رواية عازف بنيران قلبي – الفصل الثامن والعشرون
البارت الثامن والعشرون
اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك
و قالوا : ما الوجع؟
قلت : إسألوا قلبا عشق قلبا ليس له فيه نصيب
قالوا : ما الشوق ؟
قلت : إسألوا روحا تحن لروح لقائهما مستحيل
قالوا : ما الحب ؟
قلت : إسألوا شخص يدعوا لحبيبه بالسعادة
رغم أنه لغيره حبيب
قالوا : ماالعشق ؟
قلت : إسألوا قلمًا كتب لحبيب وهو عنه بعيد
فلا سلامًا علىٰ أولئك:
الذين أطفؤوك، وفي عتمةٍ لا تزول ألقوك..
الذين سلبوكَ نبضَ القلبِ ودِفءَ الروح..
مَن جَعلوكَ في عزلةٍ، تخافُ القُرب ومنهُ تَفِرّ..
لا سلامًا عليهم..
مَن تركوكَ تحيا.. وأنتَ تموت!
#جيهان_عبدالهادي
❈-❈-❈
البارت 28
❈-❈-❈
وقف أمام يونس يخرج ما في جوفه من عصارة الوجع عن طريق تنهيدات متحسرة، وقلبًا مفطور ملئ بالثقوب وفاجعة أكبر من أن يخفيها من الحزن الذي يقتحم أعضائه
-مفيش أمل تاني يا يونس، شعر يونس بوجع صديقه وابن عمه، فنهض يربت على كتفه قائلا
-انا مشوفتش الحالة يا راكان، بس الدكتورة بتأكد، فلو عايزني ادخل اكشف عليها معنديش مانع، بس إنت أكيد عارف ليلى هترفض
تحرك وهو يتجه ببصره إلى يونس قائلاً:
-حضر نفسك يا دكتور، واعمل اللازم ومراتي أمانة عندك، ثم توجه إلى غرفتها..توقف أمام غرفتها ولكن قاطعه يونس الذي وصل خلفه
-استنى بلاش أنت تدخل حاليا، هدخل أشوفها وبعدين أقرر..أومأ برأسه فحالته الآن لا تستعدي أي نقاش
خانته ساقيه فجلس وجسده يرتعش وكأن الهواء ينسحب من رئتيه حينما شعر بعدم قدرتها على الإنجاب مرة أخرى
دقائق مرت كالدهر وكأن الدماء جفت من عروقه وأصبح جسده يحاكي الموتى، خرج يونس يطالعه بنظراته الحزينة
رفع نظره إليه بنظرات مشتتة وعقل تائه وقلب مفطور فتحدث بلسان ثقيل
-إيه فيه جديد؟!
ربت يونس على كتفه وجلس بجواره يتحدث بحزن على وضعه
-أول مرة أشوفك كدا يا راكان، للدرجة دي موت الطفل مأثر فيك
مسح على وجهه وصرخ بآهة عالية خرجت من أعماق حسرته قائلا
-إحساس صعب أتمنى ماتعيشهوش يا يونس، ودلوقتي طمني بكل حاجة، أنا راضي ب اللي هيحصل
نهض يونس وهو يرمقه بهدوء من تدهور حالته لهذا الحد فاردف
-الحمد لله النزيف مالوش علاقة بالرحم، الدكتورة كانت مش منضفة الرحم كويس وفيه قطعة من الجنين هي اللي عملت النزيف دا
ودلوقتي هتدخل عمليات تاني، وفيه حاجة كمان البيبي كانت بنت كانت داخلة في الرابع تقريبا، دا اللي شوفته في الأشعة اللي الدكتورة عملتها، أنا شوفت الأشعات بس يا راكان يعني متدخلتش في الأول، لكن دلوقتي انا اللي هدخل أعملها العملية، ولو عندك اعتراض
أطبق راكان على جفنيه متألما، وهو يشير بكفيه
-أعمل اللي أنت شايفه، حقيقي مليش حيل أتكلم مع حد وخصوصًا ليلى، مش عايز أدخلها عشان منئذيش بعض
زفرة حارة أطلقها يونس ثم تحدث
-يعني أفهم من كدا إنك مكنتش عارف إن مراتك حامل الفترة دي كلها، إزاي ملاحظتش دا، انت عبيط يا راكان
احس بضلوعه تتمزق من كلمات صديقه، كيف يخبره بما يشعر ويمر به الآن، أغمض عيناه ولم يجب عليه، فتحرك يونس مغادرا بعدما وجد حالته
مر وقتا ومازال جالسًا وهاتفه الذي لم ينقطع عن الرنين، جلس وكأنه طائر مقصوص الجناحين، لا يستطيع الطيران ولا مواجهة ما هو آتٍ إليه، قلة حيلته كزلزال يهتز تحته فاقد المقاومة للحركة، حتى وصل إليه يونس
-هتفضل قاعد كدا، قوم شوف مراتك، هي فاقت وبقت كويسة، هتخلص المحلول وتروح
هز رأسه بالموافقة، ونهض يجر أقدامه بصعوبة، لابد من المواجهة، كانت سيلين تقوم بإسنادها
أطبقت على جفنيها من الألم الذي إجتاحها فتسائلت بصوتًا هزيل متقطع
-يعني الحمدلله معملوش عملية، ولا يونس كان بيضحك عليا ياسيلين
ربتت سيلين على ظهرها
-والله مفيش حاجة، وبعدين إنت عايزة تسوئي سمعة يونس، لا فوقي كدا دكتوري شطور والله، الدكتورة هي اللي منضفتش كويس
وضعت كفيها على أحشائها
-يعني خلاص معدش فيه بيبي، بنتي نزلت من قبل ما اشوفها واحضنها
احتضنت سيلين وجهها
-ليلى احمدي ربنا إنك بقيتي كويسة، بلاش اقولك حالة راكان ازاي، دا مش قادر يقف ولا يتكلم مع حد
هزة عنيفة أصابت جسدها بعدما ذكرتها سيلين به، هل سيشفع لها
وصل راكان أمام باب غرفتها ولكنه توقف حينما استمع لشهقاتها
-سيلين أنا عايزة أمشي من هنا، اتصلي بدرة خليها تيجي تاخدني على بيت بابا، ارتفع صوتها بشهقات عالية وهي تستكمل آلامها
-معدش فيه حاجة تربطني بأخوكي، خلاص طرقنا اتفرقت
تنهد بقلة حيلة على ما استمع إليه ولكنه تمرد على حديثها الذي ذلذل كيانه وبدأ يدمر استقرار دواخله، دفع الباب وولج للداخل محاولا السيطرة على آلامه التي تنخر قلبه
جلس بجوارها يربت على خصلاتها
-حمدلله على سلامتك حبيبتي..استدارت للجهة الأخرى وتحدثت بصوتًا كاد أن يخرج من آحزانها
-سيلين خليه يطلع برة مش عايزة أشوفه.. جلس لبعض اللحظات وصمتًا مريبا مشحونا بالتوتر والخوف من جانب سيلين..فأقتربت تربت على كتف أخيها
-راكان سيبها دلوقتي هي تعبانة وعايزة ترتاح
لا يعلم أي جُرم فعله بحقها حتى تصل به لتلك الحالة، هو الآن روحه تأن كأنين وتر مقطوع من آلة عتيقة، وينخر الألم عظامه نخرًا عميقًا
رفع وجهه إلى أخته قائلا بصوت هادئ اكتسبه من حالتها التي رآها بها
-سيلين سبينا شوية مع بعض، روحي مع يونس
تجمدت ليلى بجسدها عندما أحست بصوته الحزين الذي يخرج بصعوبة، رفعت نظرها إلى سيلين تهز رأسها بعدم خروجها
حاول قدر المستطاع التفكير بشكل متزن حتى لا يفقد صوابه بحالتها تلك، أشار بعينيه إلى سيلين بالخروج واتجه إليها يتأملها بشمسه الضائعة، كحالته لا يعلم ماذا يفعل بها، فحزنه ووجعه منها فاق الحد حتى أعجز عن وصفه في قاموس اللغة العربية
-جهزي نفسك عشان نمشي..ارتعشت ملامحها واحست بدموع غادرة تتجمع تحت ستار أهدابها فتحدثت بصوت متألم
-نمشي نروح فين؟! بيتك!!
انا مش هرجع البيت دا تاني مهما حصل، ودلوقتي اللي كنت بستحمل عشانه نزل، ومفيش بينا رابط، عايز عقاب من ربنا أكتر من كدا إيه عشان بقولك إننا مننفعش لبعض
صفعة قوية نزلت على قلبه كضربة سوط مشتعل، رفع نظره إليها وبآهة خفيضة، كأن كلماتها عصرت صدره ومزقت رئتيه فتحدث
-فعلا ربنا عاقبني أشد عقاب، بس عارفة عقابي إيه.. دنى من جسدها فحزنه على جنينه يحرق روحه
-عاقبني عشان كل مرة اتجوز فيها اشرط عليها ممنوع حمل عشان مش دي الست اللي قلبي يشفعلها وتكون أم لأولادي، ربنا عاقبني عشان علق قلبي بواحدة أكتر حاجة عملتها فيا، اني أعشقها بجنون وهي تدبحني كل مرة واعدي واقول مقدرش أبعد عنها حبها بيجري في عروقي، ورغم كدا كانت بتغلط وأسامح
رفع كفيه يمسد على خصلاتها وبعينين تائهتين، ولسان ثقيل طالعها حتى عانقت عينيها وأردف
-واحدة كانت في حضني وبتقولي بحبك وهي حامل في ابني ومخبية عني، تلات شهور شوفي قعدت معاها كام مرة، حضنتها كام مرة
تحول جسده للانتفاض يضع جبينه فوق جبينها، وآهة حارقة من جوفه بأنفاسًا مرتفعة :
-واحدة متمنيتش غيرها تكون ام لأولادي، حبيبتي اللي لو طلبت روحي مكنتش هتأخر، تلات شهور وهي مخبية، إزاي قدرتي تحرميني من الفرحة دي، إزاي قدرتي تكوني قاسية أوي كدا، بتكرهيني للدرجة دي، ابتعد برأسه عنها وهو يهز رأسه
-أيوة ماهو مش معقول دا حب، لا دا انتقام على كره، معرفش انتِ مين، وليه حبيتك، تلاقيكِ فرحانة عشان الولد نزل، ويمكن كنتِ رايحة مع الحقير عشان تنزليه وتكسريني
شهقة خرجت من جوفها وهي تهز رأسها رافضة حديثه
-أنا مخبتش عنك هو..هب فزعا من مكانه وهو يصيح عندما فقد قدرته على الصمود
-اخرسي مش عايز أسمع صوتك، اقترب بمقلتين متقدين كجمرتين من قعر جهنم وبعصبية مفرطة، ضغط على ذراعها
-ماهو أنا الراجل اللي مستاهلش اكون أب لأولادك، إزاي قدرتي تدمريني كدا، إزاي قدرتي تكسريني كداااا، قالها صارخًا وكأنه أمام عدوه وليس حبيبته
ولجت سيلين بعدما استمعت لصراخ اخيها، أسرعت إليه تحاول جذبه بعيدًا عن ليلى بعدما وجدت شهقاتها بالإرتفاع
-راكان حبيبي ابعد عنها هي لسة تعبانة، لم تقو سيلين عليه، قاطعهما دلوف يونس، الذي أسرع يجذب راكان بعيدا عنها
دفع يونس صارخًا به
-انت اتجننت ابعد عني، مفكرني هضربها
اتجه إليها بنظرات قاتمة، ووجهه عبارة عن لوحة فنية من الغضب
-أسمعك تقولي طلاق تاني هولع فيكِ، سمعتيني، والله لادفعك تمن اللي عملتيه فيا غالي
جذبه يونس للخارج ينظر إلى سيلين ان تهدأ ليلى ..خرج متجهًا إلى مكتبه، أشفق يونس عليه كثيرا يعطيه كل الحق فالأمر صعب ومؤلم
عند ليلى ..ارتعش جسدها وقلبها انتفض ذعرًا مما رأته منه لأول مرة يكون بتلك الهيئة المؤلمة
-سيلين روحي هديه، والله ما كان قصدي والله ما كان قصدي، قالتها وشهقاتها بالأرتفاع
-اهدي حبيبتي لو سمحتِ، وصلت الطبيبة إليها
وقامت بحقنها بمهدئ بناءً على تعليمات يونس
ارتجفت اوصالها وزاد من ارتجافها وشعرت بأن قلبها سيتوقف من اتهاماته لها
-انا محاولتش اقتل بنتي، هو فاهم غلط..ظلت ترددها إلى أن غفت بسبب المهدئ
❈-❈-❈
بمنزل عاصم المحجوب
خرجت من غرفتها بهدوء وجدته نائمًا على الأريكة بالخارج.تغلغلت روحها بإبتسامة مفرحة بمجرد ما وجدته بتلك الهيئة أمامها، كفراشة جميلة تحركت متجهة إليه..جلست على عقبيها أمامه تنظر للوحته المرسومة بعناية
رفعت كفيها تمسد على خصلاته ثم أمالت تطبع قبلة على وجنتيه، ونهضت تستدير لتغادر، فوجدت من يعانق كفيها بحضن كفيه
استدارت تنظر إليه وابتسامة تشق ثغرها، فدنت منه مردفة
-صباح الخير ياحضرة الأفاكاتو..تسلطت عيناه على وجنتيها المشعة بالأحمرار، وشفتيها التي تشبه حبة الفراولة الناضجة، ورغم نضجها إلا أنها تمتاز بلذعتها المحببة لديه
سحبها معتدلا لتجلس بجواره
-صباح الحب على درة قلبي..ابتسمت خجلا قائلة
-إيه اللي نيمك هنا، مش كنت بتقول هتروح
أدار وجهها إليه يسبح بمقلتيه على ملامحها الجميلة فتحدث
-كنتِ وحشاني ومقدرتش أمشي من غير ما اضمك لروحي
احمرت وجنتيها بحمرة الخجل، فطرقت أنظارها أرضًا هاربة من مغذى كلماته، ومس كيانها بعطر كلماته
قربها من جلوسه وحاوطها بذراعيه يدفن أنفاسه بعنقها هامسًا لها
-هو احنا لازم نستنى لما تخلصي الكلية، على فكرة كتير على قلبي
-حم.زة ابعد ماما ممكن تصحى وتشوفنا، قالتها بشفتين مرجتفتين ..ظل يقاوم نيرانه الملتهبة عاجزًا عن جمالها الذي أذاب صمته،
-إيه رأيك تكملي السنة الجاية عندي، ونتجوز بعد ماتخلصي امتحاناتك الشهر الجاي
رفعت نظرها لعيناه المنغلقة وانفاسه التي كانت تعصف بكيانها، شعرت بفراشات تطير في معدتها من فرط السعادة، فحقا لم تتحمل ذلك فوضعت رأسها بأحضانه تحاوطه بذراعيها
-كلم بابا ولو وافق معنديش مانع، سكت هنيهة يحاول ضبط انفاعلاته التي بعثرتها بقربها المهلك ورقتها التي خطفت قلبه فلم يعد قادر على بعدها، ود لو يحطم حصونها آلان
ابتلع ريقه بصعوبه وهو يعتدل بجلوسه متخذ البعد لبعض السنتيمترات حماية لكلاهما، احتضن كفيها وتحدث
-هتكلم مع عمو عاصم وأشوفه هيقول ايه، قاطعهم رنين هاتفه..رفع ينظر بشاشته، فقطب جبينه
-خير يونس بيتصل بدري كدا ليه..نهضت متجهة للمطبخ قائلة:
-رد عليه على ما أعملنا فطار حلو كدا وكوباية نسكافيه..أومأ برأسه موافقًا، ثم اتجه للشرفة ليجيب يونس
-صباح الخير يا دوك..استمع حديثه الذي جعله متصنمًا لبعض اللحظات يستمع إليه بقلب يأن وجعًا على صديق عمره فاجابه
-وهو عامل ايه دلوقتي..أجابه يونس على الجانب الآخر
-مش كويس خالص، هدوء ماقبل العاصفة ياريت تيجي، حاسه هيعمل مصيبة مش مرتاح لسكوته
-ارجع خصلاته للخلف ساحبًا نفسًا عميقا ثم زفره بهدوء
-هي اتمادت المرادي يا يونس، ليلى كدا اتمادت ومقدرش ادّخل في حاجة خاصة كدا، لازم راكان يفوقها، مش هتفضل تغلط وهو يعدي كفاية لحد كدا وجع له، أنا لو مكانه مش هسكت
أغلق الهاتف بعد عدة دقائق وهو ينظر للخارج وصدره يستعير كالحمم البركانية، يتمنى ألا يصل صديقه بحياته لنهاية اللانهاية
كور قبضته بعدما تذكر ما مر به راكان كأن حياته شريط سينمائي أمامه..قاطع شروده دره حينما اقتربت تلكزه بكتفه
-حمزة بنادي عليك من بدري، مالك فيه ايه يونس قالك حاجة، نظرت للذي بيديه، فجذبتها غاضبه وألقتها بالخارج
-سجاير على الريق، ينفع كدا، مش خايف على صحتك
رمقها بهدوء ثم تسائل
-كنتِ تعرفي بحمل ليلى..أصبحت نبضاتها الهادرة تتخبط بعنف بين ضلوعها، وكأن قلبها سيتوقف من نظراته المصوبة إليها
-حمزة أنا كنت هقولك، بس ليلى قالت مش عايزة حد يعرف قبل ماتقول لراكان
-من إمتى؟!
تسائل بها حمزة..فركت كفيها وارتجف جسدها قائلة
-عرفت قبل عملية بابا بيومين..
قبضة قوية اعتصرت قلبه وهو يطالعها بنظرات خذلان قائلا:
-أكتر من شهرين يا درة وانتِ مخبية حاجة زي كدا؟؟! ..ضغطت على كفه تستعطفه بنظراتها
-دي حاجة متخصنيش عشان اقولها يا حمزة، هي قالت فيه مشكلة بينهم ولازم يحلوها وبعد كدا هتقوله
انزل كفيها بهدوء، متجها يجمع أشيائه، متجها لباب المنزل قائلا
-واهو البيبي نزل قبل ما يعرف، تلات شهور وهو قدامها وأختك مخبية على جوزها، أنا لو مكانه هطردها من حياتي، قالها وتحرك سريعا من أمامها
بمزرعة نوح
جلس بجوارها يمسد على خصلاتها بحنان، يرسم ملامحها الجميلة، قاطعه طرق على باب غرفته
-دكتور نوح الست راندا جت وعايزة تقابلك..أومأ برأسه، خرجت العاملة وهو ظل يطالع زوجته التي تجلس تضم ركبتيها وتنظر بشرود وكأنها لم تشعر بما يوجد حولها
نهض متحركًا للخارج، وجدها تتحدث مع العاملة بغرور وكبر
-أمشي من قدامي، معدش اللي أنتِ اللي هتعمليلي حاجة اشربها
أشار نوح لسيدة
-اعمليلي قهوة سادة ياسيدة، وجهزي فطار المدام، لحد مااشوف ضيوفنا عايزين ايه
جلست وقامت بإشعال سيجارها حتى ترى ردة فعله، ثم تحدثت وهي تنفث دخان سيجارها
-دكتور نوح الي بعد عني عشان واحدة حقيرة من بيئة زبالة.. لم تكمل حديثها بسبب صفعة قوية على وجهها وجذبها من خصلاتها
-عايزة ايه يا بت، هو انتِ مفكرة اني نايم على وداني، لا فوقي كدا واعرفي انتِ واقفة قدام مين وبتغلطي في مين
سحب نفسًا حتى يسيطر على غضبه فجذبها للخارج من خصلاتها
-البيت دا نضيف عن أمثالك، روحي كملي قرفك مع الدكتور يحيى بعيد عني، ومتفكروش هسكت عن اللي حصل، أطمن على مراتي الأول ..قالها ثم دفعها بقوة بعيدًا عنه
تماسكت بصعوبة حتى لا تسقط أمامه، واقتربت منه تضع كفيها على صدره
-نوح أنا بحبك بجد، تعالى نربي ابننا مع بعض، بدأت تتحسس صدره تنظر لعيناه
-نوح مش عارفة أنساك من الليلة إياها، عشان خاطري تعالى نكمل حياتنا ونربي ابننا مش قادرة ابعد أكتر من كدا
نفضها بعيدًا وأشار بتحذير
إياكِ تقربي مني تاني، أنا اتجوزتك عشان الدكتور يحيى، وطلقتك عشان مراتي، شايفة العلاقة بينهم إزاي.. أما عن ابنك لما تولديه وأعمل تحليل، ولو اتأكدت انه ابني اكيد هعرف اربيه كويس..
اقتربت وهي تتحدث بغضب
-هندمك على كل حاجة، اللي كان بعدني عنك هو ابني بس وحياة ابني لأخد حقي كويس
ضحكة خرجت بسخرية وهي يشير إليها بغضب
– حياة ابنك، هو لدرجة دي غالي عشان كدا بتدخني ..روحي عند الدكتور يحيى يمكن يفيدك تعملي ايه
استدار ليدخل ولكنه توقف عندما ألقت إليه بعض الصور
-هترجعني لعصمتك تاني يانوح، ومش بس كدا هتطلق مراتك، وتمشيها من المزرعة يا إما الصور دي هتنزل في كل مكان ومتنساش القنوات الحلوة اللي الشباب بيعشقها ..وطبعا عارف الصور دي حقيقية مش مفبركة، تشااااو يانوح
❈-❈-❈
عند راكان بالمشفى
ولج بعد فترة لغرفتها، قام بخلع المحاليل من كفيها واتجه لأخته
-يلا عشان نروّح، كفاية كدا، ويونس هيتابعها هناك ..اقتربت سيلين منه
-راكان لو سمحت ممكن تهدى وبلاش تكون عصبي كدا
حملها يضمها لصدره وتحرك للخارج بساقين هلامتين دون حديث آخر، انتفض قلبه ذعرا حينما رفعت ذراعيها تحاوط عنقه وكأنها تحلم وابتسمت من بين النوم واليقظة
-رايحيين فين حبيبي
تحرك سريعا إلى السيارة حتى لا يفقد سيطرته عليها فهو آلان في حالة لا تستجدي الضعف أمام سحر عيناها
كعاصفة هوجاء تتعثر برياحها تحرك بالسيارة بشق الأنفس حتى يصل إلى غرفته ويحتمي بنفسه حتى يداري ضعف قلبه الخائن الذي أوصله بضمها لـ يريح روحه المتألمة منها..وصل بعد رحلة شاقة إلى قصره..توقف لمدة لحظات يسحب أنفاسًا ويطردها بهدوء كي يستطع للمواجهة
اتجه للخلف يلتقطها وحملها متجهًا للداخل، وجد الجميع بإنتظاره، توقف توفيق أمامه وبنظرات نارية صاح بغضب :
-انت جايب الزبالة دي هنا ليه؟!
صعق من حديث جده، فيما توقفت عايدة مقتربة تقف بجوار توفيق تشير لليلى التي يحملها راكان
-إزاي تكون بالهدوء دا يا راكان بعد ما مرات أخوك عملته، اقتربت فريال متهكمة وهي تنظر بتشفي إلى راكان قائلة:
– يمكن صعبت عليه يا عايدة، أو يمكن عشان أم أمير، ولا يمكن عايز ينتقم منها بطريقة بعيدة عن الصحافة
اقتربت زينب وتساقطت عبراتها وهي تجدهم بتلك الخسة والندالة، في حين وصل أسعد وتوقف أمامهم
-مش عايز أسمع صوت حد فيكم، هي ليها راجل يقدر يتكلم ومتنسوش انهم متجوزين، أنا واثق في ليلى، أد ثقتي في راكان
ضرب توفيق عصاه وهو يرمق راكان بحيرة قاتلة عندما وجد هدوئه فتحدث
-مهما كان اللي حصل، مستحيل البت دي تقعد في البيت دا، ولازم ..صرخ راكان حتى استيقظت ليلى تنظر حولها بخوف، فهمست وهي تنظر إلى مقلتيه بخوف لا تعلم ماذا يحدث حولها
-فيه إيه إحنا مش كنا في المستشفى..اتجه بها للمقعد ووضعها فوقه بهدوء واستدار يوزع نظراته بينهم ثم اقترب من توفيق
-سمعني كدا كنت بتقول ايه، أرمي مراتي برة بيتي عشان سقطت ابني
صاعقة نزلت على الجميع وشهقات مرتفعة وهمهمات بينهم..دار حولهم وهو يطالعهم بجفاء ونيران صدره تكويه بلا رحمة
-إيه..صرخ بها وصاح كزئير أسد جائع
-سمعوني كدا كنتو بتقولوا إيه؟! ، هز رأسه وهو يطالعهم بنظرات نارية
-بتعيبوا في شرف مراتي، مرات راكان البنداري قدرتوا بكل فجر ترموها بمحصناتكم
دلفت بتلك الأثناء نورسين تتحرك بخيلاء تنظر إلى ليلى التي اغرقت عبراتها وجهها، وبشماتة متأصلة في ابتسامتها، وبخبث شيطاني تحركت إلى أن وصلت إليها قائلة
-حمدلله على سلامتك يا مدام ليلى، كان نفسي أزورك في المستشفى بس خوفت راكان يزعل مني، ويلومني إزاي أزور واحدة لا مؤاخذة
بخطوة واحدة وصل إليها يدفعها بقوة بعيدًا عن ليلى، وجذبها كوحش جائع يدفعها للخارج
-برررة، إنتِ مين عشان تهيني مراتي
جحظت أعين الجميع من ردة فعله، اتجه توفيق إلى نورسين يقف بينهما
-راكان اهدى هي متعرفش، ومحدش مننا اتوقع انك تكون على علاقة بمرات اخوك
ترنح جسده وحدقيته تتسع شيئا فشيًا وصدمة قوية هشمت قلبه، كيف لا يقرأون الوجع فوق جبهته، حرر أنفاسه المحروقة، ورفع كفه يتحسس عنقه، ثم سحب نفسا وزفره قائلا بهدوء رغم مايشعر به:
– علاقتي بمرات اخويا، متخيل بتقول ايه، استدار بجسد منتفض وعينًا زائغة وقلب مفطور ينظر إليها
-دي مراتي أنا، دي ليلى راكان البنداري، اللي حضرتك كل ماتشوفني تقولي أرملة اخوك، مرات اخوك، وكلكم ناسيين انها مراتي، فلو سكتت فسكتت عشان محسسش امي بالوجع على ابنها، ولو رفضت أعلن حملها ف دا برضو عشان موجعش قلب امي..قالها بقلبًا مفطور
أشار على نورسين وأكمل
-ومش معنى إني وافقت اتجوز نورسين يبقى بلغي ليلى، أبدًا، قالها وعيناه تفترس ملامح ليلى الصامتة، وقبل أي حاجة، ليلى اللي طلبت مني اتجوز نورسين، عشان مظلمهاش، ولولاها مكنتش وافقت على كدا
ودلوقتي الكل يعتذر من مراتي، واللي مش هيعتذر يبقى بيعاديني انا شخصيًا..تحرك متجها إليها، وساعدها على الوقوف يحاوطها بذراعيه
-مدام عايدة، حضرتك غلطتي في مراتي وهي مستنية اعتذارك وبتقولك البيت دا بتاعها لما تدخليه تحترمي أهله ومترميهومش بالباطل، ما هي مش تربية عايدة الرفاعي
جحظت أعين عايدة ورمقتها بإحتقار خفي فاقتربت تشير إلى ليلى
-عايزني اتأسف لمراتك، طيب أنا إيه اللي عرفني انكوا كنتوا مع بعض، ماهو إنت ياراكان ماشي مع الكل..
-إخرسي، قالها راكان بغضب وأوعي تفكري عشان سكتت على عملتيه وأنا مسافر انت وتوفيق باشا هعديه، تبقي غلطانة، ومش معنى إنك مرات عمي يبقى احترم اللي يقل من مراتي
-مراتي خط أحمر ولو معتذرتيش حالًا منها، اطلعي برة البيت دا كله، وإياكِ تدخلي هنا تاني
اقتربت تنظر لليلى بحقد وتحدثت بخفوت
-آسفة مدام ليلى، اعذريني مكنتش أعرف إنك وراكان يعني..قاطعها راكان
-دورك خلص اتفضلي على بيتك، وبعد كدا وجودك يكون في مناسبات العيلة البيت دا بعد كدا ندخله بإحترام
توجهت فريال عندما وجدت نيران راكان التي تحرق الأخضر واليابس
-آسفة ياليلى، واعذروني اللي يشوفكم وانتو بتاكلوا في بعض مايقولش انكم يعنى
-شكرا مدام فريال، علاقتنا بينا مالوش داعي تتعبي نفسك بالتفكير فيها عشان عقلك ممكن يجن
اما توفيق الذي تحرك خطوة للخروج،
-رايح فين يا توفيق باشا، إيه عندك جلسة كيماوي ولا حاجة، ترك ذراع ليلى واتجه له ووقف يضع كفيه بجيب بنطاله وهو يطالعه بصمت قائلا
-توفيق باشا يا جماعة اتجبّر على مراتي وخطف أبوها المريض، وهددها لو مطلبتش الطلاق هيقتل باباها، ومش بس كدا، ركب صور لمراتي واتهمها بشرفها وهددها ياخد ابنها، وضربها، كنتوا عايزين منها إيه بعد دا كله
استدار إليها ونظر لمقلتيها
-أنا كمان أذيتها كتير وضغطت عليها كتير، اقترب منها واحتضن وجهها ثم طبع قبلة على جبينها
-آسف يا ليلى، حقك عليا، وجعتك كتير..ودلوقتي اللي عايزاه من توفيق باشا هينفذه ..قاطعهم توفيق
-والله مش أنا اللي عملت الصور، الصور دي جاتلي ولو مش مصدق شوف تليفوني أهو وشوف الصور دي جاتلي أهو
أمسك هاتف جده، وقام بفعل شيئا ما، ثم أرسله لهاتفه، واتجه لليلى يحاوطها
-أؤمري ، واللي تطلبيه ردًا لأعتبارك وأولهم مني
أنزلت كفيه بهدوء ورجفة بقلبها وهي تحاوطه بنظراتها
-عايزة ارتاح ممكن مش عايزة حاجة من حد لو سمحت..تدخلت فريال في الحديث قائلة
-متزعليش مننا مكناش مصدقين إنك يعني إنتِ وراكان تكونوا مع بعض بعد موت سليم، وخصوصا كلنا عارفين ارتباط راكان بنورسين
-مرات عمي ..صرخ بها ثم اتجه يرمقها شرزًا
-بلاش تقولي كلام متعرفيش معناه،
-جه الدور عليك يا توفيق باشا، حضرتك اهنت مراتي واجبرتها على حاجة غصب عنها، ودلوقتي لازم تعتذر منها..اقترب توفيق منها، وسحب راكان بعيدًا عنها ثم ضم وجهها وطبع قبلة على جبينها قائلا
-أنا آسف يا بنتي، ماهو اللي تخلي راكان البنداري يجيب اخيرًا ولاد لازم اشيلها فوق دماغي، وحقيقي آسف على كل حاجة
صدمة نزلت على الجميع من كلمات توفيق، ابتسم أسعد لوالده، فهز توفيق رأسه
-لو كدا هتكون سعيد يا ابني فأنا اعتذرت من مراتك أهو
يا ريت كل واحد على بيته، رفع نظره لنورسين التي تقف صامتة ثم اردف
-روحي يا نور دلوقتي وزي ما قولتلك قبل كدا عن ليلى، دي مراتي وزع نظراته بين الجميع
-احترامها من احترامي، واللي هيزعلها من مجرد نظرة مش هسكتله
رفعت نظرها إليه سريعًا وكأنه صفعها بقوة على وجهها، قام بحملها دون حديث، متجهًا للأعلى والجميع كأن على رأسهم الطير
سحب توفيق كف نورسين متجهًا للخارج وتوقف أمام سيارتها
-إيه اللي راكان قاله ومخبياه
فتحت باب السيارة ونيران الغيرة تأكل صدرها، استقلت السيارة وهي تصوب نظراتها له
-أنا مستحيل أوافق اتجوزه وهو بيعشق اللي اسمها ليلى دي، أنا كنت مفكرة بيقول اي كلام وخلاص، بس حضرتك شوفت عمل ايه عشان..
-أمشي دلوقتي يانور، واياكي تتهوري
بغرفة راكان بالأعلى، وضعها على فراشه بهدوء، كقطعة أثرية نادرة، وجلس أمامها وأنفاسه تتسارع كطبول حرب ..صمتًا ران بالمكان محاولًا كظم غيظه فتحدث بعد لحظات
– طبعا احنا قدام الكل متجوزيين، لكن بينا معرفكيش، نهض واتجه إلى الشرفة وقام بإشعال تبغه عله يضع إحراق نيرانه التي يشعر بها آلان ..ظل لبعض اللحظات ثم ولج وجلس يضع ساقًا فوق الأخرى
-بما إن الحياة بينا بقت مستحيلة، الأوضة دي هتكون بتعتك من دلوقتي، أنا هطلع فوق، والاوضة التانية هخليهم يقفلوها مش عايز أشوفك فيها
كانت اللحظات الأشد وجعًا وغضبًا بحياته، لأول مرة يريد تحطيم كل شيئا حوله حتى تخور قواه، حتى لا يؤذيها..رجع بجسده للخلف مطبقًا على جفنيه
اعتدلت وحاولت التحرك خارج الغرفة، هي آلان في حالة لا تسمح للجدال معه
نهضت وتحركت خطوة، فتح عيناه
-رايحة فين؟! قالها وهو جالس يطالعها بغضب
ابتلعت ريقها بصعوبة وحاولت الحديث، فتحدثت بصوت متقطع
-احنا كنا متفقين على كل حاجة، انت قولت هتتجوز، وأنا قولت هصبر عشان حملي ودلوقتي مبقاش فيه حاجة تخليني أفضل عشانها ..أنهت حديثها وتحركت خطوة أمامه محاولة الأ تتعثر بخطواتها الواهنة
صرخ بها مما جعلها تتسمر بوقفتها
-انا بس هنا اللي اسمحلك إنك تمشي ولا تقعدي، أنا بس اللي انهي الجواز والعلاقة، انتِ هنا مالكيش أهمية غير انك أم أمير بس
استدارت بجسدها والدموع تترقرق بعيناها ثم أردفت بصوتًا متحشرج
-انا بس اللي أقدر احدد حياتي ازاي، ودلوقتي حياتنا خرجت عن السيطرة
نصب عوده ناهضًا وأطلق ضحكة صاخبة ثم غرز نظراته بعمق عينيها
-حياتنا، هي فين دي حياتنا، ولا احنا، مين إحنا، ليه بتجمعي، قولي من يوم ما اتجوزنا وجمعتيني معاكي في ايه، دا حتى علاقتي معاكي مرتين بس ..اقترب ومازالت نظراته النارية تهاجم عيناها
–
حملك كان من المرة الأولى، على ما أظن، مش صح، أيوة أربع شهور وانا مختوم على قفايا، وحضرتك بتلعبي بيا، أنا اللي عمري ما فكرت إنك تكوني بكل الاذى دا كله
❈-❈-❈
جذبها بعنف حتى ارتطمت بصدره وتحدث من بين أسنانه
-أنا الغبي اللي اتلعب عليا، وشرف مراتي اتهدر قدامي ووقفت عاجز معرفتش ارد، هرد أقول ايه وأنا معرفش بحملها، شوفتي واحد مراته لعبت عليه وقرطسته كدا
-راكاااان من فضلك..ضغط على خصرها وكاد ان يؤذيها بضغطته القوية حتى صرخت وانسدلت عبراتها
-وأنا فين في حياتك، وانت بتطردني من اوضتك، أنا فين وانت جاي توجعني وتقولي هتجوز عليكِ، أنا فين وانت بتتهمني وتقولي انتِ وابن عمك
اشتعلت عيناه بلهيب مستعر وأجابها ومازال يحاوطها بذراعيه
-انتِ ولا حاجة في حياتي من وقت ما رضيتي إنهم يضحكوا عليكي وتنزلي بجوزك الأرض، جوزك اللي عمره ما حب واحدة قدك
دفعها على الفراش وصرخ
-اقعدي ومفيش خروج من باب الأوضة دي تاني، وقبل ما تتكلمي يا غبية، بصي حواليك وشوفي الأوضة دي كنت بعملها لمين، رغم اللي عملتيه كنت بقول معذورة ومضغوطة، بس كدا انتِ كتبتي النهاية بإيدك
قالها وتحرك مغادرًا حتى لايفعل بها شيئًا يندم عليه
أحست بالإختناق واعترتها رعشة جعلت قلبها يرتعش مما يفعله معها، اهتز جسدها وبكت بنشيج على ما صار لها، دلفت سيلين تبحث عنها
-ليلى حبيبتي إيه اللي حصل
ألقت نفسها بأحضان سيلين وبكت بنشيج
-راكان هينتقم مني عشان الولد، عايزة امشي، ساعديني يا سيلين أمشي.. بكت بشهقات مرتفعة
ربتت سيلين على كتفها
-ليلى اهدي حبيبتي، راكان بيحبك ومستحيل يئذيكي صدقيني..نهضت واحضرت دوائها واعطتها بعضًا منه ثم دثرتها..دلفت والدتها إليها تنظر إلى الغرفة التي تغيرت بالكامل
-اخوكي راح فين؟!..جلست تضع رأسها بين كفيها
-راكان صعبان عليا أوي ياماما، حبيبي مش شفتيه كان عامل إزاي لما قالوله فقدت الجنين، ولما قالوله هتشيل الرحم أول مرة في حياتي اشوفه بالشكل المنهار دا
مسدت زينب على خصلات ليلى واجابتها
-اخوكي بيحبها من قبل ما تتجوز سليم..شهقت سيلين تضع كفيها على شفتيها، فاتجهت إلى والدتها
-انتِ بتقولي ايه ياماما..جلست زينب وتنهدت بحزن تطالع ليلى وهمست
-وممكن ليلى تكون حبته قبل سليم، استدارت تنظر إلى سيلين التي تقف مصدومة من حديث والدتها
-في يوم جالي وقالي بحب مهندسة جميلة أوي يا ماما وعايز اتقدملها واكوّن أسرة، سحبت نفسا عميقًا واخرجته وهي تطالع ليلى بحزن
-فرحت لما شوفته أخيرًا هيتجوز، قولت أخيرًا لقى اللي حبها وهيقدر يعيش معاها، بعدها بيومين جالي سليم وقالي نفس كلام راكان، وعرفت ان ليلى شغالة معاهم في الشركة
صمتت للحظات وأكملت بنبرة حزينة
-سيلم أصر أروح أخطبها معاه، مع إني رفضت قولتله لازم نخطب لراكان الأول، هو وافق حبيبي ورحت اتكلم مع راكان لقيته متغير وقالي وقتها
-لا خلاص انا وهي مش متفقين، وعدت الأيام، ولقيت راكان دايما بيهرب من اليوم اللي المفروض نكون كلنا مع بعض، وجوازه المفاجئ من حلا، وطريقة تعامله مع سليم وهروبه من فرحه، لحد ماعرفت ان ليلى حامل، وقتها عرفت البنت اللي كان بيتكلم عليها هي ليلى، أنا شكيت في الأول، بس بعد كدا اتأكدت من طريقته وخوفه عليها بعد موت اخوكي؛ عشان كدا أصريت انهم يتجوزوا
جلست سيلين بجوارها وطبعت قبلة على جبينها
-انتٍ عظيمة أوي ي اماما، لو واحدة تانية كانت قالت دي مرات ابني والمفروض متتجوزش بعده
جحظت أعين زينب من كلماتها ونهرتها قائلة
-وهو مش راكان ابني ياسيلين، كدا تزعليني منك ..هزت سيلين رأسها رافضة حديث والدتها
-مش قصدي والله يا ماما..المهم دلوقتي لازم تبعديه عنها دا من وقت ما فاقت وهو مش سايبها
-طيب هو لسة فيه خطر من النزيف، يعني هي بقت كويسة
هزت سيلين رأسها
-أيوة الحمد لله كان فيه مشكلة بسيطة، ودكتورنا العبقري تدخل، متنسيش دا مش أي حد دا الدكتور يونس البنداري
لكمتها والدتها
-أيوة ياختي مين يشهد للعروسة، الله يكون في عونها اللي هتتجوزه
نهضت تضع يديها بخصرها
-بتغلطي في يونس يامامتي على فكرة..دفعتها زينب ضاحكة
-اه ودا بيتغلط فيه، دا نفسي أديله قلمين على وشه، سيبك من يونس وركزي مع مرات اخوكي، بعد اللي حصل انهاردة فريال وعايدة مش هيسكتوا، وخصوصا راكان أعلنها قدام الكل، مراته وحبيبته مش هيهدوا غير لما يفرقوهم
وضعت ذراعها على كتف والدتها
-خافي من ابنك على المسكينة دي يا ماما مش فريال وعايدة، دا خرج وطلب من نعيمة يجهزوا الجناح اللي فوق
اومأت برأسها قائلة:
– متخافيش مش هيقدر يتحمل كتير، أنا عايزة منك خدمة، أنا عايزاكِ تشعللي راكان بليلى، أنا انهاردة اتأكدت إن اخوكي لو بعد عنها ممكن يحصله حاجة، انتِ مشوفتيش عمل إيه تحت
نظرت بشرود وأكملت
-ليلى مش لازم تطلع من البيت دا، ودلوقتي انا هتصل بنوح يجي هو اللي هيقدر يوقف راكان، غير إنها بنت خالته، انت اهتمي بليلي واشتغلي على نورسين فهماني طبعا
احتضنتها سيلين وطبعت قبلة على وجنتيها
-زوزو حبيبتي عايزة بوسة كبيييره اووووي
لكزتها زينب
-بكاشة أوي يا سيلي، إنما فين دكتور الستات ياخوفي ليكون بيجري ورا ست ..قالتها زينب وتحركت وهي تضحك عندما وجدت نظرات سيلين النارية
-خلي بالك من ليلى
على صعيدًا آخر عند راكان وصل إلى غرفته بالأعلى، وأنفاسه يكاد يلتقطها بصعوبة، وقف أمام المرآة ينظر لصورته التي تشوهت وحدث حاله
-ليه تعمل فيا كدا، لدرجة دي شيفاني وحش قوي كدا، طيب فين الحب اللي بتقول عنه..شعر بالإختناق، فقام بفك زر قميصه والقاه على الأرض بغضب بعدما وصلت لرئتيه رائحتها ثم اتجه لمرحاضه دلف لكابينة الاستحمام وقام بفتح المياه الباردة عله تطفي نيران صدره المشتعلة من ذاك الحب الذي دمر حياته، ظل لبعض الوقت وهو يلكم الحائط على قلبه المكلوم، استند على حوض الاستحمام بعدما خارت قواه منحنيا الجسد، وبكى بصمت كاتمًا صرخة توغلت بصدره
هوى جالسا وعبراته تحرق وجنتيه حتى شهق بداخله وهو يبكي على مأساة قلبه المفطور، من الذي يشعر بكم الألم الذي بداخله، ربما اعتقد يومًا إنها نصفه الآخر الذي تشاطره أحزانه، ولكن ظنه أصبح كسراب، فهي التي أقسمت برب العزة أن تذيقه من الألم ما يكفي لأحراق قلبه
ظل جالسًا وهو منحني الظهر كالذي يحمل الكثير من حقائب الوجع التي اثنته بطريقة مؤلمة
فترة لا تقل عن ساعة وهو بتلك الحالة، حتى نهض وهو يلتف بمنشفة متجها للخارج وقام الأتصال بأحدهما
-عايزك تجهزلي بيت المزرعة، وأمن داخلي وخارجي، وكاميرات في كل مكان، المزرعة القديمة، والكلام يكون سري
أغلق هاتفه ثم استدار ينظر إلى فراشه وألقى نفسه عليه وذهب بثبات عميق، هروبًا من واقعه المرير
❈-❈-❈
بعد مرور عدة أيام ، حاولت درة الاتصال بحمزة، اخذ يملي نفسه بالأكسجين الذي يحتاجه حتى يهدئ من حرقة صدره، فأجابها بهدوء
-درة عندي قضية مهمة ومش فاضي ، ممكن نتقابل على آخر الأسبوع …اتجهت لوالدتها
-ماما أنا هروح أزور ليلى من وقت مارجعت ومزورناهاش..ربتت سمية على كتفها
-اختك صعبانة عليا أوي يا درة، المهم طمنيني عليها، وشوفيها لو محتاجة حاجة عرفيني
رفعت درة كف والدتها وقبلته قائلة
-ليلى مش عايزة غير راكان دلوقتي يحسسها بالأمان بعد ما فقد الثقة فيها، وهي حاسة انها ضايعة
ضيقت سمية عيناها متسائلة
-ليلى قالت لك حاجة، يعني راكان زعل منها عشان خبت
هزت رأسها رافضة وأجابتها
-أبدًا ياماما، انتِ عارفة بنتك مبتتكلمش في حياتها الشخصية، بس حسيت كل ما أزورها مابيكونش موجود
تنهدت سمية بحزن وتحدثت
-قسيت عليها جامد لما طلبت منها انها ماتطلبش الطلاق من راكان
مر شهر والحال كما هو بين ليلى وراكان بل أصبح مأساويًا، مشاركتهم الطعام أصبحت معدومة يعود متأخرًا، وأحيانًا يمر اكثر من يومين دون وجوده، وصل مساءً ذات يوم ودلف لغرفة مكتبه وهو يتحدث بهاتفه مع جاسر
-طيب كويس جدًا ياجاسر، خلي الراجل بتاعك ظله، عشان وقت مانوصله ميهربش زي كل مرة
على الجانب الأخر اجابه جاسر حزينا
-لازم أوصله بأي طريقة صدقني محدش هيموته غيري ابن الكلب دا
شعر راكان ببعض تأنيب الضمير عندما لمح نبرة الألم بحديثه
-بنت عمك عاملة ايه ايه دلوقتي؟!
مسح جاسر على وجهه بغضب
-مش كويسة خالص يا راكان، ونفسي أوصل للحقير دا، وحياة كل دمعة نزلت من عينيها لأموته بأيدي الحيوان الكلب
حاول راكان تهدئته فهناك شعور قاسي يفترس قلبه دون رحمة للحد الذي جعله يفتح زر قميصه وهو يتخيل زوجته في وضع ابنة عمه، فتحدث بصوتًا متقطع
-متخافش هناخد حقها وحق أي حد تطاول عليه الحقير دا، قالها بعينين مشتعلة وبشكل مخيف حتى برزت عروقه والغضب يتملك منه
أغلق الهاتف وجلس محاولًا السيطرة على نفسه حتى أخرج جهازه وبدأ يلهي نفسه بالعمل، قاطعه طرقات خفيفة على الباب، دلفت بهدوء، رفع نظره إليها لم يراها منذ اسبوع، يعاقب نفسه ويعاقبها بأشد العقاب
تأمل براءة ملامحها المحببة لقلبه، وحركتها الخافته التي تداعب الأرض بأقدامها وثغرها المفتون بحبة الكريز التي اشتاق لطعمها كاشتياق الأم لأحتضان رضيعها الغائب
فاق من نظراته الخارقة لها عندما جلست أمامه
– ممكن اتكلم معاك شوية
ارجع بظهره يتكأ على المقعد، وأشعل تبغه حتى يلهيه بالبعد عن احتضانها فأشار بكفيه
-سامعك يا مدام، قولي اللي عندك
تسارعت أنفاسها من حدته معها ونظرت إليه تكبح غلالة دموع غيمت مقلتيها قائلة
-عايزة أمشي من هنا هنفضل لحد إمتى كدا، طلقني يا راكان عشان نرتاح أنا وأنت معدش ينفع نعيش تحت سقف واحد
نفث دخان تبغه وهو يطالعها بصمت، ثم دنى ينظر إلى مقلتيها
-احنا متطلقين من يوم ما رفعتي قضية طلاق، ولو على حتة الورق اللي بينا فدي ملهاش لازمة ممكن تتقطع في أي وقت،
دنى اكثر حتى كادت شفتيه تلامس اذنها وهمس لها
-انتِ متهمينيش، انتِ هنا مربية لإبنك، عايزة الورقة تتقطع إتنازلي عن أمير، تلقت طعنة غادرة بواسطة خنجر بارد لتشق أضلعها
استدارت بوجهها إليه فكان قريبا جدا حتى تلامست شفتيها وجهه، ورغبة جامحه في صفعه على وجهه
اشتعلت حدقيتها كجمرات ملتهبة من نظراته
-طيب قطع الورقة اللي ملهاش أهمية دي
ابتسم بسخرية، رافعًا حاجبه وتحدث متهكمًا
-اعتبريها اتقطعت، بس عندي شرط لما تنفذيه
اشتعلت نيران قلبها، لكنها تداركت لعبته فاستخدمت اساليبها بعدما فعلت مثلما فعل ونهضت متجهة إليه، وامالت بجسدها فأصبحت قبالته تطوق عنقه بذراع والأخرى تتلاعب بياقة قميصه وهمست بجوار اذنه
-هتطلقني يا راكان وبلاش تستفزني عشان هتخسر، وحياة قلبي اللي منبضش غير ليك لأندمك على كل اللي عملته
جذبها حتى جلست فوق ساقيه وجذب حجابها من فوق خصلاتها التي انسدلت بعشوائية فكانت لوحة بريشة فنان أبدع في رسمها ثم أطلق ضحكات صاخبة جعلتها تتجمد بجسدها بين يديه عندما حرك انامله بحرية على جسدها ودنى يهمس لها
-بتغريني يا لولة، جاية تغري راكان البنداري في ملعبه، تسمر جسدها من حركاته التي جعلت جسدها كالمشلول وهو يضع رأسه بعنقها هامسًا
-على فكرة انتِ مش مراتي دلوقتي، يعني على ما اظن وجودك معايا لوحدنا حرام
كلماته فتت قلبها لشظايا متناثرة، وطعنت كرامتها، هبت كالملسوعة تلكمه بصدره وعبراتها تحرق وجنتيها
– انت ايه مش معقول تكون بالقسوة دي كلها، طلقني يا راكان بقولك مستحيل أاضل معاك في بيت واحد
احس بقبضة تعتصر قلبه، فابتلع ريقه الجاف ثم
نهض من مقعده وحاوطها بذراعيه
-مفيش خروج من البيت دا قبل جوازي، بعدها يبقى هفكر اقطع الورقة اللي بينا
أطلت من عينيها نظرة جوفاء قاسية وبأنفاسها الرقيقة الحارة التي أحرقت جانب وجهه ابتلعت غصة وتحدثت قائلة وهي تلكمه بصدره
-هستنى لحد ماتتجنز ان شاءالله ودا عشان اثبت لنفسي إنك ولا حاجة يا أكتر واحد كرهني في نفسي، صمتت بعدما فقدت اتزانها وأكملت وهي ترفرف برموشها تكبح غلالة دموع توخز جفنيها :
أنا مسحتك من حياتي كلها، وزي ماقولت دلوقتي احنا في حكم المتطلقين متدخلش في حياتي، زي ما أنا مش هدخل في حياتك
فُتح الباب وهو يحاوطها بين ذراعيها، دلفت نورسين
-حبيبي خلصت، إيه مش هنخرج
نهرها صارخًا:
-إزاي تدخلي كدا من غير إذن، اطلعي برة لحد ما ابعتلك.. تفاجأت نورسين من وقوفه بتلك الطريقة يحتضن ليلى وهو الذي كان يحادثها بالصباح ويعتذر منها والآن ردة فعله القاسية التي اشعرتها بالإختناق فاكفهرت تعابيرها وحاولت السيطرة على نفسها قائلة
-تمام حبيبي هستناك منتأخرش عليا
وقفت ليلى بألمًا مفرط إجتاح كل خلية بجسدها وروحها تتمزق، فهمست له
-روحلها، بلاش تتأخر على الكوين بتاعتك..قالتها ثم دفعته وتحركت للخارج بخطوات تأكل الأرض كالنار التي تأكل سنابل القمح..سارت بخطى مسرعة حتى لا ينتبه لدموعها ونشيجها الذي أصاب قلبها قبل عينيها وغصة مسننة تمنع تنفسها تتسائل بنفسها
-لماذا يفعل بها كل تلك القسوة، كيف لها أن تعشق رجل ذنوبه أكثر من حسناته في الحب
لقد سلب عقلها كما سلب قلبها فعليها ان ترد له الصاع صاعين كأي انثى تتورم كرامتها من زوج مثله..وصلت إلى غرفتها القديمة التي حرمها منها وصاحت على العاملة
-فين مفتاح الأوضة دي يانعيمة..نظرت نعيمة بانظارها للاسفل قائلة
-مع راكان باشا يا هانم..ضربت قدمها بالأرض وصاحت بغضب
-روحي هاتي منه المفتاح قوليله مدام ليلى مش مرتاحة في الأوضة التانية
وصل إليها بعد دقيقتين يطالعها بنظرات نارية
-واقفة كدا ليه..اقتربت منه واشارت على الغرفة
-دي اوضتي أنا ليه مقفولة
ضغط على ساعديها وتحدث وهو يجز على شفتيه
-كلمة كمان وهنسى إنك مراتي وهعاقبك أشد العقاب..اشارت بسبابتها ناهرة إياه
-أنا مش مرات حد سمعتني، أنا هنا أرملة البيت دا، جذبها من خصلاتها يقربها من وجهه ضاغطا على فكها
-مراتي تنام في أوضة جوزها يا محترمة، كلمة زيادة ولا غلط في رجولتي وكرامتي هدوس عليكي، متفكريش حبي ليكي هيشفعلك، ودلوقتي روحي على اوضتنا ووقت مايجلي نفس أبقى اجيلك
أحست بالدوار يلف رأسها وكأنها تلقت ضربة قوية بعصا غليظة جعلها ترتد للخلف بعدم اتزان ..طالعت عيناه تغرز نظراتها داخل مقلتيه
-راكان انت بتقول ايه..تركها واستدار سريعا بعدما شعر بالضعف من نبرة صوتها الحزينة، فتحرك متجها للأسفل دون حديث آخر
وبعد وقت من التفكير دام لوقت ليس بقليل، وجدت ان الدفة ستنقلب عليه
-ولجت لغرفته وهي تنظر إلى أراكانها صارخة وهي تجذب خصلاتها بعنف
-آآهة، ليييييه ياراكان تعمل فيا كدا ليه؟!
اغمضت عيناها وجلست تجمع شتات نفسها وأقسمت بداخلها ان تأخذ حقها
باليوم التالي دلف مع العاملة وجدها تجلس بالشرفة تضم ركبتيها وتضع رأسها عليها تنظر للخارج بشرود، اتجه لغرفة الملابس، وأشار للعاملة بحمل كل مايخصه بها، ثم اتجه إليه ظل يراقبها لبعض اللحظات، شعرت بوجوده من رائحته ولكن لم تعيره إهتمام، جلس بمقابلتها وتحدث
– اجهزي عشان فيه حفلة عيد ميلاد مرات واحد صاحبي، لازم تيجي معايا
-خد مراتك التانية انا هنا أم لأمير وبس، مالكش دعوة بيا، ومفيش حاجة هتجمعنا تاني
رفع ذقنها بأنامله قائلا بهدوء
-فستانك على السرير، قومي جهزي نفسك عشان هنتحرك بعد ساعة
نفضت ذراعيه بعيدا عنها
-متحاولش تلمسني تاني، قولتلك مش هروح معاك في حتة، وامشي اطلع برة مش عايزة اشوفك قدامي
-تمام، قالها ثم نهض متحركًا للخارج دون حديث آخر
بعد إسبوع من آخر حديث بينهما
دلفت سيلين بعدما فتحت فتحة بسيطة من الباب
-ممكن ادخل يافلفل نار، استدارت ترمقها بنظرات نارية، تضرب كفيها ببعضهما
-كان ناقصني كمان أم لسانين
دلفت تتحرك بهدوء وتطالعها بشماته، ثم جلست وهي تضع ساقًا فوق الأخرى
-ما قولتلك ميولعش في الراجل إلا نيران الست، وانتِ قال إيه كرامتي، روحي بصي من الشباك وشوفيه قاعد تحت إزاي ولا على باله، خليه حابسك في أوضته هنا وهو بيتمتع بالجمال الاصطناعي تحت
نهضت وامسكتها ثم اوقفتها أمام المرآة
-بصي على نفسك كدا، شوفي وشك عامل ازاي، ولا لبسك، بتحسسيني إني قاعدة مع امي
مطت شفتيها للأمام كالأطفال وهي تدور حول ليلى
-مش هضحك عليكِ راكان مش بتاع لبس ومكياج بس مفيش راجل يشوف دلع الست مع حد تاني ويسكت
جلست ليلى ترمقها بسخرية
-بس يا بت يا هبلة، إيه أفلامك العربي الهابطة دي، أنا واخوكي هنطلق وقبل ما تتكلمي عايزة أقولك حاجة
– صدقيني معدش يعنيلي يا سيلين، راكان وجعني أوي، واحنا الإتنين خلاص مينفعش نقعد مع بعض، لو سمحتِ بلاش تضغطي عليا حبيبتي هو ميهمنيش..قالتها بنبرة حزينة متألمة ثم اتجهت إلى الشرفة ووقفت تعقد ذراعيها أمام صدرها وأشارت بعينيها عليه
-شوفي كدا، دا واحد ممكن تحزني عليه، شوفي لو مكاني تتحملي تشوفي يونس بالوضع دا
انزلقت عبرة غادرة على وجنتيها إزالتها سريعا
-أنا تعبت واتقهرت بما فيه الكفاية، صدقيني من كتر وجعه فيا معنتش بحس بالوجع
استدارت بظهرها له ونظرت إلى سيلين وأكملت بقلبًا مفطور
-يمكن متعرفيش الكلام اللي هقوله دا، بس راكان مش شخص عادي بالنسبالي عشان أسامح على غلطه، فياريت متضغطيش عليا، عارفة إنك زعلانة، بس حقيقي هو اتمادى في جرحي كتير
اشفقت سيلين عليها كثيرا فربتت على كتفها وسحبتها للداخل
-آسفة يا ليلى مش قصدي ازعلك، طيب احنا قلبناها نكد كدا ليه، إيه رأيك نرقص نغير شوية النكد دول
جلست وشعورها بالأختناق سيطر عليها حتى فقدت التنفس، وعيناها الغائمة بالدموع تحاول السيطرة عليها حتى لا تسقط عبراتها قائلة
-مليش نفس، عايزة ارتاح لو سمحتِ
جذبتها سيلين إلى غرفة ثيابها
-والله ابدًا، نظرت بثيابها وجدت قميصًا باللون الأخضر الداكن، ظلت تحت يدي سيلين لدقائق ورغم إهتمام سيلين بها إلا نيران قلبها تحرقها دون رحمة كلما تذكرت هيئة جلوس نورسين بأحضانه
تعض أناملها من الغيظ تود لو تصرخ وتعبئ الدنيا صراخًا على مايفعله بها معذب قلبها، لحظات حتى استمعت لصوت الموسيقى، نهضت وهي تقسم لنفسها أنها ستلقيه كما ألقاها، جذبتها سيلين وبدأت تتمايل معها على الموسيقى، وجسدها يتمايل كمعذوفة موسيقى
قبل قليل لمحها وهي تقف بشرفة غرفته وتواليه ظهرها، علم حينها بأنها غاضبة حد الجحيم من وقفتها ودلوفها للداخل بتلك الطريقة حتى إنها لم تعتري بالنظر إليهما ..نهض وتحدث إلى نورسين
-بعدين يا نور نتكلم في الفرح، أنا كان عندي شغل كتير النهاردة وبكرة عندي قضية في أسيوط، لازم أنام بدري
حاوط وجنتيها وتحدث
-لما ارجع من السفر وعد هنحدد معاد الفرح، وزي ما قولتلك قبل كدا، متشغليش بالك بموضوع ليلى، أنا وليلى حياتنا خاصة بينا احنا الإتنين، زي ما هتكون حياتي انا وانتِ خاصة بينا
حضنته وهي تحاوط جسده قائلة
-انت مش قولت هتطلقوا قريب، ليه خليتها تقعد في البيت تاني، وليه أوضتك اللي كنت بتقولي اعتبريها اوضتك، أنا مبقتش فهماك يا راكان، وساعات بتأكدلي إنها حبيبتك، وساعات احس إنها عدوتك، ممكن أعرف انت عايز منها إيه بالضبط
كان يرمقها بنظرات هادئة، ورغم هدوئها إلا أنها كانت تقيمية فتحدث قائلا
-ليلى اذنتي كتير يا نور ولازم ارجع حقي وحق ابن أخويا الأول، مفيش طلاق إلا لما تتنازل عن أمير، روحي يا نور وبعدين نكمل كلامنا
مطت شفتيها وحملت حقيبتها قائلة
-تمام حبيبي، هنشوف آخرة ليلى إيه..تحرك معها إلى أن وصل إلى سيارتها وتحركت بها مغادرة
ظل واقفا لبعض الدقائق يتابع تحركها حتى خرجت كاملًا من الحديقة، جلس لبعض الوقت حتى وصل لهاتفه إشارة ..ابتسم بسخرية على قدره
بالسيارة فتحت هاتفها
-أيوة يا أمجد، انت غبي عمال تتصل بيا وأنا مع راكان ..حك أمجد رأسه يشعر بتعجب ممزوج بالغباء فتحدث
-انا مش مرتاح يا نور لراكان، حاسه كاشفك معرفش ليه
ابتسمت ونقرت بأصابعها على المقود وتحدثت
-لا متخافش مستحيل يفهم العلاقة بينا، المهم استعد عشان حبيبة القلب هتكون عندك قريب، بس متنساش حلاوتي، هو هيسافر أسيوط بكرة وبعد كدا هنحدد الفرح
أطلق أمجد ضحكة صاخبة وأردف
– طيب ما تيجي وحشتيني وأهو العريس مش موجود، ونشوف هنبعد ليلى ازاي، معرفش جايبة الثقة دي كلها منين
-اوكيه حبيبي بكرة أكون عندك، بس المهم بلاش قاسم باشا يعرف وجدو توفيق لو عرف هيولع فينا احنا الإتنين، قالتها وضحكة سخرية على وجهها
❈-❈-❈
عند راكان اتجه بعد قليل إلى جده، وصل إلى منزل عمه ومنه إلى غرفة جده، وجده يستعد لنومه، دلف إليه
-عايز اتكلم معاك ..أشار توفيق بالجلوس، وهو تسطح على مخدعه قائلا بصوتًا متعب
-سامعك يا راكان
جلس راكان وطالعه متسائلا
-ليه قاسم بيراقب حمزة، وبلاش تقولي مش عارف ..سحب نفسا عميقًا ثم طرده قائلا
-أنا معرفش ليه، بس اللي اعرفه ان فيه قضية مع حمزة لخصمه، ومش عايز حمزة يكسبها
أومأ راكان ثم تسائل
-طيب هيستفاد إيه لما يوقف يونس عن العمل
جحظت أعين توفيق متسائلا
-قاسم عايز يوقف يونس عن العمل ليه.. صمت راكان للحظات ثم تسائل مرة أخرى
-ليه عايزني أطلق ليلى، وبلاش تقولي كلامك اللي ميقنعش طفل دا
ارجع توفيق بجسده لظهر الفراش وتحدث
-هتصدق جدك ولا هتصرخ وتقول انا واحد مجرم كعادتك
ابتسم راكان بسخرية
-توفيق باشا متلعبش عليا بدور الحنية دا مش نافع معاك، هات من الآخر وقولي ايه مشكلتك مع ليلى
أطبق على جفنيه وتحدث
-ليلى ابن الشربيني مش هيسبها بيقول هيجبها حتى لو في حضن امها، بيقول هي السبب في دا كله، رفع نظره إلى راكان قائلا
-مكنتش أعرف انك بتحبها صدقني كنت مفكر انت بتعمل كدا وخوفك عليها عشان أمير، بس مكنتش أعرف إنها تهمك
نهض راكان وكأن جده وضع بنزينا مشتعل بصدره بعدما علم بنية ذاك الحقير، توقف لدى الباب قائلا
-تعرف مكانه فين ولا لا ؟!
شعر بألم يتسرب لجسده فنظر إليه بخوف
-حبيبي إبعد عن أمجد، دا واحد حيوان وبيعمل كل حاجة، مش عايز أخسرك يا راكان، كفاية وجعي على سليم
استدار يفترس ملامحه وصاح بغضب
-محدش قتل سليم غيرك، ومحدش هيقتلني غيرك، دنى منه وهو ينظر لمقلتيه
– عايز تفهمني إيه ياباشا، إنك بقيت رحيم بينا وبتخاف علينا، طيب من إمتى وانت ايدك ملوثة بدم ابنك ومراته، وكنت ناوي تخلي أمجد الحقير يخطف ليلى مع صورك الحقيرة وتيجي وتقولي شوفت مراتك الخاينة، مع كل راجل شوية
هز توفيق رأسه رافضًا
-وحياة ربنا يابني ما أنا اللي عملت الصور دي، والمفروض تشكر ليلى عشان وافقت لولا كدا كانت سمعتكو بقت في الأرض
قطب مابين جبينه متسائلا
-يعني ايه مش فاهم ؟!
نهض متوجهًا ووقف بمقابلته
-هو اخد الورقة اللي ليلى مضتها في مقابل الصور دي، معرفش عمل الصور إزاي، أنا منكرش ضغطت على ليلى عشان الصور دي، وحذرتها بس اقسم بالله من خوفي عليك، محبتش تخرج من وظيفتك بفضيحة، أنا مش وحش يا راكان، هي رفضت وصرخت وقالت مستحيل أتنازل عن جوزي، البت وقتها اشترتك بس أنا اللي ضغطت جامد، ومش أنا اللي خطفت أبوها، دا الحقير هو اللي عمل كدا
دقق راكان النظر بعيناه وتحدث
-لما انت مش بتحبهم ليه لحد دلوقتي ماشي معاهم ..استدار توفيق لمخدعه قائلا
-اطفي النور عايز أنام .. تحرك راكان مغادرًا دون حديث آخر، اتجه لقطته الشرسة حتى يضايقها وينظر لسواد عيناها الذي يسحره ويجعل دقاته تعزف بإسمها
استمع للموسيقى وضحكات أخته بالداخل، فتح زاوية من الباب وعقد ذراعيه يطالعها بنظرات هائمة، هذه الفتاه حقًا ستؤدي إلى هلاكه…..جانب منه سعيد ومنبهر وجانب آخر يريد جذبها من خصلاتها، وهي تتمايل بجسدها كمعزوفة موسيقية بجوار سيلين التي تمسكها من كفيها لتدور بحركة كالفراشة المبهرة
عقد ذراعيه مستندًا على الجدار مبتسمًا، لحظات مرت وهو واقفًا يشتهي عناقًا يخفف وطأة احتراقه من إبتعادها، تحرك بعدما فقد قدرته على التحمل
كانت تدور وابتسامتها تشق ثغرها، فجأة وجدت من يحاوطها بذراعيه..تجمد جسدها وكأنها ليست التي كانت مثل الفراشة، واهتز جسدها ترجع عدة خطوات للخلف، بعيون مرتعشة وأنفاسًا مرتفعة تعلو صدرها
دنى حتى اخترق قانون المسافات التي وضعها كلا منهما، مما غلفت رائحته رئتيها، فمنعت تنفسها
حاصرها بذراعيه بينه وبين الحائط، رجفة أصابت جسدها، وكأنها فقدت الحركة والكلام، بلعت ريقها وحاولت تجميع الحروف، لحظات مرت عليها كالدهر عندما وجدت عيناه تعانق عيناها، ثم تحدث بخفوت
-يعني هربتي وجيتي هنا مفكرة معرفش أوصلك
دقات عنيفة أصابت قلبها من قربه..استجمعت شتات نفسها وقوتها، ووضعت كفيها أمامه قائلة بصوت جعلته متزنًا بعض الشئ
-ابعد لو سمحت، أنت كدا بتتخطى حدودك معايا
جذبها بعنف حتى ارتطمت بصدره هامسًا بجوار اذنها
-إنتِ لسة على اسمي وفي بيتي..زفرت بإختناق ويأست من تكرار حديثه فأردفت
-وأنا مش عايزة الاسم دا، ولا البيت، فخليك راجل كيوتي كدا وطلقني…دفعته بقوتها الشرسة وانسدلت عبراتها بغزارة على وجنتيها وهي تصرخ به من بين بكائها
-ابعد عني ياراكان أنا معنتش طايقاك ، انت ايه مش معقول
ضغط على خصرها بقوة آلامتها وبنظرات ثاقبة وهو يشدد على كل حرف يتفوه به
-مش طيقاني ياليلى، لكزها بأصبعه بصدره، حياتك مرتبطة بيا بس ووقت ما أخرج منها مش عايز أشوفك سعيدة، بعد اللي عملتيه فيا، جاية عادي ترقصي وتضحكي كدا، إيه كان كل كلامك كدب
اشتعل غضبها بصورة كبيرة واحتدت نظراتها
-أيوة أنا سعيدة عشان بعيدة عنك ياحضرة المستشار، وعايزة اطنطط وأغني، ماهو أنا بقيت برة حياتك ليه مفرحش، ووسع ابعد عني، وماتحاولش تقرب مني تاني، ومتنساش اللي بينا ورقة تتقطع في أي وقت زيها زي أي ورقة في مكتبك
ضمها بقوة وعيناه تفترس عيناها
– لو بعدتي من غير أذني هدمرك يا ليلى صدقيني، جذب رأسها وهمس بجوار أذنها
-من وقت مااتكتبتي على اسمي وكلك يخصني، عايزة تتخلصي مني في حالتين بس مفيش غيرهم، ياإما أطلقك أنا، انتظرت تكملة حديثه
داعب وجهها بأنفه وبأنفاسًا ثقيلة أكمل
-ياإما تكوني أرملة لتاني مرة، بس المرادي هتكون صعبة عليكِ، رفع نظره إليها وعانقها بعيناه
-عشان موت الحبيب بيكون موجع أوي، فوق ماتتخيلي
اهتزت شفتيها وبلسان ثقيل تسائلت
-كنت بتحب واحدة وماتت ؟!
إبتسامة شقت ثغره عندما رآى آلام نظراتها بسؤالها فدنى مرة أخرى
-قصدك تقولي مراتك ماتت جوا حضنك
دفعته بقوة حتى تحرك خطوةللخلف..وأسرعت إلى غرفة النوم وهي تحاول أن تحاول السيطرة على قلبها الضعيف، وصلت الغرفة، ثم دلفت سريعا وهوت جالسة خلف الباب تبكي بشهقات مرتفعة تضع كفيها على فمها
وضعت كفيها على صدرها وتنهيدات متحسرة من آلام قلبها، استندت على الباب بجسدها وهي مغمضة العينين..
هنا شعرت بإختناق شديد ورغبة شديدة أن ترجع إليه لتنعم بأحضانه..عاتبت قلبها على شعورها الخائن تجاهه..للمرة الألف تعنف نفسها من ضعف قلبها
مرت أكثر من ساعة وهي كما هي استمعت لطرقات ابنها على باب الغرفة، نهضت تفتح له الباب ورسمت إبتسامة على وجهها
-حبيب مامي، حملته وطبعت قبلة على وجنتيه، رفعت نظرها إلى سيلين وبنظرات تحمل الكثير من العتاب قائلة
-كدا تسيبيني وتهربي، معنتش أثق فيكي ابدًا
ربتت سيلين على كتفها قائلة
-ليلى سامحيني بس مينفعش أفضل معاكم متنسيش إنك مراته
بعد يومين آخرين
سحبتها سيلين من كفيها وهي تحمل أمير
-تعالي ننزل الجنينة نجري ونتكلم شوية تحت، فيه موضوع لازم نتكلم فيه
سحبت وشاحها ووضعته بعشوائية واتجهت للأسفل ..وجدت زينب بإنتظارهما
-مساء الخير يا ماما..قالتها ليلى بهدوء
اومأت زينب برأسها
-مساء الخير..ثم اتجهت بنظرها إلى سيلين
-خلي نعيمة تعمل قهوة لأخوكي حبيبتي، وكمان أي حاجة جنب القهوة
-هو راكان جه؟! تسائلت بها سيلين
-أيوة رجع من شوية، وطلع فوق شكله واخد برد
ابعدت نظرها عن نظرات زينب المصوبة عليها ثم نهضت متجهة إلى أمير الذي يهرول خلف الكرة
-ميرو تعالى ألعب مع مامي..
-تعالي هنا يا ليلى عايزة اتكلم معاكي، أمير بيلعب مع عمته..قالتها زينب
استدارت إلى زينب تطالعها بنظرات مستفهمة، أشارت زينب بعيناها على المقعد
-اقعدي لازم نتكلم شوية..جلست بهدوء ورغم هي تعلم عم سيتحدثون ولكنها جلست صامتة
صمت ران في المكان لبعض الدقائق وهم ينظرون إلى أمير الذي تعلو ضحكاته الطفولية مع سيلين ويونس الذي وصل للتو، قاطعته زينب عندما قالت
-عايزة تطلقي من راكان مش كدا
ارتفعت دقات قلبها وارتجف جسدها، استدارت تطالع زينب بعينان مترقرقة
-وحضرتك لسة عايزة نكمل مع بعض بعد الي حصل؟
أومأت زينب برأسها مردفة:
-تمام يا ليلى، فعلًا الحياة بينكم بقت صعبة، وأنا ابني بقى مش مرتاح، آه هو ببين إنه قوي وبيدوس على نفسه عشان محدش يحس بيه، بس أنا امه وأكتر واحدة أحس بيه
سحبت نفسا وهي تنظر إلى خطوات أمير وضحكاته ثم طردته بهدوء واتجهت بنظرها لليلى قائلة
-أنا هخليه يطلقك، زي مخليته يتجوزك
توسعت عيناها متسائلة:
-هو حضرتك الي طلبتي منه يتجوزني؟!
أومأت زينب برأسها مردفة
-أيوة أنا الي ضغطت عليه عشان يتجوزك، وأنا برضو الي هضغط عليه عشان يطلقك
بس لازم نتفق ووعد مني ياليلى هخليه يطلقك عشان ترتاحوا انتو الآتنين
فرت دمعة من عينيها تسيل فوق وجنتيها ببطئ، فهمست بشفتين مرتجفتين
-ياريت هكون ممنونة لحضرتك، عشان إحنا مبنعملش حاجة غير إننا نئذي بعض
نهضت زينب وهي ترمقها قائلة
-أمير هيكون معايا تلات أيام في الإسبوع، ما هو مقدرش استغني عنه، مش هقولك هيبات معايا فيهم، بس ممكن تسبهولي ليلة يبات معايا
نهضت ليلى تقف بمقابلتها
-حاضر يا ماما، مقدرش ابعد عنك أمير، خانتها قدمها فجلست وهي تقول
-لو ينفع اسيبه هسيبه، بس لسة صغير،وكمان مقدرش ابعد عنه، رفعت نظرها إلى زينب متسائلة:
بس تفتكري راكان هيوافق، دا بيقولي اتنازلي عن أمير
ربطت على كتفها ونظرت إليها متهكمة
-عشان انتِ غبية يابنتي، هو عارف ومتأكد انك مش هتتنازلي عنه، فبكدا بيربطك جنبه، مش بقولك هو بيبين قدامك إنك ولا حاجة، كسرتيه يا ليلى للأسف..قالتها وتحركت مغادرة
هنا تركت عبراتها لتتحرر من مقلتيها
-إيه زعلانة ليه، مش دا اللي كنتِ عايزاه، أهو هيطلقك..قالتها ليلى لنفسها، قاطعها وصول نورسين وهي تشير إلى يونس
-هاي يونس، عامل ايه..استدارت ليلى تطالعها بنظرات نارية بعدما وجدتها بتلك الثياب العارية، ضغطت على فستانها بقوة، وهي تتابعها بعيناها حتى دلفت للداخل
نهض يونس وهو يسحب كف سيلين حاملا أمير متجهًا إليها بعدما وجد نظراتها إلى نورسين
-مساء الخير مدام ليلى، قالها يونس وهو يجلس بمقابلتها
-مساء الخير يادكتور..حمحم ثم تحدث
-روحتي للدكتورة انهاردة ولا لا..معادك كان المفروض من أسبوع وانت حددتي ومرحتيش وقتها وكمان حددتي انهاردة
نظرت للبعيد متنهدة ثم أجابته
-ان شاءالله، شكرًا لاهتمامك يادكتور
أومأ برأسه دون حديث، ثم اتجه برأسه إلى سيلين
-هو راكان لغى الفرح ولا إيه، مش كان المفروض هيكون يوم عشرة في الشهر
فركت سيلين كفيها وأشارت بعينيها إلى ليلى حتى لا يتحدث، ولكنه أكمل حديثه بمغذى
-معرفش ليه كل ما راكان يجي يتجوز تحصل مصيبة ممكن دا يكون إشارة من ربنا
رسمت سيلين إبتسامة بعدما علمت ماينتوي عليه
-اه تصدق، والله صعبان عليا، حتى في فرح سليم لما كان عايز يعمل فرحه على حلا، وحصل مشكلة وسافرت واتلغى الفرح
وضع يديه تحت وجنتيه وتحدث
-انا فاكر جوازته الوحيدة اللي تمت بهدوء بتاعة شمس، وفي الآخر صحي على كابوس
رجعت ليلى بمقعدها وعيناها على تلك الغرفة واذانها مع يونس ، ونيران قلبها المشتعلة بالغيرة، شعرت بلهيب يكوي صدرها فنهضت تحمل ابنها متجهة للداخل، وجدته يجلس على مائدة الطعام بجوار نورسين ويتحدثون، رفع نظره إليها وتحدث
-هاتي أمير يا ليلى..حاول الطفل النزول من بين ذراعيها بعدما استمع لصوته، أنزلته بهدوء، فخطى سريعا وهو يطلق ضحكات ويصفق بيديه
-بابا..نهض راكان يتلقفه بيديه وهو يرفعه للأعلى وضحكاته بالأرتفاع، اتجهت مغادرة للأعلى بعدما احتضنه وأجلسه على ساقيه يداعبه ويتلاعب معه، توقفت على أول الدرج عندما استمعت لحديث نورسين
-بتحب الأولاد ولا البنات يا راكان؟!
ابتسم وهو يمسد على خصلات أمير
–
الاتنين حلوين، بميل للبنات أكتر بحسهم كيوتي كدا
زمت شفتيها قائلة
-أعمل حسابك مفيش أطفال قبل سنة من جوازنا ..كأنه لم يستمع إليه وتلاعب مع الطفل، وضع أنفه بعنقه يستنشق رائحة والدته ثم أغمض عيناه، قاطعته نورسين
-مردتش يعني يا راكان؟!
اتجه بنظره إليها متسائلا
-عن ايه؟! سحبت قهوته وارتشفت بعضها قائلة
-مش هنجيب ولاد قبل سنة لازم نفرح بجوازنا
نهض وهو يضم أمير قائلا
-ومين قالك أنا عايز ولاد، كفاية عليا أمير..ارتفعت دقات قلبها واتجهت تفتح المصعد مبتسمة بعدما استمعت لحديثه الذي أثلج روحها المشتعلة، بينما نورسين توقفت
-يعني ايه مش عايز ولاد؟! ، طيب إزاي ليلى كانت حامل
أشعل سيجاره ورمقها قائلا
-كانت غلطة غير مقصودة والحمدلله اتصلحت
اقتربت منه ونظرت لعيناه
-راكان ممكن افهم ايه علاقتك بالظبط بليلى انت توهتني
تحرك ينادي إلى داليا مربية أمير
-خدي أمير، وقولي لمدام ليلى اجهزي عشان خارجين
اقتربت نورسين متضايقة
-إزاي هتسيبني وتمشي…التفت إليها
-عايزة تيجي تعالي، بس مرات نوح تعبانة، ولازم ليلى تزورها أنا مانعها من الخروج غير بإذني
قطبت جببنها
-انت حابسها.. نفث دخان تبغه وتحدث بمغذى
-انا بعاقب اللي يحاول يستغباني، وهي استغبتني لما خبت عليا تهديد جدو
عندي شوية مكالمات شغل لو مفيش حاجة مهمة ممكن تروحي..عقدت ذراعيها قائلة
-لا هروح المزرعة معاك.
-تمام ..هطلع أعمل شوية مكالمات وأخد شاور واجهز …أشارت لقهوته
-طيب والقهوة…نظر لفنجانه وأردف
-لا خلاص اشربيها.. اتجه سريعا للدرج منه لغرفته، كانت تراقبه نورسين حتى اختفى
أمسكت هاتفها وقامت بإرسال رسالة ثم اتجهت للخارج تنتظره
بالأعلى أنهى عدة اتصالات ثم اتجه لمرحاضه وخرج بعد دقائق محدودة، ونظرات نورسين وأسئلتها ترواد تفكيره..هبط متجهًا إليها
كانت تجلس أمام المرآة تقوم بتصفيف خصلاتها، دلف ووقف أمامها
-مجهزتيش ليه؟! وضعت المجفف بغضب وأجابته
-مش خارجة، خد عروسة المولد معاك وامشي من هنا..جذبها من ذراعها بقوة يضغط عليها ثم اردف
-عشر دقايق والاقيكي تحت يا إما هاجي ألبسك انا، ودا مش تهديد أد ما هو أمنية، اقترب منها قائلا
-وخصوصا إني فاضي الليلة ومش لاقي حاجة اعملها، فإيه رأيك نقضي وقت لذيذ
دفعته صارخه وأشارت بسبابتها
-تقرب مني تاني هموتك سمعت ولا لا..اتجهت لغرفة ملابسها، تحاول السيطرة على كبت دموعها، ضغطت على صدرها وشهقة خرجت من فمها استمع لها، هو فسرها بتضايقها منه، أما هي بإشتياقها اللعين له، ضربت على صدرها وبكت
-كفاية بقى بعد اللي عمله دا كله ولسة بتدقله، أخرجت ثيابها عندما استمعت لحديثه
-خمس دقايق وهدخل البسك، ارتدت ملابسها سريعا ودموعها تغرق وجنتيها من لعنة ذاك الحب الذي دمر قلبها
❈-❈-❈
خرجت بعد قليل وتحدثت دون النظر إليه
-خلصت..قيمها بنظراته قائلا
-كدا كويس، تعالي يلا..بسط كفيه حتى يعانق كفيها، ولكنها دفعته وتحركت تدق نعليها بالأرض
هبطت للأسفل وإذ بها تنصدم من وجود نورسين التي قالت
-هنروح بعربيتك ولا بعربية العيلة..ارتدى نظارته وأشار لسيارتها
-اركبي عربيتك وحصليني، قالها وهو يجذب ذراع ليلى واتجه لسيارته
نزعت كفيها متسائلة
-احنا رايحين فين والبت دي جاية معانا ليه
اقترب ينظر إليها من تحت نظارته قائلا
-رايح اسأل شيخ الجامع اي فيهما تصلح لي زوجة..اركبي يا ليلى متخلنيش أفقد أعصابي
اتجه بنظره لسائقه
-خلي محمود يتحرك من الطريق التاني، بلاش العمومي…لوح بكفه إلى نورسين
-اتحركي يا نور انا وراكي، هزت رأسها وابتسامة تشق ثغرها قائلة
-وماله يا راكان، عملت زي ما توقعت واخيرًا هخلص من ليلى، قالتها وهي تخرج بسيارتها من الباب الرئيسي..اتجه راكان إلى قائد أمنه
– التليفون دا قبل ما ارجع عايز اعرف كل حاجة عنه
استقل السيارة بجوارها وأمر سائقه بالتحرك
بعد أكثر من نصف ساعة بالسيارة كان يعمل على جهازه المحمول وهي تنظر من النافذة، استمع لرنين هاتفه
-أيوة يا محمود..على الجانب الآخر
-زي ماحضرتك توقعت يافندم، وللأسف عندنا مصابين، اعدادهم كبيرة جدا
كور قبضته قائلا
ارجع بفريقك يا محمود، والمصابين خدهم على مستشفى يونس، واتصل بجاسر وشوف شغلك
استدارت بجسدها إليه وتسائلت
-فيه حاجة..توجه للسائق
-ارجع يامحسن على القصر تاني..جحظت عيناها متسائلة
-فيه إيه ومين مصاب، واحنا كنا رايحين فين؟!
لم يكترث لأسئلتها وعاد لجهازه، تلقى رسالة من أحدهم
-الورق دا قدمه للنائب العام، وبلاش تبان في الصورة، وبالليل هبعتلك مكان أمجد الشربيني، وخلي بالك على اختك ومراتك، متراقبين، وشوف حراسة بيتك كويس
ران صمتًا مريبًا وهو ينظر بكل الأتجاهات عله يصل لفكرة حتى يخرج من ذاك المأزق، استمع لرنين هاتفه
-أيوة حبيبتي، آسف، ليلى تعبت ورجعت في الطريق واضطريت ارجع ..صاحت ليلى بصوتها مما جعله يضع كفيه على فمها وهو يستمع لنور
-تمام، لا هسافر يومين كدا مش دلوقتي
تجمدت الحروف على شفتيها بعدما ضمها لصدره وهو يضع كفيه على فمها، ولكنها فاقت من حالتها وهي تستمع بنعته لتلك بحبيبته
-إزاي تسمح لنفسك تقول عليا كدا
نظر بهاتفه وتحدث بهدوء
-صوتك ميعلاش، رفع الهاتف وتحدث
-حمزة قابل محمود وجاسر وشوف هتوصلوا لأيه..صمت يستمع لحمزة فأجابه
-لا النهاردة مش هروح النيابة حاسس بشوية تعب، أنا كنت عايز اشوف نوح، بس بعد اللي حصل رجعنا تاني
زفرت غاضبة بعدما علمت بوجهتهم
-احنا كنا رايحين المزرعة عند نوح، طيب مقولتش ليه هو سر حربي، وبعدين دا مش طريق المزرعة
استدار إليها موبخًا إياها
-كلمة كمان هنزلك في الطريق..ابتسمت بسخرية وتحدثت متهكمة
-آسفين لمعالي الباشا..ضغطت بأسنانها على شفتيها وهي تنظر للخارج مبتسمة فقد افقدته سيطرته
بعد فترة جلست مع سيلين بحديقة القصر، نهضت تعصب عينيها
-تعالي نلعب مع بعض، ضربت قدمها بالأرضية
-والله ياسيلين لو وقعت في البيسين لأضربك.. تحركت خطوتين وهي تنادي على ابنها
-ميرو حبيب مامي، انت فين، تعالى وديني عند سيلين، أطلق الطفل ضحكات صاخبة، ولكن سيلين توقفت بعدما وجدت أخيها متجهًا عليها، فحملت أمير وتحركت متجهة للداخل
تحركت ليلى خطوتين واذ بها تنصدم بحائط بشري، ازاحت الوشاح من عصبة عينيها سريعا بعدما تسربت رائحته لرئتيها
-إزاي توقف قدامي كدا، نظرت حولها تبحث بعينها عن سيلين وأمير ثم سبت سيلين، اتجهت إلى راكان عندما استمعت حديثه
-إيه صاروخ هيفرقع في وشي ما براحة على نفسك شوية، أنا كنت جاي أقولك معزومين عند نوح على العشا، بس لقيت أنبوبة فرقعت في وشي
دفعته بقوة حتى سقط بالمسبح وتحدثت هاذئة
-طيب انزل طفي نفسك، لتولع..قالتها وتحركت سريعا تضع وشاحها على رأسها
خرج من المسبح وهو يسبها وأخرج هاتفه وبعض متعلقاته..استمع لضحكات بالخلف، استدار وجده يونس
-كلمة زيادة اقسم بالله هخليك تعوم زي البطة..وضع يونس كفيه على فمه غامزًا بعينيه
-هو انا اتكلمت، انت غبي والله لو منك كنت شديتها وعومنا شوية وبلبطنا زي البط
رفع نظره إليه مستخفًا بحديثه
-بلبطنا، جاتك القرف في مصطلحاتك المقرفة قالها وتحرك للداخل يبحث عنها، دلف غرفتها استمع لصوت المياه خرجت وهي ترتدي ثياب الحمام..تجمد جسدها من وجوده بالغرفة
ساد صمتًا عميق بينهما مملؤ بالإشتياق، محملا بنسمات رائحتها الندية التي وصلت إليه..لحظات فقط، اقترب منها، تراجعت للخلف وأشارت على الباب
-لو سمحت اطلع برة، اقترب حتى حجزها بالحائط، نظر لعمق عيناها قائلا
-هتطلعي معايا فوق وهتغيريلي هدومي اللي بلتيها ومش بس كدا، البرد اللي حاسس بيه دلوقتي حضرتك هتنامي في حضني وتدفيني كمان
اغمضت عيناها حتى تبتعد عن عيناه التي اوقعتها فريسة له، لحظات فقط كفيلة لها أن يهيم بها عشقًا حتى نزلت من تحت ذراعيه متجهة سريعا، واشارت بسبابتها
-راكان انا مسحتك من حياتي ومش بس كدا على أد حبي ليك على أد ما كرهت ضعفي، بكرهك يا راكان، ويا ريت تبعد عني، قالتها وتحركت لغرفة سيلين وتركته واقفًا متسمرًا بوقفته عما فعلته به وقالته
افترت شفتيه شبح إبتسامة تقطر وجعًا، فأطبق على جفنيه يتناسى سحرها الذي ألقته عليه كتعويذة ثم أطلق تنهيدة حارة من جوفه يتبع قولا بنبرة مرتعشة
-كدا كتير يا ليلى وخطرك بقى أكبر على حياتي، تفتكري ممكن انسى في يوم من الأيام اللي عملتيه فيا
باليوم التالي..أشرقت الشمس بخيوطها وانعكس ضوئها الساطع يداعب عيناه، شعر بآلام تتسرب بكامل عظامه، تحرك بصعوبة متجها لمرحاضه لبعض الدقائق وخرج بعد قليل..بعد قليل هبط للأسفل وجد الجميع على غرفة الطعام، تحرك للخارج مردتيا نظارته الشمسية، صاحت والدته
-راكان مش هتفطر ولا تشرب قهوة
هز رأسه من عدم قدرته على الحديث وتحرك للخارج..تجمد بمكانه وهو يرى فرح ابنة عمه تدلف بطفلا صغير على ذراعيها بجوار والدتها قائلة
-اذيك يابن عمي، عامل ايه ياآبيه؟!
جذبها من ذراعيها متجها إلى منزل عمه دون أن يراها أحد، حاولت عايدة منعه والحديث معه ولكنه أشار بسبابته وصاح بصوته المتعب
-اي كلمة اقسم بالله لتمشوا من البيت دا النهاردة ومش بس كدا، كل حاجة هتتحول النهاردة باسم بابا ..اقترب يرمقهما قائلا بتحذير
-لو بنتك ليلى لمحتها عندنا في البيت صدقيني هحول حياتكم لجهنم، فخليكم عاقلين، لحد مااخلص اللي قدامي وافضى لأشكال بنتك اللي رجعت ومهمهاش تحذيري..قالها وتحرك بجسد منهك متعب، حاول السيطرة على نفسه حتى وصل لسيارته بصعوبة
مساء كانت تخرج من المطبخ تحمل كوبًا من الأعشاب دافئا، دلف وتحرك بجوارها ولم يتحدث وكأنه لم يراها..نظرت إليه مستغربة حالته فهمست لنفسها
-ماله دا أول مرة يعدي من غير ما يعملي أبو زيد الهلالي، ضيقت عيناها وحدثت حالها
-يا ترى بتخطط لأيه يا راكان، عارفة دماغك سم، وبتفكرلي في مصيبة، قاطعت حديثها مع نفسها سيلين وهي تتوجه سريعا إلى المطبخ
-سيلين بتجري ليه كدا
توقفت تفرك كفيها وتحدثت
-راكان راجع تعبان اوي، هروح اخلي الدادة تعمله حاجة سخنة، وشوربة كمان
بسطت يديها بالمشروب
-خدي دا لسة سخن أهو ادهوله دا حلو للبرد، دفعتها سيلين
-طيب روحي إديهوله، وأنا هخليهم يعملوا شوربة سخنة كمان..سحبت ليلى التي لا تعلم ماذا تفعل..ادخلتها سيلين الغرفة
-امير مع ماما قالت هيبات معاها الليلة، وداليا استأذنت، نسيت أقولك، ادخلي حبيبتي شوفي جوزك والله تعبان قوي
دلفت لأول مرة تلك الغرفة تبحث عنه وجدته متسطحا بثيابه على الفراش، وضع المشروب على الكومود، واتجهت تيقظه
-راكان فوق، تجمد كفيها بعدما شعرت بحرارته
حاولت إسناده سريعا
-راكان سامعني، قوم لازم تاخد شاور جسمك سخن اوي..فتح جفنيه بتثاقل متمتم
-ليلى أنا سقعان أوي..اعدلته وقامت بفك زر قميصه بالكامل
-حبيبي ساعدني يالا عشان تاخد شاور بارد
هز رأسه رافضا
-مش قادر ..حاولت إيقافه
-يالا أنا معاك، يلا يا راكان، قوم ..تحرك معها خطوتين ولكن لم يقو على السير فهوى من بين يديها..جثت بمستواه على ركبتيها انسدلت عبراتها
-حبيبي لازم تقوم عشان خاطري، راكان جسمك سخن لو سمحت يلا حبيبي
أطبق على جفنيه متألمًا، دلفت سيلين ..صاحت ليلى
-سيلين وقفيه معايا لازم ياخد شاور..دققت سيلين نظراتها بليلى المنهارة، فربتت على كتفها
-اهدي يا ليلى، حاضر ، جذبوه واتجهوا به إلى المرحاض، خرجت سيلين بعدما وقف تحت المياه الباردة
-خليكي معاه لحد مايخلص شاور، اغلقت الباب خلفها..وقفت ليلى مذهولة وشُل تفكيرها ماذا تفعل، فتحت المياه بقوة عليه وهي تحدث حالها
-ليلى جوزك تعبان لازم تركني كل حاجة على جنب دلوقتي، قامت بخلع قميصه الذي ابتل، وساعدته على خلع ثيابه، ارتعش جسده وشهقة خرجت منه بعدما وصله إحساس بالمياه الباردة، ظل لدقائق وكأنه يحلم، اغلقت المياه وساعدته على النهوض، ثم ألبسته ثياب الحمام، وساندته وخرجت به حيث فراشه
أحضرت ثيابه وساعدته بارتدائها، ودثرته جيدا وجلست بجواره تضع كمدات خافضة للحرارة بعدما أعطته بعض الأدوية خافضة الحرارة، ظلت لعدة ساعات بجواره، حتى غفيت بجواره وهي تضع كفيها على وجهها..بعد فترة
فتح جفنيه بتثاقل، شعر بكفيها الموضوع على جبينه، انزله بهدوء ثم رفع خصلاتها المتمردة على وجهها يتذكر ماصار منذ عدة ساعات، دقات عنيفة كالطبول حتى شعر بإخراجها من صدره، ظل يطالعها لفترة ليست بالقليل، ابتسامة شقت ثغره وهي بجاورها، ماذا يحدث لو ظل الحال بينهما كذلك ؟!
لماذا تسبب له ترنيمة عشقه وعصفوره الوديع كل هذه الآلام؟!
لابد لها من عقاب جسيم حتى يغفر لها، ولكن كيف يعاقبها وهي نبض قلبه، قلبه الذي لم يتعلم العشق سوى بها ومعها وحدها
رفع كفيها وطبع قبلة مطولة عليه، وهو مغمض العينين، شعرت بأنفاسه الحارة على وجهها، فتحت عيناها الجميلة بهدوء، انتفضت مذعورة
تضع يديها على جبينه، ثم حملت الترمومتر لترى حرارته
كان يناظرها كالأطفال على أفعالها الصبيانية، فهتف
-ليلى اهدي أنا كويس ..حبيبتي والله انا كويس، قالها وهو يمسك كفيها ويجذبها لجلوس بجواره
تجمعت الدموع بعيناها وهي تلمس وجهه وتحدثت بنبرة حزينة
-تعرف كنت هموت من الرعب عليك، مشوفتش نفسك كنت عامل إزاي
مسد على خصلاتها وأردف
-آسف تعبتك معايا، انزلقت عبرة على وجنتيها مسحتها سريعا
-أنا اللي آسفة حبيبي لما زقيتك في الماية،
-ياااه يا ليلى..حبيبك انت عارفة من إمتى مسمعتش الكلمة دي، يمكن خمس شهور
نهضت واستدارت بعدما علمت انها أخطأت بذلة لسانها، هروح اجيبلك حاجة تأكلها
أحضرت وجبته الدافئة، وقامت بإعتداله
-راكان لازم تاكل أي حاجة عشان العلاج، ياله حبيبي، رفع نظره إليها
-لسة بتحبيني يا ليلى بعد اللي عملته فيكي
اقتفرت شفتيها إبتسامة مؤلمة فلمست وجهه
-الموضوع مش لسة بحبك يا راكان، الموضوع انك الشخص الوحيد اللي مقدرش اتلاشاه من حياتي، عذبتني وعذبتك، غير بقيت مهم أوي في حياتي أنا وأمير
بدأت تطعمه وهو يعانقها بنظراته فقط، هربت من نظراه، فمنذ وقت لم تجلس بجواره بذاك القرب..ولازال قلبها الخائن ينظر إليه كحبيب رغم شعلة الوجع التي تحرقها دون رحمة، شعرت بكفيه على وجنتيها، ثم جذبها لتصبح بأحضانه يطبع قبلة على جبينها
-انتِ بالنسبالي جرعة الهوا اللي بتنفسه يا ليلى، مقدرش أعيش يوم واحد بعيد عنك
رفعت عيناها ونظرت لتقاسيم وجهه وحركت أناملها عليه
-تفتكر ينفع بعد اللي حصل دا كله..أمسك كفيها يقبل أناملها كل واحد على حدة
-طول ماقلبي بيقول ليلى هتفضلي ليلى اللي بعشقها
حاوطها بعيناه التي تعترف لعيناها بكم العشق الذي يحمله لها، تحسست وجهه بأصابعها المرتجفة فهي العاشقة لرجل مثله اخترق قلعتها واستقر بقلبها..وضعت رأسها على صدره وآهة حارقة خرجت من جوفها
-نفسي أعيش الحب معاك بدون خوف، نفسي لما اتوجع اجري عليك ارمي وجعي، مش انت اللي توجعني يا راكان
تسطح وهو يجذبها عله يهدأ من نيران صدره على ماهو قادم إليه
عند حمزة عدة محاولات لكي يصل إليه ولكنها باءت بالفشل، حتى اتجه إلى يونس الذي يغفو بسبات عميق بسبب إرهاقه، ضغط على الهاتف ليمنع رنينه ولكنه أعاد الرنين مرة أخرى
رفعه على اذنه
-أيوة مين.. صرخ حمزة حتى هب فزعًا
-يخربيتك خرمت ودني، إيه يابغل فيه حد يتصل بحد في الوقت دا ويصرخ كدا
كان حمزة يقف أمام النيابة وهو يقطع الردهة ذهابًا وإيابًا، فتحدث بصوتًا متألم
-راكان مش عارف أوصله، بقالي تلات ساعات وتليفونه مقفول روح اكسر عليه الأوضة
اعتدل يونس يمسح على وجهه يرجع خصلاته للخلف بعدما شعر بأن هناك شيئا مأساويًا، ورغم ذلك تحدث
-ما هو اكيد مش هيكون صاحي الساعة تلاتة الفجر يا بغل..صرخ حمزة حتى هب فزعًا
-فيه إيه يابني يخربيتك قطعت خلفي المستقبلي
سحب نفسا ونظر حوله بضياع وهمس ماجعل يونس يهوى ساقطًا
-درة وسيلين اتخطفوا من الساعة اتناشر ومش لاقيينهم وجاسر انضرب بالنار وهو بيحاول يحميهم
هزة عنيفة أصابت يونس حتى شعر بإنسحاب أنفاسه بالكامل، وكأن الأكسجين سحب من الغرفة فهمس بشفاتين مرتجفتين
-مين اللي عمل كدا…صاح حمزة ودموعها بالإنهيار معرفش يا يونس ، اوصل لراكان، أنا حاسس اني مشلول مش عارف أفكر ولا أعمل حاجة
تحرك يونس بساقين هلامتين يجرهما بصعوبة وجسده ينتفض وهو يفكر بحبيبته
-يا ترى سيلين عاملة ايه دلوقتي..أسرع متجها إلى منزل عمه ولكن شعر بأحدهم يهوى فوق رأسه بشيئا حتى سقط مغشيًا عليه
عند ليلى وراكان
بعد عدة ساعات فتحت الجميلة عيناها السعيدة وجدته يمسد على خصلاتها
-صباح الخير حبيبي
-صباح الحب والعشق على عيون أجمل واحدة شافتها عينيا..دنى يهمس لها
-تعرفي بحبك أد ايه، وحياة ربنا بحبك حب ميتوصفش، حب يكفي العشاق
ابتسمت وهي تضع رأسها بعنقه
-وأنا بعشقك يا راكان، بموت في شخص اسمه راكان البنداري..
-ليلى لازم تتأكدي إنك خاصة بيا أنا وبس، ومش مسموح لأي شخص طول ما أنا عايش يقرب منك..تراجعت للخلف تنظر إليه بإستفهام
-مالك يا حبيبي ليه بتقول كدا، مش إحنا اتصافينا، ووعدتني إنك مش هتتجوز نورسين، ليه الكلام دا دلوقتي
نزل من فوق مخدعه واختنق صدره قائلا
-“ليلى” استدارت له بعدما رفعت الغطاء تلتف به
-نعم يا حبيبي..ظل ينظر لها بصمت ثم أطلق قذيفته دون رحمة قائلًا
-“انتِ طالق”
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية عازف بنيران قلبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.