رواية عهد الدباغ – الفصل السادس 6
بشقة توفيق
بعد وقت قليل خرجت فرح من المطبخ تحمل كوبً من القهوة،ذهبت نحو غرفة المعيشه
نظرت نحو تلك الأريكة التي كان يجلس عليها فاروق… مازال بقايا عطره تعبق المكان عبق طفيف … جلست في بنفس مكانه، تحاول تلمس طيفه الذي تركه خلفه… بداخلها تعلم أن ما تشعر به ليس دفئًا، بل بقايا وهمٍ يذوب ببطء.
تحدثت لنفسها همسًا:
هو مالُه كان مستعجل يمشي كأنه بيهرب مني ليه كل مرة ييجي… نفس الهدوء البارد،زي ما يكون بيتحاشي ينظر ليا كأننا غرباء، ومرات قليلة، وضحكته بحس إنها غصب من يوم ما إتكتب كتابنا ..حتى كلامه بقي قليل.
توقفت للحظات ثم عادت تتفوه بعدم فهم:
يمكن أنا السبب.. عشان خجوله وبتكسف،ممكن يكون بيضايق من كده، بس أعمل إيه دي طبيعة فيا.
توقفت للحظات وعادت تهمس بأفتراض:
يمكن وافق على جوازنا غصب، يمكن قلبه في حتة تانية…
سرعان ما نفضت ذلك التفكير قائلة بتوبيخ لنفسها:
وهو واحد بشخصية فاروق ممكن حد يغصب عليه
تنهدت بقوة قائله:
يمكن أنا اللى بتوهم،هو قال إن الشغل عنده كتير،يمكن فترة وتعدي.
نظرت إلى الكوب أمامها، البخار تلاشى، إرتشفت بعض القطرات،شعرت ببرودة القهوة
رفعت نظرها للسقف، تحاول الهاء تفكيرها، لكن بداخلها صوت ضعيف يهمس:
ليه بحس إنه جاي مغصوب… مش مشتاق، زي أي خطيب رايح يقابل خطيبته، حتى انا وهو مش بس مخطوبين إحنا مكتوب كتابنا، يعني خلاص مش باقي على جوازنا غير خطوة، أوقات بحس إنه شخص جاف، بس كلام طنط إجلال،إنه إتعود يكون شخص عملي،وتفكيره كله فى الشغل.. ومع الوقت لما أبقي فى بيته أكيد هينشغل بيا.
تنهدت بقوة تتمني بداخلها أن ينشغل عقله بها مثلما تلاحظ أنشغاله بالعمل…
قطع تفكيرها دخول عهد مُبتسمة تقول:
لقيت ماية سخنه فى الكاتل عملت لنفسي نسكافية…قاعدة هنا ليه..ولا زعلانه مني عشان إتخانقت أنا وفاروق..كالعادة.
إبتسمت فرح قائلة:
أهو قولتي كالعادة، أنا مش عارفة إنتِ ليه وقت ما تشوفيه تتعصبي بدون سبب، مع إنه لطيف.
تهكمت بضحكة وغمزت قائلة بمرح:
طبعًا مين هيشهد له، انا بتعصب من أفعاله هو شخص مستفز، يعني كل مره أشوفه تنتهي بإصابه ليا، آخرها، إيدي أهي بسببه خبطت فى حديد السلم، وإنجلفت.. غير كان ممكن اتزحلق عالسلم، بس سيبك مني، مش عارفه ليه بخس إنه شخص مغرور وعنده تعالي، يعني المفروض انكم مكتوب كتابكم، وزفافكم مش بعيد، يعني الفترة دي كنتم تقضوها فسح وخروجات، حتى عشان تقربوا من بعض وتفهموا بعض أكتر… ولايمكن زيك بينكسف.
رغم غصة قلب فرح لكن ضحكت بمرح قائلة:
إنتِ مفكرة فاروق زي “فاتي”إبن خالتك منار” فاتنة المعادي.. تافه ومش شاطر غير فى النحنحة والزن عالودان، مش عارفة إزاي اساسًا وافقتي تتخطبي له وقبل كده مكنش بينكم حتى إستلطاف.
ضحكت عهد قائلة:
“فادي” فعلًا تافه زي باباه وده اللى خلاني أوافق عليه، هيبقي لعبة فى إيدي زي باباه ما اهو لعبة فى إيد خالتو كده، أنتِ عارفة إن شخصيتي قوية ومش بحب حد يسيطر عليا، كمان مش ناويه بعد ما اتخرج اقعد فى البيت وأستني العريس، أنا عاوزة أشتغل ويبقي ليا كيان خاص بيا، مش بعد تعب سنين الدراسة فى الآخر، اقعد وابقي سِت بيت تستني جوزها يرجع لها، أنا عاوزة أشتغل ومن دلوقتى لو لقيت شغلانه مناسبة ليا… بس إنتِ عارفة دماغ ماما إن البنات هوانم، وبتأثر على بابا ساعات.. أنا بحب الانطلاق،ومش الصياعة زي ما ماما بتقول..عاوزة أشتغل وأتبهدل، وفادي مش هيمانع أشتغل، لأن ببساطة هو هيبقي معظم الوقت مسافر.
تفهمتها فرح سائلة:
طب ما أهو ممكن ياخدك معاه دبي.
تنهدت عهد بلا مبالاة قائلة:
ممكن، وقتها مش صعب أشتغل هناك.
-كل اللى فى دماغك إنك تشتغلي.
هكذا سألت فرح وأجابتها عهد:
أيوة.. عاوزه أحس بكياني.
-وكيانك ده بس بالشغل بس
أجابتها عهد:
طبعًا لاء، بس أنا حابة أشتغل.
تبسمت فرح فتبسمت عهد قائلة:
طبعًا إنتِ مع نظرية ماما، إن الستات هوانم البيوت، كمان زي حماتك تقعد فى الصالون ويجي لها أخبار الحارة وهي بتشرب القهوة عالسبرتاية.
اومأت فرح بموافقة، ضحكن الإثنين، ضمت عهد فرح قائلة:
ربنا يهنيكِ مع الملك فاروق… ولو زعلك إخلعيه
زي الملك فاروق وياخد لقب المخلوع.
ضحكت فرح وهي تضرب على كتف عهد بخفه مرحه قائلة:
فاروق له هيبة كده، ومتأكدة عمره ما هيزعلني.
تبسمت عهد بمرح قائلة:
ميقدرش اساسًا يزعلك، إنتِ سهتانة والنوع ده بيعجب الرجالة.
ضحكت فرح بنفس الوقت دخلت عليهن والدتهن نظرت لهن بسعادة وهن يضحكن قائلة:
بتضحكوا على إيه يا بنات.
تفوهت فرح بمرح:
ابدًا دي عهد بتقول عني سهتانة.
ضحكت ميرفت قائلة:
فعلًا عندها حق، بس عالاقل السهتانة أحسن من العصبية اللى بدبش… باباكم بيكلم الحج محي، يعزمهم… نسي يقول لـ فاروق وهو هنا على ميعاد شبكة عهد.
إنشرح قلب فرح، بينما عهد تفوهت بمرح وهي تغمز لـ فرح بعينيها:
طبعًا الملك وعيلة الملك لازم تحضر.
صفعتها فرح بخفه قائلة:
بطلي غمز ولمز، ما إنتِ وفاتي الموبايل مش بيرتاح.
تهكمت عهد بضحك قائلة:
وحياتك نص المكالمة بيحكي لى عن زميلاته هناك، نصهم أجانب،مفكرني هغير منهم، لكن ولا واحدة تهز شعراية مني، انا
“عهد توفيق”.
-مغرورة، وهو يستاهل يوقع فى عصا والديه.
هكذا قالت ميرفت فضحكن فرح وميرفت وتذمرت عهد بمرح مصطنع … تومئ بتوافق وهي تبتسم.
❈-❈-❈
بمنزل محي..
صدمة لكن كانت متوقعة، فمنذ علم أن هناك من تقدم لخطبة عهد وهي وافقت، أدرك أن إعلان خطبتها مسألة وقت لا أكثر… ومع ذلك، لم يكن الاستعداد كافيًا حين جاء الخبر فعلًا…
وقف للحظة، يشعر بإنسحاب الهواء من صدره فجأة، والعالم من حوله فقد لونه…
لم تكن المسألة في فقدانها، بل في يقينه أنه خسرها قبل أن يحاول فعلًا الاحتفاظ بها…
مر اسمها في ذهنه كهمس حاد..وضحكتها التي كانت تُنبت في قلبه حياة، تحولت الآن إلى طعنة ناعمة لا تترك دمًا ولا شفاء…
أدار وجهه للحظات ، يخفي ما لم يقدر على كبته، فما أقسى أن يتظاهر باللامبالاة وهو في داخله ينهار بصمت…
يرسم بسمة وجع، جلس جوار والده الذي ربت على فخذه قائلًا:
إيه رأيك بجُملة الأفراح نحدد ميعاد لزفافك إنت وفرح، الشقة بتاعتك تعتبر جاهزة شوية تشطيبات بسيطة، والعفش مفيش أكتر من محلات الموبيليا… أمك هي وفرح ومامتها ينزلوا يختاروا اللى يعجب فرح.
نظر نحو بسمة والدته، كم تمني زواج عن حُب مثل والديه، امرأة تمتلك كيانه، تفهمه من نظرة عيناه مثل والدته مع والده، لكن يبدوا أن القدر يفرض سيطرته… تنهد بجمود قائلًا بموافقة:
تمام يا حج اعملوا اللى إنتم عاوزينه… هقوم أنا حاسس بإرهاق، هطلع اخد شاور وأنام عندي بكرة شغل كتير.
نظر له محي قائلًا:
مش اللى إحنا عاوزينه الأهم إنت يكون قلبك مرتاح دي حياتك إنت.
تهكم بداخله، فأي حياة وأي راحة يشعر لكن أومأ برأسه قائلًا:
أنا مرتاح يا حج.. هقوم أخد شاور وأنام… الشغل الفترة دي كتير.
تبسمت له إجلال قائلة:
خُد بالك من صحتك،الشغل مبيخلصش.
نهض قائلًا:
فعلًا،الشغل مش بيخلص،كمان محتاج اللى يباشر عُمال المدابغ.. تصبحوا على خير.
اومأت له اجلال بابتسامة حانية قائلة:
وإنت من أهل الخير.
غادر فاروق، نظر محي لـ إجلال قائلًا:
خايف نكون ظلمنا فاروق وضغطنا عليه فى حكاية جوازه من فرح،هو شكله كان عاوز عهد…يمكن بيحبها.
تنهدت إجلال بآسف قائلة:
معتقدش بيحب عهد،يمكن كان إعجاب،لو بيحبها كان سهل يرفض فرح،ما هو مش هيتحمل عذاب إن عهد تبقي قدامه طول الوقت، اخت مراته…هّوٌ بس متوتر إن الموضوع حصل بسرعة،إنت كنت شايف قبل كده كتير كلمته وكان بيراوغ،لو مش قابل فرح كان راوغ،وقال خطوبة وفسخها،بعد وقت.
-طب وحكاية إنه بيروح لخطيبته كل فين وفين،حتي مش بيعزمها عالخروج بره فى أي مكان يكونوا وحدهم.
هكذا سأل محي ضحكت إجلال قائلة:
فاروق كل تفكيره فى الشغل من صغره فاكر،لما كان مش بيحب المدرسة وعاوز يشتغل معاك فى المدابغ حتى فى الجامعة مكنش بيروح غير عالامتحانات،فاروق مش من النوعية اللى بيقبل أي شئ يتفرض عليه،وزي ما قولتلك هو كان معجب بشقاوة عهد،لكن فهم وعرف إن فرح إللى تناسب عقليته،سيبها على الله يا حج،وبكره تشوف فرح هي اللى تناسب فاروق.
….ــــــــــــــــــــ
بغرفة فاروق،
جلس على حافة الفراش، يعبث بخاتم فضي بين أصابعه، وكأن كل دوران له يعيد شريط الذكريات من بداية روؤية عهد أول مره بالمطعم، وأمنيته لقائها مرة أخرى، وتتحقق الامنية ويراها بقلب منزله… نعتها له بـ “الوحش”
حتى شجارهم قبل قليل يتردد بعقله… كصدى علق بأذنيه…
نفض ذلك عن رأسه ونهض واقفًا يقول:
كفاية يا فاروق، عهد لازم تطلع من تفكيرك، فرح هي اللى من نصيبك والاحق بكل تفكيرك ومشاعرك …
صراع بين عقله وقلبه وإرهاق يسيطر عليه، إستسلم لغفوة تفصل كل ذلك.
❈-❈-❈
بعد مرور يومين بعد الظهر
بالنادي الرياضي
منذ هزيمته لها وهي تنتظر اللقاء التالي كمن ينتظر ثأرًا مؤجلًا..
كل مرة تسير من أمام ذلك المربع الزجاجي، تشعر بشيء يغلي بداخلها، خليط من الغضب والفضول، ورغبة لا تهدأ في استعادة كرامتها التي سقطت هناك، بين نظرات المتفرجين وابتسامته الواثقة… بعد هزيمتها.
لكن اليوم كانت الصدفة
تراه يتدرب بتركيز، عضلاته المشدودة تتحرك بانسياب كأنها محارب إغريفي، بينما هي تكتفي بالمراقبة، تُخفي نارها خلف هدوء مصطنع… لم تكترث بوجوده فى الصاله وذهبت نحو مكان آخر… ألقت
حقيبتها على الأرض وسارت بخطوات بطيئة، تشعر بثِقل الفِكر… منذ هزيمته لها وهي تحملها فوق صدرها كجرح صغير،
رفعت عينيها لتتجنب نظرات الآخرين، لتتفاجأ به أمامها تمامًا، واقفًا جوار آلة الجري، منشغل بساعته وكأنه لم يكن يومًا سبب اضطرابها الداخلي… للحظة، تجمدت، قلبها ارتبك وذهنها امتلأ بتلك اللحظة القديمة التي انتزع فيها منها الفوز بابتسامة متغطرسة…
قبل لحظات
لاحظ وجودها بصالة الرياضة… رفع رأسه، والتقت النظرات.
ابتسامة خفيفة ارتسمت على شفتيه، ومال قليلًا برأسه قائلًا بنبرة هادئة:
مساء الخير… يا… آنسة يارا
تنفست بعمق، رفعت حاجبها بغطرسة كعادتها، قامت بتزويد سرعة تلك الآلة الرياضية وقامت بالرد بإدعاء الا مبالاة:
مساء إيه إحنا لسه يادوب الضهر.
ابتسم قائلًا:
من بعد الساعة إتناشر الضهر بنبقي خلاص المسا… شايف إنك بترهقي نفسك بزيادة سرعة المشايه… المفروض تاخديها بالتدريج.
نظرت نحوه بغطرسة قائلة:
لاء مش برهق نفسي عادي، أنا طول عمري رياضية…ومتفكرش عشان كسبت ماتش إسكواش إنك بكده بقيت بطل الأبطال.
ضحك بثقة، اقترب خطوة واحدة، صوته انخفض كأنه يهمس تحديًا:
أنا فعلًا بطل الإبطال.
نظرت له وهي تلهث.. شعرت بـأنه مغرور،فتحدثت بتحدي:
بعرض عليك نلعب ماتش تاني…
توقفت بعدما قاطعها وهو يحك ذقنه تلمع عيناه بإعجاب أخفاه وهو يتحدث بمساومة:
وماله نلعب ماتش تاني،
بس على شرط…
الخسران في الماتش ينفذ طلب الفايز، أيًا كان.
قالها بنبرة هادئة، لكنها محمّلة بتحد خفي، ونظرة عينيه جعلت قلبها يخفق رغمًا عنها…
ترددت لحظة، ثم رفعت ذقنها بعناد وهي تبتسم ابتسامة خفيفة:
اتفقنا… بس متندمش بعدين.
ضحك، صوت ضحكته عميق ومستفز في الوقت نفسه، قبل أن يرد بثقة:
أنا… أندم على تحدي هنشوف، هشيب لك تحديد الوقت، لأن لازم أمشي دلوقتي عندي شغل مهم، بتمنى لك تمرين لطيف وبلاش تسرعي سرعة المشايه، الاحتراف مش فى السرعة، الاحتراف فى الخبرة .
لم ينتظر ردها وغادر بخطوات واثقة يبتسم، بينما هي زفرت نفسها بغضب وهي تنظر حولها بالقاعة… لاحظت أن الموجودين مشغولون بممارسة الرياضة، تهكمت هامسة:
فاكر نفسه خبير مُحترف، شخص مستفز، بس أنا هخليه ينهزم يعترف إنه مش لازم يستهون بقوة الخِصم اللى قدامه،حتى لو كان فاز عليه مرة… سهل الحظ يلعب معاه مرة لكن أكيد مش هيستمر معاه.
❈-❈-❈
مساءً
بأحد قاعات الأفراح القريبة من منزل والد عهد، كانت تضوي الأضواء، تنساب الموسيقي البسيطة، حفل خطوبة شبة صغير، يشمل أفراد العائلتين وبعض المدعوين من أقرباء الطرفين المُقربين…
على منصة القاعة..
كانت عهد تجلس،وجوارها فادي يتجاذب معها الحديث…بلوم:
مش كنا كتابنا الكتاب مع الخطوبة النهاردة.
أجابته بطريقة شبة متعالية:
قولت لك مش هنكتب الكتاب الا قبل الفرح مباشرةً…ومن فضلك كفاية رغي فى الموضوع ده.
غصبً إستسلم فادي،بينما عهد أدارت وجهها نحو باب القاعة دون قصد،بنفس الوقت كان يدلف فاروق .. لم تُبالي بدخوله، لكن نظرت نحو فرح وملامحها التي تغيرت، من وجه شبه عابس الى ملامح متفتحه وبسمة تلمع عينيها بوميض له وهج خاص، تبسمت ثم عادت تنظر نحو فادي، لكن كانت نظرة خاوية المشاعر.
لوهلة تجمدت خطوات فاروق لحظة دخوله القاعة، لم يكن المشهد سهلًا عليه، لكنه هذه المرة بدا مختلفًا…
عينيه سقطت أولًا على فرح، ثم على عهد التي كانت تجلس بجوار فادي. لم تكن تنظر نحوه، .
تبدلت ملامحه للحظة شعور بالبرود يغزوا عقله، أخفى كل ذلك بابتسامة عابرة وذهب نحو الطاولة التي تجلس خلفها فرح
بينما كانت فرح تتابعه بعينين لا تخفيان لهفتهما، وكأن كل الحفل لم يُقم إلا من أجل أن تراه.
بينما كان الهمس بين بعض الموجودين، أن الحفلة لم يكُن لها داعي، كان الأفضل ان تكون مُختصرة، فقيمة شبكة العروس لا تستاهل ذلك المكان،
بينما عهد لم تهتم لتلك الشبكة، كذالك كانت مُعترضة على ذلك الحفل لكن إصرار خالتها وفادي، وافقت على مضض، كذالك تشعر بالضيق وهي تجلس هكذا ، تشعر بالضيق يتسلل إلى صدرها، من الضجيج والأضواء..
مدّ فادي يده يلامس يدها بخفة محاولًا كسر الصمت بينهما، لكنها سحبت يدها سريعًا، ونظرت له بنهي، ضجر فادي من ذلك لكن رسم إبتسامة باهتة.
❈-❈-❈
بعد مرور حوالى شهر ونصف
مع حرارة الصيف التي تسللت،صدفة وهي تجلس بأحد النوادي الإجتماعية،وإحد صديقاتها،جلست جوارها قائلة:
شوفتي الإعلان ده يا عهد.
سألتها بإستفسار:
إعلان إيه.
أجابتها بتوضيح وهي تعطي لها الهاتف:
شوفي إعلان شركة طيران عن حاجتها لمُضيفات،ومش مكتوب شرط تكون عندها مؤهل دراسي،مكتوب تكون بتجيد لغات كمان حسنة المظهر…أنا شايفه الإعلان ده زي ما يكون متفصل علشانك،إنتِ معاكِ كذا لغة وما شاء الله جميلة وذوقك راقي.
إشتعلت الفكرة برأس عهد،هي تهوى السفر،لكن تفوهت لصديقتها :
ممكن يكون إعلان فشنك، كمان ممكن يكون محجوز لابناء العاملين.
ضحكت صديقتها قائلة بتحفيز:
مش هتخسري حاجه،عندك الإعلان على الموبايل،ممكن تسألي عن الشركة اللى منزلة الإعلان،يمكن تكون فرصة.
لمعت عين عهد،وبالفعل أستفسرت عن تلك الشركه،كذالك عن صحة الإعلان والمطلوب من المُتقدمات لنيل تلك الوظيفة…
أيام تحاول أن تُخبر والديها برغبتها بتلك الوظيفة،لكن تأكدت اولًا من صدق الشركة،حسمت قرارها
ليلًا بعد إنتهاء العشاء
تنحنحت أكثر من مرة، لاحظت ميرفت ذلك فنظرت لها بضجر قائلة:
بطلي نحنحنة وقولى عاوزه إيه،ولا تكوني إتخانقتي مع فادي تاني.
زفرت عهد نفسها قائلة:
لاء أنا وفادي ملتزمين الصمت…فى موضوع تاني أهم من فادي نفسه.
ضحك توفيق قائلًا بإستفسار:
إيه الموضوع ده بقي.
نهضت عهد وجلست على الآريكة بالمنتصف بينه وبين فرح قائلة بتفسير وهي تفتح هاتفها أمام والدها.:
شوف يا بابا الإعلان ده،ده إعلان لشركة طيران طالبين مضيفات،ومش مكتوب شرط المؤهل الدراسي،الاهم عندهم اللغات وحُسن المظهر.
تفوهت ميرفت بتهكم قائلة:
وبتفرجي بابا عالاعلان ده ليه…
توقفت ميرفت قائلة:
أوعي تكوني عاوزة تقدمي.
أجابتها:
أنا فعلًا قدمت أنا وواحدة صاحبتي، والشركة حددت ميعاد الانترڤيو… بعد أسبوع.
تهكمت والدتها مره أخرى قائلة:
يعني بتتصرفي من دماغك… ومين قالك إننا هنوافق أساسًا، إنك تشتغلي قبل ما تخلصي دراستك.
نظرت عهد نحو والدها برجاء:
دي فرصة يا بابا، أنا فاضل لى سنة وأتخرج وممكن الفرصة دي ميظهرش غيرها… أنا إتأكدت من مصداقية الإعلان، فرجاءًا يا بابا، لو نجحت فى التقييم بتاع الشركة توافق.
تفوه والدها بهدوء:
ودراستك يا عهد، يعني على إعتبار قبلتي فى شغل المُضيفات دي شغلانه كل يوم فى بلد.
تبسمت له بإنشراح قائلة:
أنا أقدر أوازن بين الإتنين دراستي، والشغل كمضيفة… الجامعة بتاعتي مفيهاش عملي فمش هحتاج لحضور، ووقت إمتحانات التيرم أبقي أخد أجازة…
توقفت لحظات ثم تحدثت برجاء:
دي فرصة يا بابا لو فعلًا قبلت.
تفوهت فرح بتذكير لها:
ناسية إنك مخطوبة يا عهد وفادي ممكن يعترض.
نظرت عهد نحو والدها قائلة:
فادي مجرد خطيبي مش جوزي ومالوش كلمة عليا الكلمة كلمة بابا.
تبسم توفيق قائلًا:
فعلًا… بس فى المستقبل يا عهد لما تتجوزي من فادي، أكيد ممكن يعترض من شغلك كمضيفة وكل فترة فى بلد.
أجابته عهد:
وقتها يحلها ربنا… هو كده كده بيسافر فمش هتفرق معاه، المهم دلوقتي موافقة حضرتك… كمان أنجح فى التقييم بتاع شركة الطيران.
أمام إصرارها، تبسم توفيق بموافقة قائلًا:
موافق، بس توعديتي تكملي دراستك.
حضنته عهد بفرحه عارمة قائلة:
أكيد يا بابا متقلقش هكمل دراستي، بس إدعي يقبلوني فى شركة الطيران.
نظرت والدتها نحو توفيق وكادت تعترض لكن اومأ لها توفيق بإشارة خفيفة منه كي لا تتحدث، فابتلعت اعتراضها في صمت،لكن ظلت عيناها تتنقلان بين زوجها وابنتها بحيرةٍ وقلق.
…. ـــــــ
بعد وقت قليل بغرفة النوم
نظرت ميرفت الى توفيق قائلة بلوم:
إزاي توافق إن عهد تشتغل فى شركة الطيران.
تبسم توفيق قائلًا بنبرة حاول أن يجعلها مطمئنة:
لسه الإختبار الله اعلم هتتوفق ولا لاء، كمان
خليها تجرب، لو رفضت هتفضل طول عمرها تندم وتحس إني حرمتها من فرصة ممكن تكون فى مصلحتها مستقبلًا… هقولك كمان حاسس إن فى فتور فى علاقتها مع فادي، دايمًا شد وجذب .. وحاسس فى لحظة هتاخد قرار فسخ الخطوبة.
تفوهت ميرفت بآسف:
فعلًا ملاحظة ده وعشان كده أنا سبق وإعترضت، فادي كلمة مامته لها ألف حساب عنده، وخايفة تكون شعلانة المضيفة دي كمان تزود الفجوة بينهم، وكمان تكون مجرد زهوة عند عهد، أنا لغاية دلوقتي مش عارفة ليه أساسًا وافقت على خطوبتها من فادي.
ضغط توفيق على شفتيه قائلًا:
عقلية عهد عكس عقلية فرح للآسف متناقضين، عهد عندها حماس تجرب حتى لو هتخفق فى الوصول لهدفها… عكس فرح
هادية ومش بتحب تجازف ولا تدخل فى تجارب… وإحنا المطلوب مننا نوجههم ونبقي سند لهم.
تبسمت ميرفت وهي تضم توفيق قائلة:
فاكر يا توفيق زمان وقت ما إتقدمت لى، ماما قالت ده فلاح جاي من الأرياف، وهيبقي عقليته متشددة، بس أنا لما شوفتك قلبي إتفتح لك وعملت إستخارة، لقيت ربنا بيسهل ليا الطريق مع بعض، حتى لما بعد ما خلفت عهد وحصل لى نزيف والدكتور قال لازم نستئصل الرحم، إنت مترددتش للحظة، وقولت دول بنتين، وأنا عاوز ولد يكون سند ليا…حتى وقتها سمعت مامتك قالتلك إن الولاد عزوة.
ضمها بمودة ورحمة قائلًا:
كان ممكن أخلف ولد وبدل ما يبقي سند ليا يبقى لعنة عليا ويكون صايع…كمان صحيح الولاد عزوة،بس كمان أوقات كتير ربنا يبارك فى القليل عن الكتير،وأهو البنتين كبروا،وهيجوزوا ويجيبوا لينا أحفاد يبقوا عزوتنا،أنا متأكد أحفادنا من عهد هيطلعوا عنينا زي ما هي عملت فينا.
ضحكت ميرفت قائلة:
ده شئ مؤكد طبعًا.
ابتسم وهو يضمها لصدره يضع قُبلة فوق رأسها قائلًا:
ربنا يفرحنا بيهم.
❈-❈-❈
بعد مرور عِدة أسابيع
بأحد أكبر فنادق القاهرة
كانت هنالك غرفة خاصة بالعروس، تم حجزها خصيصًا لـ فرح…كانت تفوح منها رائحة الزهور والعطور…
كانت الستائر تُلامس ضوء الغروب فينعكس على المرايا الواسعة، بينما تجلس عهد تنظر نحو فرح التي يحيط بها فريق التجميل يُنهي اللمسات الأخيرة على مكياجها الذي كان شبة مُنعدم فجمالها الطبيعي أفضل من تلك المساحيق.
بعد وقت دلفت إجلال ومعها يارا، وكذالك رابيا وخلفهن دخلت ميرفت…
تبسمت إجلال قائلة:
بسم الله ما شاء الله، جمال رباني.
تبسمت فرح بخجل.
بعد وقت دخل توفيق الى الغرفة تبسم لـ فرح التى نظرت له سُرعان ما تدمعت عيناه، لكن أخفي ذلك وهو يضم فرح لصدره يُقبل جبينها بسعادة بالغة، ثم إصطحبها الى قاعة العُرس
دلفا بهدوء، توقف أمام فاروق الذي كان يقف ببهو القاعة، أعطي له توفيق يد فرح، رفع فاروق الوشاح الأبيض عن وجهها،
جميلة ورائحتها خميلة، وضع قُبله فوق جبينها وإصطحبها نحو منصة العًرس ليُعزف موسيقي الرقصة الأولى.
تبسمت عهد بسعادة وهي تنظر نحو فرح… بينما نظر فادى نخوهما بسخط ومال على أذن عهد وهو
يزفر نفسه بغضب مكبوت قائلًا:
مش شايف سبب كان يمنع كتب كتابنا،زي فرح وفاروق،اهم مُنسجمين فى الرقص مع بعض..،كان زمانا زيهم،وأقدر أقوم انا وإنت نرقص
نظرت له عهد بضجر ولم ترد لا تود إفساد فرحتها بفرحة أختها الليلة
مع إنتهاء الرقصة الأولى
إصطحب فاروق فرح الى منصة العُرس
جلست ثم هو خلفها…
بعد وقت كانت فقرة تبديل وضع محابس الزواج … برقة بدل فاروق الخاتم من يدها اليمين الى اليسار، بمجرد لمسة واحدة تكفي من فاروق كفيلة لتسري كهرباء بجسد وقلب فرح…. بينما لخجلها كالعادة إهتزت يدي فرح فسقط منها الخاتم الخاص بـ فاروق، نهضت عهد سريعًا وجذبت الخاتم وأعطته لـ فرح مُبتسمه تغمز لها بمرح..
تبسمت فرح بخجل، بينما نظر لها فاروق.. اليوم يرا كل شيء مُختلف.
… ـــــــــــــــــــ
بعد وقت إنتهى الزفاف
أضواء إستقبال فرح بمنزل محي كانت تتلألأ
وإستقبال مُميز من إجلال ومحي وهو يُقبل رأس فرح.. ينظر نحو توفيق قائلًا:
فرح مكانتها من مكانة يارا بنتِ.
تبسم له توفيق بإمتنان…
بينما عهد أخفت دمعة بعينيها… فرح كانت أختها وصديقتها القريبة، رغم إختلاف طباعهن.. لكن كُن قريبات من بعضهن…
تبسمت فرح لـ عهد التى بادلتها الابتسام تتمني لها السعادة، كذالك والدتهن، لكن لم تستطيع إخفاء دمعتها التى سالت غصبً… تبسمت لها إجلال قائلة بمرح:
طالما فيها دموع كده أنا هتمسك ببنتي يارا ومش هجوزها.
زالت الدمعة وعادت الابتسامات الصافية.
،،، ـــــــــــــــــ
بعد وقت
بشقة فاروق
دلف إلى غرفة النوم، ابتسم لـ فرح التي شعرت بخجل خفي يملأ عينيها ووجنتيها، رغم زيها البسيط والمحتشم ظاهريًا فقط،فأسفل تلك العباءة البيضاء،منامة شبه عارية… تشعر أن الجو مشحونًا بفيض من الحياء والرهبة اللطيفة.
اقترب منها بخطوات هادئة، نظر إلى عينيها متأملاً خجلها الصامت، توقف أمامها يبتسم.. بينما هي تشعر بارتعاشة خفيفة تمر في جسدها، قلبها ينبض بسرعة لم تستطع إخفاءها، لكنها حاولت أن تحافظ على هدوئها الظاهري، ترفع رأسها لتقابله بنظرة خجولة ممزوجة بالفضول، وكأن كل كلمة سيقولها ستصبح وقعًا على قلبها قبل أذنيها…
لم يكن هناك كلمات، غير تراتيل الصلاة ثم دعاء الزواج… بعدها قُبلات ولمسات فاروق التي سحبتها معه نحو سحابة بيضاء، وفضاء يملؤه شعور بالسكينة والدفء، كأن العالم كله اختفى حولهما، ولم يبق سوى نبضات قلبيهما المتسارعة وهمس اللحظة التي جمعت بين الخجل والحنان والرغبة في الاقتراب أكثر فأكثر.
بعد وقت تنحي فاروق من فوقها نائمًا على الفراش.. داخله صراع أخيرًا تم حسمه…
لن يعيش أسير أوهام… عهد إنتهت.. ومن هذه اللحظة حقيقة واحدة… وبداية جديدة إسمها كوصفها
فرح.
يتبع.. (رواية عهد الدباغ) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.