رواية ظنها دمية بين اصابعه الفصل المائة وسبعة 107 – بقلم سهام صادق

رواية ظنها دمية بين اصابعه – الفصل المائة وسبعة 107

في مخيلتها كان الزواج هو ما يرفع من مكانة المرأة أبنة العائلات الراقية لكن عليها أن تُحسن أختيار الزوج وتأتي عائلته ووضعه الأجتماعي على قمة هذا الأختيار وقد رسخت هذا الفكر والدتها داخلها وأزدادت أقتناعًا به وهي ترى والدتها كيف تتفاخر بوالدها بكل مكان وكيف تتباهى نساء عائلتها ومعارفهم بأزواجهن ولم يتوقف الأمر عند قناعتها وحسب بل بدأت تراه تحديًا بعد زواج “زينب” أبنة عمها المنبوذ ومن مات وهو مديونًا ، تتزوج زيجة راقية يتحدث عنها الجميع وهي أبنة المستشار “هشام الرفاعي” تبقى هكذا دون رجل يُعزز من مكانتها الأجتماعية.
أرتفع بوق السيارات من حولها حتى تنتبه على أنفتاح الأشارة. أخذت “أشرقت” نفسًا عميقًا ثم أنطلقت بـ سيارتها نحو منزل عائلتها وفي داخلها أملًا كبيرًا أن تفتح لها والدتها ذراعيها هذه المرة وتغفر لها جُرمها.

_ أكيد المرادي قلبها مش هيقسى عليا وهتسامحني لما تعرف إني راجعه شغلي عشان أخد حقي منه وأدمره…

وبنبرة مهزوزة واصلت حديثها مع نفسها بمرارة.

_ أنا عارفه إنها بتقسى عليا عشان أرجع قوية من تاني وأنا هرجع من تاني المستشارة “أشرقت” بنت المستشار
“هشام الرفاعي” و “لبنى” هانم

ورغم مُحاولتها وتكرارها لتلك الكلمات إلا أنها فور أن وقفت بالسيارة انْتابَها شعور بالخوف من نبذ والدتها لها كما فعلت بالمرات السابقة.

_ لأ يا ماما، أرجوكي بلاش المرادي ، أنا بقيت محتاجاكي أوي عشان أصلح كل حاجة وترجعي ترفعي رأسك بيا من تاني…

وأرخت أجفانها وبدأت مرة أخرى تُرتب الكلمات التي ستجعل قلب والدتها يلين عليها ثم غادرت سيارتها وفي عينيها نظرة خاوية من المشاعر لكن حينما رفعت رأسها نحو الطابق الذي تسكن فيه عائلتها تحولت نظرتها إلى أخرى بها حنين نحو دفئ عائلتها وتلك العزة التي كانت تشعر بها وهي في كَنَفهم.

_ هدفعك التمن غالي يا “مراد” زي ما خسرتني كرامتي قدام أغلى حد عندي.
قالتها وهي تضع نظارتها التي أخفت نصف وجهها وسارت إلى داخل البناية التي تتكون من خمس طوابق.

أبتسم حارس البناية ورحب بها ثم عاد لمكان جلوسه.
وقفت أمام المصعد بتردد ثم تراجعت عندما شعرت أن الدموع تجمعت في مقلتيها وهتفت وهي تُسرع بخطواتها إلى خارج البناية.

_ مش هتقبل بيا وأنا ضعيفة، أنا لسا لحد دلوقتي مكسورة وضايعة ، مش هرجع ليها غير وأنا قوية.

تعجب الحارس من مغادرتها بتلك الطريقة ثم عاد إلى التحديق بهاتفه وأستكمال أرتشاف كوب الشاي.

_ سيادة المستشارة يا فندم قدامنا بعربيتها ، أضرب ليا كلاكس.

انتبه “هشام” على ما يخبره به سائقه ونظر نحو سيارة أبنته.

_ أقف قصادها عشان تاخد بالها.

أرتبكت “أشرقت” عندما وجدت سيارة والدها تقف جوارها ويُحيها سائقه بتحريك رأسه.

ترجل “هشام” من السيارة يخفي توتره من عدم مبيته بالمنزل ورفقته لأخر أمرأة ظن أن يُرافقها أو يهواها قلبه العطش لعودة شبابه.

_ إيه يا حبيبت بابا ، أوعي تقوليلي كنتي بايته عندنا وأنا ضيعت الفرصة الحلوة ديه.

ابتلعت “أشرقت” لُعابها وشعرت بالأمتنان نحو النظارة التي ترتديها وتخفي بها عينيها وبؤسها وبصوت حاولت أن يكون ثابتًا ردت وهي تشيح وجهها عنه.

_ كنت جاية أفطر مع ماما لكن أفتكرت إني لازم أكون في مكتبي بعد نص ساعة ، حضرتك عارف إن في قضية مهمة لازم أبدء التحقيق فيها وأتابعها.

أنفرج ثغر “هشام” عن أبتسامة خفيفة ثم وضع يديه على وجهها.

_ أيوة كده عايزك ترجعي لشغلك ويرجع الحماس من جديد، أنا قولت خلاص شكل بنتي الجواز هياخدها من شغلها وطموحها هيضيع مع دلع الجواز وتتحول لـ ست بيت كل تفكيرها في البيت والولاد.

سيطرت “أشرقت” على أرتعاش شفتيها وابتعدت عنه.

_ لأ متقلقش يا سيادة المستشار بنتك هترجع أقوى وهتفضل ديما رافع رأسك بيها.

أصابت بحديثها قلبه الخائن ، أبنته توعده أن تجعله رافع الرأس بها لكن هو ماذا فعل؟

أخفض “هشام” رأسه هربًا من أن ترى أبنته خيانته لوالدتها.

_ أنا واثق فيكي يا حببتي وركزي في شغلك عشان في ترقيات قريب هتحصل…

والخوف من الخزي لم يكن يثقل كَاهِلها فقط بل شاركها بـ عار أشد لا غفران فيه .

_ أنا هسبقك على الشغل يا سيادة المستشار وسلملي على ماما، قولها إنها وحشاني.
تمتمت تلك الكلمات بثقل يجثم على روحها ثم ودعته بقبلة سريعة وضعتها على خده وصعدت سيارتها مُنطلقه بها إلى عملها وقد برقت الدموع في عينيها .

غمرتها السعادة وتوهج بها وجهها وهي تراه يُقبل يدها بعدما ألتقط منها فنجان قهوته.

_ تسلم أيدك يا حببتي.

نظرتها السعيدة نحو هذا التقدير البسيط منه ،جعلته يشعر بتأنيب الضمير نحو ما فعله بها بالأيام الماضية.

_ “عزيز” هو أنت هتقضي اليوم كله في البيت ومش هتروح الشغل وتقول مش فاضي…

أطرق “عزيز” رأسه نحو فنجان القهوة ثم أرتشف منه رشفة صغيرة بتمهل و رد عليها بمزاح زادتها دهشة من أمره.

_ ديه رابع مرة تسأليني يا “ليلى”، أروح الشغل طيب وأقولهم في المصنع مراتي طردتني من البيت.

أسرعت بالرد وهي تجلس جواره.

_ لأ أنا بسأل بس ومش مصدقة إنك رجعت تديني شوية أهتمام زي الأول.

رمقها بنظرة أختلطت فيها مشاعر عدة ثم تنهد وترك فنجان القهوة جانبًا وأجتذبها إلى حضنه.

_ حقك عليا يا ” ليلى”، أنا عارف إني الفترة اللي فاتت مكنتش تمام معاكي لكن أنتِ ديمًا أكرم مني في حبك ولا هيجي يوم وتكوني بخيله عليا.

قالها وهو يخشى اليوم الذي تهجره فيه إذا علمت بالسر الذي يثقل أكتافه ويجعله أمام نفسه وأمامها كالمذنب.

رفعت وجهها إليه ودققت النظر فيه حتى تتأكد أن الرجل الذي أمامها هو “عزيز” زوجها.

_ مالك يا “ليلى” بتبصيلي كده ليه؟

حدقته بنظرة طويلة ،نظرة زادت من ذلك الألم الذي يعتصر فؤاده وحتى يهرب من ضعفه وتوتره شاكسها.

_ شكلك معجبة صح ، قولي متتكسفيش أنا زي جوزك برضو.

أهتزت شفتيها مع تلك الابتسامة التي بدت على ثغرها.

_ أنا عيني مش بتشوف غيرك يا “عزيز”.

«عيني مش بتشوف غيرك. » ما أجملها عبارة تثلج الصدر وما أقساها على روحه المُعذبه وفي هذه اللحظة تمنى أن يستطيع البوح لها بعجزه الذي ستشاركه فيه ،عجز لا يعرف ما هو نهايته.

وضع رأسها على صدره حتى لا ترى لمعة الدمع في عينيه مُتنهدًا تنهيدة طويلة.

_ خليكي في حضني، أنا بنسى الدنيا كلها وأنا في حضنك.

أبتسمت عندما صَرَح لها عن أحتياجه لحضنها.
سَرَت الرجفة في جسده وسيطر على دموعه التي ربما تخونه مرة أخرى عندما وجدها تشد من ضمها له بذراعيها.

أطبق جفنيه بوهن وترك قلبه يتنعم بتلك اللحظة التي لا يُعوضها شئ.

أشتعلت عيناي “كارولين” بالحقد وهي تراهم بهذا الوضع ثم مضت في طريقها نحو سيارتها الجديدة التي أهداها لها “سيف” في عيد الحب بعد أن أخبرته أنها تُريد سيارة تكون ملك لها وليس ملك لكل أفراد المنزل.

ارتبكت “زينة” عندما رأت صديقتها “نيفين” تتفرسها بفضول لتُسرع بأشاحة وجهها عنها مُتسائلة.

_ بتبصيلي كده ليه يا “نيفين” ، خلينا نروح على المحاضرة.

ضاقت حدقتي “نيفين”وأجتذبت ذراعها وابتعدت بها قليلًا حتى لا يسمع أحد حديثهن.

_ كنتي معاه صح وقضيتي الليلة في حضنه، مش هو ده اللي بسببه بقالك فترة تعبانه ومكتئبة ،قوليلي إزاي قدر يضحك عليكي وترجعيله.

أرادت “زينة” الكلام حتى تُبرر لها سبب عودتها له.

_ أنا نفسي أعرف مين هو، ما هو أكيد مش حد من الشله بتاعتنا..

ثم وقفت “نيفين” قبالتها تتمكن من التأثير عليها.

_ من أمتى وإحنا بنخبي عن بعض حاجة، ده أنا كل أسراري معاكي يا “زينة”.

توترت “زينة” وهي تنظر في عينين صديقتها.

_ مش هقدر أقولك هو مين لأني وعدته وأنا مصدقت رجعنا تاني لبعض.

عقدت “نيفين” ساعديها أمامها بسخرية.

_ لدرجادي عرف يضحك عليكي بكلمتين…
ثم أردفت وقد اعتراها القلق.

_ أنا مش مرتاحه للعلاقة ديه ومش هفضل أكذب على طنط “إلهام” كتير.

شحب وجه “زينة” ،فأشاحت هذه المرة “نيفين” وجهها عنها.

_ “نيفين” متضغطيش عليا دلوقتي وبلاش خالتو تعرف حاجة..

وعندما لم تجد “زينة” رد منها، قبضت على ذراعيها حتى تُحركها جهتها.

_ أوعديني يفضل الموضوع ده سر بينا لحد ما أنا أصارحك.

زمّت “نيفين” شفتيها بعبوس،فقرصت “زينة” خديها حتى تجعلها تبتسم.

_ أوعديني بقى عشان أنا مبسوطة أوي يا “نيفين” ومش مصدقة إننا أتصالحنا.

أزاحت “نيفين” يديها عنها ثم أبتسمت.

_ خلاص سامحتك ما دام وعدتيني إنك تقوليلي هو مين.

عاد التوتر يحتل قسمات وجه “زينة” ، فهي وعدت “هشام” أن علاقتهم ستظل سر بينهم لكن “نيفين” لن تتركها إلا إذا علمت بهوية الرجل الذي تواعده.

ألتمعت عيناي “ليلى” وهي ترى الشقة التي يفكر “عزيز” في شرائها في أحدى المدن الجديدة التي يقصدها الناس من أجل التمتع بأجواء الصيف.

_ إيه رأيك؟ عجبتك الشقة …

نظرت “ليلى” إلى المنظر الخارجي الذي تطل عليه تلك الشقة وهتفت بحماس.

_ هتكون بتاعتنا، يعني هنروح نصيف فيها ، أنا بحب البحر أوي.

داعبت شفتي “عزيز” أبتسامة خفيفة وهي يرى سعادتها.

_ لو عجبتك نشتريها.

أومأت “ليلى” برأسها ثم تساءلت بحيرة.

_ هو ينفع نشتريها الفترة ديه ، أنت بتمر بمشاكل في الشغل وأكيد محتاج كل قرش يا “عزيز”…

تعمق “عزيز” بالنظر في عينيها التي تلمع بالبراءة ، فهو يملك أمرأة لا مثيل لها، أمرأة صنعت منه رجلًا أنانيًا ومُتملكًا في حبها.

_ الشقق ديه استثمار كمان حلو يا “ليلى”، قولي بس رأيك عشان أتكلم مع المالك وأشوف سعرها.

التقطت “ليلى” منه الهاتف حتى تنظر مرة أخرى إلى الصور المعروضة لتلك الشقة.

_ بصراحه هي حلوة وأسمع إن مدينة العلمين الجديدة ناس كتير دلوقتي بقت بتحب تصيف فيها….

وبضحكة جميلة واصلت كلامها.

_ أقصد صفوة المجتمع ،إحنا ممكن نشتري في مكان أرخص عادي يعني… أنا كنت بصيف في رأس البر ونقعد على الشط أنا وماما “عائشة” وبابا “حامد” وناكل محشي و مكرونة بالبشاميل.
صدحت قهقهة “عزيز” عاليًا والتي أجتذبت أنظار العم “سعيد” إليهم.

_ محشي ومكرونه ، تصدقي نفس راحت ليهم..

أجفلهم العم “سعيد” بصوته صائحًا.

_ لأ أنا أطلع على السوق وأشتري ليك الكرنب بنفسي ، ده أنت تقول نفسي بس في حاجة وأنا أعملها ليك علطول.

توقف “عزيز” عن الضحك واِستدار إليه.

_ وماله يا عم “سعيد”، أطلع على السوق وأشتري كل اللي نفسك فيه وطول براحتك.

اتسعت ابتسامة العم “سعيد” عندما فهم مبطن كلامه وغمز له بطرف عينه.

_ شكل نفسك مفتوحه يا بيه، هروح أشتري الطلبات وهتأخر على قد ما أقدر، أهم حاجة وشك يرجع ينور من تاني.

انسكب الماء من فم “ليلى” والذي أبتلعت جزء منه ودارت بعينيها بينهم بعد أن فهمت ما يرمي إليه كل منهما.

_ أنتوا بتقولوا إيه؟

التف “عزيز” إليها بعد أن خرج صوتها مُتحشرجًا وتطلع إلى الماء المُنسكب على ملابسها ثم التقط الكوب منها.

_ خدي نفسك براحه الأول ومتركزيش في كلام الراجل العجوز، عم “سعيد” انا شايف إنك كده هتتأخر على السوق.

ضم العم “سعيد” حاجبيه ثم تحرك إلى الوراء بخطواته مُبتسمًا.
_ نهارك فل وياسمين يا بيه…

توقفت أمام غرفة سيدها وهي تحمل طبق به ماء دافئ حتى تقوم بتدليك قدميه كما أمر.
أطرقت الباب بخفة ثم هتفت بصوت خافت.

_ أنا “سماح” يا بيه، أدخل..

أتاها صوت “هارون” الواقف في منتصف حجرته وقد أنهى المكالمة التي كان يقوم بها بعجالة ثم أتجه نحو الباب حتى يفتحه.
تخضبت وجنتيها عندما وجدته يرتدي على بيجامته الرجالية مئزر رجالي ثم أشار لها بالدلوف.

_ تعالي…

نظرت إليه ثم طأطأت رأسها ودخلت الغرفة التي أغلق بابها على الفور.

اِستدارت إليه وفي عينيها نظرة تحمل خوف يمر سريعًا عندما تجد منه مُعاملة حسنة ولمسات بريئة دون تجاوز للحدود رغم أنها زوجته بعقد على يد محامي قام بكتابته أمامها وأمام شاهدين لكن لا تعلم هل ما تم زواج صحيح أم لا.
_ هتفضلي ماسكه الطبق كده ،حطيه على الأرض.

أستجابت لأمره سريعًا وسارت جهة الفراش حتى تضع الطبق قربه.

أبتسم “هارون” وألتمعت عيناه بشعور أفتقده منذ زمن.

_ تعالا شوف يا بيه، المية دافية كده على رجلك.

اقترب “هارون” منها بعدما فك رباط حزام مئزره وجلس على الفراش.

_ أنتِ بتتعبي نفسك وتملي الطبق من تحت ليه ، هنا في حمام وتقدري تملي الطبق منه…

رفعت عيناها إليه ثم أخفضتهما بحرج.

_ حط رجلك براحة…

رفع “هارون” قدميه ووضعهما داخل الطبق ثم أصدر صوتً خافتًا ،فتساءلت بلهفة.

_ إيه سخنه على رجلك، أنزل أبردها ليك شوية..

أسرع “هارون” بوضع يده على رأسها حتى لا تتحرك.

_ أقعدي يا “سماح” ، متتحركيش.

توترت من وضع يده على رأسها وبدأت في تدليك قدميه.

_ قوليلي روحتي بأبنك للدكتور.

نظرت إليه وفي عينيها نظرة سعيدة بسبب سؤاله الدائم عن صغارها.

_ روحت يا بيه، ربنا ميحرمنا منك وأشتريت ليهم فاكهة وحاجات حلوة كتير كان نفسهم فيها وكله من خيرك بعد ربنا…

توهجت ملامح “هارون” ومرر يده على خدها.

_ أي حاجة تعوزيها، أطلبيها من غير ما تتحرجي يا “سماح”.

أومأت سريعًا برأسها وعادت لتدليك قدميه.

ابتلع “هارون” ريقه وهو ينظر إلى فتنتها، فحتى هذا اليوم لم يلمسها كما يلمس الرجل امرأته.

طرقات خافتة على باب الغرفة ،أنتشلته من تأمله وهتف بضيق.

_ حطي الصينية عندك بره يا “شادية” وقولت بلاش أزعاج.

أذعنت ” شادية” لأمره ووضعت الصينية التي تضع عليها الدواء والذي عليه أخذه بعد نصف ساعة.

_ حاضر يا بيه…
ثم تحركت وهي تتمتم بخوف.

_ مصيبة هتحط على رأسي لو عرفت “سمية” هانم إني مخبيه عليها حاجة.

توقفت “سماح” عن تدليك قدميه ليتساءل.

_ وقفتي ليه ؟

ردت سريعًا.
_ هطلع اجيبلك الدواء من قدام الباب…

هز رأسه إليها ،فنهضت بأرتباك وأتجهت نحو الباب.

_ اقفلي الباب ومتخافيش من حاجة.

اقتربت منه وهي تنظر إلى الصينية التي تحملها.

_ هيقولوا عليا إيه في المطبخ يا بيه وأنا من وقت لتاني بطلع ليك بطبق المية..

احتدت ملامح “هارون” وهو يخرج قدميه من الطبق.

_ لو حد نطق كلمة هو عارف مصيره إيه، وقربي وتعالي اقعدي جانبي.

حدة صوته جعلتها تعود إلى مكان جلوسها تحت قدميه.

_ قومي يا “سماح” من الأرض…

ردت وهو تسحب المنشفة التي تضعها على كتفها.

_ هنشف رجلك يا بيه…

التقط يدها وأجتذبها لتجلس جواره.

_ مش مهم وارفعي رأسك وبصيلي..

توهج وجهها بأحمرار خفيف وهزت رأسها رافضة.

_ مقدرش يا بيه…

خفق قلب “هارون” ووضع كلتا يديه على خديها.

_ أنا دلوقتي مش البيه يا “سماح” ، أنا جوزك.

أرتعشت شفتيها وهتفت بتعلثم غير مصدقة حتى الآن أنها زوجته شرعًا.

_ بجد يا بيه.

هز “هارون” رأسه وهو يمرر أصابعه على خديها.

_ أيوة يا “سماح”..

تلاقت عيناهم، فأقترب منه “هارون” بطريقة لم تعهدها منه وظنت أن دورها بحياته مقتصر على أشياء محددة.

_ الدوا بتاعك يا بيه..

تساءلت بأنفاس مُتهدجة بعد أن أزاح غطاء رأسها وتمكن من تحرير خصلات شعرها الذهبية وهو لا يُصدق أن أبنة الجنايني الذي خدمة لسنوات طويلة لديه أبنة بهذا الجمال ولولا أنه وصاه عليها قبل وفاته ما كان عرف بها.

_ “هارون” بيه….

غرق “هارون” بالتنعم في جمالها والذي لم يتخطى أيضًا اليوم غير لمسات أكثر جرأة إلى أن أنتهى من عبثه ونظر إليها مُتسائلًا بعدما أبتعدت عنه.

_ أنتِ بتعيطي ليه دلوقتي ؟

بنبرة صوت مهزوزة ومتقطعة ردت.

_ الحوجه وحشه يا بيه وأنا موفقتش على الجواز في السر غير بعد ما الدنيا ضاقت بيا ولقيتك بتمدلي أيدك.

الضعف الذي تُحادثه به ويراه على ملامحها يزيد من رغبته فيها رغم علمه أن الأمر إذا انكشف لن يمر بسهوله وكأنه لم يكن.
نهض من الفراش وسار إليها ثم مدَّ يديه نحو وجهها حتى يمسح دموعها.

_ العيون ديه متنفعش تعيط..

راق لها حديثه وداعب أوتار أنوثتها ،فهي أرملة منذ خمس سنوات وفقدت زوجها في سن صغير وترك لها طفلين.

_ مش هتاخد الدوا بتاعك يا بيه، الهانم موصيانا نهتم بالعلاج بتاعك عشان متتعبش.

أمتقع وجهه ثم زفر أنفاسه بضجر.

_ أنا موقف العلاج من فترة لأني مش شايف ليه تأثير على صحتي وحاسس نفسي دلوقتي أحسن.

رفرفت بأهدابها ،فأبتسم على ردة فعلها.

_ هنخلي ده سر بينا يا “سماح”، تمام…

انفرجت شفتيها بأبتسامة عريضة وهزت رأسها بتأكيد لأنه أختصها بهذا السر.

_ مش هقول حاجة قدام الهانم يا بيه ولا “شادية” ما دام أنت شايف نفسك كويس..

وأرفت بعدما مطت شفتيها بأمتعاض.

_ تعرف يا بيه أنا لا بحب الدكاترة ولا الأدوية وأهو الواحد الحمدلله عايش وصحتي حلوة.

صدحت ضحكات “هارون” بقوة ثم شملها بنظرة ثاقبة وجريئة لم تفهمها.

_ طب خدي بالك أنا مش قدك.

….

ضرب “شاكر” بكلتا يديه على طاولة الأجتماعات بعدما غادر شركائه ومدراء الأقسام ولم يبقى معه إلا “صفوان” الذي أضطر للحضور بسبب غياب صالح ورغد التي بدأت اول يوم عمل بالشركة.

_ أبنك عارف إن وجوده كان مهم النهاردة لكن كالعادة لازم يخالف أوامري وطبعًا مقضيها مع الهانم ،ما خلاص بقى بقت تجره وراها.

احتقنت ملامح “صفوان” ونظر نحو “رغد” التي وقفت تستمع لهذا الحديث.

_ بابا، أنت واخد بالك بتقول إيه عن “صالح”.

ألتوت شفتي “شاكر” بمقت.

_ واخد بالي كويس أوي يا دكتور، ياريت أنت كمان تكون واخد بالك وتتأكد إن البنت ديه بقت خطر على أبنك.

قبض “صفوان” على يديه بغضب بعد أن عجز عن إيجاد رد على والده.

_ أتصل بي أو بالهانم مراته تاني خلينا نعرف راحوا فين وليه أخدوا ” يزيد” معاهم المرادي..

حرك “صفوان” رأسه بيأس وتلاقت عيناه مرة أخرى بعينين “رغد” التي لأول مرة تُبصر وضع كهذا بينهم.

_ “صالح” مش عيل صغير هندور عليه و “يزيد” ابنه يعني هو أكتر حد هيخاف عليه و الهانم اللي بقت عدوتك دلوقتي ديه مراته وكانت من أختيارك يا باشا ولا نسيت.

ألقى “صفوان” حديثه ثم غادر بعدما وجد أن وقوفه أمام والده ربما يفقده سيطرته على نفسه ويخبره بالخبر السعيد الذي أخبرته به “حورية” قبل يومين عن شكوكها بقدوم حفيد آخر لهم من “زينب”.

نظرت “رغد” إلى “شاكر” الذي أعطاها ظهره وشعرت بالتخبط ثم حسمت أمرها وغادرت وراء “صفوان” تُنادي عليه.

_ عمو “صفوان” أستنا…

توقف “صفوان” مكانه وألتفت إليها وقبل أن تتحدث وجدته يلتقط يديها قائلًا بأبوة دائمًا يُحاوطها بها.

_ أوعي يا “رغد” تمشي ورا كلامه، أنتِ الوحيدة هتطلعي خسرانه وياريت تبصي حواليكي كويس هتلاقي اللي يقدرك و يخليكي في عينه ملكة…

وبحنان ربت على خدها مُتذكرًا نظرة الشريك الجديد لأعمالهم وقد تم تأجيل أجتماع اليوم رغبة منه مُتحججًا بعدم وجود “صالح” لكن هناك شئ خفي رأه في عينيه.
ابتعلت رغد ريقها ثم أخفضت رأسها بحزن ، هي تسعى وراء حلم لا أمل فيه لكنها مُستمرة بالسعي وكأن لا عقل لها.

دخلت “عايدة” غرفة أبنتها حتى تُبلغها بدعوة “ليلى” لهم حتى يتناولوا العشاء جميعًا بالفيلا.

_ “شهد”، أنا رايحة الفيلا حصليني على هناك لأن “ليلى” و “عزيز” بيه عزمنا على العشا.

ثم أردفت “عايدة” بمرارة في حلقها.

_ خلينا منكسفش بنت عمك.

اختفت تلك الابتسامة التي كانت تُزين ثغر “شهد” وعادت تنظر إلى هاتفها قائلة :

_ مش عايزه أروح ، أنا مش جعانه.

قطبت “عايدة” حاجبيها بدهشه واقتربت منها.

_ ومالك بتقولي مش عايزه من غير نفس كده، ده أنتِ كنتي ما بتصدقي تروحي الفيلا وتقعدي مع “عزيز” بيه.

رمقت والدتها بنظرة خاطفة ثم قربت شاشة الهاتف منها.

_أنتِ قولتي، كنت ودلوقتي لأ… روحي أنتِ و خالي “سعيد”.

انحنت “عايده” بجسدها نحو حذائها حتى تلتقطه، فأنتبهت “شهد” على ما تفعله مُتسائلة.

_ أنتِ هتعملي إيه ؟

لوحت “عايدة” بحذائها المنزلي أمام عينيها.

_ هربيكي يا بنت بطني من أول وجديد لأني فشلت في تربيتك وبقيتي تكلميني ولا كأني واحدة صاحبتك.

انتفضت “شهد”من الفراش صارخة.

_ أنتِ فاكره إنك بالأسلوب ده هتربيني ،أنا زهقت خلاص من العيشة هنا وزهقت من ست “ليلى” اللي بقينا نعملها مليون حساب ولا كأننا خدامين عندها…

سقطت فردة الحذاء من يد “عايدة” ونظرت إليها بنظرة مصدومة فهي لا تستوعب ما قالته أبنتها.

_ أنتِ بتقولي إيه..؟؟

أشاحت “شهد” بوجهها عنها وبدأت تدور حول نفسها وهي تضع بيديها على رأسها.

_ بقول الحقيقة، أحنا وجودنا هنا مبقاش له لازمه ولا عشان “ليلى” هانم بقت خلاص مرات “عزيز” بيه وقاعدين ضيوف عندها بعد ما كانت هي ضيفة عندنا..

أطبقت “عايدة” على يدها التي أرتعشت بعد أن صفعتها لتنظر إليها “شهد” وهي تضع يدها على خدها وصاحت بنبرة صوت مُرتعشة.

_ أنا أتأكدت النهاردة إن بابا خلاص مات…

ركضت “شهد” حتى تغادر المسكن بأكمله لكن عند وقوفها أمام الباب استمعت إلى صوت أرتطام شئ بالأرض ليخرج صوتها هذه المره بهلع.
_ ماما…

أقتربت “سما” من الطاولة الجالس عليها “مازن” وقد بعث برسالة لها هذا الصباح من هاتف “عدي” الذي مازالت على تواصل معه، فهي تشفق على هذا الصغير من والد يضع العمل في المرتبة الأولى من حياته.

رفع “مازن” عيناه عن هاتفه ثم ابتسم عندما أبصر قدومها نحوه لكن أبتسامته اختفت حينما وقفت مُحدقة بتلك الأغراض الموجوده بجانب مقعده.

ارتبك ونظر نحو الهدايا التي جلبتها له ولصغيره وشعر للحظة أنه أخطأ بهذا لكن هذه الأشياء ملك لها ولا يصح الأحتفاظ بها بعد أنهاء علاقتهم.

سحبت “سما” المقعد وجلست دون أن تبادر بأي كلمة وأنتظرت أن يخُبرها عن سبب رغبته بالألتقاء بها رغم أن الصورة واضحة.

_ أخبارك إيه يا “سما”…

تلاعبت “سما” بأحدى خصلات شعرها وعلى شفتيها أبتسامة واسعة تخفي ورائها غصتها.

_ كويسة جدا جدا زي ما أنت شايف.

عاد “مازن” إلى جلوسه على المقعد مُبتسمًا.

_ وأنا مبسوط إني شايفك كويسه لأنك تستحقي كده ،أنتِ حقيقي إنسانه هايلة..

استرخت “سما” في مقعدها وأشارت إليه أن يستكمل كلامه عن روعتها وما تستحقه من بعده.

نظر “مازن” إليها بندم مُحاولًا ترتيب كلماته.

_ “سما”، أنا لأول مرة أكون كاره نفسي ومش لاقي كلام أقدر أعتذر بي ليكي ،قوليلي أعمل إيه عشان مشوفش نظرة الكره ديه في عينك ونكون أصدقاء..

رددت ” سما” تلك الكلمة الأخيرة بأستنكار.

_ عايزنا نرجع أصدقاء من تاني ، هو أنا مقولتش ليك يا دكتور إني هتجوز وأنك خلاص بقيت من المحظورات زي كل الرجاله…

ضاقت حدقتي “مازن” ثم حدق بها بذهول مُتسائلًا.

_ تتجوزي ،بالسرعة ديه!!

حركت رأسها بتأكيد وهي تقبض بيديها على ساقيها حتى يتوقفوا عن الأهتزاز أسفل الطاولة.

_ آه ما أحنا في عصر السرعة، قريب هتلاقيني ببعت ليك دعوة فرحي من سيادة الرائد “قصي” ابن عمي..

 

تكملة الفصل

كل شئ بها ومعها مُختلفًا، تُحيره ، تُشعل غضبه في لحظه ثم تُطفئُهُ، تدفعه إلى الجنون أحيانًا وأحيانًا آخرى تجعله يُشاركها جنونها ، امرأة خُلقت له وأتت إلى عالمه حتى تُهذبه وتصنع منه رجل لم يكن يظن أنه سيكون عليها بل وسيري نفسه معها أبنًا وأبً وزوجًا رائعًا.

خلل “صالح” يده على خصلات شعره وهو يستمع إلى والدته من خلال الهاتف وكيف توصيه عليها وأن يُعاملها برفق ولين.
تنهد تنهيدة عميقة خرجت من صدره.

_ أنتِ بتوصيني عليهم يا ماما، دول عمري الحلو اللي بعيشه من جديد ..

دمعت عيناي “حورية” مع خفقان قلبها وهي تستمع إلى رده.

_ ماما محدش يعرف إن “زينب” حامل غيرك وغير بابا وإننا في مرسى مطروح، أنا بفتح التليفون عشان نكلمك ونطمن عليكي.

ازدادت دموع “حورية” أنهمارًا على خديها ، تسأل نفسها هل هذا هو “صالح” أبنها الذي كان يُجلدها كثيرًا بنظراته وكلماته ولن تنكر أن غضبه منها كانت تستحقه لكن الآن صار أبنًا مختلفًا وحنونًا، أبنًا مُتصالح مع نفسه ومع الحياة.

_ ماما أنتِ روحتي فين، أنتِ سمعاني.

أسرعت “حورية” بمسح دموعها ثم أبتسمت بشفتين مهزوزتين.

_ معاك يا حبيبي وسمعاك ومتقلقش ، أهم حاجة خلي بالك من نفسك ومن “يزيد” و “زوزو” وطبعًا الضيف الجديد وعامل “زوزو” بحنية.

أبتسم “صالح” وعاد يُمرر أصابعه على خصلات شعره.

_ أعامل “زوزو” بحنية، طب ما توصيها عليا تعملني أنا كمان بحنية ديه حرمتني من الدلع بدري بعد ما بدأت أتعشم بحاجات كتير.

صدحت ضحكات “حورية” عاليًا وفي نفس الوقت أتسعت عيناي “زينب” التي أجتذبها حديثهم بالصدفة عندما غادرت غرفتها وكانت في طريقها جهة المطبخ حتى تأتي بزجاجة من الماء.
اِستدار “صالح” بجسده وكأنه شعر بردة فعلها ، فوجدها تُلقي عليه نظرة حانقه.
أشار بأصبعه نحو الهاتف بتسلية ثم غمز لها بطرف عينه.

_ هكلمك بكره أطمن عليكي ومتقلقيش علينا…

أنتهت المكالمة ليظل مكانه مُنتصبًا في وقفته دون أن يستدير جهتها ثانيةً.
عقدت “زينب” ساعديها أمامها وهي تهز رأسها منتظرة أن ينظر إليها.
ببطء ألتف إليها وعلى شفتيه أبتسامة عريضة لكن أختفت سريعًا عندما رآها تضع المنشفة على رأسها وعلى ما يبدو إنها أنهت حمامها قبل أن تسترق السمع إلى مكالمته.

_ يعني لو جالك دور برد دلوقتي هنعمل إيه ؟ نفسي تبطلي أستهتارك وأهمالك في الحاجات اللي زي ديه….

ثم اقترب منها وألتقط يدها وسحبها ورائه مُستكملًا تأنيبه لها.

_ أنا مهما أقول مبتسمعيش الكلام وبتبرقيلي كمان ،لأ أنا شايف إني دلعتك أوي.

أفلتت يدها منه وحدقت به شزرًا.

_ يا سلام، مش أنت قولتلي هفضل دلوعتك ومهما أغلط هتكون حنين.. فين بقى الحنية.

تمالك نفسه حتى لا يضحك ثم عبس بوجهه.

_ ده أنت خرجت مع “يزيد” تتمشوا على البحر وسيبتوني نايمة، لأ وفطرتوا كمان بره لكن أنا عادي أفطر لواحدي.

وبخنقة أردفت وهي تخفض رأسها حتى لا ينتبه على دموعها.

_ لأ وكمان كتر خيركم حضرتوا ليا الفطار قبل ما تخرجوا ، عادي يعني كنت هحضر فطار لنفسي ،ما أنا مش صغيرة على رأي “يزيد”.

فتح فمه على وسعه ونظر إليها مدهوشًا، فمن تتحدث الآن أخبرته وقت عودته هو و “يزيد” من نزهتهم التي لم تتجاوز الساعتين ؛ أنها سعيده ما دام هم سعداء.

_ بدأنا بدري ما شاء الله، ما أنا عشان كده مكنتش عايز عيال تاني دلوقتي.

أحتقن وجهها ورمقته بنظرة جعلته راغبًا بالضحك. ألتقط يدها وأحتضنها قبل أن تدفعه على صدره.

_ أبعد يا “صالح” ، أنا زعلانه دلوقتي ومش مسامحاك لكن “يزيد” يعمل أي حاجة عادي مبزعلش منه .

أحكم لف ذراعيه حولها حتى لا تنفلت منه.

_ بقى حد يقدر يزعل “زوزو” الحلوة، لأ أوعي تعيطي.. أروح أصحى “يزيد” دلوقتي ونفضل نقرصك من خدودك..

_ أنت بتهزر صح وأنا زعلانه،زعلانه بجد وهعيط جامد أوي.

حدجها لوهلة بنظرة ذاهلة ثم قهقه بكل قوته حتى بدء يشعر بآلم معدته.

_ لأ تعالي ندخل أوضتنا بدل ما “يزيد” يصحى ويقولنا في إيه ؟ وأهو أشوف بهدوء وتروي سبب زعل “زوزو” الحلوه مني
هزت رأسها بالرفض قائلة بأمتعاض.

_ لأ ، أنا عايزة أقعد مع نفسي عشان مخنوقة أوي.

وانفجرت بالبكاء ،بكاء لا تجد له سبب لكنها ترغب بأن تبكي وتعيش دراما بائسة.

_ “زينب”، حببتي… لأ بجد أنتِ زعلانه أوي كده عشان خرجنا من غيرك…

أومأت برأسها ، فتنهد واحتضن وجهها قائلًا بصوت رخيم.

_ تعالي ندخل أوضتنا وأحكيلك براحة عن سبب خروجنا من غيرك مع إني كنت فاكر إنك فهمتي لواحدك.

كادت أن تتحدث وتخبره إنها ليست حزينه لكنها ترغب بالبكاء والبقاء بمفردها.

_ ولا كلمة أعتراض ووقفي حنفية الدموع هنغرق كده.

توقفت عن البكاء بالفعل، فأندهش من ردة فعلها السريعة، لتتحول دهشته فجأة لذهول وصدمه عندما رآها تضحك.

_ أنتِ مافيش وسط عندك، وقفي ضحك يا مجنونه مش قادرة تخدي نفسك.

أجتذب يدها وأتجه بها جهة غرفتهم بالشقة المستأجرة حتى لا يستيقظ “يزيد”.

_ مش قولتلي أضحكي.

حرك رأسه بيأس منها ثم أغلق باب الغرفة عند دلوفهم.

_ لأ بجد أنا كده ممكن قريب أتجنن.

حدقته بنظرة ممتعضة لم يهتم لها ثم أجتذب المنشفة من على رأسها.

_ الأول يا هانم نجفف شعرك المبلول وبعدين نتكلم في كذا نقطة زي أي أتنين متحضرين.

يزداد وسامة هو ، عندما تصبح ملامح وجهه عابسة وجادة.

_ “صالح” عينك بتكون حلوه وأنت متعصب.
تمتمت وهي تتأمل عينيه ثم مررت أنامل أصابعها على وجهه بأبتسامة.

_ هو ليه كل نقاش بينا بينتهي بحاجة تانية خالص، طب قوليلي هنتكلم في النقط المهمة اللي عايزين نتكلم فيها دلوقتي إزاي وأنتِ جريتي رجلي لحاجات بحبها ،بقولك إيه أنشف شعرك ولا بلاش.
ضحكت، فضحك هو الآخر وداعب خديها بيديه.

_ تفتكري هخرج أنا وأبني وأسيبك كده كعقاب يعني عشان خبيتي عليا موضوع الحمل، أنا زعلان عشان من البدايه متشاركناش في القرار بعد ما حضرتك أقنعتيني نأجل الخلفة وقولت حقها وأهو نعيش شوية حلوين أعوضها فيهم وأدلعها لكن اللي حصل حصل خلاص وبقي في طفل خلانا مترابطين أكتر سوا وده اللي كنت بحلم بي لكن حلمي قصاد رغبتك منعته وأحترمت قرارك.

أغلقت عينيها واِفتر ثغرها بأبتسامة خفيفه وتركته يتحدث دون أن تُقاطعه كعادتها.

_ أوعي يا “زينب” في يوم تفكري إني أعاقبك على حاجة من غير ما وضحكلك إيه سبب العقاب.
بهمس خافت تمتمت.

_ لأ أنا مبحبش العقاب، وأنت راجل جميل وجينتل مان يا حبيبي.

عاد إلى ضحكاته التي تتوهج فيها ملامح وجهه .

_ بتعرفي تاكلي بعقلي حلاوة و أضعف قدامك وماله مافيش عقاب بالخصام ولا بالتكشير لكن هيكون في عقاب بحاجات تانيه.
رفعت رأسها إليه ، فـ نظر إليها بنظرة طويلة أربكتها ثم خرجت صرخة من شفتيها و أسرعت بوضع يدها أسفل ظهرها.

_ أيدك تقيله على فكرة…
تجلجلت ضحكاته بأستمتاع.

_ بصراحه ملقتش عقاب يناسب واضعك حاليا غير كده
زمت شفتيها بضيق ليرفع أحد حاجبيه مُتسائلًا.
_ أنا حر ولا مش حر في عقابي…
هزت رأسها مُعترضة وهي تُحرك يديها على موضع صفعته.

_ تعالي أنشفلك شعرك واقولك شوية نقاط نمشي عليها مع “يزيد” الفترة ديه وكمان “شاكر” باشا عشان أنتِ اكتر واحدة جدي حاليًا شايفك خطر عليه…

تحولت قسمات وجهها المتجهم إلى دهشة وذهول.

_ شايفني خطر عليه إزاي ؟

وقف كل أفراد المنزل خارج الغرفة التي دلف إليها الطبيب ومعه فقط “ليلى” والعم “سعيد” الذي أصر على تواجده بجانب شقيقته بعد أن أصاب قلبه الهلع عليها وقد انزوت “شهد” بنفسها عند باب الغرفة دون قدرة على الدلوف معهم.

أطرق “سيف” رأسه ثم نظر نحو عمه الذي أشار إليه أن يفعل ما يراه في نظرته لها.

 

 

تحرك “سيف” أمام أنظار “كارولين” التي بدء عقلها يُفسر سبب ما حدث فجأة، فـ “عايدة” كانت بكامل نشاطها اليوم.

_ هتكون كويسة يا “شهد”متقلقيش، ولو في حاجه كان زمان الدكتور خرج وبلغنا إننا لازم ننقلها المستشفى.

_ ماما هتروح مني زي ما بابا راح…

أطبق “عزيز” جفنيه ويديه وهو مُطرق الرأس ثم تحدث بنبرة صوت خشنة.

_ خد “شهد” وأطلع بيها الجنينة يا “سيف”.

تقابلت عيناي “سيف” مع “شهد” التي هزت رأسها سريعًا في رفض.

أبتسمت “كارولين” وأسبلت جفنيها ، فالصغيرة “شهد” صارت على دراية أن “سيف” لا يشغل باله الآن غير “بيسان”.

_ تعالي معايا يا “شهد” وأسمعي كلام عمي…

ابتعدت “شهد” عنه وضمت جسدها بذراعيها.

_ أنا عايزة ادخل لـ ماما، هو ليه الدكتور اتأخر عندها…

فرك “عزيز” عنقه بقلة حيلة وأقترب هو الآخر منها.

_ هتكون بخير يا “شهد”، “عايدة” ست قوية وكل آملها في الحياة تشوفك فى أعلى مكان ورافعه رأسها بيكي.

أزالت “شهد” دموعها ونظرت إليها ثم أخبرته وهي تبتلع غصتها.

_ أنا زعلتها أوي النهاردة ،خليها تسامحني.

أرتجف قلب “عزيز”وهو يراها تمسك بذراعيه وتبكي متوسلة له أن يجعل والدتها تُسامحها عن سبب مازال بالنسبة له مجهول.

_ هتخليها تسامحيني يا أبيه…
وضع “عزيز” يديه على خديها حتى يمسح بقايا دموعها وبصوت مُتحشرج تمتم.

_ هخليها تسامحك يا “شوشو”.

فاضت عيناها بالدموع دون توقف أمام أنظار “سيف” الذي عاد ضمير يؤنبه على تلك الليلة التي لا يستطيع مسامحة نفسه عليها لكن “كارولين” نظرتها تحولت إلى حقد نحو “شهد” ؛ فجميع أفراد المنزل يحصلون على رعايته وأهتمامه إلا هي.

_ أهو الدكتور خرج وهيطمنا.

قالها “سيف” وهو يُشيح عيناه عنها حتى لا ينتبه أحد على أنفلات دمعة من طرفي عينيه.

توقفت “سما” بسيارتها عند سكن جدها، فهي تعيش معه هذه الفترة حتى لا تحتك بوالدتها.
وبوهن ودموع لم تعد تملك القدرة على حبسها رددت حديثه.

_ ” أنا أسف عشان لعبت بمشاعرك لكن أنا موعدتكيش بحاجة…تفكيري في “زينب” من الأول كان غلط ولما قربت منك كان أكبر غلط وهعيش طول عمري ندمان…”

وأبتسمت وهي تُحرك رأسها بسخرية على ما قاله لها.

_ قال ندمان قال لكن أنا اللي كنت غبية…

وأستمرت لبعض الوقت تبكي على حالها وخيبتها في الحب الذي كرهته على يديه.

أجفلها رنين هاتفها ،فأنتفضت ونظرت حولها بفزع.
ألتقطت هاتفها وفتحت الخط ثم جرت من عينيها الدموع عندما أستمعت إلى صوت جدها.

_ أيه يا “سما”، واقفة بالعربية ليه من نص ساعة ومطلعتيش… أنا واقف في البلكونه مستنيكي تطلعي.

أبتسمت وسط دموعها وتحركت من مقعد القيادة إلى المقعد الاخر حتى ترى جدها وسرعان ما أبتلعت مرارة حلقها وهي تجده يُلوح لها بيده.

وضعت “عايدة” يدها على رأس “شهد” التي دفنت وجهها في حضنها وأخذت تتمتم لها بكلمات أعتذار أمام أنظار الجميع.

_ حمدلله على سلامتك يا عايدة، خضتينا عليكي.

قالها “عزيز” دون أن يرفع رأسه، فأبتسمت “عايدة” بتعب.

_ الله يسلمك يا عزيز بيه.
انسحب “عزيز” من الغرفة ومعه العم” سعيد” ومثلهم فعل
“سيف”و “كارولين” بعدما اطمئنوا عليها.

نظرت “عايدة” إلى “ليلى” وقد أوجعها رؤيتها تُحاول عدم البكاء.

_ “ليلى”، أنا كويسه مسمعتيش الدكتور قالك إيه…

أقتربت “ليلى” منها ومازال القلق مُسيطرًا على ملامحها.

_ لكن الدكتور قالك مينفعش أنفعالات بعد كده ،ضغطك بيعلا بسرعه….
وتوقفت عن الكلام ونظرت إلى “شهد” وأردفت.

_ أنتِ كنتي كويسه وكنا متفقين هنتعشا مع بعض ومافيش حاجة كانت فيكي…

رفعت “شهد” رأسها وكادت أن تتحدث وتخبرها أنها السبب في مشاجرتها مع والدتها لكن “عايدة” أسرعت بالتحدث بنبرة صوت خافتة.

_ تعالي أنتِ كمان جانبي، عايزه أخدكم أنتوا الأتنين في حضني.

ترددت “ليلى” في البدايه بعدما رأت “شهد” تُحدقها بنظرة صارت تُحيرها.

_ قربي يا “ليلى”، حضنكم ليا هو العلاج…

أسرعت “ليلى” في تلبية طلبها وفور جلوسها على الفراش ، ضمتها “عايدة” إلى حضنها.

_ اه لو تعرفوا يا بنات إن وقوفي على رجليا من تاني بسببكم ، “ليلى” ونفسي أشيل ولادها و “شهد” نفسي أشوفها وهي متخرجة وأسلمها لراجل ابن حلال يصونها….

دمعت عيناي “عايدة” ولم تستطيع مواصلة كلامها وأفصاحها عن رغبتها في الموت حتى تلتقي بمن رحل وتركها وحيدة.

دخل العم “سعيد” الغرفة قائلًا وهو يمرر عيناه عليهن.

_ عايز أعرف إيه اللي حصل ولا اقول لـ” عزيز” بيه عن شغلكم من وراه.
….

نظرت “سما” إلى جدها وهرولت إليه بعدما فتح لها ذراعيه.

_ طلعت مغفله كبيره يا جدو، أنا أه مش متأكدة حبيته ولا لأ لكنه وجعني أوي حتى لو قدم ليا مليون أعتذار.

ربت “نائل” على ظهرها حتى تهدأ قائلًا بحنان.

_ مافيش تجربه مبنخرجش منها إلا بنتعلم حاجة، وأنسي بقى ومتجلديش نفسك بالكلام واحتفظي بكل حاجة حصلت لنفسك…
ابتعدت “سما” عن حضنه وحدقت به ، فأبتسم “نائل” وسار بضعف نحو الأريكة التي يُفضل الجلوس عليها.

_ لا “قصي” ولا “زينب” يعرفوا بالتفاصيل ديه ،في حاجات مينفعش نحكي فيها يا “سما” حتى لو وجعانا.

ابتلعت مرارة ريقها وتذكرت ذلك الحديث الذي أفصحت عنه أمام “مازن”.

_ جدو أنا قولت لـ “مازن” إني هتجوز أنا و ” قصي” بعد شهر ،أنا مش عارفة الكلام خرج مني إزاي.

عقد “نائل” حاجبيه ثم ابتسم ،فأندهشت.

_ أنت مبسوط كده ليه يا جدو.

أشار إليها نائل أن تأتي لحضنه، فتحركت نحوه بتخبط.

_ ما احنا فعلا بنرتب لفرحك أنتِ و “قصي” يا حبيبة جدو.

….

ألقت “مروة” بهاتفها بعد أن أنتهت من تلك المكالمة التي تُشعرها بتورطها مع أشخاص يستطيعون دعسها تحت أقدامهم دون رحمة.

_ بعد السنين ديه كلها تكوني شر برضو عليا يا بنت “أسامة”….

وألتقطت إحدى زجاجات عطرها ثم قامت بتهشيمها صارخة بغضب ،فبسبب تلك المهمة صارت خطواتها محسوبة.

أخفض الواقف رأسه أمام سيده بعدما أنهى مكالمته مع تلك المرأة المزعجة.

_ الست ديه أختيارنا ليها من الأول كان غلط يا باشا.

تحرك عدنان أمامه وألتقط قداحته الموجوده على طاولة مكتبه.

_ خلينا يا باشا نخلص عليها ونرتاح…

التف عدنان في تلك اللحظة التي أخبره فيها الواقف عن رأيه.

_ من أمتى وأنت ليك رأي؟

تمتم الواقف بنبرة صوت مهزورة مُعتذرة.
_ آسف يا باشا، عندك حق.

زفر “عدنان” أنفاسه بضجر مع أول نفثه من سيجارته.

_ نهايتها أنا سيبها لشخص واحد وبس ومادام “مراد” دخل معانا في الموضوع هسيبها ليه.

وفجأة صدحت ضحكات “عدنان” وهو يتخيل مقطع الفيديو الذي سيتم تصويره ويجمع بين “مراد” و “زينب”.

_ مش هحرمك من أمنيتك يا “مراد” وهجيبهالك لحضنك ونبقى نشوف “شاكر” باشا وحفيده هيعملوا إيه قصاد سمعة العيلة الكريمة…


اِنمحت أبتسامة “سمية” وهي ترى “كارولين” تتبختر في مشيتها أمامها عند دلوفها إلى غرفة مكتبها وقد بدأت بالفعل تستاء منها.

تنهدت ” سمية”بصوت مسموع ونظرت نحو ساعة معصمها.

_ عندي أجتماع بعد عشر دقايق ،فلو في حاجة مهمه قولي، مافيش نأجل كلامنا بعدين.

أخذت تتلاعب “كارولين” بأظافرها ،فرمقتها “سمية”بنظرة ماقته.

_ السيد “عزيز” عاد إلى وضع الرجل العاشق لزوجته وكأن ما مر بينهم مضى.

أقتربت “سمية”منها وجلست قبالتها ثم أبتسمت.

_ ما هو ده طبع “عزيز” ، يحب في الست اللي معاه شويه وبعدين يحسسها ولا كأنها حاجة وهكذا لحد ما هي تزهق وتسيبه.…

تحاشت “كارولين” النظر إلى “سمية” التي أخذت تتفرسها بعينيها.

_ عايزه اقولك إني مُنسحبة من عدائي مع “عزيز” ،أصل أتصالحنا خلاص وفي النهاية إحنا أهل وكنت في يوم مراته.

ألقت “سمية” كل ما لديها ثم نهضت وأردفت قائلة وهي تضع كلتا يديها على كتفين “كارولين”.

_ عندي اجتماع مهم وشغلي رقم واحد في حياتي.

أبتسمت “بيسان” عندما وجدت “سيف” جالسًا على إحدى الطاولات وينتظرها.

_ أخيرًا عرفت أقابلك، لسا زعلان مني.
مازحته بطريقة غير رسمية حتى تكسر ذلك الحاجز الذي وضعه بينهم منذ أخر لقاء.

_ بالعكس أنا مش زعلان منك، أنا زعلان من نفسي وجاي أقولك إن في حاجات كتير هغيرها في حياتي وأولهم هقولك إني صادق في حبي لكن…

قاطعته حتى لا يُكمل بقية حديثه ووضعت يدها على يده.

_ وأنا كمان بحبك يا “سيف” وأخدت قرار إني لازم أسيب “فارس”، أنا مش عارفه احبه وبحبك أنت…

ألتمعت عيناي الواقف من بعيد بعدما ألتقط لهم الصور المطلوبة منه.

فتحت “ليلى” عينيها بصعوبة ثم ابتلعت ريقها وهي تتآوه من ذلك الآلم الذي يُسيطر على كامل جسدها.

_ صباح الخير.
هتف بها ” عزيز” وهو يمشط خصلات شعره ،فأبتسمت وكادت أن ترد على تحيته وتنهض لكن بدأت بالعطس لمرات.

ترك “عزيز” المشط من يده ونظر إلى أحمرار وجهها.

_ أنتِ شكلك تعبانه من امبارح..

ردت بصوت مكتوم قبل تنطلق من شفتيها عطسة جديدة.

_ أنا كويسة.

تنهد “عزيز” بقوة.

_ كويسة إزاي قوليلي وصوتك بيخرج ضعيف وشكل الحلق مُلتهب… هبعت اجيبلك علاج من الصيدليه.

هزت رأسها بالموافقة وهي تبتلع ريقها عدة مرات.

_ هاخد العلاج وأروح عند مرات عمي، اقعد هناك…

امتقعت ملامح “عزيز” ودفعها برفق حتى تعود إلى الفراش.

_ لأ هتقعدي ترتاحي ، وأنا ساعتين هروح أخلص شغل وأجيلك…

ثم أردف بأستياء بعدما شعر بدفئ جلدها.

_ جسمك دافي وممكن الحرارة تزيد…

رفرفت “ليلى” بأهدابها ثم رفعت يدها تضعها على جبينها.

_ جسمي دافي لكنه مش سخن يا “عزيز”.

وضع “عزيز” يده على جبينها مرة أخرى ثم تنهد.

_ “ليلى”، من فضلك اسمعي الكلام.

عبست بشفتيها وتسطحت على الفراش مُرغمة.

_ هنزل أبعتلك الفطار ومعاه العلاج وساعتين وهتلاقيني فوق راسك وحذاري يا “ليلى” ألاقيكي تحت في المطبخ أو هناك عند “عايدة”.

نظرتها الواهنة التي ألقتها عليه جعلته يعود إليها مُقبلًا جبينها.

_ هرجعلك بسرعة يا حببتي.

أغلق “عزيز” باب الغرفة ورائه لتخفض رأسها شاردة في تهديد العم “سعيد” لها ولزوجة عمها عن أمر عملهم الذي يخفونه عن رب عمله ، الرجل الذي يُحاوطهم بكامل رعايته.

_” عزيز” بقى كويس أوي معايا ومينفعش اخبي عليه أكتر من كده…

وبأمل تتمنى ألا يزول مع الأيام.

_ هو قالي امبارح شوفي عايزه تعملي إيه وأنا اساعدك…
وبصوت حزين وحيرة تساءلت.

_ لكن ليه قالي نأجل الخلفة مع إنه كان بيلح على الموضوع كتير، معقول” عزيز” مش عايز يخلف مني….

أقتحمت العديد من الأسئلة رأسها لكن لا جواب وجدته.

أبتعدت “كارولين” عن المطبخ بعدما استرقت السمع إلى الحديث الدائر بين “عزيز” و العم “سعيد”.

_ “ليلى” مريضة و “سيف” سيبيت ليلته في العمل وهذا العجوز هذه الفترة يذهب إلى فراشه باكرًا.

قالتها إلى نفسها ثم عادت أدراجها إلى غرفتها وأسرعت نحو أحد الأدراج المُغلقة وتملك مفتاحها وفتحته بلهفة.

أخرجت أثواب النوم التي سرقتها من ملابس” ليلى” ونظرت إلى كل واحد منهم إلى أن وقعت على أكثر الألوان التي أصبحت تعرف إنه يُفضلها.

_ هذا هو….
تمتمت بها وهي تحتضن ثوب النوم ثم ألتقطت زجاجة العطر التي انتبهت على شراء “ليلى” الدائم لنوعها.

_ إنه عطر ليس مثير لكن بالتأكيد يجذبه…

وفجأة داعبت شفتيها أبتسامة ماكرة ووضعت ما بيديها جانبًا وألتقطت تلك العُلبة التي تحتوي على حبوب تعرف تمامًا كيف ستُحقق الغرض منها هذه الليلة عندما تضعها في مشروب الأعشاب الذي أثنى عليه عندما صنعته له هو و “سيف” قبل أيام وتقبله منها دون أن يُعلق عليه أو ينظر إليها بتلك النظرة التي جعلت رغبتها الشديدة به تتحول إلى الأنتقام منه…. نعم ستجعله رجل خائن في أعين الجميع بل وستخضعه لرغباتها وستنتصر لكرامتها…
هكذا صور لها عقلها وقررت التنفيذ…

_ بالتأكيد “ليلى” تتناول علاج الآن ، لا بأس أن أتلاعب في أدويتها.

أتى “عزيز” باكرًا كما وعدها لكن فور أن دلف الغرفة، تبدلت ملامح وجهه المُسترخية لأخرى متجهمة عندما رأى “كارولين” تجلس معها بل وتطعمها.

نهضت “كارولين” وأطرقت رأسها قائلة :

_ لا تنسي تناول أدويتك “ليلى”حتى لا يشتد المرض عليكي.

غادرت “كارولين” الغرفة، فنظرت ليلى إلى” عزيز”.

_ بتخاف منك أوي، هو أنت بترهبها كده ليه يا “عزيز”.

ارتسمت السخرية على شفتي “عزيز” ، فهو قد ضجر واتخذ قراره أن يستقل بحياته معها حتى يتجنب القيل والقال في أمر أنجابهم لطفل.

_ ” ليلى”، أنا مش كذا مره أقولك، حطي حدود بينك وبينها ومتدخلش أوضتنا.

بدأت بالسعال، فأسرع إليها يلمس جبينها وعنقها ومواضع أخرى من جسدها حتى يتأكد .

_ حرارة جسمك معقوله.

أبتسمت عندما وجدته يلتقط ذلك الحساء.

_ هي بتعرف تطبخ أصلًا..

ثم تذوق القليل منه.

_ طعمه مش حلو، شربتي إزاي ده.

ورغم وهن جسدها وعدم قدرتها على الضحك إلا أنها ضحكت على تصرفه الذي لا يليق بـ رجل مثله.

….

انتفضت “أشرقت” ومثلها أنتفضت الطبيبة عندما فتح “مراد” الباب.
وقعت عيناه على وضعها وقد تأكد بما أتى في عقله، زوجته العزيزة تبحث عن أفضل وسيلة حتى لا تحمل منه أو ربما تتأكد من عدم حدوث هذا.

_ ويا ترى المدام طلعت حامل ولا قالت تلحق نفسها..

 

أضف تعليق