسر بس خسارة وطز فيه .

~~~~♡♡♡♡~~~~

هبط يوسف من البناية بعد عودة أحمد إلى المنزل واقفًا أمامها رافعًا ذراعيه بالهواء يستمتع بنسمة الهواء البارد ينوي التوجه إلى المطعم كي يراها، لا يدري كيف سيقوم بفتح حوار معها بوجود شقيقاتها الدائم و محمد و الزبائن متمنيًا أن تأتي له فرصته ذات يوم كي يحظى بحديث معها، انزل ذراعيه وقبل أن يتحرك نحو المطعم أو يتقدم أي خطوة سقط بصره عليها، رآها تأتي من بعيد، ترتدي ملابس جميلة أينعم لم تصل إلى جمالها و لكن برق جعلتها جميلة بارتدائها لها.

تبسم وجهه وخمن بأنها قد تكون ذهبت إلى جامعتها اليوم ولم تباشر العمل مع شقيقاتها.

تراقص قلبه وعاد لداخل البناية مرة أخرى قبل أن تراه ملتهمًا درجات السلم التهامًا سريعًا.

زينت البسمة وجهها بعد أن رأت ما فعله و كيف عاد راكضًا للبناية مخمنة ما سيفعله مدركة بأنه سينتهز أي فرصة لانشاء حديث معها.

دخلت البناية وأثناء صعودها تظاهر هو بخروجه للتو من المنزل مغلقًا الباب خلفه هابطًا هو الآخر متقابلا معها على إحدى السلالم.

توقف كما توقفت هي وعلى الفور ابتسم لها بشاشة وهو يلقي عليها السلام:

-مساء الخير يا مربى.

رمقته بجانب عينيها و تجاهلت تحيته محاولة تخطيه واستكمال طريقها ولكنه أعاق حدوث هذا فـ كلما ذهبت يمينًا تحرك معها و بات أمامها وإذا تحركت لليسار تحرك هو الآخر و يقف أمامها.

رسمت الانزعاج على ملامح وجهها وصاحت به بضيق:

-هو في إيه ؟ ممنوع اعدي واطلع بيتنا و لا إيه عديني لو سمحت.

-لا مش ممنوع و لا حاجة بس كنت حابب أتكلم معاكي.

للحظة تناسى شخصيته الذي يتقمصها و الزائفة وتحدث بهدوء شديد، جانب رأته به من قبل أثناء حديثه مع محمد بالمرة الأولى الذي جاء بها المطعم، وقتها لم تنصت أو تسمع حديثهم نتيجة لصوتهم الخافض ولكن كان يتحدث بهدوء ينافي ما يفتعله ويفعله تلك الأيام.

رفعت عينيها وابصرته وهي تهتف بقوة وسخرية:

-تكلم معايا ولا تتخانق معايا أنت من ساعة ما جيت المنطقة وأنت مبتعملش حاجة غير أنك تتخانق واضح أنك بتاع مشاكل وأنا بصراحة مبحبش اتعامل مع النوع ده وبكرهم.

لم يستوعب كلماتها و حديثها الذي كان عكس ما يدركه و يعرفه عنها فالرجل المفضل إليها هو مفتعل المشاكل والشجارات والصوت العالي.

وبتلقائية سألها بعدم استيعاب بعد:

-لا معلش بتكرهي إيه ومبتحبيش تتعاملي مع مين.

ردت عليه دون تردد تخفي وتمسك نفسها من الانفجار ضحكًا على تعابير وجهه بعدما أخبرته بعكس ما يفعله:

-اللي زيـك كدة.

-يعني إيه اللي زيي؟

-يعني اللي فارض عضلاته وفاكر نفسه فتوة و عامل فيها سرسجي أنا مكرهش في حياتي قد الناس اللي زيك مش فاهمة ليه الواحد يبقى كدة ليه ميبقاش محترم ابن ناس وفي حاله وهادي كافي غيره شره ليه كل شوية اتخانق مع ده واضرب ده أنا آسفة بس من ساعة ما شوفتك وأنا متعصبة منك.

كادت تغادر تاركه إياه مع صدمته لولا تراجعها كي تلقي كلماتها الأخيرة عليه:

-آه وتاني مرة متقوليش يا مربى وخليك محترم كدة علشان الناس تحترمك.

تركته وتابعت طريقها ودخلت المنزل ثم غرفتها لتلقي بحقيبتها على الفراش ثم جسدها وهي تطلق وتحرر ضحكاتها أخيرًا.

أما هو فكان بعالم آخر تجمد جسده وشعر وكأن أحدهم قد سكب عليه دلو من الماء المثلج.

لحظات وكان يعود لوعيه مرددًا

بخفوت

وهو يعود ركضا للمنزل:

-يا ابن الكلب يا

أحمـــــد

…….

«يتبع»…………….

فاطمة محمد.

اتمنى الفصل يكون عجبكم

وهستنى

رأيكم

ومتنسوش

الفوت لو الفصل عجبكم. 🙈❤

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية الحب كما ينبغي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق