رواية عازف بنيران قلبي الفصل السابع والثلاثون 37 – بقلم سيلا وليد

رواية عازف بنيران قلبي – الفصل السابع والثلاثون

البارت السابع والثلاثون

البارت السابع والثلاثون

افتقدك جدا ..

افتقد همساتك التي كانت تشعرني ..

بالامان والحنان ..

حتى ولو لم تكون بجانبي ..

افتقد صوتك الذي لم ولن يغادر .. مسامعي ..

افتقد ضحكاتك وعتابك وكبريائك ..

افتقدك كثير ..

لو كُنت قريب و وضعت يدك ..

على قلّبيِ لهدأت الحروب ..

‏لو كُنت قريب و عانقتني لـ تلاشت ..

الرغبة بالموت ..

‏لو كُنت قريب و مسحت دمعي ..

لأزهرت عيناي من جديد ..

‏لكنك تقف بعيدًأ ‏و أقدام المسافة ..

ثابتة لاتتحرك ..

و لسانُ قلّبي أخرسته غُصته ..

‏ليس لأنك أضعتني في الزحام ..

‏و ليس لأن قلّبي أحرقته الشمس ..

وهو ينتظر ..

بل لأنّي عجزت أنّ أكون ظلك ..

عجزتُ أنّ أكون بالقُرب منك ..

إنّ غيابك ينهش ما تبقى مني ..

أنا حقاً أفتقدُك جِداً و غيابك ..

هذا يجعلّ ساعاتي في أشدّ ثُقلها ..

و كأن حجرًا ثقيلًا وضع فوق قلّبي ..

❈-❈-❈

قبل أسبوع استيقظت وهي تستمع لصوت قرآن الفجر، استعاذت بالله الحي القيوم، حاولت الفكاك من حصاره، ولكنها كانت مكبلةً بساقيه..

أنزلت يديه بهدوء عن خصرها واتجهت بذراعها تبعد ساقيه، تنفست بهدوء بعدما نجحت، ابتسمت وهي تراه يغرق بنومٍ كأصحاب الكهف، زحفت من فوق مخدعهما، إلى أن وضعت ساقيها على الأرضية الباردة، جذبت قميصه الموضوع على طرف الفراش وارتدته سريعًا عندما شعرت بالغثيان، أمسكت معدتها عندما اشتدت آلامها حتى فقدت سيطرتها..

فارتجف جسدها تتحرك متعثرةً لتصل للمرحاض، فتح جفونه بتثاقل من شدة إرهاقه، اتجه يبحث عنها، استمع لتأوهاتها بالداخل، هبَّ من فوق الفراش، متجهًا بسرعةٍ إليها..

وجدها تجثو على الأرضية وتقوم بالتقيؤ بشكلٍ مؤلمٍ أكثر مما قبل..

جلس خلفها يضمها ويرجع خصلاتها يمسد عليها، دفعته بإرهاق وتحدثت بصوتٍ متقطع:

-ابعد عني، ضم رأسها لصدره وقام بغسل وجهها وفمها، ثم ضمها لأحضانه وطبع قبلةً على جبينها المتعرق..

-آسف حبيبي محستش بيكي نمت من تعبي..

رفعت كفها المرتعش على وجهه:

-أنا كويسة أخدت خلاص على كدا، بس المرادي كان مؤلم شوية..

حملها بين ساعديه واتجه للخارج..أوقفته قائلة:

-لا، عايزة أخد شاور علشان أصلي، الفجر أذن.

نفذ ماأمرت به، وتراجع للخلف يضعها على حافة البانيو، ويقوم بتجهيزيه بالمياه الدافئة، وبعض الروائح التي يعشقها عليها، رفع بصره إليها..كانت مغمضة العينين تضع يدها على معدتها التي تؤلمها.

اتجه يجلس على عقبيه أمامها، ويحتضن كفيها يطبع قبلةً عليهما:

-ليلى حبيبي حاسة بإيه؟..وضعت رأسها بصدره:

أنا كويسة عايزة أصلي بس..

رفع كفيه واحتضن وجهها:

-حبيبي إنتِ تعبانة، مش ضروري..خرجت من أحضانه:

-مستحيل أسيب صلاتي مهما كانت ظروفي، مسمحولي أصلي حتى لو أنا نايمة، يعني ربنا رخصلنا كل حاجة، وإحنا نستخسر فيه عشر دقايق..

صمتت هنيهة ثم اقتربت تضم وجهه وتعمقت بنظراته:

-نفسي تصلي أوي حبيبي، صدقني حياتك هتتحسن، وتحس بالراحة، غير الصلاة دي أهم ركن في الإسلام، هو أنا بردو اللي هقولك أمور دينك حبيبي..

تصنم بجلوسه وأحس برعشةٍ بكامل جسده، حتى اغرورقت عيناه، وآهة خفيضة خرجت من شفتيه قائلًا وهو يجذبها ويضع ذقنه على رأسها:

-أنا كنت بصلي والله لحدِّ ماخلصت ثانوية عامة وبقيت في الجامعة كمان، معرفش من وقت ماجه جدي وقعد معانا وكان كل كلامه تريقة عليا لما بيشوفني بصلي، كرَّهني في نفسي، لدرجة ماما كانت بتقولي متسمعش كلامه، هو بس زعلان عشان نفسه يصلي ومش عارف..

صمت يسحب نفسًا ويزفره واسترسل:

-بقى ياخدني معاه الشغل عشان أتعلم ماهو أنا الحفيد الكبير، وكان لازم أتعلم كل حاجة، في الوقت اللي يونس كان في أولى طب وكليته محتاجة مذاكرة وحضور كتير..

-هو يونس أدك في السن؟..تساءلت بها ليلى..

هز رأسه بالنفي واستند على الجدار قائلًا:

-أنا أكبر منه بسنتين، وأكبر من سليم بخمس سنين، وسيلين بعشرة..

وضعت رأسها على كتفه واستمعت بتركيز..ضيق عيناه ونظر إليها:

-إحنا هنقعد هنا عشان تسمعي ولا إيه؟..

قطبت مابين حاجبيها متسائلة:

-قصدك إيه؟!..نهض يحملها بين ذراعيه واتجه للبانيو:

-هكملك بعدين لازم دلوقتي تاخدي شاور دافي، وتخلعي أم قميصي اللي  شكلك بتتوحمي عليه دا..توقف وهو يحملها ينظر إليها رافعًا حاجبه متسائلًا:

-مقولتيش ياليلي، إنتِ بتتوحمي على إيه؟..كنت بسمع الستات بتتوحم على حاجات صعبة كدا.

أطلقت ضحكةً خافتةً ترفع حاجبها عليه:

همست بجوار أذنه:

-هتجبلي اللي بتوحم عليه؟.

ضيق عينيه متسائلًا:

-هو أنا هسترخص فيكي حاجة!..رفعت عينيها اللامعة بسعادة مأخوذة بعشقه اللامتناهي، ونبض قلبه الذي تشعر به تحت كفيها:

-عارفة إنك مش هتسترخص، بس يمكن، تابعت ماتقول:

-مم..كن تسبني، عايزة أخد شاور..جذب رأسها وطبع قبلةً أعلاها قائلًا:

-هسيبك ياعمري علشان مشغول أوي..قالها ونهض متحركًا ولكنه توقف عندما استمع لقولها:

-راكان تعال خد شاور علشان نصلي مع بعض، أنا شايفة إن دا أهم حاجة، أهم انشغال..

استدار بجسده كليًّا إليها، وارتجف جسده عندما أعادت حديثها:

-نفسي جوزي يصلي بيا جماعة، عشان لما ولادنا يجوا ويشوفونا بنصلي مع بعض، يتعلموا القيم والأخلاق ونكون قدوة ليهم، لم تشعر بنفسها وهي تخرج متجهة له، تسحبه من كفيه:

-النهاردة هنبدأ حياتنا الجديدة مع بعض في كل حاجة، اعتبر الليلة دي أول ليلة لينا مع بعض، عايزاها تكون نقطة لمسح الماضي ونبدأ من أول السطر..

لحظات وهو يتأمل عيناها الراجية، وعبراتها المحتجزة تحت أهدابها، فهمست من بين شفتيها:

-لو سمحت، ولادنا عايزة نربي قبل مانعلم، نربيهم على دينهم ومينفعش دا من غير لما تصلي..دنا يحتضن وجهها:

-ليلى إنتِ أجمل حاجة حصلتلي، ربنا يخليكي ليا طول العمر.

بعد قليل كانت تقف خلفه يؤم بها لأول مرة بصلاتهم، حتى انتهيا من صلاة الفجر، فجلس على سجادته بقلبٍ ينتفض حزنًا لما فعله من آثام، تذكر شريط شبابه من معاصيه، شعر بتثاقل جفونه بسبب عبراته التي تكورت به..

كانت تجلس خلفه مباشرة، تسبح ربها مع بعض أدعيتها، تركته يغسل همومه بسجدةٍ ضاعت في غيابت عصيانه، فلا توجد سعادة أيها الأنسان دون التقرب إلى الله الواحد القهار..شعرت باهتزاز جسده، فانحنى يسجد لله كي يزيل همه من آلام قلبه المثقلة التي أظلمت بذنوبه، ظل لبعض الدقائق وهو يدعو ربه، انسدلت عبراتها من جمال مارأته بزوجها الحنون..اعتدل جالسًا يستند على الجدار، يدعو ويستغفر ربه بقلبٍ منتفضًا حزينًا بما فعله..أطبق على جفنيه، فربتت على كفيه:

-مش هتقوم تروح شغلك؟.،نظر لوجهها الذي يشع نورًا، ماأجملك زوجتي بنور وجهك الذي ظهر به نور الإيمان..فرد جسده متوسدًا ساقيها ثم أطلق زفرةً حارةً وهو يهمس:

-لا مش هروح هعتذر، إحنا هنسافر بعد العصر لسة بدري، المهم عايز أنام دلوقتي، عايز أنام كتيير أوي ياليلى، ينفع؟..

مسدت على خصلاته قائلة:

-قوم نام على السرير الجو برد، علشان ضهرك مش يوجعك.

اعتدل يطالعها وكفيه يلامس وجهها:

-وإنتِ مش هتنامي، شكلك مرهق..ابتسمت له وطبعت قبلةً على كفه الذي يلامسها به قائلة:

-هقول الأذكار، وأقرأ وردي وبعدين هنام..

رجع منفردًا كما كان قائلًا:

-هنام هنا لحد ماتخلصي، معرفش أنام بعيد عن حبيبي، ظلت تمسد على خصلاته، فنزلت بجسدها تطبع قبلةً على جبينه:

-لو هتفضل صاحي، سبح ربنا على صوابعك ياحبيبي..

أغمض عينيه وفعل مثلما تفعل ممسكًا كفيها يسبح معها، حتى غفا بمكانه..

انتهت بعد قليل، أيقظته بهدوء، فنهض مرهقًا ثم اتجه يسحبها من كفيها:

-هنام مش عايزك تقومي من جنبي حتى لو البيت ولع سمعتي، ابتسمت وهي تقوم بخلع إسدالها، أتت لتجمع خصلاتها، ولكنه أمسك كفيها:

-سبيهم بحب أشوفهم وهما مفرودين على وشي وأنا نايم، حاوطت خصره بذراعيها، تتمسح به كالقطة:

-هيضايقك..أخرجها يرفع ذقنها بإبهامه:

-يضايقني، قالها وهو يرسم ملامحها المهلكة لقلبه..

-تعرفي أنا اتمنيت كدا أد إيه، اتمنيت لحدِّ مافقدت الأمل، تراجع بجسده يستند على ظهر تختهما واسترسل وعيناه تهيم عشقًا بعينيها:

-كنت بقول مش عايز غير دقايق بس ألمسك فيهم، أحط إيدي جوا شعرك، ألمس وشك، دنا يهمس أقولك بحبك، رفع كفيه يلامس وجهها بالكامل:

-وأشوف عيونك الحلوة دي وهي بتبتسم بسعادة وتردي عليا وتقولي أنا كمان بحبك، ومش عايزة من الدنيا غيرك، إنت حبيبي وكل حاجة..

وضعت رأسها بقربه:

-إنت حبيبي وروحي وعمري وكل حاجة، إنت راكاني ونبض قلبي.

أطبق عيناه، فاردًا جسده، لينعم بنومٍ هادئ..

❈-❈-❈

بمشفى الكومي بعد يومين، دلف يحيى الكومي لتلك المنكمشة بعد أخذها من راكان إجباريًا..

جلس على المقعد ينادي على أحد أمنه:

-فكوها وهاتولها أكل، فعل الرجل مثلما طُلب منه، بعد قليل كانت تجلس أمامه بجسدٍ ينتفض رعبًا وعيناه الحارقة تحرقها، أشار بيده وتحدث بصوته الفظ الغليظ:

-تعالي هنا يابت..اتجهت إليه بساقين كالهلام؛ حتى توقفت تحتضن جسدها من برودة الجو..

وضع ساقًا فوق الأخرى، يدخن سيجاره:

-كنتِ حاطة ايه في الحقنة ومين طلب منك تعملي كدا؟..نكرت حديثه وهي تهز رأسها:

-معملتش حاجة، نصب عوده مقتربًا منها يجذبها من خصلاتها، ثم لكمها بقوة بالجدار حتى أطلقت صرخة:

-هقول، هقول، اللي طلب قاسم الشربيني والحقنة كان فيه مركب يدمر أعصاب المخ بالكامل..لم يشعر بنفسه إلا وهو يلكمها بقوة حتى نزفت رأسها، ثم اتجه إلى رجله قائلًا:

-البت دي عايزك تقطع صوابع إيديها كلها علشان تفكر مليون مرة إزاي تئذي الناس، وبعد كدا ارميها في مزبلة، اتجه بنظره إليها قائلًا:

-إياكي أشوفك وأسمع إنك قولتي حاجة لحد..أسرعت تتشبث بركبته:

-والله ياباشا ماهعمل كدا تاني، متخلهمش يعملوا فيا حاجة، ركلها بقوة، ونزل بجسده يمسكها من خصلاتها:

-كنتي عايزة تموِّتي ابني ياكلبة، احمدي ربنا إني هسيبك عايشة، بس عايشة ميتة، علشان يبقى تلعبي مع يحيى الكومي حلو..

خرج متجهًا لمكتبه متصلًا بمدير أعماله:

-عايزك في مكتبي بعد خمس دقايق، جلس وهو يتحدث بهاتفه بعصبية؛

-قدامك يوم ومسمعش عن واحد اسمه قاسم الشربيني، عايزك تمسحه من السوق، عشان الحقير بعد كدا يفكر إزاي يقرب ويئذي ابني، كل مايملك يكون في الأرض، وعايزك تبعتله ناس يربوا ابنه، بس مش ابنه الصايع دا، لا دا الولد اللي عند أمه بتاع الطب، مشفش فيه حتى سليمة، بس إياك تموته، مش علشان الحقير لا علشان الولد يستاهل إنه يعيش لأمه، بس لازم أبكِّي الشربيني عليه لأنه بيموت في ابنه دا.

بمزرعة نوح..

حاول أن يعتدل ولكنه لم يستطع.. ضغط بكفه على الفراش بقوة يطبق على جفنيه وأنفاسه تحرق مايقترب منه، طاح بيديه على الكومود حتى أسقط ماعليها صارخًا:

-مش معقول، فيه حاجة غلط..هرولت أسما التي كانت تعد له طعامه، اتجهت تقف أمامه وتحاول تهدئ من روعه،  ممسكةً كفه الذي بدأ ينزف:

-نوح حبيبي إيه اللي حصل!..إيدك بتنزف كدا ليه؟!..

نظر إليها بغضب:

-رجلي فيها إيه؟! أنا نصي اللي تحت دا مش قادر أحركه خالص ليه؟..

ومتقوليش أعصاب، بلاش تستغبيني عشان مزعلكيش..

كانت تمارس أقصى درجات ضبط النفس حتى لا تبكي أمامه وتضعف، فاقتربت منه وقامت بإعدال وسادته قائلةً بنبرةٍ هادئة متزنة:

-إحنا منعرفش إيه اللي في رجلك، وحضرتك دكتور وعارف إن الحاجات دي بتظهر في الإشاعات وبما إن الدكتور يحيى رافض يعمل أي إشاعات هنا، فأنا معرفش غير إن حبيبي ربنا بيختبر قوة صبره وإيمانه..

رفعت أهدابها المنطفئتين وارتعش قلبها تطالعه:

-أنا كل اللي فكرت فيه إنك تكون قدامي، أسمع صوتك وأشوفك بخير، ميهمنيش رجلك ولا حتى دراعك، جلست بمقابلته تحتضن كفيه بين راحتيها، وانهارت قواها الواهنة واسترسلت:

-أهم حاجة تكون قدامي وبس، دي أكبر أمنية اتمنتها لما شوفت حالتك، سحبت كفيه تضعها على أحشائها وأكملت بصوتٍ متحشرج بالبكاء:

-مش عايزة غير إننا نربي ولادنا مع بعض، حتى لو هتفضل على الكرسي، ميهمنيش اللي يهمني إنك موجود وعايش، دا في حد ذاته أكبر نعمة ليا..

أصعب شعور قد يمر على الإنسان هو شعوره بالعجز أمام من يحبه، نهضت للتحرك، جذبها إليه يحاطها بين ذراعيه طابعًا قبلةً على رأسها:

-آسف حبيبتي اتعصبت عليكي، خايف من اللي بفكر فيه ياأسما، خايف مقدرش أقف تاني وقتها أتمنى الموت ولا أكون عاجز..

رفعت رأسها تنظر لمقلتيه والدموع تترقرق في عينيها وأردفت:

-صدقني يانوح أهم حاجة إنك تكون قدام عيوني وبتكلمني كدا، ميهمنيش الباقي، أنا واثقة في ربنا مستحيل يوجع قلبي عليك، وعارفة إنك هتقوم تمشي تاني، بس عايز صبر وقوة تحمل..

لمست وجهه تنظر لعينيه:

-أهم حاجة إنك عايش وبس، وبعد كدا كله سهل، إنتَ مشفتش نفسك كنت عامل إزاي، أنا كنت فاقدة الأمل إنك تفتح عيونك تاني..سحبت كفها على رأسه المضمدة بالشاش:

-بص لنفسك واحمد ربنا إنك معافى، يمكن دا اختبار لربنا عشان نفوق من غفلتنا..

آهة من جوفه كأنفاسه الحارقة:

-آه ياأسما مش هتحمل حبيبتي العجز صدقيني مش هتحمل، ضغطت على خصره وأجهشت بالبكاء:

-إن شاءالله هتقوم تاني، نوح أنا كنت هموت عليك، كنت مستعدة أضحي بحياتي كلها، وأشوفك بتناديني باسمي بس، دا كان أقصى أماني، تقولي رجلك، مستعدة أفضل طول حياتي تحت رجلك وإنتَ كدا ولا أتحرم منك يوم واحد حبيبي، أنا ماليش غيرك يانوح، إنت كل حياتي، تخيل لو حصلك حاجة هيكون لازمته إيه إني أعيش..

ابتلع جمرات حزنه، معنفًا نفسه على ما قاله لها، وأخرجها يحتضن وجهها، يوزع نظراته على ملامحها بهتت، فدنا منها بنظرةٍ يبث فيها أسفه واعتذاره..

بقصر البنداري..

دلف أسعد لوالده ينظر للممرضة التي تنشغل بهاتفها متسائلًا:

-بابا عامل إيه النهاردة مفيش تحسن خالص؟..

اتجهت إليه مرتبكة:

-لا يافندم زي ماهو..تحرك حتى وصل لفراشه يجلس أمامه، سحب نفسًا وزفره بحزن من حالته:

-عامل إيه ياحبيبي، ليه الاستسلام دا يابابا؟..عندي ليك مفاجأة حلوة، استناني دقيقة وراجعلك..

تحرك حتى وصل إلى جناح سيلين الذي نقله راكان بالخلف بعيدًا عن توفيق، وطلب منها ألا تقترب منه مهما حدث.

كانت تتسطح بظهرها على الفراش تنزل ساقيها للأسفل تنظر بسقف الغرفة وهي تتذكر سقوط ليلى بسبب كلماتها الجارحة، ورفض راكان لها..

تذكرت بعدما تركت المزرعة واستقلت سيارتها، كانت تقود السيارة بسرعة جنونية تبكي:

-أنا السبب، بقيت وحشة ليه كدا؟..

ضربت على المقود بقوة حتى آلمها كفها:

-ليه ياسيلين تعملي كدا، ليه توجعيها كدا، وإنتِ عارفة أد إيه هي عانت مع أخوكي، صمتت للحظات متذكرة حديثها المؤذي لراكان الذي أيقنت أنه سيحاسبها عليه أشد الحساب، هي تعلمه جيدًا، لم يتهاون بما جرحته به، رأت ذلك بنظراته الحزينة، عندما صفعته بقوة بكلماتها أنها لا تنتمي له، أطبقت على جفنيها، وارتفع بكاؤها:

-آسف ياراكان مكنش قصدي، والله ماكان قصدي، أمسكت هاتفها سريعًا بيدٍ مرتعشة وقامت الاتصال به سريعًا:

كان يقف بالمطبخ يقوم بتحضير وجبة لزوجته استمع لرنين هاتفه، نظر به، أمسكه سريعًا وأجابها ظنًّا منه قد يكون أصابها مكروه..

-سيلي حبيبتي إيه اللي حصل؟! قالها بقلبٍ منتفض بقلب أب وليس أخ، انتابه الرعب بأن يكون أصابها شيئًا..

ارتفعت شهقاتها عندما استمعت للهفته وخوفه عليها، وضع مابيده وارتفعت دقاته بعنف متسائلًا بهدوء حذر:

-سيلين حبيبتي اهدي واحكيلي إيه اللي حصل، مسحت دموعها وهمست:

-أنا آسفة متزعلش مني، لو سمحت متزعلش مني أنا بحبك أوي، إنت أغلى واحد عندي في الدنيا دي..

تنهد بارتياح عندما علم ماأصابها، فتحدث بهدوء:

-روحي ياسيلين، وبكرة نتكلم، دلوقتي مش فاضي، أتى ليغلق هاتفه استمع لهمسها:

-أبيه راكان وحياتي ما تزعل مني، وحياة ليلى عندك، أنا عارفة أد إيه إنك بتحبها، حتى بتحبها أكتر مني مش كدا ياأبيه؟..

توسعت عيناه ذهولًا مما قالته..

اقفلي ياسيلين عشان مزعلكيش، وافتكري لو ليلى روحي فإنتِ قلبي، قالها وأغلق هاتفه متجهًا للأعلى، أما هي نظرت حولها بحزن مما استمعت له:

-أهيَ تعنيله الكثير، فلماذا فعلت به ذلك؟..

وجدت سيارة يونس تعرقل طريقها، ترجل منها سريعًا متجهًا إليها يجذبها من السيارة بقوة:

-إنتِ عايزة توصلي لإيه، إيه..صرخ بها قائلًا:

-تهورك وغضبك كان ممكن تخلي مرات أخوكي تخسر ابنها، هتفضلي عيلة لحدِّ إمتى..

لكزها بصدرها وثارت جيوش غضبه وهو يضرب على صدره بقوة:

-غضبانة مني يبقى الكلام ليا، ادبحي فيا زي ماإنتِ عايزة، هدأ قليلًا ينظر لعينيها المنتفخة بالبكاء:

-إنما تجرحي ودوسي على ناس بريئة، فدا لا ومليون لا ياسيلي هانم..جذبها لسيارته بعدما أغلق سيارتها متصلًا بأحد أمن القصر، ثم توجه يستقل السيارة بجوارها قائلًا:

-لازم نتكلم وبعد كدا اعملي اللي إنتِ عايزاه، كانت تجلس بجواره كإنسان آلي فاقدة شغف الحياة، رجعت بجسدها للمقعد مستسلمة له، فقد أنهك عقلها وقلبها بما يكفي..

وصل بعد قليل لشقته، ترجل متجهًا إليها يجذبها بعنف صاعدًا للأعلى، وصل لباب شقته ودفعها بقوة للداخل يركل بابه بقدمه..

دفعها حتى سقطت على الأريكة يدور حول نفسه ويرجع خصلاته بعنف، كاد أن يقتلعها من جذورها صارخًا:

-دلوقتي راكان مش أخوكي، دلوقتي بقى حقير وقذر، ليه كان عملك إيه؟..هو فيه واحد يتحمل اللي هو اتحمله معاكي ومن غيرك، بقى رايحة تعصِّي ليلى عليه، وتقولي الكلام اللي محدش يتحمله..

اقترب يحاوطها بذراعيه قائلًا:

-أه اتجوزت عليكي، افهمي اتجوزت عليكي يعني إيه الكلمة دي، يعني من عشر سنين وأكتر لما الطفلة كبرت نسبتها لنفسي، وقولت هي وبس، هي وبعدها العالم يحترق، عارف غلط لما سمعت لجدي وروحت خطبت سارة، بس دا مش عشان محبتكيش لا دا عشان فكرتك ضحكتي عليا مش نسب أبدًا، دا وجع هنا..

أشار على قلبه، وهتف بصوتٍ متقطع من كثرة آلامه:

-تصدقي بالله دا غبي إنه فكر في واحدة زيك، بس أعمل إيه قوليلي معرفتش أحب غيرك ياغبية، ارجعي بالذاكرة كدا لخمس سنين ورا وافتكري إني روحتلك وقولتلك عايز أتجوز، وقتها قولتي إيه؟..

مسحت دموعها وهزت رأسها:

-متقنعنيش بكلام فاضي يايونس، علشان اللي يحب ميخونش..جلس على عقبيه أمامها واضعًا جبينه فوق خاصتها:

-سيلين أنا مخنتكيش، أنا حاولت أنساكي، ومقدرتش، أنا مظلمتش حد ولا طلبت إنها تنزل الحمل لأن الحمل جه غلطة، ومكنتش حاسس بنفسي كنت شارب كتير، مقربتش منها وأنا في وعيي، وبعدها حصل حمل ومعرفتش إلا لما افترقنا بكام شهر، متوقعتش وقتها إنها تكون حامل، مجتليش إلا وهي بتنزف ووقتها كان لازم الجنين ينزل عشان مشوه، قولتلها دا هيموت لما يتولد لأنه جسمه كان ناقص، خلتها تنزله عشان عارف النتيجة بعدها، والإشاعات تأكد كلامي، فهماني؟..

رفعت نظرها وانسدلت دموعها قائلةً بشفتينٍ مرتجفتين:

-كنت بتعاقبني يايونس، روحت اتجوزت عشان تعاقبني..عصرها بين أحضانه يطبق على جفنيه بألم روحه قائلًا:

-كنت بعاقب نفسي صدقيني، كنت عايز أدوس على قلبي اللي مش قادر يدق غير لطفلة..أعمل إيه، وقتها وأنا شايفك إن يونس مش على بالك..

لكمته بصدره تدفعه وهي تزيل دموعها بقسوة:

-وإنت كنت جيت وقولتلي تعالي عشان نتجوز، كنت قولتلي بتحبني، كل اللي قولته إنك عايز تكوِّن أسرة وسبتني ومشيت..

ضم وجهها يضغط عليه بعنف،  وتحدث بنبرةٍ فظة وعيناه تشتعل بنيرانٍ تحرق جفنيه:

-ليه مكنتيش حاسة ولَّا بتستعبطي، كنتي شايفني بعمل مع حد تاني كدا غيرك؟..

أه قولتلك ارجعي، كان يوم عيد ميلادك العشرين، افتكري قولتلك إيه وقتها..

انسدلت دموعها بغزارة تهز رأسها رافضةً حديثه:

-قولت إيه وقتها، أنا عمري مانسيت كلمة قولتهالي، كل كلمة قولتها حفظاها بقلبي قبل عقلي، لأنك كنت أهم شخص في حياتي، لو بس كنت صارحتني مكناش وصلنا لكدا..

ذُهل من حديثها وتراجع للخلف يدور حول نفسه كالمجنون صارخًا بها:

-عايزة إيه اكتر من إني أقولك مش بحس بالحياة إلا وإنتِ جنبي وجوا حضني، افتكري ياهانم وقتها أنا بوستك، هو فيه واحد هيبوس واحدة إلا لما يكون بيحبها؟!..

نهضت واتجهت حتى توقفت أمامه:

-ووقتها اعتذرتلي وقولتلي آسف وسبتني ومشيت، كنت متخيل أقولك إيه وقتها؟..

لا يايونس متمشيش أنا بحبك، قول كنت عايزني أمسك فيك، ماتبررش يايونس خيانتك..

أومأ برأسه واتجه للأريكة يجلس عليها، يمسح على وجهه ثم رفع نظره إليها:

-عايزة إيه ياسيلين، عايزاني أبعد عنك حقيقي؟..قالها وصمت لبعض اللحظات ينتظر ردها بلهفة..

اتجهت تجلس بجواره:

-إنتَ فعلا ردتني، طب ازاي؟….مسح على وجهه قائلًا:

-إنتِ عاملة توكيل ليا ياسيلين بعد ماراكان وافق على جوازنا، إيه نسيتي؟..طالعته بصمتٍ منتظرة حديثه:

-بتبصي ليه، أيوة اتجوزتك بيه، وراكان وليِّك زي المرة اللي فاتت، مقدرتش أبعد عنك، مقدرتش تكوني ملك لغيري، بس لو عايزة أطلقك معنديش مانع..بس المرادي وعد مش هضايق ولا أقرب منك، وهتنازل عن التوكيل..

نهضت تعقد ذراعيها وتنظر من الشرفة:

-سبني وقت ماأقدر أستعيد قلبي اللي إنتَ حطمته، بس عايزة أكدلك حاجة يابن عمي، لو إنتَ بتتوجع سنتي أنا بتوجع مليون سنتي يعني متجبش اللوم عليا..

اتجه إليها يحتضنها من الخلف واضعًا ذقنه فوق كتفها يهمس لها:

-غلطانة ياروحي، أنا جوايا نار تحرق الدنيا كلها، بس هتحمل عشانك ياسيلين، مع إنك غلطي وودوستي بافترا بس مش مهم..المهم تكوني في حضني في الأخر، قالها وهو يطبع قبلة مطولة على وجنتها..

أغمضت عينيها عندما فقدت سيطرتها على رعشة قلبها من قربه المهلك، فهمست بتقطع:

-يونس ابعد لو سمحت متضغطش عليا، أدار جسدها إليه قائلًا:

-سيلين أنا بحبك، بلاش نتعذب وإحنا بنحب بعض، لو عندي شك إنك مش بتحبيني كنت سبتك، ماهو مش معقول أقبل على نفسي أتجوز واحدة مبتحبنيش..

هزت رأسها متراجعة:

-سبني شوية وبعد كدا أقولك هنعمل إيه..سحبها من كفها خارجًا من باب منزله..

-تعالي نروح عشان مغلطش معاكي وترجعي تلوميني..

باك..

خرجت من شرودها على طرقاتٍ على باب غرفتها، دلف والدها بعد السماح له..نهضت عندما وجدته وأسرعت تلقي نفسها بأحضانه تبكي بصوتٍ مرتفع:

-بابا أنا زعلت راكان مني وقولتله كلام قاسي أوي..ضمها لأحضانه يربت على ظهرها:

-اهدي واحكيلي إيه اللي حصل؟..خرجت من أحضانه وقصَّت له ماصار..

جلس وأجلسها بجواره يضمها من أكتافها:

-راكان مش هيزعل منك، دا بيحبك أكتر من روحه، وبعد كدا حاولي متغضبيش وترفعي صوتك تاني..

نهض يسحبها خلفه:

-تعالي معايا ومش عايز اعتراض زي المرة اللي فاتت، لازم تشوفي جدك، انسي ال عمله وافتكري حاجة واحدة،  إنه جدك..

❈-❈-❈

بإحدى المقاهي على نهر النيل يجلس أمجد بجوار نورسين وضحكاته بالارتفاع:

-نفسي أشوف قهرته لما يعرف إني خرجت من غير حتى عنوان..سحبت نفسًا من سيجارها ورفعت حاجبها بغيظ:

-أمجد إنت وعدتني مش هتقرب منه، متعرفش أنا عملت إيه علشان أخفي كل الأدلة وأخليهم يقبلوا النقض، وأبعد راكان عنك الأيام اللي فاتت..

جذب سيجارها، ينفثه بوجهها قائلًا:

-اشبعي بيه المهم عندي ليلى يانورسين، أما راكان مايلزمنيش، وخليه يبعد عني، وطبعًا إنتِ عارفة هتعملي إيه..

أمسكت قهوتها وارتشفت بعضها تنظر لمقلتيه:

-راكان جالي إمبارح بالليل، وقالِّي هيسافر النهاردة اسكندرية وهياخدها معاه، ويوهمها بالحب مع سهرة حلوة علشان تتنازل عن ابن أخوه، هو كل اللي يهمه ابن أخوه، وخصوصًا بعد ماابن عمها طلبها للجواز..

ضيق عيناه متسائلًا:

-أومال ليه قولتي إنه بيحبها، وعامل حراسة مشددة عليها؟..تراجعت للخلف وأمسكت خصلاتها:

-أنا فكرت في كدا، لحد مابعت اللي يراقبه، وكمان راقبت تليفونه، سمعت بيقول لحمزة إنه خلاص قرب ياخد أمير عشان يفوق لشغله وكمان يعرف يسافر مع نوح..

مطت شفتيها وأمسكت فنجانها وهي تبتسم بانتشاء قائلة:

-قاله اعملِّي ورق فيه تنازل عن وصية أمير ليا، من غير ماليلى تدخَّل، وكمان تنازل عن كل أسهم الشركة اللي تخص سليم، أما حقها الشرعي مش عايزه فاهمني..

رفع جانب وجهه بشبه ابتسامة قائلًا بتهكم:

-بيلعب ابن البنداري بيها، وهو وكيل نيابة وتليفونه متراقب، بس فرحان فيه وفي ليلى..خليها تستاهل عشان تحميه حلو..وضعت كفها على كفه:

-سيبك من ليلى، إيه مش هنسهر الليلة قبل ماأسافر له بكرة اسكندرية؟..

دنا يجذبها إليه ثم ارتفعت ضحكاته بالأرجاء، قائلًا بغمزةٍ بطرف عينه:

-لا دا اللعب هيكون للركب ياحبي، صعبان عليا أوي ابن البنداري لما ياخد حاجات متجربة..

لكمته بصدره:

-أمجد متخلنيش أزعل منك واقلب عليك، وإنت عارف قلبتي إزاي، كله إلا راكان..

أمسك خصلاتها يجذبها إليه ينظر لمقلتيها:

-هو إنتِ بتحبيه بجد يانور؟..نظرت للبعيد وأجابته:

-هتصدق ولا تتريق؟.سحب كفها يقبله قائلًا بغمزة:

-هعمل مصدق، بس قولي إيه اللي عاجبك فيه؟.

تراجعت بجسدها وهي ترمقه بنظراتٍ هادئة عكس شخصيتها ثم أردفت:

-بحبه ومش بحبه..رفع حاجبه متسائلًا بسخرية:

-ودا إزاي؟..توقفت متجهة للنيل تتشبث بالجدار الحديدي قائلة:

-بحب شخصيته وهيبته، بس مبحبش أوامره وغروره، يعني ساعات بيحسسني إني رخيصة أوي، وساعات بيحسسني إني أهم شخص، معرفش ليه؟..

نهض ووقف بجوارها:

-ليلى بتحبه؟! اتجهت ترمقه بتهكم:

-جدًا..وقبل ماتقول حاجة، مهما هي تخبي قدام الكل بس عينيها فضحاها، شوفت لهفتها عليه ونظراتها له، دي نظرات واحدة مجنونة بحبه وطبعًا أنا عارفة إنها عجبته في الأول..بس كان عايز ليلة زي مابيعمل وهي رفضت، برفضها له أهانته، عشان كدا اتجوزها وقرب منها غصب عنها وكانت النتيجة الحمل اللي لحقنا واتخلصنا منه زي ماإنت عارف..

وضع ذراعه على السياج الحديدي، ونظرات نارية تخرج من عينيه:

-هدفَّعه تمنها غالي الحقير دا، إزاي يقرب منها غصب عنها..تنهدت بغضب تشير بسبباتها:

-متقربش منه غير لما أقولك ياأمجد، وياله زهقت ولازم أنام بدري متنساش لازم أروحله فايقة..

تحرك وهو يقهقه قائلًا:

-فرحان فيه أوي ياحبي.

❈-❈-❈

عند راكان وليلى..

وصلا لعروس البحر المتوسط مساء اليوم التالي، ترجلت من السيارة، سحبها من كفها متجهًا للداخل:

-الجو هنا برد عن القاهرة..نظرت حولها وابتسامة سعيدة تنير وجهها قائلة:

-بس بعشقها ياراكان، بعشق اسكندرية أوي، بابا كان دايمًا يجيبنا هنا في الصيف..دلفت للداخل، توجه للحارس متسائلًا:

-كل حاجة تمام يامحروس؟..

اتجه الرجل بجواره زوجته قائلًا:

-أيوة ياباشا كله تمام، أشار لزوجته:

-سعدية مراتي عملت الأكل اللي حضرتك طلبته، أومأ برأسه متحركًا للداخل:

وجدها تتحرك ببهو الشقة تنظر بأركانها وصل يحتضنها من الخلف:

-عجبتك الشقة ولا لأ..محبتش الشاليه في الجو البرد دا.

حاوطته بذراعيه:

-مش فارق أي حاجة، أهم حاجة حضنك الدافي دا..وضعت كفيه على بطنها تضحك:

-شوفت ابنك بيتحرك إزاي..تحرك بها إلى أن وصل على الأريكة وأجلسها بأحضانه يستنشق عبيرها مغمض العينين..

-ليلى بحبك..وضعت رأسها بأحضانه وتمددت على الأريكة ومازالت بأحضانه:

-وليلى بتعشق راكانها..تسطح بجوارها متنعمًا برائحتها وأحضانها التي تنسيه همومه وأحزانه، لم يشعر بالوقت وهما مستغرقين بأحضان بعضهما سوى على رنين هاتفه، الذي جذبه ينظر للمتصل.. وضع رأسها بهدوء على الوسادة ونهض حتى لا يوقظها متجهًا للخارج..

-أيوة ..على الجانب الآخر..

-القضية بكرة الساعة اتناشر في محكمة( ) وبعدها فيه غدا مع بيجاد المنشاوي..

-تمام..قالها ثم أغلق هاتفه ينظر لتلك الأمواج التي ترتطم بالشاطئ، تثور وتهدأ في بعض الأحيان ولكن ثورانها أكثر من هدوئها، اقترب يستند وأشعل تبغه وظل يراقب أمواج البحر وكأنه يخبرها عما يكنه من آلام قلبه، فشبَّه حالته بها..شعر بمن تحاوطه من الخلف تضع رأسها على ظهره قائلة:

-حبيبي واقف بيفكر في إيه؟..استدار إليها يجذبها ويضمها من أكتافها يشير لموج البحر:

-بشوف البحر، فجأة تلاقيه هادي، وفجأة بيثور لدرجة بيخدع الناس ويغرقهم..

استندت برأسها على كتفه وأجابته:

-أنا بعشق البحر أوي، وبحبه أكتر في الشتا، مع إني مجتش كتير في الشتا، بس بحب صحبته..

استدار ينظر لليلها الحالك مردفًا:

-بتحبي البحر أكتر مني ولا إيه؟..ابتسمت تبتعد بنظراتها عنه تنظر للبحر والابتسامة على وجهها:

-ليا ذكريات حلوة فيه..ضيق عيناه وحاوط خصرها بيديه:

-لا كدا بتهزري على فكرة ذكريات إيه دي إن شاءالله، رفعت عينيها وحاورته:

-كل واحد مننا عنده ذكريات سواء حلوة أو وحشة بس جوانا ذكريات، أنا ذكرياتي كتير مع البحر..

جلس على المقعد وجذبها بقوة حتى سقطت على ساقيه، وانطلقت من فمها شهقة:

-حاسب يامجنون، حاوطها يضع رأسه على كتفها وينظر للبحر:

-ليلى ذكرياتك دي تتمسح كلها، من غير ماأعرفها، ذكرياتك معايا بس، مش مسمحولك حتى تفكري في حاجة بعيدة عن حياتي، مستعد أكون كتاب مفتوح قدامك، بس ولا لحظة أشوف عقلك وقلبك منشغل بغيري..

استدارت حتى تقابلت نظراتهما قائلة بخفوتٍ مغري:

-دا على كدا عايز ليلى تكون ملكك بكل كيانها ومش بس كدا دا اسمه حب امتلاك..جذب رأسها واضعًا جبينه فوق خاصتها:

-عايز حتى أنفاس ليلى ملكي وبس، مش عايز تفكر مجرد تفكير بحاجة تشغلها عني..

لامست كلماته حواف قلبها الذي ارتعش من كلماته، رفعت كفيها تحتضن وجهه:

-يعني هتخليني أمتلك راكان حتى أنفاسه..تنهيدة بآهة عالية خرجت من شفتيه ينظر بشمسه إلى عينيها التي سحرته وجعلته قديسًا لها..

-غلطانة حبيبي لأنك امتلكتيه من أول مرة شافك فيها، أول مرة وعينيك دي سحبته لحدِّ ماوقع ومقدرش يقوم..

حاولت السيطرة على دقات قلبها التي تدق كالطبول حتى شعر بها، فقال:

-أنا اللي بترجاكي ترحمي قلبي الضعيف، كوني رحيمة بحبيك مولاتي ومتبعديش عنه مهما حصل بينا..

-انحنى يهمس لها:

-عايزك تتأكدي إن راكان يبيع الدنيا كلها حتى مستعد يضحي بحياته علشان ليلته..

❈-❈-❈

قبل السفر بيوم..

تجلس بأحضانه أمام المدفأة تقرأ قصة، جذب الغطاء يضعه عليهما:

-سقعانة؟..هزت رأسها بالنفي:

-لا..هبرد وإنتَ جنبي!..غير كل شوية تشربني مشروبات سخنة، بطني بقت زي البالونة..وضع كفيه على أحشائها:

-هي فين دي، مش باين بالونة ولا حاجة..ابتسمت ووضعت كفيها فوق كفه متسائلة:

-نفسك في بنت ولا ولد؟..وضع رأسه على كتفها قائلًا:

-مش فارقة، المهم يكون عندي أولاد، بنت ولد كل اللي يجيبه ربنا كويس..حركت كفيه على بطنها:

-حاسة هيكون ولد، ونفسي يكون شبهك أوي، اعتدل ينظر للبعيد:

– شبهي، مش هتزهقي؟..

-تؤ، عمري ماأزهق من روحي، إنتَ روحي ياراكان، ونفسي في ولد منك أوي، إيه مش عايز ولد؟..

طالعها بصمت وأجابها:

-قولتلك مش هتفرق حبيبتي، في اللي  مش لاقي حتى عيل، بنت ولد مش مهم، المهم تكوني إنتِ أمهم وبس.

-أمير..قالتها وهي تتعمق بنظراتها..

-هيفضل أمير ابنك ياراكان، هتفضل تحبه وتخاف عليه كدا؟..تساءلت بها ليلى..

ضم رأسها بين كفيه:

-أمير ابني ياليلى، آه هو من سليم بس أنا اللي ربيته، أول مرة أسمع كلمة بابا منه، ضمها بقوة حتى شعرت بقوة ضمته..

-غير إنه ابن أخويا المتوفي، وابنك، مقدرش أبعده عني مهما صار..

اعتدلت بعدما شعرت بما يشعر به ودنت تضم وجهه:

-راكان إنت لسة..وضع إصبعه على شفتيها:

-كل حاجة في الدنيا دي نصيب، يمكن لو كنت أول راجل ومتعذبتش مكنتش دوقت السعادة دي، ليلى أنا سعيد ومبسوط حبيبي ودا أهم حاجة عندي..والأهم إنك دلوقتي في حضني وأم ابني، هو أه الموضوع بيكون صعب في أوله بس خلاص بتتعودي، لما تحطي افتراضات أقل من كدا..

صمت للحظات ثم سألها:

-لو عرفتي إني بخونك هتعملي إيه؟..رجعت برأسها للخلف تطالعه بصمت للحظات، جاهدت فيها لإجابته ثم أردفت:

-تفتكر الخيانة ممكن تسامح فيها، وبعدين معتدقش بعد الحب اللي بحسه معاك تخوني..

ابتلعت جمرة حارقة من محتوى كلماته وأردفت بتقطع:

-إنتَ مستحيل تدبحني صح؟..أنا بشوف الخيانة دبح ياراكان، أوعى تدبحني وقتها مستحيل أسامحك، أنا واثقة فيك..

جذب رأسها لصدره وأخرج تنهيدة لا يعلم كيف سيتخلص من هذا الوخز الذي يرافق أنفاسه، وكأنها مسامير تطرق داخل رئتيه فهمس:

-ليلى تأكدي إن مفيش ست ممكن تملى عيني، ولا تحركني مهما عملت، أنا بحبك مهما حصل، مش عايز ثقتك فيا تضعف، أوعي حتى لو شوفتني بأي شكل من الأشكال..أوعي ياليلى تفقدي ثقتك في حبيبك..

اعتدلت تنظر إليه بصمت..حاوط وجهها:

-عارف بتسألي نفسك ليه بقول كدا؟!

دا مجرد كلام حبيبتي متحطيش في بالك..

ظلت تفكر بذهنٍ شاردٍ بحديثه، حتى توقف ناهضًا يسحبها من كفها، ياله عشان ننام أنا مرهق جدًا النهاردة.

باليوم التالي خرج من المحكمة وقام الاتصال بنورسين:

-نور أنا في الطريق نص ساعة وأكون عندك.

تحرك متجهًا للسيارة، استقلها وصدره عبارة عن فوهة بركانية تكاد تنفجر عندما تذكر..

دلف إلى مكتب حمزة وجلس أمامه يتنهد بحزن:

-وصلت لإيه؟..تراجع حمزة بجسده للخلف وتحدث:

-زي ماجواد باشا قالك، دول مافيا يابني، الممرضة فعلًا تبعهم، وكمان وصولهم لداخل بيتك دا مش مبشر بالخير، مسح على وجهه بعنف وتذكر:

-أنا عرفت ماهو أصعب ياحمزة، ليلى سقطت أول مرة مش علشان اتعصبت، لا دا كانوا عارفين إنها حامل، مرات عمي كانت بتحطلها دوا، الحيوانة مشغلة الشغالة لحسابها..

فلاش..

تحرك غاضبًا بعدما صرخت بوجهه:

-ربنا بيعاقبك ياراكان يابنداري، افرح بقى مش هيبقى عندك طفل، آه خبيت عليك عارف ليه عشان متستهلش، خليك كدا وكل ماتفتكر إنك السبب في موته تكره نفسك..أنهت حديثها بعينين الشرر يتطاير منها ثم دفعته بعنف تبتعد عنه، وتركته مصعوقًا من حديثها الممزق، لحظات يشعر وكأن أنفاسه تُسحب منه، اقترب منها وعيناه تشتعل بنيرانٍ جحيمية:

-مش هسامحك يامدام، وهخليكي طول عمرك كدا لا إنتِ متجوزة ولا مطلقة..نهضت تلكمه بصدره بقوة حتى شعر بتكسر ضلوعه من حديثها المهلك لروحه..

عقد ذراعها خلف ظهرها وهمس بفحيح:

-مش هطلقك ياليلي هعيشك في جحيم، دفعها بقوة حتى سقطت على الفراش تبكي بشهقاتٍ مرتفعة، وخرج سريعًا كأنه يحارب شيطانه..بخطواتٍ متعثرة كلما تذكر حديثها الذي أدمى قلبه بل مزقه وأصبح أشلاء متناثرة..

وصل للمسبح يجلس عندما فقد الحركة يفتح زر قميصه وهو يهمس لنفسه:

-ليه ياليلى، ليه تدبحيني كدا، أغمض عيناه وتراجع بجسده على المقعد، دقائق واستمع لهمس بجوار الشجرة بمكانٍ معتم:

-إيه رأيك يامدام، شوفتي وصدقتي إن مدام ليلى كانت حامل؛ أنا شوفتها وسمعتها وهي بتكلم نفسها وحاطة إيدها على بطنها وبتقول بابا اتأخر ولازم أعاقبه، عرفت على طول تقصد الباشا الكبير..

أعطتها عايدة مبلغًا من المال وتحدثت:

-عينك عليهم، شوفيهم هيتصالحوا ويقرَّب منها ولا إيه، دا مني، لسة نورسين كمان هتديلك حلاوتك، برافو عليكي ياميرفت، وعايزاكي تخفي الإزازة عشان لو راكان عرف هيموتك، أنا بنبه عليكي تطلعي على طول ترميها، بس لو الدكتورة كمِّلت اتفاقنا كنا ارتحنا، بس أعمل إيه في يونس المتخلف دا، لو مادخلش كنا زمانا ارتحنا وقولنا مش هتخلف تاني، البت نورسين دي عليها تخطيط جهنمي.. بس الدكتورة الغبية ضيَّعت كل حاجة، بكرة هشوف دكتور يعمل دوا للعقم،  إحنا مش ضامنين الظروف وزي ماعملتي هتعملي في دا.

انتهى من حديثه ينظر لحمزة:

– شوفت اللي عملوه ولاد(..)، نهض حمزة مذهولًا يجلس بمقابلته:

-دا إيه الإجرام!..أحس بقبضةٍ قوية تعتصر صدره، كور كفيه قائلًا:

-حمزة، ليلى حامل، والمرادي ممكن تموت لو حاولوا..اقترب حمزة يربت على ظهره:

-راكان اهدى، إن شاءالله مش هيقدروا يوصلولها..مسح على وجهه يهز رأسه:

-للأسف وصلوا، راقبونا للمزرعة يعني أكيد عرفوا إني رجَّعتها، المشكلة معرفش هما عارفين إيه وبيخططوا لأيه، أخرهم حلا اللي جاية تقول الولد ابنك، لا أنا لازم أهدى وأعرف أدخل بينهم صح عشان المرادي الغلطة بموتة، أمي وأبويا وأمير حولهم تعابين غير ليلى، لازم أعرف بيفكروا في إيه..

-لو على الورق سلمه للنائب العام..لم يكمل حديثه واستمع لرنين هاتفه:

-أيوة ياحسن..

-بتقول إيه؟!.لا حول ولا قوة إلا بالله..طيب ياحسن شوية وجايلك..

أمسكه حمزة وهو يجمع أشيائه:

-إيه اللي حصل؟..

صديق لينا عمل حادثة ومات، أسيبك وإنت أي جديد عرَّفني.

خرج من شروده عندما استمع لرنين هاتفه وكانت حبيبته..

-أيوة ياليلى..على الجانب الأخر تجلس بشرفتها تنظر إلى البحر:

-حبيبي هتتأخر أنا جعانة ومش هاكل غير لما تيجي..أطبق على جفنيه يسحب نفسًا ثم زفره بهدوء:

-ليلى ممكن مجيش النهاردة عندي شغل، كلي إنتِ، لازم أقفل..ظل يضرب على المقود بعنف حتى كاد أن يكسر معصمه حتى وصل لشاطئ البحر، صف سيارته وترجل متجهًا لجلوس بيجاد المنشاوي:

-عامل إيه؟..أومأ بيجاد رأسه ولم يعقب على حالته:

-كويس الحمد لله، إيه ناوي على إيه؟..أشار بعينيه لهاتفه:

-كلم مراتك خليها تجهز نفسها نص ساعة وتكون قدام الشاليه، مش عايز ليلى يحصلَّها حاجة، هسبها أمانة عندكم لحدِّ ماأرجع..

-يعني إيه؟!. إنتَ مش هتيجي بعدها؟..تساءل بها بيجاد..هز رأسه بالرفض:

-هتسافر بيها أي دولة يابيجاد، ومن الدولة دي هتوديها ألمانيا وهناك هكلمك، المهم متسافرش ألمانيا على طول، إنتَ طيارتك الخاصة معاك تقدر تحدد المكان اللي شايفه أكتر أمان، مدام غنى متسبهاش أبدًا مهما كانت الظروف، أنا هكلمك من الخط اللي  بكلمك منه، متتصلش بيا على الرقم القديم لو سمحت.

نهض وهو يطالعه:

-مفيش حد أثق فيه بعد صحابي غيرك، وبما إن كلهم مشغولين بعملية نوح..

تنهد وهو ينظر حوله قائلًا:

-يومين وهكون عندك في ألمانيا، إحنا هنسافر كلنا بكرة الصبح، هقابلك على بالليل، قالها وتحرك سريعًا متجهًا للشالية..وصل بعد قليل،

دلف للداخل..قابلته نورسين تحتضنه:

-حبيبي كدا تتأخر..رسم ابتسامة يبعد ذراعيها:

-أنا تعبان ومش قادر أقف، وعايز أنام، توقفت تعقد ذراعيها:

-لا مش اتفاقنا، أنا قولتلك عايزة أسهر، ونحتفل بعد ماأخدت كل حاجة..

اتجه للأريكة..أنا تعبان حبيبتي وجعان لو ينفع فنجان قهوة لحد مااتصل بدليفري يجبلنا أكل..

أوكيه هخلي الشغالة تعملك قهوة، اتجهت إليه وقالت:

-راكي وحشتني أوي..اتجه إليها بنظرةٍ قاتمة ورسم ابتسامة قائلًا:

-إنتِ أكتر بس أشرب قهوة عشان أفوق كدا وهنسهر للصبح، وكمان عندي مفاجأة هتعجبك أوي.

حاوطت عنقه تجلس على ساقيه:

-بجد ياراكان، هتبات معايا الليلة؟ همست بإغراء:

-أنا فرحانة أوي حبيبي، أخيرًا..نهض وأشعل سيجارته:

-مش هشرب قهوة ولَّا أروح أشربها عند ليلى..اتجهت سريعًا متجهةً للداخل:

-لا ليلى إيه دي، أرجعلك ثواني هعملها بإيدي كمان..أمسك هاتفه وأرسل رسالة إلى يونس:

-يونس اتحرك..بالجانب الآخر قام الاتصال بسارة:

-سارة اعملي زي ماقولتلك..هبعتلك رسالة تكتبيها بالحرف..بعد قليل اتجهت سارة إلى غرفة سيلين التي تجلس تستمع للموسيقى:

-ممكن أتكلم معاكي شوية؟..زفرت سيلين واعتدلت:

-عايزة إيه ياسارة انا مش متحملة كلمة، لو يونس بعتك تحرقي دمي هضربك وأروح أضربه..

جلست سارة بجوارها تطالعها بحزن ثم أردفت:

-إنتِ واحدة غبية ياسيلين ياريته حبني ربع حبك، تعرفي بيقولي إيه؟..إن حبك بيجري في دمه ومهما تعملي ميقدرش يستغنى عنك..

كانت تستمع إليها بقلبٍ ينبض بعنف باسمه، ورغم ذلك نهضت تدفعها بقوة:

-اشبعي بيه، أنا متنازلة عنه..تهكمت سارة بنظراتها:

-ياريت ينفع..زفرت سيلين:

-عايزة إيه ياسارة؟..جلست على المقعد بمقابلتها:

-عايزة أشرب قهوة يابنت عمي فيه موضوع مهم لازم نتكلم فيه، ولَّا هتكوني بخيلة..تحركت بعنف وهي تتمتم:

-هجبلك قهوة ياهانم ماأشوف أخرتها..

أمسكت هاتفها سريعًا ونقشت اسم يونس كما ظن، وأرسلت الرسالة ثم وضعت الهاتف..

-لا وبتقول اشبعي بيه، دا حتى الباسورد باسمه، هبلة أوي يابنت عمي..

عند راكان..

وصلت نورسين وهي تضع القهوة تبحث عنه، كان يقف بالشرفة ينتظر روحه التي يتخيلها قلبه قبل عقله بحالتها الآن..وجد السيارة تدلف من بعيد تسأل عن رقم الشاليه، فتحرك للداخل يحمل كوب القهوة وأسقط معظمها متصنعًا..

– أووه كدا..ثم قام بخلع قميصه:

– خلي الشغالة تغسله بسرعة وهاتيه..جذبته وضحكاتها بالارتفاع:

-هتبرد ياحبيبي لحظة وهرجع أدفيك، نظر لدخولها باشمئزاز، استمع لطرقاتٍ على الباب، قام بإشعال تبغه..

خرجت نورسين:

-مش سامع الباب، ممكن يكون الدليفري، وضع كفيه على عينيه ولم يعيرها اهتمام، فتحت الباب وإذ بها تنصدم من تلك الواقفة، تنظر بالداخل تتمنى مارأته يكون ماهو إلا كابوس، دفعتها ودلفت للداخل، وجدته يتسطح بهيئته التي أدمت قلبها، بلعت غصة مسننة أوقفت مجرى تنفسها متسائلةً بصوتٍ متقطع ليه؟!..اعتدل ينظر بذهول إليها..لحظات مرت كالدهر وعيناها التي أزرفت عبراتها بغزارة وكأنها دفنت أحدهم.

تراجعت للخلف تتمنى أن يصيبها الله بالعمى وتصبح كفيفة ولا تراه بذاك الوضع.

شعرت بأن أقدامها تجمدت وكأن جسدها شُل، فسقطت كمن تلقى ضربة موجعة هشمت جسدها بالكامل، وصرخة بآهة عالية خرجت من جوف حسرتها وهي تصرخ باسمه وتلكم الأرض:

-ليييييه، ليه تعمل فيا كدا؟..

اتجه بخطواتٍ سلحفية يجثو أمامها:

-مش عارفة ليه؟..رفعت نظرها وتشوشت الرؤية أمامها تهز رأسها رافضةً مافعله..

-علشان آخد منك أمير، إنتِ إمبارح عملتي تنازل كامل على كل حاجة ومنهم أمير..

هنا انهار عالمها بالكامل، وشعرت بتوقف نبضها، فكأن قلبها لم ينبض سوى نبضًا يحرقها..

انهمرت عبراتها منزوجةً بنزيف روحها واشتهت الموت بكل جوارحها في تلك اللحظة، فاقشعر جسدها وشعرت بارتعاشته كاملًا مرحبةً بتلك الغمامة السوداء وهي تهمس له:

-موتني معذبي..ثم سقطت بين ذراعيه يتلقفها بلهفةِ قلبٍ متألم..

حاول السيطرة على نفسه، حملها بأيدي مرتعشة ناظرًا للتي تقف تنظر إليها بنظراتٍ تقييمية:

-إنتَ مش قولت هي متعرفش حاجة؟..رمقها بنظرةٍ نارية:

-معرفش يمكن سمعتني بكلمك إمبارح، وبعدين مش فارق معايا أهم حاجة أخدت اللي عايزه، روحي هاتي حاجة وتعالي فوقيها أنا مش طايق أبص في وشها..تحركت للداخل بينما هو نظر إليها بقلبٍ متألم ينبض بنيرانٍ محترقة، نهض مبتعدًا عنها ونيرانًا تتسرب لجسده كادت أن تخرج حتى يشعل المكان ومابه، خرجت نورسين بعد لحظات وجدته يقف بالنافذة وينفث سيجارته بشراسةٍ حتى اختفى خلف دخانه، وكأنه ينتقم من نفسه..حاولت نورسين إفاقتها، فتحت عيناها تحرك حاجبيها بتثاقل هامسةً باسمه..

هنا فاق احتماله، حتى ضغط على الكوب الذي بيده فتهشم بكفه لينغرز زجاجه به، واستدار يطالع ملامحها المرتجفة بأعينٍ مشوشة، اعتدلت تنظر حولها، تذكرت ماصار، فاعتدلت سريعًا..

نهضت وحاولت لمام شتاتها، طالعته بنظرةٍ أخيرة، تقابلت نظراتهما ود لو اقترب واحتضنها، ولكنه استدار يواليها ظهره حتى لا يضعف..فداخله يحترق كمرجلٍ جف مائه من كثرة الغليان حتى شعر بإزهاق روحه..

أطلقت تنهيدة مرتعشة من عمق ليلها الحالك وخطت، فكانت كالزهرة التي تبعثرت وريقاتها في مهب الريح، حاوطت خصلاتها وجهها حتى تعثرت وكادت أن تسقط..كور قبضته وهو يراها بتلك الهيئة التي أشعلت نيران صدره، ود لو يحرق العالم وما به..خرجت لسيارتها ولكنها توقفت تنظر حولها بضياع، لقد خسرت كل شيء، ترى مالسبب؟..

نظرات ضائعة معذبة وقلب ينتفض مذبوحا بخنجر الخيانة..

تحركت بخطواتٍ مبعثرة، تاركةً سيارتها، سارت بين الأرصفة، لا تشعر بما حولها، فقط نيران صدرها، وأنين قلبها المتمزق..

بكت بشدة حتى ارتفعت شهقاتها، واهتز جسدها ولم تشعر بساقيها التي توقفت لتنهار على الأرض..توقفت سيارة بجوارها وترجلت منها متجهةً إليها:

قومي تعالي معايا..رفعت نظرها بعينيها المغرورقتين ولم تكن صورتها واضحة فتساءلت:

-إنتِ مين؟..اقتربت منها تتلفت حولها، ثم انحنت تساعدها على الوقوف وفتحت باب السيارة:

-لازم نمشي من هنا فورًا، قدامنا عشر دقايق نكون في المطار لو عايزة تنتقمي منه، قالتها غنى وهي تحاول مساعدتها..

-أنا شوفتك قبل كدا بس مش فاكرة..سحبتها غنى تنظر حولها حتى استقلت السيارة وأرسلت رسالة إلى راكان:

-الحمد لله ياأبيه..

جلس بعد خروجها وكأنه يجلس على نيران متقدة ينتظر رسالة غنى..

جلست بجواره نورسين..

-هتسبها كدا؟..مش المفروض تلحقها لتعمل حاجة في نفسها..نفث تبغه وكأنه لم يهتم بحديثها:

-أنا أخدت اللي عايزه وبس، هي أكيد هترجع القاهرة عشان تاخد أمير، بس أنا سبقتها بخطوة وماما سافرت بأمير مكان متعرفوش.

قامت بإشعال سيجارها ووضعت ساقًا فوق الأخرى:

-يتخاف منك ياراكي..اتجه بنظراتٍ قاتمة يدقق النظر بداخل مقلتيها:

-طب خافي على نفسك، أصلي أولع فيكي..اقتربت وهي تنظر لعضلاته تتلمسها بوقاحة، فنهض كالذي لدغه ثعبان قائلًا:

-هاتي القميص، بردت، الجو صعب إيه معندكيش إحساس؟..

ضربت قدمها بالأرض وتحركت:

-حاضر هجبلك القميص، تنهد وهو يقرأ الرسالة، ثم أرسلت صورة لها وهي تستند برأسها على نافذة السيارة..

حرك أنامله يتحسس وجهها الباكي، أغلق الهاتف ووضعه على المنضدة يحاول السيطرة على نفسه حتى لايدخل لتلك الأفعى ويخنقها..

بالداخل أمسكت هاتفها:

-مقولتش ليه ليلى جاية على الشاليه؟..ارتشف من كأسه الذي يُوضع به ماحرم الله مردفًا:

-كنت عايزها تمسكه متلبس ياروحي..صرخت بوجهه:

-حمار ياأمجد، دي جت وأُغمى عليها ومشيت، وطبعًا هو هيمشي ومش هيبات، ربنا ياخدك ياأخي..

نظر إلى السيارة المصفوفة متسائلًا:

-ليه هي ليلى خرجت؟..جحظت عيناها متسائلة:

-يعني إنتَ مش أخدتها دلوقتي؟..دي خرجت من شوية، روح على شقتها وخلص المهمة قبل مايروح، أنا عارفة راكان هيمشي وراها أنا شوفته كان مضايق، مهما يخبي بس حاسة إنه هيموت ويلحقها..

-ليه مش إنتِ بتقولي هو عايز الولد بس؟..

أرجعت خصلاتها بعنف وصاحت غاضبة:

-راكان محدش يعرف بيفكر في إيه مستحيل لاسيب حاجة للظروف..اتصرف ياأمجد..

خرجت وجدته يستمع للموسيقى ويتناول الفواكه وهو يتصفح هاتفه وابتسامة على وجهه..ضيقت عيناها مقتربةً منه:

-راكان إنت مش هتمشي تلحق ليلى؟..رفع نظره إليها:

-هو مش أنا قولتلك اللي عايزه أخدته، ليلى معدتش تهمني..تعالي ياحبي شوفي قمصان النوم دي عجبتني..تحركت تجلس على ساقيه تضمُّ وجهه:

-بجد ياراكان إنت عايز الحاجات دي؟..رمقها بعينيه وتحدث من بين أسنانه:

-انزلي من على رجلي، اتجننتي من إمتى وإنتِ بتقعدي كدا؟..وكأنها لم تستمع له فدنت منه:

-راكان أنا بحبك، إنتَ ليه بتبعدني كدا، إحنا هنتجوز خلاص بعد كام يوم..هب ناهضًا مبتعدًا:

-ومن إمتى وإنتِ بتقربي مني كدا، لحد ماتكوني مراتي تحترمي حدودك، قالها بغضبٍ حارق يحرق أحشائه كاملًا..

جذب قميصه وتحرك للشرفة يجلس بالبرد، وكأنه يحتاج لتلك الصاعقة الباردة حتى تثلج روحه التي كالفوهة البركانية، وذهنه منشغلًا بزوجته..

عند ليلى..

توقفت السيارة وهي مازالت تضع رأسها على النافذة لم تشعر بشيء، تتذكر ما رأته، كيف لرجلٍ أن يرسم الخداع بتلك الطريقة؟..نظرت إليها غنى بنظراتٍ متألمة على حالتها، فقاطعت شرودها:

-ليلى انزلي، لازم نسافر دلوقتي..اتجهت بنظرها إليها:

-إنتِ عايزة مني إيه، وليه وخداني؟..أنا مش هروح في حتة.

اتجهت تفتح الباب، أمسكتها غنى:

– مفكرتيش إزاي وصلتلك؟..انزلي ياليلى، جوزك عايز يطمن عليكي.

-أنا مش نازلة، روحي قوليله مهما يعمل مش هسامحه..

-حتى لو قولتلك هوديكي لابنك، إحنا رايحين عند أمير..انبثقت دمعة غادرة من طرفي عينيها فسقطت على وجنتيها مردفةً بصوتٍ متقطع:

-هو أخده مني، لازم أرجع عشان أخده قبل ماييجي..أمسكت غنى هاتفها وفتحته متحدثةً بالهاتف مع أحدهم:

-طنط ممكن تتكلمي مع ليلى، لأنها قلقانة على أمير..أمسكت الهاتف بيد مرتعشة وهي ترى صورة أمير الذي يلعب أمام زينب، فبكت بصوتٍ مرتفع تضع كفيها على شفتيها:

-أمير ياحبيب ماما..تحدثت زينب:

-متخافيش على أمير ياليلى، إحنا في السعودية حبيبتي هنستنى للحج أنا وميرو حبيبي، بس متعرَّفيش حد، واسمعي كلام جوزك هو خايف عليكي..سقط الهاتف من يديها تنظر حولها بضياعٍ قائلة:

-هو إيه اللي بيحصل؟..أنا شوفته بيخوني..سحبتها غنى متجهةً لداخل المطار:

-دا هو هيفهمه ليكي، المهم لازم نتحرك لحد ماتتقابلوا، وهو مش خانك ولا حاجة بدليل وجودي معاكي هنا، وتليفون طنط زينب، وطبعًا الرسالة هو أصلًا بعتهالك من تليفون أخته..دا اللي أقدر أقوله..

أمسكت هاتفها سريعًا عندما تذكرت الرسالة، قامت الاتصال بسيلين:

-سيلين إنتِ فين؟..أجابتها سيلين:

-ليلى أنا آسفة على الكلام اللي قولته، طمنيني على البيبي، وأخبار أبيه راكان إيه؟..قوليله أنا بحبه أوي ومكنش قصدي أزعله..

-سيلين تليفونك معاكي؟..ردت سيلين حديثها متسائلة:

-بتسألي على التليفون ليه؟!

أجابتها بتريث:

-إنتِ بعتيلي رسالة النهاردة؟..هزت سيلين رأسها بالنفي:

-لا ياليلى، بس سارة بنت عمي كانت بتعمل مكالمة منه..دقات عنيفة أصابت جسدها:

-يعني دا كان ملعوب عليا!..سحبتها غنى:

-لو سمحتي لازم نمشي عشان الطيارة..تحركت معها وعقلها ينشغل بكل ماتذكرته، تربط الأحداث وحديثه بالأمس..وضعت كفيها على بطنها:

-أبوك بيعمل كدا ليه، عايز يوصل لإيه؟..مفكر كدا هسامحه..

❈-❈-❈

أطلقت تنهيدة مرتعشة من عمق الليل الحالك بها تهمس لنفسها:

-مهما كان اللي بتخططله ياراكان مش هسامحك على اللي عملته..

تعاقبت الأيام، يومًا يليه الآخر حتى فقدت مجيئه بعد حديثه لها بعدما وصلت إلى ألمانيا، غابت عنها حلاوة الأيام التي عاشتها بأيامها الأخيرة..

تسطحت على الفراش تضع كفيها على أحشائها تبكي بصمت عندما شعرت بالاشتياق إليه..

تعشقه بجنون..تعصر عيناها، دلفت غنى وهي تحمل أمير:

-حبيب مامي، إحنا جينا..اعتدلت سريعًا، تضم ابنها وتقبل كل إنشٍ به وتبكي بشهقات:

-حبيب ماما وحشتني ياماما عامل إيه؟..كان يستند على باب الغرفة يطالعها بهدوءٍ واشتياق، اشتياقه لها فاق الحدود، دقات عنيفة تدفعه إليها وسحقها حتى يفتت عظامها..

رفعت غنى نظراتها إليه، فتحركت للخارج:

-أنا دلوقتي لازم أرجع القاهرة..ارتجف قلبها عندما شعرت بوجوده من رائحته التي غزت رئتيها..فاستدارت سريعًا تنظر خلفها وجدته يستند على الجدار يعقد ذراعيه، اعتدل ينظر إلى غنى:

-شكرا مدام غنى، وآسف أزعجناكي معانا..

ابتسمت وهي توزع نظراتها عليهم:

-أبدًا مش مستاهلة شكر، بعد إذنكم لازم أنزل عشان بيجاد تحت.

أومأ رأسه وظل بمكانه لا يعلم كيف صمد حتى استمع لإغلاق باب المنزل..اتجه إليها أخيرًا يحاوطها بنظراته المشتاقه يدقق بتفاصيلها..

تحرك بخطواتٍ متمهلة يشبع روحه بالنظر إليها..

ارتجف جسدها حتى لا تشعر بأمير الذي نزل من فوق ساقيها يسرع إليه:

-بابا..لم يشعر بأمير الذي أمسك بنطاله يرفع يديه حتى يحمله..أخيرًا فاق على صوته فانحنى يحمله ويطبع قبلةً على وجنتيه..وهو يراقب تلك التي انكمشت بجلوسها تضع كفيها على صدرها تهدئ نبضها..طبع قبلةً وأنزله ينادي على المربية التي بالخارج:

-خدي أمير أكليه وغيريله.

-تمام سيدي..قالتها وهي تسحبه متجهةً للخارج..وصل إليها وجلس على عقبيه يضم وجهها يرسمها بقلبه قبل عينيه:

-حبيبتي عاملة إيه وحشتيني.

هزة عنيفة أصابت جسدها وترقرق الدموع بعينيها:

-ليه تعمل فيا كدا، مفكر لما تعمل كدا هسامحك؟..لكمته بصدره بقوة وبكت بنشيج:

-أنا قلبي وجعني ياحضرة النايب، إنتَ خدعتني، وكذبت عليا..

حاوطها بذراعيه:

-إشش اهدي ياليلى، كان لازم أعمل كدا، بطنك بدأت تبان وكان لازم أبعدك عنهم بطريقة محدش يشك فيها، أموت لو حصلك حاجة..

ناظرته بعينين هالكتين من فرط الألم:

-دا يدِّيك الحق إنك تخوني؟..لا خليهم يموِّتوني أرحملي من إنك تخوني ياخاين..

لكمته تصرخ بجنون:

-أنا بكرهك ياراكان وطلقني لازم تطلقني ياخاين يابتاع الستات، صرخت وصرخت وهو يضمها بقوةٍ لأحضانه..

محاولًا السيطرة على حالتها التي كانت نوبةً من الجنون..

-ليلى اهدي أنا مخنتكيش، يعني هخونك وأنا بقولك تعالي شوفيني؟..

دفعته بضعف لاتريد أن تبعده، ولكن كيف تقترب بعدما آلم روحها بتلك الأيام..

-أنا بكرهك ومش عايزاك، ابعد عني..احتضن وجهها هامسًا ببحته الرجولية:

-بتكرهي حبيبك ياليلى، قدرتي تكرهيني اليومين دول..كان لتوسله بعينيه واقعًا مختلفًا حتى هدأت من ثورتها الغاضبة، وهي تعلم أن البعد عنه موت لها..هزت رأسها تزيل عبراتها:

-مقدرتش أكرهك مقدرتش ياراكان، يارب أكرهك عشان أنتقم منك..لم يدعها تكمل حديثها من نظرات عينيه المستعطفة لها..

ضمها أخيرًا لصدره ليعود قلبه بالنبض، افترت شفتيه تبتسامة عندما شعر بها تدفن نفسها بأحضانه..تنهيدة عميقة خرجت وهو يهمس لها:

-بحبك يامجنونةومفيش ست تقدر تاخد ربع مكانتك، تردد صوته داخل قلبها يعصف بكيانها وعطره الحاضر، تلمست بأصابع مرتجفة وجنتيه تتحسسها:

-قدرت توجعني ياراكان..طاطأ رأسه بتأنيب ضمير قائلًا:

-آسف حبيبي بس مكنش قدامي حل تاني، مكنش المفروض أقرب منك عشان أعرف آخد حقي؛ ولو خايفة على جوزك فعلًا وابنك عايزك تفضلي هنا لحد ماأخلص اللي بعمله.

-عارفة إنك مخنتنيش..ارتفعت ضحكاته يغمز لها:

– دا إيه الثقة دي كلها حبيبي..

وضعت جبينها فوق جبينه وهمست له:

-دا عشق مش ثقة ياأبو كيان..

جحظت عيناه وهو ينظر لبطنها:

-عرفتي إنك حامل في بنت؟!..وضعت رأسها بصدره تلكمه بقوة:

-كان نفسي تكون معايا، بس شوف عملت إيه، حتة بنت حقيرة خلت راكان البنداري مش عارف يتصرف..

رفع ذقنها ينظر إليها عاجزًا على الرد حتى لا يخيفها قائلًا:

-أي حاجة بتتعلق بيكي بموت رعب، أنا فيه واحدة ماتت في حضني ياليلى، ومكنتش بحبها كدا، متخيلة المنظر، متخيلة ممكن يحصل إيه؟..هموت لو حصلك حاجة..

دفنت رأسها وهاتفته غاضبة:

-ولما تقرب منها كدا بتحميني ياحضرة وكيل النيابة؟..

من أين أتى بكل هذا البرود يستمع إلى سخافتها ولا يروي روحه الظمآنة لها:

-ليلى وحشتيني، بلاش توجعي قلبي بكلامك دا، لو قلبك مصدق إني خنتك قوليلي امشي حالًا وهمشي..

انسدلت دمعاتها تجذب زر قميصه تلكمه بصدره:

-عجبتك عضلاتك وإنتَ مفتخر بيها قدامها، دي أكيد قربت ولمست حاجة تخصني..

-وحياة ليلى عندي ماقربت مني، ولا خليتها تلمس حاجة ملك مولاتي..

وصلتك رسالتي مش كدا؟..

تذكرت رسالته التي أرسلها بالأمس يكتب بها:

قالت..لي ماذا بعد الحب؟..

قلت..لها العشق.

قالت…وماأكبر من العشق؟..

قلت..لها الأمان، أن نغضب ونثور وقد نتخاصم..

ولكن كلًّا منا يعلم أن كل هذا سينتهي ونظل هكذا مولاتي..

بفيلا النمساوي..

ثارت وهي تدور كالمجنونة:

يعني إيه مش لاقينها؟!.عايزة أوصلها قبل ماراكان يوصلها، دا أبوها قدم بلاغ أنه مش لاقيها..

اتجهت والدتها إليها بنظراتها:

-مايمكن راكان بيلعب عليكي؟..

هزت رأسها رافضةً حديث أمها:

-لا يامامي، راكان كان معايا واتصل بيها كام مرة وتليفونها مقفول، ودوَّر عليها بعد ماأبوها كلمه..قاطعها رنين هاتفها:

-أيوة ياأمجد، عرفت حاجة؟..

-معرفتش غير إنها ركبت في عربية تبع بيجاد المنشاوي..

بعيادة يونس دلفت إليه إحدى السيدات للكشف، ترتدي نقابًا بجوارها فتاة بعقدها العشرين..جلست الفتاة أمامه تتحدث:

طالع المنتقبة:

-يعني هي الحامل ولا إنتِ، لم يكمل حديثه عندما رأى تلك التي ترفع نقابها وترفع سلاحها المكتوم تشير إليه:

-دا عشان ابن عمك أخد ابني بالغصب، لم يسعفه الوقت إلا عندما اخترقت الرصاصة صدره..

بفيلا قاسم الشربيني..

بدأ يثور كالمجنون بعدما اتصل به مدير أعماله:

-للأسف ياقاسم باشا، أسهمنا بقت في الأرض، والكل بعت يسحب عروضه من عندنا..أغلق الهاتف وهو يصرخ..ولم يكمل حتى دلف أحد الأشخاص:

-معرض السيارت ولَّع كله ياباشا، والخسارة فادحة..

أمسك الهاتف وألقاه بالجدار يتهشم متناثرًا ويصرخ:

-هموتك يايحيى ياكومي، اتجه لهاتفه وقام الاتصال بأحد الرجال:

-عندك شخص عايزك تصفيه، هو في مشفى( ) هبعتلك التفاصيل..

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية عازف بنيران قلبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق