رواية الحب كما ينبغي – الفصل الثامن عشر
الفصل الثامن عشر
الحب كما ينبغي.
فاطمة محمد.
الفصل الثامن عشر:
استيقظ آسر من نومه أخيرًا، فقد تخطى الوقت الثالثة عصرًا، نظر بهاتفه مدركًا الوقت، وبالطبع لم يندهش، فتأخره في الاستيقاظ نتيجة لسهره كل ليلة.
تثأوب واضعًا يديه على فمه، ثم نهض و ولج دورة المياه، ثم خرج منها وجاء بملابس له وقام بارتدائها بهدوء ومزاج جيد، مطلقًا صفيرًا من بين شفاه.
عقب انتهائه التقط قنينه العطر و قام بنثر القليل، ثم وضعها محلها، وغادر الغرفة.
نزل للاسفل ودنا من الباب وهو على مشارف المغادرة لولا صوت جابر الذي آتى من خلفه هامسًا بـ اسمه:
-واد يا آسر، أنت يا ولا.
التفت إليه آسر وعلى الفور منحة بسمة واسعة فطالما كان جابر العم المحبب والاقرب لقلبه.
-إيه يا جبور صباح.
رد جابر على الفور يقاطعه بأعين متسعة والفضول يشع من عينيه:
-بلا صباح بلا مساء أنت عملت إيه قولي، اعترف، قر بسرعة.
قطب آسر حاجبية بعدم فهم ثم سأله:
-عملت إيه في إيه بضبط، وربنا ما عملت حاجة، هو في حد قالك أني عملت حاجة.
التفت جابر يمينًا ويسارًا ثم خلفه ثم عاد مبصرًا آسر، مقتربًا منه أكثر، قائلًا بذات الهمس:
-هحكيلك أنا كنت عايز اطب على وسام و زهر واروح اقعد معاهم قام أبوك البعيد قفشني ومسك فيا وبوظ مخططي.
كاد يتابع ويسترسل باقي حديثه لولا مقاطعة آسر له تلك المرة متمتم بمرح:
-لا خش في المفيد علطول علشان بس مستعجل ومش عايز ابويا يقفشني أنا كمان ويبقى أنت السابق وأنا اللاحق.
استجاب جابر لطلبه واستطرد حديثه الهامس يخبره بالآتي:
-في بت جت وقاعدة جوه دلوقتي مع أمك وأبوك وأمها معاها، وسمعت أمها بتقول أنها عايزة تكلم معاهم في موضوع يخصك، أنت عملت إيه؟؟قلبي مش مرتحالك يا بن أخويا.
اندهش آسر ولم يخفي هذا الاندهاش بل هتف يتساءل وهو على أتم استعداد للتحرك والتقدم و رؤية تلك المرأة وابنتها:
-دي مين دي!! استنى لما اروح أشوف مين دول وعايزين إيه؟
مسك به جابر من معصمه قبل أن يتحرك متمتم:
-تشوف إيه، افتكر أنت هببت إيه، اوعى يا واد تكون غلط مع البت وحطيت اسم عيلتنا في الطين.
لم يتقبل هذا الاتهام فصاح يدافع عن نفسه أمام عمه:
-غلط إيه وطين إيه والله ما عملت حاجة.
-صادق، صادق يا بني، أنا عارف أن رغم أخلاقك البايظة بس مستحيل تعمل حاجة زي دي، بقولك إيه فلسع من هنا قبل ما أبوك يشوفك.
-أفلسع إيه يا جابر مش لما اعرف وافهم في إيه الأول.
-ياض أنا قلبي مش مرتاح فلسع وأنا لما البت وأمها يمشوا هفهم من أبوك وهكلمك اقولك اللي فيها.
رفض آسر فعل ذلك والهروب دون مواجهة ومعرفة ما يحدث الآن، متحليًا بالشجاعة قائلًا بقوة:
-لا، مش هستنى ومش ههرب أنا هشوف دلوقتي في إيه وافهم إيه اللي بيحصل ومين دول.
وبالفعل تحرك نحو حجرة الصالون المغلق بابها، وجابر من خلفه يحاول منعه بـ شتى الطرق، فـ قلبه يخبره أن هناك شيء سيء على وشك الحدوث.
لم يستسلم آسر لمحاولات جابر لمنعه وفتح الباب وحينها وقع بصره عليها، ليدرك هويتها أخيرًا ويعلم لما تتواجد هنا الآن ولكن ليس بمفردها بل جاءت مع والدتها.
ترك الباب مفتوح خلفه ودنا من يارا لا يبالي بـ نظرات والده الغاضبة الثائرة نحوه، و والدته التي تشعر بالخزى منصتًا لكلمات أمها الكاذبة:
-كدة أنا قولتلكم على اللي فيها، لو يرضيكم أنه يدخل البيت من بابه ويتكلم معايا ويقولي أنه عايز يتجوزها ويفضل داخل خارج علينا يأكل ويشرب ويخرج مع البت، يبقى العيب مش عليه العيب في تربيتكم ليه.
اتسعت عينيه وصاح قائلًا بصوت يحمل من القوة والحنق والسخط ما يكفي لاخافتهم وجعل ركبتيهم ترتجف من الخوف، فلأول مرة تراه يارا منفعلًا، عصبيًا لتلك الدرجة:
-أنتي بتقولي إيه يا ست أنتي، بيت إيه وجواز إيه أنتي هتتبلي عليا، أنتوا بتعملوا إيه بضبط، وإيه البجاحة والكدب اللي عيني عينك ده؟؟؟؟ أنا أول مرة اشوف كدة.
سارع جابر بغلق الباب اثناء صراخ آسر على يارا وأمها، كي لا يصل صوته إلى باقي العائلة المتواجدة بالمنزل حامدًا شاكرًا ربه على أن والده سلطان ودلال قد خرجا معًا قبل مجئ تلك المرأة وحدوث تلك الفضيحة.
بينما هبطت دموع يارا من عينيها، فـ ربتت والدتها على ظهرها بحنان تطمئنها، مصوبة حديثها اللاذع له:
-البجاحة دي أنت اللي تعرفها مش أحنا، إيه كنت فاكر بنتي لعبة ولا ملهاش أهل، لا يا حبيبي أنا بنتي لا هي لعبة والحمدلله ليها أم تعرف تجيب حقها كويس اوي ومن نن عين التخين.
رد عليها آسر بوقاحة زادت من غضب أبيه الصامت حتى الآن:
-لا ما هي التربية باينة.
انتفض عابد والغضب يتملكه ويسيطر عليه بالكامل فلم يعد يتحمل السكون والصمت منفجرًا كالقنبلة في وجه آسر:
-اخرس يا حيوان، أنت ليك عين تتكلم؟
تدخل جابر الذي سارع بالوقوف أمام آسر كي يحميه من بطش أخيه، قائلًا بهدوء:
-أهدا يا عابد، وأنت يا آسر تعالى معايا دلوقتي.
رفض آسر من جديد الانصات إليه، فغضبه الآن يعميه، لا يجعله يفكر جيدًا أو يتحدث بأسلوب لائق:
-مش جاي يا عمي، أنا أول مرة اشوف كدة في حياتي، هو أنا مش سيبتك يا بت أنتي، وقولتلك بدل المرة مليون مش عايزك، ليكي عين تيجي لحد هنا، أنتي عايزة إيه بضبط ؟؟؟ فاكرة أني كدة هرجعلك مثلا لما تيجي جايبة أمك وتكدب عيني عينك وتتبلى عليا كدة أنا هغير رأيي مثلا، ده انتي نزلتي من نظري اكتر، لا نزلتي إيه ده أنا مبقتش شايفك اصلا، ده أنتي لو اخر واحدة على وجه الأرض برضو مش هرجعلك، بقى على آخر الزمن اخدك أنتي، ليه شيفاني بريالة يا بت.
لم تجيب عليه تنفيذًا لرغبة والدتها التي أشارت لها بعينيها كي تلزم الصمت، حيث قامت شريفة بالنهوض وسحبها من يدها أمامهم وتركته يلقي ما بجوفه متقنين دور البراءة والغضب بإمتياز خافيين نواياهم الخبيثة والماكرة، مغادرين المنزل باكمله، تاركين إياه في مواجهة عائلته.
فهي ليست تلك الضعيفة التي ستسمح له بالخروج من حياتها ويمر مرور الكرام دون الانتقام لكرامتها، واسترداده إليها.
هي ليست لعبة كي يلعب بها قليلًا وعندما يمل يلقيها ويخرجها من حياته.
بعد ذهابهم اغلق جابر الباب مرة اخرى عليهم، وعلى الفور خرج صوت وئام ضعيفًا لا تصدق أفعال ابنها:
-ليه؟؟؟ ليه تجرح في بنات الناس كدة، ليه تأذيهم كدة، هو أنا كنت بخلفك وبرييك وبكبرك عشان تأذي في بنات الناس، ليه تعلقها بيك وتوعدها بالجواز وتتعرف على أمها وتدخل بيت الناس وتعشمهم وبعد ما تزهق منها تسيبها وتعاملها اسوء معاملة، مش حرام عليك، ليه بسببك نسمع كلام زي ده، وتخلي الست تجيلنا لحد بيتنا تورينا أننا معرفناش نربي.
أجاب آسر والدته ينفي تلك الاتهامات عنه:
-لا مش حرام دول كدابين أنا لا دخلت بيتهم ولا وعدتها بحاجة ولا حتى جرحتها ولا اذيتها، انا وهي كنا بنتسلى، وميخلش عليكي الدمعتين اللي نزلتهم، هي لا حبتني ولا نيلة، هي بس عجبها اني معايا فلوس وعربية وجت لحد هنا مع أمها علشان فاكرة أني كدة هرجعلها، بني آدمة مريضة هي وأمها.
صفق له عابد بطريقة ساخرة أثارت حنق الآخر:
-الله يا بني، طلعت البنت وأمها هما اللي مرضى، وأنت بقى العاقل اللي مفيش منك اتنين مش كدة.
أجاب بفظاظة:
-لا عادي في مني اتنين وتلاتة وأربعة وخمسة كمان.
كاد يتابع ويكمل حديثه لولا قبضة عابد التي تشبثت به بعنفوان وعلى حين غره صارخًا عليه وهو يهزه بعنف :
-إيه يالا البجاحة وقلة الادب دي، جبتها منين، ولا أحنا علشان ساكتلك.
تدخل جابر من جديد يفصل بين الاثنان متمتم بضيق:
-سيبه يا عابد واهدا واقعدوا اتكلموا بهدوء وبعقل المواضيع دي مش بتتحل بالطريقة دي، ارجوكم.
دفعه عابد بعيدًا عنهم بعدما حرر ابنه من قبضته وهو يردد:
-متدخلش يا جابر بيني وبين ابني.
-يا سلام !!! هو أنت فاكره ابنك لوحدك، ما أنا عمه على فكرة ومن حقي اتكلم واتحدث.
باغته عابد بقسوة كلماته قائلًا:
-لا ملكش أنك تتكلم ولا تتدخل زي ما أنا مبدخلش بينك وبين عيالك، وأنت يا بيه يا تتعدل وتمشي مضبوط زي ما أحنا شايفين وتصلح العك والقرف اللي عملته مع البنت دي يا إما تمشي من البيت ده وملكش مكان وسطنا، وتنسى أن ليك اهل، وتنسى الفلوس والعربيات وكل الرفهيات دي و وريني ساعتها هتبقى شايف نفسك على ايه وهتضحك على البنات بـ إيه.
ضاقت عين آسر ثم سأل بترقب يشوبه صدمة:
-أنت بتطردني يا بابا ؟؟؟مش مصدقني ومصدق ناس غريبة كدابين ومرضى.
-آه بطردك لو مش هتتعدل وهتفضل ماشي عوق وترتبط رسمي بالبت، يبقى تطلع من هنا، اللي يعيش في البيت ده يبقى محترم، بيحترم نفسه وأهله مش يجبلهم قلة القيمة والكلام.
عــــابد!!!..
هتفت وئام باسم زوجها متفاجئة وغاضبة في ذات الوقت من فعلة زوجها وطردها لابنهم الوحيد.
رد عليها يدرك سبب منادتها:
-بلا عابد بلا زفت، ده اخر كلام عندي.
خرج صوت جابر يعنف أخيه:
-انت اتجننت، ده مش حل وأنت كدة مش بتحل المشكلة أنت بتعقدها وبكبرها زيادة، عُمرها ما كانت بالطرد.
بينما ابتسم له آسر ثم قال حاسمًا أمره مصدرًا قراره وهو يخرج مفاتيح سيارته ويضعها بيد عابد:
-اللي تشوفه يا بابا.
ثم فارق مكانه وصعد لغرفته والتقط حقيبة وبدأ يلملم بعض الملابس له والاغراض مخرجًا محفظته واخذ منها بعض النقود وبطاقته الشخصية تاركًا المحفظة وما تحويه من بطاقات بنكية، ثم اسرع بالمغادرة من المنزل بأكمله
حاولت وئام و جابر اللحاق به ومنعه لكن دون جدوى فلم ينصت لاي منهم وتركهم خلفه.
عقب مغادرته سيرًا على الأقدام وابتعاده كليًا عنهم وعن المنزل صك على اسنانه وبدأ بأطلاق السباب اللاذع من بين شفتيه والذي خص به يارا و أمها.
مر ثواني وهدأ روعه قليلًا، زفر عاليًا ثم بدأ يفكر بالمكان الذي سيقيم به حاليا.
جاء بذهنه منزل الحلواني ولكنه لن ينجو من تساؤلاتهم ولما ترك المنزل ولن يشعر بالراحة هناك.
قصى صديقه المقرب!! لكنه أيضا يعيش مع والديه.
نفخ عاليًا ثم جاء بذهنه يوسف الذي غادر المنزل قبله والذي أخبره احمد عن انتقاله لمنزل جديد وأكد يوسف له هذا أمس بحفل الزفاف.
انتشل هاتفه واتصل به وعلى الفور وما أن آتاه صوته قال:
-ابعتلي اللوكيشن بتاع شقتك يا يوسف.
~~~~♡♡♡♡~~~~
نهض “ياسين” من نومته متأخرًا فقد قرر مسبقًا أخذ هذا اليوم عطلة من العمل، وخرج من غرفته وهو يبحث عن ريهام مناديًا عليها.
-ريري، ريري.
آتاه صوتها القادم من المطبخ تجيب عليه:
-أنا هنا يا ياسين.
ولج المطبخ فوجدها تحضر الطعام، كانت توليه ظهرها، لم تعريه اهتمامًا فقال وهو يناظر الطعام:
-أنا جعان اوي معرفش إيه الجوع ده، كويس أنك بتحضري الأكل، بسرعة بقى يا ريري.
أجابته وهي على حالها ونبرة يتغللها برود بسيط:
-حاضر.
انتبه لتغيرها، فتلك ليست طبيعتها معه، قطب حاجبيه وسألها وهو يعقد ذراعيه أمام صدره:
-هو في إيه ؟؟
تركت ما تفعله والتفتت إليه، تطالعه بنظرات غريبة نوعًا ما وأعين لم تذق طعم النوم.
فحديث وسام لم يغب أو يفارق ذهنها طوال الليل وظلت تفكر وتفكر دون توقف حتى اجتاح الصداع رأسها.
تساؤلات كثيرة لم تجد لها أجوبه.
لماذا كذب عليها !!!!
لم تصدقه أو تصدق وسام.
شيء ما بداخلها يخبرها بكذبهم وأن هناك شيء يخفى عنها.
ربما يخونها مع أخرى.
-مش فاهمة !!
-هو إيه اللي مش فهماه، أنتي مش شايفة قالبة وشك إزاي على الصبح في وشي.
ارتفع حاجبيها وسألته:
-فين المقلوب ده، وبعدين هقلب وشي ليه هو أنت عملت حاجة، ثم أحنا مش الصبح حضرتك اللي صاحي متأخر.
انفعل وقال بعصبية يخفي ويستر بها خيانته لها:
-قولي لنفسك بقى، من امبارح من ساعة ما رجعنا من الفرح وأنتي قالبة وشك وقلباها نكد، ما قولتلك وسام بيهزر، هو كدة بيحب يهزر، بس إزاي كان لازم اقوله ميهزرش اصل المدام نكدية وبدور على الخناق والنكد بمنكاش وعايزة تعيش دور الضحية وتطلعني الوحش اللي بيخونها.
ابتسمت له بسمة بسيطة وهي تجيب عليه بقوة هزته من الداخل واثارت قلقه وعينيها لا تنزاح عنه ترى مدى تأثير كلماتها عليه:
-لا يا ياسين أنا لا عايزة اطلعك خاين ولا عايشة دور الضحية، وبعدين أنا لا ناقصة أيد ولا رجل علشان تخوني، ولا أنت ناقص عشان تبص برة، اللي بيخون ده يا ياسين لما بيخون وبيعمل ده مش بيبقى بسبب عيب أو نقص في شريكه لا ده بيبقى نقص جواه هو اللي بيبقى ناقص ومترباش وميعرفش الحرام من الحلال وأنا عارفة أنك مش كدة ومتربي احسن تربية، ومستحيل تخون ثقتي فيك ولا أنت شايف إيه.
ظلت تبصره، لم تبعد عينيها عنه، راقبت ورأت عينيه التي تهربت من مواجهتها وكأنه لا يريد الالتقاء بعينيها ويفر منها مضاعفًا من إحساسها وشكوكها حول خيانته لها.
ابتلع ريقه ثم قال بنبرة حاول بها عدم إظهار تأثره بحديثها:
-طب كويس أنك عارفة، بقولك إيه متعمليش حسابي مش هاكل أنا داخل البس ونازل.
للمرة الثانية يزيد من شكوكها حوله بردود فعله، فلو كان مخلصًا لا يحدث أخرى عليها لما أسرع من هروبه ويرغب في الخروج من المنزل يوم عطلته.
منذ لحظات فقط كان يخبرها بمدى جوعه والآن تناسى هذا الجوع وسارع بالفرار.
دخل الغرفة واوصد الباب خلفه وهو يمسح على وجهه ويصك على أسنانه غضبًا.
ولكن ليس من نفسه ومن خيانته بل منها.
حتى الآن لا يرى نفسه مخطئًا ولا ينتبه لما يقترفه بحقها، بل سعيدًا للغاية بخيانته وعلاقاته المتعددة مع النساء رغم زواجه حديثًا.
~~~~♡♡♡♡~~~~
وصل “آسر” الحارة متبعًا هو وسائق سيارة الأجرة الذي يجلس بجواره بالمقعد الأمامي الموقع الذي أرسله إليه يوسف، توقفت السيارة وعينيه تجوب بدهشة، متيقنًا بأن هناك خطأ ما، فمن المؤكد أن ابن عمه لا يقيم بتلك المنطقة.
التقط هاتفه وجاء برقمه وهبط من سيارة الأجرة بأناقته المبالغ بها ونظارته السوداء التي زادته وسامة وجذابية، ينتظر رده، وعلى الفور آتاه صوته، فصاح يسأله:
-يوسف اللوكيشن شكله خربان، أنت قاعد فين يا ابن عمي؟
خرج يوسف للشرفة أثناء حديثه معه يجيبه على سؤاله:
-لا مش خربان والله، مضبوط، أنت فين بس و….خلاص شوفتك أهو أنت تحت البيت بص فوق.
رفع آسر رأسه فرأى ابن عمه يقف بالشرفة، فقال مدهوشًا:
-ده مطلعش بيخرف ده أنت طلعت ساكن هنا بجد، لا ده أنا طلعلك بقى استناني.
مال بجسده قليلًا وهو يخرج بعض المال كي يحاسب الرجل ثم اخذ الحقيبة التي تحوي على اغراضه، وبتلك الأثناء التقطته عين كل من برق وجهاد.
تركت جهاد ما تفعله واتسعت عينيها إعجابًا وهي تردف بكلمات وصلت إلى مسامع برق:
-إيه الواد النضيف الحليوة ده، هي الرجالة الحلوة كترت كدة ليه.
وافقتها برق وقالت وهي تتابعه بعينيها:
-مش عارفة، كدة كتير بصراحة، بس لا ده حلاوته تجزع حلو اوفر.
تحركت جهاد من محلها وهي تدفع الزبائن بخفة مسرعة للخارج كي تتابع حركته وترى لمن آتى.
فوجدته يصعد بنايتهم، اتسعت عينيها وقالت :
-يا حلاوة يا ولاد ده طالع عمارتنا، طالع لمين ده، بت يا جهاد شكلك استعجلتي ولا إيه.
هنا وهزت رأسها وقالت تنفي تلك الأفكار:
-إيه اللي أنا بقوله ده، لا يا بت، صابر اللي آخر صبري قمر برضو لا وتقيل وأنا نقطعة ضعفي الراجل التقليل الرازين.
صعد آسر و وصل الدور القاطن به يوسف، وقبل أن يقرع الجرس كان يفتح له مشيرًا له للدخول بابتسامة واسعة:
-اتفضل يا آسر نورت.
ولج آسر وهو يترك الحقيبة على الأرض
و
يزيل نظارته يطالع حالة المنزل وتلك الشقوق الواضحة بالسقف والحائط.
والاسوء ذلك البغيض الاحمق الذي يتوسط الأريكة بوسط المنزل والذي يصدر عنه صوت في نومه من حلقه وأنفه.
-ده بيعمل إيه هنا ده كمان، أنت يا زفت، إيه اللي منيمك لدلوقتي.
دنا منه آسر اثناء تحدثه معه كي يقظه، ليقوم بلكزه في كتفه، بينما يوسف خلفه قائلًا:
-ده كدة من ساعة ما صحيت مش عايز يقوم من النوم، صحيته فوق الخمس مرات وكل مرة يقولي سبني انام يا يوسف الله يكرمك ويروح نايم تاني، لحد ما فقدت فيه الامل خلاص.
تقلب أحمد منزعجًا من لكزات وصوت آسر الجهوري قائلًا:
-سبوني أنام بقى، أنا مبعرفش انام غير على سريري.
اجابه أسر متهكمًا:
-ما هو المصيبة أن ده مش سريرك دي كنبة يوسف، قوم ياض أنت، قوم يـــاض.
نهض أحمد متأففًا بصوت عالي وقدميه تضرب بالهواء انزعاجًا وضيقًا من ايقاظهم له:
-زفت على دماغك، ماذا تريد مني في هذا الصباح فلتتركني انام يا رجل.
رد آسر ساخرًا منه وهو يجلس بجواره على الاريكة:
-وما الذي سأريده منك؟؟ هو أنت يجي من وراك خير.
-ولما أنا يا بني آدم ميجيش من ورايا غير الشر بتصحيني ليه متسبني انام مضايقك في إيه نومي، ثم أنت إيه اللي جابك هنا، هو أنا مش سايبلكم البيت والجمل بما حمل، هو انتوا ورايا ورايا.
-سايبلكم !!!! وانتوا !! و ورايا ورايا، هما مين دول، أنا بس اللي بكلمك.
-ما أنت بكتير أوي مش شايف عضلات دراعاتك، ده أنت ممكن تبلعنا أنا ويوسف ومحدش هياخد باله أنك بلعتنا.
ارتفع حاجبي آسر بطريقة محذرة مهددة، فابتلع أحمد ريقه وقال:
-جاي ليه؟ لماذا جئت؟؟ ما الذي جاء بك إلى هنا أخبرني.
تجاهله آسر والتفت نحو يوسف متمتم :
-ايه بقى اللي مقعدك هنا.
سأله يوسف وهو يتقدم أكثر منهم ويجلس على المقعد المواجهه لهم:
-وماله هنا بقى، المكان جميل وعجبني وحبيت اقعد فيه.
-يعني ملقتش حاجة اوحش من كدة شوية.
-وإيه اللي يعيب هنا، وبعدين قولتلك أنه عجبني.
هنا ولم يعد آسر ينصت لاي من كلماته فقد منحه تركيزه وانتبه لملابسه السيئة والتي تفتقد إلى الأناقة، كذلك السلاسل والاساور الفضية الذي يرتديها ويراها سيئة للغاية.
نهض من جلسته وقال متفاجئًا :
-إيه الهدوم دي وإيه المنظر ده؟؟؟ أنت فاكر نفسك بلطجي ولا إيه، أنت بتعمل زي العيال السرسجية؟
اتسعت عين أحمد فرحة وقال:
-الله أكبـــــــــر، شوفت يا يوسف تعبنا أنا و محمد مرحش هدر أهو قال بعضمة لسانه أن شكلك بلطجي وشبه العيال السرسجية.
كذلك شعر يوسف بالسعادة وصاح يستفسر من آسر:
-بجد يا آسر يعني أنا شكلي مدي على بلطجي أو سرسجي؟
-انتوا فرحانين !!! انتوا هبل بقى ولا إيه، هي إيه الحكاية بضبط ؟؟؟؟
ومن كثرة الحماس صاح أحمد معترفًا:
-الحكاية وما فيها أن ابن عمك واقع في حب واحدة مجنونة مواصفات فتي أحلامها بلطجة على سرسجة على فتوة فهو بقى بيحققلها أحلامها عشان يلفت نظرها ويوقعها في حبه زي ما وقعته.
~~~~♡♡♡♡~~~~
-نعم يا أخويا !!! هو أنا مش لسة مديالك خمسوميت جنية !!! اجبلك منين تاني قدهم هو أنا قاعدة على بنك، أنا اصلا استلفتهم عشان اعرف اديهوملك.
نطقت “ضياء” كلماتها بانفعال محافظة على نبرتها المنخفضة كي لا ينصت إليها أحد، فبعدما ارتاح قلبها قليلًا لحصولها على النقود ومنحه إياها، ها هو يعود مرة أخرى ليطلب منها ذات المبلغ من جديد مما جعلها تنفعل عليه.
آتاها صوته ساخطًا ساخرًا منها:
-مدخلنيش في تفاصيل مليش فيها، ولما اجي اقولك على فلوس متقعديش تلوكي كتير، وتتصرفيلي في الفلوس من سكات، وإلا يا حلوة أنتي عارفة أنا ممكن اعمل إيه، وفي لحظة اخلي ابوكي يدبحك وبصراحة الراجل هيبقى عداه العيب وازح وقتل بنته اللي كانت مصاحبة من وراه وصاحبها وراه هي إزاي مغفلاه.
أغمضت عينيه تشعر بالألم يجتاحها، مجيبة من بين اسنانها:
-طارق أنا لسة متصرفة في الفلوس وجبتهالك مقولتلكش لا.
-وهو أنتي عايزة تقولي لا؟؟؟ متقدريش تقوليها أصلا، وخلينا في المهم، الفلوس عايزها عندي بكرة.
-طب اديني يومين اشوف هعمل إيه وهجيبهم منين.
زفر ثم قال موافقًا:
-يا ستي ماشي هبقى رحيم معاكي، وهديكي يومين تجيبهوملي بس هنزودهم حتة، بدل الخمسومية هنخليهم ألف جنية.
برقت عينيها ثم قالت شاعرة بالعجز وقلة الحيلة:
-الف جنية إيه !! يعني أنا مش عارفة اجيب الخمسومية منين فتروح مزودهم، طارق متهزرش.
-أنتي عبيطة ولا ايه ههزر معاكي أنتي !!! اسمعي يا بنت شكري ده اللي عندي يا بكرة تجبيلي الخمسومية يا بعد بكرة تجبيلي الالف، ولو عدى بكرة وبعده وملقتش الفلوس عندي هاجي وهقابل ابوكي وهترحم عليكي.
~~~~♡♡♡♡~~~~
-حلوة بقى على كدة؟؟ تستاهل يعني كل اللي أنت عمله ده ولا.
ألقى آسر سؤاله على مسامع يوسف والذي سرعان ما نهش الغضب والغيرة قلبه في آن واحد متمتم بانفعال بسيط:
-وأنت مالك أنت حلوة ولا وحشة، ميخصكش.
ارتفع حاجبي آسر وصاح يدافع عن نفسه:
-أهدا بس يا وحش، أنت يوم ما تتعصب تتعصب عليا أنا.
هنا وصاح أحمد متمتم باعين متسعة يشعر بالخطر من وجود آسر فقد سرد على مسامعهم ما حدث اليوم معه وكيف طرده عابد:
-واد يا آسر أنت خطر وقعدتك خطر اكبر.
ثم دنا من يوسف يهمس له:
-بقولك إيه ده ميقعدش معانا ده بصباص نسوانجي وفوق ده وسيم للغاية، وماشاء الله قدامنا شقة تعم بالبنات والفتيات.
طالعه يوسف ثم همس له هو الآخر تحت أنظار آسر الفضولية لما يتهامسان به:
-يعني اعمل إيه ؟
-فلسعه، طيره، قوله مفيش مكان ينام فيه، بالك لو قعد هنا مش هنلاحق على مشاكله ومصايبه.
هب آسر يتساءل عما يدور بينهم:
-انتوا بتقولوا لبعض إيه ما تعلو صوتكم ده سمعوني.
أتاه الرد من أحمد الذي رفض فعل هذا:
-وأنت مالك دي أسرار بيني وبينه، بقولك إيه يا آسر أنت مينفعش تقيم هنا.
-وأنت مالك شيء ميخصكش، ثم أنا لسة مقررتش أنا كنت جاي ناوي بس لما شوفت بعيني الوضع اتغير.
-الحمدلله أنه اتغير، اهي أتت منك.
ضيق آسر عينيه واثاره الفضول حول سبب عدم رغبتهم باقامته هنا جلس من جديد وهو يستفسر بهدوء:
-انا مش مرتاحلكم هو في إيه هنا مش عايزني اشوفه ولا اعرفه.
ابتلع الاثنان ريقهم وتبادلوا النظرات، وأجاب أحمد سريعًا:
-هيكون في إيه يعني مفيش حاجة.
ضرب على الطاولة من أمامه متمتم بشك :
-كداب ياض وعندًا فيك أنا قاعد مش ماشي لما نشوف مخبين إيه تاني ونشوف الغندورة اللي عجبت يوسف.
لوى أحمد شفتيه يمينًا ويسارًا بينما صاح يوسف ينهره:
-يخربيتك جيت تكحلها عميتها وأنت متقولش عليها غندورة واتكلم عنها عدل أنت سامع.
اتسعت عين آسر وسأل من جديد لا يهتم بكلمات يوسف الأخيرة فالفضول يكاد يقتله:
-أيوة أنا عايز اعرف بقى إيه اللي أحمد جه كحلها راح عماها.
اجابه أحمد بضيق واضح:
-عينيك يا ابن عمي هو في حاجة بتتحكل غير العين، وبعدين حل عني بقى واتقي الله فيا، ارجوك.
~~~~♡♡♡♡~~~~
ضحكات عالية صدرت من “زهر” عندما تذكرت فعلة أخيها وقدومه بالأمس إلى هنا.
طالعها وسام الذي يجاورها في جلستها على الأريكة، مخمنًا سبب ضحكاتها التي تصدر دون سبب:
-اه الحالة اشتغلت بقى وافتكرتي اللي عمله اخوكي المتخلف امبارح.
اماءت برأسها تؤكد له صحة تخمينه، ثم توقفت عن الضحك وقالت ببسمة تصل لعينيها التي تلمع:
-بس متقولش متخلف، هو عبيط بس.
عادت تضحك مرة اخرى، فتنهد وقال:
-واضح أن العبط وراثة في عيلتكم، وبعدين هيجيبوا من برة، ده أكيد واخده عن جابر حبيبي الله يمسيه بالخير كان ونعمه الصديق، بس صديق السوء.
-الله ! متقولش على بابا كدة والله ازعل يا وسام.
ارتفع حاجبيه واقترب منها قائلًا:
-لا كله اللي زعل زهرتي.
لم تكن مجرد كلمات معسولة يلقيها على مسامعها، بل هي حقيقة، واقع يفعل به، لم يتعمد يوم حرجها أو احزانها، لا يتحمل رؤيتها تعيسة.
يعشقها بكل ما تعنية الكلمة من معنى.
فهي زهرته، زوجته، حبيبته، صغيرته، والتي ذاق وتحمل لأجلها الكثير.
انتظرها سنوات، لم يمل أو يكل، لم ينقص حبه لها يومًا بل كان يتفاقم يوم بعد يوم حتى وصل لأعلى مراحل العشق والهوى.
والآن باتت زوجته أمام الجميع، الكل يعلم أنها ملك له، لا يحق لآخر النظر إليها ولن يجروء أحد ولو فعل لاقتلع عينيه من محلهم.
صدح رنين هاتفه المتواجد بحجرة النوم عاليًا، فنظرت زهر إليه وقالت:
-تليفونك بيرن هقوم اجيبه.
كادت تنهض كي تأتي به لكنه منعها وقال:
-اللي يرن يرن سبيه مش هنرد على حد، واي كان مين اللي بيرن فهو قليل الذوق هو في حد يرن على عرسان تاني يوم كدة.
ابتسمت له وجلست مكانها وتوقف هاتفه عن الرن، ليأتي دور هاتفها تلك المرة ويصدرح رنينه عاليا، وعلى عكسه كان يتواجد بجوارها ملتصقًا بجانب قدميها.
التقطته ووجدت والدها المتصل فابتسمت بعفوية وأجابت عليه:
-بابا حبيبي.
-يا قلب ابوكي وكبدته عاملة إيه ؟
-الحمدلله أنا و وسام كويسين وبيسلم عليك.
استنكر جابر سلامه وقال متهكمًا:
-لا في الخير، اومال مردش عليا ليه، بقولك إيه اديهولي.
امتثلت لطلبه بالحديث معه، منتبه أخيرًا إلى نظرات وسام النارية والتي تطلق من عينيه كالسهام:
-أهــلا جابر.
-ياض متعصبنيش جابر حاف كدة!! وخد هنا تعالالي وقولي عملت للبت إيه؟؟؟
عقد حاجبيه بعدم فهم و حدقها بنظرة عدم إدراك أو فهم لحديثه يسأله:
-عملتلها إيه يعني، أنت هتجيبلي مصيبة، بقولك إيه يا جابر حل عننا.
-أحل عنكم ازاي يعني، ده البت مشاركة بوستات على الفيس بوك، اكيد زعلتها، عملتلها إيه انطق.
-مشاركة بوستات!!! لا اقفل أنت دلوقتي لما اشوف حوار البوستات ده.
اغلق الهاتف بوجه جابر الذي اغتاظ من فعلته، بينما أستفسر وسام منها:
-انتي مشيرة بوستات ؟؟؟ امتى الكلام ده حصل، ده أنا قاعد جمبك مبسبكيش، عملتيها ازاي يا بنت جابر، اش حال اتفقنا لا هنسمك موبايل ولا هنفتح نت ، وهنعتزل العالم.
ابتلعت ريقها وقالت موضحة:
-لا ما هو انا ممسكتوش غير لما انت دخلت المطبخ تسخن الاكل، انا بصراحة زهقت فروحت مشيرة بوستين تلاتة ظهرولي في وشي واول ما أنت جيت روحت انا سيباه وبكدة أنا مخلتش باتفاقنا.
-اتفاق ايه بقى ونيلة ايه، اش حال ما كنا متفقين، ليه حق ابوكي يتصل، يعني الاقيها من اخوكي ولا من ابوكي ولا من بوستاتك الناس تقول ايه طفشانة من جوزها ومسكة الموبايل تشير بوستات.
-أنت مكبر الموضوع كدة ليه بس ده مكنوش بوستين تلاته يا حبيبي، وياسيدي مدام الموضوع ضايقك اوي كدة ادي البوستات همسحها وهقفل الموبايل خالص وأنت كمان اقفله وهنعتزل العالم بحق وحقيقي.
~~~~♡♡♡♡~~~~
حل المساء وأسرع يوسف لدخول الشرفة والوقوف بها وانتظارها حتى تنهي عملها ومراقبتها وهي تلج البناية عوضًا عن مراقبتها من خلف الأبواب مثلما فعل المرة الماضية.
قاطع خلوته مع نفسه وتفكيره بها صوت آسر الذي جاء من خلفه مناديًا باسمه:
-يوسف، هات تليفونك اعمل مكالمة.
رضخ يوسف لطلبه وهتف دون أن يناظره:
-سايبه جوه في الاوضة مش فاكر فين بضبط، لو ملقتهوش رن عليه.
-ماشي، ايه الباسورد.
-لا مفيش هيفتح معاك.
فارق مكانه وشق طريقه نحو الغرفة، دخلها وبحث بعينيه عن الهاتف، فوجده أعلى الفراش.
دنا منه والتقطه، ثم عاد نحو الباب واغلق الباب عليه، لا يرغب بأي إزعاج.
جلس على طرف الفراش، وفتح هاتفه وجاء برقمها الذي حصل عليه مؤخرًا وقامت هي بحظره، ولكن لا يهتم بفعلتها طالما الرقم معه وسيسهل وصوله إليها.
أضاء هاتف يوسف وبدأ بأخذ الرقم ينوي الإتصال بها من هاتف ابن عمه.
وضع الهاتف على اذنيه وانتظر ردها.
فتحت “ضياء” عينيها منزعجة من رنين هاتفها، التقطته ورأت المتصل بأعين حمراء وجفون منتفخة من كثرة البكاء لما وصلت إليه.
وجدته رقم غير مدون، فأجابت عليه بصوت ناعس هادئ:
-الو، مين معايا.
-معجب بهتــان.
قطبت حاجبيها وسألته دهشة:
-نعــــــــم!!
-إيه بقولك معجب بهتان، معجب يعني معجب، بهتان بقى زي حزنان كدة أو علشان اكون دقيق اكتر بهتان جايه من حزنان مش الواحد لما بيبقى حزين وشه بيبهت وبيبقى بهتان.
-أنت متصل تهزر ولا إيه، هو أنا نقصاك، أنا فيا اللي مكفيني ارحموني بقى.
قالت كلماتها الاخيرة بنبرة على وشك الانفجار بكاءًا.
انتبه الى صوتها فلم يتردد بسؤالها الذي وصل اليها قبل أن تغلق وتنهي المكالمة:
-مالك يا ضياء ؟؟؟ مين اللي مزعلك قوليلي.
ادركت للتو أنه على سابق معرفة بها، لم يكن إتصال عشوائي، بل المتصل يعرف هويتها، بل ويبادر للاطمئنان عليها والسؤال عن حالها.
-أنت تعرفني منين، أنت مين، ومتصل بيا ليه، عايز ايه.
بدل الحديث ولم يعمق في استفسارته عن سبب حالها بل قال بأسلوب مرح كي يغير لها مزاجها:
-ما قولتلك معجب بهتان، الدنيا جاية عليه النهاردة جاية بزيادة حبتين، وبعدين أنتي إزاي مش عارفة صوتي لا والله ازعل، ده أنا حتى قمور وصوتي مميز اسبيشيال كدة.
ضاقت عينيها وركزت مع صوته وانتبهت أخيرًا، بالطبع هذا الصوت تعرفه حق المعرفة، لم تكن المرة الأولى التي تسمعه بها، بل هى تعرف صاحبه.
-آســـــر.
-طب أقسم بالله دي أحلى مرة سمعت فيها اسمي، لحد اللحظة دي مكنتش اعرف أنه حلو اوي كدة؟
تجاهلت تغزله بها، وقالت بزهق وضجر من ملاحقته لها:
-هو أنا مش بلكتك؟؟ أنت عايز مني إيه أنا زهقت بجد، أنا مش يارا على فكرة.
-يا شيخة مجبليش سيرتها مش طايقها، وبعدين فكرك لو أنتي هي كنت عبرتك، طب بجد ياريتها كانت أنتي، كنت عبرتها بجد و اتجوزتها علطول.
انكمش وجهها انزعاجًا أكثر وأكثر فـ اخر شيء تفكر به الآن أو تسعد به هو مغازلة رجل كاذبة الهدف منها توقيعها في شباكه، والاسوء كان يربطه علاقة مع صديقتها.
-دمك تقيل اوي، واخر مرة هقولهالك ابعد عني، أنا مفيش مني أمل ولا رجا وعُمري ما هبصلك فـ متتعبش نفسك وروح شوف غيري أنا لا طيقاك ولا طايقة الصنف كله روح حسبي الله ونعم الوكيل فيكم.
أنهت المكالمة وبالطبع لم تنسى وضع هذا الرقم على قائمة الحظر.
اخفض الهاتف وتطلع به وابتسامة واسعة تشق ثغره، فحديثه معها قد بات ممتعًا لأقصى درجة ويتلذذ به متمتم بمرح:
-يا بنت المجانين.
في ذات الوقت اقتحم أحمد الشرفة ليجاور يوسف في وقفته متكئًا بذراعيه على سور الشرفة، مركزًا بصره على المطعم:
-لسة مخلصوش.
-بعت لمحمد سألته وقالي على وشك اهو، عايز اشوفها، مش عارف إيه اللي حصلي ولا جرالي من ساعة ما شوفتها، كل اللي أعرفه اني مش عايز ابعد عيني عنها، وقلبي بيدق بغباء كل ما اشوفها، مستعد اعمل اي حاجة عشان بس تبصلي مش بس تحبني.
-لا اصدق ما تسمعه عيناى وتراه اذناي، لقد وقعت في الحب يا ابن عمي، وحدث ما حدث وانتهى امرك، عقبالي يارب لما ينتهي امري أنا كمان.
“يارب يا شيخ ونرتاح منك كلنا.”
كانت تلك كلمات آسر والذي اقتحم الشرفة هو الآخر معقبًا على حديث أحمد الاخير ودعوته.
اقترب من الاثنان واقفًا في الوسط معانقًا الإثنان بذراعيه القوية.
حاول أحمد إزاحة يد آسر عنه ولكنه فشل فقال أثناء محاولته من جديد:
-شيل دراعك ده ويلا ندخل جوه.
رفض آسر الاستجابة لـ أحمد سواء في نزع يديه عنه أو الدخول من الشرفة.
-وندخل جوه ليه لما الجو حلو هنا، بتبص على إيه يا يوسف.
طالع آسر المطعم الذي يصب يوسف تركيزه معه وعلى الفور سأله:
-نفسك تاكل كشري ولا إيه، انزلك اجيبلك؟
فزع أحمد وقال يرفض هذا بطريقة مثيرة للريبة:
-لا، تنزل فين، اوعك تقرب من المحل، ثم إنه يوسف لا يريد تناول الكشري.
ارتفع إحدى حاجبي آسر وقال:
-مقربش ليه يعني فرضًا نفسي هفتني على كشري زي دلوقتي كدة، مأكلش؟
ابتلع أحمد ريقه لا يجد جواب يمنحه له يقنعه به بعدم الاقتراب من المطعم
فمن المؤكد أنه لا يرغب اقترابه منه كي لا يرى الفتيات.
خرجت إسلام، جهاد، برق، ومحمد من المطعم كي يغلقه محمد ويعود لمنزله بعد يوم طويل شاق في العمل.
اعتدل يوسف بوقفته جاذبًا أنظار آسر إلى فعلته وإلى نظراته العاشقة الواضحة وضوح الشمس.
نظر آسر بالاتجاه الذي ينظر به، فوجد أمامه ثلاث فتيات وشاب معهم ولكنه يوليهم ظهره يغلق المطعم.
اتسعت بسمته وقال مازحًا:
-إيه الحريم الحلوة اللي تفتح النفس دي، يا ولاد الايه لا معاكم حق، انا طول عُمري بموت في العبايات.
لكزه أحمد مغمغم بانفعال لا يليق به:
-احترم نفسك ها احترم نفسك، وبعدين إيه حريم دي وايه بتموت في العبايات دي احترم نفسك خليك محترم كدة عشان الناس تحترمك، وبعدين بُصلي هنا متبصش هناك اقولك خش جوه.
اعتدل محمد وبات وجهه ظاهرًا لـ آسر الذي كان ينظر باتجاههم أثناء حديث أحمد، فاتسعت عين آسر وصاح بصوت عالي ينادي عليه:
“إيــــــه ده!! ده محمد، محما……أنت ياض بتعمل إيه هنا، تعالى اطلع.
««يتبع»»…………..
يارب الفصل يكون عجبكم وهستنى رأيكم في الكومنتات ومتنسوش الفوت واشوفكم على خير يوم التلات بفصل جديد♥
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية الحب كما ينبغي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.