رواية صرخة في الظلام الفصل الثاني 2 – بقلم بهار الطائي

رواية صرخة في الظلام – الفصل الثاني

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

 

: يمّه تعال تغدّه ما ضل وكت
وعوف البنيّه خليها تنام

 

ايهاب: أمي بالمطبخ جانت تصب الغدّه
و اني كل عادي صار هذا
روتيني اليومي كل ما أرجع من الدوام
بس أذب الجنطه و أركض عليه…
حرفيًا روحي صارت بيه

 

مكدر بدونه أحسه قطعة من روحي
عمري إنتي بنيتي… أووف فدوة
لهاي الريحة الطيبة

 

باوعت ع الساعة جانت 12 رميته من حضني
و رحت أتغدّه حتى أطلع للشغل
صار يومين ماكو شغل
و ريناد مخلصة حليب خطيّه

 

عفته بالغرفة وطلعت للمطبخ
أول ما دخلت شفت نبع الحنان متخوصره
و بيدها الجفجير ضحكت
ومسحت وجهي و گلت

 

:: ها يمّه شبيج؟ الازمه الجفجير ومتخوصره ليه؟ بس لا ناويه تسوين مظاهرات؟

 

رفعت راسها بطرف عينها
وگالت بلهجة تحذيرية:

 

:: انجِب ولك إنتَه و التالي وياك؟
شلون؟ يادوب ترجع من الدوام وتركض
ع هاي الطفله لا تاكل لكَمة مثل البشر
لا نوم لا راحة ليش هيچ ابني؟

 

ايهاب: ابتسمت چنت أدري كلبها علهي وعله ريناد
بس شسوي… روحي متعلقه بيه

 

تجاهلت أو مو تجاهلت بس غلست وركضت
غسّلت إيدي من يم المغسلة
مالت المطبخ خلصت غسلت
إيديني وأجيت
كعدت عالزولية انتظر أمي تصبلي الغداء.

 

أمي اجت وصبت لي الغداء وجانت
كاعده مقابل
سكتت شوي وكالت

 

:: يمّه البنيه مخلصه حليب والبارحة اتعنية
و رحت ع هاي جيرانه
جان تكول ماعندي
هيه هم حالتها مو أحسن من حالتنه

 

:: حجيت بدون ما اباوع
ان شاءلله اليوم اطلع الشغل و اجيبله
بقيت أكل الأكل كدامي بس روحي ما جانت وياي حاولت أكل بس نفسي نسدت
وحسيت كل شي ثكيل

 

بعد ما نفسي نسدت كمت غسلت إيدي بسرعة وطلعت من باب المطبخ جنت
حاسس بشي ثكيل على قلبي بس
جان لازم أروح الشغل حالتنا جانت حيل تعبت وماكو مجال للراحة الشغل
جان هو كل شي بالنسبه اليه

 

سديت الباب وراي و ركضت صوب الشارع
حرارة الشمس جانت كلش قويه

 

وصلت يم الورشة بعده مجاي يمكن
هاي ورشة مالته رجال كبير بالعمر ما عنده
أحد بس هو ومرته وأنا أشتغل
ويا بس الوارد قليل يعني ما يكفي
و كل و احد ياخذ بين 10 و 15 دينار باليوم

 

و لأنّه يثق بيَّ مخلي عندي نسخة
من المفاتيح
فتحت الباب و دخلت الورشة ريحة
الزيت و المعادن أول ما ضربت خشمي
نفس الريحة اللي تعودت عليها من سنين
مشيت للزاوية جبت المكنسة و كنست
الأرض بعدين سحبت الكرسي وچانت
الدنيا هدوء إلا من صوتي و أنا أكنس.

 

كعدت أبدي شغلي بتر كيزي
لحد ما سمعت صوت قطع السكوت

 

:: سلام عليكم بويه شلونك؟”

 

رفعت راسي شفته واكف على الباب
مبتسم مثل عادته بملابسه اللي دوم بيها
أثر شغل رديت وياه بابتسامة

 

:: وعليكم السلام عمي شو متأخر اليوم؟
شعجب مو عوايدك!”

 

ضحك وهو يهز برأسه وكال

 

:: والله بويه الجو حار وتعرف بيتي بعيد
فمكدرت أجي من وكت ”

 

ضحكت وگتله:
“كول مكدر فارك الحچية هههه!”

 

هوّه هم ضحك و هز إيده بطريقة
و كأنه يريد يذب الحچي

 

:: ههه لا بويه گبرنه على هيچ سوالف
و اليوم الحچية مريضة حتى الغده أني سويته

 

نظرتله بمكر وگتله::
عمي نسوان آخر وگت يرادلك مره هههه!”

 

ضحك وهز راسه بيأس:

 

:: ههه منو تقبل بيه؟
بنات هل وكت يردن واحد عنده

 

فلوس ومال وجاه واني كفيلك
الله كلشي ماكو عمك حافي منتف هههه

 

ضحكت و گتله:

 

أي والله صدگت يلا تعال شوفلي هاي شلونها صارلي ساعة اشتغل بيها!”

 

مشى باتجاهي وهو يفرك إيديه من التعب
كعد على الكرسي الخشبي
اللي دوم يحب يكعد عليه وصار يتأمل
الشغلة اللي اشتغلته مد إيده
و لمسها بطرف أصابعه بعدين هز راسه ببطء

 

:: عدل شغلك بويه بس حسه
ناقصه شغله بسيطة”

 

جنت أدري بس حبيت أسمع منه ابتسمت
بستامه صغيرة و كتله::
“مثل شنو عمي؟”

 

مد إيده للجطل مالته خذله بيه فره بعدين نفخ الدخان ببطء وكال:

 

“شوف إذا تعدّل هالزاوية شويّه وتخفف الضغط هنا راح تصير مضبوطه ١٠٠٪

 

عجبني اقتراحه هوّه من الناس اللي ما تحچي إلا من خبرة فهزيت راسي و گتله:

 

“صدگ تحچي يلا نعدلها ونشوف.”

 

چنت مستغرق بالتصليح و الشرار يطفر
من المكان و هوه يراقب بعينه يباوع
بحذر كانه يحفظ كل تفصيله
بذاكرته بعد شويه سمعته يگول بصوته الخشن

 

:: بويه انته صاير خوش رجال
والله العظيم فخور بيك وليدي

 

ايهاب: وكفت لحظه ابتسمت
رديت عليه و عيوني بعدها على
الشغله اللي بيدي

 

عمي لو ما انته ما تعلّمت شي
الفضلا يرجع الك

 

ضحك وضرب بإيده على الطاولة

 

:: لا وليدي انته سبع و نجر محد اله فضلا
يلاا خل نكمل قبل لا يجي الزبون.”

 

:: ضحكت ورجعت أركز بالشغلة
وصوت المكاين تارس المكان
و صوت ضحكتنا الخفيفة

 

استمرّيت أشتغل وهوه يباوع
بحذر بين فترة وفترة يمد إيده
يصحّح حركة إيدي أو يشير ع
نقطة لازم أنتبهلها الجو بالورشة حار

 

و ريحة الحديد المحمي تمتزج بريحة الزيت
بس هذا الشي صار طبيعي
عندي صار جزء من يومي

 

شويه و سمعنا صوت واحد ينادي من برا

 

“أكو أحد؟”

 

طلع عليه عمي وهو يگول بصوته القوي:

 

“إي، تعال بويه!”

 

دخل الزبون شايب بملابس بسيطه
يباوع يمين ويسار كأنه يدور على شي معين وكف يم باب الورشة وكال:

 

“عمي عندي مشكلة بالماكينة تكدرون
تشوفوها؟”

 

عمي كام من مكانه نفض التراب من ع
دشداشته وگال:

 

“أبشر بويه وينها الماكينة؟”

 

“بالسيارة انزله لو تجون تشوفوها؟”

 

عمي التفت عليه وگال::

 

“جيبها يم الباب خل نشوف شبيها.”

 

طلع الزبون بسرعة وبعد لحظات رجع شايله حطّها ع الطاولة وهو يتنفس بصعوبة

 

:: هذي صارت بيها مشكلة كلّما أشغّلها
تطفي وره شويه

 

كام عمي يدك بيها و كلبها بيده قربها
من عينه وبعدين كاللي:

 

“تعال شوفه بويه شنو عطله ؟”

 

مسحت إيدي بقماشة گدامي
وكمت أتفحصها بديت أشوف وين المشكلة شويه وأشّرت ع مكان محدد وگتله:

 

“هنا العلة عمي الحديده مفكوكه
والضغط صاير كلّه على هالزاوية.”

 

عمي هز راسه مبتسم وكال:

 

“أحسنت بويه خوش يلا خنعدلها.”

 

بديت أشتغل وعمي يراقبني بفخر
والزبون واكف ينتظر حتى ياخذه

 

وره نص ساعة خلصت شغلي مسحت إيدي
و شغّلت المكينه وظلّينا نسمع صوتها تدور
بدون أي مشكلة التفت عالزبون وگتله

 

ايهاب: يلا جرّبها صارت مثل الساعة.”

 

الزبون ابتسم مسح عرق جبينه وگال:

 

“والله عمي خوش شغل، تسلم إيدك وإيد عمّك.”

 

ضحك عمي و كال:

 

تدلل عيني بس لا تنسانه مر
علينه مره ثانيه

 

الرجال طلع فلوسه بس عمي هز إيده
وكال:

 

خليه عليه بويه

 

بس الرجال ما قبل اله عمي ياخذ حق
تصليح المكينه

 

شكرنا وطلع وعمي التفت عليه وضربني على ظهري بخفة:

 

“هسه أگدر أرتاح لأن أدري الشغل بإيد أمينة.”

 

ضحكت واني جاي أرتّب العدّة
حسّيت بكلامه مثل شهادة أفتخر
بيها وخطر ببالي إنه يومًا ما الورشة هاي

 

رح تصير مسؤوليتي بالكامل… بس
مو هسه بعده وكت وعدنا شغل بعد ما خلص

 

بقينا نشتغل لحد ما صار وكت الغروب
الجو بدأ يبرد شويه و الشمس
دتخفت ألوانها ورا البنايات كملت الشغل المتبقي و غسلت إيدي بالماي

 

البارد اللي أحسه ينعشني بعد تعب اليوم
وبين ما أنشف إيدي
سمعت صوت عمي عدنان يصيحني

 

التفتت وگتله:

 

“ها عمي گول محتاج شي؟”

 

هز راسه بإبتسامة خفيفة وگال:

 

“تعال بويه.”

 

مسحت إيدي ببلوزتي ورحت
عليه وكفت مقابيله وگتله:

 

“ها عمي، صحتلي؟”

 

مد إيده وبيها عشرين ألف و حطها بيدي
وهو يگول:

 

“هاي رزقت مال اليوم الله يرزقك أكثر وليدي.”

 

حسّيت بحرارة حچيته ضحكت وبست إيده بإحترام وگتله:

 

“تسلم عمي الله يخليك.”

 

رفعت راسي للسماء شفت الشمس
صارت ورا البنايات عرفّت إن الوكت
تأخر فالتفتة عليه وگتله:

 

“عمي اني أترخص منك لازم أرجع للبيت
تعرف أمي إ ذا أتأخر عليه تظل تلوب!”

 

ضحك وهز راسه وكال بصوته الدافي

 

:: حقها بويه هيه بدمع العين يلاا كبرتك
روح لا تطوّل صار وكت الغروب

 

ترخصت منه و طلعت من الورشة
مشيت بخطوات سريعة للسوك حتى
أشتري حليب ال ريناد
وبعض الحاجيات للبيت
صوت اهل العرباين

 

و ريحة الخبز الحار وصوت الناس
كلهه ضافن للمساء نكهة مألوفة
نكهة مدينتي اللي أحبه حتى لو
كانت متعبة… بيتي قريب وأمي تنتظر
لازم أسرع قبل لا تبدي تسأل وين وصلت

 

اشتريت كل الحاجيات و توجهة للبيت
الشوارع بدت تفضى شوي
شوي والجو صار ألطف أول ما قربت

 

للبيت شفت أمي مثل كل يوم
كاعدة بالباب تنتظرني چنت متوقع
هذا الشي لأنها ما تكعد مرتاحة
إلا من تشوفني راجع بالسلامة

 

أول ما شافتني كامت بإبتسامة
مدت إيديها وباستني وكالت بصوتها الحنون:

 

“الله يساعدك يمه شلون جان يومك؟”

 

ضحكت ومسحت جبيني
من التعب وگتله:

 

“ويساعدج يروحي والله بخير
الحمدلله اليوم اشتغلت بعشرين ألف
وجبت حليب لريناد وكل شي وصيتيني عليه.”

 

أخذت الغراض من إيدي وكالت وهي تدعي:

 

“الله يوفقك يايمه ويرزقك
بحق محمد وآل محمد.”

 

بابتسامة فرح رفعت إيديها تدعي وأنا حسّيت براحة دعوة الأم هي الرزق الحقيقي
بعدين التفتت عليه وكالت:

 

“يلاا دخل البيت طب الحمام
محضرتلك ملابسك.”

 

بست إيدها وگتله بحماس:

 

“أول شي خلي أشوف ريناد وينه
يمه ليش ماله حس؟”

 

تنهدت وكالت بصوت هادي:

 

“والله يمه كوه يلا نامت
بس تبچي من طلعت للبيت لحد
العصر بعدين تعبت ونامت.”

 

هزيت راسي بأسف حسّيت بغصة
كل يوم نفس الحالة بس شسوي
لازم أشتغل
بدون تردد مشيت بسرعة للبيت
ركضت للغرفة ولهفتي تاكلني أريد أشوفها

 

لكيتها نايمة هدوء المكان
ما ينعرف إذا مريح أو حزين
بس صوت أنفاسها جان واضح
دنيت منها بهدوء كعدت يمها ومدّيت إيدي
ع شعرها ا لناعم بست جبينها
بحنية و أول ما لمستها فتحت عيونها
بهدوء باوعت إلي بنعاس وبعده
ضحكت ابتسامة صغيرة

 

شلته بحضني واني أبوس بيه وأحچي
بصوت كله حنية:

 

ينظر عيني تبجين من الجوع مو؟
جبتلج حليب وياي هسه بيبي سويلج
مامه يبعد روحي.”

 

چانت عيونها تلمع وهي تباوع عليه
بعده نعسانه بس بيه لهفة لهفة اللي كل يوم تنتظرني ضميتها أكثر شميت
ريحة الأمان ريحة هلي بنيتي الغالية.

 

“أفيش يريحت هلي بنيتي انتي!”

 

بقيت أبوس بيها من عيونها من خدودها
من إيدها الصغيرة اللي ماسكة بلوزتي
كلشش متعلقة بيه وحتى لو صارت

 

شويه كبرانه بس بعدني أشوفها
نفس الطفلة اللي شلتها أول مرة
من لكيته و شلون حالته جانت

 

بس ماعرف شلون الايام تمشي بسرعه

 

ألعب وياها وأسمع ضحكتها
تملأ الغرفة ضحكة بريئة صافية تحسسني
إن كل التعب يهون من أشوف عيونها
وأتذكر أول يوم شفتها بيه
8 أشهر مرّت بس والله للحظة
أحس إنه كان البارحة.

 

“يمه فدوة أروح لج
تتذكرين أول مرة شفته؟”

 

واني أحچي وأتذكّر
دخلت امي الغرفة وبإيدها
رضاعة الحليب وكالت بصوتها الحنون:

 

“يلاا يمه انطيني إياها خلي أرضعها
بين ما تدخل تسبح وتطلع يأذن الأذان حتى نصلي و نتعشّى ”

 

هزّيت راسي بابتسامة وشلت ريناد بهدوء
نطيته لأمي بقيت عيوني
عليها حتى وهي بحضنها وبعدها تباوع
لي بعيونه النعسانة

 

“يلاا حبيبتي اشربي الحليب وأني اسبح
أرجع ألعب وياج بعدين.”

 

دخلت للحمام حتى أسبح و أرتاح
الماي البارد حسّسني وكأن التعب ينزل
وياه يوم طويل بس نظرته
وضحكته
نسّتني كل التعب وكأنه ماكو بالدنيا غيرها.

 

كملت السبح وطلعت حسّيت
جسمي ارتاح بعد التعب
توضيت وبديت أصلي صلاة المغرب

 

الجو بالبيت هدوء بس بيه دفء
مثل حضن أمي اللي دوم يحسسني
بالراحة كملت صلاتي وسلمت

 

ورفعت إيدي أدعي كل عاده أدعي
بكل شي بقلبي بس أكثر شي
أدعي الله يحفظلي ريناد.

 

و أمي هم كملت صلاتها ومسحت
على وجهها
بهدوء بعدين راحت للمطبخ شويه
رجعت وهي شايلة صينية الأكل

 

حطتها يمي جانت مسوية
طماطة و ريحة الأكل ترست الغرفة
بس جنت ما مرتاح
ما أدري ليش.

 

كعدت مقابلي وبدينا نتعشى
نحچي عن اليوم شلون مر هي تسألني
عن الشغل واني أسألها عن البيت نضحك
ع سوالف بسيطة

 

لحد ما أمي رفعت راسه لي وكالت:

 

:: يمه عمك العصر إجه علينه وكال
باچر الصبح يجي ياخذ ريناد للدار الأيتام.”

 

هنا عبالك صاعقة نزلت ع راسي.

 

صوت أمي ظل يرن براسي
كلشي حولي صار ساكت كأنه الدنيا توقفت
بس كلبي ظل يدك بسرعة حسّيت
بجسمي يتجمد وحلكي نشف حتى
نفسي صار ثقيل.
كوه نطقت

 

“يمه… شنو؟!”

 

الكلمات طلعت من حلگي بالكوه بيها
رجفة وكأنها مو طالعة مني

 

أمي تنهدت و عيونها بيهن حزن
وكالت بصوت هادي:

 

:: يمه هذا الحل الصحيح ريناد يتيمة
وأحنا ما نكدر نربيها للأبد هناك رح تلاگى ناس يهتمون بيها…”

 

من كالت هيج كأنها ضربتني
بسجينه بنص كلبي

 

غمضت عيوني بقوة وأني
أحاول أستوعب بس ما جاي اكدر
للصينية كدامي بس شفت ضباب
و بلحظته تذكرت شلون اني أشيل
ريناد و أضحّكها و أبوسها

 

شلون يريدون ياخذونها من عندي….

 

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

 

يتبع….

 

الفصل التالي اضغط هنا

يتبع.. (رواية صرخة في الظلام) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق