رواية ملاذ العاشق – الفصل السادس عشر
البارت السادس عشر
كريم جري على نهى وهو بينحني عليها، ماسكها بين إيديه وصوته كله رعب:
“نهى!! قومي يا حبيبتي، نهى!!!”
الدم كان نازل من راسها، قلبه وقع مكانه، شالها بسرعة ونزل جري من القصر، رماها بحنان في الكنبة الخلفية للعربية وساق بأقصى سرعة.
وصوته بيتهز من الخوف:
“استحملي يا نهى، بالله عليكي متسيبينيش.”
وصل المستشفى، نزل بيها وهو بيصرخ بأعلى صوته:
“دكتور! عاوز دكتور حالًااا!”
جروا الممرضين بسرعة، خدوا نهى منه ودخلوها غرفة الطوارئ،
وهو وقف برا، مرعوب، مش عارف يعمل إيه، إيده بتترعش، وعينيه مليانة دموع.
الموبايل فجأة رن،
فتح الرسالة… ووشه اتغير، عينيه اتسعت والصدمة شلّته.
> “إزيك يا كريم بيه؟
إيه رأيك في المفاجأة اللي عملتهالك في المدام؟
أوعي تفكر إنك بعيد عني…
ولا إنكم خلصتوا مني…
لا يا كريم، دي لسه بتبتدي.
وصدقني، مصير مراتك هيبقى زي مصير سيدرا بالظبط.
وحق أمي… هاخده.
سلام يا كريم بيه
عند حمزة وسيدرا:
سيدرا كانت ساكتة، عنيها مليانة دموع وهي شايفاه واقف قدامها ساكت ومش بيبصلها، قلبها وجعها وقالت في نفسها خلاص هو كده مش قابل بيا بعد ما عرف اللي حصل…
بس اتفاجئت لما شافته بيبصلها فجأة، قرب منها، مسك إيديها وباسها بحنان، وقال بصوت كله حب ودفا:
ـ هو إنتي فكراني كنت هتخلى عنك؟ أو مش هفهمك؟ بالعكس يا سيدرا… اللي حصل خلاّني متمسك بيكي أكتر.
زنبك إيه إن واحد وسخ هو اللي عمل فيكي كده؟
من أول يوم دخلتي هنا وقلبي دقلك… كنت باجي أتكلم معاكي وفاكرِك مش سمعاني، كنت بحاول أنساكي، بس مقدرتش.
إزاي أنساكي وأنا كل يوم بشوفك قدامي؟
قلبي كان بيجري عليكي لوحده، أنتي فعلاً جوّا قلبي من أول لحظة شوفتك فيها.
ممكن بقى تعرفيني… من إمتى إنتي سمعاني؟
سيدرا دموعها نزلت أكتر، ومسحتها بسرعة وقالت بصوت واطي:
ـ أنا مكنتش فقدت النطق… كنت بس مصدومة، تعبانة نفسيًا من اللي حصلي.
مكنتش عايزة أتكلم، حسّيت إن أسهل حاجة أوهم اللي حواليّا إني لا بسمع ولا بتكلم.
بس لما شوفتك، ولقيتك دايمًا بتتكلم معايا وحنين… حسّيت إن في حاجة بتتغير جوايا، وإن خلاص عايزة أعيش تاني.
قلت لنفسي لازم أواجه، أرجع لأخويا، أعيش حياتي، وأتعافى بجد.
وبصراحة يا حمزة، أنا مبسوطة إنك فهمت ظروفي…
وحبيتك، حبيتك وانت بتدخل كل يوم تتكلم معايا كإني طبيعية، مش مكسورة.
بتمنى تكون الشخص اللي أقدر أكمل معاه، وأنا أوعدك هحاول أتخطى كل حاجة.
حمزة مسك إيديها بإحكام، وبصلها بنظرة كلها دفا وقال:
ـ أوعدك يا سيدرا… طول ما أنا موجود، عمرك ما هتكوني لوحدك.
عند ملاذ وسفيان:
كانوا قاعدين في المطعم بيتغدّوا، الجو بينهم كله دفء وضحك بسيط.
سفيان رفع عينه ليها وهو بيقول بابتسامة هادية:
ـ الأكل عجبك يا ملاذ؟
ردّت ملاذ وهي بتاكل باستمتاع واضح:
ـ تحففة يا سفيان… والمكرونة دي مخصوص أطلبها كل يوم، والبانيه دا حاجة تانية خالص!
بقولك يا سيفو… اعزمني هنا كل يوم كده.
ضحك سفيان بصوت عالي على دلعها، ومد إيده يمسك إيدها بحنان وباسها قدام الناس وهو بيقولها بنبرة كلها حب:
ـ عيوني ليكي يا ملاذ… تؤمري واحنا ننفذ.
اتسحبت ملاذ بإحراج وهي بتقول بخجل:
ـ بس يا سفيان، الناس باصة علينا!
رد عليها ضاحك:
ـ طب ما الناس تشوف… واحد بيدلع مراته فيها إيه يعني؟
قبل ما ترد، رن تليفونه.
بص على الشاشة، لقى “كريم”.
رد بسرعة وصوته اتبدّل:
ـ أيوه يا صحبي… اهدي بس يا كريم، فهمني في إيه؟
…
ـ إيه؟ مستشفى إيه؟
ـ ماشي، أنا جايلك حالًا.
قفل سفيان الموبايل ووشه اتغير، ملامحه بقت جدّية.
بصتله ملاذ بقلق وسألته بصوت مرتعش:
ـ خير يا سفيان؟ مستشفى إيه؟
قام بسرعة وهو بيحط الحساب على الترابيزة وقال بنبرة مستعجلة:
ـ مرات كريم في المستشفى.
صرخت ملاذ بخضة:
ـ نُهى؟!
ـ نُهى مالها يا سفيان؟!
سفيان قرب منها، حاول يحتويها وحط إيده على كتفها وقال بهدوء رغم توتره:
ـ اهدي يا حبيبتي… وتعالي، هنروح دلوقتي.
هزت ملاذ راسها بسرعة، والدموع كانت مالية عنيها، قامت معاه وركبوا عربيتهم في صمت تام، كل واحد فيهم قلبه بيخبط من الخوف والقلق.
في شقّة بسيطة جدًا…
فتح الباب بهدوء، ودخل شاب بخطوات تقيلة، عينه بتتملى بنظرة فيها سخرية وغلّ وهو بيتمتم:
ـ ناس هايصه وناس لايصه!
اتجه ناحية الكرسي وقعد عليه، وبهدوء شال الكاب اللي كان مغطي نص وشه.
بانت ملامحه…
خالد، بوشّه اللي كله قسوة وجروح قديمة بتدل إنه عاش عمره في البلطجه.
اتسند على الكنبة وهو بيولع سيجارة، شد منها نفس ببطء، ونفخ الدخان بعصبية…
صوته طلع مبحوح ومليان إصرار:
ـ كل اللي ملكك… هيبقى بتاعي يا كريم.
يا أنا… يا إنت.
بعدها طلع موبايله واتصل بحد، ورد صوت أنثوي من الطرف التاني.
ـ أيوه يا سلوي؟
قالها ببرود:
ـ تعاليلي النهارده الشقة… عاوزك ضروري.
وقفل الخط، ورجع يسند راسه للخلف وعنيه كلها تفكير غامق وسواد.
—
عند أدهم…
في المستشفى المشبوهة اللي بيعمل فيها عملياته القذرة، كان ماسك الموبايل وبيقول بنبرة أمر:
ـ أيوه، اطلع خد الحاجة دي وانزل فورًا.
قفل الخط، ولفّ على الأطباء اللي شغالين معاه وقال ببرود تام:
ـ هسلّم البضاعة، وفلوسكم هتوصلكم لحد هنا.
رمى نظرة جامدة وسابهم وخرج وهو بيقول بصوت بارد:
ـ سلام.
—
عند كريم…
كان قاعد جنب نُهى في أوضتها بالمستشفى، بعد ما خرج الدكتور وطمنه إنها اتعرضت لضربات متكررة على راسها سببت النزيف، لكن مفيش إصابة داخلية خطيرة.
مسك كريم إيدها وباسها بحنان، صوته كان بيترعش:
ـ حقك عليا يا حبيبة قلبي… كان لازم أأمّن عليكي أكتر من كده.
بس والله… ورحمة أبويا، لَأجيبلك حقك إنتي وسيدرا، وهتكون نهايته على إيدي.
خبط الباب، مسح دموعه بسرعة وقال:
ـ اتفضل.
دخل سفيان وراه ملاذ، اللي أول ما شافت نهي جريت عليها بخوف ودموعها نازلة، اتحنت عليها ومسكت راسها بحنان وهي بتقول:
ـ يا حبيبتي… إيه اللي عمل فيكي كده؟
سفيان سلّم على كريم بسرعة، وقالله بقلق:
ـ إيه اللي حصل يا صحبي؟
رد كريم بصوت مخنوق:
ـ بعدين يا سفيان… المهم دلوقتي هي تبقى كويسة.
فجأة سمعوا نُهى بتهمهم بكلام مش واضح، قرب منها بسرعة وقال بخوف:
ـ نُهى؟ حبيبتي؟ سمعاني؟
هزت راسها ببطء وهي بتفتح عينيها، وصوتها كان واهي جدًا:
ـ كريم…
ابتسم كريم بعينين كلها دموع وقال بحنان:
ـ نعم يا قلب كريم… اسكتي دلوقتي يا حبيبتي، ريّحي شوية… هنده للدكتور يشوفك.
بعد ما طمن الدكتور كريم إن حالة نهي بدأت تستقر، خرج من الأوضة وهو شايل في قلبه نار، عينيه مليانة غضب ودموع، ووشه متغير بشكل يخوّف. سفيان كان واقف جنبه وقاله:
“كريم، لازم نتحرك بسرعة قبل ما اللي عمل كده يختفي.”
كريم رد بنبرة جامدة:
“هو فاكرني هسيب حقي؟ لا يا سفيان، المرة دي الحرب هتبدأ بجد… واللي بدأها هو اللي هيخلص فيها.”
بيطلع التليفون من جيبه، وبيفتح الرسالة تاني، عينه بترتعش وهو بيقرأها كأنه بيحفظها حرف حرف.
دخل كريم الأوضة تاني، وقعد جنب نهي وهو ماسك إيديها بحنان، صوته كان هادي وهو بيقول:
“ها يا حبيبة قلبي، ممكن بقّا تقوليلي اللي حصل؟”
نهي بلعت ريقها بصعوبة، وبصت له بخوف وهي بتتكلم:
“كنت في الحمّام، سمعت صوت خبط ف إزاز البلكونة… طنشت، قولت يمكن الهوا، وكملت اللي بعمله. بعدها حسّيت إن باب البلكونة بيتفتح، وفيه خطوات جوه الأوضة. قلبي وقع، بس قولت أكيد إنت… إنت كنت قايل إنك جاي الظهر، فقلت اللي داخل مش غريب.”
أخدت نفسها بصعوبة وكملت والدموع بتنزل من عينيها:
“طلعت من الحمام وأنا بنادي عليك… ملقتكش. وفجأة، لقيت حد جاي من ورايا، كتم نفسي وقالّي بصوت واطي: ولا نفس. حاولت أقاوم بس مقدرتش… وقالّي: ما تفركيش كتير واسمعي الكلمتين دول… عاوزك توصّلي لكريم وتقوليله لو فاكر إنك خلصت من خالد تبقى غلطان… أنا جيت لِك بنفسي علشان يعرف إني أقدر أوصل لأي حاجة وأي مكان.
وعيوني كانت بتدمع، حاول يمشي إيده عليّ جسمي وهو بيقول: بس مكنتش متخيّل إنك حلوة كده… نصيبك معايا هيبقى زي نصيب سيدرا.
زقيته بكل قوتي، وكنت هصرخ… مسك الفازة وضربني بيها على دماغي… ومحستش بحاجة بعد كده.”
كريم كان بيسمع، وكل كلمة منها كانت بتغرز فيه سكينة. وشه اتحجر، وصوته نزل من بين أسنانه وهو بيقول بغضب مكتوم:
“خالد… أنا وعدتك إنك هتشوف الجحيم بإيدي… ووعدي دا عمره ما بيقع.”
في المستشفى عند حمزة:
حمزة كان قاعد في مكتبه، ماسك ورق قدامه بس ذهنه مش معاه. قرر يجيب رقم كريم من الاستقبال، ورن عليه.
ـ ألو؟ معايا الأستاذ كريم
ـ أستاذ كريم، أنا دكتور حمزة المحمدي… حضرتك أخو الأنسة سيدرا. لا متقلقش، هي كويسة وبخير جدًا كمان.
اتمنى حضرتك تشرفني النهاردة في المستشفى، اسأل على مكتبي وأنا هكون في انتظارك.
—
في المستشفى عند نهى:
ملاذ كانت قاعدة جنب نهى، بتأكلها ب المعلقه:
ـ علشان خاطري يا نهي، دي بس آخر حتة… كليها عشان تبقي كويسة وتروحي معانا، يلا يا حبيبة قلبي ❤️
نهى ابتسمت بخفة وهي بتاكل، مستسلمة لحب صحبتها ليها.
وفي اللحظة دي، خبط كريم الباب ودخل، قرب منهم بسرعة وباس إيد نهى وقال بنبرة دافية:
ـ عاملة إيه يا حبيبتي؟
وبص لملاذ وهو بيقول:
ـ سفيان بيبلغك إنه اضطر يروح الشركة، عشان لا أنا ولا هو كنا هناك. خليك إنتِ مع نهى، وهو هيعدي ياخدك بالليل.
قامت ملاذ من مكانها وقالت بهدوء:
ـ تمام يا كريم، متقلقش.
وجه كريم كلامه لنهى وهو بيربت على إيدها بحنان:
ـ معلش يا حبيبتي، هسيبك نص ساعة بس… هروح المستشفى عند سيدرا أطمّن عليها وراجع على طول.
نهى رفعت عينيها بخوف وقالت:
ـ خير يا كريم؟ في إيه؟
ـ خير إن شاء الله، هشوف فيه إيه وأجيلك بسرعة. يلا سلام.
خرج كريم، والهدوء رجع للأوضة، بس عيون ملاذ كانت مليانة فضول.
ـ مين سيدرا دي يا نهى؟
نهى ردت بهدوء وهي بتشرد:
ـ أخت كريم.
ـ أخت كريم؟ طب مستشفى إيه دي؟
نهى بلعت ريقها وقالت وهي بتبعد بنظرها:
ـ مستشفى أمراض نفسية…
شهقت ملاذ بخضة وهي بتقول:
ـ يا ساتر يا رب! ليه؟
نهى تنهدت وقالت بنبرة حزن:
ـ هحكيلك …
عند سفيان في الشركة:
دخل مكتبه بخطوات سريعة، واضح عليه التوتر. وراه كانت سلوي داخلة، ببصله بنظرات كلها إعجاب غريب وهوس مكتوم.
ـ مالك يا مستر سفيان؟ حساك متدايق…
سفيان زفر بضيق وقال بنبرة حادة:
ـ سلوي، مش ناقص دلعك الماسخ دا. أطلعي خليهُم يجهزولي القهوة، وهاتيلي الملفات بتاعتي.
خرجت سلوي وهي بتحاول تخبي غضبها، بس أول ما قفلت الباب، طلعت الموبايل واتصلت:
ـ ألو، أيوه يا خالد… كريم مجاش النهارده، اللي جه مستر سفيان.
قالت اسمه بنبرة حالمة، فيها غيرة غريبة.
ـ مش هعرف أجيلك بدري، هتأخر لما هو يمشي… سلام.
قفلت، وعينيها كانت كلها غموض .
> دخلت سلوي الشقة بخطوات متوتره اول ما شافته واقف عند الشباك قالت بخوف:
“خالد، إنت مجنون؟ بتكلّمني في نص النهار كده ليه وانت عارف اني عندي شغل ؟”
لفّلها وهو بيبتسم بسخرية وقال:
“ما تخافيش يا حبيبتي، محدش شايفنا… بس أنا عندي ليكي شغل جديد.”
قرب منها وهمس في ودنها:
“المرادي عايزك توصّليلي على سفيان الحديدي نفسه.”
عينيها اتسعت وهي بتقول بصدمة: يا خالد انت مش كنت عاوز كريم بس انا اهه شغاله مع سفيان بيه بس كل حاجه عن كريم بتوصلك سفيان لو عرف اني داخله اتجسس عليه هيقتلني دا مبيرحمش انت كده بتلعب ب النار !”
رد بضحكة سودا:
”
وأنا عمر النار ما خوفتني.”
عند كريم في المستشفى:
وصل كريم المستشفى، ملامحه كان فيها توتر وخوف واضح، خطواته سريعة وصوته متوتر وهو بيكلم الاستقبال:
– أنا كريم الحديدي، أخو المريضة سيدرا الحديدي.
قامت الممرضة بسرعة وقالتله بابتسامة خفيفة:
– دكتور حمزة مستنيك يا فندم، مكتبه آخر طرقة على اليمين.
دخل كريم المكتب، قام حمزة من مكانه وهو بيبتسمله ويمدله إيده:
– أهلًا وسهلًا يا أستاذ كريم، اتفضل اقعد.
كريم جلس، لكن صوته كان متوتر وهو بيقول:
– خير يا دكتور؟ قلقتني والله، أختي فيها حاجة؟ في تطور ولا إيه؟
ابتسم حمزة بهدوء وهو بيحاول يطمنه:
– اهدا بس يا أستاذ كريم، كله تمام، بس تعالى معايا شوف بنفسك.
قام كريم بسرعة، قلبه بيدق بعنف، كل خطوة كانت تقيلة عليه كأنه ماشي على شوك. خوفه من إن يسمع خبر وحش كان بيكتم أنفاسه. وصلوا قدام باب الأوضة، حمزة خبط خبطتين خفاف وفتح الباب.
وهناك… كانت المفاجأة.
سيدرا قاعدة على سريرها، بس مش زي كل مرة. ملامحها مش باهتة ولا عيونها شارده زي الأول، لأ…
كانت مبتسمة، ودموعها بتنزل وهي بتبص ناحية الباب، صوتها طلع مبحوح بس كله حياة وهي بتنطق اسمه لأول مرة من سنين:
– كريم…
كريم اتجمد مكانه ثواني، صوته اختفى، عنيه دمعت وهو مش مصدق.
خطا ناحيتها بسرعة، خدها في حضنه بقوة وهو بيبكي:
– ياااه يا سيدرا… أختي! بتتكلمي بجد؟ بتتكلمي يا سيدرا؟ أخيرًا رجعتيلي يا قلب أخوكي، يا وجع قلبي عليكي اخيرا رجعتيلي وحمزه خرج علشان يسيبهم علي راحتهم!
كانت دموعهم بتختلط ببعض، حضن طويل فيه وجع وفرحة، فيه سنين خوف وذكريات تعب.
سيدرا حطت راسها على كتفه بصوتها الهادئ اللي مليان حنية:
– أنا رجعت يا كريم… رجعت علشانك، علشان نفسي كمان.
رفعت عينيها له بابتسامة باكية:
– إنت كنت سبب من الاسباب يا كريم، كنت بتزورني وتتكلم وأنا سامعة كل كلمة منك. كنت دايمًا الأمان اللي مخليني أعيش.
كريم مسك وشها بين إيديه وهو بيبصلها بنظرة كلها حب وأخوة ودموع:
– أنتي دنيتي يا سيدرا… ما تتخيليش فرحتي بيكي عاملة إزاي. خلاص، من النهارده مفيش خوف، مفيش وجع، مفيش مستشفى تاني.
ضحكت سيدرا وهي تمسح دموعها بإيدها:
– خلاص، وعد يا كريم
.
وقفوا سوا، هي لسه ضعيفة بس فيها طاقة جديدة، عينيها فيها نور بعد الضلمه اللي عاشتها.
قالها كريم وهو بيجمع حاجتها:
– يلا يا حبيبة قلبي، هنخرج سوا، هنبدأ من أول وجديد.
سيدرا أومأت وهي بتلم حاجتها ببطء، كل حركة كانت كأنها بتمسح سنين تعب من روحها.
ولما خرجوا من الأوضة، حمزة كان واقف بعيد بيبصلهم بابتسامة خفيفة، وهو شايف حبيبتو بتبدأ من جديد ورجع ليها الامل وحلفانو هيعوضها عن كل الصعب اللي عاشتو .
عند ملاذ ونهي:
كانت ملاذ قاعدة جنب نهي على السرير، ودموعها بتنزل بهدوء على خدّها وهي بتقول بصوت مبحوح:
– سيدرا دي صعبانة عليا أوي يا نهي… بجد مش قادرة أتخيل إنها عدّت بكل ده لوحدها. ربنا يعينها يا رب.
اتنهدت بحزن وهي تبص في الفراغ، كأنها بتشوف في عيون سيدرا وجع قديم عاشته مع واحدة كانت بتحبها جدًا.
قالت بخفوت وهي بتلف وشها ناحية نهي:
– فكرتيني بسيدرا… فاكره يا نهي لما كنت دايمًا بحكيلك عنها؟ صاحبتي اللي كانت معايا في الثانوية، كنا بنقعد مع بعض فالدروس ونضحك ونتكلم بالساعات… كانت طيبة أوي، بس فجأة… اختفت، لا حس ولا خبر، محدش عرف راحت فين.
شهقت بخفوت ودموعها نزلت أكتر وهي تكمل:
– والله وحشتني، كانت قريبة ليا قوي، كنت بحكيلها كل حاجة… وكانت اكتر من اختي والله يا نهي .
نهي مدت إيدها تمسك إيدها بلُطف وهي بتقولها بحنية:
– يمكن ربنا يجمعك بيها تاني يا ملاذ، الدنيا صغيرة أوي ومفيش مستحيل.
ملاذ هزّت راسها بتنهيدة وهي بتبص للأرض، بس مكنتش تعرف إن دعوة نهي دي كانت بشارة لحظة مش هتنساها طول حياتها.
الباب خبط، ودخل سفيان بابتسامته الهادية وسأل نهي:
– عاملة إيه دلوقتي يا نهي؟
ردّت نهي
– الحمد لله يا سفيان، أنا أحسن بكتير دلوقتي.
ابتسم سفيان وهو يوجّه نظره لملاذ وقالها بحنان:
– ها يا حبيبتي، كلتي؟
نهي سبقتها بالكلام بسرعة وهي مبتسمة بخبث خفيف:
– أكلتني أنا ومردتش تاكل، بتقول تعبانة ومعدتها وجعاها.
بصتلها ملاذ بنظرة ضيق طفيفة وهي تقولها بعينيها “هو لازم تبلغي؟”، وسفيان قرب منها قلقان وهو بيقول بصوت كله حنية واهتمام:
– مالك يا حبيبتي؟ تعبتي؟ تحبي نكشف؟
هزّت ملاذ راسها بسرعة وقالت وهي بتحاول تبين إنها تمام:
– لا والله يا حبيبي، بس معدتي وجعتني شوية مقدرتش آكل.
سفيان قالها بنبرة حازمة لكن مليانة خوف واهتمام:
– خلاص، مش عاوز نقاش… هطلب أكل تاني وهتاكلي.
.
ملاذ بصّت له بابتسامة صغيرة، قلبها دايمًا بيحس بأمان وهو موجود، ورغم التعب اللي كان ظاهر على ملامحها، إلا إن وجود سفيان معاها كان دايمًا بيطمنها.
بعد شوية، الباب خبط تاني.
الكل بص ناحية الباب، وسفيان قام يفتح.
دخل كريم… بس المرة دي مش لوحده.
كانت جنبه بنت واقفة جمبو، شعرها نازل على كتفها، وعيونها فيها حياة رغم التعب.
بمجرد ما دخلوا، وقفت ملاذ مكانها، صدمة واضحة على وشها، عنيها اتسعت وهي بتبص للبنت اللي دخلت…
صوتها خرج متقطع وهي بتحاول تستوعب اللي شايفاه:
– سي… سيدرا؟
سيدرا رفعت راسها ناحية الصوت، عنيها كانت بتدوّر على مصدر النداء، ولما شافت ملاذ، اتجمدت مكانها، الشنطة وقعت من إيدها، وشهها اتملى دهشة ودموع وهي تهمس:
– ملاذ…؟
ثواني من الصمت، كأن الدنيا وقفت، العيون بتتكلم بدل الألسنة، والذكريات القديمة بدأت تتزاحم فالعقل.
ملاذ قربت منها بخطوات بطيئة، صوتها متقطع من البكاء وهي بتقول:
– إنتِ… إنتِ فعلاً سيدرا؟ مش ممكن… مش مصدقة!
دموع سيدرا نزلت وهي بتقرب منها، الاتنين رموا نفسهم في حضن بعض، حضن كان فيه وجع سنين وفرحة لقا بعد ضياع طويل.
كريم وسفيان ونهي وقفوا متجمدين بيشوفوا مشهد صعب يتوصف بالكلام، والاتنين عمالين يبكوا في حضن بعض، أصواتهم مخنوقة من العِبرة.
قالت ملاذ وهي بتشهق من كتر البكاء:
– كنت بدعيلك كل يوم يا سيدرا، كل يوم! كنت حاسة إنك لسه عايشة!
ردت سيدرا بصوتها المرتعش:
– وأنا كنت سامعة اسمك دايمًا فدماغي، كنت نفسي أشوفك تاني يا ملاذ.
المشهد كان كله وجع وفرحة في نفس اللحظة، وعيون كريم وسفيان اتقابلت بنظرة فيها دهشة وغموض…
سفيان همس لكريم بصوت واطي:
– هما يعرفوا بعض؟
كريم هز راسه ببطء وهو لسه مش مصدق اللي بيحصل قدامه
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية ملاذ العاشق) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.