رواية موسى (على دروب الحكايا) الفصل الرابع والعشرون 24 – بقلم امل بشر

رواية موسى (على دروب الحكايا) – الفصل الرابع والعشرون

الفصل الرابع والعشرون(ضربة سِكين)

الفصل الرابع والعشرون(ضربة سِكين)

صلوا على رسول الله…

اذكروا الله…

فوت وكومنت برأيكم ياحلوين،وتفاعلوا فضلاً علشان بجد أكتر اللي بيقرأ مش بيعمل فوت.

نبدأ بسم الله…

____________

“فَما كُلُّ مَن تًهواهُ يَهواكَ قَلبُهُ

وَلا كُلُّ مَن صافَيتَهُ لَكَ قَد صَفا

إِذا لَم يَكُن صَفوُ الوِدادِ طَبيعَةً

فَلا خَيرَ في وِدٍّ يَجيءُ تَكَلُّفا”

-الإمام الشافعي

__________________

_

“ماأنا بقول كده برضه ياسامي،أنا كل خوفي إننا لو أكدنا اللي بيتقال وطلعت اعترفت إني MF،الناس بعد كده مش هتهتم أوي بينا زي الأول،لأن زي ماأنت قلت اللي كان بيشد الناس لينا هو هويتي المجهولة مش بس شغلنا..،واحتمال كبير للأسف شغلنا يتأثر،أنا بجد مش عارف هنتصرف إزاي،حاولوا كده تفكروا أكتر معايا ياجماعة”

انتظر إستجابة منهم أو حتى إجابة،لكن كل ماتلقاه كانت نظرات،نظرات لم تتوجه إليه،بل توجهت على شئ خلفه كان يجهله.

تلفت بجسده محاولاً معرفة ما الذي يجذب انتباههم،لكن قبل أن يستوعب أي شئ،شعر بجسده يترنح،ثم سقط أرضاً بعدما تلقى لكمة في منتصف وجهه،من قبل طارق،الذي كانت عيناه تطلق الشرر تجاه. وبعد لحظة،شعر بصدمة عميقة،بينما كانت يده على وجهه في موضع الضربة،يحاول استيعاب ماحدث،ليهتف بعدها

بصدمة

وانفعال:

“ليه بس؟؟أنا عملت ايه؟؟”

لم ينبس طارق ببنت شفة،بل ترك الإجابة للغضب الذي بدا واضحاً في عينيه.تقدّم نحوه بخطواتٍ متسارعة،ثم مال بجسده قليلًا قبل أن يقبض على تلابيبه بإحكامٍ أشبه بالكماشة. لم يتوقف عند ذلك،بل رفعه عن الأرض بسهولةٍ مفزعة.وبغضبٍ جارف،دفعه بقوةٍ نحو الحائط،فيما بقي ممسكًا به دون أن يفلت قبضته،وكأنما أراد أن يُفرغ كل ما بداخله من غضب مكبوت.

في تلك اللحظة،عمّت الفوضى الغرفة،حيث انتفض الخمسة الجالسون دفعةً واحدة،يتسابقون لإيقاف ما يجري. هرعوا للتدخل،في محاولةٍ مستميتة لفضّ الاشتباك بين الجسدين المتشابكين

.

أمسك كل من سامي وكارم ومحسن بطارق

بسرعة محاولين تهدئته وإبعاده عن موسى،الذي بدا وكأنه في قلب العاصفة. اقترب سامي من طارق بنبرة يغلفها القلق وهو يحاول فهم مايجري

:

“صلي علي النبي ياطارق،فيه ايه؟؟”

أبعد طارق يديه عن الأخير بعنفٍ،وهو يهتف بغضبٍ واضح:

“في ايه إن البيه عايز يتدمرلي حياتي،بسببه احتمال بيتي يتخرب!”

أنهى جملته وهو ينظر بأعين مشتعلة بالغضب صوب موسى،الذي كان يحاول ترتيب ثيابه،والذي بمجرد أن اسمتع لتلك الكلمات صاح هو الأخر بغضبٍ:

“أنتَ بتقول ايه؟؟،أنا عملت ايه أصلا؟؟”

وصلت إليه الإجابة مباشرة من طارق،بصوت ملؤه الإتهام والغضب:

“مش عارف عملت ايه؟؟،مش أنتَ اللي بعت الصور إياهم لدلال وفوقيها عدلت عليهم علشان أبان إن مستمتع وفرحان بالوضع”

ساد المكان صمت ثقيل قطعه نظرات الجميع المذهولة التي توجهت إلى موسى،الذي بدا وكأنه تلقى صفعة غير متوقعة. أخذ لحظة يستوعب الكلمات قبل أن يندفع مدافعًا عن نفسه

:

“صور ايه؟! أنا مابعتش صور لحد،والله..”

قطع طارق حديثه وهو يهتف بإنفعال:

“ماتحلفش بالله كدب،الصور وصلت لدلال النهاردة،ومحدش معاه الصور دي ولا يعرف عنها حاجة غيرك أنت”

“أقسم بالله مابعتلها حاجة،الصور اللي بتتكلم عنها دي أصلاً أن مسحتها في نفس اليوم اللي أخدتهم فيه منك”

سأله طارق بشكٍ،مستنكراً حديثه الذي بدا له وكأنه محاولة للهروب من الحقيقة،وصاح بصوتٍ مشحون بالاتهام:

“أومال كنت بتهددني بإيه من يومها؟!”

صاح موسى بنبرة تحمل في طياتها دفاعاً يائساً:

“بـ ولا حاجة!أنا ماكنش معايا صور أهددك بيهم،كنت بضحك عليك وبقول إنهم معايا علشان أخد منك قرشين! بس في نفس اليوم حسيت بالذنب وقررت أمسح الصور علشان محدش يشوفهم ويحصلك مشكلة بسببهم”

سكت طارق للحظة،كأن عقله يحاول إعادة ترتيب الأحداث واستيعاب ما سمعه. لكن سرعان ماحرك رأسه بالنفي بقوة،وكأن شيئاً بداخله يرفض التصديق،ثم قال بنبرة ثقيلة:

“مش قادر أصدقك…لأنك الوحيد اللي عندك علم بالصور دي،ولو مش أنت اللي بعتهم،مين اللي عمل كده؟! مين غيرك يعرف عنهم؟!”

رفع موسى يديه مدافعاً عن نفسه أمام هذا الإتهام الذي التف حوله كحبل مشنقة،وصاح بصوتٍ عالٍ:

“معرفش! أنا معرفش! أنا لسه عارف منك دلوقتي إن الصور اتبعتت لدلال،أنت اللي المفروض تعرف مين اللي عارف غيري وغيرك بأمرهم وبعتهم ليها؟! دور على اللي عمل كده،وروح زعقلوا واضربه زي ما تحب،بس أنا ماليش ذنب!”

