رواية ظنها دمية بين اصابعه الفصل المائة وثمانية 108 – بقلم سهام صادق

رواية ظنها دمية بين اصابعه – الفصل المائة وثمانية 108

ربما يأتي علينا وقتً نسأل أنفسنا، أي ذنب أقترفناه حتى يتقابل طريقنا مع أشخاص نُبصر معهم ما يجعلنا ضائعين ،مُذبذبين ،فاقدين ثقتنا وكارهين ذاتنا ولا ينبض داخلنا سوى الكره و الأنتقام.
وضعت “أشرقت” يدها على شفتيها حتى تكتم صوت شهقتها ونظرت إليه في ذعر بعدما انتفضت من فراش المرضى بجسد مُرتجف.

أرعبتها نظرته القاتمة التي تُشبه تلك الليالي التي تعيشها معه ولا تعلم من أين يأتي الخلاص دون أن يُمس عائلتها بسوء.

_ إيه الهجمية ديه، وإزاي تدخل غرفة الكشف كده…

قالتها الطبيبة بأستنكار وهي تتحرك لخارج الغرفة ثم بدأت تهتف باسم مُساعدتها.

_ “إيمان” تعالي أطردي الهمجي ده من العيادة.

ألتوت شفتي “مراد” بتهكم وتركها تُكمل ندائها على الفتاة التي صارت تحت قبضتي يدين أحد رجاله.

انفرج فاه الطبيبة وهي ترى عيادتها التي كانت تضم عدد لا بأس من المرضى، أصبحت فارغة.

_ إهانتك مقبولة يا دكتورة…

قالها ثم أجتذب ذراع “أشرقت” التي شعرت هي الأخرى بالأرتياع عندما أستمعت لصوت صرختها الخافت.

_ أنت عملت فيهم إيه؟

بصوت مهزوز ومتقطع تساءلت وهي تتراجع إلى الوراء حتى أصطدمت ساقيها بأحد المقاعد الموجودة بـ غرفة الكشف.

أنفلتت صرخة منها أبتلعتها على الفور حينما وجدته يقترب منها بملامح يظهر عليها الوعيد.

_ لسا مردتيش على سؤالي وقولتيلي سبب وجودك هنا لكن بقول خلينا نكون ناس مُتحضرة ونحافظ على صورتنا ونتكلم في بيتنا يا روحي.

شحب وجهها ، فكل حديث منه يجعلها تشعر بالجنون معه.

_ أنا…

كلمة واحدة تفوهت بها وبعدها جرها من يدها متمتمًا بتحذير.

_ أمشي من سكات معايا وحافظي على مكانتك الأجتماعية يا سيادة المستشارة ولا عايزانا نفضح نفسنا هنا..

غادرت معه العيادة وهي تشعر بمرارة الأهانة ،فنظرة الطبيبة وتلك الفتاة التي تُساعدها وهي تُغادر أكدت لها أنها لم تعد كما كانت أبنة المستشار التي سلكت عمل والدها وصار الناس يُنادونها باللقب الذي يليق بمكانتها.

دفعها إلى داخل السيارة ورمقها بنظرة مُحذرة ألا تتحرك أو يسمع لها صوتً.

_ أنت إزاي تهيني قدام الدكتورة والمساعدة بتاعتها ، أنا هستنى إيه من راجل بيتاجر في كل حاجة ممنوعة.

صاحت بها بصوت خرج قويًا بعدما أنطلق بالسيارة وأستجمعت جزء من شجاعتها.

_ صوتك طلع دلوقتي، لأ وفري لما نكون لوحدنا لأني مش برحم حد غلطاته بتكتر كل يوم معايا.

لم تجد كلمة تصفه بها إلا الجنون الذي تحياه معه.

_ أنت مجنون.

اِفتر ثغره عن أبتسامة خفيفة ثم صدحت ضحكاته.

_ مقبولة منك يا حببتي.

صوت ضحكاته أصابها لوهله بالذهول وسرعان ما تحول ذهولها لجنون مماثل لكن يحمل غضبها الذي أفرغته على زجاج السيارة بقبضتي يديها.

_ وقف العربية ،أنا بتخنق ،بتخنق… مبقتش أكره حد في حياتي زيك، كل حاجة معاك بكرهها بكرهها..

حديثها لم يزيده إلا مُتعة ، هو يتلذذ بضعف فريسته ، يتلذذ بكلمات البغض ، يتلذذ بكل شئ يجعله شيطانًا.

_ قولتلك وفري مجهودك لما نكون لوحدينا يا حببتي ،لأن هخليكي تعرف تصرخي إزاي كويس..

توقفت عن الصراخ ونظرت إليه ،فأبتسم وهتف بوقاحة.

_ بالغصب أو بالرضى أنا اتعودت أخد اللي عايزه وهعرفك إزاي تلعبي من ورايا يا سيادة المستشار الفاشلة.

تحركت السيارة يمينًا ويسارًا بعشوائية ، فأدهش الأمر رجاله الذين يتبعونه.
….

أبتسمت “ليلى” بوهن عندما مسح لها “عزيز” شفتيها بأنامله من بقايا الطعام المُناسب لوضعها الصحي وليس ذلك الحساء الذي لا طعم له ولا يتقبله لأنه من يدي “كارولين”.

_ شوفتي بقى أنا نفسي في الأكل حلو إزاي وينفع أكون شيف مش تاجر أثاث شاطر وبس.

أشرق وجه “ليلى” وتوهجت عيناها بذلك البريق الذي أفتقده في تلك الفترة التي قرر فيها هجرها.

_ تسلم أيدك يا حبيبي، مكنتش تعبت نفسك.

حرك “عزيز” باطن كفه على خدها الأيسر قائلًا بصوت رخيم ودافئ.

_ هو أنا عندي أغلى منك أتعب له ، أنا بقيت مكتفي بيكي عن كل حاجة يا “ليلى”.

أزدادت عيناها توهجًا مع حديثه ثم أردف بعدما أسكت صوت ضميره وفؤاده المُعذب.

_ أنتِ كل حاجة ليا يا “ليلى” وعشان كده مبقتش أفكر في موضوع الأطفال.

أختفت أبتسامتها وأنطفأ بريق عيناها ، فهو يُكرر عليها نفس الحديث الذي مازالت لا تستوعب قراره فيه ثم واصل حديثه وهو يحتضن وجهها بكفيه.

_ أنا عايز أستمتع بالعمر معاكي من غير شريك ولا أنتِ عايزه حد تاني ياخدك مني.

واستكمل حديثه بمزاح دون أن يترك لها فرصة للرد.

_ عايزه حد ياخد الحب ده كله وأتركن على الرف…

رمشت بأهدابها وكادت أن تتحدث وتُخبره أن لا أحد سيأخذ مكانته بقلبها حتى لو أنجبوا عشرة أطفال لكن أسرعت بأشاحة وجهها عنه عندما شعرت بحرقان أنفها.

اندهش “عزيز” بالبداية من ردة فعلها السريعة التي أعقبها أستمرارها بالعطس الشديد لمرات.

_ أنا أسفة ،مناخيري حرقاني أوي…

داعبت شفتيه أبتسامة هادئة وألتقط لها عدة ورقيات من عُلبة المحارم الورقية وأعطاها لها مُتمتمًا.

_ يرحمك الله يا “ليلى”.

عادت الأبتسامة تُزين ثغرها مُتناسية كلامه العجيب عن عدم رغبته بوجود أطفال راغبًا بالأستمتاع بحياتهم سويًا دون طرف زائد.

طرقات على باب الغرفة نبهتهم أن هناك من يقف خارج الغرفه مُنتظرًا سماحهم له بالدخول.

….

توقف “عدنان” عن تناول طعامه بضجر ومثله فعلت “سيلين” زوجته التي ألتفت برأسها سريعًا نحو صوت الشجار.

_ مش عايز أسمعك صوتك ،أطلعي قدامي على أوضتنا.

_ مش هطلع، أنا خلاص مش عايزه أعيش معاك، هفضحكم كلكم وأقول كل حاجة عنكم ومش هخاف وبابا أكيد هيدخلكم السجن….

ترك “عدنان”ملعقة الطعام بوجه مُتجهم، أجتذب أنظار سيلين زوجته التي رمقته بسخرية ، فهذه الفتاة التي رفض أخضاعها لهم بطرقهم الخاصة تستمر بتهديدهم.

_ آه هيدخلنا فعلا السجن كلنا وأنتِ وهو معانا ولا فاكره نفسك أنتِ وأبوكي متورطوش في شغلنا.

جحظت عيناها بعدما نفضها عن يده.

_ أنت بتقول إيه؟

صدح صوت “عدنان” عاليًا وأتبعته “سيلين”.

_ “مراد” ، خناقتك أنت و مراتك في أوضتكم… هنا في خدم ومش كلهم ولائهم لينا.

دارت “أشرقت” بعينيها بينهم لا تستوعب ما يحدث معها وتسمعه.

_ بابا متورط معاكم في إيه، أنتوا عملتوا فينا إيه ؟

أنفرجت شفتي “مراد” بأبتسامة هازئة.

_ مسمعتيش “عدنان” باشا أمر بأيه ولا أنتِ عايزة نطول في الكلام قدامهم ويعرفوا أننا بنفضح شغلنا سوا يا حببتي ،ديه أسرار برضو.

هزت “أشرقت” رأسها رافضة ما تسمعه منه ورددت كلامه بصوت بالكاد خرج من شفتيها.

_ شغلنا وأسرار ، أنا مش فاهمه حاجة؟

احتدت عيناي “عدنان” وتلاقت عيناه بعينين أبنه الذي صار عاجزًا عن فهمه.

_ خد مراتك وأطلع فوق ،كفايه فضايح لحد كده.

بحاجبين معقودين هتف مراد بعد أن ألقى بنظرة خاطفة نحو “سيلين” المُستمتعة بالوضع الذي تراه أمامها.

_ شايفه وصلتيني لأيه ، بقينا سبب أزعاج “عدنان” باشا و “سيلين”هانم…

حدقه “عدنان” بنظرة مُسْتَخِفة ثم نظر إلى زوجته حتى تتحرك ورائه ويعودان إلى غرفة الطعام وأستكمال طعامهم.

وضعت “أشرقت” يديها على أذنيها وقد سيطر عليها اليأس بعد أن تأكدت أنها وقعت هي وعائلتها في فخ ليس بالهين.

_ بحب أشوفك وأنتِ فاقدة الأمل من خلاصك مني.

قالها “مراد” هامسًا ثم غمز لها بطرف عينه.

_ أتحركي ورايا ولا هنفضل واقفين مكانا كتير..

سارت ورائه في صمت، فلم يعد لديها قدرة حتى للجدال أو الشجار بعد ما ألقاه عليها.

دلف الغرفة ودلفت بعده وهي مُطرقة الرأس وقد أجفلها صوت أغلاقة لـ باب الغرفة ثم دفعه لها نحو الباب.

_ عايز بقى أعرف كنتي بتعملي إيه في عيادة دكتورة النسا مع إن كل حاجة واضحة.

رفعت عيناها التي لم تعد تنبض بالحياة ثم أبتسمت ساخرة.

_ كنت بطمن لو جوايا شيطان منك، ما أنا لو جبت طفل أنت أبوه هتمنى إنه يموت ولا يجي لواحد زيك ولو جيه هكرهه زي ما بكرهك.

تجمدت ملامح وجهه وأشتعلت عيناه غضبًا ، فواصلت كلامها دون أن تعبأ بالنتيجة.

_ أنت اللي زيك مينفعش يكون أب.

اهتزت حدقتاها ثم أفزعها بقهقهته التي صدرت فجأَة.

_ لأ مع ولادك أنتِ ممكن أنفع، مش هيجي برضو من نسل العائلات المحترمة.

نظرت إليه بعينين حاحظتين من الدهشة، تسأل نفسها كيف ستتخلص من هذا الوباء الذي أعْطَبَ حياتها.

صرختها أرتفعت حينما باغتها بأجتذابه لها من خصلات شعرها.

_ غلطتين ليكي النهاردة، أولهم بتقلبي في الدفاتر بتاعتنا وبأشارة مني أشيلك من منصبك لتكوني فاكره منقدرش.

أرتجف جسدها ذعرًا بعد تهديده لها بعملها.

_ متقدرش ،أنت ناسي أنا بنت مين؟

وضحكاته اليوم لا تتوقف، فهي تُدهشه بذكائها ومحاولاتها من أجل زجَّه هو و والدها إلى السجن.

_ أنا عارف كويس أنتِ بنت مين، تفتكري يا شوشو ليه كملت في جوازتنا ومقولتش زي ما هي كانت مقضياها معايا قبل الجواز تكون مقضياها مع غيري، أصل يا حبي ده شرف برضو.

حدقت به بذهول، فأبتسم.

_ ده أنا حتى كنت راجل جان وسترت عليكي يا بنت الحسب.

الصفعة التي صدر صوتها حينما سقطت على خده، جعلتها توقِن أنها ستدفع ثمن هذه الصفعة الليلة.

_ لأ يا “مراد” ، لأ…

صوت صراخها وتوسلاتها أن يرحمها كان يشفي من الغَليل الذي يملأ قلب “سيلين”.

_ ولسا اللي جاي ليكي هنا جحيم…

وبوعيد أردفت.

_ هخلي يشوفك بعينه وأنتِ مع غيره بعد ما أحولك عبده للكيف.

شعرت “ليلى” بالسعادة وهي ترى “شهد” أمامها وقد أتت للأطمئنان عليها.

_ أنا كده أسيبك مع “شهد” وأنا مطمن وأنزل كمل شوية شغل في أوضة المكتب.

هتف بها “عزيز” ثم وضع قبلة على رأسها وهو يحمل صينية الطعام وأستكمل حديثه بمداعبة باتت تُدهش” ليلى” في الآوان الأخيرة.

_ أوعوا تقطعوا في فروتي أنتوا الأتنين لأحسن أنا عارف.

أبتسمت “شهد” وردت وهي تنظر إلى “ليلى”.

_ لأ متخافيش يا آبيه، أنت عارف أنت عندي إيه.

ألتمعت عينين “عزيز” بالحنان وأبتسم قائلًا:

_ وأنتِ أكيد عارفة يا “شوشو” مكانتك عندي إزاي، أنتِ بنوتي الحلوة.

توهج وجه “شهد” بالسعادة ونظرت إليه ثم أطرقت رأسها خجلًا.

_ خدي بالك بقى من “ليلى” عشان لو السخونية رجعت تعلا تاني يا دكتوره.

غادر “عزيز” الغرفة تُرافقه عينين ” ليلى” وأبتسامتها السعيدة.

_ “عزيز” رجع معايا زي الأول وأحسن كمان ، الحمدلله إني سمعت كلام مرات عمي و عم “سعيد” وصبرت وفضلت قاعده في بيتي…

تلك الابتسامة وذلك السلام الذي تتحدث به “ليلى” دائمًا ما يزيد “شهد” كرهًا لها وحقدًا…

اختفت ابتسامة “شهد” واتجهت بأنظارها نحوها.

_ وهو أنتِ لو كنتي مشيتي كنتي هتروحي فين ، شقة مصر الجديدة اللي هو مشتريها ليكي ولا شقة الأسماعيليه اللي المفروض متكونش من حقك لأنك مش بنت العيلة ديه ومجرد بنت أتبنوها وعطفوا عليها..

تحجرت الدموع في عينين “ليلى” وأختنقت من قسوة الكلمات وتساءلت بصوت مُتحشرج وحزين.

_ أنتِ بقيتي تكرهيني أوي كده ليه ، أنتِ بنت عمي من دمي ونفسي ننجح أنا ومرات عمي في المشروع بتاعنا عشانك أنتِ بالذات ونقدر نفتح ليكي لما تتخرج عيادة تليق بيكي ونحقق حلم عمي.

أشاحت “شهد” بوجهها عنها بعدما رمقتها بنظرة أستنكار.

_ لأ شكرًا مش عايزة خدماتك العظيمة من مشروعك الفاشل ،خليكي بس أنتِ الزوجة المُطيعة الحلوة عشان تفضلي واكله عقل أبيه “عزيز” بدل ما تخرجي من هنا أيد ورا وأيد قدام.

دمعت عينين “ليلى” وهتفت بصوت واهن بسبب مرضها.

_ أنا عملت إيه عشان تكرهيني ، قوليلي لو عملت حاجة زعلتك، قوليلي وأنا لو غلطانه أقولك آسفة وأبوس رأسك كمان.

احتقن وجه “شهد” وأقتربت منها.

_ أنتِ حد أتفرض على حياتنا، فجأة صحيت من النوم قالولي بنت عمك أهي هتشاركك أوضتك وهتشاركك في حبنا ليكي وهتشاركك في كل حاجة في حياتك.

انسابت دموع “ليلى” بعزارة وابتلعت مرارة حلقها الممزوجة بكسرة نفسها وقلة حيلتها وتمتمت.

_ أنا أسفة لو كنت أعرف إني هكون عبء كده مكنتش دورت عليكم يا “شهد”.

باغتتها “شهد” بوضع يدها على كتفها بخفة، فنظرت “ليلى” إليها والدموع عالقة بأهدابها.

_ لأ ، كويس إنك دورتي علينا، أهو طلعتي في النهاية كسبانه وعرفتي توقعي “عزيز الزهار” بذات نفسه، ويمكن لو “سيف” كان موجود ومكنش مسافر وقتها كنتي وقعتي هو.

توقفت “ليلى” عن ذرف دموعها وانعقد لسانها عن الكلام.

_ حظك حلو آبيه “عزيز” طيب وستر عليكي.

أسرعت “ليلى” بوضع يدها على شفتيها حتى تكتم صوت بكائها وهي ترى “شهد” تُغادر الغرفة.

_ لأ ديه مش بنت عمي، مش ديه “شهد”، أنا أكيد في كابوس، ليه يا “شهد”، ده أنا ماليش في الدنيا غيركم ، لكن هي تقصد إيه بكلامها الأخير.

وعندما بدء عقلها يستوعب الحديث ، أرتفع صوت بكائها بحُرقة شديدة.

_ ستر عليا إزاي، هو أنا عملت إيه غلط…

ترقبت “كارولين” خروج شهد من الغرفة وفور رؤيتها لأنهيار “ليلى” ومحاولتها على ألتقاط أنفاسها، أسرعت نحوها.

_ “ليلى”، عزيزتي… ما بكِ، لماذا أنتِ منهارة هكذا.

نظرت إليها “ليلى” وهي تلتقط أنفاسها المُتحشرجة.

_ أنا وحشه يا “كارولين”، ليه “شهد” مبقتش تحبني.

التقطت”كارولين” حديثها الغير مُرتب ويخرج بصعوبة من شفتيها.

_ أنا نفسي ترجع تحبني من تاني وتحكيلي أسرارها.

ضمتها “كارولين” إليها وقد بدء قلبها يخفق من شدة القلق نحو ما تسعى إليه الليلة.

دسّت “لبنى” حبة الدواء بين شفتيها ثم ألتقطت كوب الماء من يد الخادمة وأرتشفت منه القليل.

_ بالشفا يا هانم ، عايز مني حاجة تانية قبل ما أمشي.

تطلعت إليها “لبنى” بنظرة طويلة أدهشت الخادمة.

_ في حاجة يا هانم!!

أطرقت “لبنى” رأسها وتساءلت.

_ فين تليفوني؟

نظرت الخادمة حولها بنظرة سريعة ثم بدأت تبحث عن الهاتف الذي وجدته بعد مُعاناة من البحث عليه.

وقفت الخادمة أمامها مرة أخرى ومدَّت يدها به.

_ الحمدلله لقيته أخيرًا.

حدقت “لبنى” بالهاتف بنظرة ثابتة وقد عاد الصراع بين عقلها وقلبها، فهل تأخذ الهاتف وتُطاوع قلبها وتُهاتف أبنتها أم تسمع كلام عقلها وتتراجع وتستمر في عقابها.

أرتعش جسد الخادمة من الخوف حينما صرخت عليها.

_ خدي التليفون من قدامي، مش عايزه أشوف حد.

هرولت الخادمة من أمامها وهي تسأل نفسها.

_ هي أتجننت ولا إيه ؟

ألقت “كارولين” نظرة أخيرة نحو “ليلى” التي وضعت رأسها على الوسادة وأغلقت عيناها بعد أن تناولت حبة الدواء الذي يريح الأعصاب كما أخبرتها.

_ تصبحين على خير يا “ليلى”.

هتفت بها “كارولين” حتى تتأكد أن مفعول حبة الدواء بدء ثم أبتسمت وأطفأت أضاءة الغرفة وأغلقت الباب.

_ كل شئ يحدث الليلة يخدمني ، هذا من علامات حظي بالتأكيد سأنجح وسأبيت الليلة بين ذراعيه.

وتحركت نحو غرفتها بحماس وترقب للحظة أنتظرتها طويلًا.

_ منذ أن رأيتك تُقبلها في تلك الغرفة وأن أتوق لتلك المشاعر سيد “عزيز”.

تمتمت بكلماتها وهي تضع ثوب النوم القصير على جسدها وتنظر إلى هيئتها في المرآة ثم أتسعت أبتسامتها.

….

جحظت عيناي “سمية” ذهولًا وهي تستمتع إلى ما تُخبرها به “بيسان” بعد لقائها الأخير مع “سيف”.

_ “سيف” قالك كده، معقول شغله مع “عزيز” غيره بالسرعة ديه.

هزت “بيسان” رأسها إليها وأستمرت في بكائها.

_ قالي إن علاقته بيا غلط ، هو راجل متجوز وأنا واحدة مخطوبة وبنرتب لميعاد جوازي.

وبنبرة صوت مهزوزة أردفت.

_ أصل بابا كلمه النهاردة لكن معرفش قاله إيه بالظبط.

ضاقت حدقتيّ “سمية” هذة المرة وغمغمت بحيرة.

_ كمان هارون أتصل به من غير ما يقولي.

مسحت “بيسان” دموعها ونظرت إلى “سمية” التي نهضت من جوارها.

_ تفتكري بابا قاله إيه؟

تحركت “سمية” ثم توقفت وحدقت بها.

_ واضحة يا “بيسان”، “هارون” بقى رافض “سيف”، أنا من فترة قولتلك كده.

_ يعني إيه؟
تساءلت “بيسان” وهي تحتضن وسادتها.

رمقتها “سمية” بنظرة سريعة وثاقبة ثم خللت أصابعها في خصلات شعرها.

_ سيبي الموضوع ده عليا وأطمني.

أبتسمت “بيسان” أبتسامة مهزوزة، فواصلت “سمية” حديثها بدهاء.

_ عارفة أنا مبسوطة بكلامه وكده أقولك إني هكون مطمنه عليكي معاه لكن هو أهم حاجه ينهي علاقته بـ “كارولين” الأول وبعدها ننهي موضوعك مع “فارس”.

تنهد “عزيز” بأرتياح بعدما تلقىٰ أتصالًا من أحد موظفي الجمارك يُبلغه أن الأقمشة وصلت الميناء.

_ أنا مش عارف كان عقلي فين بشراكتي مع “نيهان” في صناعة الملابس.

قالها ثم وضع هاتفه جانبًا وألتقط أوراق الحسابات التي كان يُراجعها دون تركيز بسبب أنشغال عقله بأمر بضاعته.

مرت الدقائق وهو مُنشغل بالتدقيق في الحسابات ثم قطب حاجبيه عندما تسلل إلى أنفه رائحة عطر لا يشمه إلا على جسد “ليلى”.

رفع أنظارة عن الأوراق بلهفة لكن لهفته أختفت عندما رأى صاحبة العطر وقد احتل التجهم وجهه.

ارتبكت “كارولين” حينما رأت نظرته إليها وأخفضت رأسها مُتظاهرة بأرتباكها وخوفها منه.

_ صنعت لك مشروب الأعشاب الذي أعجبك ،هو يُِعطي طاقة وأسترخاء…

وأردفت بعدما نظرت إليه بنظرة خاطفة.

_ أنا أعلم إنك لا تُحب أي شئ من يدي، سأضع المشروب لك وأغادر.

أستغرب “عزيز” تصرفها مثلما أستعجب وضعها لعطر مماثل لعطور “ليلى” لكن الأمر لم يدور بعقله طويلًا… فلا شئ يُثير حفيظته خاصة وهو يراها تخاف من نظرة واحدة يُلقيها عليها.

_ أفوق بس من أستلام البضاعة وأطمن إنها دخلت المخزن وأنا هتصرف في موضوع وجودنا كلنا في نفس البيت…،، الوضوع ده مبقاش يعجبني.

سارت “كارولين” نحو المطبخ الفارغ ثم أتجهت إلى الباب الخاص به والمفتوح جهة حديقة الفيلا والذي يدلف منه العم “سعيد” بالصباح.

زفرت أنفاسها بزفرة طويلة بعد أن أوصدت غلقه.

_ عشر دقائق وسأذهب إليه.

ومع تمتمتها لتلك العبارة أخذت تحرك يديها على فستانها الطويل المُحتشم الذي ترتدى أسفله ثوب النوم الذي تعلم إنه سيزيد من أثارته مع ما وضعته له في مشروب الأعشاب.

حرك “عزيز”أصابعه على أنفه ثم خرجت من شفتيه عطسة قوية، فتنهد مبتسمًا.

_ شكلي أتعديت يا “ليلى”، لا وكل ما تقولي أبعد عني اقولها أنا مناعتي أحسن منك.

أبتسامته تحولت إلى ضحكة خافتة وقصيرة ثم عقد حاجبيه ونظر إلى كوب الأعشاب.

_ شكله جيه في وقته..

ألتقط الكوب وأسترخى في جلوسه وكاد أن يرفعه نحو شفتيه لكن رنين الهاتف جذب أنتباهه وقد ظن أنه الموظف الذي يتولى أستلام البضاعة وينهي أوراقها.

اِحتل الوجوم ملامحها عندما أبصر رقم “نارفين” زوجة “نيهان”.
_ ده رقم “نارفين”…

الفزع الذي أقتحم قلبه عند رؤيته لـ رقمها المدون لديه تضاعف وهو يستمع إلى صوتها.

_ “نيهان” يموت عزيز ،أرجوك تعالا على الفور… الأطباء يقولون حالته خطرة وهو يُريد رؤيتك.

سقط الكوب من يد “عزيز” ومعه سقط آخر أمل لدى” كارولين” التي أقتربت من الغرفة في هذة اللحظة.

_ “نيهان”…

وصوت “عزيز” خرج بصرخة تُشبه تلك الصرخة التي خرجت في الليلة التي تلقى فيها خبر حادث شقيقه “سالم”.

….
داعبت أبتسامة عريضة شفتيّ “صالح” كما داعب الهواء وجهه وهو يُشاهد صغيره وحمقائه المتهورة وهو يركضون على الشاطئ.

_ أقولها أعملي نزهة خفيفة مع الولد من غير تنطيط ولعب ، تقوم تعمل عكس كلامي… أنا هتجن منها.

وتنهد ثم قبض على سياج الشرفة المُطلة على البحر في القرية السياحية التي يقضون بها عطلتهم.

_ خمس دقايق وأرحلهم..

وأستمر في مُطالعتهم وعلى شفتيه أبتسامة لا تُغادر شفتيه وشاردًا في أتفاقهم نحو أن كل منهم عليه أن يقضي وقت من التنزه مع “يزيد” دون الآخر حتى يتأكد “يزيد” أن لا شئ تغير في حياتهم وأنه مازال يحتل قلب “زينب” دون أن يُشاركه هو في هذا الحب.

_ أبنك بقى يغير منك يا “صالح” وأنت بتغير منه ، أما نشوف الزئردة اللي هتشرف لينا.

وخفق قلبه وهو يتخيلها، فهو صار مُتمنيًا أن تكون فتاة.

_ الهابلة كانت مخبية عليا ،لأ ومعندهاش سبب مقنع تقوله ليا…
وبين حنقه منها وغضبه من رؤيتها وهي تركض أمام صغيره بالطائرة الورقية ، يزداد غرقًا في تفاصيلها.

_ معقول قلبي بقى عاشق كده وبحب حتى جنونها ،آه يا “زينب” لو تعرفي أنتِ بقيتي إيه بالنسبالي وعملتي فيا إيه؟

أخذ “عزيز” يدور بالغرفة بدون هوادة وهو ينظر من وقت إلى آخر نحو “ليلى” النائمة ثم نحو ساعة معصمة.

أنفاسه لا يستطيع ألتقاطها منذ مكالمته مع “نارفين” قبل ساعة والتي لا يعرف عددها.

طرقة خافتة على الباب أجتذبت أنتباهه، فنظر إلى “ليلى” ثم تحرك جهة الباب وفتحه برفق وغادر الغرفة عند رؤيته لـ “سيف” الذي وقف مُطأطًأ رأسه.

_ عمي ميعاد طيارتك الضهر ،الحمدلله لقينا حجز.

نظر “عزيز” إلى ساعة يده ثم زفر أنفاسه بقوة.

_ إن شاء الله هيفوق من الغيبوبة.. خلي أملك في ربنا كبير يا عمي.

وضع “عزيز” يديه على كتفيه متمتمًا بصوت أجش.

_ يا رب يا “سيف” يا رب، عمك مش هيستحمل هدت حيل تانية
ربت “سيف” بيده على أحد ذراعيه مُشفقًا على حال عمه.

_ متقلقش على الشغل.

أسرع “عزيز” بالرد.

_ أنا مش قلقان على الشغل هنا، أنا قلقان على “ليلى”…

شعر “سيف” بالخجل من عمه بعد أعتراف “كارولين” لهم أنها أعطتها حبه من الحبوب التي تتناولها كُلما رغبة بالنوم لعدة ساعات طويلة دون أرق.

_ أنا آسف يا عمي من تصرف “كارولين” والحمدلله الدكتور طمنا لما جيه الفجر وقالنا نطمن.

فرك “عزيز” جبينه ثم أشاح بوجهه عنه.

_ أنا مش عارف هغيب أد إيه ،فخلي بالك منها… عاملها زي ما بتعامل “نيرة” و “شهد”.

أبتلع “سيف” ريقه مُتذكرًا دنائته القديمة وما كان يرغب في فعله مع “ليلى” حتى يثبت خيانتها له وما زاد من ثُقل تعذيبه عندما ذكر عمه اسم “شهد”.

_ حاضر يا عمي، أطمن.

تمتم بها “سيف” بصوت خفيض بعد أن هرب بعينيه بعيدًا عنه.
….

ركضت “سماح” إلى خارج بوابة الفيلا الضخمة وهي تكتم بيدها صوت بكائها ثم صرخت بوجع عندما ألتوى كاحلها.
انحدرت دموعها وهي تخلع أحد فردتي حذائها البالي ثم تحركت ببطء نحو الرصيف وهو تتمتم.

_ يا حرقة قلبك يا “سماح” ، يا حرقة قلبك… هتبصي في عينك عيالك إزاي وأنتِ دفعتي التمن جسمك…

ثم لطمت صدرها، فـ “هارون” اليوم أخذ حقه منها كاملًا وأتم العلاقة بينهم بعد أن كانت مهمتها تجلس تحت قدميه تُدلكهما له ثم تتركه يستبيح جسدها بلمسات يرتجف معها قلبها وأنوثتها.

_ هفضل شايله العار طول عمري ومش هقدر أبص في عين عيالي في يوم…

وأستندت بجسدها على سياج أحد المنازل، تتذكر ورقة الزواج العرفي والذي تأكدت بعد بحثها عنه…، أن لا حق لها في شئ وأن هذا الزواج ينقصه أركان الزواج الصحيح.

_ مش قولتلك بقيتي خاطية.

حادثت نفسها بمرارة ثم أطبقت شفتيها حتى لا يصدر صوت لشهقاتها العالية.

وصلت إلى حارتها بعد ساعة ونصف وهي تجر عارها وخيبتها وعند دخولها شقتها الصغيرة التي تشققت جدرانها بسبب عوامل الرطوبة ، ركض أحد صغارها إليها.

_ ماما، “أنس” تعبان أوي وشفايفه زرقه…

….

نهضت “سمية” من وراء طاولة مكتبها والسعادة تغمرها عندما تلقت رسالة من موظفها الذي تُلقبه بالدنجوان يُخبرها فيها إنهم في طريقهم إلى تلك الشقة وسيتم تنفيذ الخطة كما أتفقوا…
_ أخيرًا يا “كارولين” وقعتي تحت أيدي..

 

رأيان حول “رواية ظنها دمية بين اصابعه الفصل المائة وثمانية 108 – بقلم سهام صادق”

أضف تعليق