رواية كارثة الحي الشعبي – الفصل الواحد والعشرون
الفصل الواحد والعشرون
أنظر جيدًا.
كارثة الحي الشعبي.
فاطمة محمد.
الفصل الواحد والعشرون:
ظهرت بوادر الصدمة على قسمات “عابد” الذي جالت عيناه رويدًا رويدًا على الجميع وكأنه ينتظر سماع تكذيب لما تفوه به أخيه المتعمد دائمًا في
مضايقته
وإيصاله
لذروة
غضبه…
أدرك “جابر” من معالم وجهه وما يظهر عليه بأنه قد نجح تمامًا..
ابتسم بسمة جانبية ملقيًا عليه سؤاله،
متعجبًا
من سكونه:
-مالك تنحت ليه؟؟ اوعى تكون مش
مصدقني
! طب والله عيب يا جدع..
أوصدت
“دلال” جفونها بقوة
معتصرة
إياهم نادمة على سردها ما حدث لذلك البغيض..التي تدرك بأنه قد فعل ذلك كي يثير غضبها..وكأنه لا يكفيه إحراقه للطعام التي ظلت تقبع بالمطبخ ساعات طويلة من أجله…
قطعت المسافة الفاصلة بينهم بسرعة فائقة، رافعة يدها
مسددة
له ضربة لم تؤثر به
معنفه
إياه أمام الجميع:
-أنت إيه مبيتبلش في بُقك
فوله
..ولا
يكونش
حد
مسلطك
عليا…روح منك لله انا لو جرالي حاجة هيبقى بسببك….
هز زوجها رأسه بنفاذ صبر معقبًا على حديثها، وعيناه تحدق بذلك الذي لا تختلف طباعه كثيرًا عن والدته فـ يكاد يكون نسخة مصغرة عنها:
-هو برضو اللي مبيتبلش في
بُقه
فوله
…انا بصراحة اتخنقت منك ومنه..انتوا الاتنين
هتجيبوا
أجلي..وبصراحة اكتر أنتِ وهو
فولة
وانقسمت نصين..
ضربت على صدرها وهي تنظر له بعتاب:
-بقى كدة يا حاج تصدق
زعلتني
بقى ملقتش غير ده اللي تشبهني بيه..طب
شبهني
بـ أشرف هقولك ماشي..لكن جابر !!!
لم يهتم جابر بذلك الحديث الدائر بين الاثنان…
وتبادل النظرات مع كلا من “أشرف” “نضال” و “خليل” ثم عاد بحدقتاه
مثبتًا
إياها على توأمه..مردفًا من جديد ساخرًا من حالته:
-ايه مش
سمعلك
صوت يعني..اوعى تكون واكل سد
الحنك
..
هنا وفاق عابد مما كان فيه من دوامة وصراع الأفكار التي استحوذت عليه بتلك اللحظة..
لا يدرى كيف..ولماذا لا يزال
أسيرًا
لها بعد كل ما فعلته وجعلته
يذوقه
من مرار..خذلان..وألم سواء كان من
بُعادها
أو من كلماتها الجارحة التي تركت
ندبات
بقلبه لم تزول وبقت حتى تلك اللحظة..
قبض على ملابسه
مقربًا
إياه بشدة.. متحدثًا بنبرة كانت جديدة بالنسبة لعائلته جعلت الريبة تنتاب
أبدانهم
و
وجدانهم
معلنًا الحرب:
-أنت بتقول إيه؟؟ وئام مش هتبقى لغيري..انت فاهم؟
دفعه جابر بحركة مباغتة مردد:
-يا عم انا مالي روح قول لـ ابوها الكلمتين دول..هو اللي موافق على العريس..وبعدين انت عبيط ياض مش دي اللي الصبح قعدت تقول مش بحبها مش بحبها..مش بقولك اخص على الرجالة..
علق “أشرف” منزعجًا من أسلوبه في الحديث:
-ما تهدأ يا عم جابر وقول هديت مالك يابا؟؟؟
تدخل أبيه الذي لم يكن يظن بأن ابنه
عاشقًا
لتلك الدرجة مقاطعًا تلك
المشاحنة
التي كانت على وشك
الاندلاع
مصوبًا
حديثه لـ عابد
موضحًا
له:
-عابد انا كلمت أبوها عشان
اطلبهالك
انهاردة بس هو اعتذر وقالي أنه البنت متقدملها عريس وأنه هو موافق عليه والشاب
هيروح
مع أهله
يتقدملها
كمان يومين..
لم يدري سلطان بأنه قد ضغط على جرح فؤاده..
مفاقمًا
من ثورته..
صارخًا
باهتياج
بوجه الجميع:
-ده في المشمش..وعلى جثتي أن راجل تاني
ياخدها
مني..
انتهى متحركًا بخطوات
متعجلة
وكأنه في سباق مع الرياح مقررًا إعلان العصيان..
تاركًا الجميع خلفه ينظرون إليه بنظرات كانت مختلفة فكان منها
المدهوش
من تمسكه الشديد بها وهذا ما لم يكن متوقع
بتاتًا
..
واخرى سعيدة
متلذذة
بتمسكه
وعدم
تفريطه
بمن دق قلبه لها..
رحل سلطان قاصدًا غرفته
مستغفرًا
ربه في سره
متمنيًا
أن ينعم ابنه
بالصلاح
وان يظفر بها إن كانت خيرًا له..
تبقى كل من دلال مع أبنائها الأربعة..
شارف جابر على الخروج هو الآخر لولا إحكام قبضة دلال حول
مرفقيه
مرددة
بتوعد
وملامح تنذر بالشر القريب مقربه يدها من ذقنها
تمررها
عليها:
-ادي دقني اهي إن
مورتكش
يا جابر يا بن بطني
وعلمتك
الأدب من اول وجديد..
تركته لاحقة بزوجها وكعادة ابنها لم يبالي لشيء وخرج متجاهلًا إخوته الثلاث..
بعد رحيله ابتسم الثلاث
متبادلين
النظرات..فكان نضال اول من تحدث مخمنًا:
-انا حاسس كدة والله اعلم أن عابد مش
هيسكت
وبصراحة أنا مبسوط وكدة احسن..
وافقه أشرف على حديثه مبتسمًا
بإشراق
:
-وانا كمان وان شاء الله يعرف يقنع ابوها ويوافق عليه…احساس حلو لما تجوز اللي قلبك متعلق بيها وعينك مش شايفة غيرها..
ردد خليل معقبًا بهدوء يناسبه:
-لو
مكتوباله
هتكون ليه لو إيه اللي حصل….
_________________
إنطلق
“عابد” نحو المنزل المقابل والتي تمكث به مع عائلتها
كالسهم
المشتعل بنيران العشق
الضارمة
والذي انطلق من قوسه للتو…
وجد البوابة خالية ومفتوحة على مصراعيها…فلم يبالي بكل هذا واستمر
بسيره
راغبًا في مقابلته..
ارتفع نباح الكلب بالحديقة فالتفت برأسه يرى مصدر الصوت فـ سقطت
مقلتيه
على مروان الواقف بجواره
ويتابعه
بحدقتاه..فلم يتردد
بالتهام
المسافة التي
تفصلهم
عن بعضهم
وتعوقه
عن الحديث معه في الدفاع عن عشقه.
لم تتبدل قسماته فقط يراها
بمخيلته
ولا تفارقه..
حاسمًا
أمره بالحصول عليها مهما حدث..فلن يغادر إلا بعد أن يتأكد بأنها ستكون له وليس لغيره..
كادت بسمة تشق ثغر مروان
فمنعها
وتصنع الجمود..فقد تراهن مع ذاته على حضوره اليوم…
تأكد
حدسه
بتلك اللحظة وعلم قبل أن يتفوه عابد بأي شيء بأنه
عاشقًا
لابنته حد النخاع..وعلى استعداد تام لفعل اي شيء من أجلها…
وصل عابد أخيرًا واقفًا
قبالته
..متمتم دون مقدمات:
-أنا عايز
أتجوز
وئام.
تعمد مروان إخفاء مشاعره والمحافظة على قسماته الجامدة التي لا توحي إلا
بالبرود
، معلقًا على طلبه:
-جيت متأخر..وئام هتجوز والكلام ده أنا
قاطعه بصراحة
باغتته
وملامحه تتبدل لأخرى تهاب فقدانها
وفراقها
:
-مش
هيحبها
قدي..مفيش اي راجل
هيحب
بنتك زي ما انا بحبها
وهراعي
ربنا فيها..
ارتفع حاجبيه باستهجان ساخرًا منه
مزيفًا
ازعاجه
:
-ايه
البجاحة
دي ؟؟ انت مش واقف مع واحد صاحبك انت واقف مع أبوها..يلا يا شاطر من هنا..معنديش بنات للجواز..بنتي عريسها موجود..
حاول السيطرة على ذاته والتحكم بنفسه بقدر المستطاع..مكررًا اعترافه له بحبها:
-حضرتك مش فاهم..انا بقولك بحبها ومش
هسيبها
..انا كنت من فترة صغيرة شغال في صالون مدام علياء يعني معرفتي بيها مش جديدة…انا بحبها حب
ميتوصفش
..الكلام مش هيقدر يعبر عنه..يعني مهما قولت مش
هوفي
حبي ليها حقه..
ضيق مروان عيناه متذكرًا تلك الليلة التي جاء بها جابر إلى هنا
وأعاد
له سرواله..ثم رحل بعدها تاركًا إياه مع
تساؤلاته
التي جعلته يهاتف إحدى الرجال
ويكلفه
بجلب كافة المعلومات عن أخيه عابد خلال ساعات..وعند مجئ سلطان وطلبه لابنته خمن بأن يكون
واقعًا
في عشق ابنته وهذا مبرر فعلته…وعقب رحيله على الفور
وانتهائه
من الحديث مع أبناء أعمامه ولج إلى حجرة المكتب وهاتف الرجل الذي لم يجلب كافة المعلومات ومنحه فقط ما توصل إليه بالوقت الحالي والذي كان يشمل عمله في صالون التجميل العائد لزوجته ليدرك وقتها متى وأين عشقها…..
خفق قلب “عابد”
بارتعاب
عندما قابل سكون مروان التام…
التوى فم الآخر وتحدث بنبرة غليظة تعمد إخراجها:
-خلصت ؟
لم ينتظر إجابته متابعًا بقسوة ورفض:
–
هقولهالك
تاني عشان شكلك وقعت على
ودنك
وانت صغير وده خلى سمعك تقيل…طلبك مرفوض يا كابتن…يلا طرقنا..
احتدت
عيناه وهدر بخشونة لا يتحمل فكرة ذهابها لآخر:
-يعني إيه مرفوض..ومرفوض ليه..بقولك بحبها… بحبها….والله العظيم بحبها…
ومحبتش
ولا
هحب
قدها…من فضلك حس بيا..وحط نفسك مكاني.
عقب بنفاذ صبر:
-يعني مرفوض..انا مش شايفك مناسب لبنتي ولا
هشوفك
فـ ريح نفسك
وانساها
..
خرجها
من دماغك عشان مش هتكون ليك…
قال الأخيرة وهو يتحرك مفارق مكانه تاركًا إياه في صدمته…
وقبل أن يلج من باب المنزل التفت
مقتطفًا
نظرة أخيرة نحوه فوجده لا يزال يقف مكانه ويظهر عليه الانكسار..الألم..الأسى…
والأستسلام
لحديثه…مما جعل الانزعاج والضيق
يتسللان
إليه..
راغبًا في أن يظل في دفاعه
ومحاولاته
حتى يظفر بها…
ابتسم ساخرًا
ظنًا
منه بأنه قد استسلم
وسيترك
ابنته تتزوج برجل آخر…
اعتدل بجسده وفتح الباب وكاد يلج لكن تيبست ساقه عندما تناهى إليه كلمات عابد الأخيرة قبل رحيله:
-مش
هسيبها
…بنتك مش هتجوز راجل غيري..انت
سامعني
بنتك مش هتجوز غيري.. وعريس الغفلة ده
هسيحلك
دمه لو فكر
يهوب
ناحية البيت…
وهخليه
يخرج من الدنيا بدل ما يدخلها…..
استدار ينظر إليه فوجده قد أولاه ظهره ويسرع للخارج…
ظهرت البسمة تدريجيًا على وجه مروان وشعور
بالإعجاب
نحوه يبدأ
بتغلغله
..منتظرًا رد فعله ودفاعه المستميت عن حبه
ومعشوقته
..
_________________
اعتلى ” أشرف” فراشه
ممدًا
على ظهره، هاتفه بين يديه..يفكر في
محادثتها
..كي يرى ما حدث معها وهل أدركت جديته أم أنها لا تزال تظنه يمزح معها ليس إلا..
قرر إنهاء تلك الحيرة..وجاء
برقمها
مهاتفًا إياها..منتظرًا إجابتها بلهفة لم يدركها أو ينتبه إليها..
______________
تتسطح
على ظهرها..واضعة يديها
المتشبثة
خلف رأسها…والهاتف يقبع جانبها تمامًا..ومن حين لآخر تنظر إليه منتظرة اتصال منه…
فـ الخجل
والتورد
يسيطران عليها..تتذكر جميع
لقاءاتهم
خاصة ذلك اللقاء الأول المميز بوجهة نظرها…
عضت على شفتيها تزامنًا مع
معاودتها
رمق شاشة الهاتف التي أضاءت بذات اللحظة معلنة عن اتصال منه…
“أشف”
انتفضت من
نومتها
والتقطت الهاتف وهى تقوم بقراءة اسمه التي أطلقته عليه
ودونت
رقمه به…
تسارعت ضربات قلبها وكأنها قد أنهت سباق ركض للتو…
ازدردت ريقها واضعة يديها موضع قلبها مردفة
بتساؤل
:
-ايه مالك بدق جامد كدة ليه يا ابن
الهبلة
…
بللت شفتيها وترددت بالإيجاب عليه..فقد
حثها
قلبها بالرد واستماع نبرته العذبة الرجولية…أما عقلها فقام
بنهرها
كي لا تجيب عليه…
أخذت نفسًا عميقًا ثم قررت الاستجابة
لعقلها
وترك قلبها الذي لن يجلب لها سوى المتاعب والمصائب..
تركت الهاتف أمامها مرددة مع نفسها:
-مش هرد..مش هرد..وعد أنتِ مش
هتردي
سبيه يرن دلوقتي يسكت..
اعلن أشرف عدم
استسلامه
وتضايق
من عدم ردها عليه…فـ استمر في اتصاله عدة مرات متتالية..حتى رضخت لقلبها ولم تتحمل الصمود اكثر مجيبة بجمود كي تخفي مشاعرها نحوه:
-أيوة..
قام
بتقليدها
بحديثها
معه هذا الصباح متمتم بمرح طفيف
متناسي
ضيقه منذ ثوانِ:
-أيوة في عينك، اسمها الو..
ردت بتهكم واضح:
-والله أيوة من الو مش فارقة..في ايه شغال رن رن رن إيه؟؟؟ ايه اللي حصل
مخليك
واكل دماغ امي كدة..وبعدين افرض بعمل حاجة ومش عارفة ارد دلوقتي..طب بلاش كدة افرض
قاطعها مغمغم بأعين متسعة من
ثرثرتها
وعدم التوقف
لابتلاع
ريقها:
-بس..بس ايه
بكابورت
وطفح في وشي..
ابتسمت على كلماته..فـ تابع هو مقررًا التلاعب بها:
-قوليلي حد اتكلم معاكي انهاردة؟؟
مطت
شفتيها بخبث وقالت بعدم فهم
مصتنع
:
-حد زي مين يعني؟؟
-زي ابوكي مثلا..
أكدت قائلة بلامبالاه:
-اه عادي أنا وبابا كل يوم
بنكلم
ايه الجديد يعني؟
بتحسسني
انك جبت
التايهة
…
نفخ
بضجر
مدركًا بأنها لم تدرك بعد..فقال:
-وعد عايز أسألك سؤال؟
تحمست لسؤاله وردت ببسمة واسعة:
-اسأل.
-هو أنتِ كدة من زمان ولا ده جديد عليكي…
انزوى ما بين حاجبيها بعدم فهم قائلة:
-هو ايه ده؟
رد بتلقائية شديدة:
-الدبش يا حبيبتي اللي
بتحدفيه
من
بُقك
ده من زمان ولا جديد عليكي…
تبخرت بسمتها وكذلك جميع كلماته مع بسمتها إلا كلمة واحدة “حبيبتي”
علقت معها وترددت
بأذنيها
فتلك المرة الأولى التي
ينعتها
أحدهم بها…
-أنتِ بتروحي فين؟؟
-موجودة..
وهنام
خلاص تصبح على خير….
وكالعادة أغلقت بوجهه من شدة
توترها
…..واحمرار وجهها الذي ينبعث منه حرارة ليست
بعادية
…..
اخفض الهاتف وهو يهز رأسه
بيأس
فلن تتوقف أو تكف عن الغلق بوجهه دون أن تنتظر إجابته…
ترك الهاتف
وحدق
بسقف الغرفة
مفكرًا
مع ذاته لبعض الوقت في ما حدث وما يحدث….
وبعد تفكير شغل ذهنه كثيرًا
وارهقه
أدرك بأن قراره وموافقته على الزواج بـ وعد قرار صحيح…فهي تستحقها سواء كان بعفويتها…أو
تلقائيتها
التي لم تعد تتواجد كثيرًا…فالكثير بات
يزيف
ويخفي شخصيته الحقيقة….
ويجمل
من ذاته أمام الآخرين…
_________________
عاود “عابد” إلى المنزل مرة أخرى راغبًا في أخذ السيارة..
التقطته عين جابر الذي كان يقف بالحديقة ينتظر عودته متيقنًا من ذهابه إلى المنزل المقابل لهم..
هرول تجاهه
هاتفًا
اسمه..فلم يستجيب له، فقط استقل السيارة ويظهر عليه بوادر الغضب الذي احتدم..
دار حول السيارة وصعد بالمقعد المجاور له..رمقه عابد من جانب عيناه مردد بصوت مكتوم وهو يضع حزام
الآمان
:
-أنزل من العربية يا جابر..
رفض الآخر
مصرًا
على البقاء معه
عاقدًا
ذراعيه أمام صدره:
-مش نازل.
هز عابد رأسه وأدار السيارة
منطلقًا
بها بسرعة فائقة…باغتت جابر وجعلت الذعر يظهر على محياه…جاذبًا هو الآخر حزام
الآمان
كي يضعه..مغمغم بقلق و رهبة طفيفة:
-تقريبا كدة انت مش
هتخش
دنيا مع البت..انت
هتسيبها
خالص..وتقريبا برضو هكون معاك…
توأمك
بقى…
لم ينصت إليه فقط ينظر أمامه..ويصب جام غضبه
ومقطه
وسخطه مما يحدث بتلك الطريقة….كما أن صورتها..صوتها…لا
يفارقان
ذهنه..شاعرًا بأنها حوله…
ردد جابر من جديد محاولًا
إفاقته
من تلك الحالة:
-يا عم الله يخربيتك هنعمل حادثة
وهنموت
…براحة..سوق براحة…دي حتى العجلة من الشيطان….
ثم نظر حوله
ملوحًا
بيده وكأنه يطرد شيء ما مغمغم:
-غور يا شيطان..غور…و اهدأ بقى وسوق زي البني
آدمين
يا عم عابد في إيه مالك..ده انت قلبك قلب قطة بصحيح كل ده عشان
جايلها
عريس اومال لو اتجوزت بقى هتعمل ايه؟؟؟
اختطف عابد نظرة نحوه وبحركة مباغتة توقف بالسيارة في إحدى الزوايا معلق
بأهتياج
وهو يضرب على المقود من أمامه:
-اخرس..وئام مش هتجوز واحد غيري انت فاهم….
انتهى من كلماته المشتعلة
عائدًا
للقيادة من جديد وبسرعة تفاقمت عن سابقتها متفاديًا بعض السيارات
متخطيًا
إياهم بطريقة متهورة
مندفعة
..
اوشك جابر على ضرب نفسه على
اصراره
على المجيء معه مردد:
-لا انت اللي مش فاهم..يا بني بقولك هنموت..
اعلن هاتفه عن اتصال من والدته فأخرجه مجيبًا عليها بحسرة:
–
الحقيني
ياما هموت وانا لسه في عز شبابي..
عقبت دلال متسائلة بقلق:
-ليه يا زفت، وبعدين انت روحت فين انت وعابد
شيفاكم
خرجتوا
بالعربية..
رد عليها
مبتلعًا
ريقه، وظهره يرتد للإمام ثم يعود للخلف
مرتطمًا
بظهر المقعد:
-احنا مش خرجنا بالعربية احنا
هنخرج
من الدنيا، ابنك
اتجنن
ياما، وانا ابن ستين كلب عشان ركبت معاه..
ازداد قلقها
وتمتمت
بخوف عليهم:
-اديني اخوك
اكلمه
…
-استني..
قال الأخيرة وهو يفتح مكبر الصوت كي تصل كلماتها الى ابنها مجروح الفؤاد بالوقت الحالي مرددة:
-واد يا عابد
متعملش
في نفسك كدة، وليك عليا بكرة اروح
اكلمهم
تاني واخلي ابوك يجي معايا بس
متعملش
في نفسك كدة..
اغمض جفونه متألم شاعرًا
بوجزة
بقلبه،
فعقب
جابر :
-اه اسمع كلام امك بقى وسوق زي الناس…
-اسمع كلام اخوك يا عابد…وطول ما أنا
وابوك
عايشين
متشلش
هم حاجة..هو احنا عندنا كام عيل يعني.. ربنا يحفظكم يارب
ويخليكم
لـ
قاطعها جابر
مهللًا
:
-لا لا
متدعيش
كدة هنموت..ادعي علينا ارحم..او اقولك قولي الله يرحمكم..
هدأ روع عابد وكاد يهدأ من سرعة السيارة تدريجيًا لولا تلك السيارة التي توقفت أمامه نتيجة لعطل ما…
هلع وجهه و وجه جابر الذي قال لوالدته
موصيًا
إياها بنبرة سريعة
ظنًا
بأنه على وشك فقد الحياة:
–
بركاتك
ياما حلت علينا، ابقى اقري الفاتحة على روحنا و وزعي قرص ولا اقولك خليها عيش ولحمة خلي الفقير يأكل..
تفادى عابد الاصطدام بالسيارة بصعوبة لعدم إلحاقه من توقيف السيارة والتي كانت على سرعة عالية….
وبدلًا
من الارتطام بها..ارتطم بجانب الطريق المخصص بالمارة (الرصيف)..
ازدرد
الأثنان
ريقهم
وسقط الهاتف من يد جابر الذي التقط انفاسه بصعوبة بعد أن توقفت السيارة….
التفت عابد برأسه نحو أخيه الذي ردد وهو يلتقط الهاتف يطمئن والدته التي هوى قلبها ولم تتوقف عن الحديث راغبة في أن يجيبها أحدهم:
–
حبكت
معاكي
تدعيلنا
دلوقتي ادينا كنا هنروح فيها…
_______________
اليوم التالي..
جحظت عين “داليدا”
الجالسة
أمام وعد والتى كانت تقوم بقص ما حدث ليلة أمس عليها بعدما لم تجد فجر وعلمت بخروجها رفقة والدتها…وما أن انتهت حتى سألتها مباشرة:
-أنتِ
أبوكي
مقالكيش
لسه ولا إيه؟
ازدردت داليدا
لعابها
ببطء شديد..لا تستوعب بعد بأنه تقدم لها بالفعل ويرغب بالزواج بها..
هزت رأسها يمينًا
ويسارًا
دلالة على النفي..
عقبت وعد
مخمنة
:
-اكيد مستني يسأل عنهم الأول وبعدين هيقولك..قوليلي أنتِ موافقة على نضال؟
جاء صوت طرق على الباب من الخارج صاحبه ولوج “أبرار” التي جاءت كي ترى داليدا وتجلس معها..
حثتها
وعد على الاقتراب وإغلاق الباب مردفة بهمس:
-تعالي بسرعة احكيلك اللي حصل..
استجابت لها وأغلقت الباب ثم
بارحت
مكانها متقدمة منهم:
-في ايه؟؟
ردت وعد
مفجرة
ما لديها بوجهها:
-عمو سلطان جه امبارح
وطلبني
لـ أشرف وطلب داليدا لـ نضال..
لم تقل صدمة ابرار عن
رفيقتها
شيء..لكن سرعان ما تبخرت صدمتها بالهواء واحتل مكانها بسمة واسعة سعيدة من أجل
رفيقتها
:
-الف مبروك يا حبايبي ربنا
يتمملكم
على خير يارب..
رفعت وعد
سبابتها
أمام ثغرها
تُحذرها
:
–
هشش
وطي صوتك سليم لسة
مقالش
لـ داليدا ومحدش يعرف تقريبًا..فـ اسكتي
واعملي
نفسك متعرفيش حاجة عشان
ميقولوش
وعد
فتانة
..
ضحكت أبرار عليها مردفة:
-حاضر يا ستي انا اصلا معرفش حاجة خالص..
لم تنصت داليدا
لحديثهم
فقد كانت معهم بجسدها فقط أم عقلها وربما قلبها أيضًا كان معه…
متذكرة كلمات والدتها لها، وبسمة صغيرة تعلو ثغرها دون أن تشعر
“حافظي على نفسك للي
هيتجوزك
..حلالك يا داليدا..يعني اللي تكلميه
وتحبيه
ده لازم يكون دخل بيتك وطلبك من أهلك..غير كدة اعرفي انه
مبيحبكيش
وانه مش
هيكمل
”
بعد مضي بعض الوقت غادر
الأثنان
تاركين إياها بعد أن
تعللت
بأنها تشعر بالخمول وترغب في أخذ قسط من النوم….
عقب مغادرتهم جاءت
بهاتفها
وتحديدًا صوره..متأملة ملامحه..ابتسامته…وتلك النظرة الثاقبة من حدقتاه…
اخذت نفسًا عميقًا وبدون تردد قامت
بأزالته
من قائمة الحظر والتي كانت قد وضعته بها
سابقًا
..
_________________
جاء “نضال”
بالمحادثة
التي حدثت بينهم ما أن فتح جفونه
واستيقط
من نومه..
وللحظة
تفاجئ
بأزالته
من قائمة الحظر..فرك عيناه يتأكد مما يراه فقد ظن
لوهله
بأنه يتوهم….
تهللت
اساريره
ما أن تأكد بأنه لا يتخيل…ولم يتردد بإرسال رسالة لها:
-صباح الخير..
رأت الرسالة ولم تجيب بل تجاهلته تمامًا…
انزعج من عدم ردها وحلت
التقطيبة
وجهه
باعثًا
لها مرة أخرى:
-طب مساء الخير..
أيضًا ذات التجاهل تلقاه…فقط
تقراهم
ولا تجيب…
نهض من على الفراش وبدأ يأتي
ذهابًا
وإيابًا
..
عاد الكرة من جديد
مرسلًا
لها رسالة ثالثة…فكانت النتيجة واحدة…
هنا وقرر إنهاء ما يحدث مهاتفًا إياها (مسنجر)
دوى رنين هاتفها القابع بين يدها
بأرجاء
الحجرة…
بللت شفتيها ولم تجيب عليه، مغلقة المكالمة مرسلة له كلمات تعمدت أن تظهرها قاسية، رغم سعادتها
بتقدمه
لها:
-تحب
ابلكك
تاني؟!
امتعض من ردها الذي كان ينتظره على احر من الجمر…
كز
على اسنانه وبعث لها كلمات بسيطة رغب بها
بمشاكستها
:
-لا وعلى ايه..
بلكتيني
مرة كفاية..خليها المرة دي تيجي مني أنا..
انتهى
أخذًا
دورها واضعًا هو إياها تلك المرة بقائمة الحظر….
اتسعت عيناها وظلت تحدق بالهاتف بصدمة ليست هينة متسائلة إذا كانت قاسية لتلك الدرجة التي جعلته يفعل معها هذا…
أما هو فتخيل وجهها بعد فعلته ودوت ضحكاته سريعًا بأركان الغرفة….
يتبع.
فاطمة محمد.
احب اقولكم الفصل الجاي هيعجبكم اوي وهيحصل تطور في الاحداث
هتحبوه
اوي 😂❤️❤️
اتفاعلوا
حلو بقى
وفرحوني
ومتنسوش الفوت وتوقعاتكم.🌚❤️
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية كارثة الحي الشعبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.