ساد المكان صمتٌ ثقيل،كأن كلمات موسى تركت الجميع في حالة من الحيرة والضياع. أما طارق فكانت عيونه لا تزال تحمل الشك،لكن شيئاً في أعماقه بدأ يهتز،بدأ يخضع لكلمات الأخير ويُصدّقها،ليتنهد بعدها بثقلٍ وكأن هناك حجرة ثقيلة على قلبه،ويردف بتيهٍ،وصوت مبحوح وكأن الكلمات تكاد تختنق في حلقه:

“مين بس؟؟ مين ممكن يعمل كده؟؟ مين عايز يخربلي بيتي بالشكل ده؟؟”

أمسك سامي بطارق من ذراعه بحركة حانية،ثم دفعه بلطف نحو الأريكة خلفه، قائلاً بصوت هادئ لكنه حاسم:

“استهدي بالله كده ياطارق،وتعالى اقعد وفهمنا اللي حصل بالضبط،لعلنا نقدر نساعدك أو نفيدك في حاجة.”

امتثل طارق لطلبه من دون أن ينبس ببنت شفة،وجلس حيث أشار له. بينما ظل البقية واقفين،ينتقلون بعيونهم بينه وبين موسى،الذي سيطر عليه الغضب بشدة وبشكل ملحوظ.

رفع يده ونزع قبعته بعنف،ثم بدأ يفرك خصلات شعره بطريقة عصبية،وهو ينفخ في وجنتيه بقوة،وكأن الإستياء يخرج منه مع كل نفس.

اقترب منه حسن في تلك اللحظة وأخذ يمسح على ظهره كمحاولة منه في تهدأته،فزفر الأخر بقوة ثم مسح وجهه بيده،والتفت صوب طارق ونبس بنبرة حاول صبغها بالهدوء:

“أنتَ شوفت تلفونها؟؟”

رفع طارق رأسه ونظر إلى الأخير بعينين تحملان نوعًا من الحيرة،غير قادر على فهم سؤاله. فابتلع موسى ريقه بصعوبة،ثم تابع موضحًا له:

“شفت الرقم اللي وصلتك منه الصور؟؟”

حرك طارق رأسه بالنفي،وأجاب بصوت متقطع كما لو أن الكلمات كانت تتعثر في حلقه:

“لأ..لأ ماعرفتش أشوف حاجة.”

زفر موسى بضيق مرة أخرى،وأعاد قبعته إلى رأسه بحركة حادة،ثم استدار نحو الباب الذي يتوسط الحائط،سار نحوه بخطوات واثقة ولكنها مثقلة بالغضب المكبوت. لم يستغرق الأمر سوى ثوانٍ قبل أن يصل إليه ويفتحه،ويدخل إلى الغرفة الجانبية دون تردد.

في اللحظة التي كاد يغيب فيها عن الأنظار،جاءه صوت طارق من الخلف،منخفضًا ومليئًا بالتساؤل:

“هتعمل إيه؟”

توقف موسى للحظة،وأجابه بنبرة مشحونة بالحنق والغموض،قبل أن يتابع طريقه:

“هعمل اللي بعرف أعمله.”

اختفى عن أنظارهم،فتبادلوا النظرات لثواني،وفي غمضة عين كان الستة خلفه تماماً. التفوا حوله أشبه بدائرة غير مكتملة،بينما هو كان مركزها،يجلس على مقعده ويثبت عينيه على شاشة الحاسوب أمامه.

شرع موسى في فعل ما يجيده تمامًا،أصابعه تتحرك بخفة فوق الشاشة،وعيناه مركزتان بحدة على الجهاز أمامه. اكتفى الجميع بمشاهدته بصمت مألوف لديهم،وكأن ما يفعله أمر معتاد. لكن طارق كان الوحيد الذي بدا عليه الاضطراب،كل شيء من حوله بدا غريبًا وغير مفهوم. مال قليلًا نحو محسن الذي كان يجلس بجواره،وهمس له مستفسرًا:

“هو بيعمل إيه؟”

رد محسن بهدوء،بينما عينيه ما زالتا مثبتتين على الأخير:

“هايهكر تليفونها.”

شعر طارق بصدمة مفاجئة،فاستدار نحو موسى فجأة،ورفع صوته عاليًا بنبرة تجمع بين الاستنكار والدهشة:

“أنتَ هتهكر تليفون دلال؟!”

أجابه الأخير بحنقٍ دون أن يلتفت إليه حتى:

“عندك حل غيره نقدر بيه نعرف الرقم؟؟،وماتقوليش هتروح تاخده منها علشان أنا مش هستنى لسه”

“يعنى عايز تفهمني إن لما هتهكر تلفونها هتاخد الرقم أسرع؟!”

“أيوا”

كلمة بسيطة نبسها بضيق،جعلت الأخير يزفر بضيق ثم يسأله بصوت منفعل قليلاً:

“وهتهكره ازاي بقا؟؟”

“حد فيكم يقوله اللي يكرمكم؟؟”

تطوع محسن للشرح لطارق وبدأ بفعل ذلك مرددا بهدوءٍ:

“الموضوع بسيط خالص،هو هيبعتلها لينك أول ماتدخل عليه هيقدر يخترق تلفونها ويسحب كل اللي عليه من بيانات،وفي حالته هو،هياخد اللي يخصه من البيانات وبعدين هيرجّع كل حاجة زي الأول”

أومأ له طارق بالإيجاب،ثم التفت صوب الأخير وسأله بحنقٍ:

“طب أنت ايه اللي مخليك متأكد إنها هتدخل اللينك أول مايتبعت”

وصلت إليه الإجابة من الأخير بنبرة صارمة جادة:

“علشان هبعتلها اللينك من رقمي،أنا نادراً جداً لما بكلمها أو ببعتلها حاجة،فهي هتفتكر إني بعتّلها حاجة مهمة وهتدخل عليه،وبس”

أومأ طارق بالإيجاب بتفهمٍ،وأخذ هو الأخر يراقب مايفعله موسى في صمتٍ كما يفعل البقية.

مرت دقائق قليلة بدت كأنها ساعات،والجميع يراقبون موسى بصمت مشحون،وكأنهم يخشون أن يفسدوا تركيزه. كان التوتر يخيم على الغرفة،وكل الأنظار معلقة على الشاشة أمامه.

فجأة،اخترق صوت موسى الهدوء الثقيل،مليئًا بنبرة انتصار واضحة:

“دخلت!”

تبادل الجميع النظرات،وكأن كلمات موسى أشعلت شرارة من الإثارة بينهم،بينما ظل طارق ينظر إليه بتعبير مختلط بين الذهول والفضول. ليعبر عن فضوله هذا بسؤالٍ وكان:

“هتعمل ايه دلوقتي؟؟”

أجابه الأخر بينما عينيه لاتزال على الشاشة وأصابعه تتحرك بخفة على لوحة المفاتيح:

“ههكر التلفون..بس تلفون صاحب الرقم المرة دي،جايز نلاقى حاجة تعرفنا هو مين”

وبالفعل! بدأ العمل على تنفيذ ماقاله،واستمروا هم في مراقبته بترقب وحماسة.

دقائق أخرى مرت،ليعلن بعدها عن انتهائه مما يفعله بإبتسامة هادئة رسمت على فمه،مصحوبة بقوله لهم:

“اخترقت التلفون،خلال ثواني وكل حاجة عليه هتبقى معايا”

وبهذه الجملة،تصاعدت الإثارة في الأجواء،وارتفعت الحماسة بشكل ملحوظ،مما جعل الابتسامة تظهر على وجوه الجميع،تعبيرًا عن فخرهم بموسى وقدراته. لكن طارق كان مختلفًا،فقد تجمد في مكانه،وكأن الزمن قد توقف بالنسبة له.

لم تصدر عنه أي ردة فعل واضحة،بل كانت عيناه مثبتتين بدهشة على الأخير،يتابعان كل حركة من يديه وهي تتنقل بسرعة عبر لوحة المفاتيح. كانت هذه هي المرة الأولى التي يشهد فيها موسى في هذا الوضع،ولأول مرة يشعر تجاهه بالغرابة،وكأن هذا الشخص الذي أمامه ليس هو ذاته الذي كان يعرفه،فطالما عرفه ببروده وكسله تجاه العمل.

غرق في شروده به بشكل ملحوظ،وقبل أن يصل إلى القاع،وصله صوت الأخير يهتف بنبرة هادئة رتيبة:

“اسمه رامي..رامي فؤاد نجم،وشغال طيار تقريباً،وساكن في التجمع،ودي صورته…”

أنهى جملته وهو يتنحى قليلاً بعيداً عن شاشة الحاسوب،ليترك لهم مجالاً لرؤية الصورة والتعرف على ذلك المذكور،والذي لم يكن غريباً ألبتة على طارق،الذي وقف كمن سكب عليه دلو من الماء البارد،وجعله يتجمد في مكانه بملامح وجهه تتراقص عليها علامات الصدمة.

لاحظوا جميعاً حالته تلك،فسارع سامي في سؤاله مستفسراً:

“تعرفه ياطارق؟؟”

احتفظ طارق بصمته للحظة،ثم ابتلع ريقه بصعوبة وأجابه بصوتٍ يغلفه الذهول والصدمة:

“وإلا أعرفه..،ده..ده صاحبي،أو..اللي كنت فاكره صاحبي”

اتسعت أعينهم بدهشة،وخصيصاً موسى الذي ابتلع ريقه ثم أبعد عينه متعمداً عن خاله،وثبتها على صورة الأخير على الشاشة،وقال بهدوء:

“الرقم رقمه،الموبايل مليان بصوره،وحسابه الوحيد على الفيسبوك بإسمه وعليه كل بياناته،فمفيش مجال للشك إنه مايبقاش هو،لازم تتكلم معاه،وتفهم عمل كده ليه..،ودلوقتي عن اذنك”

نهض عقب جملته تلك من مجلسه،وخرج من الغرفة مباشرة دون إضافة كلمة أخرى،تحت أعين الجميع الذي اتجهت نحوه وتابعت أثره تلقائياً.

تبادل أصدقائه النظرات في صمتٍ،حتى كسر طارق هذا الصمت بسؤاله الخافت،الذي كان يحمل في طياته بعض الإحراج:

“وهو كده زعلان؟؟”

أتته الإجابة سريعاً من كارم الذي نبس بنبرة خشنة:

“أنا لو مكانه هاهد الدنيا مش هزعل بس”

أسرع سامي في توضيح قول الأخير بطريقة أكثر هدوءاً:

“أي حد فينا كان مكانه كان هيزعل وياخد موقف ياطارق”

وبعد كلماتهم تلك،لم يشعر طارق بجسده إلا وهو يتحرك فجأة،وقد قادته قدماه نحو موسى. كانت خطواته سريعة،وكأن رغبته في اللحاق به قد تغلبت على كل شيء آخر. ظل يقترب منه بسرعة،عاقدًا العزم على التحدث معه.

وأخيراً،وصل له وهو على أعتاب “السايبر”،فتمسك به من كتفه من الخلف،وأوقفه بقوله الحاسم:

“استنى!”

التفت له الأخير،ووقف مقابلة له،ثم أردف بجديةٍ:

“أستنى ليه؟!،أنا عملت كده اللي عليا،عرفتك باللي ناوي يخربلك حياتك وبرأت نفسي،ولا لسه مش مصدقني؟!”

سكت طارق لوهلة،ثم أردف معتذراً:

“لأ صدقتك ياسيدي،وحقك عليا علشان ضربتك وزعقتلك وعلى كل اللي عملته،حقك عليا،أنا أسف”

رد عليه موسى بحنقٍ،وصوته كان مشبعاً باللوم والعتاب:

“ألف شكر،تسلم على الاعتذار الجميل ده،بجد اعتذار نساني اللي عملته من شوية،حقيقي تسلم وكتر ألف خيرك”

حاول طارق توضيح موقف بقوله الهادئ:

“أنا عارف إنك زعلان ومضايق وحقك،بص حط نفسك مكاني،كنت هتعمل ايه وقتها؟؟”

“لأ مش هحط نفسي مكانك ياطارق،عارف ليه؟؟ علشان أنا مستحيل أشك للحظة إنك ممكن تعمل فيا كده،علشان عارف كويس إنك بتتمنالي الخير مش العكس،بس أنتَ بقا..تقريباً ماتعرفنيش كويس،أو واخد فكرة غلط عني،فصلحها وبعدين ابقى تعالى كلمني”

التفت موسى في نهاية جملته لكي يغادر،لكن يد طارق منعته في اللحظة الأخيرة،حينما لفّ ذراعه حول رقبة الأخير وقربه منه بحركة مفاجئة،قائلاً بمرح محاولاً التخفيف من حدة انزعاح الأخر:

“حقك عليا،أنا أسف بجد علشان شكيت فيك وضربتك،بس صدقني أنا لما شوفت الصور ماحستش بنفسي غير وأنا جاي على هنا وماسك فيك”

رد عليه موسى بصوت حانق ممزوج بسخرية واضحة:

“آه وماله،كنت موتني وبعدين لما يسألوك قولهم أصلي ماحستش بنفسي”

“خلاص بقا ماأنا اعتذرتلك بدل المرة مرتين،وحقيقي ندمان و حاسس بالذنب،فامتقطمش فيا أكتر من كده..”

سكت للحظة يراقب ملامح الأخير المقتضبة والعابسة،ثم تابع بنبرة مرحة:

“تاخد كام وتفكّها؟؟”

رُسمت الإبتسامة تدريجياً على فمه ونظر لخاله ثم أردف بخبثٍ:

“آه..إذا كان كده ماشي،هنا الكلام يختلف”

لم يستطع أصدقاؤه التحكم في أنفسهم،فانفجروا ضاحكين عليه وعلى أسلوبه الطفولي هذا،وشاركهم طارق الضحك أيضاً،في لحظة من التخفيف عن التوتر.

أفلت موسى من ضحكهم،وابتعد عن خاله وهو ينبس بصوت حاد صبغه بالجدية:

“هتدفع كام بقا علشان أعفو عنك؟؟”

أجابه طارق بنبرة هادئة والابتسامة لاتزال تزين ثغره:

“اللي أنت عايزه،بس أهم حاجة تكون مسامحني من قلبك”

“مسامحك،مسامحك،بس توعدني إنك ماتكررش اللي عملته ده تاني،ولا تشك فيا ولا تمد ايدك عليا،علشان ايديك تقيلة الصراحة”

ضحك طارق بخفة ثم أومأ له بالإيجاب وقال برتابةٍ:

“أوعدك إني مش هشك فيك تاني ولا أمد ايديا عليك،إلا لو حضرتك استفزتني”

رد عليه موسى ببساطةٍ وثقةٍ:

“سيبك من حتة الإستفزاز،أنا بعرف أسلك منها،مشكلتي بس في عنصر المفاجأة،أنت أخدتني على خوانة،وإلا ماكنتش سيبتك تضربني،زائد إني كان ممكن أردهالك،بس عملت حساب إنك خالي وإنه ماينفعش أمد ايدي عليك،علشان تعرف بس إني متربي ومُهذب”

“ماشي ياحضرة المهذب،احنا كدا اتصافينا صح؟؟”

“لما أخد الفلوس الأول هتصافى معاك،بس يعني أقدر أقولك إني مبدأياً مسامحك”

أجابه طارق بإرتياح:

“وده يكفيني حالياً”

لحظة صمت مرت عليهم،بعدما انتهى التوتر بينهما واختفى تماماً،ليتنفس كل منهما الصعداء ويبتسم للأخر.كل هذا تحت أعين الخمسة الذين راقبوا المشهد منذ البداية وأنهوه معهم بإبتسامة.

___________________

بعد لحظات…

وقف طارق أمام باب الشقة،يتردد بين الدخول والتراجع،وكأن اللحظة تحمل ثقلًا أكبر من أن يواجهه. أغمض عينيه ببطء،كأنما يحاول إغلاق كل ما حوله ليغرق في أفكاره. تنهد بثقل،وأخذ يتذكر حديث موسى له قبل لحظات…

Flashback

“يعني هي مش عندنا؟؟”

كان هذا سؤال موسى الذي أجابه عليه طارق بقوله الهادئ:

“لأ،بعد ما ورتني الصور سألتني سؤال واحد،وقالتلي ايه ده؟؟ فضلت ساكت ومعرفتش أرد عليها من الصدمة،فكانت عايزة تمشي بس لحقتها وقولتها إني اللي همشي،وبعدين جتلك وحصل اللي حصل”

أومأ له موسى بالإيجاب،ثم نظر على يساره إلى الطريق الذي وقفا بمفردهما في منتصفه،أمام السايبر.

عاد إليه من جديد ثم سأله بإهتمام:

“طب ناوي تعمل ايه دلوقتي؟؟”

“اللي أعرفه إني لازم أتكلم معاها،بس مش عارف أقولها ايه”

وصله الرد من الأخير بسرعة،يردف بحزم وجدية:

“قولها الحقيقة طبعاً ياخالو،قولها كل حاجة،فهمها إن الصور دي مُعدلة،وإنك فعلاً اتصورت بس ماكنش مع الأجانب في الوضع المخل ده،وإن في حد معدلها علشان تبان إنك مستمتع وفرحان وأنت بتتصور معاهم،وقولها مين عمل كده،ماتخبيش حاجة عنها”

سأله طارق بحيرة:

“تفتكر هتصدقني؟؟”

“لأ..”

اتسعت حدقتيه من إجابة الأخير السريعة تلك والتي قالها دون أن يفكر للحظة حتى،وقبل أن يسأله عن السبب،كان الأخير يتابع ويكمل جملته بقوله:

“مش هتصدقك،علشان هي مصدقاك أصلاً ياخالو،هي مشكتش فيك أصلاً”

عقد طارق حاجبيه وسأله بعدم فهم:

“مش فاهم؟؟”

“أفهمك،دلال بطبيعتها لما بتزعل من حد أو حد يضايقها بتتجنبه وتاخد موقف منه،يعني مش بتواجه،بس هي واجهتك فده معناه إنها مش مضايقة منك ولا شاكه فيك خالص،هي بس كانت عايزة توضيح للصور،بس حضرتك سكت والقط أكل لسانك ومعرفتش ترد عليها”

رُسمت بسمة مبهجة على فم طارق في تلك اللحظة،وأردف بغير تصديق:

“يعني بجد هي مش شاكه فيا؟؟”

حرك موسى رأسه بالنفي وهو يجيبه ببساطة:

“لأ مش شاكه فيك،هي مستنية توضيح بسيط،تفهم منه ايه الحكاية،فلازم دلوقتي تروح وتديها اللي هي عايزاه،وصدقني كل حاجة هتتحل بعدها”

“تعرف لو ده حصل،هدلعك”

“وأنا بحب الدلع،مش بقوله لأ”

Back

خرج من ذكرياته،ونجح في استعادة بعضاً من ثباته،ليولج إلى شقته بواسطة المفتاح خاصته.

تقدم نحو الداخل بخطوات بدت ثابتة للعيان،لكنها كانت مثقلة بأحمال خفية لا يمكن لأي شخص أن يراها سواه هو. كان يبحث بعينيه عليها في أرجاء المكان حتى وصل إلى المطبخ،فوجدها تقف هناك،منهمكة في تحضير الطعام.

تجمد في مكانه للحظات،وتأملها بصمت من بعيد. كان ينظر إلى جمالها الهادئ والصافي،وهو يشعر بشيء من الراحة يدخل قلبه. رسمت ابتسامة هادئة على شفتيه،ابتسامة ارتسمت تدريجيًا مع مشاعره،لكنها سرعان ما اختفت حينما انتبهت هي إليه. لحظتها،حدقت به،فشعر بأنه قد تعرض لاختراق صمت اللحظة،وتعرض لهجومٍ توتره فجأة.

.

.

.

جلسا على طرفي الأريكة في غرفة المعيشة،مع ترك مسافة شخص بينهما،تبادلا النظرات في صمت ثقيل،كان يثقله شعور غير مريح على كليهما. كان كل منهما ينتظر أن يبدأ الآخر في الحديث،لكن الصمت طال وكأن اللحظات تزداد ثقلًا.

ثم،وأخيرًا،قرر طارق كسر الحواجز والمبادرة بالكلام. ليقول بصوت هادئ،لكنه كان يحمل بعض التوتر:

“لازم نتكلم عن اللي حصل،وأشرحلك موقفي..أنا”

تنهد بثقل ثم تابع:

“أنا أسف،أنا أسف علشان فعلا اتصورت مع بنات أجانب في سفرية ليا في فترة خطوبتنا..،كنت نازل في فندق وكنت هاأقضي اليوم في الأوضة زي كل مرة،بس اللي حصل إن واحد..واحد صاحبي جه وأصر عليا أنزل معاه نتمشي على البحر ونفك شوية،حاولت أرفض في البداية بس هو أصر،فنزلت معاه واحنا بنتمشى قابلنا شوية أجانب،وهو قالهم إننا طيارين ومن مصر،فهما اتحمسوا وبقوا عايزين يتصورا معانا..،أنا والله كنت رافض تماماً علشان ماكنتش مرتاح خالص،بس مع ضغط الكل عليا،اضطريت أتصور،وساعتها صاحـ رامي،مساعد الطيار اللي معايا وقتها،هو اللي صورني معاهم..بتلفونه،ولما رجعنا على مصر بعتلي الصور،وأنا والله مسحتها في يومها،مااحتفظتش بيها خالص،وكنت فاكر إنه الصور مع موسى بس علشان هو أخدهم من غير ماأحس وقتها،بس طلع..”

ابتلع ريقه بغصة مريرة ثم تابع:

“بس طلع رامي لسه محتفظ بيهم،عدلهم..عدلهم علشان أبان فيهم إني متمسك بالبنت وحاضنها،وإنها مقربة مني جامد وأنا مبتسم وفرحان،بس آكدلك إن ده محصلش،أنا..أنا اتحطيت في موقف صعب وادبست فيه،وصدقيني لو رجع بيا الزمن ماكنتش وافقت إني أتصور،ولا كنت وافقت أسمع كلام رامي من الأول وأنزل من أوضتي..،لأن بسبب الطالعة دي..وبسببه،كنت هخسرك”

التقط في عينيها سؤال مُعلق،فأجابها عليه بصوت مختنق:

“هو،رامي اللي حكتلك عنه وقلتلك إنه صديقي الوحيد،ومفيش غيره تقريباً..،هو للأسف اللي استغل الصور اللي معاه وعدلهم،وبعتهملك من رقم معرفهوش،علشان..”

سكت لوهلة يفكر عن السبب الذي دفعه لفعل ذلك،وعندما فشل في إيجاده ضحك بسخرية وهو يقول:

“مش عارف علشان ايه بصراحة،مش عارف هو ليه كان قاصد يأذيني كده،مش عارف أنا عملتله ايه علشان يبقى..علشان يبقى عايز يدمرلي جوازي ويخربلي بيتي بشكل ده”

زفر بقوة،كمحاولة منه للتحكم في دموعه التي غلفت مقلتيه،وأوشكت على السقوط. رفع يده ومسح عينيه ثم وجهه،في اللحظة التي عبرت هي الحاجز بينهما وعانقته بقوة،وكأنها تعطيه الأمان الذي كان يفتقده.

اتسعت مقلتيه بدهشة،بينما هى أخذت تمسح على ظهره بحنانٍ وهى تهمس في أذنه بدفأ:

“في ناس وحشة،ساعات بيحبوا الأذية لغيرهم أكتر مابيحبوا لهم الخير،بس احنا مش هنوقف حياتنا علشان خاطرهم ولا هنتأثر بيهم من الأساس،بالعكس احنا هنكمل حياتنا عادي ولا كأنهم عملولنا حاجة،علشان احنا بإختصار أحسن منهم كلهم،احنا فينا الخير عنهم”

استسلم لها ولحديثها،وسلم نفسه لهذا العناق الدافئ،ليبادلها حضناً يشدد فيه ضمته لها،بينما هي فعلت الشئ نفسه،وفي هذه اللحظة سألها بصوت هادئ:

“مابقتيش زعلانة مني صح؟؟”

ابتسمت بهدوء وأجابته بلطفٍ:

“أنا مازعلتش منك أصلاً علشان مابقاش زعلانة،أنا بس زعلت شوية صغيرين إنك ماردتش عليا لما سألتك عن الصور،بس كنت متأكدة لما مشيت إنك هترجع ومعاك إجابة تأكد لي اللي في رأسي،واللي هو إنك مستحيل تعمل حاجة زي ده،علشان بإختصار أنتَ بتحبني”

“لأ..”

رفعت حاجبيها بإستغراب وكادت أن تسأله،لكنه تابع حديثه بهيام وشجن،وقلب ينبض لأجلها فقط:

“أنا مش بحبك بس،أنا بموت فيكِ يادلال..،بعشقك وبعشق كل تفصيلة فيكِ،ونفسي تفضلي معايا وماتسبنيش لأخر عمري”

ابتسمت بسعادة،ووجهت له نظرة مليئة بالحبٍ،ثم أردفت بعاطفة جياشية:

“مش هسيبك،مهما حصل مش هسيبك ياطارق،هفضل متمسكة بيك زي ماعامله دلوقتي كده،طول مابتنفس هفضل معاك ووياك،ومش هسيبك لأخر عمري ياعمري”

ابتسم ببهجة،وكأن كلماتها تلك أعادت إليه روحه،وللحق،هي كانت روحه التي استعادها. كانت هي سبب سعادته في نسيان تلك الخسارة التي تعرض لها،خسارة من كان يظن أنه صديقه ورفيقه الأول والوحيد. كانت لحظات عاطفته معها هي ما جعله يشعر أنه قادر على المضي قدمًا،وأن لا شيء في هذا العالم يمكنه أن يوقفه أو يحطمه طالما أنها إلى جانبه.

شدت هي عناقها له مجددًا،وعادت لتمسح على ظهره بحنان،كأنها تحاول أن تهدئ من روعه. تنفس هو الصعداء بعمق،وكأن شعور الراحة بدأ يتسلل إليه ببطء. ثم أخذ يربت على ظهرها براحة،وهو يشعر أن كل كلمة وكل لمسة منها تزيده قوة،كأنها تمنحه السلام الذي كان يبحث عنه.

___________________

في صباح اليوم التالي…

كان يجلس على مقعد يتوسط غرفة المعيشة،بينما يمسك بهاتفه ويضربه بخفة بكف يده الاخرة،كمحاولة فاشلة منه في تشغيله. وفي لحظة إحباط ألقى الهاتف بعنف على الأريكة أمامه وهو يهتف بإنفعال:

“يعنى مصمم تبوظ دلوقتي”

في تلك اللحظة وصله صوت رنين جرس المنزل،فنظر نحو الباب تلقائياً،ثم نهض من مجلسه لكي يفتحه. ولكن بمجرد أن وقعت عينه على من يقف أمامه،صدم لوهلة ثم ابتسم بسعادة مزيفة وهو يردف بصوت مضطرب:

“طارق!..اتفضل ادخل،نورت بيت أخوك”

صمت طارق للحظة،ثم أردف بجمود مشوب بالغضب:

“ليه عملت كده؟؟”

رمش رامي بعينيه في حيرة،قبل أن يرد باستفهام مرتبك:

“إيه؟؟”

اقترب طارق خطوة،وصوته اكتسى بحدة قاطعة:

“ليه عدلت الصور وبعتهم لمراتي؟؟ ليه قصدت تخربلي حياتي؟؟”

اتسعت عينا رامي بصدمة جلية،ثم أدار رأسه بسرعة،متجهًا نحو الداخل وهو يهتف نافياً:

“إنت بتقول إيه يا طارق؟؟ صور إيه اللي عدلتهم وبعتهم لمراتك؟؟”

لم يمنحه طارق مجالاً للتراجع أو المراوغة،فلحق به بخطوات ثابتة وهتف بنفاد صبر:

“بلاش لف ودوران،أنت فاهم كويس أنا بتكلم عن إيه..،أنت اللي كنت مصورني اليوم ده،وأنت اللي عدلت الصور عشان تخليني أظهر قدام مراتي في وضع مخل مع بنت غيرها،وروحت بعتلها الصور من رقم غريب،وكنت فاكر إني مش هعرف إنك أنت اللي عملتها.”

رفع رامي يديه كمن يحاول صد الاتهام،وهو يهتف بارتباك:

“إيه الكلام الفارغ اللي أنت بتقوله ده يا طارق؟؟ ما تعقل الكلام قبل ما تـ…”

قطع طارق حديثه بصوت جهوري مشحون بالغضب:

“أنا عارف كويس أنا بقول إيه،ومتأكد من اللي بقوله،وأكبر دليل على كلامي هو تليفونك البايظ ده..”

أشار بعينيه نحو الهاتف المستقر على الأريكة،ثم عاد ينظر إلى رامي بثبات جعله يبدو كصخرة صلبة أمام أمواج التبريرات المتخبطة. أكمل طارق بنبرة هادئة،لكنها مليئة بالثقة:

“أصلي نسيت أقولك يا صاحبي،إن ابن أختي هكر شاطر جدًا،أكيد سمعت عنه،بس ده مش موضوعنا،خلينا في المهم،اللي يهمك تعرفه إنه هو اللي اخترق تليفونك، وسحب كل اللي عليه،وبعدين دمره بحتة فيروس صغير،ربنا يباركله بقا،عبقري في الحاجات دي،لولاه ما كنتش اكتشفت وشك الحقيقي يا رامي،وما كنتش عرفت نواياك الحقيقية تجاهي…”

توقف للحظة،ناظرًا في عيني رامي مباشرة وكأنه يبحث عن أثر للحقيقة في داخله،قبل أن يردف بصوت يحمل مرارة الخيانة:

“بس نفسي أعرف ليه؟ ليه بجد عملت كده؟ أنا عملتلك إيه علشان تأذيني بالشكل ده؟”

كان الصمت سيد الموقف للحظة،قبل أن يتنفس رامي بصوت مرتفع ويهتف بصوت جهوري غاضب:

“عملت كده بسببك،أنتِ اللي خلتني أعمل كده،علشان ببساطة أنتِ أحسن مني في كل حاجة،وعندك كل حاجة،كابتن طيران مش مجرد مساعد زيي،ليك هيبة والكل بيحترمك حتى المدير ذات نفسه،اللي مايبقاش طايق يبص في خلقة حد،أنت بالنسبة له أعظم طيار،ومحدش زيك ولا شطارتك ولا أخلاقك..،أنت متجوز،متجوز البنت اللي بتحبها،واللي كمان بتحبك،أما أنا،البنت اللي حبيتها،وكنت فاكرها بتقرب مني علشان بتحبني،طلعت بتقرب مني علشان خاطرك أنتَ..،كانت معحبة بيك أنتَ،وكانت وخداني كبري علشان توصلك،بس لما عرفت إنك خاطب،فوراً اختفت من حياتي من غير حتى كلمة وادع..،أنت عندك كل حاجة،شقة ملك وعيلة كبيرة بتحبك وبتحبهم،حالتك المادية كويسة ومش عليك أي أقساط زيي،أنت مثالي في كل حاجة..وأنا لأ،الكل عايز يقرب منك أنتَ..وأنا لأ،نفسي أعرف ليه بجد؟؟ فيك ايه عني زيادة يخليهم يحبوك ومش شايفني أنا؟؟..رد عليا؟؟ اديني إجابة منطقية لسؤالي؟؟ مش هتلاقي،زي ماأنا مالقتش كده،فقررت أعكنن عليك حياتك،وأخسرك أغلى حاجة بتملكها،مراتك،بس للأسف حتى خطتي فشلت،كان نفسي بجد أشوفك مكسور قدامي بعد ماتخسرها،بجد كانت هتبقى أحسن لحظات حياتي”

وكل ماتلقاه بعد كلماته تلك كانت لكمة قوية،اصطدمت بوجهه مباشرة،جعلته يتراجع إلى للخلف قبل أن يهوي على الأرض بعنف. ارتفع أنينه،ممزوجًا بالألم والصدمة،بينما كان طارق يحدق به بنظرات ملتهبة،وكأنه يكاد ينفجر من الغضب.

ثم أشار بإصبعه نحوه،وصوته الجهوري يصدح في الغرفة:

“تعرف؟ ده الرد المثالي على كلامك،علشان أنا مش هعرف أرد عليك،ولو رديت أصلا مش هتفهمني عارف ليه؟؟ علشان أنت إنسان حقود،بتكره يبقى حد أحسن منك،ومش راضي باللي ربنا قسمهولك،رغم إني في ناس كتير بتحلم تبقى مكانك،بس أنت مش مقدر النعمة…،أنت بجد عايز..أنت بجد عايز تتعالج يارامي،روح اتعالج،عالج ضميرك النايم ونفسك السودا من جوه،روح اتعالج،لما هتتعالج هتعرف ليه الناس شايفني أحسن منك”

أنهى طارق كلماته واستدار للمغادرة،خطواته كانت تثقلها مشاعر الخذلان والغضب. لكنه ما إن وصل إلى عتبة الباب حتى توقف فجأة،وكأن شيئًا ما أوقفه. التفت بجسده مجددًا نحو رامي،وملامحه تحمل مزيجًا من الألم والمرارة،ثم قال بصوت هادئ ولكنه مثقل بالوجع:

“حاجة أخيرة…أنا كنت بعتبرك أكتر من صاحب،كنت صاحبي الوحيد تقريباً..،وأديني خسرتك كمان..”

ابتلع ريقه بغصة،ثم أردف بابتسامة باردة:

“بس تعرف؟الحمد لله،ربنا عوضني بالأحسن منك…،ودلوقتي عن إذنك،أشوف وشك بخير”

استدار مجددًا،لكنه هذه المرة لم يتردد،خرج من الغرفة بخطوات حاسمة تاركًا خلفه صمتًا عالقًا بين الندم والخسارة،ليبقى رامي جالساً في مكانه،يحدق بالأرض وكأنها ابتلعت كل ما تبقى من كبريائه.

___________________

في جهة أخرى…

“متأكدة إنك مش عايزاني أجي معاكِ؟؟”

سؤال وجهته نادية لابنتها التي وقفت بالقرب من الباب تستعد للخروج،لتجيبها عليه الأخير ببسمة هادئة ولطيفة:

“أيوه ياماما متأكدة،ماتقلقيش عليا مش هتوه يعني”

“أنا بس خايفة عليكِ،أنت بقالك فترة غايبة عن المنطقة،فممكن تبقى ناسية الأماكن والمحلات ولا حاجة”

“لا مش نسياهم ياستي ماتخافيش،أنا حافظة كل شبر في المنطقة دي،اطمني،يلا بقا جيبي الورقة علشان أنزل أجيب الحاجة وأرجع بسرعة”

مدت إليها فيروز كف يدها في نهاية جملتها،فتنهدت الأخري بقلة حيلة ثم أعطتها الورقة مرددة:

“لو حصل أي حاجة ابقى كلميني”

“حاضر،يلا أنا هنزل بقا،باي”

“باي باي،خدِ بالك من نفسك”

ردت عليه فيروز وهو تخرج من الباب:

“حاضر”

اختفى أثرها بعد ذلك،حينما أخلقت الباب بهدوء خلفها،وهبطت على الدرج متجهة للسوق القريب لتحضر بعض الأشياء اللازمة لوالدتها،التي رفضت في البداية ذاهبها،لكن مع إصرارها عليها اضطرت للخضوع إليها.

خرجت من مدخل البيت وبعفوية وجدت نفسها ترفع عينيها صوب شرفة جده،لتتأكد إذا كان بها أم لا،لكن لسؤء الحظ لم يكن يقف حينها،فضمت شفتيها بأسى لعدم قدرتها على رؤيته إلى الأن. أخفضت رأسها ثم تنهد بعمق وتابعت سيرها لوجهتها المحددة.

أخذت تسير في الطريق التي تحفظها عن ظهر قلب،تمرر نظرها على جانبي الطريق،مستمتعة بما تراه حولها. كانت محلات ومتاجر مختلفة تملأ المكان،بعضها يعرض بضائع لامعة وجميلة،بينما يلهو الأطفال في الشارع بخفة وبراءة. كانت النساء منشغلات بتنظيف شرفاتهن،في مشهد يومي مألوف،يبعث في قلبها شعورًا بالراحة والطمأنينة.

دلفت إلى شارع فرعي مختصر للسوق،تسير فيه بهدوء،مستمتعة بالأجواء المحيطة. وبينما كانت تتنقل بين الأزقة،رأت شابًا يستند على أحد البيوت،ممسكًا بسيجارة يلتقط منها أنفاسه ببطء. فجأة،التقت عيونهما،مما جعلها تشعر بشيء من الارتباك،لكن رغم ذلك،حافظت على هدوئها وتجاهلت نظراته،مستمرة في سيرها.

لكن،شعرت فجأة بأقدام تقترب منها،وعندما لمحت ذلك الشاب يقتفي أثرها،وعلى وجهه ابتسامة غامضة،بدأت تشعر بالقلق. لا شعوريًا،سرعت من خطواتها،محاولة أن تخلق مسافة بينهما كي تفقده أثرها،وتتخلص منه.

___________________

مع مرور الوقت…

وقف في شرفة جده كالعادة،يراقب الوقت بنظراته القلقة،يدور في المساحة الخالية من الشرفة ذهابًا وإيابًا،محاولًا تهدئة نفسه من توتره. كانت لحظات الانتظار ثقيلة عليه،يتساءل عن السبب الذي جعلها تتأخر،وعيناه تتجهان نحو الباب بين الحين والآخر.

وفجأة،لمحها تخرج،فتوقف عن حركته وتلفت نحوها،سؤاله خرج بسرعة وبلهجة تحمل بعض الخوف والقلق:

“اتأخرتِ كده ليه؟؟ برن عليكِ من ساعتها مش بتردي؟”

ابتسمت ابتسامة غير واضحة،ثم قالت بملامح وجه تكدرت:

“معلش،كنت في الحمام.”

لاحظ هو العبوس على وجهها،فأصبح أكثر قلقًا،وعقد حاجبيه وسألها بصوت خافت:

“مالك؟؟مضايقة ليه؟”

حاولت أن تصطنع الابتسامة،لكن نبرتها لم تكن كافية لإخفاء توترها،فقالت:

“ماليش، أنا كويسة.”

أجابها على الفور بنبرة مليئة بالشك:

“لا مش كويسة،باين على وشك إنك مضايقة. في حد زعلك؟أنا زعلتك في حاجة؟”

حركت رأسها بسرعة بالنفي،وأجابته بسرعة،محاولة إخفاء أي شيء:

“لا أبداً،مفيش حد مزعلني ولا حاجة،أنا تمام ماتقلقش.”

ظل يطالعها بصمت للحظات،وملامح القلق واضحة في عينيه،ثم أردف فجأة وبجدية شديدة:

“أنا جايلك.”

نظرت إليه مستنكرة:

“جايلي فين؟”

أجابها بثقة وعزم:

“جايلك البيت،طالما أنتِ مش عايزة تقوليلي مالك،أنا هاجي وأعرف بطريقتي،مستحيل أشوفك زعلانة كده وأسكت”

أنهى جملته هو يولج للداخل ليذهب إليها،بينما تركها هي واقفة في مكانها،تتأمل أثره بحيرة وتوتر. كانت ملامح وجهها تعكس القلق الذي تملّكها،وعقلها يدور بأفكار متشابكة،غير قادرة على تحديد ما يجب فعله أو قوله.

.

.

.

وصل إلى وجهته وقد فتحت له نادية الباب،وبعد أن رحبت به،خرجت الأخرى من غرفتها،فألقى نظرة سريعة عليها قبل أن يلتفت للأخيرة ويردف بتهذيب:

“استأذنك ياخالتي تسيبني أنا وفيروز دقيقتين بس”

نظرت نادية صوب ابنتها التي وقفت تطالعه هو فقط،ثم عادت إليه وقالت:

“ماشي،أنا هكون في المطبخ لو احتاجتوا حاجة”

أومأ لها موسى بالإيجاب،فانصرفت بعيداً عنهما وولجت للمطبخ من جديد،تاركة إياه بمفرده معاها في الغرفة الخالية،والتي شعرت بأنها تضيق عليها كلما كان يقترب منها.

وقف أمامها بثبات،محافظًا على مسافة تفوق المتر بينهما. تنهد بعمق،محاولًا جمع شجاعته ليكسر حاجز التوتر الذي يملأ المكان. ثم نظر إليها بعينيه التي غمرهما الخوف عليها،وسألها بصوت هادئ مليء بالرجاء:

“ممكن بقا تقوليلي ايه اللي مضايقك؟؟”

“صدقني،مفيش حاجة مضيقاني،أنا كويسة”

ورغم ثباتها على الإجابة،لكن قلبه كان يرفض تصديقها،فحرك رأسه بالنفي وهو يقول:

“مش حاسس إنك كويسة،حاسس إنك مخبية حاجة عني…ايه اللي حصل يافيروز؟؟”

ابتلعت ريقها بصعوبة،وحاولت جمع شتات نفسها،لتجيبه ببسمة مصطنعة تُخفي خلفها اضطرابها:

“أنا كويسة،وبضحك كمان أهو،مصر تخليني مضايقة يعني؟؟”

أتت كلماته سريعاً،محطمة تظاهرها الواهن:

“أنت بتضحكِ غصب عنك،فكراني مش واخد بالي يعني،أنا حافظك أكتر من نفسي يافيروز،وعارف امتى بتضحكي من قبلك وامتى لأ،فياريت ماتمثليش عليا إنك كويسة،وتقوليلي اللي حصل،علشان لو فضلت ساكتة كده هفضل طول اليوم بفكر فيكِ، ومش هاخرج الموضوع من دماغي غير لما أعرف ايه اللي مزعلك،فياريت تتكلمي”

صوته كان مليئًا بالجدية والحرص،وكأن كل كلمة كانت محاولة حثيثة لسحبها من صمتها. وقد نجح في ذلك حينما انهارت دفاعاتها فجأة،لتتلألأ الدموع في عينيها،مما جعل قلبه يسقط أرضًا رعبًا عليها.

وبحركة عفوية،تقدّم نحوها بسرعة وكأن المسافة بينهما باتت لا تُحتمل،لكنّه توقّف للحظة قبل أن يمدّ يده ليمسح دموعها. تردد للحظة،ثم سألها بخوف وحنان:

“بتعيطي ليه؟؟ إيه اللي حصل؟”

كانت كلماته أشبه برجاء،كأنه يستجديها لتطمئنه،لتخبره بشيء ينزع عنه هذا الشعور الثقيل الذي خنق صدره. لتيحبه حينها من بين شهقاتها:

“في..في شاب النهاردة كان ماشي ورايا..،كنت رايحة علشان أجيب حاجات من السوق لماما،فأخد طريق مختصر علشان متأخرش،بس وأنا ماشية لقيته واقف وساند على الجدار،مااهتمتش بيه وكملت طريقي عادي،بس بعدها حسيت بحد ماشي ورايا،ولما بصيت لقيته هو..،فضل ماشي ورايا وبيصفرلي وبيقول كلام مش حلو خالص،حتى بعد ماخلصت وجبت الحاجات كان لسه ورايا،ومابعدش عني غير لما قربت علي بيتنا”

اتسعت عيناه بصدمة،وشعر وكأن الدم في عروقه تحول إلى نيران تغلي،يكاد بركان غضبه يثور،لكنه نجح بصعوبة في كبحه. تنفس بعمق،محاولًا السيطرة على نفسه،ثم سألها بنبرة حاول أن يكسوها بالهدوء:

“الواد ده كان فيه ندبة في خده؟”

أومأت له بالإيجاب،لتزداد حدة نظراته بينما أخذ يحرك رأسه بتوتر وهو يتمتم بصوت يشوبه الغضب المكبوت:

“يبقى هو..هو زيكو الكلب..مفيش غيره،هو ناوي يموت على ايدي المرة دي”

اندفع موسى نحو الباب بعزمٍ لا يلين،لكن صوتها المتوسل خلفه جعله يتوقف لبرهة.التفت إليها وعيناه تقدحان شررًا من الغضب:

“ماينفعش أستنى،الواد ده لازم يتربى،دي مش أول مرة يعملها! عملها قبل كده مع لينا بنت عمتي،وساعتها عمو فاروق كان هيخلص عليه،بس أبوه جه ركع تحت رجل أبويا وطلب السماح،بس المرة دة لأ،أنا هعرف أربيه كويس ابن***”

اندفع للخارج عقب كلماته تلك كالبركان المنفجر،متجاهلًا توسلاتها وصراخها باسمه،كأنه لم يعد يسمع أو يرى شيئًا. خطواته كانت سريعة وغاضبة،تقوده نحو انتقام محتوم.

في طريقه،مر بجوار سامي الذي كان يصعد الدرج،فتوقف الأخير ونظر إليه بذهول،ثم رفع عينيه ليجد شقيقته في حالة ذعر،تهبط خلفه بسرعة،فسألها بقلق:

“في إيه؟! موسى ماله؟متعصب كده ليه؟”

ردت في عجلة ونبرة مرتجفة:

“مش هعرف أحكيلك كل حاجة دلوقتي،بس لازم تلحقه ياسامي قبل مايعمل مصيبة،علشان خاطري الحقه بسرعة!”

لم يحتج سامي إلى المزيد من الشرح؛فقد انطلق فورًا خلف موسى دون كلمة إضافية،بينما ظلت هي واقفة في مكانها،يدها تمسك بيد والدتها التي وصلت لتوها. بينما تردد أدعية في سرها،تتمنى أن ينتهي هذا الموقف على خير،وأن يستطيع سامي اللحاق بموسى قبل أن يتسبب في كارثة.

.

.

.

لكن ليس كل مايتمناه المرء يدركه..

اندفع موسى كالثور الهائج نحو وجهته المحددة،عينيه مشتعلة بالغضب. وكما كان يتوقع وجد الشاب يقف في الزقاق الضيق،ممسكاً بسيجارته،وكأن الدنيا بأسرها لاتعنيه.

دون أن يتردد أو يضيع ثانية واحدة،تقدم نحوه بخطواط سريعة،وأمسكه من تلابيبه بكل قوته،ثم دفعه على الأرض بعنفٍ،وأخذ يهتف بإنفعال شديد وصوته يكاد ينفجر من شدة الغضب:

“يعني مالقتش غير خطيبتي وتعاكسها ياكلب،هو أبوك نسى يربيك علشان تفضل تعاكس في بنات الناس يابن***”

أنهى جملته وهو ينهال علي الرجل المستقر على الأرض باللكمات،وكل لكمة كانت تأتي كالصاعقة،تتسارع مع كل لحظة. حاول الشاب أن يرفع يديه ليدافع عن نفسه أو يفر من قبضة الأخير،لكن دون جدوي.

كلما حاول التحرك كان موسى يزيد من شدة ضرباته،قبضة بعد قبضة،وكأن كل لكمة كانت تمثل تنفيساً عن غضب مكبوت لم يكن ليجد له مفراً.

لكن في غمضة عين انقلب السحر على الساحر…

في لحظة مفاجأة،هرول أحد أصدقاء الشاب الذي كان يتعرض للضرب،لمساعدته بعدما رآه ملقى على الأرض بمحو الصدفة. اندفع نحو موسى وسحب جسده بعيداً عن صديقه الملقى،الذي نهض سريعاً وأخذ في رد الضربات إلى موسى،الذي كان يحاول الدفاع عن نفسه وسط هذا الهجوم من الجانبين.

لكن سرعان ماأتت إليه المساعدة،حينما وصل سامي إليه،والذي هرول لمساعدته،واندفع بكامل قوته وأبعد جسد الشاب الثاني عنه،ليبدأ التشابك بين أربعتهم،اثنان مقابل اثنان،حيث تحول الموقف إلى معركة عنيفة في الزقاق الضيق،تنتقل فيها الضربات واللكمات بسرعة،والأجواء ملتهبة بالغضب والصرخات.

ومع تبادل اللكمات،بدأ تبادل الكلمات أيضاً،وكان الشاب الأول من بدأها لإستفزاز موسى:

“كل ده علشان عاكست خطيبتك،وفيها ايه يعني؟؟،ما أنا زيي زيك أصلاً،أنت يدوب خطيبها مش جوزها،أنا غريب وأنت غريب،واحنا اللي الاتنين بنعبر عن اعجابنا بيها،والبنت حلو وتستاهل المعاكسة بصراحة”

رد موسى عليه بعينين مشتعلتين بالغضب،وقد تجمعت في صدره مشاعر مكبوتة،ثم هتف بصوتٍ عميق،يملؤه التهديد:

“ده أنت حالف تموت على ايدي بقا ياابن فوزي كمون!”

وبعد هذه الكلمات الحادة،بدأ موسى في توجيه ضربات أقوى وأسرع،وكأن كل ضربة كانت تعبير عن غضبه العارم،لكن في لحظة خاطفة،أخرج الشاب أداة حادة “مطوة”،واندفع نحوه بها،ليجرح بها معدته عرضياً في اللحظة التي اقترب فيها منه.

#يتبع…

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية موسى (على دروب الحكايا)) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق