رواية كارثة الحي الشعبي الفصل العشرون 20 – بقلم فاطمة محمد

رواية كارثة الحي الشعبي – الفصل العشرون

الفصل العشرون

الفصل العشرون

أنظر جيدًا.

كارثة الحي الشعبي.

فاطمة محمد.

الفصل العشرون:

أنهى “سلطان” إلقاء كلماته على مسامعهم تاركًا طاولة الطعام متقدمًا من درجات الدرج…

أسرع “أشرف” وخطى خلفه كي يلحق به ويوقف تلك المهزلة التي على وشك الحدوث..

نادى عليه بإلحاح..مُصرًا على الحديث معه ومناقشته بما حدث بالأسفل..

-بابا..بابا لو سمحت استنى..

استجاب لندائه متوقفًا عن الحراك..متسمرًا مكانه منتظرًا ما لديه من أحاديث..

ردد أشرف رافضًا ما حدث قبل قليل:

-بابا أنا آسف..بس انا مش عايز اتجوز..يعني مفتكرش اني جيت وقولت لحضرتك اني عايز اتجوز..اكيد ده اقتراح ماما..وبصراحة أنا رافضه…حضرتك عارف أني لسة خارج من تجربة فاشلة..ج

رفع يده أمام وجه الآخر مقاطعًا إياه مردفًا:

-عارف…وعشان كدة انا وافقت امك…ولو فعلًا عايز تفوق من اللي حصلك يبقى لازم تبدأ من جديد..بداية جديدة…حياة جديدة..و بنت كمان جديدة..و وعد انا شايفها مناسبة..

شعر بالحنق من كلماته واتخاذه ذلك القرار بدلًا عنه…

ولأول مرة ترتفع نبرة صوته عليه..مغمغم بملامح منفعلة وغاضبة بإفراط:

-وانا مش شايفها مناسبة..ومش عايز اتجوز..انا معرفش انتوا بتاخدوا القرار عني بناءًا على إيه؟؟؟ هو أنا اللي هتجوز ولا أنتوا…

تحكم أبيه بأعصابه وأدرك غضبه فلم يرد أن يزيد الأمور سوءًا..مقررًا إقناعه بالهدوء والحنو الشديد كي يطيب جرحه..بدلًا من الغضب وفرض القرارات التي لن تزيده سوى إصرارًا على الرفض والتمسك به….

-بناخد القرار عشان انت ابننا..ولينا حق عليك…لتكون فاكر اننا هنختارلك أي واحدة والسلام..وعد لو مكنتش كويسة ومحترمة وبنت ناس مكناش فكرنا فيها…امك تحت قالتلك كلمتين دخلوا دماغي أوي…عشان كدة انا كمان هقولهملك…

ابتلع لعابه ثم تابع بتأثر:

-المرة اللي فاتت انت اللي اخترت ومحدش فينا اعترض أو وقف قدام اختيارك..المرة دي ثق فيا يا بني واسمع مني ومش هتندم…واللي انت بتفكر فيها و زعلان عليها دي متستاهلش أي ذرة زعل…اللي تبيعك وتسيبك عشان الفلوس تبقى عينها فارغة وميملهاش غير التراب..والمفروض تبوس ايدك وش وظهر عشان ربنا خلصك منها…

صمت لحظات يرى خلالهم تأثير وقع كلماته على مسامع إبنه..فـ التقط ذلك الاستجاب والإقتناع الذي بدأ يليح على قسماته….فـ استطرد بأسف:

-عُمري ما اقتنعت بـ زينة…ولا شوفتها الزوجة الصالحة ليك..و رغم كدة تقبلتها عشان خاطرك..ومظنش اني بينتلك قبل كدة اني مش قابلها…اصل في ناس كدة من اول مقابلة تتقفل منهم..وناس تانية بيبقى على وشها القبول وقلبك بيتفتحلهم وده حصلي مع وعد…وافق عليها ومش هتندم..وهتيجي تشكرني كمان…….

تردد قليلًا وتحدث بنبرة عكست تردده ذلك:

-بس أنا مش بفكر في الجواز دلوقتي..

عقب ببساطة:

-وايه اللي يخليك متفكرش..ايه اللي منعك تشوف حياتك…فلوس والحمدلله موجودة..بيت وموجود…شغل وهتنزل معانا المطعم..ونكبره سوا..ومين عارف يمكن قدام يبقى عندنا سلسلة مطاعم..وساعتها كل واحد فيكم يمسك مطعم…

أخذ أشرف نفسًا عميقًا حبسه داخل صدره..متذكرًا ما يفعله والده دائمًا معه…تحديدًا وقوفه جواره كي يتزوج بـ زينة رغم عدم حبه أو قبوله بها والذي لم يظهره من قبل…..

ربت أبيه على ذراعيه مغمغم بترقب لرد فعله على هذا الحديث بينهم:

-في النهاية القرار قرارك…لو مش موافق مش هغصبك يا أشرف….

أولاه ظهره وكاد يغادر لولا صوته الذي تناهى إليه متمتم باستسلام و رضوخ لاختياره:

-انا موافق يا بابا…..

______________

لجأ إلى الحديقة الواسعة بعد حديثه مع أبيه وموافقته على التقدم لـ وعد..مستنشقًا هوائها النقي…والذي تخلل صدره…وجعله يهدأ قليلًا بعد أن كان يشعر بالضيق..السخط…والامتعاض….

مدركًا السبب الذي جعل والده يأخذ قرار كهذا دون الرجوع إليه أو أخذ رأيه بالبداية…

أخرج هاتفه من جيب بنطاله وجاء برقمها….تردد بالبداية…لكن ذلك التردد لم يدم كثيرًا..حيث طرد كل ما يعتريه ويغزوه وقام بمهاتفتها…..

لم ترد بالمرة الأولى….أو الثانية….

تأفف ومسح على وجهه وخصلاته بنفاذ صبر…وتعابيره توحي بأنه على وشك الأنفجار من عدم إجابتها أو ردها عليه الفوري….

لم يستسلم وحاول مرة ثالثة….فـ أجابته تلك المرة…..

تحدث على الفور غير منتظرًا ردها مغمغم:

-كل ده عشان تردي يا وعد…اتصلت عليكي اكتر من مرة..أنتِ فين؟؟؟

هزت كتفيها وهي تجيبه بضيق من نفسها لعدم استجابتها لحديث فجر…وانصياعها خلف شيطانها الذي حثها على الإجابة…

-كنت بغسل المواعين مكان الفطار انا و أبرار والموبايل في الاوضة..في حاجة ولا إيه؟؟

استمع لردها وهو يعض على شفتاه..وما أن انتهت حتى قال مفجرًا ما لديه :

-ابويا عايز يجوزني…ومش أنا بس…ده عايز يجوز نضال كمان…ومش هتصدقي مين..

تمكنت منها الغيرة….وتذكرت ما فعلته دلال ليلة أمس مع داليدا….

تبدلت قسماتها وقالت بضيق وهدوء لا يناسبها أو يليق بها:

-داليدا مش كدة؟

-هي…بس مش ليا…لـ نضال…انا بقى مش هتصدقي مين…

رددت بأنفعال وحنق تفاقم رويدًا رويدًا:

-هي فزورة..ما تنجز وقول مين علطول يا أشرف….

صك على فكيه قبل أن يجيبها يتذكر موافقته قبل قليل:

-أنتِ يا وعد…

صمت تام وسكون مريب عم بالأرجاء…

حبست أنفاسها للحظات ثم أفرجت عنهم…مبتسمة بعدم تصديق مرددة بتلعثم كان طفيفًا:

-أنت بتهزر مش كدة؟

أوشك على الإيجاب ونفي حديثها ويخبرها بمدى جديته وصدقه لولا ضحكاتها التي علت كي تخفي بها ما حدث لها ولقلبها:

-انا لسة بسأل اكيد طبعًا بتهزر..مستحيل تكون بتكلم جد….

عقب بنبرة جدية متمتم:

-مش بهزر يا وعد وبكلم جد..ابويا وأمي عايزني اتجوزك….وعايزين داليدا لـ نضال….وانا وافقت عليكي…

رفضت تصديق تلك الترهات مقنعة ذاتها بأنه يمزح معها…لذلك لن تصدقه بتاتًا..

مردفة بذات النبرة السابقة:

-ما تبطل هزار بقى…. أنا مبحبش الكلام ده….

زفر من حماقتها…ولم يدري كيف يثبت لها..قاطعت أفكاره مع نفسه قائلة بتهرب منه راغبة في لملمة مشاعرها المبعثرة:

-ماما بتنادي عليا..سلام…

أغلقت بوجهه للمرة الثانية على التوالي… تاركة إياه يغمغم مع نفسه وهو يضع هاتفه بجيبه:

-معاكي حق متصدقيش……..بس كمان كام ساعة وهتصدقي….

______________

دق باب منزل عائلة الحلواني في تمام الساعة الثالثة عصرًا..معلنًا عن مجئ أحدهم….

سارع مروان بالفتح مخمنًا هوية ذلك الضيف…

صدق حدسه وكان بالفعل “سلطان”

بادر مروان برفع يده اولًا…مرحبًا به:

-اهلا بحضرتك اتفضل…

منحه بسمة واسعة مرحبًا به هو الآخر متسائلا عن البقية…

-اومال استاذ أيهم..وأستاذ سليم فين..اتمنى يكونوا موجودين..

اماء له بتأكيد مردفًا:

-موجودين اتفضل وانا هناديهم…

غاب دقائق معدودة ثم عاد برفقتهم..تبادلوا التحية…وكاد مروان الذي يدرك سبب تلك الزيارة بالمغادرة..ليلحق به سلطان موقفًا إياه عن المغادرة…

-استاذ مروان ممكن تخليك…انا عايز اتكلم معاكم انتوا التلاته…

قطب حاجبيه متسائلًا مع ذاته عما يريده منه فمن المفترض أنه قد جاء لطلب كلا من داليدا..و وعد…

استجاب لطلبه وجلس معهم..تنحنح سلطان بخفوت ثم بدأ الحديث موضحًا لهم:

-انا بصراحة مبحبش الكلام الكتير..بمعنى اصح بحب ابقى دغوري..عشان كدة هخش في الموضوع علطول….انا ولادي.. أشرف..ونضال..و عابد حابين يناسبوكم…..أشرف حابب يتقدم لـ لانسة وعد…ونضال بنتكم داليدا..وعابد وئام بنت حضرتك يا استاذ مروان…

لاح الذهول على وجه سليم..وايهم…اما مروان فكان من نصيبه البرود والجمود التام….

تابع سلطان كلماته يوضح لهم:

-انا فاهم طبعا في الأصول وعارف انكم المفروض تاخدوا وقتكم عشان تسألوا علينا..وعشان كدة مجبتش الولاد معايا..لو حصل نصيب بأذن الله تعالى…هجيبهم ونيجي نتقدم بشكل رسمي……

انتهى من كلماته…فهتف سليم بعد أن أخذ نفسًا عميقًا فالحديث كان صادمًا بالنسبة له..فلا يدري متى كبرت ابنته كي يأتي الرجال الى بابها كي يطلبون إياها….

-بصراحة حضرتك فجأتنا…و زي ما قولت عايزين وقت عشان نسأل البنات و

تحدث مروان بتلك اللحظة مقاطعًا حديث سليم معتذرًا من سلطان بطريقة مهذبة:

-انا آسف لحضرتك..بس ابنك جه متأخر..بنتي وئام متقدملها عريس وانا موافق عليه…وهيجي مع أهله يتقدملها كمان يومين……

تحولت أنظار الجميع نحوه….وتعجب أبناء أعمامه..فلم يخبرهم بذلك من قبل وتفاجئوا مثل سلطان تمامًا…

ورغم شعوره بالضيق لاجل ابنه..إلا أنه حافظ على ابتسامته وعلق:

-حقيقي زعلتني..ربنا يتمملها على خير…

قال الأخيرة وهو ينهض من محله مستعدًا للرحيل…مغمغم:

-استأذن انا بقى…وهستنى قراركم…واتمنى بجد اني اناسبكم..لان ربنا يعلم انا حبيتكم ازاي..

عقب أيهم بأمتنان:

-من القلب للقلب..واتمنى انا كمان نبقى نسايب…

قاموا الثلاث بتوديعه… وعقب رحيله استفسر سليم من مروان هاتفًا:

-ايه التهريج ده؟؟ ازاي يعني وئام يبقى متقدملها عريس واحنا اخر من يعلم هو انت فاكرها بنتك لوحدك ولا ايه؟…

قطب مروان حاجبيه وعقب:

-هو فين العريس ده؟؟

تدخل أيهم متحدث بعصبية طفيفة:

-أنت هتستعبط يا مروان…هو ايه اللي فين العريس ده اومال كلامك مع الراجل من شوية ده كان إيه؟؟

-تطفيش..بطفشه بالذوق…مش عايز اناسبهم…ولاده وبذات التوأم مش بينزلولي من زور..ببلعهم بالعافية….

-يعني إيه مفيش عريس متقدم لها؟؟

ضاقت عين مروان للحظات شاردًا بشيء ما……

لاحت شبح بسمة ماكرة لعوبة على وجهه استطاع إخفائها سريعًا…معقب بنبرة ذات مغزى:

-مفيش..انا اللي ياخد بنتي..لازم يكون بيحبها..ويكون عارف قيمتها..ولازم اشوف ده في عنيه ساعتها بس هوافق عليه…….

____________

خرجت من باب المنزل بعد أن لمحته من نافذة المطبخ متقدمة منه مستقبلة إياه بلهفة شديدة تستفسر منه عما حدث بجلسته معهم:

-عملت إيه يا أبو أشرف..وافقوا مش كدة….

هز رأسه بإيجاب..قائلًا:

-إن شاء الله هيوافقوا..استاذ سليم..وأستاذ أيهم…هيسألوا البنات عن رأيهم في الموضوع..وكمان هيسألوا علينا لسه…

-وماله يسألوا حقهم…بس قولي انت مطلبتش البت وئام لعابد زي ما قولتلك ولا إيه…

رد عليها ملقيًا عليها ما حدث:

-لا طلبتها..بس ابوها قالي انها متقدملها عريس وهو موافق عليه وكمان يومين وهيروحلهم مع أهله..

صمتت شاعرة بالضيق من اجل ابنها..مغمغمة بخفوت:

-يلا ملهمش نصيب..طب ايه رأيك مدام دي محجوزة ناخد أختها؟ ولا اقولك سيبك من عابد دلوقتي… تيجي نطلب فجر لـ خليل…الاتنين لايقين على بعض بشكل مق

ابتلعت باقي جملتها عندما وجدته يناظرها بشر…ثم مر من جوارها ضاربًا كف على الآخر….

-يا حاج استنى بس واسمع مني انا عايزة افرح بالعيال يا ناس….

_____________

بعد ساعة…

تجلس دلال أعلى الأريكة…هاتفها على أذنيها..تحاول مهاتفة اختها…..

بدأت بهز قدميها..والقلق يتمكن منها ويتسلل لقلبها..فـ ليس من عادة أختها ألا تجيب عليها بهذا الشكل…

اخفضت الهاتف وحاولت من جديد…

لكن بدون جدوى…لم تكف عن المحاولة..حتى أنها جاءت بأرقام أبنائها…فكانت النتيجة واحدة…وهي عدم الرد عليها…

حضر جابر عاقدًا حاجبيه متسائلًا:

-بتكلمي مين ياما؟؟

ردت عليه بعد أن نفذ صبرها مقررة الذهاب إليها:

-خالتك من امبارح مبتردش عليا…وحتى ولادها مش بيردوا…وانا قلبي اتوغوش عليها…انا قايمة اغير وهروحلها…وانت انا حطة حلة على النار فيها كوارع بسلقها..ساعة كدة واطفي عليها اوعى تنساها…بالك لو نسيتها مش هقولك هعمل فيك إيه…

قالت الأخيرة وهى تصعد الدرج…فقال معقبًا على كلماتها:

-ومين قالك اني هنساها..انا دماغي دي دفتر…يلا أتكلي انتِ على الله…طريقك أخضر…

أوشك على الجلوس فتذكر أمر والده الذي من المفترض أن يتحدث اليوم مع جيرانهم…

التهم الدرج التهامًا وصعد خلفها بأنفاس لاهثة كي يلحق بها قبل أن تلج الغرفة..

نجح بإلحاقها وهى على مشارف الولوج ويدها تقبض على مقبض الباب وعلى وشك تحريكه ..

-استني مقولتليش ابويا هيروح امتى عشان يطلب البنات لابنك أشرف ونضال..

إجابته بخفوت:

-ما هو راح خلاص…والناس معندهاش مانع وابوك هيستنى منهم الاوكى…

لوى شفتيه تارة يمينًا وتارة يسارًا مردد بمرح:

-عشت وشوفتك بتقولي اوكى ياما…

-ولا أنت انا مش فيقالك…لما أشرف وخليل ونضال يرجعوا ابقى بلغهم أن الناس وافقت..

-ليه هما فين؟؟

-طبعا هو أنت دريان بحاجة..ربنا يباركلهم راحوا المطعم…عايزين يخلصوه وهيشتغلوا عليه..عقبالك لما يبقالك لازمه كدة واشوفك بتشتغل…

أرادت دخول الغرفة فـ تذكرت امر تلك الفتاة المدعوة “وئام”

فالتفتت له قائلة بتحذير:

-حسك عينك تجيب قدام اخوك عابد سيرة البت اللي اسمها وئام دي تاني..انت فاهم؟

ارتفع جانب شفتيه وأنفه معًا مغمغم بسخط:

-اشمعنا…

-البت هتتجوز..متقدملها عريس وأبوها موافق وهيروحلهم كمان يومين مع أهله….

_____________

وصلت دلال إلى الطابق التي تمكث به اختها..وقفت أمام الباب وقامت بالضغط على جرس المنزل…لحظات وكانت تفتح لها أسماء….

تحدثت على الفور بنبرة خائفة مذعورة وهي تلج لداخل المنزل:

-أنتوا كويسين يا بت.. أمك فين؟؟

أوصدت اسماء الباب مجيبة عليها ببسمة بسطية:

-كويسين يا خالتي…امي جوه بتتفرج على التلفزيون…

تقدمت من مكان تواجدها وما أن وقعت حدقتاها عليها حتى هللت بعتاب:

-اخص عليكي يا نجلاء.. وقعتي قلبي حرام عليكي…لا انتي بتردي ولا عيالك بيردوا ؟؟ في إيه؟؟؟

لم تنهض اختها من مكانها كي ترحب بها..بل ظلت بجلستها فقط تنهدت بصوت مسموع..عالي..قائلة ببرود:

-أنتِ ادرى يا دلال…

عقدت الأخرى حاجبيها بعدم فهم….بينما تلفظت اختها مصوبة حديثها نحو ابنتها:

-خشي يا بت اعملي كوباية شاي لخالتك…

اولتهم اسماء ظهرها كي تنفذ كلمات والدتها..فأوقفها صوت دلال مرددة:

-متعمليش حاجة يا أسماء..انا مش جاية اضايف…انا واحدة قلقت على اختها و ولاد اختها اللي مش بيردوا عليها….ما تيجي دوغري يا نجلاء..وقولي في إيه؟؟

أغلقت التلفاز والتفتت لاختها مرتكزة بعيناها عليها قائلة لابنتها:

-خشي أوضتك يا بت وسبيني مع خالتك…

انصاعت لها وتركتهم بمفردهم..وما أن تأكدت من مغادرتها حتى أخرجت ما بقلبها مرددة:

-شوفي يا دلال..أنا متعودتش اكتم في نفسي..واي حاجة مضيقاني بقولها للي مضايقني في وشه..وأنتِ عارفة كدة كويس….وعشان كدة احب اقولك اني مبردش عشان مضايقة منك…ومكنتش متوقعة انك تشوفيني انا وبنتي قليلين لدرجة أنك استخسرتي تاخدي بنتي اللي قدام عينك طول السنين دي..وبصيتي لشوية بنات غريبة لا نعرف أصلهم ولا فصلهم….

ضربت دلال على صدرها مرددة بصدمة:

-يا ندامة…بقى أنا شيفاكي قليلة انتي وبنتك…لا أنتِ شكلك خرفتي يا نجلاء….لما تقولي كلمتين زي دول تبقي خرفتي…ده ربنا وحده اللي يعلم أنتِ وعيالك ايه بالنسبالي…. وبنتك أنا مستخسرتهاش… أنا شيفاها غالية…وغالية اوووي…وكتير كمان على عيالي..

ارتخت ملامح نجلاء المحتدة…بينما استرسلت دلال موضحة لها:

-من واحنا عيال وانا اسراري كلها معاكي….اي حاجة بتحصلي بجيلك أنتِ..وافضفض معاكي أنتِ….اللي أنا عملته ده الصح…اي اتنين متجوزين لازم تحصل بينهم مشاكل..او سوء فهم…وده اللي خلاني رافضة الفكرة..مش عايزة اختي..وحبيبتي وصاحبتي..وبير اسراري تزعل مني في يوم او تبعد عني بسبب حد من عيالي…

لمعت عين نجلاء وتأثرت من حديثها….ابتعدت بعيناها عنها شاعرة بالخجل من تصرفها وتفكيرها الشنيع..وطمعها الذي جعلها تقسو على شقيقتها….

لم تكتفي دلال بهذا الحد…مرددة بحزن وأسى:

-لو كنتي قليلة زي ما بتقولي مكنتش جيتلك….ولا كنتي هتشغلي دماغي…ولازم تعرفي اني عملت كدة عشان بحبك وشيفاكم حاجة كبيرة ومهمة في حياتي مش عايزة اخسرها…

انتهت تنوي على الرحيل…فلم تسمح لها نجلاء ممسكة بيدها جاذبه إياها تجبرها على الجلوس معتذرة منها…

-خلاص اقعدي..حقك عليا…بس مجاش في دماغي غير كدة..

-عشان غبية وهنا مفيش عقل يفكر في جالوص طين…

أشارت وهي تتحدث نحو جبينها..فضحكت أختها وعادت الماء لمجاريها بينهم من جديد……..بعد أن قررت نجلاء إخراج أبناء شقيقتها من عقلها………

_______________

في المساء…

تقبع وعد قبالة أبيها بحجرة المكتب بعيدًا عن الجميع..وتلك الفوضى التي تعم بالخارج نتيجة لتشاجر أحمد مع فجر…وأبرار….

تساءلت بفضول واضح:

-مالك يا بابا..موضوع ايه اللي عايزني فيه؟؟؟

أخذ شهيقًا كبيرًا قبل أن يشرع بالحديث ممهدًا لها متأكدًا من رفضها الذي سيحدث:

-دلوقتي يا حبيبتي أنتِ مبقتيش صغيرة..يعني ماشاء الله كبرتي وبقيتي عروسة و

اوقفته بأعين قد اتسعت مردفة بطريقة ساخرة:

-مبقتش صغيرة..وكبرت وبقيت عروسة؟؟ بابا الدخلة دي انا عرفاها…..

زاد اتساع عيناها مستوعبة للتو مجئ عريس لها…فقالت وهي تنهض منتفضة من مكانها كمن لدغتها أفعى…

-هو انا جايلي عريس !!!! ده مين الأعمى اللي امه داعية عليه ده..اللي ساب كل بنات العيلة وملقاش غيري….

نهض أيهم بملامح قد تبدلت..دافعًا إياها بخفة يجبرها على الجلوس مرة أخرى مسترسلًا بانفعال طفيف من أسلوبها الذي يشابه والدتها:

-يا بنتي أهمدي..وبعدين مفيش حد أعمى غيرك…أنتِ زي القمر..

ردت عليه مبتسمة رغمًا عنها من كلماته التي اخجلتها وجعلتها تتورد:

-الله يخليك يا حاج…بس انا عشان بنتك بس شايفني قمر…

تنهد بسخط من ثرثرتها ثم استطرد دفعة واحدة:

-طيب عشان نخلص..سلطان جارنا جه انهاردة وبيقول أن اشرف ابنه عايز يتقدملك…ونضال عايز يتقدم لـ داليدا…..

ارتخت تعابيرها…وتجمدت الكلمات على لسانها……فقط عيناها ترتكز على والدها وكلماته يتردد صداها على اذنيها

“أشرف ابنه عايز يتقدملك…….”

استرسل ابيها يوضح لها:

-طبعا هو مستني اننا نسأل عليهم..ونأخد رأيكم وبعدين نكلمه…وسليم فعلا كلم ناس تسأل عليهم…قوليلي لو طلعوا ناس كويسة وده انا حاسس بيه..توافقي عليه..ولا لا…

لم تتبدل حالتها متذكرة تلك المكالمة التي كانت بالصباح بينها وبينه وأخبرها خلالها بأن والده يرغب بها عروس له..و وقتها لم تصدقه وظنته يمزح معها ليس إلا….

هتف بأسمها عدة مرات دون استجابة منها….فقام برفع يده أمام عيناها ملوحًا بها…

-أنتِ يا بنتي..روحتي فين…

إجابته ببلاهة بعدما فاقت على صوته:

-مروحتش…انا مصدومة دلوقتي….

ضيق عيناه بشك نحوها فرد الفعل تلك لم تخطر بخاطره بل توقع رفض تام…فـ عاود طرح سؤاله بذهول:

-أيوة يعني موافقة عليه؟؟

أطرقت رأسها وأسبلت جفنيها مجيبة بنبرة جديدة على أبيها..لم تزيده سوى شكًا وصدمة:

-اللي حضرتك تشوفه يا بابا…

بعد أن تفوهت بآخر كلماتها ركضت من الغرفة تاركة إياه يتابع أثرها…

ولج سليم عقب مغادرتها مردد بدهشة من ركضها وخجلها الظاهر عليها مغلقًا الباب خلفه:

-أنت قولتلها ولا إيه؟؟

لم يجيبه فقد كان شاردًا…كرر سليم سؤاله..فأنتبه له تلك المرة متمتم:

-اه…

-ليه !!! مكنتش قولت دلوقتي كنت استنى لما نسأل عليهم الأول….

برر أيهم فعلته مردفًا:

-انا توقعت انها هترفض..وهلاقي تور هايج قدامي…وانها مش هتوافق اصلا وأن الجوازة دي مش هتحصل من غير ما نسأل..بس البت واقفت يا سليم…انا مصدوم..!!!!!!

_____________

عادت دلال إلى المنزل خالعة حجابها عن خصلاتها…منادية بأسم أبنها:

-جابر..واد يا جابر…

تقدمت من الصالون فوجدته يتمدد على الأريكة ويغط في نوم عميق وهاتفه يقبع أعلى جوفه…

اقتربت منه خطوتان…وفجأة تصنمت مكانها…وبرقت عيناها بعد أن وصل إليها تلك الرائحة….

حركت أنفها محاولة التأكد مما يصل إليها…وسرعان ما هرولت نحو المطبخ وهى تضرب على صدرها ضربات متتالية متحسرة:

-احييه الكوارع….

وصلت للمطبخ فوجدت الإناء لا يزال على الموقد..وقد تحول لون الإناء من فضي لامع…إلى لون الفحم….

اطفأت الموقد وانتشلت قطعة قماش مزيلة الغطاء….وسرعان ما زاد تحسرها..و اوشكت على البكاء…فقد احترق الطعام والتصق بالإناء الذي بات لا يصلح من بعد الآن….

أغمضت جفونها بغيظ…والدماء تفور لرأسها……

كزت على أسنانها وهتفت بتوعد:

-وربنا لوريك يا جابر الكلب…

خرجت من المطبخ حاملة بين يدها وعاء مملوء بماء بارد…مقتربة من الصالون وتحديدًا ذلك النائم….

وبحركة مباغتة جعلته ينتفض من أعلى الأريكة…ثم يسقط أرضًا وهو يحاول النهوض والهروب من تلك المياه التي ألقت عليه…

-ايه…ايه في إيه….مين….

جذبته من تلابيبه صارخة في وجهه:

-بقى أنا اتعب في الأكل ويطلع عيني فيه وفي الاخر يتحرق بسبب حضرتك…انا مش قيلالك ساعة واطفي عليه يا بن الحمارة انت….

لم يهمه كل ذلك…فقد كان يرتجف من البرودة….مغمغم بصعوبة:

-اقسم بالله أنتِ مفترية….والافترا ده آخرته وحشة….ولو جالي نزلة برد هيبقى بسببك…..

اغتاظت من بروده ولا مبالاته بحرق الطعام فصاحت:

-يكش تفطس يا بعيد….

حضر سلطان على أصواتهم قائلًا بأعين ناعسة فقد استيقظ للتو:

-في ايه يا ام أشرف…..

تحركت نحوه تشكو إليه وتسرد ما حدث..

زفر بيأس مراقبًا ابنه الذي يسير ببطء ويرتجف بشدة…

-وهو ده حد يعتمد عليه برضو..أنتِ اللي غلطانة…

رد جابر من خلفهم وهو لا يزال يحاول الوصول إلى درجات الدرج:

-قولها يابا..قولها…

فُتح باب المنزل بتلك اللحظة وتحركت دلال وسلطان على صوته…

ظهر عابد الذي اشغل نفسه طيلة اليوم بصالونه الجديد كي لا يفكر بها وتأخذ من وقته ما لا تستحق…..

سقط بصره على جابر المبتل من الاعلى ويلتفت إليه ببطء…

صدح صوت والدته تقص عليه ما حدث:

-أنت جيت يا عابد..شوفت الواد اللي معندوش دم…سبت البيت ساعتين عشان اشوف خالتك عشان مش بترد..و وصيته على الاكل..قولتله ساعة واطفي عليه..اجي الاقيلك الاكل اتحرق…..

استهزء عابد منه مردفًا:

-وأنتِ اول مرة تعرفي أنه معندوش دم…ومش قد ايه المسؤولية..ده كويس أنه فاكر اسمه إيه…

استشاط جابر…وظلت عيناه معلقة بأخيه لثواني…

ثم أولاه ظهره وصعد كي يبدل ملابسه ثم يهبط إليه……

بتلك الأثناء حضر البقية واخبرهم سلطان بذهابه لعائلة الحلواني وبأنه ينتظر الموافقة منهما كي يذهب رفقتهم ويتقدمون بشكل رسمي…..

تهللت اسارير نضال….وظل يخمن مع نفسه رد فعلها ما أن تدرك بأنه يرغب بها زوجه له…..

أما أشرف فقد لاحت شبه بسمة على وجهه متسائلًا عما إذا كانت قد أدركت ذلك الحديث أم أن والدها لم يخبرها بعد……

هبط جابر مجددًا وابتسامة لعوبة ماكرة تحتل قسماته متيقنًا بما سيحدث الآن من انفجار..بعد أن يلقي بقنبلته على مسامع أخيه…

-سمعت يا عابد اخر الاخبار…مش ابوك كلم عمو مروان على وئام عشانك…

وعمو

قاله أنها هتجوز..

وعريسها

جاي كمان يومين مع أهله…………

يتبع.

فاطمة محمد.

رأيكم وتوقعاتكم ❤️

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية كارثة الحي الشعبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق